الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به
4094 -
(1574)(138) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ. قَال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال: لَا. قُلْتُ:
ــ
588 -
(28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به
4094 -
(1574)(138)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن مالك بن منول) البجلي الكوفي، ثقة، من (7)(عن طلحة بن مصرف) بن عمرو بن كعب اليامي أبي محمد الكوفي، ثقة، من (5) (قال) طلحة:(سألت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبا إبراهيم الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه أي سألته فقلت له: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا عند وفاته (فقال) عبد الله بن أبي أوفى (لا) أي ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أطلق الجواب وكأنه فهم أن السؤال وقع عما اشتهر بين الجهال من الوصية إلى أحد أو فهم السؤال عن الوصية في الأموال فلذلك ساغ نفيها لا أنه أراد نفي الوصية مطلقًا لأنه ثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله أي بدينه أو به وبنحوه ليشمل السنة لأنه سيأتي حديث أوصيكم بثلاث الخ اهـ من بعض الهوامش. ولعل سبب هذا السؤال أن الشيعة كانوا قد وضعوا أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك منهم علي رضي الله عنه كما سيأتي في شرح الحديث الآتي، وكذلك زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم ترك أموالًا وصية لأقاربه قوله:(فقال لا) إنما نفى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه الوصية بالمال وبالخلافة فهذا الجواب لا ينافي ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أوصى المسلمين بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه ونحو ذلك فإن السؤال كان في الوصية بالمال وبالخلافة كما فهمه عبد الله بن أبي أوفى من سياق الكلام فأجابه بما يطابقه، قال طلحة:(قلت) لابن أبي أوفى إذا كان
فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ، أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيّةِ؟ قَال: أَوْصى بِكِتَابِ اللهِ عز وجل
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص شيئًا (فلِمَ كتب) وفُرض بالبناء للمفعول (على المسلمين الوصية) يعني بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ} وهذه الآية منسوخة عند الجمهور بآية الميراث ويحتمل أن يكون طلحة بن مصرف ممن يزعم أن آية وجوب الوصية غير منسوخة، وبحتمل أن يكون مراده ندب الوصية واختار لفظ كُتب لما هو مستحب نظرًا إلى تأكد استحبابه (أو) قال الراوي:(فلِمَ أُمروا) أي فلم أُمر المسلمون (بالوصية) بالشك من الراوي هل قال فلم كتب على المسلمين الوصية أو قال: فلم أُمروا بالوصية (قال) عبد الله بن أبي أوفى (أوصى) إلى الناس (بكتاب الله عز وجل أي بالتمسك بكتاب الله ودينه وسنة رسوله لعله أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله" وأما ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الوصية الجزئية فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه وإنما اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط أو كان لم يحضر شيئًا من الوصايا الجزئية أو لم يستحضرها حال الجواب كذا في فتح الباري [5/ 268].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 381]، والبخاري [2740]، والترمذي [2119]، والنسائي [8/ 240]، وابن ماجه [2696].
