الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه
3999 -
(1548)(113) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَبَّاسٍ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنِ اقْتَطَعَ شِبرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبعِ أَرَضِينَ"
ــ
581 -
(21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه
3999 -
(1548)(113)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي العابد، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8)(عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي أبي شبل المدني، صدوق، من (5)(عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي) المدني، ثقة، من (4)(عن سعيد بن فلد بن عمرو بن نفيل) القرشي العدوي أبي الأعور المدني، أحد العشرة المبشرين والمهاجرين الأولين، شهد المشاهد كلها على الصحيح، أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل أخيها عمر رضي الله عنهم له (38) ثمانية وثلاثون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بآخر، وهو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل كان جده عمرو بن نفيل والخطاب بن نفيل والد عمر أخوين لأب، مات سنة (51) إحدى وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة، ودُفن بالمدينة، ودخل قبره سعد بن أبي وقاص وابن عمر، يروي عنه (ع) وعباس بن سهل في البيوع، ومحمد بن زيد بن عبد الله بن عمر في البيوع، وعروة بن الزبير في البيوع، وعمرو بن حريث في الأطعمة، وأبو عثمان النهدي في آخر الدعاء. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع) وأخذ (شبرًا) أي قدر شبر (من الأرض ظلمًا) أي بغير حق (طوّقه الله) عز وجل أي ألبس الله ذلك المقتطع (إياه) أي ذلك الشبر طوقًا في عنقه (يوم القيامة) مأخوذًا (من سبع أرضين) ومقطوعًا منها فضيحة له على رؤوس الأشهاد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال القرطبي: هذا وعيد شديد يفيد أن أخذ شيء من الأرض بغير حقه من أكبر الكبائر على أي وجه كان من غصب أو سرقة أو خديعة قليلًا أو كثيرًا، ألا تسمع قوله صلى الله عليه وسلم:"وإن كان قيد شبر" وفيه دليل على أن الملكية الشخصية ثابتة في الأرض كما أنها ثابتة في غيرها وعلى أنها محترمة عند الشرع، وعلى أن الأرض يمكن غصبها خلافا لمن أنكر ذلك اهـ مفهم.
قوله: (من اقتطع) أي أخذ كما هو الرواية التالية والمراد الأخذ بغير حق لأن اقتطاع الأرض في اللغة غصبها، قوله:(شبرًا) أي قدره من الأرض كما يأتي في آخر الباب من حديث الصدّيقة "من ظلم قيد شبر من الأرض" أي قدره، والشبر بكسر الشين وسكون الباء كما في المصباح ما بين طرفي الخنصر والإبهام بالتفريج المعتاد، والفتر بكسر الفاء أيضًا ما بين طرفي السبابة والإبهام، (ظلمًا) مفعول له أو حال أو مفعول مطلق أي أخذ ظلم اهـ مرقاة، (طوّقه الله إياه من سبع أرضين) أي يُخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق والقلادة، وقيل هو أن يطوّق حملها أي يكلف فهو من طوق التكليف لا من طوق التقليد اهـ نهاية.
واختلف شراح الحديث في معناه على أقوال: الأول: أن غاصب الأرض يُكلف نقل مقدار ما غصب من سبع أرضين إلى المحشر فلا يُطيق ذلك ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة، والثاني أنه يكلف بنقله إلى المحشر ثم يُجعل كله في عنقه طوقًا ويُعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر، والثالث: معناه أنه يُعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقًا في عنقه، والرابع: معناه أن الله عز وجل يُكلّف الغاصب أن يجعله له طوقًا ولا يستطيع ذلك فيُعذب بذلك كما جاء في حق من كذب في منامه أنه يُكلف بعقد شعيرة، والخامس: أن المراد بالتطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الإثم ومنه قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} وقال الحافظ في الفتح: [5/ 175] بعد سرد هذه الأقوال وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي، ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية فيُعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها اهـ من التكملة باختصار.
