المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله - القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير - جـ ١

[عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌القسم الأول: القواعد

- ‌القاعدة الأولى: الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد

- ‌القاعدة الثانية: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان

- ‌القاعدة الثالثة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً

- ‌القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتححصيل أعلى المصالح وردء أعلى المفاسد

- ‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولّينا أقلهم فسوقاً

- ‌القاعدة السادسة: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق

- ‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله

- ‌القاعدة الثامنة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم

- ‌القاعدة التاسعة: الأصل في العادات العفو

- ‌القاعدة العاشرة: الإكراه يُسْقط أثر التصرف، فعلا كان أو قولا

- ‌القاعدة الحادية عشر: الأمور بمقاصدها

- ‌القاعدة الثانية عشر: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا

- ‌القاعدة الثالثة عشر: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة

- ‌القاعدة الرابعة عشر: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل

- ‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

- ‌القاعدة السادسة عشر: حقوق الله مبنية على المسامحة

- ‌القاعدة السابعة عشر: الحوائج الأصلية للإنسان لاتعد مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الثامنة عشر: الضرر يزال

- ‌القاعدة التاسعة عشر: الضرورات تبيح المحظورات

- ‌القاعدة العشرون: العادة محكّمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهية

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: الفعل الواحد يُبْنَى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: الفعل ينوب عن القول مع القرينة في صور

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: لا يجوز التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمَّن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد إلا إذا أمكن تدارك هذا الضرر

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: ما قبض أو عقد في حال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيئ محرم في الإسلام

- ‌القاعدة السابعة والعشرون ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان فإنا نقبل قوله فيه

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: ما لا يمكن التحرز منه يكون عفوا

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه هل يتضيق

- ‌القاعدة الثلاثون: ما يحصل ضمنًا إذا تُعُرِّض له لا يضر

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: المتولد من مأذون فيه لا أثر له

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: المشقة تجلب التيسير

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيئ يقوم مقام كله

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظاً لا يعرف معناه لم يؤخذ بمقتضاه

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من تصرف مستندًا إلى سبب، ثم تبين أنه غيره وهو موجود فتصرفه صحيح

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون: من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع منه في بعض الصور

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيئ صح توكيله فيه غيره، وتوكّله فيه عن غيره، ومن لا فلا

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون: من عليه فرض موسع الوقت يجوز له التنفل -قبل أدائه- من جنسه

- ‌القاعدة الأربعون: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها وكان المقدور عليه غير مقصود في العبادة، أو كان جزءًا من العبادة. لكنه عند انفراده ليس بعبادة، لم يلزم الإتيان به

- ‌القاعدة الحادية والأربعون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه وإن كان السبب خفيا فليس له ذلك

- ‌القاعدة الثانية والأربعون النسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقا

الفصل: ‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله

‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله

"

أورد الزركشي القاعدة بهذات اللفظ، ثم أوضحها بتقييدها بأن ذلك في حقوق الله تعالى1، كما أوردها مقيدة بهذا القيد السيوطي بعنوان "ضابط"2 وابن نجيم بعنوان "تنبيه"3.وذكرها القرافي عند بيانه، الفرق بين ما يلزم الكافر إذا أسلم وما لا يلزمه4. وعلل بها ابن قدامة لإسقاط حقوق الله تعالى عن المرتد، كسقوطها عن المشرك5، وأشار إليها عدد من الأصوليين في مسألة، مخاطبة الكفار بفروع الشريعة6 كما عرض

1 انظر: المنثور 1/161، ومختصره للشعراني (رسالة ماجستير) 1/158.

2 انظر: الأشباه والنظائر له ص255.

3 انظر: الأشباه والنظائر له ص326.

4 انظر: الفروق 3/184، وتهذيبه 3/217.

5 انظر: المغني 12/297.

6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص162، ونهاية السول 1/369، والقواعد والفوائد الأصولية ص49، وشرح الكوكب المنير 1/500، وتيسير التحرير 2/148.

ص: 127

لها العز بن عبد السلام عند عرضه أمثلة قصد منها الشارع الترغيب في الإسلام مع اشتمالها على بعض المفاسد، لكنها دون مصلحة دخوله في الإسلام1. وأصل هذه القاعدة لفظ نبوي كما سيأتي إن شاء الله.

معاني المفردات:

الإسلام لغة: الاستسلام، وهو مصدر أسْلَم، ويأتي لمعان أخرى2.

وفي الشرع: هو الاستسلام لله وهو الخضوع له والعبودية له3، أو هو الاستسلام لله بالقلب مع الأعمال الظاهرة4.

