المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة إسماعيل بن عياش: - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ترجمة الشارح

- ‌اسمه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌هجرته:

- ‌خطبة الكتاب

- ‌مقدِّماتٌ

- ‌المقدمةُ الأُولى في ترجمة الإِمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌المقدمة الثانية في ميزة "جامعه

- ‌فصل في ذكر الكتب المخرجة على صحيح مسلم

- ‌فصل آخر في شروحه

- ‌المقدّمة الثالثة مقدّمة العلم

- ‌الفرق بين الحديث والسُّنَّة والخَبَر والأثر:

- ‌المقدمة الرابعة في أسانيدي إلى الحافظ الإِمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌فصل في ذكر نبذة من أقسام الحديث وبيان أنواعه

- ‌(1) بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ المُتْقِنِينَ، وَتَرْكِ الضُّعَفَاءِ الْمَتْرُوكِينَ

- ‌تتمة: في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد والأَفراد والشاذّ والمنكَر

- ‌(2) بَابُ تَغْلِيظِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(3) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمعَ

- ‌(4) بَابُ التَّحْذِيرِ عَنْ أَنْ يُشَنَّعَ فِي الْحَدِيثِ وَأَنْ يُحَدِّثَ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُه أَفْهَامُهُمْ

- ‌(5) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالاحْتِيَاطِ فِي تَحَمُّلِهَا

- ‌(6) بَابُ اخْتِيَارِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَتَلْخِيصِهَا وَطَرْحِ مَا سِوَاهَا مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيهَا

- ‌(7) بَابُ بيَانِ أَن الإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَكُونُ إلا عَنِ الثِّقَاتِ، وَأَنَّ جَرْحَ الرُّوَاةِ بمَا هُوَ فِيهِمْ جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ، وَأنَّهُ لَيسَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بَلْ مِنَ الذَّبِّ عَنِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ

- ‌(8) بَابُ الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُواةِ الْحَدِيثِ ونَقَلَةِ الأَخْبَارِ وَقَوْلِ الأَئِمةِ فِي ذَلِكَ

- ‌ترجمة لأبي داود الأعمى:

- ‌فصل في ترجمة عَمْرو بن عُبَيد:

- ‌تتمة لترجمة عَمْرو بن عُبَيد:

- ‌تتمة في ترجمة أبي شَيبة:

- ‌تتمة في ترجمة صالح المُرِّي:

- ‌فصل في ترجمة الحَسَنُ بن عُمارة:

- ‌نبذة من ترجمة زياد بن ميمون:

- ‌تتمة في ترجمة خالد بن مَحْدُوج:

- ‌فصل في ترجمة عَبَّاد بن منصور الناجِي:

- ‌تتمة في ترجمة مهدي بن هلال:

- ‌ترجمةُ أبان بن أبي عَياش:

- ‌ترجمة بقِية الكَلاعي:

- ‌ترجمة إسماعيل بن عَيَّاش:

- ‌نبذة من ترجمة المعَلَّى:

- ‌تتمة في صالح بن نَبْهان:

- ‌ترجمة حَرَام بن عثمان:

- ‌ترجمة عبد الله بن مُحَرَّر:

- ‌ترجمة يحيى بن أبي أُنيسَة (ت):

- ‌ترجمة فَرْقَد بن يعقوب السبخي:

- ‌نبذة من ترجمة محمد بن عبد الله الليثي:

- ‌نبذة من ترجمة يعقوب بن عطاء:

- ‌أمَّا عُبيدةُ .. فترجمتهُ:

- ‌أما السَّرِي بن إسماعيل:

- ‌أما محمد بن سالم:

- ‌فصل في المسائل المَنْثُورَة والجُمل التي تتعلِّقُ بهذا الباب:

- ‌(9) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المُعَنْعِنينَ ولم يكن فيهم مدلس

- ‌خاتمة المقدمة

- ‌خاتمة المجلد الأول

الفصل: ‌ترجمة إسماعيل بن عياش:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال ابنُ عَدِي: وَبقِية يُخَالِفُ في بعض حديثه الثقات، وإذا روى عن أهل الشام .. فهو ثَبْت، وإذا روى عن غيرهم .. خلَّط كإسماعيل. اهـ "الميزان"(1/ 331 ط 33).

