المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ال‌ ‌تمهيد: لقد دأب غالب المحدثين الذين حققوا كتبا في القواعد الفقهية - القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير - جـ ١

[عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌القسم الأول: القواعد

- ‌القاعدة الأولى: الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد

- ‌القاعدة الثانية: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان

- ‌القاعدة الثالثة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً

- ‌القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتححصيل أعلى المصالح وردء أعلى المفاسد

- ‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولّينا أقلهم فسوقاً

- ‌القاعدة السادسة: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق

- ‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله

- ‌القاعدة الثامنة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم

- ‌القاعدة التاسعة: الأصل في العادات العفو

- ‌القاعدة العاشرة: الإكراه يُسْقط أثر التصرف، فعلا كان أو قولا

- ‌القاعدة الحادية عشر: الأمور بمقاصدها

- ‌القاعدة الثانية عشر: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا

- ‌القاعدة الثالثة عشر: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة

- ‌القاعدة الرابعة عشر: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل

- ‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

- ‌القاعدة السادسة عشر: حقوق الله مبنية على المسامحة

- ‌القاعدة السابعة عشر: الحوائج الأصلية للإنسان لاتعد مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الثامنة عشر: الضرر يزال

- ‌القاعدة التاسعة عشر: الضرورات تبيح المحظورات

- ‌القاعدة العشرون: العادة محكّمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهية

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: الفعل الواحد يُبْنَى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: الفعل ينوب عن القول مع القرينة في صور

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: لا يجوز التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمَّن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد إلا إذا أمكن تدارك هذا الضرر

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: ما قبض أو عقد في حال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيئ محرم في الإسلام

- ‌القاعدة السابعة والعشرون ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان فإنا نقبل قوله فيه

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: ما لا يمكن التحرز منه يكون عفوا

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه هل يتضيق

- ‌القاعدة الثلاثون: ما يحصل ضمنًا إذا تُعُرِّض له لا يضر

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: المتولد من مأذون فيه لا أثر له

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: المشقة تجلب التيسير

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيئ يقوم مقام كله

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظاً لا يعرف معناه لم يؤخذ بمقتضاه

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من تصرف مستندًا إلى سبب، ثم تبين أنه غيره وهو موجود فتصرفه صحيح

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون: من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع منه في بعض الصور

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيئ صح توكيله فيه غيره، وتوكّله فيه عن غيره، ومن لا فلا

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون: من عليه فرض موسع الوقت يجوز له التنفل -قبل أدائه- من جنسه

- ‌القاعدة الأربعون: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها وكان المقدور عليه غير مقصود في العبادة، أو كان جزءًا من العبادة. لكنه عند انفراده ليس بعبادة، لم يلزم الإتيان به

- ‌القاعدة الحادية والأربعون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه وإن كان السبب خفيا فليس له ذلك

- ‌القاعدة الثانية والأربعون النسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقا

الفصل: ال‌ ‌تمهيد: لقد دأب غالب المحدثين الذين حققوا كتبا في القواعد الفقهية

ال‌

‌تمهيد:

لقد دأب غالب المحدثين الذين حققوا كتبا في القواعد الفقهية على أن يقدموا بين يدي تحقيقاتهم دراسات عن تعريف القاعدة الفقهية، وبيان الفرق بينها وبين ما يشترك معها في بعض مدلولها كالضابط الفقهي، والنظرية الفقهية، وعن نشأة هذا العلم وتطوره، والمراحل التي مرّ بها، ومصنفات العلماء في هذا الفن، وأهمية هذه القواعد ونحو ذلك1.

كما قدم بعض المؤلفين المتقدمين لكتبهم بشيء من هذا2، فنتج من ذلك دراسات وافية شاملة لهذا الموضوع.

هذا بالإضافة إلى الدراسة المستفيضة التي قدمها الدكتور علي بن أحمد الندوي3 في هذا الباب بعنوان [القواعد الفقهية.

