المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر: - الفقه الميسر - جـ ١٢

[عبد الله الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌النَّوازلُ الطِّبيَّة المعَاصرَة

- ‌المقدمة

- ‌أولًا: حكم التداوي

- ‌ثانيًا: مسؤولية الطبيب

- ‌النازلة الأولى: مدى مشروعية الإذن في إجراء العمليات الطبية

- ‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب

- ‌النازلة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بموت الدماغ

- ‌المسألة الأولى: تعريف الموت وعلاماته عند الفقهاء:

- ‌أولًا: تعريف الموت عند الفقهاء:

- ‌ثانيًا: علامات الموت عند الفقهاء:

- ‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر:

- ‌النازلة الرابعة: رفع أجهزة الإنعاش الصناعي

- ‌أولًا: تعريف الإنعاش:

- ‌ثانيًا: حكم الإنعاش:

- ‌ثالثًا: آلات الإنعاش عند الأطباء:

- ‌رابعًا: حكم رفع أجهزة الإنعاش:

- ‌النازلة الخامسة: في حكم نقل أجهزة الإنعاش من شخص إلى آخر

- ‌النازلة السادسة: نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الإنسان الحي

- ‌أولًا: نبذة تاريخية عن هذه النازلة:

- ‌ثانيًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ثالثًا: التكييف الفقهي لهذه النازلة:

- ‌رابعًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة السابعة: زراعة الأعضاء بعد قطعها في حد أو قصاص

- ‌أولًا: التكييف الطبي للنازلة:

- ‌ثانيًا: حكم إعادة العضو المقطوع حدًّا أو قصاصًا:

- ‌النازلة الثامنة: حكم التشريح

- ‌أغراض التشريح:

- ‌حكم التشريح:

- ‌النازلة التاسعة: جراحة التجميل

- ‌أولًا: جراحة التجميل الحاجية:

- ‌ثانيًا: جراحة التجميل التحسينية:

- ‌ثالثًا: حكم الجراحة التجميلية:

- ‌1 - حكم الجراحة التجميلية الحاجية:

- ‌2 - الحكم الشرعي للجراحة التحسينية:

- ‌النازلة العاشرة: العلاج الجيني ومدى مشروعيته

- ‌أولًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ ما هو العلاج الجيني

- ‌ أهم الأمراض التي تناولها العلاج الجيني

- ‌ منافع العلاج الجيني:

- ‌ سلبيات العلاج الجيني وأخطاره:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي للعلاج الجيني:

- ‌ثالثًا: ضوابط العلاج الجيني:

- ‌النازلة الحادية عشرة: حكم تغيير الخلقة عن طريق العلاج الجيني

- ‌النازلة الثانية عشرة: استخدام الأجنة مصدرًا لزراعة الأعضاء

- ‌النازلة الثالثة عشرة: التلقيح الاصطناعي

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: طرق التلقيح الاصطناعي:

- ‌ثالثًا: الأسباب الداعية إلى التلقيح الاصطناعي:

- ‌رابعًا: صور التلقيح الاصطناعي:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي للتلقيح الاصطناعي:

- ‌النازلة الرابعة عشرة: استعمال أدوية منع الحيض والحمل

- ‌ أولًا: حكم استخدام الأدوية لمنع الحيض:

- ‌ثانيًا: منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل:

- ‌ثالثًا: حكم استخدام وسائل منع الحمل أو تنظيمه:

- ‌النازلة الخامسة عشرة: ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالجراحة الطبية

- ‌أولًا: شروط جواز الجراحة الطبية:

- ‌النازلة السادسة عشرة: في الاستنساخ

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: أقسامه:

- ‌ثالثًا: ذكر بعض فوائد الاستنساخ كما يقرره المؤيدون له:

- ‌رابعًا: الاعتراضات الواردة على الاستنساخ:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي في الاستنساخ:

- ‌أولًا: الاستنساخ النباتي والحيواني:

- ‌ثانيًا: الاستنساخ البشري:

- ‌النازلة السابعة عشرة: البييضات الملقحة الزائدة على الحاجة

- ‌النازلة الثامنة عشرة: التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية

- ‌تمهيد:

- ‌أولًا: تعريف التأمين الصحي:

- ‌ثانيًا: أنواع التأمين الصحي:

- ‌النوع الأول: التأمين الصحي الاجتماعي:

- ‌النوع الثاني: التأمين الصحي التجاري (التأمين من المرض):

- ‌النوع الثالث: التأمين الصحي التعاوني:

- ‌النوع الرابع: التأمين الصحي التبادلي:

- ‌النوع الخامس: التأمين الصحي المباشر:

- ‌ثالثًا: حكم كل نوع من أنواع التأمين الصحي:

- ‌النازلة التاسعة عشرة: الخلايا الجذعية ومدى مشروعية العلاج بها

- ‌أولًا: تعريف الخلايا الجذعية:

- ‌ثانيًا: أهم خصائص الخلايا الجذعية:

- ‌ثالثًا: أهم أنواع الخلايا الجذعية:

- ‌رابعًا: الاستخدامات المحتملة للخلايا الجذعية:

- ‌خامسًا: العلاج بالخلايا الجذعية:

- ‌النازلة العشرون: زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي

- ‌النازلة الحادية والعشرون: زراعة الأعضاء التناسلية

- ‌النازلة الثانية والعشرون: التحكم في جنس الجنين

- ‌أولًا: توصيف هذه النازلة طبيًّا:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود:

- ‌النازلة الثالثة والعشرون: منع الزوج زوجته من تناول العلاج الموصوف لها لمرض الصرع

- ‌النازلة الرابعة والعشرون: حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا

- ‌النازلة الخامسة والعشرون: حكم الانتفاع بالمشيمة

- ‌تعريف المشيمة:

- ‌مدى الانتفاع بالمشيمة في الطب الحديث:

- ‌النازلة السادسة والعشرون: السر في المهن الطبية

- ‌النازلة السابعة والعشرون: ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض

- ‌أولًا: تعريف العورة والتحذير من إبدائها وبيان حدها:

- ‌[ثانيًا] (*) حكم كشف العورة عند الطبيب المعالج:

- ‌1 - أن توجد حاجة ماسة للعلاج

- ‌2 - أن يكون النظر بقدر الضرورة أو الحاجة

- ‌3 - عند اختلاف الجنس يشترط لإباحة النظر للعلاج أن لا تكون خلوة بين الرجل والمرأة

- ‌4 - أن يتعذر دفع الحاجة باللجوء إلى الجنس المشابه

- ‌5 - أن لا يكون المعالج ذميًا إذا وجد مسلم يقوم مقامه

- ‌6 - أن يكون الطبيب المعالج أمينًا غير متهم في خلقه ودينه

- ‌النازلة الثامنة والعشرون: استفادة المسلمين من عظم الحيوانات وجلودها في صناعة الجيلاتين:

- ‌أولاً: التعريف بالجلاتين:

- ‌ثانيًا: أنواع الجيلاتين:

- ‌ثالثًا: فوائد الجيلاتين:

- ‌النازلة التاسعة والعشرون: في البصمة الوراثية

- ‌أولًا: التعريف بالبصمة الوراثية:

- ‌ثانيًا: مدى مشروعية العمل بالبصمة الوراثية

- ‌النازلة الثلاثون: بنوك الحليب

- ‌أولًا: نشأتها والتعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الحادية والثلاثون: نقل الدم

- ‌النازلة الثانية والثلاثون: إنشاء بنوك الدم

- ‌النازلة الثالثة والثلاثون: منع الحمل الجراحي

- ‌النازلة الرابعة والثلاثون: رتق غشاء البكارة

- ‌أولًا: التعريف بغشاء البكارة:

- ‌ثانيًا: حكم رتق غشاء البكارة:

- ‌النازلة الخامسة والثلاثون: ما يسمى بموت الرحمة

- ‌المقصود بموت الرحمة:

- ‌الحكم الشرعي لما يسمى بموت الرحمة:

- ‌النازلة السادسة والثلاثون: الترقيع الجلدي

- ‌النازلة السابعة والثلاثون: أحكام‌‌ التخديرالجراحي

- ‌ التخدير

- ‌أولًا: تعريف التخدير وأنواعه:

- ‌أنواع التخدير:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي:

- ‌ثالثًا: بعض الأحكام المترتبة على التخدير:

- ‌النازلة الثامنة والثلاثون: حكل التصوير بالأشعة

- ‌النازلة التاسعة والثلاثون: الكحت وتوسيع الرحم

- ‌أولًا: التعريف بهذه النازلة:

- ‌ثانيًا: مدى الحاجة لإجراء هذه العملية:

- ‌ثالثًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الأربعون: المواد المحرمة والنجسة في الدواء

- ‌النازلة الحادية والأربعون: الطب الصيني (الوخز بالإبر)

- ‌أولًا: التعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الثانية والأربعون: حكم شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي

- ‌النازلة الثالثة والأربعون: حكم الانتفاع بالجنين الميت

- ‌النازلة الرابعة والأربعون: حكم عملية شد البطن بعد الولادة، وهل تعد انتحارًا

- ‌النازلة الخامسة والأربعون: حكم إجراء عملية تجميل للجفون المنتفخة

- ‌النازلة السادسة والأربعون: حكم إجراء عملية لتجميل الثدي المتهدل

- ‌النازلة السابعة والأربعون: حكم إزالة أو إضافة حبَّة الخال على وجه المرأة

- ‌النازلة الثامنة والأربعون: حكم زراعة شعر صدر الرجل

- ‌النازلة التاسعة والأربعون: حكم زراعة شعر المصاب بالصلع وذلك بأخذ شعر من خلاف الرأس وزرعه في المكان المصاب

- ‌النازلة الخمسون: فيما يختص به طب الأسنان

- ‌أولًا: تلبيس الأسنان:

- ‌ثانيًا: تسوية الأسنان:

- ‌ثالثًا: تركيب طقم الأسنان الصناعي:

- ‌رابعًا: هل تخلع أسنان الميت إذا كانت من الذهب أو كانت صناعية

- ‌خامسًا: حكم تقويم الأسنان:

- ‌النازلة الحادية والخمسون: في حكم سفر المرأة خارج بلادها بلا محرم بغرض دراسة الطب

- ‌النازلة الثانية والخمسون: حكم زراعة الرموش

- ‌النازلة الثالثة والخمسون: حكم أخذ إبرة لتصغير الأنف

- ‌النازلة الرابعة والخمسون: حكم أخذ أعضاء الميت لإنشاء بنوك الأعضاء

- ‌النازلة الخامسة والخمسون: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني

- ‌ثانيًا: الخطوات التي يتم فيها الحفظ:

- ‌ثالثًا: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني:

- ‌النازلة السادسة والخمسون: طبيعة التزام الطبيب بالعلاج ومدى جواز المشارطة على البرء

- ‌النازلة السابعة والخمسون: الحجر الصحي

- ‌النازلة الثامنة والخمسون: التشخيص المبكر قبل الزواج ومدى الإلزام به

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: الآثار الفقهية للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌ثالثًا: مدى الاستفادة من التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌رابعًا: سلبيات التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌خامسًا: التكييف الفقهي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سادسًا: الحكم الشرعي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سابعًا: حكم الإلزام به:

- ‌النازلة التاسعة والخمسون: أثر الأمراض المعدية الحديثة في الخيار بين الزوجين وفي حق المعاشرة وفي حضانة الولد

- ‌أولًا: تعريف المرض المعدي:

- ‌ثانيًا: أثر الأمراض المعدية في الخيار بين الزوجين:

- ‌ثالثًا: حكم التفريق بين الزوجين بسبب الأمراض المعدية الحديثة:

- ‌رابعًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في المعاشرة بين الزوجين:

- ‌خامسًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في حق الحضانة:

- ‌النازلة الستون: الأحكام المتعلقة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: طرق العدوى بمرض الإيدز:

- ‌ثالثًا: التكييف الشرعي لمرض الإيدز من جهة مرض الموت:

- ‌رابعًا: حكم عزل المصاب بالإيدز:

- ‌خامسًا: حكم تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز:

- ‌سادسًا: حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:

الفصل: ‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر:

8 -

برودة البدن.