قال القرطبي: قوله: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهره أنه سأله هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم وصية بشيء من الأشياء لأنه لو أراد شيئًا واحدًا لعينه فلما لم يقيده بقي على إطلاقه فأجابه بنفي ذلك فلما سمع طلحة هذا النفي العام، قال مستبعدًا كيف كتب على المسلمين الوصية ومعناه كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوصية والله تعالى قد كتبها على الناس، وهذا يدل على أن طلحة وابن أبي أوفى كانا يعتقدان أن الوصية واجبة على كل الناس وأن ذلك الحكم لم يُنسخ وفيه بُعدٌ، ثم إن ابن أبي أوفى غفل عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهي وصايا كثيرة فمنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يقسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا ولا نورث ما تركنا صدقة" وقال عند موته: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب وأخرجوا المشركين منها وأجيزوا
4095 -
(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قُلْتُ: فَكَيفَ أُمِرَ النَّاسُ بِالْوَصِيَّةِ؟ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: قُلْتُ: كَيفَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ؟
4096 -
(1575)(139) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وأَبُو
ــ
الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" وآخر ما وصى به أنه قال: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" وهذه كلها وصايا منه ذهل عنها ابن أبي أوفى، وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته لجماعة من قبائل العرب بجداد أو ساق من تمر سهمه بخيبر ذكره في السيرة ولم يذكر ابن أبي أوفى من جملة ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله إما ذهولًا وإما اقتصارًا لأنه أعظم وأهم من كل ما وصى به وأيضًا فإذا استوصى الناس بكتاب الله فعملوا به قاموا بكل ما أوصى به والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال:
4095 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الله بن نمير رويا (عن مالك بن مغول) البجلي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن طلحة بن مصرف عن ابن أبي أوفى (مثله) أي مثل ما روى عبد الرحمن بن مهدي، غرضه بيان متابعتهما لابن مهدي (غير أن) أي لكن أن (في حديث وكيع) وروايته قال طلحة:(قلت) لابن أبي أوفى: (فكيف أُمر الناس) بالبناء للمجهول (بالوصية، وفي حديث ابن نمير) وروايته قال طلحة: (قلت) لابن أبي أوفى (كيف كُتب على المسلمين الوصية) وهذا بيان لمحل اختلافهما.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن أبي أوفى بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:
4096 -
(1575)(139) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو
مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاويةَ. قَالا: حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيءٍ
ــ
معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2)(عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة (قالت) عائشة:(ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لورثته (دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا ولا أوصى) لأحد من ماله (بشيء) قليل ولا كثير لعدم تركه مالًا وإن أوصى بالكتاب والسنة كما مر بيانه ولا أوصى لأحد بالخلافة فإنها مقصودها بالإنكار كما سيأتي التصريح به منها في التالية.
قوله: (ما ترك) الخ ولعل من تمام هذا الحديث ما أخرجه ابن سعد في طبقاته [2/ 316] بطرق مختلفة عن زر بن حبيش عن عائشة أن إنسانًا سألها عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألني لا أبا لك توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرًا.
قوله: (دينارًا ولا درهمًا) الخ كذا ثبت عن غير واحد من الصحابة والتابعين أنه صلى الله عليه وسلم: لم يترك دينارًا ولا درهمًا ذكره أيضًا عمرو بن الحارث وابن عباس وعلي بن الحسين زين العابدين وغيرهم راجع لرواياتهم طبقات ابن سعد [2/ 316 و 317] وذكر المحب الطبري في خلاصة السير ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبي حبرة وإزارًا عمانيًا وثوبين صحاريين وقميصًا صحاريًا وقميصًا سحوليًا وجبة يمنية وقميصًا وكساء بيضًا وقلانس صغارًا لاطية ثلاثًا أو أربعًا وإزارًا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة كذا في تاريخ الخميس للإمام الديار بكري [2/ 173].
قوله: (ولا أوصى بشيء) يعني في أمر المال والخلافة وإلا فقد ثبت عنه عدة
4097 -
(00)(00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كُلُّهُمْ عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ). جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
4098 -
(1576)(140) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى). قَال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
