المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولينا أقلهم فسوقا - القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير - جـ ١

[عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌القسم الأول: القواعد

- ‌القاعدة الأولى: الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد

- ‌القاعدة الثانية: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان

- ‌القاعدة الثالثة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً

- ‌القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتححصيل أعلى المصالح وردء أعلى المفاسد

- ‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولّينا أقلهم فسوقاً

- ‌القاعدة السادسة: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق

- ‌القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله

- ‌القاعدة الثامنة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم

- ‌القاعدة التاسعة: الأصل في العادات العفو

- ‌القاعدة العاشرة: الإكراه يُسْقط أثر التصرف، فعلا كان أو قولا

- ‌القاعدة الحادية عشر: الأمور بمقاصدها

- ‌القاعدة الثانية عشر: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا

- ‌القاعدة الثالثة عشر: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة

- ‌القاعدة الرابعة عشر: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل

- ‌القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

- ‌القاعدة السادسة عشر: حقوق الله مبنية على المسامحة

- ‌القاعدة السابعة عشر: الحوائج الأصلية للإنسان لاتعد مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الثامنة عشر: الضرر يزال

- ‌القاعدة التاسعة عشر: الضرورات تبيح المحظورات

- ‌القاعدة العشرون: العادة محكّمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهية

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: الفعل الواحد يُبْنَى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: الفعل ينوب عن القول مع القرينة في صور

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: لا يجوز التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمَّن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد إلا إذا أمكن تدارك هذا الضرر

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: ما قبض أو عقد في حال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيئ محرم في الإسلام

- ‌القاعدة السابعة والعشرون ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان فإنا نقبل قوله فيه

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: ما لا يمكن التحرز منه يكون عفوا

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه هل يتضيق

- ‌القاعدة الثلاثون: ما يحصل ضمنًا إذا تُعُرِّض له لا يضر

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: المتولد من مأذون فيه لا أثر له

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: المشقة تجلب التيسير

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيئ يقوم مقام كله

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظاً لا يعرف معناه لم يؤخذ بمقتضاه

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من تصرف مستندًا إلى سبب، ثم تبين أنه غيره وهو موجود فتصرفه صحيح

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون: من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع منه في بعض الصور

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيئ صح توكيله فيه غيره، وتوكّله فيه عن غيره، ومن لا فلا

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون: من عليه فرض موسع الوقت يجوز له التنفل -قبل أدائه- من جنسه

- ‌القاعدة الأربعون: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها وكان المقدور عليه غير مقصود في العبادة، أو كان جزءًا من العبادة. لكنه عند انفراده ليس بعبادة، لم يلزم الإتيان به

- ‌القاعدة الحادية والأربعون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه وإن كان السبب خفيا فليس له ذلك

- ‌القاعدة الثانية والأربعون النسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقا

الفصل: ‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولينا أقلهم فسوقا

‌القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولّينا أقلهم فسوقاً

القاعدة الخامسة إذا تعذرت العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة - بحيث لا يوجد عدل - ولّينا أقلهم فسوقا.

ذكر هذه القاعدة عز الدين بن عبد السلام باللفظ المتقدم1.

وأورد مضمونها ابن تيمية حيث قال: "

وليس عليه - أي على ولي الأمر - أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو أصلح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه

"الخ كلامه2.

وأشار إليها ابن القيم3 بقوله: "

إذا لم يجد السلطان من

1 قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/85.

2 انظر: مجموع الفتاوى 28/198 (السياسة الشرعية)، وانظر: الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية ص332.

3 هو: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، ثم الدمشقي شمس الدين المعروف بابن القيم الجوزية، ولد سنة 691هـ، وتوفي سنة 751هـ. من مؤلفاته العديدة [زاد المعاد في هدي خير العباد]، و [بدائع الفوائد] وموضوعه فوائد مختلفة في فنون شتى. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 2/447-452، وشذرات الذهب 6/170.