قوله: (من سبع أرضين) بفتح الراء ويجوز إسكانها، وفيه ما يدل على أن الأرضين
4000 -
(00)(00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛
ــ
سبع كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق / 12] أي في العدد لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والأخبار فتعيّن العدد والله تعالى أعلم، وقد استدل به الداودي على أن السبع الأرضين لم يفتق بعضها من بعض قال لأنه لو فُتق بعضها من بعض لم يُطوّق منها ما ينتفع به غيره وقد جاء في غلظهن وما بينهن خبر وليس في ذلك شيء صحيح، وقد استدل غيره به على أن من ملك شيئًا من الأرض ملك ما تحته مما يقابله فكل ما يجد فيه من معدن أو كنز فهو له، وقد اختلف في ذلك في المذهب فقيل ذلك، وقيل: هو للمسلمين وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن جاوره، وكذلك أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد فيُمنع اهـ من المفهم.
واستدل بهذا الحديث الحافظ في الفتح على أن من ملك أرضًا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربًا أو بئرًا بغير رضاه، ولعل وجه الاستدلال أن غاصب الأرض إنما يطوّقها إلى منتهى الأرض من أجل أن غصبه غصب لجميع ما تحتها ولكن فيه نظر من جهة أن العقاب لا يجب أن يكون بقدر المعصية في الزمان والمكان، ولعل حق مالك الأرض في منع الغير من حفر السرب أو البئر مقتصر على ما إذا أضر ذلك بأرضه فإن لم يضر بان حفر السرب على عمق بعيد من السطح كما يفعل ذلك لأجل القطار التي تجري تحت الأرض في زماننا ولا يؤثر ذلك السرب على السطح أصلًا فينبغي أن يجوّز ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المظالم [2452]، والدارمي في البيوع.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعيد بن زيد بن عمرو رضي الله عنه فقال:
4005 -
(00)(00)(حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثم العسقلاني من أحفاد عمر بن الخطاب، كان ثقة قليل الحديث، ورُوي عن سفيان الثوري أنه قال: لم يكن في آل عمر أفضل من عمر بن محمد بن زيد العسقلاني، وقال الخريبي: ما رأيت
أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ؛ أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ. فَقَال: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". اللَّهُمَّ! إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَأَعْمِ بَصَرَهَا. وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا
ــ
رجلًا قط أطول منه، وبلغني أنه كان يلبس درع عمر فيسحبها، وقال في التقريب: ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (أن أباه) محمد بن زيد العمري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حدّثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) العدوي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن زيد لعباس بن سهل (أن أروى) بنت أنيس لم يذكرها ابن عبد البر في الصحابة، وذكرها الحافظ في الإصابة [4/ 221] تبعًا لابن منده ولا يُحفظ عنها غير قصتها هذه مع سعيد بن زيد رضي الله عنهما (خاصمته) أي خاصصت سعيد بن زيد (في بعض داره) إلى مروان بن الحكم أي شكته إليه وهو أمير المؤمنين لمعاوية وقالت: إنه ظلمني أرضي فأرسل إليه مروان فجاء (فقال) سعيد بن زيد (دعوها وإياها) أي اتركوها مع دارها فإني تركت لها الدار التي تدّعي عليّ، وكان مروان بن الحكم بعث إلى سعيد بن زيد ناسًا للمصالحة كما يظهر من رواية أحمد وابن حبان ذكرها الحافظ في الفتح، وقد أخرج أبو نعيم بسند فيه ابن لهيعة عن أبي غطفان المُرِّي: أن سعيد بن زيد أجاب من كلمه في ذلك بقوله: أنا أظلم أروى حقها! ! فوالله لقد ألقيت لها ستمائة ذراع من أرضي من أجل حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال: قومي يا أروى فخذي الذي تزعمين أنه حقك، فقامت فتسحبت في حقه كذا في حلية الأولياء لأبي نعيم [1/ 97] ترجمة سعيد بن زيد (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا) أي قدره (من الأرض بغير حقه) أي بغير استحقاقه (طوّقه) بالبناء للمجهول وضمير نائب الفاعل راجع إلى الغاصب وضمير المفعول الثاني إلى ما غصبه أي فقد ذلك الغاصب الشبر الذي غصبه (في سبع أرضين) أي مقطوعًا من سبع أرضين في عنقه (يوم القيامة) ففي بمعنى من كما في الرواية الأولى، ثم قال سعيد بن زيد:(اللهم إن كانت) أروى كاذبة) عليّ فيما تدعيه عليّ (فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها).
