المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة - القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير - جـ ١

[عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌القسم الأول: القواعد

- ‌القاعدة الأولى: الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد

- ‌القاعدة الثانية: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان

- ‌القاعدة الثالثة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً

- ‌القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتححصيل أعلى المصالح وردء أعلى المفاسد

- ‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولّينا أقلهم فسوقاً

- ‌القاعدة السادسة: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق

- ‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله

- ‌القاعدة الثامنة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم

- ‌القاعدة التاسعة: الأصل في العادات العفو

- ‌القاعدة العاشرة: الإكراه يُسْقط أثر التصرف، فعلا كان أو قولا

- ‌القاعدة الحادية عشر: الأمور بمقاصدها

- ‌القاعدة الثانية عشر: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا

- ‌القاعدة الثالثة عشر: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة

- ‌القاعدة الرابعة عشر: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل

- ‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

- ‌القاعدة السادسة عشر: حقوق الله مبنية على المسامحة

- ‌القاعدة السابعة عشر: الحوائج الأصلية للإنسان لاتعد مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الثامنة عشر: الضرر يزال

- ‌القاعدة التاسعة عشر: الضرورات تبيح المحظورات

- ‌القاعدة العشرون: العادة محكّمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهية

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: الفعل الواحد يُبْنَى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: الفعل ينوب عن القول مع القرينة في صور

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: لا يجوز التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمَّن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد إلا إذا أمكن تدارك هذا الضرر

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: ما قبض أو عقد في حال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيئ محرم في الإسلام

- ‌القاعدة السابعة والعشرون ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان فإنا نقبل قوله فيه

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: ما لا يمكن التحرز منه يكون عفوا

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه هل يتضيق

- ‌القاعدة الثلاثون: ما يحصل ضمنًا إذا تُعُرِّض له لا يضر

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: المتولد من مأذون فيه لا أثر له

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: المشقة تجلب التيسير

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيئ يقوم مقام كله

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظاً لا يعرف معناه لم يؤخذ بمقتضاه

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من تصرف مستندًا إلى سبب، ثم تبين أنه غيره وهو موجود فتصرفه صحيح

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون: من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع منه في بعض الصور

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيئ صح توكيله فيه غيره، وتوكّله فيه عن غيره، ومن لا فلا

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون: من عليه فرض موسع الوقت يجوز له التنفل -قبل أدائه- من جنسه

- ‌القاعدة الأربعون: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها وكان المقدور عليه غير مقصود في العبادة، أو كان جزءًا من العبادة. لكنه عند انفراده ليس بعبادة، لم يلزم الإتيان به

- ‌القاعدة الحادية والأربعون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه وإن كان السبب خفيا فليس له ذلك

- ‌القاعدة الثانية والأربعون النسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقا

الفصل: ‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

.

القاعدة الخامسة عشرة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.

ذكر هذه القاعدة عدد من العلماء منهم إمام الحرمين1، والسيوطي2، وابن نجيم3، والزركشي4 وقد جعلها قاعدتين إحداهما في الحاجة العامة، والأخرى في الحاجة الخاصة.

وأشار إليها عدد منهم، كابن عبد السلام5، وابن تيمية6، والعلائي7.

1 انظر: غياث الأمم ص478-479.

2 انظر: الأشباه والنظائر له ص88.

3 انظر: الأشباه والنظائر له ص91.

4 انظر: المنثور 2/24-25، وانظر مختصر قواعد الزركشي للشعراني (رسالة) 1/260.

5 انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2/9 وما بعدها، 165.

6 انظر: القواعد النورانية ص126.

7 انظر: المجموع المذهب (رسالة دكتوراه) 1/367-368، ومختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي 1/192، 293.

ص: 241

وأورد الونشريسي من الأمثلة على قاعدة ((الضرورات تبيح المحضورات)) ما يصلح لإدراجه تحت هذه القاعدة1.

وقال ابن نجيم: "إنها متفرعة من قاعدة ((الضرر يزال)) 2.

