المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب - الفقه الميسر - جـ ١٢

[عبد الله الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌النَّوازلُ الطِّبيَّة المعَاصرَة

- ‌المقدمة

- ‌أولًا: حكم التداوي

- ‌ثانيًا: مسؤولية الطبيب

- ‌النازلة الأولى: مدى مشروعية الإذن في إجراء العمليات الطبية

- ‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب

- ‌النازلة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بموت الدماغ

- ‌المسألة الأولى: تعريف الموت وعلاماته عند الفقهاء:

- ‌أولًا: تعريف الموت عند الفقهاء:

- ‌ثانيًا: علامات الموت عند الفقهاء:

- ‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر:

- ‌النازلة الرابعة: رفع أجهزة الإنعاش الصناعي

- ‌أولًا: تعريف الإنعاش:

- ‌ثانيًا: حكم الإنعاش:

- ‌ثالثًا: آلات الإنعاش عند الأطباء:

- ‌رابعًا: حكم رفع أجهزة الإنعاش:

- ‌النازلة الخامسة: في حكم نقل أجهزة الإنعاش من شخص إلى آخر

- ‌النازلة السادسة: نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الإنسان الحي

- ‌أولًا: نبذة تاريخية عن هذه النازلة:

- ‌ثانيًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ثالثًا: التكييف الفقهي لهذه النازلة:

- ‌رابعًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة السابعة: زراعة الأعضاء بعد قطعها في حد أو قصاص

- ‌أولًا: التكييف الطبي للنازلة:

- ‌ثانيًا: حكم إعادة العضو المقطوع حدًّا أو قصاصًا:

- ‌النازلة الثامنة: حكم التشريح

- ‌أغراض التشريح:

- ‌حكم التشريح:

- ‌النازلة التاسعة: جراحة التجميل

- ‌أولًا: جراحة التجميل الحاجية:

- ‌ثانيًا: جراحة التجميل التحسينية:

- ‌ثالثًا: حكم الجراحة التجميلية:

- ‌1 - حكم الجراحة التجميلية الحاجية:

- ‌2 - الحكم الشرعي للجراحة التحسينية:

- ‌النازلة العاشرة: العلاج الجيني ومدى مشروعيته

- ‌أولًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ ما هو العلاج الجيني

- ‌ أهم الأمراض التي تناولها العلاج الجيني

- ‌ منافع العلاج الجيني:

- ‌ سلبيات العلاج الجيني وأخطاره:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي للعلاج الجيني:

- ‌ثالثًا: ضوابط العلاج الجيني:

- ‌النازلة الحادية عشرة: حكم تغيير الخلقة عن طريق العلاج الجيني

- ‌النازلة الثانية عشرة: استخدام الأجنة مصدرًا لزراعة الأعضاء

- ‌النازلة الثالثة عشرة: التلقيح الاصطناعي

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: طرق التلقيح الاصطناعي:

- ‌ثالثًا: الأسباب الداعية إلى التلقيح الاصطناعي:

- ‌رابعًا: صور التلقيح الاصطناعي:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي للتلقيح الاصطناعي:

- ‌النازلة الرابعة عشرة: استعمال أدوية منع الحيض والحمل

- ‌ أولًا: حكم استخدام الأدوية لمنع الحيض:

- ‌ثانيًا: منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل:

- ‌ثالثًا: حكم استخدام وسائل منع الحمل أو تنظيمه:

- ‌النازلة الخامسة عشرة: ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالجراحة الطبية

- ‌أولًا: شروط جواز الجراحة الطبية:

- ‌النازلة السادسة عشرة: في الاستنساخ

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: أقسامه:

- ‌ثالثًا: ذكر بعض فوائد الاستنساخ كما يقرره المؤيدون له:

- ‌رابعًا: الاعتراضات الواردة على الاستنساخ:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي في الاستنساخ:

- ‌أولًا: الاستنساخ النباتي والحيواني:

- ‌ثانيًا: الاستنساخ البشري:

- ‌النازلة السابعة عشرة: البييضات الملقحة الزائدة على الحاجة

- ‌النازلة الثامنة عشرة: التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية

- ‌تمهيد:

- ‌أولًا: تعريف التأمين الصحي:

- ‌ثانيًا: أنواع التأمين الصحي:

- ‌النوع الأول: التأمين الصحي الاجتماعي:

- ‌النوع الثاني: التأمين الصحي التجاري (التأمين من المرض):

- ‌النوع الثالث: التأمين الصحي التعاوني:

- ‌النوع الرابع: التأمين الصحي التبادلي:

- ‌النوع الخامس: التأمين الصحي المباشر:

- ‌ثالثًا: حكم كل نوع من أنواع التأمين الصحي:

- ‌النازلة التاسعة عشرة: الخلايا الجذعية ومدى مشروعية العلاج بها

- ‌أولًا: تعريف الخلايا الجذعية:

- ‌ثانيًا: أهم خصائص الخلايا الجذعية:

- ‌ثالثًا: أهم أنواع الخلايا الجذعية:

- ‌رابعًا: الاستخدامات المحتملة للخلايا الجذعية:

- ‌خامسًا: العلاج بالخلايا الجذعية:

- ‌النازلة العشرون: زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي

- ‌النازلة الحادية والعشرون: زراعة الأعضاء التناسلية

- ‌النازلة الثانية والعشرون: التحكم في جنس الجنين

- ‌أولًا: توصيف هذه النازلة طبيًّا:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود:

- ‌النازلة الثالثة والعشرون: منع الزوج زوجته من تناول العلاج الموصوف لها لمرض الصرع

- ‌النازلة الرابعة والعشرون: حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا

- ‌النازلة الخامسة والعشرون: حكم الانتفاع بالمشيمة

- ‌تعريف المشيمة:

- ‌مدى الانتفاع بالمشيمة في الطب الحديث:

- ‌النازلة السادسة والعشرون: السر في المهن الطبية

- ‌النازلة السابعة والعشرون: ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض

- ‌أولًا: تعريف العورة والتحذير من إبدائها وبيان حدها:

- ‌[ثانيًا] (*) حكم كشف العورة عند الطبيب المعالج:

- ‌1 - أن توجد حاجة ماسة للعلاج

- ‌2 - أن يكون النظر بقدر الضرورة أو الحاجة

- ‌3 - عند اختلاف الجنس يشترط لإباحة النظر للعلاج أن لا تكون خلوة بين الرجل والمرأة

- ‌4 - أن يتعذر دفع الحاجة باللجوء إلى الجنس المشابه

- ‌5 - أن لا يكون المعالج ذميًا إذا وجد مسلم يقوم مقامه

- ‌6 - أن يكون الطبيب المعالج أمينًا غير متهم في خلقه ودينه

- ‌النازلة الثامنة والعشرون: استفادة المسلمين من عظم الحيوانات وجلودها في صناعة الجيلاتين:

- ‌أولاً: التعريف بالجلاتين:

- ‌ثانيًا: أنواع الجيلاتين:

- ‌ثالثًا: فوائد الجيلاتين:

- ‌النازلة التاسعة والعشرون: في البصمة الوراثية

- ‌أولًا: التعريف بالبصمة الوراثية:

- ‌ثانيًا: مدى مشروعية العمل بالبصمة الوراثية

- ‌النازلة الثلاثون: بنوك الحليب

- ‌أولًا: نشأتها والتعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الحادية والثلاثون: نقل الدم

- ‌النازلة الثانية والثلاثون: إنشاء بنوك الدم

- ‌النازلة الثالثة والثلاثون: منع الحمل الجراحي

- ‌النازلة الرابعة والثلاثون: رتق غشاء البكارة

- ‌أولًا: التعريف بغشاء البكارة:

- ‌ثانيًا: حكم رتق غشاء البكارة:

- ‌النازلة الخامسة والثلاثون: ما يسمى بموت الرحمة

- ‌المقصود بموت الرحمة:

- ‌الحكم الشرعي لما يسمى بموت الرحمة:

- ‌النازلة السادسة والثلاثون: الترقيع الجلدي

- ‌النازلة السابعة والثلاثون: أحكام‌‌ التخديرالجراحي

- ‌ التخدير

- ‌أولًا: تعريف التخدير وأنواعه:

- ‌أنواع التخدير:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي:

- ‌ثالثًا: بعض الأحكام المترتبة على التخدير:

- ‌النازلة الثامنة والثلاثون: حكل التصوير بالأشعة

- ‌النازلة التاسعة والثلاثون: الكحت وتوسيع الرحم

- ‌أولًا: التعريف بهذه النازلة:

- ‌ثانيًا: مدى الحاجة لإجراء هذه العملية:

- ‌ثالثًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الأربعون: المواد المحرمة والنجسة في الدواء

- ‌النازلة الحادية والأربعون: الطب الصيني (الوخز بالإبر)

- ‌أولًا: التعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الثانية والأربعون: حكم شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي

- ‌النازلة الثالثة والأربعون: حكم الانتفاع بالجنين الميت

- ‌النازلة الرابعة والأربعون: حكم عملية شد البطن بعد الولادة، وهل تعد انتحارًا

- ‌النازلة الخامسة والأربعون: حكم إجراء عملية تجميل للجفون المنتفخة

- ‌النازلة السادسة والأربعون: حكم إجراء عملية لتجميل الثدي المتهدل

- ‌النازلة السابعة والأربعون: حكم إزالة أو إضافة حبَّة الخال على وجه المرأة

- ‌النازلة الثامنة والأربعون: حكم زراعة شعر صدر الرجل

- ‌النازلة التاسعة والأربعون: حكم زراعة شعر المصاب بالصلع وذلك بأخذ شعر من خلاف الرأس وزرعه في المكان المصاب

- ‌النازلة الخمسون: فيما يختص به طب الأسنان

- ‌أولًا: تلبيس الأسنان:

- ‌ثانيًا: تسوية الأسنان:

- ‌ثالثًا: تركيب طقم الأسنان الصناعي:

- ‌رابعًا: هل تخلع أسنان الميت إذا كانت من الذهب أو كانت صناعية

- ‌خامسًا: حكم تقويم الأسنان:

- ‌النازلة الحادية والخمسون: في حكم سفر المرأة خارج بلادها بلا محرم بغرض دراسة الطب

- ‌النازلة الثانية والخمسون: حكم زراعة الرموش

- ‌النازلة الثالثة والخمسون: حكم أخذ إبرة لتصغير الأنف

- ‌النازلة الرابعة والخمسون: حكم أخذ أعضاء الميت لإنشاء بنوك الأعضاء

- ‌النازلة الخامسة والخمسون: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني

- ‌ثانيًا: الخطوات التي يتم فيها الحفظ:

- ‌ثالثًا: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني:

- ‌النازلة السادسة والخمسون: طبيعة التزام الطبيب بالعلاج ومدى جواز المشارطة على البرء

- ‌النازلة السابعة والخمسون: الحجر الصحي

- ‌النازلة الثامنة والخمسون: التشخيص المبكر قبل الزواج ومدى الإلزام به

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: الآثار الفقهية للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌ثالثًا: مدى الاستفادة من التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌رابعًا: سلبيات التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌خامسًا: التكييف الفقهي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سادسًا: الحكم الشرعي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سابعًا: حكم الإلزام به:

- ‌النازلة التاسعة والخمسون: أثر الأمراض المعدية الحديثة في الخيار بين الزوجين وفي حق المعاشرة وفي حضانة الولد

- ‌أولًا: تعريف المرض المعدي:

- ‌ثانيًا: أثر الأمراض المعدية في الخيار بين الزوجين:

- ‌ثالثًا: حكم التفريق بين الزوجين بسبب الأمراض المعدية الحديثة:

- ‌رابعًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في المعاشرة بين الزوجين:

- ‌خامسًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في حق الحضانة:

- ‌النازلة الستون: الأحكام المتعلقة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: طرق العدوى بمرض الإيدز:

- ‌ثالثًا: التكييف الشرعي لمرض الإيدز من جهة مرض الموت:

- ‌رابعًا: حكم عزل المصاب بالإيدز:

- ‌خامسًا: حكم تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز:

- ‌سادسًا: حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:

الفصل: ‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب

‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب

الطب: ذلك العمل الإنساني الخطير قد ينتحله بعض من لا يحسنه، وقد يقوم به من لا خلاق له من دين أو خلق، ومن أجل ذلك بين الفقه الإِسلامي الأحكام الصارمة الرادعة لمن يزاوله ولا يتقنه، ومن لا يرعى فيه الحقوق الإنسانية حق رعايتها.

ومن ذلك هذه النازلة التي تكلم عليها العلماء في الزمن السابق، وكذلك تكلم عليها العلماء في الوقت الحاضر، وعقد لها شيء من المؤتمرات والندوات، وكثر فيها الكتابات؛ لأن الطب الآن بسبب كثرة الناس وترقي الاكتشافات الطبية أصبح الناس يحتاجون إليه كثيرًا، وأصبح يرد على عيادة الطبيب كثير من المرضى، وقد يقوم بإجراء عمليات يوميًا أو أسبوعيًّا، فقد يحدث من هؤلاء الأطباء شيء من الأخطاء، فقد تكون هذه الأخطاء مقرونة بالتعدي والتفريط وقد لا تكون كذلك.

والمراد بهذه النازلة (تضمين الطبيب): أي تضمينه ما حصل من تلف تحت يده سواء كان هذا التلف لنفس أو عضو أو منفعة.

ولا تخلو هذه النازلة من أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون المتطبب جاهلًا ولا يعلم المريض بعدم حذقه، وقد يكون الطبيب حاذقًا في مرض غير حاذق في مرض آخر، فيقدم على العلاج في هذا المرض وهو غير حاذق فيه والمريض لا يعلم، فقام بالمداواة فتلف تحت يده نفس أو عضو أو منفعة.