يجبّ: يقطع، والجبُّ هو القطع5.

المعنى الإجمالي:

تبين هذه القاعدة، حكم أفعال الكافر التي مضت منه حال كفره إذا دخل في الإسلام وكانت تلك الأفعال متعلقة بحقوق الله تعالى من فعل لما نهى الله عنه، وترك لما أوجب الله. حيث تدل على أنه

1 انظر: قواعد الأحكام 1/64.

2 انظر: القاموس المحيط 4/129 (سلم) .

3 فتح المجيد ص88.

4 الإيمان لبن تيمية ص227.

5 انظر: الصحاح 1/96 (جبب) .

ص: 128

يسقط عن الكافر إثم ما ارتكب من معاص، ولا يترتب عليها آثارها من حدّ أو نحوه، ولا يطالب بقضاء ما ترك. ويستوي في هذا القول، من قال بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومن قال بعدم تكليفهم بها1؛ لأن مراد من قال بتكليفهم بفروع الشريعة أنه لو مات كافرا فإنه يعذب على كفره وعلى معاصيه. لا أن العبادات تصحّ منه لو فعلها حال كُفره. فيكون معنى القاعدة بهذا الاعتبار، أنه إذا أسلم سقط عنه إثم كفره، وإثم معاصيه، ولم يلزمه قضاء ما ترك من الأوامر بعد تحقق شرط صحتها منه وهو الإسلام.

ومراد من يقول بعدم مخاطبة الكافر بفروع الشريعة، أنه إنما يعذب لو مات كافرا على كفره دون ما عصى الله به. إلا أن العذاب على الكافر هو أشد العذاب، فيكون معنى القاعدة - على اعتبار - أنه إذا أسلم سقط عنه إثم الكفر، ولم يلزمه قضاء ما ترك وإن كان قد أصبح محلا للتكليف2، وقد قيّد هذا الحكم بكونه فيما

1 انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص253.

2 راجع الأقوال في هذه المسألة ص 368

ص: 129

يتعلق بحقوق الله تعالى1، ثم أطلق البعض الحكم فيما يتعلق بحقوق الناس، بأنها لا تسقط2.

والصحيح، أن من حقوق الآدميين ما يسقط بالدخول في الإسلام. وقد أوضح القرافي رحمه الله الضابط في ذلك فقال: "إن ما أقدم عليه الشخص من حقوق الآدميين حال كفره وهو غير راضٍ بدفعه لمستحقه3، كالقتل والغصب، ونحوهما، فإنه يسقط بالإسلام؛ لأن هذه الأمور إنما أقدم عليها معتمدا على أنه لا يوفيها

1 بين القرافي وجه التفرقة بين حق الله تعالى وحق الآدميين من وجهين:

أحدهما: أن الإسلام حق لله تعالى، والعبادات، ونحوها حق لله تعالى فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسب أن يسقط أحدهما الآخر لحصول مقابله، أما حق الآدميين فإنه متعلق بجهتهم، والإسلام ليس حقا لهم بل لجهة الله تعالى فناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق الله تعالى.

والثاني: أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة، والعبد بخيل ضعيف فناسب ذلك التمسك بحقه. انظر: الفروق 3/184-185.

2 انظر: المراجع التي سبق ذكرها في أول القاعدة.

3 هذه عبارة القرافي رحمه الله والمراد بها أنه لم يكن في ذلك الحال ملتزما بآثار ذلك الفعل فالدفع –هنا – أعم من أن يكون في أمر ماليّ وكذلك قوله: لا يوفيها، والله أعلم.

ص: 130

أهلها فأُسقِطَت عنه؛ لأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام، فقدمت مصلحة دخوله في الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق من باب تقديم أعلى المصلحتين وأما ما رضي به حال كفره كالبيع ونحوه من المعاملات، فإنه يلزمه؛ إذ ليس في الإلزام بهذا ما ينفر عن الإسلام.

كما قُيد الكافر بكونه حربيا1 ليخْرُجَ الذمي2 والمستأمن3، فإن

1 الحربي في اللغة: المنسوب إلى الحرب. والحرب نقيض السلم، وأصل الحرب من الحَرَب وهو السلب. والحربي في اصطلاح الفقهاء عرّفه بعضهم، بأنه الكافر الذي يحمل حنسية الدولة الكافرة المحاربة للمسلمين، وعرّفه بعضهم، بأنه من دخل أرضنا محاربا. انظر: مقاييس اللغة 2/48، ولسان العرب 3/99 (حرب) ، ومعجم لغة الفقهاء ص178، والقاموس الفقهي ص84.

