المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ترجمة الشارح

- ‌اسمه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌هجرته:

- ‌خطبة الكتاب

- ‌مقدِّماتٌ

- ‌المقدمةُ الأُولى في ترجمة الإِمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌المقدمة الثانية في ميزة "جامعه

- ‌فصل في ذكر الكتب المخرجة على صحيح مسلم

- ‌فصل آخر في شروحه

- ‌المقدّمة الثالثة مقدّمة العلم

- ‌الفرق بين الحديث والسُّنَّة والخَبَر والأثر:

- ‌المقدمة الرابعة في أسانيدي إلى الحافظ الإِمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌فصل في ذكر نبذة من أقسام الحديث وبيان أنواعه

- ‌(1) بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ المُتْقِنِينَ، وَتَرْكِ الضُّعَفَاءِ الْمَتْرُوكِينَ

- ‌تتمة: في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد والأَفراد والشاذّ والمنكَر

- ‌(2) بَابُ تَغْلِيظِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(3) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمعَ

- ‌(4) بَابُ التَّحْذِيرِ عَنْ أَنْ يُشَنَّعَ فِي الْحَدِيثِ وَأَنْ يُحَدِّثَ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُه أَفْهَامُهُمْ

- ‌(5) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالاحْتِيَاطِ فِي تَحَمُّلِهَا

- ‌(6) بَابُ اخْتِيَارِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَتَلْخِيصِهَا وَطَرْحِ مَا سِوَاهَا مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيهَا

- ‌(7) بَابُ بيَانِ أَن الإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَكُونُ إلا عَنِ الثِّقَاتِ، وَأَنَّ جَرْحَ الرُّوَاةِ بمَا هُوَ فِيهِمْ جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ، وَأنَّهُ لَيسَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بَلْ مِنَ الذَّبِّ عَنِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ

- ‌(8) بَابُ الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُواةِ الْحَدِيثِ ونَقَلَةِ الأَخْبَارِ وَقَوْلِ الأَئِمةِ فِي ذَلِكَ

- ‌ترجمة لأبي داود الأعمى:

- ‌فصل في ترجمة عَمْرو بن عُبَيد:

- ‌تتمة لترجمة عَمْرو بن عُبَيد:

- ‌تتمة في ترجمة أبي شَيبة:

- ‌تتمة في ترجمة صالح المُرِّي:

- ‌فصل في ترجمة الحَسَنُ بن عُمارة:

- ‌نبذة من ترجمة زياد بن ميمون:

- ‌تتمة في ترجمة خالد بن مَحْدُوج:

- ‌فصل في ترجمة عَبَّاد بن منصور الناجِي:

- ‌تتمة في ترجمة مهدي بن هلال:

- ‌ترجمةُ أبان بن أبي عَياش:

- ‌ترجمة بقِية الكَلاعي:

- ‌ترجمة إسماعيل بن عَيَّاش:

- ‌نبذة من ترجمة المعَلَّى:

- ‌تتمة في صالح بن نَبْهان:

- ‌ترجمة حَرَام بن عثمان:

- ‌ترجمة عبد الله بن مُحَرَّر:

- ‌ترجمة يحيى بن أبي أُنيسَة (ت):

- ‌ترجمة فَرْقَد بن يعقوب السبخي:

- ‌نبذة من ترجمة محمد بن عبد الله الليثي:

- ‌نبذة من ترجمة يعقوب بن عطاء:

- ‌أمَّا عُبيدةُ .. فترجمتهُ:

- ‌أما السَّرِي بن إسماعيل:

- ‌أما محمد بن سالم:

- ‌فصل في المسائل المَنْثُورَة والجُمل التي تتعلِّقُ بهذا الباب:

- ‌(9) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المُعَنْعِنينَ ولم يكن فيهم مدلس

- ‌خاتمة المقدمة

- ‌خاتمة المجلد الأول

الفصل: ‌(3) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع

(3) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمعَ

[7]

- (5) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،

ــ

(3)

باب النَّهْيِ عن الحديثِ بكُلِّ ما سَمعَ

أي: بابٌ في ذِكْر الحديث الذي يَدُلُّ على النَّهْيِ والزَّجْرِ عن الحديثِ والروايةِ بكُلِّ ما سَمِعَ عن الناس من قبل أن يفحصَ ويبحثَ ويتثبَّتَ فيه ويستيقِنَ صِدْقَه، ثُمَّ استدلَّ المؤلِّفُ على الترجمة بقوله:

[7]

(5)(وحَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذِ) بن معاذ بن نَصْر بن حسّان (العَنْبَرِيُّ) نسبة إِلى عَنْبَر بطن من تميم، أبو عَمْرو البصري الحافظ.