‌ترجمة إسماعيل بن عَيَّاش:

هو إسماعيل بن عَياش بن سُلَيم العَنْسي -بفتح العين وسكون النون يُنْسَب إلى عَنْسِ بن مالك حَيٌّ مِنْ مَذْحِج- أبو عُتْبة الحِمْصي عالم أهل الشام، مات ولم يُخَلَّف مثله.

وقال في "التقريب": صَدُوق في روايته عن أهل بلده مُخَلَّط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة، وله بضع وتسعون سنة.

وُلِدَ سنة ست ومائة، وطلب العلم، فروى عن شُرَحْبيل بن مُسْلم وهو أكبر مَنْ عنده ومحمد بن زياد الأَلْهاني -بفتح الهمزة وسكون اللام كالأنصاري نسبة إلى ألهان بن مالك أخي هَمْدان- وبَحِير بن سَعْد وصفوانِ بن عَمْرو وضَمْضَم بن زُرعة وعبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير والأوزاعي والزُّبَيْدي وغيرهم، ويروي عنه (عم) والثوري والأعمش -وهما من شيوخه- ومحمد بن إسحاق -وهو أكبر منه- وسَعِيد بن منصور وهَنَّاد بن السَّرِي واللَّيث بن سَعْد -ومات قبلَه- وبقِيَّة والوليد بن مسلم ومُعْتَمِر بن سليمان -وهُمْ من أقرانه- وخَلْق.

قال الذهبي: (قال أبو اليمان: كان منزلُه إلى جنب منزلي، فكان يُحيي الليل، وربما قرأ ثم قطع قال: فسألتُه يوما فقال: وما سؤالك؟ قلتُ: أريدُ أن أعرف قال: إني أُصلي فاقرأ، فاذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها .. فأقطع الصلاة، فاكتبه، ثم أرجع إلى صلاتي.

وروى يحيى الوُحاظي قال: ما رأيتُ أكبرَ نَفْسًا من إسماعيل بن عَياش، كُنّا إذا آتينا مزرعته لا يَرْضَى لنا إلا بالخروف والخَبيص، وسمعتُه يقول: إني ورثتُ من أبي أربعة آلاف دينار أنفقتُها في طلب العلم.

وقال عثمان بن صالح السَّهْمي: كان أهل حمص يَتَنَقَّصُونَ عليّا حتى نشأ فيهم إسماعيلُ بن عَياش، فحَدَّثَهم بفضائِله، فكَفُّوا عن ذلك.

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال داود بن عَمْرو الضبي: ما رأيتُ مع إسماعيل كتابًا قط، فقال له أحمد بن حنبل: فكم كان يحفظ؟ قال: شيئًا كثيرًا، فقال: يحفظ عشرة آلاف حديث؛ قال: عشرة آلاف وعشرة آلاف وعشرة آلاف، فقال أحمد: هذا كان مِثْلَ وكيع.

وقال الفَسَويُّ: كنتُ أسمعهم يقولون: عِلْمُ الشام عند إسماعيل والوليد، فسمعتُ أبا اليَمَان يقول: كان أصحابنا لهم رَغْبةٌ في العلم، وكانوا يقولون: نَجْهَدُ ونتعِبُ أبداننا ونُسافر، فإذا جئْنَا .. وجَدنا كُل ما كتبنا عند إسماعيل بن عَياش.

وقال الفَسَويُّ: تَكَلمَ قوم في إسماعيل، وهو ثقةٌ عَدْلٌ، أعلمُ الناس بحديث أهل الشام، أكثر ما تكلموا فيه قالوا: يُغْرِبُ عن ثقات الحجازيين.

