الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيتضح حينئذ أن زيدا وغيره من الأفراد ليس لازما للمسمى، وإذا لم يكن لازما للمسمى لا يكون اللفظ دالا عليه بالالتزام، فبطل أن تكون صيغة العموم دالة على فرد من أفرادها بأحد الدلالات المذكورة، وأن هذه دلالة أخرى وهي دلالة لفظ الكلية على الجزئية، وهي غير دلالة لفظ الكل على الجزء؛ لما تقدم من أن الكلية لو كانت كلا لتعذر الاستدلال بها على ثبوت حكمها لفرد من أفرادها في النفي والنهي، فهذه خاصية من خواص صيغ العموم.
الخاصية الثانية: هي عدم التناهي
، فإن مدلول صيغة العموم كلية غير متناهية الأفراد؛ لأن معناها استيعاب جميع الأفراد التي يصدق عليها (مشترك الأفراد)؛ بحيث لا يبقى فرد إلا شمله الحكم، وهذا لا يمكن أن يعقل مع التناهي، فإنا لو قضينا بالتناهي والوقوف عند حد من الأعداد في الأفراد لكان إذا وجد فرد بعد ذلك العدد فيه ذلك المعنى المشترك/ كمفهوم المشترك مثلا لا يثبت ذلك الحكم فيه، وليس كذلك بإجماع القائلين بالعموم، فلا يستقيم حينئذ القول بالعموم إلا إذا قلنا: بأن مدلول العموم كلية غير متناهية الأفراد ولا يعلم اللفظ وضع في اللغات وهو لفظ مفرد لعدم النهاية بهذا التفسير إلا صيغ العموم، فكان عدم النهاية من خواص صيغ العموم.
فإن قلت: قول القائل: عبيدي أحرار من صيغ العموم عند القائلين به،
مع أن الذي يملكه الإنسان عدد محصور قطعا، وربما كان العبيد ثلاثة فقط، وهذا محصور قطعا، وكذلك قول القائل: أعط هذه الدراهم لمن في الدار، والذي في الدار محصور قطعا، وقد يكون واحدا، ومن المحال أن يكون في الدار عدد غير منضبط، (بل هو منضبط) بعدد محصور قطعا، فبطل القول بأن مسمى صيغ العموم لا بد وأن يكون غير متناه.
نعم، قد يكون غير متناه نحو: اقتلوا المشركين، وقد يكون متناهيا نحو المثل المتقدمة، وكذلك قول القائل: كل من خلقه الله الآن ممكن، فهذا من أبلع صيغ العموم، مع أن محصور في (الآن)، والآن زمن فرد لا يقبل أن يكون فيه من المخلوقات ما لا يتناهى؛ لأنه قد قامت البراهين العقلية على استحالة دخول ما لا يتناهى في الوجود دفعة، فالواقع حينئذ في الزمن الموصوف بقولنا:(الآن) عدد محصور متناه، مع أن هذا اللفظ من أبلغ صيغ العموم، فيبقى حينئذ أن الصيغة العامة قد يكون مسماها محصورا وقد يكون غير محصور، فإطلاق القول بأن مسماها دائما غير متناه لا يستقيم.
قلت: أسئلة حسنة قوية، ومع ذلك فالجواب عنها يبنى على قاعدة، وهو أن الواقع من العموم لا يلزم أن يكون مسمى العموم، بل الواقع له حكم، والعموم من حيث هو عموم حكم، فالواقع دائما متناه والعموم دائما غير متناه، فتأمل ذلك.
فإن قول الله تعالى: {فاقتلوا المشركين} وجوب القتل، وهو الحكم الذي حصل به العموم في هذه الصيغة شامل لما لا يتناهى عند ورود الصيغة، وقد لا يكون في الوجود ذلك الوقت مشرك ألبتة، ألا ترى إلى قولنا: اقتلوا العنقاء/ أو الآدمي الذي له ألف رأس، لفظ عام في المذكور، وحكم مقرر عند السماع في أفراد غير متناهية وليس في الخارج منه فرد واحد البتة، ولم يناف عدم الوقوع في الخارج ثبوت الحكم للعموم على عمومه من غير تخصيص، وإنما علمنا وجود المشركين في الخارج بالوجدان الحسي، لا من جهة أن الصيغة عامة، والعموم متحقق، وإن لم يكن في الخارج منه فرد ألبتة، فعلمنا أن الحكم الذي يقع به التعميم إنما يتعلق بذلك العدد فقط.
