الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن المريض بالمرض المعدي كالجذام وهذا منه.
3 -
أن هذا المرض يحول دون تحقيق مقاصد النكاح من الاستمتاع وتحقيقه من الولد والإحصان والمودة والرحمة؛ لما يسببه من نفره تمنع قربانه، قياسًا على الجذام والبرص.
4 -
من القواعد الشرعية المعتبرة: (أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وهذا المرض متعدي إلى من يخالط صاحبه، بل قد يتعدى إلى النسل.
5 -
ومن القواعد الشرعية: أن (الضرر يزال)، وفي بقاء الزوجة السليمة ضرر كبير عليها، وإزالته واجب شرعي.
ولذلك فإن الذي يترجح في هذه المسألة أن هذه الأمراض المعدية المستعصية تدخل من ضمن أسباب التفريق، وأنه يثبت بها خيار العيب بين الزوجين، هذا من حيث الأصل، ومعلوم أن النظر في مثل هذه المسائل مرهون بالمصلحة والمفسدة، فإن رأى الحاكم أن التفريق بين الزوجين فيه المصلحة -وإن رضيا بالبقاء- فرق بينهما، لكن الأصل هو الرجوع إلى الطرف السليم فإن رضي بالبقاء فله ذلك؛ لأن الخيار له، بشرط التزامهما بالضوابط والتوجيهات الصحية اللازمة لحماية السليم منهما من المرض، والله أعلم.
رابعًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في المعاشرة بين الزوجين:
إذا قرر كل من الرجل والمرأة استمرار الزوجية بينهما فلا بد لهما من الأخذ بالأسباب التي تكون معينةً -بإذن الله- على عدم نقل العدوى من المصاب إلى السليم، لكن هل يبقى حق التمتع والمعاشرة بين الزوجين على حاله؟ أم أنه يعد خطرًا على السليم منهما؟
أ- آراء الأطباء في المسألة:
يقرر الأطباء أنه من الممكن انتقال المرض المعدي بأحد طريقين:
الأول: عن طريق الاتصال الجنسي بين الزوجين.
الثاني: عن طريق تقرُّحات أو جروح في بدن المُصَاب، سواءٌ كان الجرح في الأعضاء التناسلية أو غيرها.
ب- رأي الفقهاء:
بناءً على ما ذكره الأطباء يمكن تقسيم المعاشرة بين الزوجين على قسمين:
القسم الأول: معاشرة في الفرج.
القسم الثاني: معاشرة في ما دون الفرج.
أما حكم القسم الأول وهو المعاشرة في الفرج، فإنه يحرم شرعًا إذا كان هذا المرض المعدي مما ينتقل بالاتصال الجنسي، فإذا طلب المصاب من الزوجين ذلك وجب على السليم الامتناع من ذلك، ولا تعد الزوجة السَّليمة ناشِزَةً، وكذا الزوج لا يُعدُّ مولِيًا لو امتنع.
ودليل ذلك: قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وفي المعاشرة في الفرج إلقاء للنفس في التهلكة، ويغلب على الظن انتقال المرض بها، وكذا فإن قواعد الشرع ونصوصه جاءت بسد باب الضرر ودفعه وسد الوسائل الموصلة إليه، فلا ضرر ولا ضرار، وإذا ثبت حق الفسخ بسبب الضرر، فالامتناع مع البقاء أولى.
أما في حال استخدام الزوجين للعازل أو الواقي فالمسألة مشكلة، خاصة إذا عرفنا أنه في أحدى الدراسات الطبية التي شملت العلاقة بين المتزوجين بعد حوالي (15000) اتصال جنسي هي (صفر) ولذلك فإن المسألة يتنازعها أصلان، أصل
الجواز والإباحة، وأصل المنع، أخذًا للحيطة والحذر؛ لأن الاحتمال يبقى قائمًا ولو كان ضعيفًا، وكل يدرك خطورة الإصابة بمرض كالإيدز لا يوجد له علاج إلى الآن، والسلامة لا يعدلها شيء والله أعلم.
أما القسم الثاني وهو المباشرة في ما دون الفرج، فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول: أن المباشرة فيما دون الفرج أمر محرم، واستدلوا بقول الله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وهذه قاعدة عامة منع الله تعالى فيها الناس من إلقاء أنفسهم إلى الضرر والتهلكة.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إيقاع الضرر على النفس أو الغير، في قوله:"لَا ضَرَر وَلَا ضِرَارَ"(1). وهذا الأمر بلا شك من أعظم الضرر؛ لأنه يعود بمفسدة كبيرة على النفس.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب دفعًا للضرر، فعندما جاء وقد ثقيف يبايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم رجل مجذوم أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ"(2).
ومعلوم أن الأمراض المعدية وخاصة الإيدز يحتاج معها إلى الابتعاد عمن هو مصاب به، دفعًا للضرر الحاصل من الاختلاط به، وعلى ذلك فلا تجوز المعاشرة حتى ولو كانت فيما دون الفرج.
القول الثاني: أن المباشرة فيما دون الفرج جائزة، لكن مع استخدام كافة الاحتياطات، كالواقي الذكري أو العازل، حيث أجاز هؤلاء المعاشرة الزوجية
(1) سبق تخريجه (ص: 137).
(2)
رواه مسلم، كتاب السلام، باب اجتناب المجذوم ونحوه (5958).