معاني المفردات:

الحاجة لغة: هي الاضطرار إلى الشيء، وتطلق على الافتقار نفسه، وعلى الشيء الذي يُفْتَقَر إليه، وقيل: هي القصور عن المبلغ المطلوب3.

وفي الاصطلاح: يمكن تعريفها من خلال تعريف العلماء للحاجيات4 حيث عرف الشاطبي بأنها: "المصالح المفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي – في الغالب – إلى

1 انظر: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ص365-366.

2 انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص85.

3 يظهر أن أهل اللغة لا يفرقون بين الحاجة والضرورة. انظر: مقاييس اللغة 2/114، وتاج العروس 5/495 (حوج) .

4 لقد قسم العلماء المصالح التي جاء بها الشرع إلى ثلاث مراتب هي الضرورات، فالحاجيات، فالتحسينيات، فالحاجة إذن دون الضرورة. انظر: الموافقات 2/8-11، والمستصفى 2/481، ونظرية الضرورة الشرعية ص52-55.

ص: 242

الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب1.

فيقال في الحاجة: إنها حالة تطرأ على الإنسان يخاف معها فوت شيء من المصالح المفتقر إليها من حيث التوسعة، بحيث لا تندفع إلا بارتكاب محرّم، أو ما يخالف القواعد العامة للشرع2.

الضرورة لغة: من الضرر وهو: خلاف النفع3.

وفي الاصطلاح: يمكن تعريفها من خلال تعريف العلماء للضروريات حيث عرّف الشاطبي الضروريات بأنها: "المصالح التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد، وتهارج، وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة، والنعيم، والرجوع بالخسران المبين". ثم قال: "والضروريات هي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل"4.

1 انظر: الموافقات 2/10-11.

2 استفدت هذه الصياغة من صياغة. وهبه الزحيلي لتعريف الضرورة كما سيأتي قريبا.

3 مقاييس اللغة 3/360 (ضرّ) ، والصحاح 2/719 (ضرر) .

4 انظر: الموافقات 2/8-10.

ص: 243

فقيل في تعريف الضرورة: إنها حالة من الحظر تطرأ على الإنسان يخاف معها فوت شيء من المصالح التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث لا تندفع هذه الضرورة إلا بارتكاب المحرّم، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته1.

عامة: اسم فاعل مؤنث من عمّ أي شمل. يقال: عمهم بالعطية أي شملهم2.

والمراد بالحاجة العامة ما تتعلق بأغلب الناس3.

خاصة: اسم فاعل مؤنث من خصّ فلانا بالشيء أي أفرده به4

1 بنحو هذا التعريف عرفها الدكتور وهبه الزحيلي، وعرّفها بعضهم بما يقتضي قصرها على خوف هلاك النفس واعترض عليه بأنه غير جامع. انظر: نظرية الضرورة الشرعية ص66-68، وشرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقاء ص155.

2 انظر: الصحاح 5/1993 (عمم) .

3 انظر: الموافقات 2/159-162، والأشباه والنظائر للسيوطي ص88، والمواهب السنية (بهامش أشباه السيوطي- ط / دار الفكر) ص121-122، وشرح القواعد الفقهية ص155، والمدخل الفقهي العام 2/997، ونظرية الضرورة الشرعية ص262.

4 انظر: مقاييس اللغة 2/152 (خص) ، ولسان العرب 4/109 (خصص) .

ص: 244

والمراد بالحاجة الخاصة ما يكون تعلقها بفئة معينة، أو أهل صنعة، أو بلد، أو نحوها، وليس المراد بها ما تتعلق بشخص بعينه بحيث لا تتعداه إلى من هو في مثل حاله؛ لأن تعليق الحكم بهذا النوع من الحاجة الخاصة إنما هو من خصائص زمن التشريع فالخصوص – هنا - نسبي1.