وقال الهَيثَم بن خارجة: سمعتُ يَزِيدَ بنَ هارون يقول: ما رأيتُ أحفظَ من إسماعيل بن عَياش، ما أدري ما الثوْري؟

وقال عَباس عن يحيى: ثقة.

وروى ابنُ أبي خَيثَمة عن ابن مَعِين: ليس به بأس في أهل الشام.

وقال دُحَيم: هو في الشاميين غاية، وخَلطَ عن المدنيين.

وقال البخاري: إذا حَدثَ عن أهل بلده .. فصحيح، وإذا حَدثَ عن غيرهم .. ففيه نظر.

وقال أبو حاتم: لَيِّن، ما أعلمُ أحدا كَفَّ عنه إلا أبا إسحاق الفَزَاري، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابنُ حِبان: كثيرُ الخطإ في حديثه فخرج عن حد الاحتجاجِ به.

وقال أبو صالح الفراء: قلتُ لأبي إسحاق الفَزَاري: إني أريدُ مكة، وأُرِيدُ أنْ أَمُر بحمص فأسمع من إسماعيل بن عَياش، قال: ذاك رجل لا يَدْرِي ما يخرجُ من رأسه.

وقال محمد بن المثنى: ما سمعتُ عبد الرحمن يُحَدثُ عن إسماعيل بن عَياش شيئًا قط.

وقال عبد الله بن علي بن المَدِيني: سمعتُ أبي يقول: ما كان أحدٌ أعلمَ بحديث

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أهل الشام من إسماعيل بن عَيَّاش لو ثَبَتَ على حديث أهل الشام، ولكنه خَلَّطَ في حديثه عن أهل العراق، وحدثنا عنه عبد الرحمن ثم ضَرَبَ على حديثه، فإسماعيل عندي ضعيف.

وقال عبد الله بن أحمد: عَرَضْتُ على أبي حديثًا حَدَّثناه الفضلُ بن زياد الطسْتِي، حدثنا ابن عَياش، عن موسى بن عُقْبة، عن نافع، عن ابن عُمر مرفوعًا:"لا تقرأ الحائضُ ولا الجُنُبُ شيئًا من القرآن"، فقال أبي: هذا باطل، يعني أن إسماعيل وَهِمَ.

وسُئِلَ أبي عن إسماعيل وبقِية فقال: بقِيَّة أَحَحب إليَّ.

وقال إسماعيل: عن عبد الله بن دينار، وسعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير مرسلا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تعالى كَرِهَ لكم العبث في الصلاة، والرَّفَثَ في الصيام، والضحك عند المقابر". رواه عنه عبد الله بن المبارك.

وله عن ابن جُرَيج، عن ابن أبي مُلَيكَة، عن عائشة مرفوعًا:"مَنْ قاءَ أو رعف فأحْدَثَ في صلاته .. فليذهب فليتوضأ ثُم لَيَبْنِ على صلاته" قال أحمد: صوابه مرسل.

وقال ابنُ مَعِين: إسماعيل أَحَب إِليَّ من بقِيَّة وفَرَجِ بن فَضَالة.

وقال ابنُ مَعِين: حدثنا إسماعيل، عن شُرَحْبيل، عن أبي أُمامة مرفوعًا:"الزعيم غارم".

وقال إسماعيل: عن بَحِير بن سَعد، عن خالد، عن المقدام، عن أبي أيوب مرفوعًا:"كِيلُوا طعامَكم يُبَارَكْ لكم فيه".

وقال إسماعيل: عن ابن جُرَيج، عن عمَرْو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعًا:"تعافوا الحُدُودَ بينكم، فما بلغني من حَدٍّ .. فقد وَجَب".