ص: 103

يوليه الفضاء إلا قاضيا عاريا من شروط القضاء لم يعطل البلد عن قاض، ويولي الأمثل فالأمثل1.

وهي مندرجة تحت قواعد كلية أشمل منها كما قال ابن عبد السلام: "وهذا من باب دفع أشد المفسدتين بأخفهما، وأن مبنى هذه المسائل كلها على الضرورات ومسيس الحاجات"2، ويمكن إدراجها تحت قاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) 3.

معاني المفردات:

تعذرت: من عذر يقال: تعذّر الأمر إذا لم يستقم، ويقال: اعتَذَرتِ المياه: انقطعت، واعتذرت المنازل: درست على طريق التشبيه بالمعتذر الذي يندرس ذنبه لوضوح عذره وتأتي لمعانٍ أخرى4.

العدالة لغة: مصدر عَدَل، ويأتي مصدره على عَدْل، والعدل الحكم باستواء وهو خلاف الجور5.

1 انظر: إعلام الموقعين 1/105، 4/197-198، ومواضع أخرى.

2 انظر: قواعد الأحكام 1/85-87.

3 راجع هذه القاعدة ص68-74.

4 انظر: مقاييس اللغة 4/253-257، والمفردات ص328 (عذر) .

5 انظر: مقاييس اللغة 4/246، والصحاح 5/1760 (عدل) .

ص: 104

وهي في اصطلاح المحدثين والفقهاء: ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وعرّفها بعض العلماء بنحو هذا المعنى مفصّلاً1.

والعَدْلُ من اتصف بالعدالة - وهو في الأصل مصدر - يقال: رجل عَدْل وامرأة عَدْلَ، وهذكا في التثنية والجمع2.

الولاية لغة: مصدر وليَ، وقيل: المصدر بالفتح (وَلاية) ، ومعناه النُصْرة والتولي، وبالكسر: اسم للإمارة، والخُطَّة، والسلطان. وتولّى الأمر: تقلّده والولْيُ: القربُ والدنو3.

وفي الاصطلاح: سُلْطة شرعية يتمكّن بها صاحبها من إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها4.

والولاية العامة هي: الولاية على أشخاص غير معينين كالإمامة العظمى، والقضاء ونحوهما، والخاصة ما كانت على أشخاص

1 نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ص25. وانظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص84، والمغني 14/150، ومنتهى السول والأمل ص77.

2 انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/201.

3 انظر: الصحاح 6/2528، والقاموس المحيط 4/401 (ولي) ، والكليات لأبي البقاء الكفوي ص940 (ولي) .

4 بهذا عرفها الدكتور وهبه الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته 4/139.

ص: 105

معينين كالولاية على الصدقات وولاية الأيتام ونحوهما، وفسّرت بغير ذلك1.

فسوقا: الفسوق لغة: مصدر فَسَق، وهو بمعنى الخروج2.

وعُرّف في الاصطلاح: بأنه الترك لأمر الله، والعصيان، والخروج عن طريق الحق، والفجور3.

وقال الراغب4: "إن أكثر ما يقال الفاسق، لمن التزم حكم الشرع وأقرّ به ثم أخل بجميع أحكامه، أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق؛ فلأته أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة"5.

1 انظر: معجم لغة الفقهاء ص510 (الولي) ، وغياث الأمم ص292-294، والمغني 14/13، وشرح القواعد الفقهية ص247.

2 انظر: الصحاح 4/1543، والقاموس المحيط 6/276 (فسق) .

3 الكليات ص692-693.

4 هو: أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني المعروف ب (الراغب) ، أسماه السيوطي المفضل بن محمد، توفي سنة 502هـ. من كتبه [الذريعة إلى مكارم الشريعة]، و [تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين] . انظر: سير أعلام النبلاء مع هامشه 18/120-121، وبغية الوعاة 2/297.

5 المفردات ص380 (فسق) .

