الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثالثة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً
.
وردت هذه القاعدة بعدة صيغ من أشملها هذه الصيغة المذكورة، وهي لفظ السيوطي1، وابن النجيم2، وذكرها السبكي بنحو هذا اللفظ3.
وخصها ابن رجب4 بالعبادات، فقال:"إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما واكتفى فيهما بفعل واحد"5.
1 انظر: الأشباه والنظائر له ص126.
2 انظر: الأشباه والنظائر له ص32.
3 انظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/95.
4 هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي الحنبلي (زين الدين) ولد سنة 736هـ، وتوفي سنة 795هـ. انظر: الدرر الكامنة 2/428-429، وشذرات الذهب 6/339.
5 القواعد لابن رجب ص236.
وبهذا المعنى ذكرها ابن سَعْدي1 أيضا.
وقد أشار إليها الزركشي تحت عنوان: التداخل يدخل في ضروب2.
وأشار إليها القرافي لدى تفريقه بين تداخل الأسباب وتساقطها3.
ووردت عند غير ما تقدم ذكرهم بصيغ أخرى مقاربة4.
معاني المفردات:
أمران: الأمر في اللغة: مصدر أمر يأمر، وهو هنا بمعنى الشأن أو الشيء، ويأتي لعدة معان منها، أنه ضد النهي5.
1 انظر: القواعد والأصول الجامعة ص90، ورسالة القواعد الفقهية ص48.
وابن سَعْدي هو: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي من علماء الحنابلة، ولد بعنيزة – من بلاد القصيم – سنة 1307هـ، وتوفي بها سنة 1376هـ. من مؤلفاته:[تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان]، و [الإرشاد إلى معرفة الأحكام] . انظر: علماء نجد خلال ستة قرون 2/422-431، وكتاب [الشيخ بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة] ص13 فما بعدها.
2 انظر المنثور: 1/269.
3 انظر: الفروق 2/29-31.
4 انظر: القواعد والفوائد للعاملي 1/43، 2/223، والقواعد للمقري 2/595، 612.
5 انظر: مقاييس اللغة 1/137، والمفردات ص24 (أمر) ، والمحصول ج1 ق2/22،45.
جنس: الجنس في اللغة: الضَّرب من الشيء وهو أعم من النوع1.
وفي الاصطلاح: عرّف بأنه كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ماهو2.
المعنى الإجمالي:
يقصد بهذه القاعدة، أنه إذا تعلق بذمة المكلف واجبان أو أكثر، أو لزمه حدّان أو أكثر، أو اجتمع في وقت واحد واجب ومندوب أو أكثر أو نحو ذلك3، وكانت هذه الواجبات، أو الحدود ونحنها من جنس واحد، ومقصودها والمراد منها واحدًا فإن أحدهما يدخل في الآخر غالبا، فإن كانت رُتَبُها مختلفة دخل الأدنى منها في الأعلى وأغنى فعله عن فعل الأدنى، وإن كانت متساوية أغنى فعل أحدها عن غيره.
فمثال اجتماع الواجبين، أن يجب على المرأة غسل الجنابة وغسل الحيض، أو أن يجب على المكلف الغسل والوضوء، ومثال اجتماع الحدين، أن يتكرر الزنا، أو القذف أو نحوهما من المكلف
1 الصحاح 3/915 (جنس) .
2 التعريفات ص78.
3 يمكن تصوّر التداخل في صور أخرى وليس المراد استقصاء صور التداخل. انظر: المنثور 1/269-277، والقواعد لابن رجب ص24.
قبل إيقاع الحد عليه.
ومثال اجتماع الواجب مع المندوب، أن يدخل الإنسان المسجد وقد أقيمت الصلاة، فإنه يدخل في الصلاة وتغنيه عن تحية المسجد1.
الأدلة:
يذكر كثير من الفقهاء هذه القاعدة - وغيرها - مجردة عن دليل شرعي صريح فيها. ويمكن الاستدلال لها.
أولا: بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة2 رضي الله عنها وقد أحرمت قارنة-: "يَسَعُك طوافك لحجك وعمرتك"3، وما ورد بمعناه4، حيث أقام
1 بناءً على رأي الجمهور أن تحية المسجد سنة، وقد ذهب البعض إلى وجوبها استنادا إلى ظاهر الأمر. انظر: نيل الأوطار 3/82-84.
2 هي: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت سبع أو بنت ست، ودخل بها وهي بنت تسع، توفيت سنة 58هـ. انظر: اسد الغابة 5/501-504، والإصابة 8/16-21.
3 رواه مسلم. صحيح مسلم مع النووي 8/156 (الحج، باب وجوه الإحرام) .
4 انظر: صحيح البخاري مع الفتح 3/577 (الحج / طواف القارن) ، والمرجع السابق، والمغني 5/347-348.
أحد الطوافين مقام الآخر، وكذلك السعي1.
ثانيا: النظر إلى التعليل؛ فإن الناظر فيما قيّد به الفقهاء حكم هذه القاعدة يَلْمَحُ مبناها، فقد قيدوا الأفعال التي تتداخل بأن تكون من جنس واحد، وأن يكون مقصودها واحدًا. وهذا يدل على أن سبب إغناء أحد الفعلين عن الآخر هو تحقق المصلحة المرادة بفعل أحدهما، وذلك أقرب إلى مقصود الشريعة وهو التيسير. ولذا فقد علل ابن قدامة دخول طواف العمرة في طواف الحج - بالنسبة للقارن - بأنه ناسك يكفيه حلق واحد ورمي واحد2، وبأنهما عبادتان من جنس واحد فإذا اجتمعت دخلت الصغرى في الكبرى3. وهذا يشعر بأن سبب التداخل هو حصول المقصود بفعل أحدهما4، والله أعلم.
العمل بالقاعدة:
لقد ذهب عامة الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى العمل بهذه القاعدة
1 انظر: فتح الباري 3/577، وشرح النويي على صحيح مسلم 8/156.
2 من المعلوم أنه لا رمي في العمرة فيصح كلام ابن قدامة باعتبار أنه نظر إلى الواقع من المكلف، لا على أنه وجب عليه رميان فتداخلا.
3 انظر: المغني 5/348.
4 انظر: في هذا المعنى: القواعد للمقري 2/595، والمنثور 1/269.
وإن اختلفوا في تطبيقها على بعض لبفروع، فقد تقدم تصريح فقهاء المذاهب بها، ونقل ابن المنذر1 الإجماع على أنه إذا سرق السارق عدة مرات وقدم إلى الحاكم في آخر السرقات فإن قطع يده يجزئ عن ذلك كله2.
وقد استثنى بعض الفقهاء من حكم هذه القاعدة صورا، وسبب ذلك - في الغالب - عدم انطباق شروط وقيود القاعدة على تلك الصور3.
من فروع القاعدة:
1-
إذا اجتمع حدث أصغر وجنابة كفى الغسل4.
1 هو: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، ولد في حدود وفاة الإمام أحمد ابن حنبل (أي في حدود سنة 204هـ) ، وتوفي بمكة سنة 309هـ، أو 310هـ. من مؤلفاته:[الإشراف في اختلاف العلماء] ، و [الأوسط في السنن، والإجماع، والاختلاف] . انظر: سير أعلام النبلاء 14/490، وطبقات الشافعية الكبرى 3/102-108.
2 انظر: الإجماع لابن المنذر ص68.
3 انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص126، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص132-134.
4 انظر: المبسوط 1/44، وشرح الخرشي 1/168، ونهاية المحتاج 1/230، وزاد المستقنع مع الشرح الممتع 1/308-309.
2-
إذا اجتمع موجبان للغسل فنواهما أجزأه عنهما1.
3-
لو صلى عقب الطواف فريضة أجزأت عن ركعتي الطواف على خلاف في ذلك2.
وجه التيسير:
التيسير في هذه القاعدة ظاهر وذلك أنه يسقط عن المكلف بعض ما لزمه، ويحصل له ثواب المندوب عند تداخل الأسباب مراعاة من الشارع الحكيم لمقصود هذه التكاليف الذي يحصل بفعل أحدها، ومراعاة لمبدأ التيسير على العباد ودفع المشقة عنهم.
1 انظر: المبسوط 1/44، والخرشي 1/168، ونهاية المحتاج 1/230، والمغني 1/292، وزاد المستقنع مع الشرح الممتع 1/308-309.
2 انظر تفصيل المسألة في: رد المحتار 1/499، والفواكه الدواني 1/*370، والمجموع 8/56، والمغني 5/233.