روى عن أبيه: معاذِ بن معاذٍ ومُعْتَمِر بن سُلَيمان، ويروي عنه (م د) وحَمَّاد بن حُمَيد و (خ س) بواسطةٍ، قال أبو داود: كان يحفظُ نحو عشرة آلاف حديث.

وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومائتين، ورَجَّحَ ابنُ مَعِين أخاه المُثَنَّى عليه.

قال: (حَدَّثنَا أبي) معاذُ بن معاذ التميميُّ العَنْبري أبو المُثَنَّى البصري الحافظ قاضي البصرة.

روى عن سُلَيمان التيمي وحُمَيد وابن عَوْن وشُعْبة وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإِسحاقُ وابنُ المَدِيني وغيرُهم، قال القطَّانُ: ما بالبصرةِ ولا بالكوفةِ ولا بالحجاز أَثْبَتُ مِنْ معاذ بن معاذ.

وقال في "التقريب": ثقةٌ مُتْقِنٌ، من كبار التاسعة، مات سنة ستّ وتسعين ومائة.

(ح وحَدَّثنَا) أي: حَوَّل المؤلِّفُ السَّنَدَ وقال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا (مُحَمَّدُ بن المُثنَّى) بن عبيد بن قيس العنزي -بفتح النون وبالزاي- أبو موسى البصري.

ص: 181

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ

ــ

قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ، من العاشرة، مات سنة (252) كلما مَرَّ.

وفائدةُ هذا التحويل: بيانُ كثرة طُرُقِه؛ لأنَّ عُبَيدَ اللهِ بنَ معاذِ ومُحَمَّدَ بنَ المُثنَّى كليهما ثقتان.

قال ابنُ المثنّى: (حَدَّثَنَا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيِّ) بن حَسَّان الأَزْدِي مولاهم، أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ الإِمام العَلَم.

روى عن عكرمة بن عَمَّار وشُعْبة والثَّوْري ومالك وخَلْق، ويروي عنه (ع) وابن المبارك وأحمد وابن مَعِين.

وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ حافظٌ عارفٌ بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاثِ وستين سنة، وكان يَحُجُّ كُلَّ سنة.

(قالا) أي: قال معاذُ بن معاذ العنبريُّ وعبدُ الرحمنِ بن مهدي: (حَدَّثَنَا شُعْبةُ) ابنُ الحَجَّاج بن الورد العتكي البصري كلما مَرَّ (عن خُبَيبِ) بضمِّ الخاء مصغّرًا (بنِ عبد الرحمنِ) بن خُبَيب بن يَسَاف -بفتح أوله وثانيه مُخَفّفًا- الأنصاري أبي الحارث المدني.

روى عن أبيه وعَمَّتِه أُنَيسَة ولها صحبةٌ، ويروي عنه (ع) وشُعْبَةُ وعبدُ الله وعبيدُ الله ابنا عُمر بن حفص بن عاصم.

وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الرابعة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وليس في مسلمٍ من اسمه "خُبَيب" إلا هذا الثقة، وليس خُبَيب بالمعجمة في "الصحيحين" إِلا ثلاثة: هذا، وخُبَيب بن عَدِيّ، وأبو خُبَيب كُنْيَةُ عبد الله بن الزُّبير (1).

(عن حَفْصِ بنِ عاصِمِ) بن عُمر بن الخطَّاب العَدَوي المدني.

روى عن أبيه وأبي هريرة وعَمِّه عبد الله بن عُمر، ويروي عنه (ع) وبنوه: عُمر ورباح وعيسى، وخُبَيب بن عبد الرحمن، وثقه النسائيُّ وغيره.

(1) انظر "مشارق الأنوار"(1/ 222).

ص: 182

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُل مَا سَمعَ".

[8]

وَحَدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبة، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ــ

وقال في "التقريب، : ثقةٌ من الثالثة.

(قال) حفصُ بن عاصم -وهو تابعيُّ-: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا

) الحديث، ففي هذا السَّنَدِ إِرسالٌ؛ أي: إسقاطُ الصحابيِّ الذي روى الحديثَ وهو أبو هريرة رضي الله عنه، ولكنه موصولٌ بَوجْهٍ آخر، ورجالُه كُلُّهم ثِقاتٌ، كُلُّهم بصريون إلا خُبَيب بن عبد الرحمن وحفص بن عاصم فهما مدنيان.

أي: كفى المرء والشخص من جهة الكذب (أَنْ يُحَدِّثَ) ويَرْويَ (بكُلِّ ما سَمعَ") قبل أنْ يَتَثَبَّتَ فيه ويَسْتَيقِنَ.

ثم ذكرَ المؤلِّفُ لهذا الحديث طريقًا آخرَ موصولًا فقال:

[8]

(وحَدَّثنَا أبو بكرِ) عبدُ اللهِ بن محمد (بن أبي شَيبةَ) الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حَفْصٍ) المدائني أبو الحَسَن البغدادي.

روى عن حَرِيز بن عثمان وشُعْبة، ويروي عنه (م د ت س) وأبو خيثمة وأحمد. وَثَّقَه ابنُ المَدِيني وغيره.

وقال في "التقريب": صَدُوقٌ من التاسعة.

قال: (حَدَّثَنَا شُعْبهُّ) بن الحَجَّاج بن الورد العتكي الواسطيّ (عن خُبَيبِ بنِ عبد الرحمنِ) المدني (عن حَفْصِ بنِ عاصِمِ) بن عُمر المدني (عن أبي هُرَيرَةَ) رضي الله عنه (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ومن لطيفة هذا السَّنَدِ: أَنَّ فيه روايةَ كوفي عن بغدادي عن كوفي عن المدنيين، وكِلا السَّنَدَينِ من السداسيات.

ص: 183

بِمِثْلِ ذَلِكَ

ــ

والجارُّ والمجرورُ في قوله: (بمِثْلِ ذلك) متعلِّقٌ بـ (حَدَّثَنَا) عليُّ بن حفص)؛ لأنه العامل في المتابِع؛ أي: حَدَّثَنَا عليُّ بن حَفْصٍ عن شعبة بمِثْلِ ما حَدَّثَ معاذٌ العنبريُّ وعبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ عنه.

وغَرَضُ المؤلِّفِ بسَوْقِ هذا السَّنَدِ الأخيرِ: بيانُ متابعة حفص بن علي لمعاذٍ وعبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن شُعْبة، فالمتابعةُ تامَّة، وفائدتُها: بيانُ كثرةِ طُرُقِه؛ لأنَّ السَّنَدَ الأولَ أَصَحُّ لكَوْنِ رجالِه كُلِّهم ثِقَات وإِنْ كان فيه إِرسالٌ من هذا السَّنَدِ الأخيرِ، لأنًه ليس كُلُّ رجالِه ثِقات؛ لأنَّ فيهم صدوقًا وهو عليُّ بن حفص، ولقُوَّةِ السند الأول قَدَّمَه على الثاني مع كونه مُتَّصلًا، ولا يَضُرُّ الإِرسالُ فيه لوَصْلِه بوَجْهٍ آخَرَ كما مَرَّ.

وعبارة السنوسي هنا: (وأمَّا بَحْثُ الإِسنادِ: فقد وَقَعَ في الطريق الأول: "عن حفص عن النبي صلى الله عليه وسلم" مرسلًا؛ فإِنَّ حفصًا تابعيٌّ، وفي الطريق الثاني:"عن حفص عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، فالطريقُ الأولُ: رواهُ مسلم من رواية ابن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن شعبة، وكذا رواه غُنْدَرٌ عن شعبة فأَرْسَلَه، والطريقُ الثاني: عن علي بن حفص عن شُعْبة، وإذا ثَبَتَ أنه رُويَ مُتَّصِلًا ومُرْسَلًا .. فالعملُ على أنه مُتَّصِلٌ، هذا هو الصحيح، ولا يَضُرُّ كونُ الأكثرين أرسلوه؛ فإِنَّ الوصلَ زيادةٌ من ثقةٍ فيُقبل، وأمَّا قولُه في الطريق الثاني:"بمِثْلِ ذلك": فهي رواية صحيحة.

واختلفوا إِذا أراد السامعُ أن يروي المتنَ بالإِسناد الثاني مقتصِرًا عليه، قال النوويُّ (1):"الأظهرُ مَنْعُه، وهو قولُ شُعْبة، وقال سفيان الثَّوْريُّ: يجوزُ بشَرْطِ أن يكون الشيخُ المُحَدِّثُ ضابطًا متحفظًا مميِّزًا بين الألفاظ، وقال يحيى بن مَعِين: يجوز في قوله: "مثله" ولا يجوز في "نحوه"، قال الخطيبُ البغداديُّ: وهذا قاله ابنُ مَعِينٍ بناءً على مَنع الرواية بالمعنى، وأمَّا على جوازها .. فلا فَرْقَ.

وكان جماعة من العلماء يحتاطون في مِثْلِ هذا، فإِذا أرادوا روايةَ مِثْلِ هذا ..

(1)"شرح صحيح مسلم"(1/ 37).

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أوْرَدَ أحدُهم الإِسنادَ الثانيَ ثم يقول: مِثْل حديث قبله متنه كذا، ثم يسوقه، واختار الخطيبُ هذا ولا شَكَّ في حُسْنِه.

أمَّا إِذا ذَكَرَ الإِسنادَ وطَرَفًا من المتن، ثم قال: وذكر الحديث، أو قال: الحديث أو ما أَشْبَهَه، فأرادَ السامعُ أن يرويَ عنه الحديثَ بكَمالِه .. فطريقُه: أن يَقْتَصِرَ على ما ذَكَرَه الشيخُ، ثم يقول: والحديث بطوله كذا

ويسوقه إِلى آخره، فإِنْ أرادَ أنْ يَرْويه مطلقًا ولا يفعل ما ذَكَرْنَاه .. فهو أوْلَى بالمَنْعِ ممَّا سبق في مثله ونحوه، وممن نَصَّ على مَنْعِه الأستاذُ أبو إِسحاق الإِسفراييني الشافعيُّ، وأجازَه أبو بكر الإِسماعيليُّ بشَرْطِ أن يكون السامعُ والمستمعُ عارفَينِ ذلك الحديث") اهـ من السنوسي (1).

وعبارةُ القرطبي: (قولُه صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ"، هذا الحديث رواه مسلمٌ من طريقين:

أحدهما: طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شُعْبة عن خُبَيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا

" الحديث مرسلًا عن حفصِ ولم يذكر أبا هريرة، هكذا وَقَعَ عند كافة رواة "كتاب مسلم"، ووَقَعَ عند أبي العباس الرازيِّ وحدَه في هذا الإِسناد: عن أبي هريرة، فأَسْنَدَه وهو ثِقَةٌ.

ثم أَرْدَفَ مسلمٌ الطريقَ الآخَرَ: عن علي بن حفص المدائني عن شُعْبة عن خُبَيب عن حفص عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْله.

قال عليُّ بن عُمر الدَّارقُطْنِي: والصوابُ المرسلُ) (2) يعني عن شعبة كما رواه معاذٌ وابنُ مهدي وغُنْدَر (3).

(1)"مكمل إكمال الإكمال"(1/ 19).

(2)

"المفهم"(1/ 116).

(3)

انظر "المعلم"(1/ 184)، و "إِكمال المعلم"(1/ 114)، و"غرر الفوائد المجموعة"(2/ 740 - 741).

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال النوويُّ: (وقد رواه أبو داود في "سننه" (1) أيضًا مرسلًا ومتصلًا، فرواه مرسلًا عن حفص بن عُمر النَّمَري عن شعبة، ورواه متّصلًا من رواية علي بن حفص (2)، وإِذا ثَبَتَ أنه رُوي متَّصلًا ومُرْسلًا .. فالعملُ على أنه متَّصل، هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاءُ وأصحابُ الأُصولِ وجماعةٌ من أهل الحديث، ولا يَضُرُّ كونُ الأكثرينَ رَوَوْه مرسَلًا؛ فإِنَّ الوَصْلَ زيادةٌ من ثِقَةٍ وهي مقبولة) اهـ (3).

وأمَّا بَحْثُ المتن: فقد قال القرطبي: (الباءُ في قوله: "بالمَرْءِ" زائدةٌ هنا في المفعول، وفاعلُ "كَفَى":"أنْ يُحَدِّثَ"، وقد تُزَادُ هذه الباءُ في فاعل "كَفَى" كما في قوله تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} "وكَذِبًا""وشهيدًا": منصوبان على التمييز.

ومعنى الحديثِ: أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بكُل ما سَمعَ .. حَصَلَ لَهُ الحَظُّ الكافي من الكذب؛ فإِنَّ الإنسانَ يَسْمَعُ الغثَّ والسَّمِينَ، والصحيحَ والسَّقِيمَ، فإِذا حَدَّثَ بكُلِّ ذلك .. حَدَّثَ بالسَّقِيم وبالكَذِب، ثم يُحْمَل عنه فيكذبُ في نفسه أو يُكَذَّبُ بسببه، ولهذا: أشارَ مالكٌ بقوله: "ليس يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بكُلِّ مَا سَمِعَ، ولا يكون إِمامًا أبدًا وهو يُحَدِّثُ بكُلِّ ما سَمعَ" أي: إِذا وُجدَ الكذبُ في روايته .. لم يُوثق بحديثه، وكان ذلك جرحَةً فيه، فلا يصلح ليقتدي بهَ أحدٌ ولو كان عالمًا، فلو بَيَّنَ الصحيح من السقيم، والصادق من الكاذب .. سَلِمَ من ذلك، وتَفَصَّى عن عهدة ما يجبُ عليه من النصيحة الدينية) اهـ (4).

وقال السنوسي: (وإِنما كان الحديثُ بكل ما سَمعَ كذِبًا؛ لأنه في العادة يكون فيه الصَّدْقُ والكَذِبُ، وما يتّفق نادرًا فيمَنْ حَفِظَ فلم يسمع إِلا الصِّدْقَ فغيرُ مُرادٍ

(1)(5/ 265 - 266) كتاب الأدب (88 - باب في التشديد في الكذب) حديث رقم (4993).

(2)

قال أبو داود: (ولم يُسنده إلا هذا الشيخ) يعني علي بن حفص المدائني.

(3)

"شرح صحيح مسلم"(1/ 74).

(4)

"المفهم"(1/ 117).

ص: 186

[9]

وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأنَا هُشَيمٌ،

ــ

بالحديث، وإِنما خرج مخرجَ الغالب، وفيه دليلٌ للأشعرية على أَنَّ الكَذِبَ لا يُشترط في الاتّصاف باسمه العمدُ، إلا أنْ يُقال: لمَّا عَلِمَ المُحَدِّثُ بكُلِّ ما سَمِعَ أنه لا يكونُ كُلُّه صدْقًا بحسب العادة .. صارَ متعمِّدًا للكذب، فلا يكونُ إِذْ ذاك دليلًا للأشعرية، والله أعلم) اهـ (1).

قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى مستشهدًا بأَثَرِ عُمر رضي الله عنه:

[9]

(وحَدَّثنَا يحيى بن يحيى) بن بكر بن عبد الرحمن بن يحيى بن حَمَّاد التميمي الحَنْظَلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري الحافظ، أحدُ الأئمّة الأعلام.

روى عن مالك وسُلَيمان بن بلال وهُشَيم وغيرِهِم، ويروي عنه (خ م ت س) وأحمدُ بن الأزهر وسلمةُ بن شَبيب وغيرُهم، وَثَّقَه النسائيُّ.

وقال في "التقريب": ثقَةٌ ثَبْتٌ إِمامٌ، من العاشرة، مات سنة ست وعشرين ومائتين.

(أنبأنا) أي: أخبرنا (هُشَيمٌ) بضم الهاء مصغّرًا، ابن بَشِير -بوزن عَظِيم- ابن القاسم بن دينار السُّلَمي أبو معاوية بن أبي خازم -بمعجمتين- الواسطي نزيل بغداد، الحافظ.

روى عن أبيه وخالِه القاسمِ بنِ مِهْران وسُلَيمان التَّيمِيّ وعاصم الأحول وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وشعبةُ وأحمدُ والثَّوْرِيُّ ومالكُ بن أنسٍ وكلاهما كبرُ منه وابنُ المباركِ وخلائقُ، قال يعقوب الدَّوْرَقِيُّ: كان عند هُشَيمٍ عشرونَ ألفَ حديث، وقال العِجْلِيُّ: ثقةٌ يُدَلِّس.

وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ كثيرُ التدليسِ والإِرسالِ الخَفِيّ، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة وقد قارب الثمانين. وليس عندهم (هُشَيمٌ) إلا هذا.

وقال النووي: (اتَّفَقَ أهلُ عَصْرِه فمَنْ بعدَهم على جلالتِه وكثرةِ حفظه وإِتقانه

(1)"مكمل إكمال الإكمال"(1/ 19)، وانظر "إِكمال المعلم"(1/ 114 - 115).

ص: 187

عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ

ــ

وصيانته، وكان مُدَلِّسًا، وقد قال في روايته هنا:"عن سُلَيمان التيمي"، وقد قَدَّمْنا أَنَّ المُدَلِّسَ إِذا قال:"عن" لا يُحْتَجُّ به إِلا أنْ يَثْبُتَ سماعُه من جهةٍ أُخرى، وأَنَّ ما كان في "الصحيحين" من ذلك .. فمحمولٌ على ثُبوت سماعه من جهةٍ أخرى، وهذا منه) (1).

(عن سُلَيمَان) بنِ طَرْخان (التَّيمِيِّ) أي: المنسوب إِلى التَّيم؛ لأنه نَزَلَ فيهم فنُسِبَ إِليهم، أبي المُعْتَمِر البصري، أَحَدِ سادة التابعين عِلْمًا وعَمَلًا.

روى عن أنسٍ وأبي عثمان التهْدِفي وطاوس وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وابنُه المُعْتَمِرُ وشُعْبةُ وابنُ المباركِ وغيرُهم.

قال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ، من الرابعة، مات سنة، ثلاثٍ وأربعين ومائة، عن سبعٍ وتسعين سنة، وقال ابنُ المَدِيني: له نحو مئتي حديث، وقال شُعْبة: وكان سُلَيمانُ التَيمِيُّ إِذا حَدَّث .. تَغَيَّرَ لونُه، وقال ابنُ سَعْدٍ: ثقةٌ كثيرُ الحديثِ يُصَلِّي الليلَ كُلَّه بوضوء العشاء الآخرة.