وأخرج أبو نعيم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أروى استعدت على
قَال: فَرَأَيتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ. تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ. فَبَينَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَت فِيهَا. فَكَانَتْ قَبْرَهَا.
4001 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيسٍ
ــ
سعيد بن زيد إلى مروان بن الحكم فقال سعيد: اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها فإن كانت كاذبة فأعم بصرها وألقها في بئرها وأظهر من حقي نورًا يبين للمسلمين أني لم أظلمها. قال: فبينا هم على ذلك إذ سال العقيق بسيل لم يسل مثله قط فكشف عن الحد الذي كانا يختلفان فيه فإذا سعيد قد كان في ذلك صادقًا ولم تلبث إلا شهرًا حتى عميت فبينا هي تطوف في أرضها تلك إذ سقطت في بئرها، قال: فكنا ونحن غلمان نسمع الإنسان يقول للإنسان: أعماك الله كما أعمى الأروى، فلا نظن إلا أنه يريد الأروى التي من الوحش -لأن أروى في اللغة حيوان من الوحش كتيس الجبل- فإذا هو إنما كان ذلك لما أصاب أروى من دعوة سعيد بن زيد وما يتحدث الناس به مما استجاب الله له سؤله كذا في حلية الأولياء [1/ 97].
(قال) محمد بن زيد (فرأيتها) أي فرأيت أروى بنت أنيس (عمياء تلتمس) أي تطلب (الجدر) بضمتين جمع جدار أي تطلبها لتمسها وتهتدي بمسها إلى موضع حاجتها، وسمعتها (تقول) على أن جملة القول معمول لمحذوف أو حال من مفعول رأيتها (أصابتني) في بصري (دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت) أي سقطت (فيها فكانت) البئر (قبرها).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال:
4001 -
(00)(00)(حدثنا أبو الرّبيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري الأزدي (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لمحمد بن زيد (أن أروى بنت أويس) بالواو مصغرًا تحريف من النساخ، والصواب أنيس بالنون مصغرًا كذا وقع في نسخ صحيح مسلم المطبوعة ومثله في جامع الأصول لابن الأثير وكذلك ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء اسمها في موضعين، ولكن المعروف بنت
ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيئًا مِنْ أَرْضِهَا. فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ. فَقَال سَعِيدٌ: أَنا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ". فَقَال لَهُ مَرْوَانُ: لَا أَسْألُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هذَا، فَقَال: اللَّهُمَّ! إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا.
قَال: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا. ثُمَّ بَينَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ
ــ
أنيس بالنون مصغرًا، ولم يذكر الحافظ في الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة غير بنت أنيس وجزم الشيخ محمد ذهني في شرحه بأنه خطأ من النساخ والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة (ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها) ظلمًا (فخاصمته) أي رافعته (إلى مروان بن الحكم) الأموي والي المدينة لمعاوية (فقال سعيد) بن زيد في جواب دعواها (أنا كنت آخذ) ظلمًا (من أرضها شيئًا بعد) الحديث (الذي سمعتـ) ـه (من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري (قال) له مروان بن الحكم (وما سمعت) أي وأي حديث سمعته (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سعيد بن زيد في جواب سؤال مروان:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا) أي قدر شبر (من الأرض ظلمًا طوّقه) بالبناء للمجهول كما مر أي جُعل ذلك الشبر (إلى سبع أرضين) طوقًا وقلادة له يوم القيامة أي طوقه من سبع أرضين فإلى بمعنى من (فقال له): أي لسعيد بن زيد (مروان) بن الحكم (لا أسألك) بفتح الكاف خطابا لسعيد أي لا أطلب منك (بينة) أي شاهدًا على هذا الحديث أي من يشهد لك على أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله (بعد) إقرارك بسماع (هذا) الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بل صدقناك بقرائن أحوالك من الورع والفضل وكونك من المشهود لهم بالجنة (فقال) سعيد بن زيد أي ثم قال: (اللهم إن كانت كاذبة) فيما تدعي عليّ (فعمِّ) بتشديد الميم المكسورة أمر من التعمية أي فاطمس (بصرها) ونظرها أي اجعل عينها عمياء مكفوفة (واقتلها في أرضها) أي في حفيرة أرضها التي كذبت بها عليّ (قال) عروة بن الزبير: (فما ماتت) أروى (حتى ذهب بصرها) وعميت عيناها (ثم) بعد ذهاب بصرها (بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت)
فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ
ــ
وسقطت (في حفرة) أي في حفيرة من أرضها (فماتت) في تلك الحفيرة فسبحان الناصر للمظلوم والمنتقم من الظالم يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه.
(تتمة): قال القرطبي: (وقول مروان لما سمع الحديث لا أسألك بينة) قرأناها بفتح الكاف على خطاب سعيد، وفيه إشكال وذلك أن الأرض كانت في يد سعيد وادعت المرأة أنه غصبها إياها، ألا ترى قول عروة إن أروى ادعت على سعيد أنه أخذ لها شيئًا من أرضها فهو المدعى عليه وكيف يكفف المدعى عليه بإقامة بينة على إبطال دعوى المدعِي وإنما القضاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي المدَّعِي:"شاهداك أو يمينه" رواه أحمد والبخاري، وإنما يصلح أن يُخاطب بهذه المدّعِية وعلى هذا فينبغي أن تكون مكسورة ويكون مروان قال ذلك لها: كفًّا لها من تماديها على دعواها لعلمه بصدق سعيد من جهة قرائن أحواله لا أن الخبر الذي ذكره يدل على براءته من دعواها لكن يدل عليها ما كان معلومًا من دين سعيد ومن ورعه وفضله وأنه مشهود له بالجنة وعظم هذا الوعيد الشديد الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة مع نزارة هذا القدر المدَّعَى عليه به فحصل عند مروان العلم بصدقه فقال للمرأة: لا أسألك بينة. أي لأنك لا تجدينها بوجه ثم إنه لم يقض بينهما بشيء ولم يحوجه سعيد إلى قضاء بل بادر إلى أن سلم لها ما ادعت وزادها من أرضه فقال: دعوها لها. (قلت): فهذا هو الذي ظهر لي في هذا الخطاب فإنه إن كان متوجهًا لسعيد لزم أن يكون مروان عدل عن جهة القضاء المنصوص عليها التي لا اختلاف فيها، وأن سعيدًا أقره عليها وكل ذلك باطل فتعين ما اخترناه من كون الكاف مكسورة خطابًا للمرأة والله أعلم.
ويعني بـ (البينة) على فتح الكاف من يشهد لسعيد بصحة الحديث الذي رواه كما مر في حلنا لأنه صدّقه في الرواية ولم يحتج إلى الاستظهار بزيادة شهادة غيره على ذلك ولم يرد بالبينة هنا الشهادة التي يستند حكم الحاكم إليها لأنها لا تلزم المدعى عليه فكيف يسقط عنه ما لا يلزم اهـ من المفهم.
(وقول سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها) دليل على أن سعيدًا استجاز الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وفيه إشكال مع قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى / 40] وقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ}
4002 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا يَحْيى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،
ــ
[البقرة / 194] ووجه الإشكال أنه كما لا يجوز أن يأخذ من الظالم والغاصب زيادة على القصاص أو على مقدار ما أخذ كذلك لا يجوز أن يدعو عليه بزيادة على ذلك لإمكان الإجابة فتحصل الزيادة الممنوعة ولو لم يستجب له أليس قد أراد وتمنى شرًّا زائدًا على قدر الجناية للمسلم وهو ممنوع منه، وإنما الذي يجوز أن يدعو به على الظالم أن يقول: اللهم خذ لي حقي منه اللهم افعل به ما فعل، وما أشبه ذلك {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى / 43].