وحدثنا محمد بن حِمْيَر، حدثنا إسماعيل، عن محمد بن عَمْرو، عن أبي

ص: 426

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا:"إذا كَتَبَ أحدُكم كتابًا .. فَلْيترِّبْهُ؛ فإنه أَنْجَحُ للحاجة".

وقال مُضَر بن محمد الأسدي البغدادي القاضي: سألتُ يحيى بنَ مَعِين عن إسماعيل بن عَياش فقال: عن الشاميين حديثُه صحيح، وإذا حَدثَ عن العراقيين والمدنيين .. خَلط ما شئت.

وقال إسماعيل بن عَياشٍ عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا:"يكونُ في هذه الأمة رجل يُقال له: الوليد، هو أَشَد على هذه الأمة من فرعون على قومه"، قال ابنُ حِبان: وهذا باطل.

وقال إسماعيل بن عَياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعة، عن شُرَيح بن عُبَيد، عن أبي راشد الحُبْراني عن عبد الرحمن بن شِبل:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب)، وهذا منكر.

وقال أبو داود: سمعتُ ابنَ مَعِين يقول: إسماعيل بن عَياش ثقة، وقال ابنُ خُزَيمة: لا يُحتَج به.

وقد صَحَّحَ الترمذي لإسماعيل غَيرَ ما حديثٍ مِنْ روايتهِ عن أهل بلده خاصَّةً، منها حديثُ:"لا وَصِية لوارث"، وحديثُ:"بحَسْبِ ابن آدم أكلات يُقِمنَ صُلْبَه".

وقال ابنُ عَياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعة، عن شُرَيح بن عُبَيد، حدثنا أبو ظَبْيَة: أن أبا بَحْرِيَّة السَّكُوني حدثه عن مَالِكِ بن يسار السكُوني: أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم اللهَ .. فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظُهُورِها".

لا يُعْرَفُ مالكٌ به) اهـ (1).

ثُم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى الشاهِدَ لأثرِ أبي إسحاق في جَرح بقِيَّة فقال:

(1)"ميزان الاعتدال"(1/ 240 - 244).

ص: 427

[81]

وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي، قَال: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ قَال: قَال ابْنُ الْمُبَارَكِ: نِعْمَ الرجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلَا أَنهُ كَانَ يَكْنِي الأَسَامِيَ ويسَمِّي الْكُنَى،

ــ

[81]

(وحَدثَنا إسحاقُ بن إبراهيمَ) بن مَخْلَد (الحَنْظَلِي) أبو يعقوب بن رَاهُويه المَرْوَزِيُّ، الإمام الفقيه الحافظ، عالم خراسان، من العاشرة، مات سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين، وله سبعٌ وسبعون سنة.

(قال) إسحاق: (سَمِعْتُ) أنا (بعضَ أصحاب عبد اللهِ) بنِ المبارك وبعضَ رواته.

قال النووي: (وهذا البعضُ مجهولٌ، فلا يَصِح الاحتجاجُ به، ولكن ذكره مسلمٌ متابعةَ لا أصلًا) اهـ (1)

(قال) ذلك البعضُ: (قال) عبدُ اللهِ (بن المباركِ) بن واضح الحنظلي مولاهم، أبو عبد الرحمن المَرْوَزي، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة:(نِعْمَ الرجلُ) رجلا، والمخصوصُ بالمَدْحِ:(بقِيَّةُ) بن الوليد بن صائد الكلاعيُ (لولا أنه) أي: لولا أن بقية (كان يَكْنِي) ويذكر الكنى (الأساميَ) المشهورةَ؛ أي: بَدَلَها.