ــ
وصايا نصح بها الأمة وإن الكلام كان في وصيته بالمال أو الخلافة ولذلك نفت الوصية مطلقًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2863]، والنسائي [6/ 240]، وابن ماجه [2695].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
4097 -
(00)(00)(وحدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم كلهم عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (ح وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (أخبرنا عيسى وهو ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (جميعًا) أي كل من جرير بن عبد الحميد وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى عبد الله بن نمير وأبو معاوية عن الأعمش، والغرض بيان متابعتهما إياهما ولو قال مثلهما لكان أقعد وأوضح إلا أن يقال إن المقصود من المتقارنين في المتابعة الأول وهو هنا عبد الله بن نمير فلذلك أفرد الضمير.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن أبي أوفى بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4098 -
(1576)(140)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ ليحيى قال) يحيى بن يحيى (أخبرنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6)(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5)
عَنِ الأَسوَدِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ؛ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا. فَقَالتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيهِ؟ فَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي (أَوْ قَالتْ: حَجْرِي) فَدَعَا بِالطَّسْتِ. فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي. وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ مَاتَ. فَمَتَى أَوْصَى إِلَيهِ؟
ــ
(عن الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) الأسود (ذكروا) أي ذكر الناس الحاضرون (عند عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني (أن عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه (كان وصيًّا) للنبي صلى الله عليه وسلم في الخلافة (فقالت) عائشة: إنكارًا على من يزعم ذلك (متى أوصى) النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى علي بن أبي طالب أي ففي أي وقت أوصى إلى علي (فـ) إني (قد كنت مسندته) صلى الله عليه وسلم أي مسندة ظهره (إلى صدري أو قالت) عائشة كنت مسندة ظهره إلى (حجري) أي إلى مقدم بدني بدل صدري، والشك من الأسود أو ممن دونه، وحجر الإنسان بالفتح وقد يكسر حضنه وهو ما دون إبطه إلى الكشح كما في المصباح (فدعا) أي طلب (بالطست) ليبول فيه أو ليتفل فيها، فقوله:(فدعا بالطست) زاد النسائي ليبول فيه وفي رواية الإسماعيلي ليتفل فيها ذكرها الحافظ في الفتح [8/ 113] ويمكن الجمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالطست ولم يبين غرضه فترددت عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم دعا به ليبول فيه أو ليتفل فيه فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر والله أعلم. والطست إناء صغير من النحاس (فـ) والله (لقد انخنث) أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت اهـ نهاية، أي فوالله انثنى واسترخى جسمه (في حجري) أي في مقدم بدني لموته (و) الحال أني (ما شعرت) ولا علمت (أنه مات فمتى أوصى إليه) أي إلى علي بالخلافة، والظاهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها إنكار ذلك واستندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها فلا يرد ما قيل إن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك ولا يقتضي أنه مات فجأة بحيث لم يتمكن من الإيصاء ولا يتصور ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم علم قرب أجله قبل المرض ثم مرض أيامًا فلم يوص لأحد لا في تلك الأيام ولا قبلها ولو وقع الإيصاء لادَّعاه الموصى له ولم يدع ذلك علي لنفسه ولا بعد أن ولي الخلافة ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر أحمد [6/ 32]، والبخاري [2741]، وابن ماجه [1626].
وقد أكثرت الشيعة والروافض من الأحاديث الكاذبة الباطلة واخترعوا نصوصًا على استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا وادعوا أنها تواترت عندهم وهذا كله كذب مركب ولو كان شيء من ذلك صحيحًا أو معروفًا عند الصحابة يوم السقيفة لذكروه ولرجعوا إليه ولذكره علي محتجًا لنفسه ولما حل أن يسكت عن مثل ذلك بوجه فإنه حق الله وحق نبيه صلى الله عليه وسلم وحقه وحق المسلمين ثم ما يعلم من عظيم علم علي رضي الله عنه وصلابته في الدين وشجاعته يقتضي أن لا يتقي أحدًا في دين الله كما لم يتق معاوية وأهل الشام حين خالفوا ثم إنه لما قتل عثمان ولى المسلمون باجتهادهم عليًّا ولم يذكر هو ولا أحد منهم نصًّا في ذلك فعلم قطعًا كذب من ادعاه وما التوفيق إلا من عند الله اهـ من المفهم.
قوله: (فلقد انحنث في حجري) قال ابن الأثير: الانخناث الانثناء والانكسار أرادت أنه استرخى جسمه فانثنت أعضاؤه فسقط تعني حين مات، والمخنث من الرجال هو الذي يميل وينثني تشبهًا بالنساء، واختناث السقاء هو إمالة فمه بعضه على بعض ولفه وتليينه ليشرب منه والحجر هنا هو حجر الثوب الذي على مقدم البدن والفصحى بفتح الحاء وسكون الجيم ويقال بكسرها، وأما الحجر على السفيه فبالفتح لا غير وهو بمعنى المنع فأما الحجر بالكسر فهو العقل ومنه قوله تعالى:{لِذِي حِجْرٍ} [الفجر / 5] والحرام ومنه قوله تعالى: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان / 22] وهذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في حجر عائشة رضي الله تعالى عنها وقد أورد الحاكم وابن سعد بعض الروايات في أنه صلى الله عليه وسلم توفي في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنها روايات ضعيفة لا تقوم بمثلها الحجة ولا تخلو من راو شيعي وقد بسط الحافظ في إثبات ضعفها تحت الحديث الثامن من باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته من مغازي فتح الباري [8/ 107].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن أبي أوفى بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:
4099 -
(1577)(141) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو الناقِدُ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ! وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ! ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى
ــ
4099 -
(1577)(141)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في خمسة عشر بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل البغدادي الثقفي البلخي (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (واللفظ لسعيد) بن منصور (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) خال ابن أبي نجيح المكي واسم أبي مسلم عبد الله، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي الفقيه قتيل حجاج الجائر، ثقة، من (3) (قال) سعيد (قال ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (يوم الخميس) خبر لمبتدأ محذوف تقديره ذلك يوم الخمس أي ذلك اليوم الذي نزل بنا فيه الرزية يوم الخميس أو مبتدأ خبره محذوف تقديره يوم الخميس يوم نزلت بنا فيه الرزية بفوات كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لنا (وما يوم الخميس) ما استفهامية مضمنة معنى التعجب في محل الرفع خبر مقدم للزومها الصدارة يوم الخميس مبتدأ مؤخر أي ويوم الخميس أي يوم هو هو يوم عجيب وهذا تعظيم وتفخيم لذلك اليوم على جهة التفجع والتحزن على ما فاتهم فيه من كتب كتاب لا يكون معه ضلال وهو بأكثر من ذلك التفجع وهذا نحو قوله تعالى:{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} وقوله: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ} وهذا المعنى الذي هَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته يحتمل أن يكون تفصيل أمور مهمة وقعت في الشريعة جملية فأراد تعيينها، ويحتمل أن يريد به بيان ما يرجعون إليه عند وقوع الفتن ومن هو أولى بالاتباع والمبايعة ويحتمل أن يريد به بيان أمر الخلافة وتعيين الخليفة بعده وهذا أقربها والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
قال النووي: معناه تفخيم أمره في الشدة والمكروه فيما يعتقده ابن عباس وهو امتناع الكتاب ولهذا قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب هذا الكتاب هذا مراد ابن عباس وإن كان الصواب ترك الكتاب اهـ (ثم) بعد هذا الكلام (بكى) ابن عباس بكاءً شديدًا (حتى بلَّ دمعه الحصى)
فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَال: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ. فَقَال: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي"
ــ
لشدة بكائه، ولفظ البخاري في باب جوائز الوفد من أواخر كتاب الجهاد (حتى خضب دمعه الحصباء) ولعل بكاء ابن عباس لكونه تذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجدد له الحزن عليه، ويحتمل أن يكون انضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية كذا في فتح الباري [8/ 100].
قال سعيد بن جبير: (فقلت) لابن عباس: (يا ابن عباس) ما سبب قولك (وما يوم الخميس) وما مرادك به فـ (قال) ابن عباس قلت ذلك لأنه قد (اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس (وجعه) أي مرضه الذي مات به، وزاد البخاري في باب الجهاد (يوم الخميس) وهذا يؤيد أن ابتداء مرضه كان قبل ذلك وإنما اشتد وجعه يوم الخميس، ووقع في الرواية الآتية عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لما حُضر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الحاء وكسر الضاد يعني لما حضره الموت وفي إطلاق ذلك تجوّز فإنه عاش بعد ذلك إلى يوم الاثنين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده:(ائتوني) بأداة كتابة من ورق وقلم إن أتيتموني بها (أكتب لكم كتابًا) فيه بيان مصالح أموركم الدينية والدنيوية لكيـ (لا تضلوا بعدي) عن طريق الحق والدين القويم وهو بالنصب بأن مضمرة بعد لام كي على تقدير لام كي كما قدرناه ولا نافية، وفي بعض الهوامش حُذفت النون لجزمه بالطلب السابق لأنه بدل من جواب الأمر، وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز قاله ابن حجر في باب كتابة العلم من علم صحيح البخاري وتأتي رواية لا تضلون بإثبات النون وسيأتي الكلام على هذا الكلام. الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته بعد رواية واحدة إن شاء الله تعالى.
قال القرطبي: قوله: (ائتوني) لا شك أن هذا أمر وطلب توجه لكل من حضر فكان حق كل من حضر المبادرة إلى الامتثال لا سيما وقد قرنه بقوله: لا تضلون بعده لكن ظهر لعمر ولطائفة معه أن هذا الأمر ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء كما قال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ} [النحل / 89] ومع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع فكره أن يتكلف من
فَتَنَازَعُوا. وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعْ. وَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ
ــ
ذلك ما يشق ويثقل عليه فظهر لهم أن الأولى أن لا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى أن يكتب متمسكة بظاهر الأمر واغتنامًا لزيادة الإيضاح ورفع الإشكال فيا ليت ذلك لو وقع وحصل ولكن قدر الله وما شاء فعل ومع ذلك فلا عتب ولا لوم على الطائفة الأولى إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذمهم بل قال للجميع: دعوني فالذي أنا فيه خير وهذا نحو مما جرى لهم يوم الأحزاب حيث قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فتخوّف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت، قال: فما عنَّف واحدًا من الفريقين، وسبب ذلك أن ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوّغ والقصد الصالح وكل مجتهد مصيب أو أحدهما مصيب والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول اهـ من المفهم.
وقوله: (فتنازعوا) إلى قوله: قال: دعوني مدرج من كلام ابن عباس أي قال ابن عباس: فتنازع الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا في إحضار الكتف والدواة وفي تركها، فقال بعضهم: نأتي بهما، وقال الآخرون: لا تأتوا بهما فتتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ينبغي) أي والحال أنه لا ينبغي ولا يليق (عند نبي) من الأنبياء (تنازع) أي اختلاف ولغط وارتفاع أصوات لما فيه من إساءة الأدب، وفي هذا إشعار بأن الأولى المبادرة إلى امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يتوقف في شيء منه إذا فهم مقصوده ولم يُشْكل منه شيء كيف لا؟ وهو المُبَلِّغ عن الله أحكامه ومصالح الدنيا والدين اهـ من المفهم (وقالوا): أي وقال الذين يريدون الكتابة لمن لا يريدها (ما شأنه) صلى الله عليه وسلم وحاله وكلامه هل هو مختلط أم صحيح (أ) تظنون أنه (هجر) واختلط كلامه لشدة المرض بل كلامه صحيح (استفهِموه) أي اطلبوا منه فهم ما يقول ويريد فاكتبوه، وقوله:(أهجر) بفتحتين على أنه ماض مقرون بهمزة الاستفهام الإنكاري، قال ابن الأثير: معناه هل تغير كلامه واختلف واختلط لأجل ما به من شدة المرض اهـ وهذه هي الرواية الصحيحة، وروى بعضهم:(أهُجُرًا) بضمتين وبالتنوين مع الهمزة على أنه مفعول أي أقال هجُرًا، والهجُرُ هذيان المريض وهو الكلام الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع مثل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في حال مرضه أو صحته
قَال: "دَعُونِي. فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيرٌ. أُوصِيكُمْ بِثَلاثٍ: أَخْرِجُوا
ــ
محال لأن الله تعالى حفظه من حين بعثه إلى حين قبضه عما يخل بالتبليغ ألا تسمع قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم / 3، 4] وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9] وقد شهد له بأنه على صراط مستقيم وأنه على الحق المبين إلى غير ذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني في الغضب والرضا فإني لا أقول على الله إلا حقًّا" رواه أحمد، ولما علم أصحابه هذا كانوا يأخذون عنه ما يقوله في كل حالاته حتى في هذه الحالة فإنهم تلقوا عنه وقبلوا منه جميع ما وصى به عند موته وعملوا على قوله:"لا نورث" وبقوله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" و"أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" إلى غير ذلك ولم يتوقفوا ولا شكوا في شيء منه، وعلى هذا يستحيل أن يكون قوله:(أهجر) لشك عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه وإنما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة وتلكأ عنه فكأنه يقول لمن توقف كيف تتوقف أتظن أنه قال هذيانًا فدع التوقف وقرّب الكتف فإنه إنما يقول الحق لا الهجر وهذا أحسن ما يُحمل ذلك عليه فلو قدرنا أن أحدًا منهم قال