2 الذمي في اللغة: هو المنسوب إلى الذمة، وهي العهد والأمان.

وفي الاصطلاح: هو المعاهَد من الكفار، وقيّده بعضهم بأن تكون إقامة ذلك الكافر في بلاد المسلمين دائمة. انظر: الصحاح 5/1926 (ذمم) ، والمفردات ص181 (ذم) ، وأنيس الفقهاء ص182، ومعجم لغة الفقهاء ص214.

3 المستأمَن لغة: من الأمن هو ضد الخوف، واستأمنه أي دخل في أمانه.

واصطلاحا: هو من أعطى الأمان المؤقت على نفسه، وماله، وعرضه، ودينه، انظر: الصحاح 5/2071 (أمن) ، ومعجم لغة الفقهاء ص426، والفقه الإسلامي وأدلته 8/39.

ص: 131

الإسلام يُسقط.نهما حقوق الله تعالى، ولا يسقط-عنهما شيئا من حقوق الآدميين لكونهم التزموا أحكام المسلمين قبل أن يُسْلموا1.

الأدلة:

لقد تواترت الأدلة على أن من تاب من الشرك ومن المعاصي تاب الله عليه.

1) وأول ما يدل على عدم مؤاخذة الكافر بعد إسلامه هو النص النبوي في هذا الباب وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص2: "

أما عَلمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله

" الحديث 3.

1 انظر: شرح السيّر الكبير 5/، والفروق 3/184-185.

2 هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي (أبو عبد الله) . وقيل (أبو محمد) ، اختلف في وقت إسلامه، فقيل: عام خيبر، وقيل: أسلم لما بعثته قريش إلى المجاشي لردّ المهاجرين من الحبشة إلى مكة، وقيل غير ذلك. توفي رضي الله عنه سنة 43هـ على الأرجح لنظر: أسد الغابة 4/115-118، والإصابة 4/650-654.

3 أخرجه الإمام مسلم وهو حديث طويل فيه ذكر ما جرى لعمرو بن العاص رضي الله عنه عند وفاته. صحيح مسلم مع النووي 2/136-139 (الإيمان / كون الإسلام يهدم ما قبله

) .

ص: 132

وفي لفظ آخر: "الإسلام يجبّ ما كان قبله"1

2) قول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ

} 2.

قال الإمام القرطب3ي: " {إِنْ يَنْتَهُوا} يريد عن الكفر"4.

3) قول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5.

1 أخرجه الإمام أحمد بألفاظ متقاربة وصححه الألباني. مسند أحمد 4/199، 204، 205، وانظر: إرواء الغليل 5/121.

2 الأنفال (38) .

3 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي، توفي سنة 761هـ. له عدة مؤلفات منها كتاب [الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى]، وكتاب [التذكار في أفضل الأذكار] . انظر: الديباج المذهب 2/308-309، وكطبقات المفسرين للداودي 2/65-66.

4 الجامع لأحكام القرآن 7/401.

5 الزمر (53) .

ص: 133

4) قوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ

} إلى قوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} 1.

فقد جاء في سبب نزول هذه الآيات: "أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة2 فنزل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ

} ، ونزل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ

} 3"، وروي غير ذلك في سبب نزولها وهو بمعناه4.

1 الفرقان (68-70) .

2 أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري، صحيح البخاري مع الفتح 8/411 (التفسير/تفسير سورة الزمر) ، وصحيح مسلم مع النووي 2/139 (الإيمان / الإسلام يهدم ما قبله) . والآيات تقدم بيان موضعها.

3 الزمر (53) .

4 لنظر: الجامع لأحكام القرآن 15/268-269.

ص: 134

5) حديث ثوبان1 رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 2 فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم، قال: "ألا من أشرك ثلاث مرات"3.

وفي الباب أحاديث أخرى4.

1 هو ثوبان بن بجدد، وقيل: ابن جدر رضي الله عنه يكنى أبا عبد الله على الأصح وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه وخيره بين أن يلحق بمن هو منهم وبين أن يبقى عنده فثبت على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازمه، وتوفي بحمص سنة 54هـ، انظر: أسد الغابة 1/249، والإصابة 1/413.

2 الزمر (53) .

3 أخرجه الإمام أحمد، وفال الهيثمي: فيه ابن لهيعة، وفيه ضعف وحديثه حسن. مسند الإمام أحمد 5/275، ومجمع الزوائد 7/100.

4 انظر: الجامع لأحكام القرآن 15/268، وتفسير القرآن العظيم 4/63، وشرح النووي على صحيح مسلم 2/136-139، وفتح الباري 8/412.

