الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النازلة السابعة: زراعة الأعضاء بعد قطعها في حد أو قصاص
قد يقع شخص في معصية توجب حدًّا كقطع يد في سرقة، أو قصاص مثلًا فهل يجوز له إعادتها شرعًا؟
قبل البدء في المسألة من الناحية الشرعية نوضحها من الناحية الطبية فنقول:
أولًا: التكييف الطبي للنازلة:
تقوم هذه المهمة على تهيئة الطرفين الذين يراد وصلهما ثم يقوم الطبيب الجراح بتوصيل الأوعية الدموية وخياطة الأعصاب والأوتار.
وليس كل الأعضاء المبتورة يمكن إعادتها إلى موضعها، بل ذلك مختص بأعضاء معينة وشروط لا بد من توفرها في ذلك العضو المبتور من أهمها عدم تلوثه بصورة تمنع من إعادته وعدم وجود فاصل زمني طويل؛ لأنّ ذلك يحول دون نجاح عملية الوصل التي تحتاج إلى طراوة الموضع وقرب عهده بحادث البتر.
وهذه النازلة متعلقة بمن وجب عليه الحد وبالجاني، أما المجني عليه فيجوز له إعادة العضو المقطوع منه؛ لأنّ ذلك متفق مع رفع الحرج الذي جاءت به الشريعة، ولأنه إذا جاز بتر العضو وإبانته من الجسم عند الحاجة فلأن يجوز ردها عند وجودهما أولى.
ثانيًا: حكم إعادة العضو المقطوع حدًّا أو قصاصًا:
اختلف أهل العلم المعاصرين في هذه النازلة على قولين:
القول الأوّل: لا يجوز إعادة العضو المقطوع وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (1)، واختاره جمعٌ من العلماء. واستدلوا لذلك بأدلة منها:
(1) قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. قرار رقم (136) وتاريخ 17/ 6 / 1406 هـ.
1 -
أن الله تعالى قال: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2]، وقال سبحانه:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]، فلا تشرع الرأفة بإعادة ما أبين منه بعد إقامة حدّ الله عز وجل عليه، كما أن الجزاء لا يتم إلا بالقطع، والنكال لا يتم إلا برؤية اليد المقطوعة.
ثم إن هذا الحكم بالقطع يوجب فصلها عن البدن على التأبيد، وفي إعادتها مخالفة لحكم الشرع فلا يجوز فعلها.
2 -
قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، وقوله سبحانه:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]، وإعادة العضو تؤدي إلى عدم المماثلة.
3 -
من السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: "اذْهَبُوا بِهِ فاقْطَعُوهُ، ثُمَّ احْسِمُوهُ"(1). والحسم مانع من إعادتها.
4 -
ولحديث فضالة رضي الله عنه قال "أُتِىَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أُمِرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ في عُنُقِهِ"(2). فتعليق يد السارق في عنقه حكم شرعي يعتبر من تمام العقوبة والحد، وإعادتها توجب تفويت ذلك فلا يجوز فعلها.
5 -
أن الإعادة مفوتة للحكمة من إيجاب الحد والقصاص وهي الردع والزجر، كما أنها تشجع أهل الإجرام على فعل الجرائم وارتكابها.
(1) رواه الدارقطني (3/ 102) من حديث أبي هريرة بلفظ: أن رسول الله أتي بسارق سرق شملة، فقالوا: يا رسول الله إن هذا سرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به"، فقطع فأتي به
…
، وأخرجه موصولًا أيضًا الحاكم (8150) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والبيهقيُّ -كتاب السرقة- باب السارق يعود فيسرق ثانيًا وثالثًا ورابعا (17031).
(2)
رواه أحمد (2/ 181)، وأبو داود في كتاب الحدود، باب في السارق تعلق يده في عنقه (4413)، والترمذيُّ وحسنه، كتاب الحدود باب ما جاء في تعليق يد السارق (1447).
6 -
أن بقاء اليد مقطوعة يذكر الجاني بالعقوبة فيرتدع عن تكرارها.
7 -
أن إعادتها ليس من حق المقطوع منه بعد أن حكم الشرع بإبانته.
8 -
أن الله تعالى قد أمر بقطع اليد في الحرابة ثم بقطع الرجل، وهذا يعني أن اليد غير موجودة.
القول الثاني: يجوز إلا أنه يشترط في القصاص رضى المجني عليه، وهو قول الشيخ وهبة الزحيلي (1).
ومن العلماء من أجازه في القصاص ومنع منه في الحد، واستدلوا لقولهم بأدلة منها:
1 -
قياسًا على ما لو نبتت سن جديدة أو أصبع جديدة بعد القصاص أو الحد فإنها لا تستأصل وليس للمجني عليه قلعها وليس هو في حكم المقطوع كذلك هنا.
ويجاب عليهم بأن هذه نعمة متجددة، ولم يرد النص بقطعها وهذا بخلاف ما نحن فيه.
2 -
أنه لا سلطان للحاكم على المحكوم بعد تنفيذ الحد، كما لا يحق له منعه من تركيب يدٍ صناعية.
ويجاب عليهم بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأنّ العضو المعاد ثبت بالنص إبعاده عن الجسم.
3 -
أن النص الشرعي أمر بمجرد الحد فيبقى ما عداه على أصل الإباحة الشرعية.
4 -
أن الأهداف من الحد وهي الزجر والإيلام والتشهير قد تحققت.
5 -
القياس على نقل الأعضاء من إنسانٍ لإنقاذ آخر فمن باب أولى أن يجوز للإنسان أن يعيد ما قطع من أعضائه.
(1) الفقه الإِسلامي وأدلته (7/ 163).
6 -
أن في الإعادة مصلحة ضرورية لصاحبها ولا تتصادم مع نصٍّ شرعي.
7 -
أن حقوق الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط والمسامحة خلافًا لحقوق الآدميين.
الذي يترجح عندنا عدم جواز إعادة العضو المقطوع من حدّ أو قصاص وذلك لما يلي.
1 -
لأنّ في بقاء أثر الحد تحقيقًا كاملًا للعقوبة المقررة شرعًا، ومنعًا للتهاون في استيفائها، وتفاديًا لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
2 -
أن القصاص إنما شرع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حق الحياة للمجتمع وتوفير الأمن والاستقرار، وإعادة العضو المقطوع يخالف هذه المعاني التي راعاها الشارع الحكيم.
3 -
أن القصاص إنما شرع؛ لأنّ المقصود منه الزجر والردع لا الإيلام فقط. وإبقاء المراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، وفي إعلان هذه العقوبات ببقائها يتحقق أثرها في الجاني وغيره ممّن شاهد الحد أو بلغته إقامته.
وهذا هو ما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة (1)، وهو أيضًا ما قرره مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي (2).
(1) انظر: نص قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في مجلة مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجدة العدد 6، (3/ 2161 - 2179).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجدة، العدد 6، (3/ 2161).