ذلك عن شك عرض له في صحة قوله: كان خطأ منه وبعيد أن يقره على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة وكبرائهم وفضلائهم هذا تقدير بعيد ورأي غير سديد، ويحتمل أن يكون هذا صدر من قائله عن دهش وحيرة أصابته في ذلك المقام العظيم والمصاب الجسيم كما قد أصاب عمر وغيره عند موته صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. قال بعضهم: ويحتمل أن يكون هذا من الهجر بضم فهو من الهذيان في الكلام كما يقع ذلك لمريض في شدة مرضه والمعنى عليه هل أمره هذا عزيمة أو هو من قبيل ما جرى على لسانه في حالة المرض دون أن يكون فيه عزيمة، ويحتمل أن يكون من الهجر بفتح الهاء بمعنى الفراق والمعنى عليه هل حان فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى الثاني أليق بسياق الكلام ودلالة الحال وحال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اهـ من التكملة، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعوني) أي خلوني عن اللغط واتركوني عن التنازع الذي أنتم فيه (فالذي أنا فيه) أي فالأمر الذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه (خير) مما أنتم فيه من التنازع وأفضل اهـ نووي، ثم قال صلى الله عليه وسلم:(أوصيكم) أي آمركم بطريق الوصية (بثلاث) خصال إحداها بقولي: (أخرجوا
الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَأَجِيزُوا الْوَقدَ
ــ
المشركين) أي اليهود (عن جزيرة العرب) وبلادهم يعني بالمشركين اليهود لأنه ما كان بقي مشرك في أرض العرب في ذلك الوقت غيرهم فتعينوا، وقد جاء في بعض طرقه:"أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" مفسرًا، والجزيرة فعيلة بمعنى مفعولة وهي مأخوذة من الجزر وهو القطع ومنه الجزار والجزارة من الغنم والجزور من الإبل كل ذلك راجع إلى القطع، وسميت أرض العرب جزيرة لانقطاعها عن سائر الأقاليم بإحاطة البحار بها والحرار، وأُضيف إلى العرب لاختصاصهم بها ولكونهم فيها ومنها، واختُلف في حدها فقال الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وفي العرض من جدة وما والاها إلى أطراف الشام، وقال أبو عبيد: هي ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة، وقال المخزومي عن مالك: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن، وحكى الهروي عنه المدينة، والأول هو المعروف عنه فقال مالك: يخرج من هذه المواضع التي ذكر المخزومي كل من كان على غير دين الإسلام ولا يُمنعون من التردد بها مسافرين وكذلك قال الشافعي غير أنه استثنى من ذلك اليمن ويُضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر حين أجلاهم، وقال الشافعي: ولا يدفن فيها موتاهم ويلجئون إلى الدفن بغيرها، وقد رأى الطبري أن هذا الحكم ليس خاصًّا بجزيرة العرب فقال: الواجب كل على إمام إخراجهم من كل مصر غلب عليه المسلمون إذا لم يكن من بلادهم التي صولحوا عليها إلا أن تدعو ضرورة لبقائهم بها لعمارتها فإذا كان ذلك فلا يدعهم في مصر مع المسلمين أكثر من ثلاث ليال وليسكنهم خارجًا عنهم ويمنعهم اتخاذ المساكن في أمصار المسلمين فإن اتخذوها باعها عليهم واستدل على ذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا تبقى قبلتان بأرض العرب" رواه أبو داود والترمذي بلفظ "لا تكون قبلتان في بلد واحد" وبقول ابن عباس: "لا يساكنكم أهل الكتاب في أمصاركم" وبإخراج علي رضي الله عنه أهل الذمة من الكوفة إلى الحيرة قال: إنما خص جزيرة العرب في الحديث لأنه لم يكن للإسلام يومئذٍ ظهور إلا بها (قلت): وتخصيص الحكم بجزيرة العرب هو قول المتقدمين والسلف الماضين فلا يعدل عنه؟ ولم يعرج أبو حنيفة على هذا الحديث فأجاز استيطان المشركين بالجزيرة ومخالفة مثل هذا جريرة اهـ من المفهم (و) ثانيتها بقولي: (أجيزوا) أي أعطوا الجائزة والعطية (الوفد) أي الجماعة المختارة التي قدمت عليكم أيها الولاة
بِنَحْو مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". قَال: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ. أَوْ قَالهَا فَأُنْسِيتهَا
ــ
(بنحو) أي بمثل (ما كنت) أنا (أجيزهم) وأعطيهم به (قال) سعيد بن جبير: (وسكت) ابن عباس (عن) ذكر الخصلة (الثالثة أو قالها) وذكرها ابن عباس (فـ) أنا (أُنسيتها) فالساكت هو ابن عباس والناسي هو سعيد بن جبير، قال المهلب: والثالثة هي تجهيز جيش أسامة كما سيأتي والشك من سعيد بن جبير.
