الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي:
"يجوز شرعًا الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد"(1).
ثانيًا: الاستنساخ البشري:
يحرم شرعًا هذا النوع من الاستنساخ، فلا يجوز البتة أن يدخل الإنسان تحت هذه العملية المحرمة، ولا نعلم أحدًا من علماء المسلمين أفتى بالجواز، بل حتى رهبان النصارى وعقلاء الغرب قد وقفوا في وجهها أيّما وقوف، وقد اتفقت كلمة المجامع الفقهية على تحريم الاستنساخ البشري كما في مجمع الفقه الإِسلامي في دورته العاشرة المنعقد بجدة والممثلة فيه جميع الدول الإِسلامية قد منعوا الاستنساخ البشري منعًا باتًا، وأكدوا ذلك المنع في أول قرارات ذلك المجلس الموقر في دورته
الخامسة عشرة والمنعقدة في مكة المكرمة.
والأدلة على تحريمه كثيرة جدًّا ونذكر لك طرفًا منها:
الأوّل: قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)} [الإنسان: 2]. ووجه الدلالة أن النطفة الأمشاج هي لقيحة مكونة من حيوان منوي ذكري وبويضة أنثوية والله تعالى يبين أن سنته في إيجاد الإنسان منحصرة في ذلك بهذه الطريقة فيكون مخالفتها حرامًا؛ ذلك أنه متى ما أمكن إيجاد الإنسان بطريقة أخرى خرجت الآية عن كونها خبرًا إلى أنها بيان حكم شرعي كما في قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
(1) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجدة (ع 10، قرار رقم: 94 (2/ 10).
الثاني: قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، ووجه الدلالة أن الزواج هو أساس التكاثر في الشرع وهو سبيل إيجاد المودة والرحمة، وفي الاستنساخ مساس بالعلاقة المتينة التي أوجدها الله تعالى في هذا الزواج ليكون من آثاره حصول الأولاد وانتسابهم.
الثالث: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189]، ووجه الدلالة أن الله تعالى يخبر هنا عن الطريق الشرعي للحمل وهو غشيان الرجل لزوجته، وهذا فيه بيان أن كل طريق يخالف ذلك ويضاده فإنه جنوح عن المسلك الشرعي، والاستنساخ حقيقته أنه خروج عن هذا الهدي الشرعي وتنكب عن الصراط المستقيم ودخول في طرق هوجاء عوجاء لا علاقة لها بالآداب الشرعية ولا المناهج المرعية.
الرابع: قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72]، ووجه الدلالة أن الله تعالى جعل لنا طريقًا واحدًا للتكاثر وهو التزاوج فقط، فالبنون والحفدة لا طريق شرعًا لتحصيلهم إلا بذلك وهذا من نعمة الله تعالى وقوله تعالى:{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} دليل على أن كل طريق لطلب التكاثر بغير المقرر شرعًا في أول هذه الآية فإنه من الباطل الذي يجب علينا أن لا نؤمن به؛ والاستنساخ البشري من ذلك الباطل فإنه يدخل تحت عموم لفظة (الباطل)؛ لأنه طلب للتكاثر بغير الطريق الشرعي وهو التزاوج، فالاستنساخ باطل بنص القرآن والباطل لا يكون إلا حرامًا.
الخامس: قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187].
والمراد بما كتب الله لنا، أي: الولد على قول الجمهور، ومعلوم أن الولد لا يطلب إلا بالمباشرة في الفرج لقوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} فدلّ ذلك على أن كل طريق لطلب الولد غير هذه المباشرة المأمور بها شرعًا فإنه لا يجوز، فابتغاء ما كتب الله لنا من الولد لا يكون إلا بذلك وهذا هو الطريق الشرعي وما عداه فباطل زائف ومن ذلك الاستنساخ البشري فإنه طلب للنسل بغير المباشرة فهو حرام.
السادس: حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فَإِنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ"(1).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم للتكاثر طريقًا واحدًا وهو التزوج فقط، فلا تطلب المكاثرة بأي طريق من الطرق التي يمليها علينا أطباء الغرب الذين لا يحكمهم دين ولا تؤدبهم شريعة، فالأمر بالتزوج والإخبار بأنّه صلى الله عليه وسلم سيكاثر بنا الأمم يوم القيامة دليل على أنه لا تكاثر شرعًا إلا بهذا الطريق الوحيد، والاستنساخ لا يحمل هذه الخاصية فهو حرام لأنه يفضي إلى ترك المأمور به شرعًا والله أعلم.
السابع: أن النسب والمحافظة عليه يعتبر إحدى الضرورات الخمس التي جاءت كل الشرائع بالمحافظة عليها، وهو أحد الضوابط الجوهرية التي تعصم من اقتحام المخاطر غير المحصورة، والإقدام على تطبيق الاستنساخ في الإنسان لا ينفك عن الوقوع في تجهيل الأنساب وانقطاع التناسل الذي ناط الله تعالى به القرابة بأنواعها، وقد تناول الحظر صورًا عديدة تؤدي لجهالة النسب أو لإدخال التنازع فيه
(1) رواه أحمد (3/ 158)، وابن حبّان (4028)، والطبرانيُّ في الأوسط (5099) عن أنس رضي الله عنه، انظر: خلاصة البدر المنير (1908)، والإرواء (1784). ورواه أبو داود في النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050)، والنسائيُّ في النكاح، باب كراهية تزويج العقيم (6/ 65) عن معقل بن يسار رضي الله عنه بلفظ:"الأمم" بدل "الأنبياء"، وصححه الحاكم (2/ 162) ووافقه الذهبي.
فالاستنساخ البشري يفضي إلى اختلاط الأنساب وانقطاع التناسل وهذا محرم شرعًا وقد تقرر في القواعد أن ما أفضى إلى الحرام فهو حرام.
