الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِى شَانِهِ كُلِّهِ فِى طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ
باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِى الْقُبُورِ
.
وَرَأَى عُمَرُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّى عِنْدَ قَبْرٍ
ــ
مخففاً. قوله (ما استطاع) ما إما موصول فهو بدل التيمن وإما بمعنى ما دام وبه احترز عمالاً يستطيع فيه التيمن ولفظ في شأنه إما متعلق بالتيمن وإما بالمحبة أو بهما على سبيل التنازع و (في طهوره) بضم الطاء أي تطهره (وترجله) أي تمشيطه الشعر و (تنعله) أي تلبسه النعل. فإن قلت هذا بدل البعض عن الكل فيفيد استحباب التيمن في بعض الأمور والتأكيد بكله يفيد استحبابه في كلها. قلت هو تخصيص بعد تعميم خصص بالذكر اهتماماً بهذه الثلاثة وبياناً لشرفها أو بدل الكل من الكل إذ الطهور مفتاح أبواب العبادات والترجل يتعلق بالرأس والتنعل بالرجل، وأحوال الإنسان إما أن تتعلق بجهة الفوق أو بجهة التحت أو بالأطرف فجاء لكل منها بمثال. فإن قلت المحبة أمر باطني فمن أين علمت عائشة ذلك. قلت بالقرائن أو بإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم (باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد) بنصب المكان ورفع المساجد وهذا مبني على أن الاتخاذ متعد إلى مفعول واحد والمكان ظرف. فإن قلت ما وجهه لو عدى الاتخاذ إلى مفعولين ويكون المكان مفعولاً به لا مفعولاً فيه لأن الواجب حينئذٍ أن يجعل مكانها قائماً مقام الفاعل لأنه المفعول الأول لكونه معرفة ولا يقع المفعول الثاني موقع الفاعل لأنه مسند فلا يصير مسنداً إليه. قلت جاز في باب أعطيت جعل كل من المفعولين مفعول ما لم يسم فاعله والاتخاذ نقيض الإعطاء فلا يبعد أن يكون حكمه كحكمه. قوله (لقول النبي صلى الله عليه وسلم) فإن قلت ما وجه تعليله بهذا الحديث. قلت حيث خصص اللعنة باتخاذ قبور الأنبياء مساجد علم جواز اتخاذ قبور غير الأنبياء ومن في حكمهم كالصالحين من أممهم. قوله (وما يكره) عطف على هل ينبش. فإن قلت هذه جملة خبرية وتلك طلبية فكيف جاز العطف بينهما. قلت هو استفهام تقريري فهو أيضاً في حكم جملة خبرية ثبوتية مثلها فالترجمة
فَقَالَ الْقَبْرَ الْقَبْرَ. وَلَمْ يَامُرْهُ بِالإِعَادَةِ.
419 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
420 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا
ــ
مشتملة على مسئلتين الأولى اتخاذ المساجد في مكان القبور والثانية اتخاذها بين القبور ففي الأولى لا يبقى لصورة القبر أثر وفي الثانية. بخلافها والحديث الثاني شاهد للأولى كما أن الأثر المنقول عن عمر شاهد للثانية. قوله (القبر) منصوب على التحذير يجب حذف عامله وهو اتقِ وفي بعضها بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أنصلي عند القبر وهو مفيد للكراهة وعدم الأمر بالإعادة يدل على الجواز. قوله (محمد بن المثنى) بفتح النون المشددة و (يحيى) بن سعيد القطان و (هشام) بن عروة والإسناد بعينه تقدم في باب أحب الدين إلى الله أدومه. قوله (أم حبيبة) بفتح المهملة أم المؤمنين اسمها رملة بفتح الراء على الأصح بنت أبي سفيان بن صخر الأموية هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش بتقديم الجيم على المهملة إلى الحبشة فتوفي عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي هناك سنة ست من الهجرة وكان النجاشي أمهرها من عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثها إليه وكانت من السابقات إلى الإسلام توفيت سنة أربع وأربعين بالمدينة على الأصح و (أم سلمة) بفتح اللام أم المؤمنين أيضاً واسمها هند على الأصح بنت أمية المخزومي هاجر بها زوجها أبو سلمة إلى الحبشة فلما رجعا إلى المدينة مات زوجها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدمت في باب العلم والعظة بالليل. قوله (كنيسة) بفتح الكاف وي معبد النصارى و (رأتاها) بلفظ التثنية وفي بعضها رأينها بلفظ الجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان. قوله (فمات) عطف على كان و (بنوا) هو جواب إذا (وأولئك) بكسر الكاف و (الشرار) جمع الشرير كالخيار جمع الخير. فإن قلت ما وجه تعلق هذا الحديث بالترجمة إذ لا يدل على المسألة الأولى بل إنه يدل على مذمة متخذ القبر مسجداً وهو عكس ما هو المقصود منها ولا على الثانية
عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ، فِى حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَأَقَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِى النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى َاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِى النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِى أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّىَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّى فِى مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ
ــ
إذ لا يعلم منه الكراهة بل الحرمة، قلت المذمة قد تكون على التصوير لا على الاتخاذ ولئن سلمنا فالمراد من الترجمة اتخاذ قبور غير الأنبياء ومن في حكمهم من الصالحين فالحاصل أن تعلقه بالأولى من حيث إنه موافق لمفهوم حديث لعن الله اليهود وبالثانية من حيث إن بناء المسجد في القبور مشعر بالصلاة فيها، فإن قلت فيلزم حرمة الصلاة فيها لقوله أولئك شرار الخلق والمدعي الكراهة قلت إن أريد بالكراهة كراهة التحريم فلا إشكال فيه وإن أريد كراهة التنزه فنختص المذمة بالتصوير، فإن قلت التصوير معصية ولا يصير المؤمن بالمعاصي كافراً وشراراً لخلق هم الكفرة، قلت هم أيضاً كفرة لأنهم كانوا يصورونه ويعبدونه كالأصنام. قال ابن بطال: فيه النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وعن فعل التصاوير وإنما نهي عنه لاتخاذهم القبور والصور آلهة. قوله (عبد الوارث) أي التنوري مر في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب. (وأبو التياح) بفتح المثناة وتشديد التحتانية وبالمهملة يزيد من الزيادة الضبعي مر في باب كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم والرجال كلهم يصوبون. قوله (في حي) أي قبيلة و (عمرو) بالواو و (عوف) بفتح المهملة وسكون الواو وبالفاء و (أربعاً وعشرين) وفي بعضها أربع عشرة و (النجار) بفتح النون وتشديد الجيم أبو قبيلة من الأنصار. قوله (متقلدين) وفي بعضها متقلدي والتقلد جعل نجاد السيف على المنكب و (الراحلة) المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى و (الردف) بكسر الراء المرتدف، وهو الذي يركب خلف الراكب، و (الملأ) بفتح الميم واللام، وبالهمز الجماعة الأشراف، قوله (ألقى) أي
بَنِى النَّجَّارِ فَقَالَ «يَا بَنِى النَّجَّارِ ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ هَذَا» . قَالُوا لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ
ــ
رحله و (الفناء) بكسر الفاء وبالمد وفناء الدار ما امتد من جوانبها و (أبو أيوب) هو خالد الأنصاري تقدم في باب لا تستقبل القبلة بغائط و (المرابض) جمع المربض وهو مأوى الغنم وربوض الغنم مثل بروك الإبل و (يصلي) بالرفع وهو عطف على يجب لا على يصلي. قوله (أمر) بلفظ المعروف وفي بعضها بلفظ المجهول أي من عند الله و (ثامنوني) أي تيمونيه بالثمن ومعنى (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) الصرف في سبيل الله وإطلاق الثمن عليه على سبيل المشاكلة، فإن قلت الطلب يستعمل بمن فالقياس أن يقال إلا من الله، قلت معناه لا نطلب الثمن من أحد لكنه مصروف إلى الله، قوله (قبور) بالرفع بدل أو بيان لما أقول و (فصفوا النخل) أي موضع النخل و (عضادتيه) بكسر العين المهملة وعضادتا الباب هما خشبتاه من جانبيه وأعضاد كل شئ ما يشد حواليه. قوله (يرتجزون) الرجز ضرب من الشعر وقد رجز الراجز وارتجز، واعلم أنه لو قرئ هذا البيت بوزن الشعر ينبغي أن يوقف على الآخرة والمهاجرة إلا أنه قيل أنه صلى الله عليه وسلم قرأهما بالتاء متحركة خروجاً عن وزن الشعر. الخطابي: لفظ (خرب) بكسر الخاء وفتح الراء وهو جمع الخراب وسائر الناس يقولون خرب جمع خربة ككلم وكلمة إلا أن لفظ (فسويت) يدل على أن الصواب فيه إما الخرب جمع الخربة مضمومة الخاء ساكنة الراء وهي الخروق التي في تلك الأرض إلا أنهم يخصون بهذا الاسم كل ثقبة مستديرة وإما الجرف بكسر الجيم وفتح الراء جمع الجرفة كالقرطة جمع القرط وهي ما انجر فيه السيل وأكله من الأرض وأبين منهما في الصواب إن ساعدته الرواية أن يكون فيه حدب جمع الحدبة بفتح المهملتين أي المرتفع من الأرض وهو الذي يليق بقوله فسويت وإنما يسوى المكان المحدودب أو موضع فيه خروق وأما الخرب فإنما يعمر ويبني دون أن يصلح ويسوي والله أعلم. قال ابن بطال: اختلفوا في نبش القبور طلباً للمال. قال الأوزاعي لا يفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال