الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبر أو ذلك العموم مضافا إلى الاستقراء المذكور، ونظير هذه المسائل ودعوى العلماء فيها أنها معلومة من اللغة بالضرورة: شجاعة علي رضي الله عنه، وكرم حاتم، فإنهما معلومات بالضرورة من جهة الاستقراء التام، المحصل للعلم في حق كل واحد منهما، ولو أخذنا نضع في كتاب عدة حكايات في حق أحدهما لا نطلع إلا عليها لم يحصل لنا العلم، مع أنها بعض حكاياتهما، كذلك هذه المسائل الموضوعة في الكتب لا يحصل العلم والاستقراء التام بحصول العلم، والمذكور في الكتب بعضه، فتأمل ذلك فهو
سر قول العلماء: مسائل أصول الفقه قطعية
.
وعن الثاني: لا نزاع في أن هذه الألفاظ تستعمل في الخصوص، ولكنك إن ادعيت أنه لا يوجد الاستعمال إلا إذا كان حقيقة بطل قولك، /وإن سلمت أن الاستعمال يوجد حيث لا حقيقة بطل الاستدلال بالاستعمال
على أنه حقيقة.
فإن قلت: استدلال بالاستعمال على أن المجاز خلاف الأصل على كونه حقيقة.
قلت: قولك المجاز خلاف الأصل، يفيد الظن، وعندك المسألة يقينية، وأيضا فكما أن المجاز خلاف الأصل، فكذلك الاشتراك، وقد تقدم في كتب الأصول أن المجاز أولى من الاشتراك.
وأما قوله: إذا لم يجعل هذا طريقا إلى كون اللفظ حقيقة، لم يبق لنا طريق أصلا.
قلنا: قد بينا فساد هذا الطريق، فإن لم يكن هاهنا طريق آخر إلى الفرق بين الحقيقة والمجاز وجب أن يقال: إنه لا طريق إلى ذلك الفرق؛ لأن ما ظهر فساده لا يصير صحيحا لأجل فساد غيره.
قوله- ثانيا-: إما أن تعرف بالضرورة أو بالدليل، والضرورة باطلة، لوقوع الخلاف فيها، والدليل باطل؛ لأنا لم نجد في أدلة المخالفين ما يدل عليه.
قلنا: الضرورة لا ينكرها الجمع العظيم من (العقلاء، وقد ينكرها النفر اليسير، ولا نسلم أن الجمع العظيم من) أهل اللغة نازعوا في أن لفظ (الكل) و (أي) للعموم.
سلمنا ذلك، ولكن لا نسلم أ، هـ لم يوجد ما يدل على أنها مجاز في الخصوص.
قوله: نظرنا في أدلة المخالفين فلم نجد فيها ما يدل على ذلك.
قلنا: عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، فكم من حصل عنده علم ضروري بالتواتر، وبالنظر لم يطلع عليه غيره.
واعلم أن الشريف المرتضى عول على هذه الطريقة، ومن تأمل كلامه فيها علم أنه في أكثر أمره يدل على المطالبة بالدلالة على كون هذه الصيغة مجازا في الخصوص، مع أنه شرع فيها شروع المستدل على كونها حقيقة في الاستغراق والخصوص.
وعن الثالث: لا نسلم أن حسن الاستفهام لا يكون إلا عند الاشتراك، فما الدليل عليه؟ ثم الذي يدل على أنه قد يكون لغيره وجهان:
الأول: أنه لو كان حسن الاستفهام لأجل الاشتراك لوجب ألا يحسن الجواب إلا بعد الاستفهام عن جميع/ الأقسام الممكنة على سبيل التفصيل، كما تقرر فيما تقدم:
الثاني: أن الاستفهام قد يجاب عنه بذكر ما وقع الاستفهام عنه، كما لو قال القائل: ضربت القاضي، فيقال له: أضربت القاضي؟ فيقول: نعم ضربت القاضي، ولاشك في حسن هذا الاستفهام في العرف، مع أنه لا اشتراك ولا إجمال، وكذلك يقع في النصوص الصريحة، كمن قال: أكلت البارحة مائة رغيف، فيقال له: مائة رغيف؟ لاستغراق هذه المقالة،
وكذلك تكون لفرط الشغف بالمعنى، كمن قيل له: قد قدم ولدك من الهند، فيقول: أقدم ولدي؟ أو لكراهة المعنى، كمن قيل له: إن عدوك قدم البلد، فيقول: أقدم ذلك الملعون المبغض؟
والاستفهام يحسن في العرف لأسباب كثيرة غير الاشتراك، فإذا ثبت هذا فنقول: الاستفهام إما أن يقع عن كلام من (يجوز عليه السهو، أو عن كلام من لا يجوز عليه) ذلك.
أما القسم الأول، فيحسن الاستفهام لوجوه غير ما تقدم ذكره:
أحدها: أن السامع ظن أن المتكلم غير متحفظ في كلامه، أو هو ساه، فتستفهمه وتستثبته، حتى إن كان ساهيا زال سهوه، فأخبر عن تيقظ، وذلك يحسن أن يجاب عن الاستفهام بعين ما وقع الاستفهام عنه.
وثانيها: أن السامع قد ظن لأجل أمارة أن المتكلم أخبر بكلام عام عن جماعة على سبيل المجازفة، ويكون السامع له عناية بتحقيق تلك القضية،
فتدعوه عنايته إلى الاستفهام عن ذلك الشيء، حتى يعلم السامع اهتمام المتكلم، فلا تجازف في الكلام، ولهذا قد يقول القائل: رأيت كل من في الدار، فيقال له: أرأيت زيدا فيهم؟ فيقول: نعم، فتزول التهمة، فإن اللفظ الخاص أقل إجمالا واحتمالا، وربما لا تتحقق رؤيته، فيدعوه الاستفهام إلى أن يقول: ما أتحقق رؤيته.
وثالثها: أن يستفهم طلبا لقوة الظن.
ورابعها: أن يجد قرينة تقتضي تخصيص ذلك العام، مثل أن تقول: ضربت كل من في الدار، وكان فيها/ الوزير، فغلب على الظن أنه ما ضربه، فإذا حصل التعارض استفهمه ليقع الجواب عنه بلفظ خاص لا يحتمل التخصيص.
وأما إن كان المتكلم لا يحتمل حاله السهو، ولا يجوز عليه، فإنه يحسن الاستفهام؛ ليحصل لفظ خاص بعد الاستفهام؛ لأن دلالة اللفظ الخاص أقوى من دلالة العام، فيطلب الخاص بعد العام، لتلك القوة.
والجواب عن الرابع: من حيث المعارضة، ومن حيث التحقيق.
أما المعارضة فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: تأكيد الخصوص كقولهم: جاء زيد نفسه.
وثانيها: تأكيد ألفاظ العدد كقوله تعالى: {تلك عشرة كاملة} .
وثالثها: أن التأكيد يقويه ما كان حاصلا، فلو كان الحاصل هو الاشتراك، لتأكد ذلك الاشتراك بهذا التأكيد.
فإن قلت: التأكيد يعين اللفظ لأحد مفهوميه.
قلت: فعلى هذا لا يكون تأكيدا، بل بيانا، مع أن التأكيد من شرطه أن (لا) يجدد معنى غير التقوية.
وأما الجواب من حيث التحقيق، فإن المتكلم إما أن يجوز عليه السهو، أو لا يجوز فإن جاز كان حسن التأكيد لوجوه:
أحدها: أن السامع إذا سمع اللفظ بدون التأكيد جوز مجازفة المتكلم، فإذا أكده صار ذلك التجويز أبعد.
وثانيها: أنه ربما حصل ها هنا ما يقتضي تخصيص العام، فإذا اقترن به التأكيد كان احتمال التخصيص أبعد.
وثالثها: تقوية بعض ألفاظ العموم ببعض.
وأما أن لم يجز السهو على المتكلم لم يبق للتأكيد فائدة إلا تقوية الظن وتشريف المخاطب بكثرة اللفظ والمخاطبة معه، وتكثير الأجور على تلاوة تلك الألفاظ.
والجواب عن الخامس: وهو سؤال الاستثناء، أنه منقوض بألفاظ العدد، فإنها صريحة في ذلك العدد المخصوص، ثم يتطرق الاستثناء إليها.
ثم الفرق بينهما ذكروه من الصورتين وبين العموم، أن الاستثناء إذا اتصل بالكلام صار جزءا من الكلام؛ لأنه/ لا يستعمل بنفسه في الإفادة، فيجب تعليقه بما تقدم عليه، فإذا علقناه به صار جزءا من الكلام، فتصير الجملة شيئا واحدا مفيدا فائدة ما عدا ذلك المستثنى؛ لأن القاعدة العربية: أن ما لا يستقل من الكلام بنفسه كالاستثناء، والشرط، والغاية، والصفة، والتمييز، والحال، ونحوها، إذا اتصل بما يستقل بنفسه، صار ما هو مستقل بنفسه غير مستقل بنفسه، وصار المجموع كلاما واحدا، وعلى هذه القاعدة مسائل كثيرة من الفقهيات، والأصول، واللغة، وهذا بخلا: ضربت كل من في الدار، لم أضرب كل من في الدار؛ لأنه يتناول كل واحد من الكلامين مستقلا بنفسه، فلا حاجة به إلى تعليقه بما تقدم عليه، وإذا لم يعلق به أفاد الأول ضرب جميع من في الدار، وأفاد الآخر نفي ذلك، فكان نقضا وتناقضا وإبطالا لجملة الكلام، فكان هذرا من القول وعبثا لا يليق بالعقلاء.
وأما الصورة الثانية التي ذكروها، فنطالبهم بالجامع، ثم إن سلمنا فرقا بأن الاستثناء إخراج جزء من كل، فإذا قال: ضربت زيدا، ضربت عمرا إلا زيدا، فقد أخرج جملة منصوص عليه، مدلول عليه بالمطابقة، فهو استثناء كل (من كل) نحو قوله: له عندي عشرة إلا عشرة، وذلك باطل اتفاقا، بخلاف قوله: رأيت الرجال إلا زيدا، فإنه لم يخرج جملة منطوق به، بل بعضه، وذلك حسن لغة.
وأما قوله: إن صيغة العموم تجري مجرى تعديد الأشخاص، فممنوع؛ لأن تعديد الأشخاص يكون كل لفظ منها يدل على شخص مطابقة، فإذا أخرجه أخرج جملة منطوق به، وفي العموم: دلالة الفظ على الشخص المخرج ليس مطابقة، فانتفى المحذور، وظهر الفرق.
والجواب عن السادس: أن الدليل إذا دل على العموم كان (ذلك) الدليل بعينه دالا على أن صيغة العموم مع (كل) مؤكدة، ومع لفظ (البعض) مخصصة، والتخصيص والتأكيد حسن لغة إذا دل عليه الدليل.
وعن السابع: أن/ أهل اللغة اتفقوا على أن قول العرب (منون) ليس جمعا، وإنما هو إشباع للحركة؛ لأجل الحكاية لما وقع في لفظ المتكلم كقوله: جاءني رجال، فيقول المستفهم له- وهو يحكي كلامه المرفوع المجموع (منون) بسكون النون والوقف ولا يجوز ذلك في الوصل، وقد تقدم بسطه في باب (سرد) صيغ العموم واستيفاء أقسامها.
وعن الثامن: أن ما قدمنا من الأدلة على أنه للعموم يقتضي أنه مجاز في الخصوص، وإذا دل الدليل على المجاز وجب قبوله، ثم تؤكد تلك الأدلة بما ذكره ها هنا من الدلالة على أنه للعموم وهو أن الأنصار لما طلبوا