9 -

إحداد البصر: كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ". فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ". ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ"(1).

وفي حديث شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعًا: "إِذَا حَضَرتمْ مَوْتَاكُمْ، فَأَغْمِضُوا البَصَرَ؛ فَإِنَّ البَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْرًا؛ فَإِنَّ المَلَائكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ البَيْتِ"(2).

‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر:

علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر هي "موت الدماغ" كما سيأتي -إن شاء الله بيان ذلك-.

وأول من نبه على هذا مجموعة من الأطباء الفرنسيين عام 1959 م حيث تكلموا عن موت الدماغ وأنه علامة من علامات الموت فيما أسمي بمرحلة ما بعد الإغماء، وكذا جامعة هارفارد في أمريكا تكلموا في هذه المسألة أيضًا عام 1967 م، ثم بعد ذلك في بريطانيا اجتمعت لجنة مكونة من الكليات الملكية ووضعت ضوابط

(1) رواه مسلم، في كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت (920).

(2)

رواه أحمد (4/ 125، رقم 17176)، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في تغميض الميت (1/ 468، رقم 1455)، قال البوصيري (2/ 23): هذا إسناد حسن. والحاكم (1/ 503، رقم 1301)، وقال: صحيح الإسناده ووافقه الذهبي، والطبرانيُّ (7/ 291، رقم 7168)، وأخرج أيضًا: البزار (8/ 402، رقم 3478)، والديلمي (1/ 267، رقم 1039)، قال الشيخ الألباني:"حسن" انظر: حديث رقم (492) في صحيح الجامع.

ص: 17

لما يسمى بموت الدماغ (1).

وحتى يتم تكييف هذه النازلة فقهيًّا، لا بد من بيان الآتي:

أولًا: الأجزاء الرئيسية للدماغ ووظيفة كل جزء وكيفية حدوث موت الدماغ.

يتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء رئيسية:

1 -

المخ.

2 -

المخيخ.

3 -

جذع المخ.

وكل واحد من هذه الأجزاء له وظائف تخصه رئيسية إذا عرفناها استطعنا أن نعرف أي هذه الأجزاء الذي إذا مات يكون علامة على موت البدن كما هو عند الأطباء.

فالجزء الأول المخ: ووظيفته تتعلق بالتفكير والذاكرة والإحساس.

والجزء الثاني المخيخ: ووظيفته تتعلق بتوازن الجسم.

والجزء الثالث جذع المخ: وهو أهم هذه الأجزاء ووظائفه أساسية فهي تتعلق بالتنفس والتحكم في القلب ونبضاته والتحكم بالدورة الدموية

إلخ.

فعند أكثر الأطباء يحصل الموت إذا أصيب جذع المخ فهذه علامة من علامات الموت عند الأطباء، وبعض الأطباء يخالف في ذلك.

فالمخ إذا أصيب لا يعني حصول الموت؛ لأن وظيفة المخ تتعلق بالذاكرة والإحساس والتفكير، فيفوت عليه التفكير والإحساس، وتفوت عليه الذاكرة فيحيا

(1) فقه النوازل (1/ 219).

ص: 18

كما يسميها الأطباء حياة جسدية نباتية، يتغذى ويتنفس وقلبه ينبض، ويمكث على هذه الحال سنوات، وقد وجد من المرضى من مكث عشر سنوات لأن جذع المخ الذي يتحكم في التنفس ونبضات القلب والدورة الدموية لا يزال حيًّا، لكنه فقد وعيه الكامل.

وكذلك المخيخ لو مات فإنه يفقد توازن الجسم، ولا أثر له في موت الإنسان، فالأطباء يقولون: إذا مات المخ أو المخيخ أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية يعني حياة نباتية جسدية فيفقد وعيه الكامل، لكنه لا يزال يتنفس وقلبه ينبض ويتغذى

والغالب أن موت جذع المخ هو الذي يكون علامة على الوفاة عند الأطباء، والغالب أن موته أو إصابته تكون بسبب الحوادث؛ حوادث السيارات، أو القطارات، أو الطائرات، وما يحصل فيها من الارتطامات والاصطدام الذي يحصل في هذا الجزء من الدماغ فتحدث فيه النزيف الداخلي.