ص: 135

العمل بالقاعدة:

أجمع العلماء على العمل بهذه القاعدة في حقوق الله تعالى - من حيث الجملة - وقد تقدم بيان ورودها عند فقهاء المذاهب الأربعة، ونقل الإجماع عليها عدد من أهل العلم.

قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً

} إلى قوله تعالى: {

إِلاّ مَنْ تَابَ

} 1: "لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني"2.

وقال أبو الخطاب3: "أجمعت الأمة الإسلامية على أنه لا يلزمه أن يفعل العبادات حال كفره ولايجب عليه القضاء إذا أسلم"4.

وقال الخطابي5 في شرحه لحديث: "من أحسن في الإسلام لم

1 الفرقان (68-70) .

2 الجامع لأحكام القرآن 13/77.

3 هو: محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلْوَذَني الحنبلي، ولد سنة 432هـ، وتوفي سنة 510هـ. من مؤلفاته [الهداية] في الفقه، و [التهذيب في الفرائض] . انظر: المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد 3/20-23، والمنهج الأحمد 2/233-242.

4 التمهيد 1/301.

5 هو: أبو سليمان حمد، وقيل: أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي، ولد سنة 319هـ، وتوفي سنة 386هـ، وقيل: 388هـ. من آثاره العلمية [معالم السنن، في تفسير كتاب السنن لأبي داةد السجستاني]، و [غريب الحديث] . انظر: طبقات الشافعية الكيرى 3/282-290.، وطبقات الإسنوي 1/476-468.

ص: 136

يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخِذَ بالأول والآخر"1.

قال: "ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة من أن الإسلام يجب ما قبله، ثم ذكر اجوبة عن هذا"2، وقال النووي في شرحه للحديث نفسه:"المراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعا وأن يكون مسلما حقيقيا، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح "الإسلام يهدم ما قبله"3

1 متفق عليه واللفظ للبخاري. صحيح البخاري 12/77 (استتابة المرتدين / إثم من أشرك بالله

) ، وصحيح مسلم 2/135، (الإيمان / هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية) .

2 انظر: أعلام الحديث 4/2311-2312.

3 تقدم قريبا تخريجه.

ص: 137

وبإجماع المسلمين1.

من فروع القاعدة:

1-

إذا أسلم شخص في شهر رمضان فإنه يصوم ما يستقبل منه ولا قضاء عليه فيما مضى ويُمسك بقية يومه الذي أسلم فيه2.

2-

إقرار الكفار على أنكحتهم التي عقدوها حال الكفر إذا كانت المرأة ممن يجوز نكاحها ابتداء ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته3.

3-

لو زنا الكافر ثم أسلم لم يُحدّ4.

1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/136.

2 انظر: الهداية 1/137-138، والقوانين الفقهية ص100، والمهذب 1/177، والمغني 4/414.

3 انظر: الهداية 1/337-338، وشرح الخرشي 3/227-228، والتنبيه ص164، والمغني 1/5.

4 قال القرطبي رحمه الله: "أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله حال كفره في دار الحرب،" ثم قال: "واختلفوا في النصراني يزني ثم يسلم وقد شهدت عليه بينة من المسلمين. الجامع لأحكام القرآن 7/402-403. وانظر أقوال الفقهاء وتفصيلهم في: حاشية رد المحتار 4/4، 17، وشرح الخرشي 8/82، ومختصر قواعد الزركشي للشعراني (رسالة) 1/158-159، والمغني 12/297.

ص: 138

وجه التيسير:

يظهر التيسير في هذه القاعدة من جهتين:

الأولى: عدم تكليف من أسلم بقضاء ما فرّط فيه من حقوق الله تعالى وهي كثيرة متراكمة، وإسقاط الإثم والمؤاخذة عنه فيما كان من حقوق الله تعالى، وفيما كان من حقوق الناس على الوجه الذي تقدم إيضاحه.

الثانية: تسهيل الوصول إلى طريق الحق وترغيب الناس فيه.

يدل على ذلك ما تقدم من أن بعض الكفار أراد أن يسلم لكنه خشي أن لا يغفر له فرُغِّب في الخير لمصلحته والله غني عن العالمين.

ويتجلى هذا في قوله صلى الله عليه وسلم وهو الرؤوف بمن أرسل إليهم - في شأن قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ

} 1، "ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية"2.

ومع هذا فإن الله تعالى قد كفل للآدميين حقوقهم التي التزم بها الكافر حال كفره إذ أنها مبنية على المشاحة فلم يسقطها عنه.

1 الزمر (53) .

2 تقدم تخريجه قريبا.

ص: 139