1 من ذلك - على سبيل المثال - مقدمة تحقيق المنثور 1/9-39، ومقدمة تحقيق قواعد المقري 1/103-144، ومقدمة تحقيق أيضاح المسالك ص109-126، ومقدمة تحقيق الأشباه والنظائر لابن الوكيل 1/13-24.

2 من ذلك - على سبيل المثال - الأشباه والنظائر للسبكي 1/3-11.

3 هو: الدكتور علي بن أحمد الندوي باحث معاصر. من مؤلفاته كتابين مطبوعان هما في الأصل رسالتاه للماجستير، وللدكتوراه اللتان حصل عليهما من جامعة أم القرى بمكة المكرمة [القواعد الفقهية مفهومها ونشأتها

] ، و [القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير] . راجع دليل الرسائل الجامعية في المملكة ص349 (رقم 5399) ، وص350 (رقم5407) ، ومقدمة كتابه القواعد الفقهية ص11.

ص: 31

مفهومها، نشأتها، تطورها، دراسة مؤلفاتها، أدلتها، مهمتها، تطبيقاتها] .

لهذا رأيت أن الكتابة في هذا الموضوع قد تكون من باب التكرار، وتحصيل الحاصل وأني قد كُفيت الكتابة فيه.

إلا أنني رأيت أن لا أخلي هذا الكتاب وعنوانه [القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير]- عن تعريف القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي وبيان لما فرق به العلماء بينهما، وعن بيان للمراد بالتيسير.

كما رأيت أنه من المناسب أن أقدم -بين يدي الموضوع - موجزا لبعض ما كتب في موضوع التيسير لأخلص من ذلك إلى بيان الفرق بين مضمون تلك الكتب، ومضمون هذا الكتاب.

فضمنت هذا التمهيد ثلاث مباحث:

المبحث الأول: في تعريف القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي وبيان الفرق بينهما.

ص: 32

والمبحث الثاني: في بيان معنى التيسير والمراد به في الشريعة.

والمبحث الثالث: في عرض موجز لبعض ما كتب في موضوع التيسير ومقارنة مضمونها بمضمون هذا الكتاب.

المبحث الأول: أولا: تعريف القاعدة الفقهية:

القاعدة الفقهية مصطلح مركب - تركيبا وصفيا -- من كلمتين ((القواعد)) ، و ((الفقهية)) ، وتعريف القاعدة الفقهية ينبني على تعريف كل من جزأي المركب على حده.

فالقاعدة لغة: وزن فاعله من قعد، والقعود يضاهي الجلوس وهو نقيض القيام. على أن بعض أهل اللغة يفرقون بين الجلوس، والقعود من حيث أن القعود يكون من القيام، والجلوس من الضجعة، ومن السجود.

وذكر بعض أهل اللغة أن القعود من ألفاظ الأضداد. يقال: قعد

ص: 33

إذا قام، ويقال: قعد إذا جلس.

والقاعدة أصل الأسّ، وقواعد البيت أساسه، وتجمع القاعدة على قواعد، وتطلق على القواعد الحسية كما في قوله تعلى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ

} 1، وقوله عز وجل: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ

} 2، وتطلق القاعدة - مجازا - على غير الحسية كقولك: قواعد الشرع ونحوه3.

وأما في الاصطلاح فالقاعدة: ((قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها)) . وتسمى جزئياتها فروعا4.

والفقهية: نسبة إلى الفقه. والفقه لغة: فهم الشيء والعلم به5.

1 البقرة (127) .

2 النحل (26) .

3 انظر: مقاييس اللغة 8/108-109، والصحاح 2/525، ولسان العرب 11/236، والقاموس المحيط 1/328 (قعد) .

4 الكليات ص728.

5 الصحاح 6/2243، والقاموس المحيط 4/289، (فقه) .

ص: 34

وفي الاصطلاح هو: "العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسب من أدلتها التفصيلية"1، وعرّف بتعريفات أخرى2.