ص: 106

المعنى الإجمالي:

تقرر هذه القاعدة أن ما اشترط له العدالة من الولايات العامة كالإمامة العظمى1، والقضاء2، أو الولايات الخاصة كولاية النكاح3 إذا لم يتوفر من يتحقق فيه شرط العدالة فإنه يصحّ تولية الفاسق ويراعى في ذلك تولية أقل الفاسقين فسقا وذلك أنه لا بد من الولاية فيكون من باب دفع أعلى المفسدتين.

الأدلة:

تتضمن هذه القاعدة أن الأصل اشتراط العدالة فيمن يتقلد الولاية

1 قيد العلماء اشتراط العدالة في الإمامة بما إذا كانت توليته عن طريق الاختيار أما لو غلب فإنه لا يشترط فيه هذا الشرط. انظر: الإمامة العظمى ص256-257.

2 أجاز بعض الحنفية تولية الفاسق القضاء، قالوا: لا ينبغي توليته لكن لو وُلّيَ جاز وأثم من ولاه، والجمهور على أن من شرط القاضي العدالة. انظر: هذه المسألة في: أدب القاضي لابن القاص 1/101، والأحكام السلطانية للماوردي ص6، والغياثي ص89، والهداية 3/112، والقوانين الفقهية ص253، والتنبيه ص251، والمغني 14/13.

3 لم يشترط الحنفية والمالكية العدالة في ولاية النكاح، واشترطها الشافعية والحنابلة، انظر: فتح القدير 3/180، وحاشية العدوي 2/34، وروضة الطالبين 7/64، 87-88، والإقناع 3/173 وما بعدها.

ص: 107

- كما تقدم -؛ ومما يدل على هذا:

1) قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ

} 1 الآية.

ووجه الدلالة منها: أنه لما جعل الله تعالى من شرط من يحكم في قضاء التحكيم2 العدالة، كان اشتراط ذلك أولى فيما هو أهم وألزم من أنواع التقاضي3.

2) أن العدالة شرط في الشاهد فاشتراطها في القاضي أولى؛ لأنه تجتمع في القاضي ثلاث صفات فمن جهة الإثبات هو شاهد، ومن جهة الأمر والنهي هو مفتٍ، ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان4.

1 المائدة (95) .

2 قضاء التحكيم، أو ولاية النحكيم – كما عرفها ابن فرحون المالكي – هي: ولاية مستفادة من آحاد الناس وهي شعبة من القضاء متعلقه بالأموال دون الحدود والقصاص. تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكان 1/13، وانظر: البحر الرائق ز7/24.

3 انظر: القضاء ونظامه ص123.

4 انظر: أعلام الموقعين 1/105.

ص: 108

3) أنه لو أسند الأمر إلى فاسق لحكم بالجور، وانتشر الظلم، وضاعت المصالح، وكثرت المفاسد1.

وأما الأدلة على صحة تولية أقل الفسّاق عند تعذر وجود العدْل فمنها:

أولا: عموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ

} 2.

ثانيا: عموم قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا

} 3. ونحوهما من الآيات الدالة على القواعد التي تندرج تحتها هذه القاعدة.

ثالثا: استدل بعض العلماء بحديث: "ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شَرَق4

1 انظر: الفروق للقرافي 4/34، وتهذيبه معه 4/67-68، ومختصر الشعراني لقواعد الزركشي (رسالة) 1/521.

2 التغابن (16) .

3 البقرة (286)

4 الشَّرَق: الشجا والغُصَّة، والمراد بها في الحديث أحد معنيين:

أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت وهو آخر النهار إنما تبفى ساعة ثم تغيب.

والثاني: أنه من قولهم: شرق الميت بريقه إذا لم يبق بعده إلا يسيرا ثم يموت، وجمع الجوهري بين المعنيين. الصحاح 4/1500-1501 (شرق) ، وشرح صحيح مسلم 5/16.

ص: 109

الموتى فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فصلوا الصلاة لميقاتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة 1

" الحديث 2. على صحة تولية الفاسق الولاية العامة، والخاصة دون تقييد بعدم وجود العدل3 فعند عدم وجوده أولى.

4) أنه يصح تولية المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في المفضول مزيّة تحقق مصلحة ظاهرة.