وكذلك قول المستفهم: (من عندك؟ )، عام عند القائلين بصيغ العموم.
ومع ذلك فإنك تقول في الجواب: زيد، ويكون جوابا مطابقا، مع أن (زيدا) لا يمكن أن ينطبق على العموم، وأجمع الناس على أ، هـ جواب صحيح كامل، فيكون حكم الوقوع والكون عندك خاصا بواحد محصور، والحكم الذي وقع به العموم والاستفهام شامل لجميع مراتب العقلاء، الذي يمكن أن يكون عندك، بل أبلغ من ذلك أن تقول (له: ليس) عندي أحد، ويكون جوابا مطابقا، مع أنك لم تذكر زيدا ولا غيره فيعلم بالضرورة أن حكم الكون عندك ليس هو الحكم الذي وقع به التعميم، فإن الكون منفي بالكلية عن جميع الأفراد، والاستفهام شامل وواقع بجميع الأفراد، وإذا ظهر لك أن حكم الكون في الوجود غير الحكم الذي وقع به التعميم، فنقول: قول القائل: عبيدي أحرار، وهو من صيغ العموم، والصفة التي هي القدر المشترك الذي وقع به التعميم هي وصف العبودية المضاف إليه، والحكم المرتب على هذا الوصف المشترك هو الحرية والإعناق، فمقتضى هذه الصيغة: أنه مهما وجدت العبودية المضافة إليه ترتب هذا الحكم، ويتبع كذلك في جميع موارد هذا الوصف المشترك، كما يتبع بوجوب القتل جميع موارد المشترك حيث كان ومتى كان، هذا هو حكم التعميم، وإعطاء الصيغة حقها من حيث هي
صيغة عموم، ولذلك إنا نقول: أي عبد وجد في ملكه يعتق، (إشارة) إلى عدد محصور ألبتة، فقد يكون الواقع/ أنهم ثلاثة، أو مائة ألف، التعميم في الجميع سواء بمقتضى صيغة العموم، لكن الواقع دائما في عدد معين، كما كان الواقع دائما محصورا في عدد معين، فحكم الوقوع غير الحكم الذي وقع به التعميم، ومقتضى الصيغة أنا نعتق ما لا يتناهى من العبيد، غير أن العقل منع أن يقع في ملكه غير متناه في زمن التلفظ، ولا يلزم من منع العقل من وقوع شيء ألا يكون الحكم عاما فيما لا يتناهى، ألا ترى إلى قول القائل: كل عشرة هي فرد من الدنانير [هي] صدقة لوجه الله تعالى أو: كل إنسان هو جماد فإنه ممكن، صيغ عامة لا تختص فيها، متناولة لما لا يتناهى، ومع ذلك فقد دل العقل على استحالة وقوع فرد من هذين العمومين في الوجود، ولم يناف ذلك العموم، وصدق حكمه على العموم، فحكم الوقوع غير الحكم الذي وقع به التعميم.
كذلك مدلول قوله: عبيدي أحرار، عام وغير متناه، ودل العقل على أن الواقع في ملكه لا يكون إلا متناه، ولا ينافي بين الحكمين، فإذا لم يتناف العموم ووقوع عدد محصور، وأصل ذلك كله أن يتقرر عندك أن حكم الوقوع غير الحكم الذي وقع به التعميم، وأنه لا ملازمة بين الوقوع والعموم.
وقد شرع الله- تعالى- حكم اللعان في المتلاعنين، وهم عدد غير متناه بالنظر إلى عموم الصيغة ومع ذلك لم يقع في الوجود من زمن رسول الله من هذا العموم إلا فرد أو فردان فقط، ولم يناف ذلك أن الحكم
عام فيما لا يتناهى من الأزواج.
وكذلك قول القائل: أعط هذه الدراهم من الدار، الوصف الذي يجب تتبعه في موارده ويحصل به العموم هو العاقل الكائن في الدار، وهذا من حيث التعقل يقبل أن يقع في محال غير متناهية لولا دلالة العقل على أن الله تعالى لا يمكن أن يوجد في الدار عددا غير متناه، ولولا هذا الدليل العقلي لعممت فيما لا يتناهى بمقتضى الصيغة، لكن دل العقل في الواقع على شيء ودلت الصيغة على العموم فيما لا يتناهى، فمدلول الصيغة من حيث هو/ مدلولها غير متناه، ومدلول العقل متناه، وقد تقدم أنه لا تنافي بين عدم النهاية في العموم والنهاية في الوقوع، بل العدم الكلي في الوقوع لا يتنافي العموم وعدم النهاية كما تقدم بيانه.