أما تعريف القاعدة الفقهية باعتبارها علما على هذا النوع من القواعد فقد اختلفت عبارات العلماء في التعبير عنها، وإن المتأمل لتعريفات الفقهاء ليجد أن الغالب أنهم يعرفون القاعدة من حيث هي قاعدة لا من حيث اختصاصها بهذا الوصف - أعني الفقهية - فقد قال السبكي3: "فالقاعدة: الأمر الكلي4 الذي ينطبق

1 التعريفات ص168.

2 انظر: شرح الكوكب المنير 1/40، وأنيس الفقهاء ص308.

3 هو: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري السبكي (تاج الدين) ولد في القاهرة سنة 727هـ، وتوفى سنة 771هـ. له مؤلفات عديدة منها:[جمع الجوامع] في أصول الفقه، و [طبقات الشافعية الكبرى] . انظر الدرر الكامنة 3/39-41، وحسن المحاضرة 1/328.

4 الكلي لغة: نسبة إلى الكل و"الكل" لفظ واحد ومعناه جمع، ويدل على ضم أجزاء الشيء.

وفي الاصطلاح عرف، بأنه ىما لا يمنع تعقل معناه من وقوع الشركة فيه كالإنسان والحيوان ونحو ذلك، وعرف بأنه المفرد الذي لا يمنع تعقل مدلوله من حمله حمل مواطأة على أفراد كثيرة. انظر: الصحاح 5/1812 ((كلل) ، والمفردات ص437 (كل) ، ،آداب البحث والمناظرة 1/16.

ص: 35

عليه جزئيات1 كثيرة يفهم أحكامها منها"2

وقال ابن خطيب الدهشة3: "القاعدة حكم كليّ ينطبق على جميع جزيئاته لتعرف أحكامها منه"4.

1 الجزئيات: جمع جزئي وهو لغة منسوب إلى الجزء. يقال: جزأت الشيء جزءا قسمته وجعلته أجزاء، وجزء الشيء ما يتقوم به جملته كأجزاء السفينة.

وفي الاصطلاح: هو ما يمنع تعقل معناه من وقوع الشركة فيه، وهو نوعان: جزئي حقيقي وجزئي إيضافي، فالحقيقي هو العلم بنوعيه علم الجنس، وعلم الشخص. والإضافي هو كل كلي يندرج في كلي أعم منه كالإنسان بالنسبة إلى الحيوان. انظر: الصحاح 1/17-18 والمرشد السليم في المنطق الحديث والقديم ص58-60.

2 الأشباه والنظائر للسبكي 1/11.

3 هو: أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد الهمذاني الشافعي وشهرته (ابن خطيب الدهشة) ؛ لأن والده كان خطيبا لجامع الدهشة..، ولد سنة 750هـ وتوفى سنة 834هـ. من مؤلفاته [إغاثة المحتاج] في الفقه، و [تحفة ذوي الأرب في مشكل الأسماء والنسب] وهو في ضبط رجال الصحيحين والموطأ. انظر: الضوء اللامع 10/129-131، وإنباء الغمر 3/468، وانظر: مقدمة كتاب المصباح المنير للفيومي (وهو والد المترجم) بتحقيق عبد العظيم الشناوي /ح.

4 مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي 1/64.

ص: 36

وقال الخامدي1: "القاعدة في اصطلاح: حكم كلي ينطبق على جميع جزيئاته ليُتَعرَّف به أحكام الجزئيات والتي تندرج تحتها من الحكم الكلي"2.

وقد اعتبر بعض الباحثين هذه التعريفات للقاعدة الفقهية فاعترضوا عليها من جهتين:

الأولى: أن القاعدة الفقهية أغلبية وليست كلية، لأن القاعدة الفقهية كثيرا ما يند عنها بعض فروعها وتستثنى منها.

والثانية: أن هذه التعريفات ليست فيها ما يحدد نوع الجزئيات الداخلة تحتها، فهي تعريفات للقاعدة عموما لا للقاعدة الفقهية خاصة3.

1 هو: أبو سعيد محمد بن محمد بن مصطفى الخامدي، أورده عمر رضا كحالة مرة بهذا الاسم، ومرة باسم، محمد بن مصطفى، ولد سنة 1113هـ. من مؤلفاته:[مجامع الحقائق وشرحه منافع الدقائق] في أصول الفقه، و [حاشية على درر الحكام] . انظر: الأعلام 7/68، ومجمع المؤلفين 11/301، 12/31.

2 هكذا لفظه. خاتمة مجامع الحقائق ص305.

3 انظر: القواعد الفقهية للندوي ص41-45، ومقدمة تحقيق قواعد المقري لابن حميد 1/105-106.

ص: 37

والذي يظهر لي أن من عرَّف القاعدة بما تقدم من تعريفات لم يرد تعريف القاعدة الفقهية خاصة، وإنما أراد تعريف القاعدة بعمومها، ثم يتعين المراد منها بما تضاف إليه أو توصف به.

ويدل على هذا تمثيل الخادمي للقاعدة - بعد ذكره التعريف السابق - بقاعدة ((الأمر للوجوب)) وهي قاعدة أصولية، وقوله - بعد ذلك -:"قيل: هذا غير الفقهاء، وأما عندهم فحكم أكثري ينطبق على أكثر جزئياته. لكن المختار كون القواعد أعم من أن تكون كلية أو أكثرية"1.

وحينئذ فإنه لا اعتراض على تلك التعريفات من جهة عدم انطباقها على القاعدة الفقهية. وإنما يكون الاعتراض من جهة عدم تعريفهم للقاعدة الفقهية.

كما أنه يمكن - من جهة أخرى - أن يقال: إنه لا يمتنع أن يطلق على القاعدة الفقهية وصف الكلية2 وإن كانت في واقعها أغلبية من حيث أنها كلية بالقوة. أي أنها من حيث الصيغة صالحة لشمول

1 انظر: خاتمة مجامع الحقائق ص305.

2 الكلية: لغة نسبة إلى الكل وقد تقدم معناه قريبا. وفي الاصطلاح: هي الحكم على كل فرد من أفراد الموضوع الداخلة تحت العنوان كقولك كل إنسان حيوان. انظر: آداب البحث والناظرة 1/21.

ص: 38

جميع جزئياتها، وإنما يستثنى منها ما دل الدليل على خروجه عن حكمها ليدخل في قاعدة أخرى غالبا1.

وعلى كل فقد عرف بعض المعاصرين القاعدة ببعض التعريفات التي حاولوا بها تفادي تلك الاعتراضات ومن ذلك:

تعريف الدكتور أحمد بن حميد2 لها بأنها: "حكم أغلبي يتعرف منه حكم الجزيئات الفقهية مباشرة"3

وتعريف الدكتور الندوي لها بأنها: "أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل

1 انظر: مقدمة الأشباه والنظائر لابن الوكيل 1/18-19، والكليات ص728.

2 هو الدكتور أحمد بن (الشيخ) عبد الله بن حميد عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، ومن كتبه المطبوعة:[تحقيق ودراسة القواعد للمقري (قسم العبادات) ] وأصله رسالة دكتوراه، ورسالته في الماجستير بعنوان (مرض الموت وأثره في التصرفات في الفقه الإسلامي) . راجع دليل الرسائل الجامعية في المملكة ص349 (رقم 5405) ، 375 (رقم 5808) وقد جاء فيه أن جهة عمله الجامعة الإسلامية وهو خطأ.

3 مقدمة تحقيق القواعد للمقري 1/106-107.

ص: 39

تحت موضوعه"1.

وهذا التعريف الأخير - كماهو ظاهر - لم يتحاش وصف القاعدة الفقهية بالكلية؛ لأنه يرى أن الكلية نسبية لا شمولية2.

ثانيا: تعريف الضابط الفقهي:

الضابط لغة: اسم فاعل من ضَبَطَ، والضبط لزوم الشيء وحسبه، وضَبْطُ الشيء حفظه بالحزم، والرجل ضابط أي حازم3.

