المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود: - الفقه الميسر - جـ ١٢

[عبد الله الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌النَّوازلُ الطِّبيَّة المعَاصرَة

- ‌المقدمة

- ‌أولًا: حكم التداوي

- ‌ثانيًا: مسؤولية الطبيب

- ‌النازلة الأولى: مدى مشروعية الإذن في إجراء العمليات الطبية

- ‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب

- ‌النازلة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بموت الدماغ

- ‌المسألة الأولى: تعريف الموت وعلاماته عند الفقهاء:

- ‌أولًا: تعريف الموت عند الفقهاء:

- ‌ثانيًا: علامات الموت عند الفقهاء:

- ‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر:

- ‌النازلة الرابعة: رفع أجهزة الإنعاش الصناعي

- ‌أولًا: تعريف الإنعاش:

- ‌ثانيًا: حكم الإنعاش:

- ‌ثالثًا: آلات الإنعاش عند الأطباء:

- ‌رابعًا: حكم رفع أجهزة الإنعاش:

- ‌النازلة الخامسة: في حكم نقل أجهزة الإنعاش من شخص إلى آخر

- ‌النازلة السادسة: نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الإنسان الحي

- ‌أولًا: نبذة تاريخية عن هذه النازلة:

- ‌ثانيًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ثالثًا: التكييف الفقهي لهذه النازلة:

- ‌رابعًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة السابعة: زراعة الأعضاء بعد قطعها في حد أو قصاص

- ‌أولًا: التكييف الطبي للنازلة:

- ‌ثانيًا: حكم إعادة العضو المقطوع حدًّا أو قصاصًا:

- ‌النازلة الثامنة: حكم التشريح

- ‌أغراض التشريح:

- ‌حكم التشريح:

- ‌النازلة التاسعة: جراحة التجميل

- ‌أولًا: جراحة التجميل الحاجية:

- ‌ثانيًا: جراحة التجميل التحسينية:

- ‌ثالثًا: حكم الجراحة التجميلية:

- ‌1 - حكم الجراحة التجميلية الحاجية:

- ‌2 - الحكم الشرعي للجراحة التحسينية:

- ‌النازلة العاشرة: العلاج الجيني ومدى مشروعيته

- ‌أولًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ ما هو العلاج الجيني

- ‌ أهم الأمراض التي تناولها العلاج الجيني

- ‌ منافع العلاج الجيني:

- ‌ سلبيات العلاج الجيني وأخطاره:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي للعلاج الجيني:

- ‌ثالثًا: ضوابط العلاج الجيني:

- ‌النازلة الحادية عشرة: حكم تغيير الخلقة عن طريق العلاج الجيني

- ‌النازلة الثانية عشرة: استخدام الأجنة مصدرًا لزراعة الأعضاء

- ‌النازلة الثالثة عشرة: التلقيح الاصطناعي

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: طرق التلقيح الاصطناعي:

- ‌ثالثًا: الأسباب الداعية إلى التلقيح الاصطناعي:

- ‌رابعًا: صور التلقيح الاصطناعي:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي للتلقيح الاصطناعي:

- ‌النازلة الرابعة عشرة: استعمال أدوية منع الحيض والحمل

- ‌ أولًا: حكم استخدام الأدوية لمنع الحيض:

- ‌ثانيًا: منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل:

- ‌ثالثًا: حكم استخدام وسائل منع الحمل أو تنظيمه:

- ‌النازلة الخامسة عشرة: ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالجراحة الطبية

- ‌أولًا: شروط جواز الجراحة الطبية:

- ‌النازلة السادسة عشرة: في الاستنساخ

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: أقسامه:

- ‌ثالثًا: ذكر بعض فوائد الاستنساخ كما يقرره المؤيدون له:

- ‌رابعًا: الاعتراضات الواردة على الاستنساخ:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي في الاستنساخ:

- ‌أولًا: الاستنساخ النباتي والحيواني:

- ‌ثانيًا: الاستنساخ البشري:

- ‌النازلة السابعة عشرة: البييضات الملقحة الزائدة على الحاجة

- ‌النازلة الثامنة عشرة: التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية

- ‌تمهيد:

- ‌أولًا: تعريف التأمين الصحي:

- ‌ثانيًا: أنواع التأمين الصحي:

- ‌النوع الأول: التأمين الصحي الاجتماعي:

- ‌النوع الثاني: التأمين الصحي التجاري (التأمين من المرض):

- ‌النوع الثالث: التأمين الصحي التعاوني:

- ‌النوع الرابع: التأمين الصحي التبادلي:

- ‌النوع الخامس: التأمين الصحي المباشر:

- ‌ثالثًا: حكم كل نوع من أنواع التأمين الصحي:

- ‌النازلة التاسعة عشرة: الخلايا الجذعية ومدى مشروعية العلاج بها

- ‌أولًا: تعريف الخلايا الجذعية:

- ‌ثانيًا: أهم خصائص الخلايا الجذعية:

- ‌ثالثًا: أهم أنواع الخلايا الجذعية:

- ‌رابعًا: الاستخدامات المحتملة للخلايا الجذعية:

- ‌خامسًا: العلاج بالخلايا الجذعية:

- ‌النازلة العشرون: زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي

- ‌النازلة الحادية والعشرون: زراعة الأعضاء التناسلية

- ‌النازلة الثانية والعشرون: التحكم في جنس الجنين

- ‌أولًا: توصيف هذه النازلة طبيًّا:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود:

- ‌النازلة الثالثة والعشرون: منع الزوج زوجته من تناول العلاج الموصوف لها لمرض الصرع

- ‌النازلة الرابعة والعشرون: حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا

- ‌النازلة الخامسة والعشرون: حكم الانتفاع بالمشيمة

- ‌تعريف المشيمة:

- ‌مدى الانتفاع بالمشيمة في الطب الحديث:

- ‌النازلة السادسة والعشرون: السر في المهن الطبية

- ‌النازلة السابعة والعشرون: ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض

- ‌أولًا: تعريف العورة والتحذير من إبدائها وبيان حدها:

- ‌[ثانيًا] (*) حكم كشف العورة عند الطبيب المعالج:

- ‌1 - أن توجد حاجة ماسة للعلاج

- ‌2 - أن يكون النظر بقدر الضرورة أو الحاجة

- ‌3 - عند اختلاف الجنس يشترط لإباحة النظر للعلاج أن لا تكون خلوة بين الرجل والمرأة

- ‌4 - أن يتعذر دفع الحاجة باللجوء إلى الجنس المشابه

- ‌5 - أن لا يكون المعالج ذميًا إذا وجد مسلم يقوم مقامه

- ‌6 - أن يكون الطبيب المعالج أمينًا غير متهم في خلقه ودينه

- ‌النازلة الثامنة والعشرون: استفادة المسلمين من عظم الحيوانات وجلودها في صناعة الجيلاتين:

- ‌أولاً: التعريف بالجلاتين:

- ‌ثانيًا: أنواع الجيلاتين:

- ‌ثالثًا: فوائد الجيلاتين:

- ‌النازلة التاسعة والعشرون: في البصمة الوراثية

- ‌أولًا: التعريف بالبصمة الوراثية:

- ‌ثانيًا: مدى مشروعية العمل بالبصمة الوراثية

- ‌النازلة الثلاثون: بنوك الحليب

- ‌أولًا: نشأتها والتعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الحادية والثلاثون: نقل الدم

- ‌النازلة الثانية والثلاثون: إنشاء بنوك الدم

- ‌النازلة الثالثة والثلاثون: منع الحمل الجراحي

- ‌النازلة الرابعة والثلاثون: رتق غشاء البكارة

- ‌أولًا: التعريف بغشاء البكارة:

- ‌ثانيًا: حكم رتق غشاء البكارة:

- ‌النازلة الخامسة والثلاثون: ما يسمى بموت الرحمة

- ‌المقصود بموت الرحمة:

- ‌الحكم الشرعي لما يسمى بموت الرحمة:

- ‌النازلة السادسة والثلاثون: الترقيع الجلدي

- ‌النازلة السابعة والثلاثون: أحكام‌‌ التخديرالجراحي

- ‌ التخدير

- ‌أولًا: تعريف التخدير وأنواعه:

- ‌أنواع التخدير:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي:

- ‌ثالثًا: بعض الأحكام المترتبة على التخدير:

- ‌النازلة الثامنة والثلاثون: حكل التصوير بالأشعة

- ‌النازلة التاسعة والثلاثون: الكحت وتوسيع الرحم

- ‌أولًا: التعريف بهذه النازلة:

- ‌ثانيًا: مدى الحاجة لإجراء هذه العملية:

- ‌ثالثًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الأربعون: المواد المحرمة والنجسة في الدواء

- ‌النازلة الحادية والأربعون: الطب الصيني (الوخز بالإبر)

- ‌أولًا: التعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الثانية والأربعون: حكم شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي

- ‌النازلة الثالثة والأربعون: حكم الانتفاع بالجنين الميت

- ‌النازلة الرابعة والأربعون: حكم عملية شد البطن بعد الولادة، وهل تعد انتحارًا

- ‌النازلة الخامسة والأربعون: حكم إجراء عملية تجميل للجفون المنتفخة

- ‌النازلة السادسة والأربعون: حكم إجراء عملية لتجميل الثدي المتهدل

- ‌النازلة السابعة والأربعون: حكم إزالة أو إضافة حبَّة الخال على وجه المرأة

- ‌النازلة الثامنة والأربعون: حكم زراعة شعر صدر الرجل

- ‌النازلة التاسعة والأربعون: حكم زراعة شعر المصاب بالصلع وذلك بأخذ شعر من خلاف الرأس وزرعه في المكان المصاب

- ‌النازلة الخمسون: فيما يختص به طب الأسنان

- ‌أولًا: تلبيس الأسنان:

- ‌ثانيًا: تسوية الأسنان:

- ‌ثالثًا: تركيب طقم الأسنان الصناعي:

- ‌رابعًا: هل تخلع أسنان الميت إذا كانت من الذهب أو كانت صناعية

- ‌خامسًا: حكم تقويم الأسنان:

- ‌النازلة الحادية والخمسون: في حكم سفر المرأة خارج بلادها بلا محرم بغرض دراسة الطب

- ‌النازلة الثانية والخمسون: حكم زراعة الرموش

- ‌النازلة الثالثة والخمسون: حكم أخذ إبرة لتصغير الأنف

- ‌النازلة الرابعة والخمسون: حكم أخذ أعضاء الميت لإنشاء بنوك الأعضاء

- ‌النازلة الخامسة والخمسون: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني

- ‌ثانيًا: الخطوات التي يتم فيها الحفظ:

- ‌ثالثًا: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني:

- ‌النازلة السادسة والخمسون: طبيعة التزام الطبيب بالعلاج ومدى جواز المشارطة على البرء

- ‌النازلة السابعة والخمسون: الحجر الصحي

- ‌النازلة الثامنة والخمسون: التشخيص المبكر قبل الزواج ومدى الإلزام به

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: الآثار الفقهية للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌ثالثًا: مدى الاستفادة من التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌رابعًا: سلبيات التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌خامسًا: التكييف الفقهي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سادسًا: الحكم الشرعي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سابعًا: حكم الإلزام به:

- ‌النازلة التاسعة والخمسون: أثر الأمراض المعدية الحديثة في الخيار بين الزوجين وفي حق المعاشرة وفي حضانة الولد

- ‌أولًا: تعريف المرض المعدي:

- ‌ثانيًا: أثر الأمراض المعدية في الخيار بين الزوجين:

- ‌ثالثًا: حكم التفريق بين الزوجين بسبب الأمراض المعدية الحديثة:

- ‌رابعًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في المعاشرة بين الزوجين:

- ‌خامسًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في حق الحضانة:

- ‌النازلة الستون: الأحكام المتعلقة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: طرق العدوى بمرض الإيدز:

- ‌ثالثًا: التكييف الشرعي لمرض الإيدز من جهة مرض الموت:

- ‌رابعًا: حكم عزل المصاب بالإيدز:

- ‌خامسًا: حكم تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز:

- ‌سادسًا: حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:

الفصل: ‌ثانيا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود:

‌النازلة الثانية والعشرون: التحكم في جنس الجنين

‌أولًا: توصيف هذه النازلة طبيًّا:

لقد شغلت هذه النازلة العالم قديمًا وحديثًا، وتوصيف هذه النازلة طبيًا أن علماءَ الطبِّ قد توصلوا إلى سببِ حصول الأنوثة والذكورة في جنينِ الإنسان، وتوصيفُه أن بويضةَ المرأةِ تحملُ صبغة (x) وماءُ الرجلِ يحملُ صبغتين (x) و (y) فإذا لُقحت بويضةُ المرأةِ بحيوان منوي (x) خُلق المولودُ أنثى، وإذا لقحت بحيوان منوي (y) خُلق المولودُ ذكرا.

وبعد أن توصلوا إلى هذا السببِ وعرفوه انتقلوا إلى مرحلة ثانية، وهي دعوى قدرتُهم على اختيارِ جنس الجنين، وذلك عن طريقِ التخصيب الداخلي أو الخارجي بإحدى صبغتي الرجل (x) و (y)، فمن يرغبُ في ذكر يُخصب له بالصبغة (y)، ومن يرغبُ في أنثى يُخصب له بالصبغةِ (x)، وقالوا إن نسبةَ نجاحِ التخصيبِ والعلوقِ (25 %) فإذا تم التخصيبُ والعلوقُ كانت نسبةُ النجاحِ (99 %)، وقالوا إن هذا لا ينافي الإرادةَ الإلهيةَ، بل هو من جملةِ الأسبابِ.

‌ثانيًا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود:

نقول اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:

الأول: أنه يجوز التدخل الطبي لاختيار أحد الجنسين، وهو أمر لا يخالف الشرع وما هو إلا اكتشاف لسنة من سنن الله الكونية، وهو من الأسباب التي خلقها الله وقدرها، ولا يكون تأثيرها إلا بإذن الله، وأن الأصل في اختيار جنس الجنين هو الإباحة، ومن الأدلة الشرعية على جواز تحديد جنس المولود ما يلي:

الدليل الأول: أن الأصل في الأشياء الإباحة والحل حتى يقوم دليل المنع والحظر؛

ص: 101

في قول جمهور أهل العلم؛ وليس لدى من قال بمنع العمل على تحديد جنس الجنين دليل يستند إليه، فيبقى الأصل محفوظًا مستصحبًا.

الدليل الثاني: أن طلب جنس معين في الولد لا محظور فيه شرعًا، فالله تعالى قد أقرَّ بعض أنبيائه الذين سألوه في دعائهم أن يهب لهم ذكورًا من الولد. فهذا نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام سأل الله تعالى أن يرزقه ولدًا ذكرًا صالحًا، فأجابه الله تعالى، وكذلك نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام دعا ربه أن يهبه غلامًا زكيًا، فأجابه الله تعالى ولو كان هذا الدعاء سؤالًا لمحرم لكان محرمًا ولمنعه الله تعالى ولما أقرَّه، فإن الدعاء بالمحرم محرم. فلما جاز الدعاء بطلب جنس معين في الولد، وهو سبب من الأسباب التي تُدرك بها المطالب، دل ذلك على أن الأصل جواز العمل على تحديد جنس الجنين بالأسباب المباحة؛ لأن ما جاز سؤاله وطلبه جاز بذل السبب لتحصيله.

الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن السبب الطبيعي الذي يُوجِب الإذكار أو الإيناث بإذن الله كما في صحيح الإمام مسلم من حديث ثوبان أن يهوديًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الولد. قَال صلى الله عليه وسلم: "مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ المَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنيُّ الرَّجُلِ مَنيَّ المَرْأَةِ أَذْكرَا بِإِذْنِ الله، وَإِذَا عَلَا مَنيُّ المَرْأَةِ مَنيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ الله". قَالَ اليَهُودِىُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ وإنَّكَ لَنَبِيٌّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ سَأَلَني هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَني عَنْهُ وَمَا لِي عِلمٌ بِشَيءٍ مِنْهُ حَتَّى أَتَانِىَ اللهُ بِهِ"(1). وهذا يفيد أن الإذكار والإيناث في الجنين أمرٌ يستند إلى سبب طبيعي معلوم. وليس في الحديث ما يشعر بأنه مما استأثر الله به، بل هو كسائر الأسباب الطبيعية التي متى قدر الخلق على إيجادها، فقد أدركوا المقدمة التي يمكن أن يصلوا بها إلى النتيجة.

(1) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما (473).

ص: 102

الدليل الرابع: قياس السعي في تحديد جنس الجنين على معالجة العقم الذي يمكن معالجته، فإنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز السعي في معالجة العقم مع كونه سعيًا في إيجاد الحمل وأخذًا لأسباب حصوله، بل جواز أخذ أسباب تحديد جنس الجنين من باب أولى؛ لأنه عمل بالأسباب الممكنة لإدراك صفة في الجنين، وهو أسهل من أخذ أسباب الإيجاد والتكوين.

الدليل الخامس: قياس السعي في تحديد جنس الجنين على جواز العزل.

وقالوا بأن القول بجواز التدخل الطبي لاختيار أحد الجنسين إذا كان ذلك بالضوابط التالية:

الأول: أن لا يكون ذلك سياسة عامة للدولة ولكن يكون أمرًا فرديًّا؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى الخلل في التوازن بين الإناث والذكور.

الثاني: أن يكون ذلك للحاجة كأن يكون الشخص قد أنجب مجموعة من أحد الجنسين دون الجنس الآخر أو بسبب مرض وراثي، أما من غير حاجة فلا يجوز، فمن فعل ذلك ابتداء من أول زواجه أو مع إنجابه لكلا الجنسين فلا يجوز.

الثالث: اتخاذ الضمانات اللازمة والتدابير الصارمة لمنع أي احتمال لاختلاط المياه المفضي إلى اختلاط الأنساب.

الرابع: التأكيد على حفظ العورات وصيانتها من الهتك، وذلك من خلال قصر الكشف على موضع الحاجة قدرًا وزمانًا، وأن يكون من الموافق في الجنس درءًا للفتنة ومنعًا لأسبابها.

الخامس: المراقبة الدائمة من الجهات ذات العلاقة لنسب المواليد وملاحظة الاختلال في النسب واتخاذ الإجراءات المناسبة من القوانين والتنظيمات لمنعه وتوقيه.

ص: 103

السادس: أن يكون تحديد جنس الجنين بتراضي الوالدين: الأب والأم؛ لأن لكل واحد منهما حقًّا في الولد فإن اختلفا، فالأصل بقاء الأمر على حاله دون تدخل في التحديد درءًا لمفسدة الشقاق.

السابع: اعتقاد أن هذه الوسائل ما هي إلا أسباب وذرائع لإدراك المطلوب لا تستقل بالفعل، ولا تخرج عن تقدير الله وإذنه، فلله الأمر من قبل ومن بعد {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 - 50].

الثامن: إذا كانت المحاولات يسيطر عليها الغرور بالعلم لحل المشكلات وعدم الإيمان بأن إرادة الله غالبة، كما هو شأن الماديين، كانت محرمة باتفاق؛ لأنها إن لم تكن كفرًا فهي تؤدى إليه.

التاسع: إذا كان الغرض من هذه العملية هو الإكثار من أحد النوعين إلى الحد الذي يختل فيه التوازن ويؤدى إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات كالمتعة بين الجنس الواحد، أو يؤدى إلى إرهاب الغير بكثرة الذكور مثلًا، أو إلى استغلال النوع الآخر لأغراض خبيثة كان ذلك حرامًا لا شك فيه.