أي: لولا أنه يذكر الكُنى بدل أسماء مَنْ شُهِرُوا بالأسماء (ويسَمِّي الكُنَى) أي: ويذكر الأسماءَ بدلَ كُنْية مَنْ شُهِرُوا بالكُنى، و (لولا) هنا: حرفُ امتناعٍ لوجود؛ أي: موضوعةٌ للدلالة على امتناع مَدْحِه لوجود تبديلِه الأسماءَ المشهورةَ بالكُنى غيرِ المشهورة، وتبديلِه الكُنى المشهورةَ بالأسماء غيرِ المشهورة، و (أن): حرف نصب ومصدر وتوكيد، والهاء اسمها، وجملةُ (كان) في محلّ الرفع خبرها، وجملةُ (أن) في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ على كونه مبتدأَ لخبر محذوف وجوبا تقديرُه: نِعْمَ الرجلُ بقِيةُ لولا تكنيتُه الأسامي وتسميتُه الكنى موجودٌ، وجوابُ لولا الامتناعيةِ معلومٌ مما قبلَها كما قَدرْنا.

(1)"شرح صحيح مسلم"(1/ 117).

ص: 428

كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ

ــ

قال النوويُّ: (فمعنى هذا الكلام: أنه إذا رَوَى عن إنسانِ معروفٍ باسمه .. كَنَاه ولم يُسَمِّه، وإذا رَوَى عن معروفٍ بكُنْيَتِه .. سَماه ولم يَكْنِهِ، وهذا نوع من التدليس وهو قبيح مذموم؛ فإنه يُلبس أمر الضعيف على الناس ويوهِمُ أن ذلك الراويَ ليس هو ذلك الضعيفَ، فيُخرجه عن حالتِه المعروفةِ بالجَرْحِ المُتفَقِ عليه وعلى تَرْكِه إلى حالة الجَهَالة التي لا تُؤَثِّرُ عند جماعةِ من العلماء بل يَحْتَجون بصاحبها وتَقْتَضِي تَوَقفا عن الحُكْم بصحتِه أو ضَعْفِه عند الآخرين، وقد يعتضد المجهولُ فيُحْتَج به أو يُرَجحُ به غيرُه، أو يُستأنس به، وأقبحُ هذا النوع: أن يَكْنِيَ الضعيفَ أو يُسَمِّيَه بكُنْية الثقة أو باسمه -لاشتراكهما في ذلك وشهرةِ الثقة به- فيوهم الاحتجاجَ به) اهـ (1)

وإنما قلنا: إنه كان يَكْنِي الأسامي؛ لأنه (كان) أي: بقِيَّة (دهرًا) أي: زمنا طويلا (يُحَدِّثُنا) ويَرْوي لنا (عن أبي سعيدٍ الوُحَاظِي)، قال النووي:(بضمِّ الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة، وحكى صاحبُ "المطالع" (2) وغيرُه فتحَ الواو أيضًا) (3).

أي: يقول لنا: حَدَّثَنا أبو سعيدٍ الوُحَاظِي، فظننا أنه يحيى بن صالحِ الوُحَاظِي أبو زكرياء الحِمْصِي، أحدُ كبار المُحَدِّثين والفقهاء، (فنَظَرْنا) وفتشْنا في أسانيدِه ورواياتِه (فإذا هو) أي: الوُحَاظِي الذي رَوَى عنه تقِيه وذَكَرَه في أسانيدِه (عبدُ القُدوسِ) ابنُ حبيبِ الكَلاعيُ المعروفُ باسمه لا بكُنْيتِه ونسْبَتِه، فابدل اسمَ عبد القُدوس المعروفِ باسمه المُتفَقِ على ضَعْفِه بكُنْيته ونسْبَتِه اللتَينِ لم يَشْتَهِرْ بهما عند الناس تلبيسا عليهم.

قال النووي: (قال أبو علي الغَسَّانِي: "وُحَاظة بَطْنٌ من حِمْيَر"، وعبدُ القُدوسِ هذا: هو الشامي الذي تَقَدمَ تضعيفه وتصحيفُه، وهو عبد القُدوس بن حبيب

(1) انظر "إكمال المعلم"(1/ 152)، وفيه:(وحُكي عن أبي الوليد الباجي فيه فتح الواو).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(1/ 117).