المعنى الإجمالي:

معنى هذه القاعدة أن الحاجة العامة التي تتعلق بأغلب الناس، وكذلك التي تختص بفئة تنزل منزلة الضرورة فتعطى حكمها من حيث إباحة المحظور وإن كانت الحاجة في مرتبة دون مرتبة الضرورة وهي أقل باعثا على مخالفة قواعد الشرع العامة وعنى هذا أن الأصل أن هذا الحكم – أعني اللجوء إلى ارتكاب المحرّم أو مخالفة قواعد الشرع العامة – إنما هو من شأن الضرورات محافظة على المصالح الضرورية لكننا وجدنا من أدلة الشرع ما يدل على أن

1 انظر: ما تقدم في هامش (3) ص244، وانظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/1306، والمراد بالخصوص النسبي هو ما كان خاصا بالنسية إلى ما هو أعمّ منه (أي الجنس الذي يشمله ويشمل غيره)، وعاما بالنسبة إلى أفراده التي يشملها. انظر: روضة الناظر 2/663-664.

ص: 245

الحاجة قد تعطي حكم الضرورة تيسيرا على العباد وتسهيلا لشؤون معاشهم، وقد تقدم بيان معنى كل من الضرورة والحاجة وبيان الفرق بين حقيقتيهما.

وقد فرق بعضهم بينهما من جهة أن حكم الضرورة مؤقت بزمان تلك الضرورة، وحكم الحاجة مستمر1.

ومع هذا فقد تطلق الضرورة ويراد بها الحاجة2. على أن حكم هذه

1 إيضاحا لهذه التفرقة يمكن القول إن الحكم في كل منهما منوط بتحقق سببه وهو الضرورة أو الحاجة فإذا تحقق السبب أو العلة وجد الحكم وإذا زال السبب أو العلة زال الحكم، وإنما جاءت هذه التفرقة من قبل النظر إلى الواقع الغالب في كل منهما فإن الغالب في الضرورة أن تكون أمرا طارئا لا يستمر والغالب في الحاجة أنها مستمرة موجودة بوجود الناس والله أعلم. انظر: مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي 1/191، 293، وشرح القواعد الفقهية ص155، ونظرية الضرورة الشرعية ص274-275.

2 من ذلك قول ابن رشد – في مسألة إباحة العرايا -: "وروي أن الرخصة فيها إنما هي معلقة بهذا القدر من التمر لضرورة الناس أن يأكلوا رطبا

"الخ كلامه، ومعلوم أن هذا ليس من الضرورة، كما يشير إلى هذا المعنى ما تقدم من أن الونشريسي ذكر أمثلة في قاعدة:((الضرورات تبيح المحظورات)) هي من قبيل الحاجات. انظر: بداية المجتهد 2/163، وإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ص365-366.

ص: 246

القاعدة ليس على إطلاقه فقد اشترط العلماء في الحاجة المبيحة للمحظور شروطا أهمها ما يلي:

1) أن تكون الشدة الباعثة علة مخالفة الحكم الشرعي الأصلي بالغة درجة الحرج غير المعتاد.

2) أن يكون الضابط في تقدير تلك الحاجة النظر إلى أواسط الناس ومجموعهم بالنسبة إلى الحاجة العامة، وإلى أواسط الفئة المعينة التي تتعلق بها الحاجة إذا كانت خاصة.

3) أن تكون الحاجة متعينة بألا يوجد سبيل آخر للتوصل إلى الغرض سوى مخالفة الحكم العام.

4) أن تقدر تلك الحاجة بقدْرها كما هو الحال بالنسبة إلى الضرورات.

5) ألاّ يخالف الحكم المبني على الحاجة نصا من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حكم ذلك الأمر بخصوصه، وألاّ يعارض قياسا صحيحا أقوى منه، وأن يكون مندرجا في مقاصد الشرع، وألاّ تفوت معه مصلحة أكبر1.

1 انظر: مجموع هذه الشروط في قواعد الأحكام 2/9، والموافقات 2/156 وما بعدها، وشرح القواعد الفقهية ص155، وضوابط المصلحة ص119، 129، 161، 216، 248، ونظرية الضرورة الشرعية ص275-276.

ص: 247

وعلى هذا فإنه يمكن القول: إن هذه القاعدة لا تحقق تحققا صحيحا إلا إذا كان الحكم القائم على الحاجة مستثنى من حكم عام أو في معنى المستثنى منه وهذا الاستثناء إما أن يكون بنص شرعي دل على أن مبنى الترخيص فيه هو الحاجة، وإما أن يكون مبنيا على اجتهاد المجتهدين أخذا من قواعد الشرع العامة، أو قياسا على ما ثبت حكمه بالنص؛ وذلك لأن تنزيل الحاجة منزلة الضرورة معناه إباحة ما ظاهره التحريم، ومن أجل هذا ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا إنما يكون فيما خالف القياس1.

1 تحسن الإشارة هنا إلى أن من العلماء من يرى أن جميع الأحكام الشرعية هي على وفق القياس، وليس فيها ما هون مخالف له، أو معدول به عن سننه، ويرى أنه يجب تنزيه الشرع من مثل هذه التسميات، ومن أبرز هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، ولعله من المفيد بيان وجهة أصحاب المذهبين – بإيجاز – لعلاقة ذلك بهذه القاعدة. فإن من يرى أن مثل هذه الأحكام مخالفة للقياس يرى أنها بعرضها على قواعد الشرع العامة توجد صورة مشابهة لها وهي محرّمة، ولذا كانت إباحتها – عندهم – مخالفة للقياس مع كونها مبنية على أدلة شرعية.

ومن يرى أنها على وفق القياس يحكم بذلك من حيث مناسبة الحكم المستثنى – في الظاهر – من القاعدة العامة للسبب المبيح الذي هو الدليل الشرعي المبني على حاجة الناس، وبعبارة أخرى يرى أن ذلك المباح غير ذلك المحرم وإن توهم أنهما من جنس واحد، والله أعلم. انظر: مجموع الفتاوى 20/504 وما بعدها، وأعلام الموقعين 2/3 وما بعدها، والأشباه والنظلئر للسيوطي ص88، ومختصر قواعد الزركشي للشعراني (رسالة) 1/260، والفوائد الجنية حاشية المواهب السنية 1/284، وكتاب المعدول عن القياس للدكتور عمر عبد العزيز ص18-30.

ص: 248

الأدلة:

يستدل لهذه القاعدة بما ورد من النصوص التي تضمنت إباحة بعض الأشياء وعُلّل ذلك فيها بالحاجة، ومن ذلك:

1) حديث: "حرّم الله مكة ولم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي أُحلت لي ساعة من نهار لا يُخْتلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرّف، فقال العباس1 رضي الله عنه: إلا الإذخر2 لصاغتنا وقبورنا فقال:

1 هو الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب القرشي رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا الفضل، وقيل: إنه أسلم قبل الهجرة وكان يكتم إسلامه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويعضمه بعد إسلامه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وشهد حنينا وثبت معه صلى الله عليه وسلم. انظر: أسد الغابة 3/109-120، والإصابة 3/631.

2 الإذخر: حشيشة طيبة الريح تسقف بها البيوت، وتوضع في القبور. انظر: القاموس المحيط 2/34 (ذخر) ، والمجموع المغيث 1/695.

ص: 249

" إلا الإذخر"1.

قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "حكي عن ابن بطال2 ان الاستثناء – هنا – للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وتعقبه ابن المنيِّر3 بأن الذي يباح للضرورة يشترط

1 أخرجه الشيخان بعدة ألفاظ وهذا أحد ألفاظ البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 3/253 (الجنائز / الأذخر والحشيش في القبر) ، وصحيح مسلم مع النووي 9/123-130 (الحج / تحريم مكة وتحريم صيدها

)

2 هو: أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري، ويعرف بابن اللجام، أو ابن النجام، كان من أهل العلم والمعرفة، وعنى بالحديث العناية التامة. له [شرح صحيح البخاري] في عدة أسفار، وله كتاب [الاعتصام] ، توفي سنة 449هـ، انظر: سير أعلام النبلاء 18/47، وترتيب المدارك 4/827.