وحكم هذه الحالة أنه يضمن ما أتلفه بالإجماع.

والدليل على ذلك: قول الله عز وجل: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]، وهذا ظالم، فكونه يباشر مداواة هذا المرض وهو لا يعلمه يعدُّ ظالمًا، وكذلك الحديث

ص: 11

المتقدم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيد عدم الضمان بالعلم، فمتى لم يوجد العلم ضمن.

الحالة الثانية: أن يكون المتطبب جاهلا والمريض يعلم أنه جاهل.

وقداختلف فيها العلماء على قولين:

فذهب أكثر أهل العلم أنه ضامن؛ واحتجوا لذلك بالأدلة السابقة فالله عز وجل يقول: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} وهذا ظالم، ولكونه أقدم على المعالجة وهو جاهل لا يعلم، وكذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

وذهب البعض أنه لا يضمن، واستدل بالحديث المتقدم وفيه قوله:"وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ"(1)، فدل ذلك على أنه إذا كان المريض يعلم حاله فإنه لا ضمان عليه.

والأقرب عندنا في هذه المسألة هو القول الأول، وهو قول الجمهور من أهل العلم.

الحالة الثالثة: أن يكون الطبيب حاذقًا، وقد أذن له وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأ، وهذه الحالة هي التي يكثر فيها أخطاء الأطباء.

وهذه يقسمها العلماء إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون هناك تعدٍّ أو تفريط من الطبيب.

وضابط التعدي: "فعل ما لا يجوز"؛ كأن يزيد في جرعة المخدر أو في كمية الدواء تهاونًا منه، وضابط التفريط:"ترك ما يجب"، كما لو لم يشخص حالة المريض كما ينبغي.

وحكم هذه الحالة، أي: فيما إذا تعدى أو فرط أنه يضمن بالاتفاق للأدلة السابقة. فقوله تعالى: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]، فهذا الطبيب ظالم لكونه

(1) سبق تخريجه (ص: 9).

ص: 12

تعدى أو فرط فيضمن، وكذا ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فإذا كان الجاهل يضمن فكذلك من باب أولى أن يضمن المتعدي أو المفرط.

القسم الثاني: أن لا يتعدى الطبيب ولا يفرط.

فهو لم يفعل شيئًا لا يجوز، ولم يترك شيئًا وجب عليه، بل اجتهد وفعل الواجب عليه.

والحكم في هذه الحال أنه اختلف فيها أهل العلم هل يضمن الطبيب أو لا؟ على قولين:

والأقرب في هذه المسألة عدم الضمان للأدلة السابقة؛ ولأن الطبيب مؤتمن على بدن هذا المريض فلا ضمان عليه، والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وهنا لم يحصل منه تعد ولا تفريط.

الحالة الرابعة: إذا كانت مداواة الطبيب بلا إذن من المريض أو وليه.

وهذه الحالة يقسمها العلماء رحمهم الله إلى قسمين:

الأول: أن يكون الطبيب غير متبرع بأن يكون مستأجرًا، فإذا كان كذلك فلا بد من رضا المريض وأهليته للإذن بأن يكون بالغًا عاقلًا، فإن لم يكن أهلًا للإذن فلا بد من إذن وليّه؛ لأن عقد الإجارة يعتبر فيه الرضا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، والإجارة تجارة.

وكذلك يعتبر فيه أهلية العاقد، فلا يصح عقد الإجارة من الصبي أو المجنون؛ لأنه محجور عليهما في تصرفاتهما.

وعلى هذا إذا كان الطبيب مستأجرًا وداوى غير المكلف بلا إذن وليّه، أو داوى

ص: 13

المكلف بلا إذنه فإنه يضمن.

الثاني: أن يكون الطبيب متبرعًا غير مستأجر، فداوى المريض بلا إذنه أو داوى الصغير أو المجنون بلا إذن وليه فهل يضمن لو حصل تحت يده تلف أو لا يضمن؟

فيه قولان لأهل العلم: الأقرب؛ أنه لا ضمان عليه، والدليل على ذلك قوله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، وهذا محسن.

وأيضًا لأمره صلى الله عليه وسلم بالمداواة فقال: "تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ الله لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضْعَ لَه دَوَاءً"(1)، والطبيب امتثل أمر الشارع، فالشارع قد أذن له بالمداواة.

(1) رواه الترمذيُّ في كتاب الطب (2038)، وأبو داود في كتاب الطب (3855)، وابن ماجه الطب (3436).

ص: 14