ويُجاب عنه بالفرق بين الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه وبين أن يفعل به أكثر مما ظلم فيه فإن الدعاء ليس مقطوعًا بإجابته فإذا صدر عن المظلوم بحكم حرقة مظلمته وشدة موجدته لم نقل إنه صدر عنه محرم وغاية ذلك أن يكون ترك الأولى لأنه منتصر ولأنه لم يصبر ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك ودعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، رواه البيهقي، ويدل على جواز ذلك ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا خلق الثياب فأمره أن يلبس ثوبيه فلما لبسهما قال: "ما له، ضرب الله عنقه أليس هذا خيرًا" رواه مالك والحاكم وابن حبان والبزار، وفي كتاب أبي داود عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك وهو يصلي فقال: "قطع صلاتنا قطع الله أثره" قال: فما قمت عليهما إلى يومي هذا يعني رجليه فدل هذا على أن الدعاء المذكور ليس محرمًا، وأما قوله: إن أراد الشر للظالم وتمناه فنقول بجواز ذلك ليرتدع الظالم عن شره أو غيره ممن يريد الظلم والشر ولو سلمنا أن ذلك لا يجوز لأمكن أن يقال: إنه لا يلزم من الدعاء بالشر أن يكون ذلك الشر متمنى ولا مرادًا للداعي فإن الإنسان قد يدعو على ولده وحبيبه بالشر بحكم بادرة الغضب ولا يريد وقوعه به ولا يتمناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال:
4002 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9)(عن هشام) بن عروة (عن أبيه)
عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
4003 -
(1549)(114) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيرِ حَقِّهِ، إِلَّا طَوَّقَهُ اللهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ الْقِيَامَةِ".
4004 -
(1550)(115) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ). حَدَّثنَا حَرْبٌ (وَهُوَ
ــ
عروة بن الزبير (عن سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل العدوي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن زكرياء لحماد بن زيد (قال) سعيد:(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوّقه يوم القيامة من سبع أرضين) قد تقدم ما فيه من البحث.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعيد بن زيد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4003 -
(1549)(114)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني، صدوق، من (6)(عن أبيه) أبي صالح السمان المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يأخذ) ولا يقتطع (أحد شبرًا) أي قدر شبر (من الأرض بغير حقه) بغير استحقاقه يعني ظلمًا (إلا طوّقه الله) سبحانه وتعالى أي جعل الله ذلك الشبر طوقًا له (إلى سبع أرضين) أي من سبع أرضين (يوم القيامة) وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سعيد بن زيد بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4004 -
(1550)(115)(حدثنا أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي (الدورقي) الأصل نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، ثقة، من (10)(حدثنا عبد الصمد يعني ابن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثنا حرب وهو
ابْنُ شَدَّادٍ). حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) عَن مُحَمَّدِ بْنِ إِبرَاهِيمَ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ بَينَهُ وَبَينَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، وَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهَا. فَقَالتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَه مِنْ سَبع أَرَضِينَ".
4005 -
(00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. أَخْبَرَنَا أَبَانٌ. حَدَّثنَا يَحْيَى؛
ــ
ابن شداد) اليشكري أبو الخطاب البصري، ثقة، من (7)(حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5)(عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد القرشي التيصي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5)(أن) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (أبا سلمة) المدني، ثقة، من (3)(حدّثه) أي حدّث لمحمد بن إبراهيم (وكان بينه) أي بين أبي سلمة (وبين قومه) أي قوم أبي سلمة وعشيرته، لم أر من ذكر أسماءهم (خصومة) أي منازعة (في أرض وأنه) أي وأن أبا سلمة (دخل على عائشة) رضي الله تعالى عنها (فذكر) أبو سلمة (ذلك) الذي جرى بينه وبين قومه من الخصومة في أرض (لها) أي لعائشة (فقالت) عائشة له:(يا أبا سلمة اجتنب الأرض) أي الظلم فيها وابتعد عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد بغدادي، وإنما أمرتك بالاجتناب منه (فإن) أي لأن (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم) أي من أخذ ظلمًا (قيد شبر) بكسر القاف أي قدر شبر يقال: قيد وقاد وقيس وقاس بمعنى واحد (من الأرض طوّقه) يوم القيامة (من سبع أرضين).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2453].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
