الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع في الأسباب المفيدة للعموم
وهو إما في اللغة أو العرف، والمفيد له لغة، إما بنفس اللفظ، أو بواسطة ما ينضم إليه، والذي يفيده بنفسه إما مطابقة، أو تضمنا، أو التزاما، والعرف:
إما أن يقع/ في المفردات أو المركبات، فهذه ستة أسباب:
السبب الأول: وهو الأصل في الباب، المفيد للعموم لغة بطريق المطابقة
، وهذا نحو قوله تعالى:{فاقتلوا المشركين} وسيأتي تفصيل صيغها- إن شاء الله تعالى- وسردها والحديث عليها في باب مفرد لها، تذكير فيه.
السبب الثاني: المفيد للعموم بدلالة التضمن لا بالمطابقة
، وهذا ليس (له) في لسان العرب إلا نوعان من الموضوعات: الأوامر، والنواهي،
لا ثالث لهما، إذا قلنا: بأن الأمر للتكرار، والنهي للتكرار، أما إذا لم نقل ذلك- على الخلاف فيه بين الناس- فلا يوجد له مثال ألبتة.
وبيان ذلك: أنا إذا قلنا: الأمر للتكرار كان موضوعا لطلب الفعل بوصف التكرار في جميع الأزمنة الممكنة، فيكن مسمى هذا للفظ حينئذ مركبا من شيئين، أحدهما: طلب الفعل، والثاني: تكرره، فسيكون اللفظ دالا على المجموع بطريق المطابقة، وعلى كل واحد من الجزأين بطريق التضمن، فيكون التكرار مدلولا عليه بطريق التضمن، وهو استيعاب للأزمنة الممكنة على وجه الاستغراق، على وجه الكلية، فيكون العموم (الذي) هو الكلية مدلولا عليها بالتضمن وهو عموم، وذلك هو المطلوب.
ولذلك إذا قلنا: النهي للتكرار إن كان دالا على طلب الفعل مع وصف التكرار في جميع الأزمنة المستقبلية، فيكون وصف التكرار جزء المسمى، فيكون اللفظ دالا على هذا العموم الزماني دلالة تضمن وهو المطلوب.
أما إذا قلنا: بأن الأمر والنهي ليسا للتكرار، فإنهما حينئذ إنما يدلان على أصل الطلب من غير تعرض لعموم الزمان واستغراقه، فلا يفيدان العموم ألبتة، وليس في لسان العرب للعموم بطريق التضمن إلا هذان النوعان
على هذا الخلاف في إفادتهما للتكرار.
فإذا قلت: الحصر ليس ثابتا في هذين النوعين فإن الصبوح والغبوق موضوعان للفعل بوصف أول النهار في الصبوح، وبوصف آخر النهار في الغبوق، فيكون اللفظ دالا بالتضمن على/ الزمان فيهما، وكذلك لفظ الحاضر والماضي والمستقبل، كل واحد منها يدل على وقوع أمر في الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، فالزمان مدلول لها تضمنا، كما قلته في الأمر والنهي، وكذلك صيغ الأفعال تدل على الحدث والزمان مطابقة، وعلى الزمان وحده تضمنا، وهي صيغ كثيرة جدا، فالحصر ليس بثابت.
قلت: ليس الأمر كذلك، بل الحصر ثابت.
وأما النقض بالصبوح والغبوق، فإن أوردها السائل معرفين باللام فالعموم ثابت بالمطابقة، فإن لام التعريف يفيد العموم مطابقة، والمدعي
الحصر فيه إنما هو فيما يفيد العموم تضمنا، فأين أحدهما من الآخر؟ وإن أوردهما السائل منكرين، فالعموم منفي بالكلية؛ لأن النكرة في سياق الإثبات إنما تفيد المطلق، لا العموم، فما حصل نقض بذلك، وإن أوردهما منكرين في سياق النفي (فالنكرة في سياق النفي) في مثل هذه المادة إ ن لم يقترن بها لفظ كانت مطلقة أيضا، نقله الجرجاني في أول شرح الإيضاح، والزمخشري في الكشاف، وغيرهما، فلا عموم مطلقا، فلا نقض، وإن
أوردهما في سياق النفي مع لفظ (من) حصل العموم، ولكن مدلولا بمطابقة في النكرة في سياق النفي بهذا الوصف يفيد العموم مطابقة، والكلام فيما يفيده بطريق التضمن.
فإن قلت: أوردهما معرفين باللام، أو في سياق النفي منكرين مع لفظ (من) حتى يكون العموم مسلما، ويحصل المقصود من النقض حينئذ بسبب أن لام التعريف والنفي مع (من) وإن كان موضوعا للدلالة على العموم مطابقة غير أن المدلول المطابقي هو استيعاب كل فرد فرد من أفراد الصبوح والغبوق بحكم الإثبات أو النفي، وإذا كان دالا على استيعاب جميع الأفراد بالمطابقة فيكون كلية أفراد كل واحد من المعنيين مدلولا بالمطابقة، وفي كل فرد من أفراد هذه الكلية جزء هو زمان، فيصير الزمان مدلولا تضمنا/ من جهة أنه جزء كل فرد من أفراد الكلية، فقد حصل العموم في الأزمان مدلولا بالتضمن، ولا يمكن أن يقال: إنه مدلول بالمطابقة؛ لأن اللفظ لا يدل بالمطابقة
على شيئين إلا بطريق الاشتراك، وصيغة الغبوق أو الصبوح ليست مشتركة، (ونحوه إذا) قلنا: كل عشرة زوج، فإنه دال على أفراد العشرات واستيعابها بالمطابقة على الخمسة في ضمن كل عشرة بالتضمن، وكذلك: كل إنسان حيوان، فإنه يدل على استيعاب كل إنسان إنسان بالمطابقة، وعلى الحيوان بالتضمن، وكذلك الصبوح والغبوق المعرفين بلام التعريف، أو في النفي مع لفظ (من) يحصلان للعموم تضمنا، فلا يحصل الحصر في الأمر والنهي.
قلت: هذا بحث حسن، وكلام متجه، غير أني لا أدعي الحصر في الدال بالتضمن على العموم إلا فيما هو جزء المسمى في المرتبة الأولى بأن يكون اللفظ وضع لجزأين، أما في الصبوح والغبوق بما ذكرتم من التفسير: فالزمان جزء الجزء، لا أنه الجزء الأول، ولا ندي الحصر إلا في مثل هذا، أما إذا فتحنا باب أجزاء الأجزاء وإن تعذر، فلا يثبت الحصر، بل يكون له في لسان العرب مثل كثيرة.
وأما قول السائل: الحاضر والماضي والمستقبل، فإن أوردهما منكرين في الإثبات لم يعما، وكان مطلقين، أو معرفين بلام التعريف أو مع النفي بلفظ (من) كان اللفظ دالا على العموم في أفراد الماضي والحاضر والمستقبل مطابقة وتضمنا، ويكون الزمان جزء لفرد من كل واحد من هذه الأنواع، فيكون جزء الجزء، لا الجزء الأول في الرتبة الأولى، فيكون الكلام فيه كالكلام في الصبوح والغبوق سؤالاً وجواباً.
وأما صيغ الأفعال: فالجواب عنها: أنها مطلقات إن كانت في سياق الإثبات نحو: قام، يقوم، فلا عموم حينئذ، فلا نقض، وإن كان الفعل في سباق النفي نحو قوله تعالى:{لا يموت فيها ولا يحيى} ، ففي إفادته للعموم خلاف على القول به، وهو الصحيح، لكون الصيغة دالة على نفي المصادر واستيعابها بالمطابقة، وعلى الزمان أيضا بالمطابقة، فإن الفعل إنما/ يدل على الزمان بصيغته ووزانه، فقولنا: ضرب، إنما يدل على الزمن الماضي، لكونه على وزن (فعل)، لا بحروفه وهي الضاد والراء والباء، وكذلك بقية أمثلة المضي، وقولنا (يضرب) إنما يدل على الزمن الحاضر أو المستقبل على الخلاف فيه لأي الأزمنة وضع بكونه على وزنه (يفعل)(لا بحروفه)، (بل بوزنه) فيحصل حينئذ الجواب عنها من وجهين:
أحدهما: أن الأفعال لا عموم فيها، بل هي مطلقة، فإذا قلنا:(ضرب) دل على وقوعه في فرد واحد من أفراد الزمن الماضي، ولا دلالة له على فردين منه، وكذلك المضارع، إنما يدل على وقوعه في الزمن الحاضر وهو فرد لا عموم فيه، أو في فرد من أفراد المستقبل، لا في فريقين منه، وإذا كانت
أمثلة الماضي والمضارع مطلقة، لا ترد نقضا على العموم، وأدعي الحصر في الدال عليه في ذلك النوعين.
وثانيهما: أن الصيغة حينئذ هي الدالة على الزمان، وهو كمال مدلولها، والحروف لا تدل على الزمان ألبتة، فما وجد في الأفعال دال على الزمان بطريق التضمن ألبتة، بل الصيغ تدل على الزمان، والحروف الأصلية وهي الضاد والراء والباء مثلا تدل على المصدر، فهما شيئان دالا على شيئين، كل واحد منهما يدل على مدلوله بطريق المطابقة، فلا نقض حينئذ على الدال بطريق التضمن.
وها هنا دقيقة حسنة وفائدة جميلة وهي:
أن العرب قد تضع الحروف مع الوزن للمعنى، ويكون المجموع المركب منهما (وهو الموضوع) دون أحدهما بإفراده، وهذا هو غالب أوضاع العرب نحو: فرس، فإن الفاء والراء والسين مع كونه على وزن (فعل) موضوع للحيوان المخصوص، فلو قال الإنسان (فعل) وحده الذي هو الوزن لم يفد الحيوان المخصوص، وكذلك لو نطق بالحروف المخصوصة على غير هذا الوزن فقال:(فرس) بضم الفاء أو بكسرها لم يكن ذلك هو اسم الحيوان
المخصوص، بل لابد من الحروف المخصوصة، والوزن المخصوص. وكذلك غالب أسماء الأجناس على ذلك.
وقد تضع العرب الوزن وحده دون الحروف، وله أمثلة في لسان العرب:
الأول: صيغ أمثلة الماضي.
الثاني: صيغ أمثلة المضارع.
الثالث: صيغ أمثلة/ الأمر نحو: أفعل، وانفعل.
وغير ذلك من الصيغ التي إذا أطلقت كما تراه مجردا عن حروف المصادر المعينة، دل على الزمان المستقبل والطلب.
الرابع: صيغ أمثلة النهي نحو: لا تفعل، فإنه يدل على الزمان المستقبل والطلب، وإن لم ينطبق مع هذا الوزن بحروف المصادر المخصوصة.
الخامسة: (المفعل) هذا الوزن يدل على المكان والزمان والمصدر، وهو مشترك بين الثلاثة بنص النحاة، فإذا قلنا: مضرب، احتمل زمان الضرب ومكانه والضرب نفسه.
السادس: (المفعل) بكسر الميم للآلة التي يفعل بها الشيء نحو: المنجل، والمرود، والمروحة والمغرفة، ونحو ذلك.
السابع: (الفعلة) بفتح الفاء، هذا الوزن وحده مجردا عن حروف المصادر المخصوصة يدل على المرة الواحدة من أي مصدر كان.
الثامن: (الفعلة) بكسر الفاء، يدل هذا الوزن على الهيئة والحالة، وإن لم تنطق معه بالحروف المخصوصة بالمصادر، فنقول: لبسة حسنة، وعمة جميلة، وجلسة طويلة أو قصيرة ونحو ذلك، وقد جمع هذه الأربعة بعض الأدباء في بيت من الشعر لتيسير الضبط فقال:
المفعل للبقعة، والمفعل للآلة
…
والفعلة للمرة، والفعلة للحالة
التاسع: قولنا: فاعل، ومفعول ومفعل بالكسر،
ومفعل بالفتح إلى غير ذلك من أسماء الفاعلين والمفعولين، فإن العرب وضعت صيغة ضارب مثلا للدلالة على الفاعل، والحروف الأصلية في هذا الوزن للدلالة على المصدر الذي كان به هذا الفاعل فاعلا.
العاشر: صيغة أفعل التفضيل، فإن صيغة أفعل إذا نطق بها مجردة عن حروف المصادر الأصلية أفادت التفضيل وإن لم يعلم المفضل فيه.
الحادي عشر: صيغ المبالغة نحو: فعال بتشديد العين، ومفعال، وفعيل، وفعول، وغير ذلك مما عدل به عن فاعل، فإن هذه الصيغ إذا نطق بها مجردة عن الحروف المعينة في كل مصدر أفادت المبالغة، ولم تضع العرب للمبالغة إلا الصيغ وحدها، فإذا قلت: عليم، فالذي وضع للمبالغة إنما هو الصيغة خاصة، وأما العين واللام والميم فلم توضع للمبالغة، بل للدلالة/ على المصدر الذي وقعت فيه المبالغة، وكذلك بقيتها.
الثاني عشر: المفعلة، هذا الوزن في وضع اللسان لما يكثر فيه الشيء نحو: المسبعة، والمذأبة والمقتلة، إذا كثر بالمكان واحد من هذه الأجناس المذكورة.