المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

5 - التشريح لأغراض الانتفاع بأعضاء الميت لمصلحة الأحياء.   ‌ ‌حكم التشريح: ذهب - الفقه الميسر - جـ ١٢

[عبد الله الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌النَّوازلُ الطِّبيَّة المعَاصرَة

- ‌المقدمة

- ‌أولًا: حكم التداوي

- ‌ثانيًا: مسؤولية الطبيب

- ‌النازلة الأولى: مدى مشروعية الإذن في إجراء العمليات الطبية

- ‌النازلة الثانية: في حكم تضمين الطبيب

- ‌النازلة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بموت الدماغ

- ‌المسألة الأولى: تعريف الموت وعلاماته عند الفقهاء:

- ‌أولًا: تعريف الموت عند الفقهاء:

- ‌ثانيًا: علامات الموت عند الفقهاء:

- ‌المسألة الثانية: علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر:

- ‌النازلة الرابعة: رفع أجهزة الإنعاش الصناعي

- ‌أولًا: تعريف الإنعاش:

- ‌ثانيًا: حكم الإنعاش:

- ‌ثالثًا: آلات الإنعاش عند الأطباء:

- ‌رابعًا: حكم رفع أجهزة الإنعاش:

- ‌النازلة الخامسة: في حكم نقل أجهزة الإنعاش من شخص إلى آخر

- ‌النازلة السادسة: نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الإنسان الحي

- ‌أولًا: نبذة تاريخية عن هذه النازلة:

- ‌ثانيًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ثالثًا: التكييف الفقهي لهذه النازلة:

- ‌رابعًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة السابعة: زراعة الأعضاء بعد قطعها في حد أو قصاص

- ‌أولًا: التكييف الطبي للنازلة:

- ‌ثانيًا: حكم إعادة العضو المقطوع حدًّا أو قصاصًا:

- ‌النازلة الثامنة: حكم التشريح

- ‌أغراض التشريح:

- ‌حكم التشريح:

- ‌النازلة التاسعة: جراحة التجميل

- ‌أولًا: جراحة التجميل الحاجية:

- ‌ثانيًا: جراحة التجميل التحسينية:

- ‌ثالثًا: حكم الجراحة التجميلية:

- ‌1 - حكم الجراحة التجميلية الحاجية:

- ‌2 - الحكم الشرعي للجراحة التحسينية:

- ‌النازلة العاشرة: العلاج الجيني ومدى مشروعيته

- ‌أولًا: التكييف الطبي لهذه النازلة:

- ‌ ما هو العلاج الجيني

- ‌ أهم الأمراض التي تناولها العلاج الجيني

- ‌ منافع العلاج الجيني:

- ‌ سلبيات العلاج الجيني وأخطاره:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي للعلاج الجيني:

- ‌ثالثًا: ضوابط العلاج الجيني:

- ‌النازلة الحادية عشرة: حكم تغيير الخلقة عن طريق العلاج الجيني

- ‌النازلة الثانية عشرة: استخدام الأجنة مصدرًا لزراعة الأعضاء

- ‌النازلة الثالثة عشرة: التلقيح الاصطناعي

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: طرق التلقيح الاصطناعي:

- ‌ثالثًا: الأسباب الداعية إلى التلقيح الاصطناعي:

- ‌رابعًا: صور التلقيح الاصطناعي:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي للتلقيح الاصطناعي:

- ‌النازلة الرابعة عشرة: استعمال أدوية منع الحيض والحمل

- ‌ أولًا: حكم استخدام الأدوية لمنع الحيض:

- ‌ثانيًا: منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل:

- ‌ثالثًا: حكم استخدام وسائل منع الحمل أو تنظيمه:

- ‌النازلة الخامسة عشرة: ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالجراحة الطبية

- ‌أولًا: شروط جواز الجراحة الطبية:

- ‌النازلة السادسة عشرة: في الاستنساخ

- ‌أولًا: تعريفه:

- ‌ثانيًا: أقسامه:

- ‌ثالثًا: ذكر بعض فوائد الاستنساخ كما يقرره المؤيدون له:

- ‌رابعًا: الاعتراضات الواردة على الاستنساخ:

- ‌خامسًا: الحكم الشرعي في الاستنساخ:

- ‌أولًا: الاستنساخ النباتي والحيواني:

- ‌ثانيًا: الاستنساخ البشري:

- ‌النازلة السابعة عشرة: البييضات الملقحة الزائدة على الحاجة

- ‌النازلة الثامنة عشرة: التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية

- ‌تمهيد:

- ‌أولًا: تعريف التأمين الصحي:

- ‌ثانيًا: أنواع التأمين الصحي:

- ‌النوع الأول: التأمين الصحي الاجتماعي:

- ‌النوع الثاني: التأمين الصحي التجاري (التأمين من المرض):

- ‌النوع الثالث: التأمين الصحي التعاوني:

- ‌النوع الرابع: التأمين الصحي التبادلي:

- ‌النوع الخامس: التأمين الصحي المباشر:

- ‌ثالثًا: حكم كل نوع من أنواع التأمين الصحي:

- ‌النازلة التاسعة عشرة: الخلايا الجذعية ومدى مشروعية العلاج بها

- ‌أولًا: تعريف الخلايا الجذعية:

- ‌ثانيًا: أهم خصائص الخلايا الجذعية:

- ‌ثالثًا: أهم أنواع الخلايا الجذعية:

- ‌رابعًا: الاستخدامات المحتملة للخلايا الجذعية:

- ‌خامسًا: العلاج بالخلايا الجذعية:

- ‌النازلة العشرون: زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي

- ‌النازلة الحادية والعشرون: زراعة الأعضاء التناسلية

- ‌النازلة الثانية والعشرون: التحكم في جنس الجنين

- ‌أولًا: توصيف هذه النازلة طبيًّا:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي في تحديد جنس المولود:

- ‌النازلة الثالثة والعشرون: منع الزوج زوجته من تناول العلاج الموصوف لها لمرض الصرع

- ‌النازلة الرابعة والعشرون: حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا

- ‌النازلة الخامسة والعشرون: حكم الانتفاع بالمشيمة

- ‌تعريف المشيمة:

- ‌مدى الانتفاع بالمشيمة في الطب الحديث:

- ‌النازلة السادسة والعشرون: السر في المهن الطبية

- ‌النازلة السابعة والعشرون: ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض

- ‌أولًا: تعريف العورة والتحذير من إبدائها وبيان حدها:

- ‌[ثانيًا] (*) حكم كشف العورة عند الطبيب المعالج:

- ‌1 - أن توجد حاجة ماسة للعلاج

- ‌2 - أن يكون النظر بقدر الضرورة أو الحاجة

- ‌3 - عند اختلاف الجنس يشترط لإباحة النظر للعلاج أن لا تكون خلوة بين الرجل والمرأة

- ‌4 - أن يتعذر دفع الحاجة باللجوء إلى الجنس المشابه

- ‌5 - أن لا يكون المعالج ذميًا إذا وجد مسلم يقوم مقامه

- ‌6 - أن يكون الطبيب المعالج أمينًا غير متهم في خلقه ودينه

- ‌النازلة الثامنة والعشرون: استفادة المسلمين من عظم الحيوانات وجلودها في صناعة الجيلاتين:

- ‌أولاً: التعريف بالجلاتين:

- ‌ثانيًا: أنواع الجيلاتين:

- ‌ثالثًا: فوائد الجيلاتين:

- ‌النازلة التاسعة والعشرون: في البصمة الوراثية

- ‌أولًا: التعريف بالبصمة الوراثية:

- ‌ثانيًا: مدى مشروعية العمل بالبصمة الوراثية

- ‌النازلة الثلاثون: بنوك الحليب

- ‌أولًا: نشأتها والتعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الحادية والثلاثون: نقل الدم

- ‌النازلة الثانية والثلاثون: إنشاء بنوك الدم

- ‌النازلة الثالثة والثلاثون: منع الحمل الجراحي

- ‌النازلة الرابعة والثلاثون: رتق غشاء البكارة

- ‌أولًا: التعريف بغشاء البكارة:

- ‌ثانيًا: حكم رتق غشاء البكارة:

- ‌النازلة الخامسة والثلاثون: ما يسمى بموت الرحمة

- ‌المقصود بموت الرحمة:

- ‌الحكم الشرعي لما يسمى بموت الرحمة:

- ‌النازلة السادسة والثلاثون: الترقيع الجلدي

- ‌النازلة السابعة والثلاثون: أحكام‌‌ التخديرالجراحي

- ‌ التخدير

- ‌أولًا: تعريف التخدير وأنواعه:

- ‌أنواع التخدير:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي:

- ‌ثالثًا: بعض الأحكام المترتبة على التخدير:

- ‌النازلة الثامنة والثلاثون: حكل التصوير بالأشعة

- ‌النازلة التاسعة والثلاثون: الكحت وتوسيع الرحم

- ‌أولًا: التعريف بهذه النازلة:

- ‌ثانيًا: مدى الحاجة لإجراء هذه العملية:

- ‌ثالثًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الأربعون: المواد المحرمة والنجسة في الدواء

- ‌النازلة الحادية والأربعون: الطب الصيني (الوخز بالإبر)

- ‌أولًا: التعريف بها:

- ‌ثانيًا: الحكم الشرعي لهذه النازلة:

- ‌النازلة الثانية والأربعون: حكم شق بطن الأم الميتة لإخراج ولدها الحي

- ‌النازلة الثالثة والأربعون: حكم الانتفاع بالجنين الميت

- ‌النازلة الرابعة والأربعون: حكم عملية شد البطن بعد الولادة، وهل تعد انتحارًا

- ‌النازلة الخامسة والأربعون: حكم إجراء عملية تجميل للجفون المنتفخة

- ‌النازلة السادسة والأربعون: حكم إجراء عملية لتجميل الثدي المتهدل

- ‌النازلة السابعة والأربعون: حكم إزالة أو إضافة حبَّة الخال على وجه المرأة

- ‌النازلة الثامنة والأربعون: حكم زراعة شعر صدر الرجل

- ‌النازلة التاسعة والأربعون: حكم زراعة شعر المصاب بالصلع وذلك بأخذ شعر من خلاف الرأس وزرعه في المكان المصاب

- ‌النازلة الخمسون: فيما يختص به طب الأسنان

- ‌أولًا: تلبيس الأسنان:

- ‌ثانيًا: تسوية الأسنان:

- ‌ثالثًا: تركيب طقم الأسنان الصناعي:

- ‌رابعًا: هل تخلع أسنان الميت إذا كانت من الذهب أو كانت صناعية

- ‌خامسًا: حكم تقويم الأسنان:

- ‌النازلة الحادية والخمسون: في حكم سفر المرأة خارج بلادها بلا محرم بغرض دراسة الطب

- ‌النازلة الثانية والخمسون: حكم زراعة الرموش

- ‌النازلة الثالثة والخمسون: حكم أخذ إبرة لتصغير الأنف

- ‌النازلة الرابعة والخمسون: حكم أخذ أعضاء الميت لإنشاء بنوك الأعضاء

- ‌النازلة الخامسة والخمسون: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني

- ‌ثانيًا: الخطوات التي يتم فيها الحفظ:

- ‌ثالثًا: حكم إنشاء بنوك للأجنة وبنوك للمني:

- ‌النازلة السادسة والخمسون: طبيعة التزام الطبيب بالعلاج ومدى جواز المشارطة على البرء

- ‌النازلة السابعة والخمسون: الحجر الصحي

- ‌النازلة الثامنة والخمسون: التشخيص المبكر قبل الزواج ومدى الإلزام به

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: الآثار الفقهية للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌ثالثًا: مدى الاستفادة من التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌رابعًا: سلبيات التشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌خامسًا: التكييف الفقهي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سادسًا: الحكم الشرعي للتشخيص المبكر قبل الزواج:

- ‌سابعًا: حكم الإلزام به:

- ‌النازلة التاسعة والخمسون: أثر الأمراض المعدية الحديثة في الخيار بين الزوجين وفي حق المعاشرة وفي حضانة الولد

- ‌أولًا: تعريف المرض المعدي:

- ‌ثانيًا: أثر الأمراض المعدية في الخيار بين الزوجين:

- ‌ثالثًا: حكم التفريق بين الزوجين بسبب الأمراض المعدية الحديثة:

- ‌رابعًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في المعاشرة بين الزوجين:

- ‌خامسًا: أثر الأمراض المعدية الحديثة في حق الحضانة:

- ‌النازلة الستون: الأحكام المتعلقة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)

- ‌أولًا: التعريف به:

- ‌ثانيًا: طرق العدوى بمرض الإيدز:

- ‌ثالثًا: التكييف الشرعي لمرض الإيدز من جهة مرض الموت:

- ‌رابعًا: حكم عزل المصاب بالإيدز:

- ‌خامسًا: حكم تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز:

- ‌سادسًا: حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:

الفصل: 5 - التشريح لأغراض الانتفاع بأعضاء الميت لمصلحة الأحياء.   ‌ ‌حكم التشريح: ذهب

5 -

التشريح لأغراض الانتفاع بأعضاء الميت لمصلحة الأحياء.

‌حكم التشريح:

ذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى جواز التشريح في الجملة لا بالجملة؛ وذلك لما يترتب عليه من مصالح جمة تفوق المضار والمفاسد، والأحكام الشرعية إنما تبنى على الغالب، إذ ما من فعل إلا وتحيطه وتجتمع فيه المصالح والمفاسد، وبناء الحكم الشرعي وفق الراجح من النوعين، فليس في الكون مصلحة محضة ولا مفسدة محضة؛ ولأن مراعاة حرمة الحي أعظم من مراعاة حرمة الميت، واستدلالًا بقاعدة:"إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما، وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديًا لأشدهما". فالتشريح فيه مصلحة عامة متعارضة مع مصلحة قاصرة خاصة وهي حرمة الميت، فتقدم المصلحة العامة.

وتشريح الميت مفسدة خاصة؛ لما فيها من انتهاك لحرمته، وتركه فيه مفسدة عامة منتشرة على مجموع الناس، فترتكب المفسدة الأخف وهي التشريح درءًا وتلاشيًا من وقوع المفسدة الأعم والأشد، وهذا هو القول الأوّل في هذه النازلة.

ومما جاء في قرارات هيئة كبار العلماء بخصوص التشريح ما يلي: "كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية.

الثاني: التشريح لغرض التحقق من أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها.

الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلمًا وتعليمًا: وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي:

ص: 43

* بالنسبة للقسمين الأوّل والثاني: فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقًا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك، وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا.

* وأما بالنسبة للقسم الثالث -وهو- التشريح للغرض التعليمي:

فنظرًا إلى أن الشريعة الإِسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها، وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان، وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة، فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة إلا أنه نظرًا إلى عناية الشريعة الإِسلامية بكرامة المسلم ميتًا كعنايتها بكرامته حيا؛ وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"(1).

ونظرًا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة، فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر (2).

ومما جاء أيضًا في قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإِسلامي في دورته العاشرة في مكة: "بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى، والتي

(1) سبق تخريجه (ص: 35).

(2)

مجلة البحوث الإِسلامية (61/ 123) الفتوى رقم (8693).

ص: 44

يصير بها التشريح مصلحة تربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت؛ قرر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإِسلامي ما يلي:

أولًا: يجوز تشريح جثث الموتى لأحد الأغراض التالية:

أ- التحقيق في دعوى جنائية؛ لمعرفة أسباب الموت، أو الجريمة المرتكبة، وذلك عندما يُشْكل على القاضي معرفة أسباب الوفاة، ويتبين أن التشريح هو السبيل لمعرفة هذه الأسباب.

ب- التحقق من الأمراض التي تستدعي التشريح؛ ليتخذ على ضوئه الاحتياطات الواقية، والعلاجات المناسبة لتلك الأمراض.

ج- تعليم الطب وتعلمه، كما هو الحال في كليات الطب.

ثانيًا: في التشريح لغرض التعليم تراعى القيود التالية:

أ- إذا كانت الجثة لشخص معلوم، يشترط أن يكون قد أذن هو قبل موته بتشريح جثته، أو أن يأذن بذلك ورثته بعد موته، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة.

ب- يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة؛ كيلا يعبث بجثث الموتى.

ج- جثث النساء لا يجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات، إلا إذا لم يوجدن.

ثالثًا: يجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة" (1).