4005 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج النيسابوري التميمي، ثقة، من (11)(أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (بن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا أبان) بن يزيد العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي
أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَثَّهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
4006 -
(1551)(116) حدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا اختَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيق، جُعِلَ عَرْضُهُ سَبعَ أَذرُعٍ"
ــ
كثير (أن محمد بن إبراهيم) التيمي المدني (حدّثه) أي حدّث ليحيى بن أبي كثير (أن أبا سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (حدّثه) أي حدّث لمحمد بن عبد الرحمن (أنه) أي أن أبا سلمة (دخل على عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة أبان بن يزيد لحرب بن شداد (فذكلر) أبان بن يزيد (مثله) أي مثل ما حدّث حرب بن شداد.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4006 -
(1551)(116)(حدثنا أبو كامل) البصري (فضيل بن حسبن الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم كان مولى حفصة بنت سيرين أبو إسماعيل الدباغ البصري، ثقة، من (7)(حدثنا خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبو المنازل البصري (الحذاء) ثقة، من (5)(عن يوسف بن عبد الله) بن الحارث الأنصاري أبي الوليد البصري ابن أخت محمد بن سيرين، روى عن أبيه في البيوع، وأنس بن مالك في الطب، وأبي العالية الرياحي في الدعاء، وخاله محمد بن سيرين والأحنف وجماعة، ويروي عنه (م ت س ق) وخالد الحذاء وعاصم الأحول وحماد بن سلمة وغيرهم، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن أبيه) عبد الله بن الحارث الأنصاري أبي الوليد البصري، تابعي ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اختلفتم) أيها المسلمون (في الطريق) أي في قدره (جُعل عرضه) أي عرض الطريق (سبع أذرع) بالذراع المعتاد هكذا هو في أكثر النسخ بالتذكير سبع أذرع، وفي بعضها سبعة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أذرع بالتأنيث وهما صحيحان لأن الذراع يذكر ويؤنث والتأنيث فيه أفصح، قال النواوي: معنى الحديث إذا كان الطريق بين أراضي القوم وأرادوا إحياءها فإن اتفقوا على شيء فذاك وإن اختلفوا في قدره جُعل سبعة أذرع، وأما إذا وجدنا طريقًا مسلوكًا وهو أكثر من سبع أذرع فلا يجوز لأحد أن يتولى على شيء منه اهـ وقال الخطابي: قد يكون ذلك الاختلاف في الطريق الواسع من شوارع المسلمين يقعدون في جانبيه ليبيعوا شيئًا فإن كان المتروك منه للمارين سبع أذرع لم يمنعوا من القعود فيه وإن كان أقل مُنعوا ليرتفق المارون بالأحمال اهـ من المبارق.
قال القرطبي: قوله: (إذا اختلفتم في الطريق) هذا محمول على أمهات الطرق التي هي ممر عامة الخلق بأحمالهم ومواشيهم فإذا تشاح من له أرض تتصل بها مع من له فيها حق جُعل بينهما سبع أذرع بالذراع المتعارفة في ذلك طريقًا للناس وخُلي بينهما وبين ما زاد على ذلك، وأما بُنيات الطرق فبحسب ما تدل عليه العادة وتدعو إليه الحاجة وذلك يختلف بحسب اختلاف المتنازعين فليست طريق من عادته استعمال الدواب والمواشي وأهل البادية كعادة من لا يكون كذلك من أهل الحاضرة، ولا مسكن الجماعة كمسكن الواحد والاثنين وإنما ذلك بحسب مصلحتهم وعلى هذا يحتاج أهل البادية من توسيع الطريق إلى ما لا يحتاج إليه أهل الحاضرة وتحتاج طرق الفيافي والقفار من التوسيع أكثر من سبع أذرع لأنها ممر الجيوش والرفاق الكبار وهذا كله تفصيل أصحابنا وصحيح مذهب مالك ولو جُعل الطريق في كل محل سبع أذرع لأضر ذلك بأملاك كثير من الناس ويلزم أن تُجعل بنيات الطرق من الأزقة وغيرها كالأمهات المسلوكة للناس وكطرق الفيافي وذلك محال عادي وفساد ضروري.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 228 و 229]، والبخاري [2473]، وأبو داود [3633]، والترمذي [1355]، وابن ماجه [2238].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث سعيد بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به، والثالث: حديث عائشة للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.