3 هو: ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الإسكندري الشهير بابن المنيّر، ولد سنة 620هـ، وتوفي سنة 683هـ. له كتاب [المتوارى على تراجم صحيح البخاري]، وله أخ اشتهر بنفس الشهرة وهو: زين الدين علي بن محمد. والمراد هنا الأول كما بينه محقق كتاب المتوارى، انظر: الوافي بالوفيات 8/128-132، 22/142، وحسن المحاضرة 1/316-317، ومقدمة تحقيق المتوارى /19.

ص: 250

حصولها فيه فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته إليه، والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد الضرورة1.

2) حديث: "رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع العرايا2 بخرصها3 تمرا"4.

1 انظر: فتح الباري 4/59-60، والذي يبدو أن ابن بطال قد استعمل الضرورة بمعنى الحاجة، وفي هذا إشارة إلى ما تقدم بيانه من الفرق بين الضرورة والحاجة من حيث استمرار الحكم وعدمه.

2 العرايا جمع عريّة من عراه يعروه إذا غشيه، يقال: عروت الرجل إذا ألممتُ به، وأتيته طالبا.

وفي الاصطلاح أن يوهب للإنسان من النخل ما ليس فيه خمسة أوسق فيبيعها بخرصها تمرا لمن يأكلها رطبا. انظر: الصحاح 6/2423 (عرى) ، والمغني 6/119، ونيل الأوطار 5/200.

3 الخَرْص هو: حَزْرُ ما على النخلة من الرطب تمرا. أي تقديره. الصحاح 3/1035 (خرص) ، 2/629 (حزر) .

4 حديث الرخصة في العرايا أخرجه الشيخان وغيرها، عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة ألفاظ، وهذا اللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 5/60 (الشرب والمساقاة / الرجل يكون له ممرّ أو شرب

) ، وصحيح مسلم مع النووي 10/184 (البيوع / تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا)

ص: 251

وقد جاء في بعض روايات الحديث النص على العلة حيث أخرج الإمام الشافعي أنه قيل لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إما زيد1 وإمت غيره: "ما عراياكم هذه؟ قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شَكَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد في أيديهم يتبابعون به رطبا يأكلونه مع الناس، وعندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخصّ لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها"2.

وقد بين العلماء معتى العرايا بما يدل على أن سبب الترخيص فيها هو: الحاجة إليها3.

1 هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه قيل: إنه شهد أحدا، وقيل: إن الخندق أول مشاهده، وهو الذي كتب القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، توفي سنة 45هـ، وقيل: غير ذلك. انظر: أسد الغابة 2/221-223، والإصابة 2/592-595.

2 الأم 3/47.

3 انظر: فتح الباري 4/456-460، وشرح صحيح مسلم 10/188-189، ونيل الأوطار 5/310-313.

ص: 252

3) ما رواه الإمام البخاري عن عاصم الأحول1 قال: "رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان انصدع فسلسله2 بفضة

" الحديث3.

ففي الحديث جواز ذلك، وقد علله العلماء بالحاجة؛ لأنه قد ثبت النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة4.

4) حديث أنس رضي الله عنه قال: "رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 هو: عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري، قال عنه ابن حجر: ثقة من الرابعة، توفي سنة 141هـ وقيل: 142هـ، وقيل سنة 143هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 6/13، وتقريب التهذيب ص159.

2 سَلْسَلَه أي وصل بعضه ببعض يقال: شيء مسلسل أي متصل بعضه ببعض، ويطلق على هذا الوصل: التضبيب. انظر: الصحاح 5/1732 (سلل) ، وفتح الباري 10/103، ومعجم لغة الفقهاء ص133.

3 أخرجه الإمام البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 10/101، (الأشربة / الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته) .

4 انظر: فتح الباري 10/104.

ص: 253

للزبير1 وعبد الرحمن2 في لُبْس الحرير لحكّة بهما"3.