(3)

"شرح صحيح مسلم"(1/ 117).

ص: 429

[82]

وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِي، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: مَا رَأَيتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلهِ: (كَذابٌ)

ــ

الكَلاعي -بفتح الكاف- أبو سعيد الشامي فهو كَلاعِي وُحَاظِي) كما تقدم في ترجمته.

وغَرَضُ المؤلِّفِ رحمه اله تعالى بسوقِ هذا السنَدِ: الاستشهادُ بأثَرِ عبد الله بن المبارك لأبي إسحاق الفَزَارِي في جَرْح بقِيَّة بن الوليد.

ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ عبد الله بن المبارك فقال:

[82]

(وحَدثَنِي أحمدُ بن يوسفَ) بن خالد بن سالم (الأَزْدِي) السلمي أبو الحَسَن المعروفُ بحمدان الحافظُ النيسابوري.

روى عن حفص بن عبد الله وحفص بن عبد الرحمن وجعفر بن عَوْن وعبد الرزاق وخلق، ويروي عنه (م دس ق) وأبو عَوَانة ومحمد بن الحُسَين القطان، وَثَّقَه مسلم والدارقطني، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وستين ومائتين.

(قال) أحمدُ بن يوسف: (سَمِعْتُ) أنا (عبدَ الرزاقِ) بن هَمَّام بن نافع الحِمْيَرِي مولاهم، أبا بكرِ الصنْعاني، أحدَ الأئمة الأعلام الحُفاظ.

رَوَى عن ابن جُرَيج وهشام بن حَسان وثَوْر بن يَزِيد ومَعْمَر ومالك وخلائق.

ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإسحاقُ وابنُ المَدِيني وخلق.

وقال في "التقريب": ثقة حافظ مصنف شهير، عَمِي في آخر عمره فتَغَيرَ، وكان يَتَشَيَّعُ، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، عن خمس وثمانين سنة، وليس في مسلم من اسمه (عبد الرزاق) إلا هذا الثقة.

وغَرَضُه بسَوْق هذا السنَدِ: بيانُ متابعة أحمد بن يوسف لإسحاق بن إبراهيم في رواية هذا الأثَرِ عن ابن المبارك، ولكنها متابعة ناقصة.

أي: قال أحمدُ بن يوسف: سمعتُ عبدَ الرزاق حالة كونه (يقولُ: ما رأيتُ) وما سمعتُ عبدَ اللهِ (ابنَ المباركِ يُفْصِحُ) ويُصَرِّحُ (بقوله): فلان (كَذاب) أي:

ص: 430

إِلا لِعَبْدِ الْقُدوسِ؛ فَإنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ: كَذابٌ.

[83]

وَحَدثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدارِمي، قَال: سَمِعْتُ أَبَا نعُيم وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ

ــ

وَضَّاع (إلا لعبدِ القُدوسِ) بن حبيب الكَلاعي (فإني سَمِعْتُه) أي: سمعتُ ابنَ المبارك حالة كونه (يقول له) أي: لعبدِ القُدُّوس هو (كَذاب) لا تكتبوا حديثَه ولا تأخذوا عنه.

ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِما مَر من جَرْح الرواة بأثَر أبي نعيم فقال:

[83]

(وحَدثَني عبدُ اللهِ بن عبد الرحمنِ) بن الفضل بن مهران أو بَهْرَام (الدارِمي) أبو محمد السمرقندي الحافظُ، أحدُ الأئمة الأعلام.

وقال في "التقريب": ثقة فاضل مُتْقن، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، وله أربع وسبعون سنة.

(قال) عبدُ اللهِ بن عبد الرحمن: (سَمِعْتُ) أنا (أبا نُعَيبم) الفَضْلَ بنَ دكين -بضم المهملة- ودكين: لقبُه، واسمهُ: عَمْرو بن حَماد بن زهير التميمي مولاهم، الكوفي الأحول، الحافظ العلم، مشهور بكُنْيته، من أَجَل أهل زمانه ومن أتقنِهم.