ثانيًا: علامات موت جذع المخ:

ولما كان إصابة جذع الخ عند أكثر الأطباء دليلًا على موت الإنسان، فإن الأطباء يذكرون لموت جذع المخ علامات منها:

1 -

الإغماء الكامل.

2 -

عدم الحركة.

3 -

عدم التنفس وانقطاعه؛ ولهذا يحتاج إلى أجهزة الإنعاش.

4 -

عدم وجود أي انفعالات انعكاسية، والتي تدل على نشاط الجهاز العصبي مثل:

ص: 19

1 -

عدم حركة حدقتي العينين مع الضوء الشديد.

2 -

لا يرمش المصاب رغم وضع قطعة من القطن على قرنية العين.

3 -

لا تتحرك مُقلة العين رغم إدخال ماء بارد في الأذن.

5 -

لا يُقطِّب المصاب جبينه رغم الضغط على الجبين بالإبهام.

6 -

عدم التحكم أو الكحة عند لمس الحنك وباطن الحلق بالإبهام، كظهور آثار الحزن أو السرور.

7 -

وهي من أهمها مع عدم التنفس عدم وجود نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء، فالأطباء يرسمون المخ فقد يوجد عند هذا المصاب شيء من الرسم الكهربائي، قد يكون قويًا وقد يكون ضعيفًا، وقد لا يوجد فإذا لم يوجد أي نشاط كهربائي عند رسم المخ بآلاتهم المعروفة فهذا مما يستدلون به على أن جذع المخ قد مات.

فالحاصل: أن هذه العلامات وغيرها يستدل بها الأطباء على موت جذع المخ وبالتالي موت الإنسان.

واختلف أهل الاختصاص الطبي في تحديد هذا التوقف على رأيين:

الرأي الأول: أن موت الدماغ هو توقف جميع وظائف الدماغ (المخ، والمخيخ، وجذع الدماغ) توقفًا نهائيًّا لا رجعة فيه، وهذا رأي المدرسة الأمريكية.

الرأي الثاني: أن موت الدماغ هو: توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفًا نهائيًّا لا رجعة فيه، وهذا رأي المدرسة البريطانية.

هذا بالنسبة لكلام الأطباء لكن يبقى كلام علماء الشريعة الفقهاء في الوقت الحاضر.

ص: 20

فنقول: هذه النازلة نعني: (موت الدماغ) من أشد النوازل المشْكِلة والشائكة في الوقت الحاضر؛ لأنها تتعلق بحياة نفس محترمة مصونة، ولأن ما يترتب عليها خطير وعظيم، ولذا حدث فيها تردد واضطراب، ليس على مستوى كبار العلماء وحسب، وإنما على مستوى المجامع الفقهية الدولية، ففي الوقت الذي يرى فيه مجمع الفقه الإِسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي (1) أنَّ موت الدماغ يعتبر موتًا حقيقيًّا تترتب عليه آثاره، لا يرى ذلك مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإِسلامي (2)، وتفتي بعض لجان الفتوى المعتبرة باعتباره موتًا، إذ بلجان أخرى أيضًا معتبرة لا تعتبره كذلك، بل إنَّ بعض اللجان اعتبرته في وقت سابق ليس موتًا حقيقةً، ثم إذا هي بعد ذلك تقول إن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على خطورة هذه النازلة، وأنها جدُّ خطيرة؛ ولذا اعترف بعض الباحثين والأساتذة الذين تعرضوا لها بأنها تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة؛ إذْ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهذه النازلة تحتاج إلى تصور دقيق، ودقة نظر وفهم، ودراسة ميدانية دقيقة، لواقع وأحوال المرضى الذين حكم عليهم بالموت دماغيًّا، ثم بعد ذلك يأتي الحكم الشرعي.