وأما في الاصطلاح: فيمكن تعريفه بأنه حكم أغلبي يتعرف منه أحكام الجزئيان الفقهية المتعلقة بباب واحد من أبواب الفقه مباشرة4، فهو يشترك - في معناه الصطلاحي - مع القاعدة الفقهية في أن كلا منهما يجمع جزئيات متعددة يربط بينها رابط فقهي5.

1 القواعد الفقهية للندوي ص45.

2 انظر: المرجع السابق.

3 انظرالصحاح 3/1139، ولسان العرب 8/15-16 (ضبط)

4 هذا التعريف مستقى من تعريف الدكتور أحمد بن حميد السابق للقاعدة راجع ص39

5انظر: القواعد الفقهية للندوي ص46، ومقدمة تحقيق قواعد المقري 1/108

ص: 40

ثالثا: الفرق بينهما:

من أشهر وأضهر ما فُرّق به بين القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي، أن القاعدة تشمل فروعا من أبواب متعددة من أبواب الفقه.

أما الضابط فيشمل فروعا من باب واحد من أبواب الفقه1 على أن من العلماء من يطلق على الضابط قاعدة، وقد يطلق العكس2؛ لتقارب معنييهما؛ ولأنه ليس لإطلاق مصطلح ((القاعدة)) ، أو ((الضابط)) على صيغة ما تأثير في قوة استنباط الحكم منها أو ضعفه، والتفرقة بينهما إنما هي تفرقة اصطلاحية.

المبحث الثاني: أولا: بيان معنى التيسير:

التيسير في اللغة: مصدر يسّر ومادته (ي - س - ر) ، واليُسْر هو اللين والنقياد وهو ضد العُسْر3.

1 انظر: الأشباه والنظائر لابن النجيم ص166، وشرحه غمز عيون البصائر 1/38، وحاشية البناني 2/290، والقواعد الفقهية للندوي ص46، ومقدمة تحقيق قواعد المقري 1/108

2 انظر: القواعد الفقهية للندوي ص50-51

3 انظر: الصحاح 6/857، ولسان العرب 15/445 (يسر)

ص: 41

وقد ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية - في مواضع لا تكاد تنحصر - ما يدل على يسر هذا الدين وسهولته. فيُعَبّر عن هذا المعنى - أحيانا - باليسر كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

} 1.وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه

"2.

ويعبر عنه - تارة - برفع الحرج كما في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

} 3، وروي عن ابن عباس4 رضي الله عنهما أنه قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير

1 البقرة (185) .

2 أخرجه الإمام البخاري. صحيح البخاري مع الفتح 1/116 (الإيمان / الدين يسر

) .

3 الحج (78) .

4 هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي (أبو العباس) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بخمس سنين، وتوفى - على الراجح - سنة 68هـ. انظر: أسد الغابة 3/192-195، والإصابة 4/141/152.

ص: 42

خوف ولا مطر قال - أي الراوي - لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته"1

كما يعبر عنه - في مواضع لأخرى - بالوسع كما في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا

} 2، وكما في الرواية الأخرى للحديث السابق "

قالوا: يا أبا عباس ما أراد بذلك؟ قال: التوسع على أمته"3.

وقد يعبر عنه برفع المشقة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"4.

ثانيا: المراد بالتيسير في الشريعة:

قبل بيان ما يراد بالتيسير في الشريعة لا بد من القول: إن

1 أخرجه الإمام مسلم. صحيح مسلم مع النووي 5/216-217 (صلاة المسافرين / جواز الجمع بين الصلاتين في السفر) .

2 البقرة (286) .

3 أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/346، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. انظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر 5/81.

4 متفق عليه، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري مع الفتح 2/435 (الإيمان / الجمعة) وصحيح مسلم مع النووي 3/143، (الطهارة / السواك) .