(عن أبي عثمانَ) عبد الرحمنِ بنِ ملّ -بتثليث الميم وتشديد اللام على الأحوال الثلاثة- ابن عَمْرو بن عدي (النَّهْدِيِّ) بفتح النون وسكون الهاء، منسوب إِلى جَدٍّ من أجداده وهو: نَهْدُ بن زيدِ

بن قُضاعة كما في "اللباب"(3/ 336).

قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، من كبار الثانية، من كبارِ التابعين وفُضَلائِهم، مشهورٌ بكُنْيته، مُخَضْرَمٌ أَسْلَمَ على عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَلْقَهُ، كوفي بصري، كان بالكوفة مستوطنًا بها، فلمَّا قُتِلَ الحُسَينُ رضي الله عنه .. تَحَوَّل منها إِلى البصرة، وقال: لا أَسْكُنُ بلدًا قُتل فيه ابنُ بنتِ النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة خمس وتسعين أو بعدها، وله أكثرُ من مائة وثلاثين سنة.

ورجال هذا السَّندِ كُلُّهم ثِقاث، ففيه رِوايةُ نيسابوري عن واسطي عن بصريَّين، وهو من رُباعياته.

(1)"شرح صحيح مسلم"(1/ 72 - 73).

ص: 188

قَال: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ

ــ

(قال) أبو عثمان النَّهْدِي: (قال عُمَرُ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه ابن نُفَيل بن عبد العُزَّى العَدَويّ أبو حفص المدني، أحدُ فقهاء الصحابة، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المشهودِ لهم بالجَنَّة، وأولُ مَنْ سُمِّي أميرَ المؤمنين، جَمُّ المناقب، له خمسُمائة وتسعةٌ وثلاثون حديثًا، يروي عنه (ع) وأبناؤه: عبدُ الله وعُبَيدُ الله وعاصمٌ، وعلقمةُ بن وَقاص، أَسْلَمَ بعد أربعين رجلًا، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ووَلِيَ الخلافةَ عشر سنين ونصفًا، ودُفن في الحجرة النبوية رضي الله عنه.

(بحَسْبِ المَرْءِ): أي كافي المرءِ (من) جهة (الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ) ويَرْويَ (بكُل مَا سَمعَ) قبل أن يَتَبَيَّنَ فيه ويَسْتَيقِنَ.

قال السنوسي: (وقولُه: "بحَسْب المَرْءِ" بإِسكان السين وهو مبتدأ، والباءُ زائدةٌ، ومعناه: يَكْفِيه ذلك من الكذب؛ فإِنه قد استكثرَ منه، وقريبٌ منه: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ" أي: كَفَى المرءَ من الكذب حديثُه بكُلِّ ما سَمِعَ؛ أي: فقد أخَذَ من الكذب حظًّا وافرًا، فالظاهرُ أَنَّ الباءَ زائدةٌ على المفعول، و"أن يُحَدِّثَ": فاعلُ كَفَى، و"كذبًا": تمييز، والله أعلم)(1).

قال النوويُّ: (وأمَّا معنى الحديث والآثار التي في البابِ: ففيها الزّجْرُ عن التحديث بكُلِّ ما سَمعَ الإِنسان؛ فإِنه يسمعُ في العادة الصِّدْقَ والكَذِبَ، فإِذا حَدثَ بكُلِّ ما سَمِعَ .. فقد كَذَبَ؛ لإِخباره بما لم يَكُنْ، وقد تَقَدَّمَ أَنَّ مذهبَ أهلِ الحقِّ: أَنَّ الكَذِبَ هو الإِخبارُ عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يُشْتَرَطُ فيه التعمُّدُ، لكن التعمد شرْطٌ في كَونِه آثِمًا، والله أعلم)(2).

ثم استشهد المؤلِّفُ ثانيًا بأثَرِ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:

(1)"مكمل إكمال الإكمال"(1/ 19).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(1/ 75).

ص: 189

[10]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،

ــ

[10]

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى) العنزي أبو موسى البصريُّ، (قال: حَدَّثَنَا عبدُ الرحمنِ) بن مَهْدِيٍّ الأزدي أبو سعيدٍ البصريُّ.

(قال: حَدَّثَنَا سفيانُ) بن سعيد بن مسروق الثَّوْرِيُّ، أبو عبد الله الكوفي، أحدُ الأئمَّة الأعلام.

روى عن زياد بن عِلاقة وحبيب بن أبي ثابت والأسود بن قيس وخلائق، ويروي عنه (ع) والأعمشُ وابنُ عجلان وكلاهما من شيوخه وشعبةُ -وهو من أقرانه- ومالكٌ وخَلْقٌ.

قيل: رُويَ عنه عشرون ألفَ حديث، قال ابنُ المبارك: ما كتبتُ عن أفضلَ من سفيان، وقال العِجْليُّ: كان لا يَسْمَعُ شيئًا إِلَّا حَفِظَه، وقال الخطيب: كان الثوْرِيُّ إِمامًا من أئمَّة المسلمين، وعَلَمًا من أعلام الدِّين، مُجْمَعًا على إِمامتِه مع الإِتقانِ والضبْطِ والحِفْظِ والمعرفةِ والزُّهْدِ والوَرَع.

وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ فقيةٌ عابدٌ إِمامُ حُجَّةٌ، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دَلَّسَ، مات سنة إِحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة.

فائدة:

وإِذا أَطْلَقَ الإِمامُ مسلمٌ (سفيانَ) في "صحيحه" ولم ينسبْه .. فالعلامةُ التي تعرف بها أنه الثَّوْريُّ أو ابنُ عُيَينَة: إِذا ذَكَره ثانيًا في السَّنَد أو جنب الزُّهْرِي .. فهو ابنُ عُيَينة، وإِذا ذَكَرَهَ ثالثًا في السند أو روى عنه وَكِيعٌ .. فهو الثوْرِيُّ، وهذه القاعدة بالنَّظَرِ إِلى الغالب.

(عن أبي إسحاقَ) السَّبيعي -بفتح السين- نِسْبة إِلى سَبِيع من هَمْدان، عَمْرو بن عبد الله الهَمْداني الكوفي، أَحدِ أَعْلام التابعين.

ص: 190

عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ

ــ

روى عن جَرِير بن عبد الله البجلي وجابر بن سَمُرة وزيد بن أَرْقَم الخزرجي وابن عَبَّاس وخَلْق، ويروي عنه (ع) وابنُه يونس وحفيدُه إِسرائيل وقتادة وسُلَيمان التَّيمِي وشُعْبة والسُّفْيانان وخَلْق، وهو كالزُّهْري في كثرة الأصحاب، غزا مَرَّات، وكان صَوَّامًا قوَّامًا، وكان يقرأُ في ثلاث ليال.

وقال في "التقريب": مكثرٌ ثقةٌ عابدٌ، من الثالثة، اختلط بأَخَرَةٍ، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: قبل ذلك.

(عن أبي الأحوصِ) بالصاد المهملة، عوف بن مالك بن نَضْلَة -بفتح النون وسكون المعجمة- الجُشَمِيّ -بضمِّ الجيم وفتح الشين المعجمة- نسبة إِلى جُشَم من الأنصار، الكوفي مشهور بكُنْيته، لأبيه صحبة.

روى عن أبيه وأبي موسى، ويروي عنه (م عم) وأبو إِسحاق وعبد الملك بن عُمَير وخَلْق، وَثَّقَه ابنُ مَعِين.

وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الثالثة، قتَلَتْه الخوارجُ في أيام ولاية الحَجَّاج على العراق.

وهذا السَّنَدُ من خماسياته اثنان بصريان وثلاثة كوفيون، ومن لطائفه: أنه رَوَى فيه تابعيٌّ عن تابعي.

(عن عبد الله) بن مسعود بن غَافِل -بمعجمة وفاء- ابن حبيب الهُذَلِيِّ أبي عبد الرحمن الكوفي، أَحَدِ السابقين الأولين إِلى الإِسلام، من كبار علماء الصحابة، صاحب النَّعْلَين، شَهِدَ بدرًا والمشاهد كُلها، له ثمانمائة حديثٍ وثمانية وأربعون حديثًا.

يروي عنه (ع) وخَلْقٌ من الصحابة، ومن التابعين: علقمةُ ومسروقٌ والأسود، تَلَقَّنَ من النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سُورة، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، عن بضع وستين سنة.

والقاعدةُ: أَنَّ (عبد الله) إِذا أُطلق في الصحابي الذي يروي الحديث .. فهو ابن مسعود.

ص: 191

قَال: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمعَ.

[11]

وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، قَال: أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: قَال لِي مَالِكٌ: أعْلَمْ: أَنَّهُ لَيسَ

ــ

(قال) عبدُ الله الصحابيُّ الجليلُ: (بحَسْب المَرْءِ) أي: كَافِيه (من) جهة (الكَذِبِ) والافتراءِ (أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمعَ)(1). تقدَّم البحثُ عنه في أَثَر عُمر رضي الله عنه.

ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى ثالثًا بأَثَرِ مالكِ بنِ أنسٍ رحمه الله تعالى فقال:

[11]

(وحَدَّثَنِي أبو الطَّاهِرِ أحمدُ بن عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بن سَرْحٍ) بمهملات ثانيتها ساكنة، الأموي مولاهم، الفقيه المِصْري.