ووجه الدلالة منه استثناء هذه الحالة من حكم لبس الحرير للرجال، وهو النحريم4.

العمل بالقاعدة:

لقد عمل فقهاء المذاهب الأربعة بهذه القاعدة فعللوا صحة بعض العقود وغيرها بحاجة الناس إليها، وإن كان النص قد ورد

1 هو: أبو عبد الله الزبير بن العوام القرشي الأسدي رضي الله عنه ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان من أوائل من أسلم، هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وشهد المشاهد كلاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتِل سنة 36هـ. انظر: أسد الغابة 2/196-198، والإصابة 2/553-557.

2 هو: عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري (أبو محمد) رضي الله عنه، ولد بعد الفيل بعشر سنين، وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 31هـ. انظر: أسد الغابة 3/313-317، والإصابة 4/346-350.

3 متفق عليه واللفظ للبخاري، صحيح البخاري مع الفتح 10/308 (اللباس / ما يرخص للرجال من الحرير للحكة) ، وصحيح مسلم مع النووي 14/52 (اللباس / إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة) .

4 انظر: فنح الباري 10/308.

ص: 254

بحكمها أو حكم بعضها، ومن ذلك الإجارة، والجعالة1، والسَّلَم2، وغيرها3.

1 الجعالة لغة: مصدر جَعَلَ الشيء أي وضعه. والجعالة بضم الجيم، وفتحها، وكسرها. قال الراغب: جَعَل لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعم من فَعَل، وصنع، وسائر أخواتها.

وفي الاصطلاح: هي الإجارة على منفعة مظنون حصولها، مثل: مشارطة الطبيب على البرء، والمعلم على الحِذْق، والناشد على وجود العبد الآبق، وبمعناها الجعل، وعرفه البعض بأنه: ما يجعل للعامل مقابل عمله. انظر: المفردات ص94، ولسان العرب 2/301 (جعل) ، وبداية المجتهد 2/177، والقاموس الفقهي ص63.:

2 السَّلَم في اللغة: التقديم والتسليم وهو والسَّلف بمعنى واحد.

وفي الاصطلاح: عُرف بعدة تعريفات منها أنه عقد يوجب الملك في الثمن عاجل وفي المثمن آجلا ومنها أنه بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا، وعرّف بغير ذلك. انظر: الصحاح 4/1376 (سلف) ، والقاموس المحيط 4/129 (سلم) ، 3/152 (سلف) ، والتعريفات ص120، وفتح الباري 4/500، والمغني 6/384.

3 راجع – على سبيل المثال -: بدائع الصنائع 5/2، وشرح الزرقاني على الموطأ 3/262، وبداية المجتهد 2/166، والمجموع 10/305، والمغني 1/104، 6/385 و618. وانظر في الموضوع الباب الثاني من كتاب المشقة تجلب التيسير.

ص: 255

من فروع القاعدة:

1-

جواز عقد الإجارة فإنه عقد على منافع لم توجد بعد. لكن الشارع أجازها للحاجة1.

2-

جواز تضبيب الإناء بالفضة للحاجة إليه كما هو رأي الجمهور، وذهب المالكية إلى منع استعماله2.

3-

إباحة النظر إلى المرأة للحاجة من معاملة ونحوها3.

وجه التيسير:

لا يخفى ما في هذه القاعدة من التيسير، فإن الله تعالى قد أقام حاجة الناس التي تبلغ درجة الضرورة، مقام الضرورة فأباح للمكلفين – بسبب الحرج – ما يحتاجون إليه على سبيل الاستثناء من قواعد الشرع العامة4.

1 انظر: الهداية 3/260، والقوانين الفقهية ص236، والمهذب 1/394، والمغني 8/6.

2 انظر: الهداية 4/413، والمنتقى شرح الموطأ 7/236، والتنبيه ص14، والمغني 1/.

3 انظر: الهداية 4/418، والقوانين الفقهية ص385، والمهذب 2/34، والمغني 9/489.

4 انظر: غياث الأمم 478-479، والمدخل الفقهي العام 2/997-999.

ص: 256