ص: 43

اليسر (أو التيسير) أمر نسبي فقد يطلق على ماهو في حدود طاقة الإنسان وإن كان فيه حرج وعنت، وقد يطلق على ماهو في وسع الإنسان بحيث يتمكن من امتثال التكليف دون حرج أو عنت. والذي يظهر من النظر في الرخصة الشرعية بل وفي كل التكاليف أن المراد بالتيسير في الشريعة - غالبا - هو كون الأمر بحيث يمكن امتثاله دون حرج أو مشقة، فإن المكلف يطيق أكثر مما كلف به من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج وغيرها، والرخصة لم تُعَلَّق بعدم القدرة على امتثال الأصل - غالبا - كرخصة قصر الصلاة في السفر، وإباحة الفطر، والمسح على الخفين وغير ذلك، وهذا ما يدل عليه تفسير العلماء لليسر في القرآن الكريم1.

على أننا نجد من المفسرين من يفسر الوسع في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} 2 بالطاقة والجهد فيقول: إن معنى الآية: أن الله تعلى لم يكلف بما يخرج عن طاقة المكلف3 ومنهم من يفسر ذلك بأن الله تعالى لم يكلف الإنسان

1 انظر: تفسير القرآن العظيم 1/223، والجامع لأحكام القرآن 2/301، وتفسير القاسمي 3/427، وفتح القدير 1/183.

2 البقرة (286) .

3 انظر: تفسير القرآن العظيم 1/350، والجامع لأحكام القرآن 3/429.

ص: 44

بما يشق عليه وإن كان في طاقته1.

ولا تعارض بين التفسيرين، فإن الله تعالى لم يكلف بما لا يطاق، ولم يكلف بما يشق ويعسر وما يظهر في بعض التكاليف من مشقة ظاهره فإن تلك المشقة تُغْمَرُ في مقابل ما يترتب عليها من أجر.

المبحث الثالث: ذكر بعض المؤلفات في موضوع التيسير في الشريعة، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين مضمونها ومضمون هذا الكتاب

إن الداعي لهذه المقارنة هو التشابه، بين مدلول عنوان هذا الكتاب وعناوين تلك الكتب، وتقارب معانيها مما قد يُظن معه تطابق محتواها.

ثم إن الكتب التي رأيت أن أعرض مجمل موضوعاتها وأشير إلى الفرق بين مضمونها ومضمون هذا الكتاب هي:

1) كتاب (رفع الحرج، ضوابطه وتطبيقاته) للدكتور صالح بن

1 انظر: جامع البيان 2/497، وفتح القدير 1/307، وانظر: كتاب المشقة تجلب التيسير ص57-60.

ص: 45

عبد الله بن حميد1.

2) وكتاب (رفع الحرج في الشريعة الإسلامية) للدكتور يعقوب ابن عبد الوهاب الباحسين2. وهما في الأصل رسالتان قدمتا لنيل درجة الدكتوراه.

1 هو الدكتور صالح بن ((الشيخ)) عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حميد حاصل على الماجستير والدكتوراه في الشريعة الإسلامية / فرع الفقه والأصول من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو إمام وخطيب المسجد الحرام، شغل عدة وظائف علمية بجامعة أم القرى، ثم عين نائبا للرئيس العام لشئون المسجد الحرام، والمسجد النبوي للشئون الإدارية، وهو الأن عضو في مجلس الشورى بالمملكة، وعين أخيرا رئيسا للرئاسة العامة لشئون المجسد الحرام والمسجد النبوي. من مؤلفاته [أدب الخلاف] ، و [من خطب المسجد الحرام] ، كتاب [رفع الحرج] ، وهو رسالته في الماجستير، ورسالته في الدكتوراه بعنوان:[القيود الواردة على الملكية]، انظر: نشر الرباحين في تاريخ البلد الأمين 1/226-231، ودليل الرسائل الجامعية ص 267 (رقم 4114) ، 353 (رقم 5455) .