روى عن ابن عُيَينة والوليد بن مسلم ووَكِيع والشافعي وخَلْق، ويروي عنه (م د س ق) وزكريا بن يحيى السَّاجِي وابنُ أبي داود. قال أبو حاتم: لا بأس به.

وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة خمسين ومائتين.

(قال) أبو الطاهر: (أنا) أي: أخبرنا عبدُ اللهِ (بن وَهْبِ) بن مُسلم القُرَشي مولاهم، أبو محمد المِصْري الفقيه، أحدُ الأئمَّة.

روى عن يونس بن يَزِيد وحَيوَة بن شُريح ومالك والثَّوْري وخلق، ويروي عنه (ع) والليث -شيخُه- وابن مهدي وسعيد بن منصور وخلق، قال أحمد: ما أَصَحَّ حديثه! وقال ابنُ مَعِين: ثقة، وقال أحمد بن صالح: حَدَّثَ بمائة ألف حديث.

وقال في "التقريب": ثقة حافظٌ عابدٌ، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومائة، وله اثنان وسبعون سنة.

(قال) ابنُ وَهْبٍ: (قال لي مالكٌ) أي: ابنُ أنسٍ، الإِمامُ الأعظمُ المَدَنِيُّ:(اعْلَمْ) يا عبد الله (أنَّه) أي: أَنَّ الشأنَ والحال (ليس) الشأن، فاسمُها ضميرُ

(1) هذا الأثر رواه النَّسائي في "السنن الكبرى" في كتاب المواعظ عن سوَيد بن نَصْر، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان بلفظ:(كَفَى بالمَرْءِ إِثْمًا أن يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ). انظر "تحفة الأشراف"(7/ 126) حديث رقم (9508).

ص: 192

يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.

[12]

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُول: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ

ــ

الشأن أيضًا، ويحتمل كونها بمعنى لا النافية؛ أي: اعْلَمْ أَنَّه لا (يَسْلَمُ) عن الخطإ (رجلٌ) أي: شخصٌ (حَدَّثَ) أي: يُحَدِّثُ كما في الأَثَرَينِ قبلَه (بكُلِّ ما سَمِعَ) من الناس؛ أي: لا يَسْلَمُ من الكذب في العادة (ولا يكونُ) ذلك الرجلُ (إمامًا) أي: مُقْتَدًى به (أبدًا) أي: في جميع أحواله في عِلْمِه ولا في عَمَلِه؛ أي: لا يُقْتَدى به في أقوالِه ولا في أفعالِه (وهو يُحَدِّثُ) أي: والحالُ أَنَّهُ يُحَدِّثُ ويَنْقُلُ ويُخْبِرُ (بكُل ما سَمعَ) قبلَ تمييز صحيحهِ من سقيمهِ وصِدْقِه من كَذِبه؛ لأن النُّقَّادَ يَطَّلِعُون على خَطَئِه فيتركون الاعتمادَ عليه فتسقط إِمامتُه (1).

قال النوويُّ: (معنى هذا الكلام: أنه إِذا حَدَّثَ بكُل ما سَمِعَ .. كَثُرَ الخطأُ في روايته، فتُرِكَ الاعتمادُ عليه والأَخْذُ منه) اهـ (2).

وقال القرطبيُّ: (إذا وُجدَ الكذبُ في روايته .. لم يُوثَقْ بحديثه، وكان ذلك جَرْحَةً فيه، فلا يصلح لِيَقْتَدِي به أحَدٌ ولو كان عالمًا، فلو بيَّنَ الصحيحَ من السقيمِ والصادقَ من الكاذبِ .. سَلِمَ من ذلك، وتَفَصَّى عن عُهْدَةِ ما يَجِبُ عليه من النصيحة الدينية) اهـ (3).

ورجالُ هذا الأَثَرِ اثنان كلاهما مصريان ثقتان.

ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى رابعًا بأَثَرِ عبد الرحمن بن مهدي فقال:

[12]

(وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى) العَنَزي أبو موسى البصري.

(قال) ابنُ المُثَنَّى: (سَمِعْتُ عبدَ الرحمنِ بنَ مَهْدِيٍّ) الأزدي البصري حالة كونه (يقولُ) أي: عبد الرحمن: (لا يكونُ الرجلُ) أي: الشخصُ (إمامًا) أي: مُؤْتَمًّا (يُقْتَدى به) ويتَّبَعُ في عِلْمِه وعَمَلِه (حتى يُمْسِكَ) نَفْسَه وَينزَجِرَ (عن) تحديث وإِخبار (بعضِ ما سَمِعـ) ـه من الناس، ممَّا لم يَتَيَقَّنْ صِدْقَه وصِحَّتَه.

(1)"مكمل إكمال الإكمال"(1/ 19 - 20).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(1/ 75).

(3)

"المفهم"(1/ 117).

ص: 193