الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النازلة الحادية والثلاثون: نقل الدم
إذا مرض إنسان واشتد ضعفه ولا سبيل لتقويته أو علاجه إلا بنقل دم من غيره إليه، فهل يشرع لغيره أن يتبرع له من دمه؟
نقول إذا مرض إنسان واشتد ضعفه ولا سبيل لتقويته أو علاجه إلا بنقل دم من غيره إليه وتعين ذلك طريقًا لإنقاذه، وغلب على ظن أهل المعرفة انتفاعه بذلك، فلا بأس بعلاجه بنقل دم غيره إليه، ولو اختلف دينهما، فينقل الدم من كافر ولو حربيًّا لمسلم، وينقل من مسلم لكافر غير حربي، أما الحربي فنفسه غير معصومة فلا تجوز إعانته، بل ينبغي القضاء عليه إلا إذا أُسِر؛ فلإمام المسلمين أو نائبه أن يفعل به ما يراه مصلحة للمسلمين؛ من قتل أو استرقاق، أو مَنٍّ عليه، أو قبول فداء منه أو من أوليائه، وإلا إذا أمّن فيجار حتى تبيّن له الحجة، فإن آمن فيها وإلا بلغ مأمنه.
الأصل في هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]. وقوله سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3]، وقال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].
وجه الدلالة من هذه الآيات أنها أفادت أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من (شخص) آخر بأن لا يوجد من (الأغذية والأدوية المباحة) ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل الدم إليه، وهذا في الحقيقة من باب الغذاء لا من باب الدواء (واستعمال الغذاء المحرّم عند الضرورة جائز كأكل الميتة للمضطر)، ولا يكون هذا التبرع إلا بشروط هي:
1 -
ألا يترتب على المتبرع عند نقله منه ضرر فاحش؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"(1).
2 -
أن يكون المتبرع له معصوم الدم فينقل الدم من كافر ولو حربيًّا لمسلم، وينقل من مسلم لكافر غير حربي، أما الحربي فنفسه غير معصومة فلا يجوز نقل الدم له.
3 -
أن يكون الدم خاليًا من الأمراض المعدية.
4 -
أن تكون هناك ضرورة للمتبرع له بحيث تتوقف حياته إذا كان مريضًا أو جريحًا على نقل الدم؛ وذلك لأن الدم عند أكثر أهل العلم نجس، فلا يجوز التداوي به إلا إذا خشي على نفسه الهلاك فيجوز، مثل الميتة.
5 -
أن يكون الدم بلا عوض، فإن كان بعوض حرم أخذ العوض؛ لأن الله إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه، فإن تعذر حصوله على الدم بلا عوض جاز له أن يشتري ويدفع الثمن للضرورة، لكن الذي يبيع الدم هو الذي يأثم ولا يجوز له أن يأخذ الثمن.
وقد صدرت عدة قرارات بخصوص مدى مشروعية التبرع بالدم منها مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإِسلامي (2)، ومما جاء فيه: "نقل الدم لا يحصل به التحريم، وأن التحريم خاص بالرضاع. أما حكم أخذ العوض عن الدم وبعبارة أخرى: بيع الدم، فقد رأى المجلس: أنه لا يجوز؛ لأنه من المحرمات
(1) رواه أحمد (5/ 326 - 327)، وابن ماجه، كتاب الأحكام: باب من بني في حقِّه ما يضرّ بجاره، رقم (2340) من حديث عبادة بن الصامت. ورُوي أيضًا من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وعائشة وغيرهم. قال النووي: "حديثٌ حسنٌ
…
وله طرق يَقْوَى بعضها ببعض". قال ابن رجب: "وهو كما قال". قال ابن الصَّلاح: "هذا الحديث أسنده الدارقطني".
(2)
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 62 (3/ 11).
المنصوص عليها في القرآن الكريم، مع الميتة ولحم الخنزير، فلا يجوز بيعه وأخذ عوض عنه، وقد صح في الحديث:"إنَّ الله تعالى إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثَمَنَهُ". كما صح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الدم، ويستثنى من ذلك حالات الضرورة إليه؛ للأغراض الطبية ولا يوجد من يتبرع به إلا بعوض، فإن الضرورات تبيح المحظورات، بقدر ما ترفع الضرورة، وعندئذ يحل للمشتري دفع العوض، ويكون الإثم على الآخذ، ولا مانع من إعطاء المال على سبيل الهبة أو المكافأة؛ تشجيعًا على القيام بهذا العمل الإنساني الخيري؛ لأنه يكون من باب التبرعات، لا من باب المعاوضات".