2 هو الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ولد في الزبير عام 1347هـ، تعليمه الجامعي والعالي في كلية الشريعة بالأزهر متخصص في أصول الفقه، حصل على الدكتوراه عام 1394هـ، عمل في البصرة مدرسا في المرحلة الثانوية عام 1371هـ، ودرس في جامعة البصرة عام 1388هـ، ثم عمل في جامعة الإمام أستاذا مساعدا، ثم مشاركا، شارك في بعض المؤتمرات والحلقات الدراسية. من مؤلفاته [أصول الفقه الحد والموضوع والغاية]، و [التخريجح عند الفقهاء والأصوليين] . انظر: موسوعة أسبار للعلماء والمتخصصين في الشريعة الإسلامية 3/1204-1205.

ص: 46

3) وكتاب (المشقة تجلب التيسير دراسة نظرية وتطبيقية) للدكتور صالح بن سليمان اليوسف1. وهو في أصله رسالة ماجستير، وسأعرض أولا مجمل مباحث كتابي: رفع الحرج للدكتور/ صالح بن حميد، وللدكنور يعقوب الباحسين مبينا أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، ثم أحاول أن أخلص من خلال ذلك إلى بيان الفرق بين مضمونهما ومضمون هذا الكتاب، ثم

1 هو الدكتور صالح بن سليمان بن محمد اليوسف عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ولد في البكيرية عام 1374هـ، حصل على الماجستير والدكتوراه من قسم أصول الفقه بجامعة الإمام، عمل رئيسا لقسم أصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام عام 1415هـ، رسالته للماجستير بعنوان:[المشقة تجلب التيسير] ، ورسالته للدكتوراه بعنوان [نهاية الوصول إلى علم الأصول لصفي الدين الهندي الجزء الأول تحقيق ودراسة]، انظر: موسوعة أسبار للعلماء والمتخصصين في الشريعة الإسلامية ص388 (رقم 6002) ، ص442 (رقم 6854) .

ص: 47

أورد مجمل موضوعات كتاب: المشقة تجلب التيسير، وأقارن بين مضمونه ومضمون هذا الكتاب.

أولا: كتاب رفع الحرج للدكتور ابن حميد، والدكتور الباحسين: لقد اختلفت طريقة الباحثين في عرض مادة كتابيهما، واختلفت وجهة نظريهما في إدراج بعض المباحث والفروع تحت أبوابها.

لذا فإنني سأعرض مجمل مباحثهما بصرف النظر عن اندراجها تحت أي باب من أبواب الكتاب.

يشترك الكتابان:

1) في بحث معنى الحرج ورفعه في الشريعة، والتوسع في ذلك1.

2) كما يشتركان في عرض الأدلة الدالة على رفع الحرج نصوصا كانت أو إجماعا، أو معقولا2.

3) وفي بحث علاقة قاعدة ومبدأ رفع الحرج مع الأدلة وتعارضهما3.

1 انظر: رفع الحرج للباحسين ص8-48، ولابن حميد ص42-50.

2 انظر: رفع الحرج للباحسين ص 61-،110 ولابن حميد ص59-93.

3 انظر: رفع الحرج للباحسين ص 121-136، ولابن حميد ص 277-326.

ص: 48

4) وفي مناقشة العلاقة بين رفع الحرج ومبدأ الاحتياط1.

5) وفي بيان مدى العلاقة بين الأجر والمشقة2.

6) وفي بيان أسباب التخفيف وعوارض الأهلية3.

وانفرد الدكتور ابن حميد بإفراد باب في مظاهر التيسير في الأحكام بيّن فيه أوجها من التيسير في العبادات، والمعاملات، والعقوبات، وضمّنه ذكر أقسام الرخصة وأنواع التخفيف، وذكر ضمن هذا الباب قاعدتين فقهيتين هما:((الأصل في المنافع الإباحة)) ، و ((الأصل في المضار التحريم)) 4.

وانفرد الدكتور الباحسين بذكر باب في الأدلة، والقواعد الأصولية المنبنية على رفع الحرج فعدّ في ذلك المصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادة، وجعل فيه فصلا للترجيح برفع الحرج5.

1 انظر: رفع الحرج للباحسين ص137-161، ولابن حميد ص 327-345.

2 انظر: رفع الحرج للباحسين ص164-179، ولابن حميد ص347-358.

