الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النازلة الرابعة والعشرون: حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا
لقد أصبح من الممكن من خلال العلم الحديث في الوقت الحاضر معرفة تشوه الجنين عن طريق الأشعة، وأصبح بإمكانه معرفة ما إذا كان هذا الجنين سيولد مشوهًا أم لا، وذلك عن طريق الأشعة بأنواعها، فهل يجوز إسقاطه في هذه الحال أو لا يجوز؟
وهذه النازلة -إسقاط الجنين المشوه- بحثت في مجلس هيئة كبار العلماء (1)، وفي مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي (2)، وصدر فيها قرار من مجلس الهيئة، وقرار من المجمع، والقراران متقاربان في تقرير الحكم الشرعي ومما جاء في القراران ما يلي:
أولًا: لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جدًا؛ حتى في طور الأربعين لا بد من مبرر شرعي، وأما إسقاط الحمل؛ خشية المشقة في تربية الأولاد، أو العجز عن تكاليف معيشتهم، أو الاكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد، فهذا لا يعتبر مبررًا شرعيًّا، فيكون الإسقاط لأجل هذا الغرض غير جائز، وقد نص على هذا في قرار الهيئة: أن الإسقاط خشية المشقة في تربية الأولاد أو العجز عن تكاليفهم أو الاكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد أنه غير جائز ولو كان في طور الأربعين الأولى.
ثانيًا: أن يكون في طور الأربعين الأولى، فيجوز إسقاطه إذا وجد في ذلك مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع، ومن ذلك أن يكون هذا الجنين لو عاش لكان مشوهًا خلقيًّا، فهنا لا بأس بإسقاطه في طور الأربعين الأولى.
(1) فتاوى هيئة كبار العلماء (19/ 302) فتوى رقم (6457).
(2)
قرارات مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 71 (4/ 12).
ثالثًا: إذا كان ذلك بعد الأربعين وقبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل فالأمر فيه أهون، يمكن أن يسقط ويعمل إجهاض؛ لأنه الآن ليس إنسانًا، لم تنفخ فيه الروح، فمتى أثبت الأطباء بأن الجنين في هذه المرحلة مشوه تشويهًا خطيرًا، وغير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي فستكون حياته سيئة وآلامًا عليه وعلى أهله، أو قالوا: إن بقاءه يكون سببًا لهلاك أمه، فحينئذٍ لا حرج أن نجهض هذا الحمل بناء على طلب الوالدين؛ وذلك لأن هذا الجنين في هذه المرحلة لم تنفخ فيه الروح، وليس بإنسان، إنما هو مضغة أو علقة فيجوز إسقاطه.
رابعًا: إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا، فإنه لا يحل إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة؛ وذلك لأنه قد نفخت فيه الروح، وأصبح إنسانًا فإسقاطه هو في الحقيقة قتلٌ لإنسان، ولكن إذا كان بقاؤه فيه خطر مؤكد على حياة الأم فهل يجوز إسقاطه في هذه الحال؟
اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز إسقاطه ما دام أنه قد نفخت فيه الروح ولو كان فيه خطر محقق، ولو ماتت أمه ببقائه لا يحل إسقاطه بأي حال من الأحوال، حتى لو قرر الأطباء أنه إن لم يسقط ماتت أمه، فإنه لا يحل إسقاطه وهذا هو قول الشيخ محمَّد العثيمين (1) رحمه الله وغيره، وعللوا لذلك: بأنه لا يجوز لنا أن نقتل نفسًا لاستبقاء نفس أخرى، وإسقاطه بعد مائة وعشرين يومًا هو قتل لنفس.
القول الثاني: أنه إذا ثبت من الأطباء الموثوقين أن بقاء الجنين فيه خطر مؤكد على حياة الأم، وأنه سوف يتسبب في موتها لو بقي بعد استنفاذ كافة الوسائل لإنقاذ حياته، فإنه يجوز إسقاطه في هذه الحال، وقد أخذ بهذا القول مجلس هيئة كبار العلماء
(1) لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم (97).
بالمملكة (1)، ومجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي (2)؛ وعللوا ذلك بأن إسقاطه في هذه الحال فيه دفع لأعظم الضررين، وجلب لأعظم المصلحتين، وذلك لأن عندنا في هذه المسألة ضررين: وهو موت الأم، أو موت هذا الجنين، وموت الأم أعظم ضررًا من موت الجنين، وذلك أن حياة الأم متيقنة، وبقاء هذا الجنين حيًّا بعد الولادة أمر مشكوك فيه، فموت الأم أعظم ضررًا، قالوا: فيجوز إسقاطه دفعًا لأعظم الضررين.
والراجح عندنا هو القول الأخير بشرط أن يكون هناك اتفاق بين الأطباء بأن بقاء هذا الجنين فيه خطر مؤكد على حياة الأم، وأنه لو بقي فسوف يتسبب في وفاتها، فإذا اتفق الأطباء على ذلك، واستنفذت جميع الوسائل لإنقاذ حياته، ولم يمكن ذلك إلا بإسقاطه؛ استنقاذًا لحياة الأم جاز إسقاطه في هذه الحال.
وقد صدر بخصوص هذه النازلة قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وقد جاء فيه ما يلي:
"إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا، لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية، من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهًا أم لا، دفعًا لأعظم الضررين.
أما قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل، فإذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات -وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية- أن الجنين مشوه تشويهًا خطيرًا، غير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي وولد في
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (21/ 451) الفتوى رقم (20532).
(2)
قرارات مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 71 (4/ 12).
موعده، ستكون حياته سيئة، وآلامًا عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله، والتثبت في هذا الأمر. والله ولي التوفيق.