وكذلك قول القائل: كل من خلقه الله تعالى الآن ممكن، صيغة عموم يقتضى أن الموجود المخلوق غير متناه، غير أن الدليل العقلي لما دل على أنه لا يمكن أن يخلق في الزمن الفرد- الذي هو الآن- حوادث غير متناهية، بل متناهية قطعا، فيصير الثابت للصيغة من حيث هي صيغة عموم عدم التناهي، والثابت من حيث الدليل العقلي التناهي، (ولا ينافي) كون الصيغة تستحق لذاتها عدم التناهي ولا يقع ذلك المستحق لمانع عقلي أو غيره كما تقدم، مع أنك ستقف على (أن) المخصصات المتصلة عشرة: أحدها: الظروف، وثانيها: المجرورات، فعلى هذا هذه المثل [إن] اقترنت بها المخصصات منعنا من اعتقاد إرادة ظاهر العموم، وهو عدم النهاية ولا يلزم من عدم اعتقادنا عدم النهاية عند عدم القرينة اعتقادنا النهاية عند القرينة، فمدلول اللفظ قد ينتفي عنه لعارض.
فإن قلت: يدعى عد النهاية في صيغ العموم بتفسير واحد أو بتفسيرين؟
قلت: قولنا: العموم الفلاني غير متناه له تفسيران:
أحدهما: مسلوب النهاية على الإطلاق، ومن هذا التفسير قولنا:
معلومات الله (تعالى) غير متناهية، أي: لا غاية لها ولا طرف، ومنه: الممكنات في مادة الإمكان غير متناهية.
وثانيهما: ما له نهاية في نفسه لكن لا يجب الوقوف عندها، ومن هذا التفسير قولنا: مقدورات الله تعالى غير متناهية، مع أن ما توجه القدرة دائما متناه؛ لأن العالم حادث، فللحوادث أول وآخر، وغايتها الآن الذي نحن فيه، والمحصور بين حاصرين متناه قطعا، فالمقدورات متناهية؛ لأن لها غاية دائما، لكنها لما كانت تلك الغاية لا يجب الوقوف عندها بل يجوز إيجاد أمثال، لكنها لما كانت تلك الغاية لا يجب الوقوف ع ندها بل يجوز إيجاد أمثال ما وجد من الحوادث المقدورة، قيل لذلك: المقدورات غير متناهية.
/ ومن هذا الباب قولنا: نعيم أهل الجنة غير متناه؛ لأن له مبدأ وهو
أول دخولهم، وأي زمن فرضت وصولهم في الخلود إليه كان ذلك هو غاية نعيمهم، لكن لما كان لا يجب الوقوف عند تلك الغاية في حقهم بل ينتقلون (إلى غاية بعد غاية بعد غاية) كذلك دائما، قيل: نعيمهم غير متناه، مع أن لهم غاية دائما، فظهر لك أن قولنا: نعيم أهل الجنة غير متناه: من باب قولنا: المقدورات غير متناهية، لا من باب قولنا: المعلومات (غير) متناهية.
وكذلك قولنا: الأعداد غير متناهية معناه: أنا إذا وصلنا إلى رتبة من العدد فإنه لا يجب الوقوف عندها، بل يجوز انتقالنا إلى رتبة أخرى فوقها، فالعدد دائما له نهاية لكن لما لم يجب الوقوف عند تلك الغاية قيل: العدد غير متناه، ولكل واحد من القسمين نظائر كثيرة فتأملها في مواضعها.
فعلى هذا، المعلومات ثلاثة أقسام:
ما هو متناه بكل تفسير نحو: العشرة، وكل رتبة معينة من العدد فإن لها غاية يجب الوقوف عندها (ومتى كان للشيء غاية يجب الوقوف عندها)
كان متناه بالتفسيرين.
وما هو متناه اتفاقا: وهو ما ليس له غاية كالمعلومات.
وما هو غير متناه على اصطلاح دون اصطلاح: وما له غاية لا يجب الوقوف عندها، (فإذا قلنا): إن المتناهي ما (ليس) له غاية كان هذا القسم متناهيا، (وإذا قلنا): إن غير المتناهي يطلق على ما لا يجب الوقوف (عليه) عند غايته كان هذا القسم غير متناه، وهو متناه بتفسير، غير متناه بتفسير آخر.