3 انظر: رفع الحرج للباحسين ص241-316، ولابن حميد ص167-275.

4 انظر: رفع الحرج لابن حميد ص95-165.

5 انظر: رفع الحرج للباحسين ص317-530.

ص: 49

كما انفرد بذكر باب في القواعد الفقهية المنبنية على رفع الحرج ذكر فيه خمسا من القواعد المشهورة هي:

1) ((الأصل في المنافع الإباحة)) .

2) ((الأصل في المضار التحريم)) .

3) ((المشقة تجلب التيسير)) .

4) ((الضرورات تبيح المحضورات)) .

5) ((الإسلام يجب ما قبله)) .

وأضاف إلى ذلك ثلاث مباحث أحدها في الرخصة، والثاني في التوبة، والثالث في الكفارات1.

وغني عن القول - بعد هذا - أن ما اشترك فيه الكتابان عنوانا قد يختلفان فيه في بعض المضمون، وما انفرد به كلّ منهما عنوانا قد يتضمن نقاط اشتراك.

ومما تقدم يمكن القول: إن الكتابين بحثا في موضوع رفع الحرج من الوجهة الأصولية، أو على سبيل الإجمال ولم يكن من مقصودهما

1 انظر: رفع الحرج للباحسين ص531-669.

وقد عدّ المؤلف هذه المباحث الثلاثة الأخيرة ضمن القواعد المبنية على رفع الحرج، والأقرب اعتبارها نظريات فقهية على ماهو المصطلح في ذلك. راجع: القواعد الفقهية للندوي ص53-57.

ص: 50

حصر القواعد الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع والكلام عليها تفصيلا.

وبهذا يتبين الفرق بين موضوع ذينك الكتابين، وموضوع هذا الكتاب؛ لأن المقصود هنا بحث التيسير أو رفع الحرج بالكلام على كل قاعدة أفادت هذا المعنى تفصيلا.

ثانيا: كتاب المشقة تجلب التيسير:

وهذا الكتاب عنوانه ظاهر في أن موضوعه هو هذه القاعدة الكبرى حيث فصّل المؤلف القول في هذه القاعدة من خلال بابي الكتاب فبحث معنى القاعدة1، وأدلتها2، وأقسام المشقة3، وأسباب التخفيف4، وتقسيماته5، وأنواعه6، ثم عرض لبعض أحكام المشقة من حيث قصد المكلف لها والأجر عليها7، ثم أفرد فصلا لذكر القواعد الدالة على التيسير فذكر

1 انظر: المشقة تجلب التيسير ص39-60.

2 انظر: المرجع السابق ص61-103.

3 المرجع السابق ص105-120.

4 المرجع السابق ص121-302.

5 المرجع الساب ق ص303-330.

6 المرجع السابق ص333-338.

7 المرجع السابق ص339-369.

ص: 51

من ذلك ((إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق)) ، و ((الضرورات تبيح المحضورات)) ، و ((الضرورة تقدر بقدرها)) ، و ((الحاجة تنزل منزلة الضرورة)) ، كما ذكر القاعدتين الدالتين على التخفيف من حيث الأصل قاعدة ((الأصل في المنافع الإباحة)) ، وقاعدة ((الأصل في المضار التحريم)) ، وبيّن أثر هذه القواعد في الفروع1.

ومن خلال هذا العرض لمحتوى الكتاب (المشقة تجلب التيسير) يتبيّن الفرق بين مضمونه ومضمون هذا الكتاب.

يضاف إلى هذا، أن هذه الكتب الثلاثة ركزت على التيسير بمعنى رفع المشقة وهذا إنما يكون - في الغالب - فيما هو مطلوب للشرع جزما، ثم يرد التخفيف فيه للعذر الطارئ، وأما التيسير المراد هنا فهو أعم من هذا المعنى، فإن التمكين من زيادة الأجر وتحصيل الثواب ونحو ذلك، والله أعلم.

1 انظر: المشقة تجلب التيسير ص371-580.

ص: 52