القول الثاني في هذه النازلة: لا يجوز تشريح جثة الميت لغرض التعليم، وهو لجماعة من العلماء والباحثين، واستدلوا لذلك بأدلة منها:

(1) قرارات المجمع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة. قرار رقم: 48 (1/ 10) بشأن موضوع (تشريح جثث الموتى).

ص: 45

أ- قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

وجه الدلالة: أن الآية الكريمة دلت على تكريم الله تعالى لبني آدم، وهذا التكريم عام شامل لحال حياتهم ومماتهم، وتشريح جثث الموتى فيه إهانة لها.

ب- أحاديث النهي عن المثلة، كما في حديث بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال:"اغْزُوا بسْمِ الله وَفِي سَبيلِ الله، قاتِلُوا مَنْ كفَرَ بالله، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا"(1).

وجه الدلالة: أن تشريح جثة الميت فيه تمثيل ظاهر، فهو داخل في عموم النهي الوارد في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي ورد فيها نهي النبي صلى الله عليه وسلم الموجب لحرمة التمثيل ومنعه.

ج- حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "إِنَّ كَسْرَ عَظْمِ المُؤْمِنِ مَيْتًا مِثْلُ كَسْرِ عَظْمِهِ حَيًّا"(2).

وجه الدلالة: أن هذا الحديث دلّ على حرمة كسر عظام المؤمن الميت والتشريح مشتمل على ذلك فلا يجوز فعله.

د- وكذلك قالوا بأن القواعد العامة التي جاءت بها الشريعة تدل على المنع

(1) رواه مسلم، كتاب الجهاد، باب تأمير الإِمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها (4619).

(2)

رواه أحمد (6/ 58)، وأبو داود، كتاب الجنائز: باب في الحفَّار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان؟ رقم (3207)، وابن ماجه، كتاب الجنائز: باب النهي عن كسر عظام الميت، رقم (1616) من حديث عائشة رضي الله عنها. قال النوويّ:"رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقيُّ بأسانيد صحيحة" قال ابن حجر: "رواه أبو داود بإِسناد على شرط مسلم" انظر: الخلاصة، رقم (3694)، بلوغ المرام، رقم (576).

ص: 46

من التشريح مثل قاعدة "الضرر لا يزال بالضرر"، وقاعدة "لا ضرر ولا ضرار".

فقد دلت القاعدتان على أن مفسدة الضرر ينبغي ألا تزال بمثلها، والتشريح فيه إزالة ضرر بمثله، وعلى حرمة الإضرار بالغير، والتشريح فيه إضرار بالميت فلا يجوز فعله.

والراجح هو جواز تشريح جثة غير المعصوم، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله (1)؛ وذلك لما يلي:

أولًا: لأنّ الأصل عدم جواز التصرف في جثة المسلم إلا في الحدود الشرعية المأذون بها والتشريح ليس منها، فوجب البقاء على الأصل المقتضي للمنع، وهذا الأصل يسلم به القائلون بجواز التشريح وإن كانوا يستثنون التشريح اعتبارًا منهم للحاجة الداعية إليه.

ثانيًا: أن تشريح جثة المسلم يعطل عن فعل كثير من الفروض المتعلقة بها بعد الوفاة، من تغسيلها وتكفينها، والصلاة عليها، ودفنها، وهو مخالفة لما ثبتت به السنة من الأمر بالمبادرة بالجنائز والإسراع بها، فلا يجوز تعطيل جثة المسلم وتأخير هذه المصالح المطلوب فعلها بعد الوفاة مباشرة لمصلحة لا تتعلّق بالميت، ولم يتسبب في موجبها، وإنما هي من مصالح الغير المنفكة عنه (2).

(1) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (22/ 349)

(2)

لمزيد بحث هذه النازلة يمكن مراجعة التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنساني للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، (ص: 21)، حكم تشريح الميت. فتوى: للشيخ يوسف الدجوي. نشرت في: مجلة الأزهر عام 1355 هـ. العدد/ 7 و 8، المجلد/ 9، حرمة التشريح. للشيخ: محمَّد عبد الوهاب بحيري. نشر في: مجلة نور الإِسلام. وهو رد على مقال: الشيخ الدجوي.

ص: 47