إذا علمت هذا التلخيص، فقولنا: كل معلوم لله تعالى مخبر عنه، فهذه صيغة عموم مسلوب النهاية، وهذا كلام عربي حقيقة لا مجازا، واللفظ مستعمل فيما وضع له من العموم، وكذلك قولنا: كل مخبر عنه لله تعالى بالكلام النفساني، معلوم له، وكل ممكن فإنه يصح تعلق القدرة القديمة
به نحو هذه الموارد، فإنها كلها غير متناهية مسلوبة النهاية، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فتكون صيغة العموم موضوعة لما لا يتناهى بهذا التفسير.
وقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} يقتضي أن مهما وجد مشرك في الوجود/ وجب قتله، وإذا وصلنا في القتل إلى غاية لا يجب الوقوف عندها بل يجب الانتقال إلى ما وجد بعدها.
وكذلك قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} و {حرمت عليكم أمهاتكم وأخواتكم .. } الآية، ونحو ذلك، فإنه يقتضى أنه مهما وجد ميتة أو فرد من هذه الأجناس المذكورة فإن التحريم يتعلق به، وقبل وجوده لا يحرم، ومهما وصلنا إلى غاية فإنه لا يجب الوقوف عندها، بل نتجاوزها إلى ما يوجد بعدها.
والظاهر: أن (هذا الاستعمال) - أيضا- حقيقة وهو مباين للأول، فهل صيغة العموم مشتركة بين ما لا يتناهى بالتفسيرين المختلفين، أو هي موضوعة للأول عينا من غير اشتراك؟ هذا موضع غريب لم أر أحدا حرك فيه بحثا ولا ادعى فيه شيئا، وللنظر فيه مجال.
والذي يظهر لي أن صيغ العموم ليست مشتركة بين النوعين؛ لأنا نجدها مجملة والإجمال عند عدم القرينة (غير لازم) للاشتراك، وانتفاء
اللازم يقتضي انتفاء اللزوم، فسيكون الاشتراك منتفيا؛ لانتفاء لازمه، وهو المطلوب.
وإذا لم تكن مشتركة بين النوعين اللذين هما نوعا ما لا يتناهى بالتفسيرين المتقدمين، فهي موضوعة للقدر المشترك بينهما، وهو ما لا يتناهى، إما بهذا التفسير أو بالتفسير الآخر، فإن كلا النوعين يصدق عليه ما لا يتناهى.
ووجه تحرير هذا الكلام فيه وبسطه ما تقدم في حقيقة العموم وحده أول الكتاب وهو أنه: موضوع لقدر مشترك بوصف يتبعه في محاله بحكمه، كان ذلك الحكم خبرا أو طلبا أو إباحة أو غير ذلك.
ومعنى هذا التتبع: أنه مهما وجد مسمى اللفظ وهو (مشترك) مثلا في قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} ترتب عليه الحكم المذكور في ذلك العموم، ووجود المسمى في موارده له حالتان:
تارة لا يوجد إلا متناه وفي غاية معينة، لكنه لا يجب الوقوف عند تلك الغاية، بل إن وجد بعد لك مشرك آخر وجب قتله أو بيع وجب حله، أو ميتة وجب تحريمها، والواقع دائما من هذا المسمى أفرادا محصورة متناهية.
