الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: حكم التداوي
قبل الشروع ببيان بعض الأحكام المتعلقة بالنوازل الطبية المعاصرة نذكر بعض الأمور المتعلقة بهذه النوازل.
اختلف الفقهاء في حكم التداوي:
فذهب جمهور أهل العلم من الحنفيَّة (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4) إلى عدم وجوب التداوي.
قال شيخ الإِسلام رحمه الله: "ليس بواجب عند جماهير الأئمة، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمدُ"(5).
وذهب بعض الفقهاء إلى وجوبه إذا خشي الإنسان على نفسه التلف بتركه.
قال في تحفة المحتاج: "ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه، واعتُرض بأن لنا وجهًا بوجوبه إذا كان به جرح يخاف مثله التلف"(6) انتهى.
وفي حاشيته: "عن البغوي أنه إذا علم الشفاء في المداواة وجبت"(7) انتهى.
وفي حاشية قليوبي وعميرة: "وقال الإسنوي: يحرم تركه في نحو جرح يظن فيه التلف"(8). انتهى.
(1) العناية شرح الهداية (8/ 500).
(2)
الثمر الداني في تقريب المعاني، (ص: 534).
(3)
مغنى المحتاج (1/ 357).
(4)
الروض المربع (ص: 172).
(5)
غذاء الألباب للسفاريني (1/ 459).
(6)
تحفة المحتاج (3/ 182).
(7)
حاشية تحفة المحتاج (1/ 459).
(8)
حاشية قليوبي وعميرة (1/ 403).
وذهب مجمع الفقه الإِسلامي (1) التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي إلى القول بوجوب التداوي إذا كان تركه يفضي إلى تلف النفس أو أحد الأعضاء أو العجز، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية.
والذي يظهر لنا أن التداوي على أقسام:
الأول: إذا غلب على الظن نفع الدواء مع احتمال الهلاك بتركه فالتداوي واجب، فيدخل في ذلك إيقاف النزيف، وخياطة الجروح، وبتر العضو التالف المؤدي إلى تلف بقية البدن، ونحو ذلك مما يجزم الأطباء بنفعه وضرورته، وأن تركه يؤدي إلى التلف أو الهلاك.
الثاني: إذا غلب على الظن نفع الدواء، ولكن ليس هناك احتمال للهلاك بترك الدواء، فالتداوي أفضل.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذين يدخلون الجنة بغير حساب (2)، وفعل بعض الصحابة حيث تركوا العلاج، ومنهم أبو بكر، وأبو الدرداء رضي الله عنهم.
فقيل: الحديث محمولٌ على من اعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها أو على الرقى التي لا يعقل معناها لاحتمال أن يكون كفرًا، ولكن ذلك مردود بأن هذا لا يختص بالسبعين ألفًا الوارد ذكرهم في الحديث.
وقيل: محمولٌ على من فعله في الصحة خشية وقوع الداء.
وقيل: محمولٌ على من تركه رضًا بقدر الله واعتمادًا عليه لا أنه ليس بجائز.
(1) قرار المجمع في جواب السؤال رقم (2148) مجلة المجمع (ع 7، (3/ 563).
(2)
رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب من يتوكل على الله فهو حسبه (5420)، ومسلمٌ في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (220).