الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النازلة التاسعة والخمسون: أثر الأمراض المعدية الحديثة في الخيار بين الزوجين وفي حق المعاشرة وفي حضانة الولد
أولًا: تعريف المرض المعدي:
عرَّفَت منظمة الصحة العالمية المرض المعدي بأنَّه: المرض الذي ينتج من الإصابة بعدوى بعامل مُسبِّب يمكن انتقاله من إنسانٍ لإنسان، أو من حيوان لإنسان، أو من البيئة للإنسان والحيوان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ثانيًا: أثر الأمراض المعدية في الخيار بين الزوجين:
تكلَّم الفقهاء رحمهم الله عن أسباب كثيرة للفرقة بين الزوجين، واختلفوا في حد العيب الذي يثبت به الخيار، والذي يظهر لنا أن أي ضرر أو عيب أو مرض يضر بأحد الزوجين أو يخالف مقصود النكاح فإن له حق طلب الفسخ.
ثالثًا: حكم التفريق بين الزوجين بسبب الأمراض المعدية الحديثة:
لقد فشت بعض الأمراض الخطيرة في هذا الزمان التي لم تكن في العصور السابقة، فما حكم الفسخ بالأمراض المعدية الحديثة التي استجدت في هذا العصر؟
أ- رأي الأطباء:
قرر الأطباء تقسيم الأمراض المعدية إلى حالتين:
الحالة الأولى: المرض المعدي الذي يمكن علاجه:
فالذي يظهر أن المرض حينئذٍ لا يكون عيبًا يُسوغ الخيار في النكاح لأحد الزوجين، ويمكن عند النزاع بين الزوجين أن يضرب القاضي مدةً يُنتظر فيها زوال
العيب من عَدِمه، كما ذكر الفقهاء في مسألة العِنِّين.
الحالة الثانية: المرض المعدي المستعصي الذي لا يمكن علاجه:
فلو نظرنا إلى مرض (الإيدز) مثلًا، لوجدنا أن من تقريرات الأطباء فيه ما يلي:
* احتمالات انتقال العدوى من الزوج المريض إلى الزوج السليم واردة، ولا سيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري.
* معدَّل الحياة بعد ظهور أعراض المصاب بالإيدز ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام فقط، وهو مرض لا يمكن الشِّفاء منه إلا بإذن الله؛ حيث لم يوجد لقاح حتى الآن معالج لفيروس الإيدز.
* طرق العدوى بمرض الإيدز محصورة في الاتصال الجنسي ونقل الدم.
* الأطباء ينصحون بالابتعاد عن الاتصال الجنسي ما أمكن، فإن أصرا على الاتصال الجنسي فيكون ذلك عن طريق استعمال العازل الذكري أو الأنثوي؛ لمنع ملامسة الإفرازات الجنسية لكل من الطرفين مما يقلل نسبة الإصابة للسليم.
ب- رأي الفقهاء:
بناءً على ما تقدم من معلومات طبية فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: جواز طلب الفرقة من أي طرف متى طلب ذلك ويثبت له خيار العيب، ولا يجوز للمصاب إجبار زوجته على البقاء أو المعاشرة الجنسية.
وقد جاء في بحث إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإِسلامي (1) من مرض الإيدز: "أن يمتنع الطرف الآخر عن المعاشرة ويبقى معافى من الإصابة، وهذا يجوز
(1) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجدة قرار رقم: 94/ 7 / د 9.
له أن يطلب التفريق حماية لنفسه ومستقبله، ومستقبل أولاده من العدوى الممكنة في كل وقت بالدم أو المعاشرة أو اللبن".
القول الثاني: إجبار الزوجين على الفرقة ولو رضي السليم بالبقاء، فإذا كانت المرأة هي السليمة فعلى الأولياء أن يأخذوا على يدها؛ لما تقرر شرعًا من الضرر الحاصل ببقائها معه.
وإذا كان السليم هو الزوج، فيجب على الحاكم منعه وحجره عن ذلك، إن لم يبتعد عما هو فيه؛ لأن تزوج الرجل المعافى من مريض بمرض خطير ضار -كالإيدز والبرص والجذام- أولى من سفه التصرف بالمال، فالسفه في التصرف في النفس وإهلاكها أشد خطرًا من السفه في التصرف بالمال. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإِسلامي (1) ما نصه:"حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز: للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) مرض معدٍ تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي".
ويستدل على ذلك بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [النساء: 185]، وفي بقاء الزوجة السليمة مع زوجها المريض بهذا المرض عسر وحرج ومشقة لا تطاق.
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "وَفِرَّ مِنْ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ"(2)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالبعد
(1) المرجع السابق.
(2)
رواه الإِمام أحمد (2/ 443) عن أبي هريرة رضي الله عنه، والبخاريُّ في الطب، باب الجذام (5707) عن أبي هريرة رضي الله عنه معلقًا، ولفظه:"كما تفر من الأسد".