فإذا صح ذلك مع وجود الفاضل صحّ - من باب أولى - تولية الفاسق الذي لا يوجد أفضل منه لما في ذلك من المصلحة4

العمل بالقاعدة:

لقد نص الفقهاء - عدا الحنفية - على اشتراط العدالة في الإمام - كما تقدم -- وقد تقدم تصريح ابن عبد السلام من الشافعية،

1 السُّبحة: هي النافلة، انظر: الصحاح 1/372 (سبح) ، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/16.

2 أخرجه الإمام مسلم، صحيح مسلم مع النووي 5/16-17 (المساجد / وضع الأيدي على الركب في الركوع) ، ومواضع أخرى.

3 انظر: المغني 14/14.

4 انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/81، وأعلام الموقعين 1/106.

ص: 110

وابن تيمية من الحنابلة بهذه القاعدة. كما أن عددا ممن أفرد موضوع الإمامة، والولاية بالتأليف أشار ‘لى هذا المعنى؛ وبين أنه لا يُتَصَوَّر القول بغيره؛ إذ لو لم يولّ أقل الفسّاق فسقا في هذه الحال لكان المقابل له، إما التكليف بالمحال بأن يلزم المسلمون باختيار عدل مع عدم وجوده وهذا ما لم تجر قواعد الشرع به، وإما ترك الناس دون إمام وفي هذا من الشرّ والفساد ما هو أعظم من تولية الغاسق، فكان من باب دفع اِدّ المفسدتين بارتكاب أهونهما، وهو باب الضرورات كما ذكره ابن عبد السلام، وإمام الحرمين1 وهما من القواعد المتفق عليها2، فالقول بجواز تولية أقل الفساق فسوقا عند تعذر العدل إذن هو رأي عامة الفقهاء، ولعل عدم النص عليه؛

1 انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/85-87. والغياثي ص312، وكتاب الإمامة العظمى ص255.

وإمام الحرمين هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجوينب النيسابوري الشافعي، ولد سنة 419هـ، وتوفي سنة 478هـ. من تصانيفه [النهاية] في الفقه، و [البرهان] في أصول الفقه. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 5/165-222، وطبقات الأسنوي 1/409-412، والأعلام 4/160.

2 انظر: هاتين القاعدتين ص89-102، ص287-296.

ص: 111

لظهور الحكم فيه من جهة، ولدخوله في باب الضرورات ودفع أعلى المفسدتين بارتكاب أهونهما، والله أعلم.

من فروع القاعدة:

1-

ولاية القضاء، فعند من يشترط العدالة في توليته إذا لم يوجد العدل ولّي الأمثل فالأمثل1.

2-

كذلك ولاية النكاح2.

وجه التيسير:

إن الناس في كل زمان محتاجون إلى من يلي أمورهم ولاية عامة، ومحتاجون إلى بعض الولايات الخاصة، وتعطجيلهم عنها يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة، واضطراب شديد3، ومن أجل ذلك سامح الشارع الحكيم في أن يلي الأمر من لا تتوفر في العدالة - التي هي

1 راجع ما تقدم ص103، وانظر تفصيل المسألة في: بدائع الصنائع 7/3، وسراج السالك 2/195، وروضة الطالبين 11/96-97، والإقناع 4/364، 368-369، وأعلام الموقعين 1/105، 4/197-198.

2 ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم اشتراط العدالة في ولاية النكاح، واشترطها الباقون. انظر تفصيل المسألة في: فتح القدير 3/180، وحاشية العدوي 2/34، وروضة الطالبين 7/64، 87-88، والإقناع 3/173 وما بعدها.

3 انظر في أهمية الولاية، ووجوبها: الأحكام السلطانية للماوردي ص3-5، وغياث الأمم ص22-24.

ص: 112

شرط أصلا في صحة الولاية - إذا عُدم العدْل حفظا لمصالح الناس، وقيّد ذلك، بأن يختار من الفُسّاق أمثلهم وأقلّهم فسقا عملا بقاعدة ((الضرورة تقدر بقدرها)) .

ص: 113