وتارة يتحقق مسمى اللفظ- أعني: لفظ/ الجنس- قبل دخول أداة العموم عليه في موارده غير (متناه، مسلوب الغاية والطرف في صيغة العموم كقولنا: معلومات الله تعالى غير) متناهية فإن هذه صيغة عموم؛ لأنه جمع مضاف فيعم، نحو: عبيدي أحرار، ومسمى هذا اللفظ قبل دخول أداة العموم عليه، لما دخلت أداة العموم عليه وهي الإضافة مثلا تحقق في موارده يوصف سلب الغاية والنهاية، فإن وصف المعلومية قد شمل في علم الله تعالى ما لا يتناهى بهذا التفسير ولم يقف عند غاية ويتوقع بعدها غيرها كما قلنا في (المشركين) فلما تحقق المسمى في موارد غير متناهية بهذا التفسير وجب أن يتبع حكم هذا العموم وهذا المسمى في جميع تلك الموارد بوصف سلب النهاية، والحكم هاهنا هو الخبر عن معلومات الله تعالى (فلا جرم تناول خبرنا في هذا الخبر عن معلومات الله تعالى) موارد مسلوب الغاية والنهاية من غير انتقال من غاية إلى غاية بل دفعة، لأن المسمى كان متحققا قبل خبرنا، وتحقق المسمى يتبع حكم العموم، وذلك من قولنا: مخبرات الله تعالى بالكلام النفساني معلومة له وغير متناهية، فإن
مخبرات الله تعالى مسلوبة الغاية والنهاية بالفعل، فعم الحكم الذي هو هذا الخبر الخاص أيضا ما هو مسلوب الغاية والنهاية، ومن ذلك قولنا: في الأزل عدمات الممكنات غير متناهية، فإن قولنا: عدمات الممكنات جمع مضاف فيعم، ومسمى هذا الجنس الذي هو عدم قد شمل في الأزل موارد مسلوبة الغاية والنهاية، فكذلك عم هذا الخبر في هذا العموم أفرادا مسلوبة الغاية والنهاية، ونظائره كثيرة في المعقولات.
ونظائر القسم الأول وهو ما لا نهاية لا يجب الوقوف عندها، كثيرة أيضا كما تقدم مثله، واشتراك القسمان في حرف واحد وهو وجوب ترتيب حكم العموم في كل فرد وجد فيه، وتحقق ذلك الوصف الذي هو قدر مشترك بين أفراد العموم وهو مسمى ذلك الجنس قبل دخول أداة العموم عليه، فلما تحقق في أحد القسمين في موارد غير متناهية مسلوبة الغاية ترتب
الحكم كذلك، وبقي ترتبه في الزيادة في فرد آخر زائد على تلك الغاية، متوقفا على تحقق مسمى اللفظ في ذلك الفرد، فلم تنخرم/ القاعدة في وجوب ترتيب حكم العموم على مسمى اللفظ حيث تحقق، فصار ترتب حكم العموم في موارد المسمى حيث تحقق قدرا مشتركا بين القسمين غير أنه اتفق تحققه في قسم في أفراد مسلوبة النهاية، وتحقق في أفراد ثابتة النهاية تتوقع الزيادة عليها، وملازمة الحكم لمسمى اللفظ في أي مورد تحقق، هو القدر المشترك بين القسمين، وهذا القدر المشترك هو مسمى صيغة العموم ع قطع النظر عن خصوص كل واحد من القسمين، فذهب الاشتراك وتحقق أن مسمى العام غير متناه وعدم التناهي متنوع إلى نوعين، واندفع الإشكال وتلخص البحث في تحقيق هذا الموضع بفضل الله تعالى.
وهذا التلخيص أشار إليه أ {باب علم المنطق حيث قالوا: إن الموجبة الكلية نحو قولنا: كل إنسان حيوان، وكل عشرة زوج، معناها: أن كل شيء يفرض اتصافه بكونه إنسانا في الماضي أو الحال أو المستقبل فإنه يجب له أنه حيوان بحيث يكون ذلك الاتصاف بالفعل على رأي الجمهور، وكذلك كل شيء يفرض بالفعل عشرة في أحد الأزمنة الثلاثة فإنه يجب أن يكون
زوجا، وعلى هذا التفسير تكون الموجبة الكلية غير متناهية، بمعنى: أن لها غاية لا يجب الوقوف عندها، فإن الواقع من أفراد الإنسان في الأزمنة الثلاث: الماضي والحال والمستقبل متناه قطعا بناء على حدوث العالم، غير أنه لا يصل إلى غاية يجب الوقوف عندها فلا يتوقع بعدها إنسان لا عشرة، وهذا مساو للعموم في قولنا: أحل الله البيع، وحرم الميتة، ونحوهما.
وقيل: معنى الموجبة الكلية: كل ما يقبل أن يكون إنسانا فإنه حقيقة الموضوع المحكوم عليه، ويلزم على هذا أمران:
أحدهما: بطلان هذه القضية المتقدمة وهي قولنا: كل إنسان حيوان بالضرورة، بل الصادق أنه حيوان بالإمكان فقط، فإن مجرد القابل للإنسان لا يجب أن يكون حيوانا، فإن الجماد يقبل الإنسان ولا تجب له الحيوانية، بل يمكن.
والأمر الآخر الذي يلزم/ أن تكون الموجبة الكلية غير متناهية بالتفسير