الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقاية من المرض عامة، مقابل مبلغ مالي محدد يدفعه إلى الطرف الأول دفعة واحدة أو على أقساط).
ثالثًا: حكم كل نوع من أنواع التأمين الصحي:
النوع الأول: التأمين الصحي الاجتماعي: لا حرج على المستفيد منه فقد اتفقت الآراء على أن هذا النوع من التأمين جائز شرعًا، وذلك لأنه يكون إجباريًّا تفرضه الدولة عملًا بالقاعدة الفقهية (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة). والمصلحة هنا تتمثل في تحقيق التكامل الاجتماعي على أساس من التبرع، بعيدًا عن غرض الربح؛ ولذا يغتفر فيه من الجهالة والغرر ما لا يغتفر في المعاوضات.
النوع الثاني: التأمين الصحي التجاري: هذا النوع من التأمين حرام بكل صوره وأشكاله، وقد صدر قرار بتحريمه من المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي (1)، ومجمع الفقه الإسلامي المنعقد في جدة (2)، وصدرت بتحريمه عدة فتاوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3)، كل هؤلاء يفتون بتحريم التأمين التجاري بكل صوره وأشكاله وذلك لما يلي:
1 -
أنه معاملة مبنية على المخاطرة، وقد تقرر في القواعد أن كل معاملة مبنية على المخاطرة فهي قمار، والقمار من الميسر والميسر قد ورد تحريمه في القرآن بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ. . .} [المائدة: 90]، والقمار والميسر من أكل المال بالباطل، وهذا حرام كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وبيان ذلك أن المبلغ المدفوع من المستأمن ليحصل به على
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 9 (219).
(2)
قرار رقم: 9 (9/ 2) بشأن التأمين وإعادة التأمين مجلة المجمع- (ع 2، ج 1/ 545).
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (32/ 467) فتوى رقم (20587).
خصم لمدة سنة أو أكثر أو أقل قد لا يستفيد منه مطلقًا؛ لعدم حاجته إلى الجهة المؤمنة تلك المدة فيغرم بهذا ماله الذي دفعه ويغنمه الجهة المؤمنة، وقد يستفيد منه كثيرًا ويفوق ما دفعه مضاعفًا فيغنم هو ويغرم الجهة المؤمنة فالغانم منهما كاسب في رهانه، والغارم خاسر فيه، وهذا العمل هو عين المقامرة المحرمة الوارد تحريمها في الآية السابقة.
2 -
أن هذه المعاملة فيها غرر ظاهر، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر"(1)، وقد تقرر في القواعد أن كل معاملة فيها غرر وجهالة فيما يقصد فهي باطلة.
وبالجملة فالأدلة من الكتاب والسنة والأصول تدل على تحريم التأمين التجاري بكل صوره وأشكاله، أي: سواءً أكان على الممتلكات أو كان على الحياة أو كان على حفظ الصحة ونحو ذلك فكل ذلك حرام.
النوع الثالث: التأمين الصحي التعاوني: استقر رأي علماء العصر على أن التأمين التعاوني مشروع ينبغي التوسع فيه؛ لأن مقصده الأساسي التعاون على تفتيت الأخطار وتحمل المسؤولية، سواء كان القيام بإدارة هذا العمل تبرعًا أو مقابل أجر معين، ولا يؤثر في مشروعية العقد جهل المساهمين بتحديد ما يعود عليهم من النفع؛ لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا مقامرة ولا غرر.
وعلى ذلك يكون استخدام بطاقات التأمين الصحي التعاوني مشروع ولا حرج على المستفيد منها.
النوع الرابع: التأمين الصحي التبادلي: وتقوم به في الغالب جمعيات خيرية لتأمين المنتسبين إليها من غوائل المرض، على سبيل التبرع والمؤازرة؛ لذلك اتفقت
(1) رواه مسلم، في البيوع، باب بطلان بيع الحصاة (1513).
الآراء على جوازه ومشروعية استخدام بطاقاته.
النوع الخامس: التأمين الصحي المباشر: سبق تعريف هذا النوع من التعاقد بأنه عقد بين طرفين يلتزم فيه الطرف الأول (المستشفى) بعلاج الطرف الثاني (وحده أو مع أفراد عائلته) من المرض، طيلة فترة معينة، لقاء مبلغ معين، وقد يتضمن الالتزام بالدواء والعمليات ونحوها.
وهذا النوع من عقود التأمين الصحي عقد صحيح نافذ، لاكتمال أركانه وتوافر شروطه لأن الجهالة التي ترد على محل العقد تعتبر من الجهالة اليسيرة التي تغتفر ولا يكون لها أثر في المعقود عليه.
ولهذا نرى -والله أعلم- أن عقد العلاج الطبي بين شخص وبين مستشفى بتقديم العناية له ولأفراد عائلته، والقيام بالعمليات اللازمة، وصرف الدواء طيلة فترة معينة لقاء مبلغ معين عقد صحيح شرعًا يلزم كلا طرفيه بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه (1).
(1) انظر في ذلك: التأمين المعاصر في ميزان الشريعة الإسلامية، جمع وإعداد علي بن عبد المحسن التويجري، ومجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 9 (219) قرار رقم: 9 (9/ 2) بشأن التأمين وإعادة التأمين مجلة المجمع (ع 2، ج 1/ 545).