الثامن: أن الطريق الشرعي في الإنجاب هو التزاوج، وأي طريقة للإنجاب بغير ذلك فإنها تكون مصادمة لمقصود الشارع، والاستنساخ يحصل به الإنجاب من غير اتصالٍ بين الذكر والأنثى على الوجه الشرعي فيكون مصادمًا لمقصود الشارع وما صادم مقصود الشارع فهو حرام لا يجوز الإقدام عليه.
التاسع: أن الله تعالى قد كرم الإنسان فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]، فأي فعل ينافي هذا التفضيل والتكريم فإنه ينهى عنه، وبناء عليه فلا بد من استشعار خطورة النظر إلى الإنسان وكأنه مما يتخذ للتكاثر بما يشبه التمول، وكأنه من السلع الخاضعة للتنمية، فلا يجوز أن يجعل الإنسان محلًّا للتصرفات المهينة القبيحة المستهجنة كما هو حاصل في مسألة الاستنساخ البشري، وعلى ذلك فهو حرام؛ لأنه مفضي إلى إهانة هذا الإنسان، ولأنه منافٍ لمقتضى تكريمه وتفضيله على سائر الخلق.
العاشر: أنه قد تقرر شرعًا أن سد الذرائع المفضية إلى الممنوع أصل من أصول هذا الدين الحنيف، فأي وسيلة تفضي إلى الوقوع في الحرام فإنها حرام، والاستنساخ البشري يفضي إلى استئجار الأرحام وهو حرام، ويفضي إلى ضياع النسب وهو حرام ويفضي إلى إهانة الإنسان وهو حرام، ويفضي إلى ترك التزوج وليس ترك الزواج من دين الإِسلام في شيء، ويفضي إلى تعطيل النفقة الواجبة؛ لأنّ هؤلاء المستنسخين لا يعرفون لهم إبًا ولا أمًا، فمن الذي سينفق عليهم، وهذا وقوع في إهمالهم وعدم وجود من يراعيهم ويتفطن لأحوالهم فيبقون همجًا رعاعًا عالة على المجتمع وهذا كله لا يجوز، ويفضي أيضًا إلى الانتساب لغير الأب وهو محرم التحريم القاطع في شريعتنا،
ويفضي أيضًا إلى انقطاع العلائق بين الأصول والفروع؛ فلا تراحم ولا توادد ولا شفقة ولا إحسان، ويفضي أيضّا إلى تفكك المجتمع لنشوء شريحة فيه لا يعرفون لهم أبًا ولا أمًا، وهذا يفضي إلى تصدع نواة المجتمع ووهنه وضعفه وذهاب هيبته وكلمته، ويفضي أيضًا إلى تعطيل المواريث أو إعطائها من لا يستحقها شرعًا، ويفضي إلى انتهاك حرمة المرأة وإهانتها وكشف عورتها لزرع هذه اللقيحات فيها، ويفضي إلى افتتان العقول الضعيفة في شأن انفراد الله تعالى بالخلق والإيجاد فهذه بعض ما يفضي له الاستنساخ البشري؛ وحيث كان يفضي إلى هذه الأشياء فلا شك حينئذٍ في تحريمه.
الحادي عشر: أن المتقرر شرعًا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمفاسد في الاستنساخ البشري كثيرة كما ذكرنا لك طرفًا منها، ولو نظرنا إلى مصالحه لما وجدنا أنها معتبرة شرعًا، فلو سلمنا جدلًا وتنزلًا أن فيه مصلحة فإنها تكون مغمورة وليست بشيء في جنب هذه المفاسد التي لا يقوم لها شيء فتنزيلًا على هذه القاعدة فإن الواجب سده وإغلاق أبوابه بإحكام وزجر فاعليه وتعزيرهم ومعاقبتهم العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن معاودة مثل ذلك.
الثاني عشر: أن المتقرر شرعًا أن الشريعة جاءت لتقرير المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها، وحيث كان الاستنساخ البشري يحمل المفاسد الكثيرة فإن الواجب شرعًا منعه؛ لأننا بمنعه نعطل المفاسد التي يتضمنها هذا الأمر.
ومما جاء في قرارات المجمع الفقهي (1) بعد تعريفه للاستنساخ والأبحاث التي قدمت بصدده ما يلي:
وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي طرحت على مجلس المجمع، قرر ما يلي:
(1) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجدة (ع 10، قرار رقم: 94 (2/ 10).
أولًا: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري.
ثانيًا: إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أولًا) فإن آثار تلك الحالات تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
ثالثًا: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحمًا أم بييضة أم حيوانًا منويًّا أم خلية جسدية للاستنساخ.
رابعًا: يجوز شرعًا الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
خامسًا: مناشدة الدول الإِسلامية إصدار القوانين والأنظمة اللازمة لغلق الأبواب المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو الأجنبية والمؤسسات البحثية والخبراء الأجانب للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإِسلامية ميدانًا لتجارب الاستنساخ البشري والترويج لها (1).
(1) للمزيد من التعرف على هذه النازلة انظر: الاستنساخ قنبلة العصر للمؤلف د. صبوي الدمرداش، دار النشر، مكتبة العبيكان، والاستنساخ هل بالإمكان تنسيل البشر للمؤلف د. محمَّد صادق صبور. دار النشر، دار الأمين، وكتاب برمجة الجنس البشري والحيواني والنباتي للمؤلف د. خليل البدوي، دار النشر، دار الأمين، وكتاب الاستنساخ بين العلم والدين للمؤلف د. عبد الهادي مصباح، دار النشر، الدار المصرية اللبنانية، وقرارات المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجدة والأبحاث التي قدمت بصدده، العدد 10، قرار رقم: 94 (2/ 10).