روى عن الأعمش وزكرياء بن أبي زائدة وجعفر بن بُرْقان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق ويحيى بن مَعِين وأبو زرعة وخلق.

وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت من التاسعة، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وكان من كبار شيوخ البخاري.

أي: قال الدَّارِمِي: سمعتُ أبا نعيم (و) الحالُ أنه قد (ذَكَرَ المُعَلى) بضم الميم وفتح العين بعدها لام مشددة مفتوحة (بنَ عُرفَانَ)، قال النووي:(بضم العين المهملة وإسكان الراء وبالفاء، هذا هو المشهور، وحُكِيَ فيه كسر العين، وبالكسر ضبطه أبو عامر العبدري، والمُعَلَّى هذا أسدي كوفي ضعيف، قال البخاريُّ رحمه الله تعالى في "تاريخه": هو منكر الحديث، وضَعَّفَه النسائي أيضًا وغيرُه).

ص: 431

فَقَال: قَال: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَال: خَرَجَ عَلَينَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ، فَقَال أَبُو نُعَيمٍ: أترَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ !

ــ

(فقال) أبو نُعَيم، جملةٌ تفسيريةٌ لجملة ذَكَرَ:((قال) المُعَلى بن عُرْفَان: (حَدثَنا أبو وائلٍ) شَقِيقُ بن سلمة الأسدي التابعي الجليلُ الكوفي، أحدُ سادة التابعين مُخَضْرَم، وأحدُ العلماء العاملين.

روى عن أبي بكر وعُمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جَبَل وطائفة، ويروي عنه (ع) والشَّعْبِي وعَمْرو بن مُرة ومغيرة بن مِقْسَم وخلق، وتعلم القرآن في سنتين.

وقال في "التقريب": ثقة مُخَضْرَم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة.

وجملةُ قوله: (قال) أبو وائل بدلٌ من قوله: (حَدثَنا أبو وائلٍ): (خَرَجَ علينا) معاشر الحاضرين من خيمتِهِ عبدُ اللهِ (بن مسعودِ) بن غافل بمعجمة وفاءٍ، الهُذَليُّ أبو عبد الرحمن الكوفي، أحدُ السابقين إلى الإسلام، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة.

أي: قال المُعَلَّى: خَرَج علينا عبدُ اللهِ بن مسعودِ الصحابي الجليلُ من خَيمَتِه (بصِفِّينَ) أي: في وَقْعة صِفين، وجَعَلَ يُحَدثُنا كذا وكذا.

قال النووي: (و"صِفِّين": بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة من بعدها ياءٌ في الأحوال الثلاثة: الرفع والنصبِ والجر، وهذه هي اللغة المشهورة، وفيها لُغَةٌ أُخرى حكاها أبو عُمر الزاهدُ عن ثعلب عن الفَراء وحكاها صاحب "المطالع" وغيرُه من المتاخرين: "صِفون" بالواو في حالة الرفع، وهي موضع الوقعة بين أهل الشام والعراق مع على ومعاوية رضي الله تعالى عنهم)(1).

(فقال أبو نُعَيمٍ) للمُعَلَّى بن عُرْفان: (أترَاهُ) بضم التاء؛ أي: أترَى ابنَ مسعود وتَظُنُّه يا مُعَلَّى قد (بُعِثَ) من قبره (بعدَ الموتِ) والدفْنِ في المدينة، وخَرَجَ عليكم في صِفين؟ ! وهذا غيرُ معقولٍ؛ لأن البَعْثَ إنما يكون بعد النفخة الثانية، فكلامُك هذا كذبٌ بَحْتٌ وبُهْتانٌ عظيمٌ.

(1)"شرح صحيح مسلم" 1/ 118.

ص: 432