وبعد النظر والدراسة لهذه النازلة الذي يترجح عندنا أن الموت الدماغي ليس نهاية للحياة الإنسانية، ولا تترتب عليه آثاره بل يعتبر الميت دماغيًّا من الأحياء؛ وهذا هو قول أكثر الفقهاء، وهو الذي قرره المجمع الفقهي لرابطة العالم الإِسلامي (3) في دورته العاشرة بمكة المكرمة عام 1408 هـ، وقرره أيضًا مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وعليه الفتوى في لجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف الكويتية (4).

(1) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي القرار رقم (5) د 3/ 07 / 86.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإِسلامي ع 2 (ج 1/ 484، 498، 506).

(3)

المرجع السابق.

(4)

مجلة مجمع الفقه لمنظمة المؤتمر الإِسلامي (ع 3 / ج 2/ 545)، جامع الفتاوى الطبية (343).

ص: 21

والأدلة على ذلك كثيرة منها:

1 -

قاعدة: اليقين لا يزول بالشك، واليقين أن هذا الإنسان حي وموته مشكوك فيه، فقد وجدت وقائع يقرر فيها موت الدماغ ثم بعد ذلك تستمر الحياة.

يقول الدكتور محمَّد سليمان الأشقر: "سمعت مؤخرًا سنة 1998 م من هيئة الإذاعة البريطانية أن إنسانًا بقى تحت أجهزة الإنعاش لثماني سنوات، وأنه بعد ذلك بدأ يستعيد وعيه، ثم استعاد عافيته بعد أن قرر الأطباء أنه لا يمكن عودته إلى الحياة" أ. هـ. (1).

ويقول الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله: "حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة؛ لموت جذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، لكنَّ ورثته منعوا من ذلك، ثم كتب الله له الحياة، وما زال حيًّا إلى تاريخه"(2).

ويؤكد ذلك أن هناك أطفالًا يولدون بلا مخّ أصلًا، وعاش بعضهم على حالته أكثر من عشر سنوات، بل في بلادنا نحن في المملكة العربية السعودية عند زيارتنا لبعض المستشفيات نجد عددًا من المرضى ممّن يكون تحت أجهزة الإنعاش لعدة سنوات وقد قرر الأطباء موته دماغيًّا ثم تكتب له الحياة.

وهذا يدل دلالة واضحة على أن موت الدماغ لا يعتبر موجبًا للحكم بالوفاة؛ إذ لو كان كذلك لما عاش هؤلاء لحظة واحدة بدون المخ الذي يعتبر موته أساسًا في الحكم بموت الدماغ (3).

(1) أبحاث اجتهادية في الفقه الطبي للأشقر، هامش (ص: 85).

(2)

حكم الانتزاع لعضو من مولود حي عديم الدماغ للدكتور بكر أبو زيد (ص: 3).

(3)

انظر في ذلك: أحكام الجراحة الطبية للدكتور محمَّد بن محمَّد المختار الشنقيطي، (ص: 353)، الإفادة الشرعية في بعض المسائل الطبية د. وليد راشد السعيدان (ص: 69).

ص: 22

2 -

أن الشرع يتطلع لإحياء النفوس وإنقاذها، وأن أحكامه لا تبنى على الشك وخصوصًا ما يتعلق بالأنفس.

3 -

أنه من أصول الشريعة المحافظة على المصالح الضرورية التي اتفقت الشرائع على المحافظة عليها، ومن ذلك حفظ النفس.

4 -

أن تعطل الإحساس أو توقف النفس ونحو ذلك لا يدل على فقد الحياة. فأكثر الأطباء الاستشاريين الذين كتبوا عن الموت الدماغي يرون أن الميت دماغيًّا لم يصل إلى مرحلة الموت النهائي، وأنه لا تطبق عليه أحكام الموت الشرعية.

ومن قرارات المجمع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 49 (2/ 10) حول حصول الوفاة، ورفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان. "المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش، يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطُّلًا نهائيًّا، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آليًّا بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعًا، إلا إذا توقف التنفس والقلب توقُّفًا تامًّا بعد رفع هذه الأجهزة"(1).

(1) قرارات المجمع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 49 (2/ 10) تقرير حصول الوفاة، ورفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان.

ص: 23