العاشر: إذا كان من وسائل التحكم في نوع الجنين التعقيم النهائي الذي لا يكون بعده إنجاب كان ذلك محرمًا؛ لأن فيه تعطيلًا لقوة لازمة لعمارة الكون، وتظهر فيه المعارضة لحكم الله وتقديره.

القول الثاني: لا يجوز تحديد جنس الجنين واستدلوا لقولهم بأدلة منها:

الدليل الأول: أن العمل على تحديد جنس الجنين يتضمن منازعة الله تعالى في خلقه ومشيئته، وما اخْتَص به من علم ما في الأرحام، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6]. قال جماعة من

ص: 104

المفسرين منهم ابن مسعود وقتادة وغيرهما: ذكورًا وإناثًا.

الدليل الثاني: أن العمل على تحديد جنس الجنين ضرب من ضروب تغيير خلق الله تعالى الذي هو من عمل الشيطان كما دل عليه قوله تعالى عن إبليس: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 119].

وكذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ وَالمتنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلقَ الله"(1).

فإذا كان التغيير في صورة الخلقة على النحو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا فكيف بالتغيير في الجنس؟ لا شك أنه أحق بالتحريم وأولى بالمنع.

الدليل الثالث: أن القول بجواز العمل على تحديد جنس الجنين يفضي إلى عدة مفاسد ومخاطر منها:

أ- الإخلال بالتوازن الطبيعي البشري في نسب الجنسين الذي أجراه الله تعالى في الكون لحكمة ورحمة؛ فإن كثيرًا من الناس قد يميل إلى جنس الذكور في المواليد.

ب- فتح المجال أمام العبث العلمي في خلق الإنسان وتكوينه، وهو أمر اتفق الناس على خطورته وشؤم عاقبته على البشرية.

ج- ما يمكن أن يقع من جراء بعض الطرق في عملية تحديد جنس الجنين من اختلاط الأنساب، وهذا من المفاسد الكبرى الناتجة عن هذه العملية.

د- هتك العورات بكشفها وعدم حفظها، وذلك أن من طرق تحديد جنس الجنين ما يتطلب كشف المرأة عن العورة المغلظة.

(1) أخرجه البخاريُّ في التفسير، باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (4886)، ومسلمٌ في اللباس، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة (2125).

ص: 105

الترجيح: بعد ذكر القولين في هذه النازلة نقول بأن الذي يترجح لنا أن تحديد جنس المولود يمكن أن يتم بثلاث طرق:

الأولى: باستعمال أمور طبيعية كالنظام الغذائي، وهذا لا حرج فيه، إن أثبت أهل الاختصاص جدوى ذلك، دون أن تترتب عليه محاذير شرعية.

الثانية: بالتدخل الطبي لاختيار جنس الجنين، وهذا لا يجوز إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، كما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الآتي نصه:

ووجه المنع: أن التدخل الطبي بالتلقيح المجهري يترتب عليه محاذير شرعية، كالاستمناء، وكشف العورة المغلظة والنظر إليها، مع احتمال اختلاط الحيوانات المنوية أو البويضات في حالة إيداعها في بنوك مما يترتب عليه اختلاط الأنساب.

الثالثة: تحديد جنس الجنين أثناء عملية التلقيح الصناعي لمن احتاج إليه لعدم إمكان الإنجاب بالطريقة المعتادة، والظاهر أنه لا حرج فيه تبعًا لجواز التلقيح، فحيث وجد السبب المبيح للتلقيح الصناعي وروعيت فيه ضوابطه، فإنه يجوز تبعًا التدخل لتحديد جنس الجنين (1).

ومما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي:

أولًا: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها.

ثانيًا: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث أو بالعكس،

(1) انظر كتاب: رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين، د. خالد المصلح، المختصر المفيد في تحديد جنس الوليد، د. عبد الرحمن عبد الله اليحيى.

ص: 106

فيجوز حينئذٍ التدخل بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريرًا طبيًّا بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي، ومن ثَمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.

ثالثًا: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات والمراكز الطبية، التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية؛ لتمنع أي مخالفة لمضمون هذا القرار.

وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك.

ص: 107