قوله: (وأجيزوا الوفد) والوفد جمع وافد كصحب وصاحب وركب وراكب وجمع الوفد أوفاد ووفود والوفادة الاسم وهو القادم على القوم والرسول إليهم يقال: أوفدته أرسلته والإجازة العطية وهذا منه صلى الله عليه وسلم عهد ووصية لولاة المسلمين بإكرام الوفود والإحسان إليهم قضاء لحق قصدهم ورفقًا بهم واستئلافًا لهم وتطييبًا لنفوسهم وترغيبًا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم وإعانة لهم على سفرهم، قال القاضي أبو الفضل: وسواء في ذلك عند أهل العلم كانوا مسلمين أو كفارًا لأن الكافر إنما يفد في مصالح المسلمين قال: وهذه سنة لازمة للأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو قال أُنسيتها) يريد سعيد بن جبير قال المهلب: الثالثة هي تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه وقال غيره: ويحتمل أن تكون هي قوله: "لا تتخذوا قبري وثنًا" وقد ذكر مالك في الموطأ ما يدل على ذلك من حديث عمر فإنه قال فيه أول ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يَبْقَيَنَّ دينان بجزيرة العرب" رواه مالك [2/ 893] اهـ من المفهم.
قوله: (وأجيزوا الوفد) أيضًا يعني أعطوهم جائزة، والجائزة عطية من الكبير وقد ذكر الحافظ عن بعض العلماء: أن أصله أن ناسًا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال: أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجهًا فسُميت عطية من يقدم على الكبير جائزة. قوله: (بنحو ما كنت أجيزهم) أي بقريب منه وكانت جائزة الواحد على عهده صلى الله عليه وسلم أوقية من فضة وهي أربعون درهمًا كذا في فتح الباري [8/ 103].
قوله: (وسكت عن الثالثة) وقد مر آنفًا عن النووي أن الساكت ابن عباس والناسي سعيد بن جبير ولكن الصحيح أن الساكت سعيد بن جبير والناسي سليمان الأحول وذلك لما أخرجه الحميدي في مسنده [1/ 241] في آخر هذا الحديث قال سفيان: قال
قَال أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الْحَدِيثِ.
4100 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛
ــ
سليمان: لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها. ولما أخرج أحمد في مسنده [1/ 222] عن سفيان قال: وسكت عن الثالثة، واختلف الشراح في تعيين الثالثة فقال الداودي: الثالثة الوصية بالقرآن وبه جزم ابن التين، وقال المهلب: بل هي تجهيز جيش أسامة وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبي بكر في تنفيذ جيش أسامة قال لهم أبو بكر: إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك عند موته، وقال عياض: يحتمل أن تكون هي قوله: "ولا تتخذوا قبري وثنًا" فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، ويحتمل أن تكون ما وقع في حديث أنس من قوله صلى الله عليه وسلم:"الصلاة وما ملكت أيمانكم" كذا في فتح الباري (قلت): والكل محتمل ولا سبيل إلى الجزم بتعيينها بعدما نسي الراوي والله أعلم.
(قال أبو إسحاق إبراهيم) بن محمد بن سفيان: (حدثنا الحسن بن بشر) السلمي النيسابوري، صدوق، من (11) (قال) الحسن:(حدثنا سفيان) بن عيينة بالسند السابق (بهذا الحديث) المذكور وأبو إسحاق هذا هو تلميذ المؤلف رحمه الله تعالى الذي روى عنه كتابه هذا فذكر أن هذا الحديث بلغه أيضًا بإسناد عال من غير واسطة الإمام مسلم رحمه الله تعالى فساوى فيه أستاذه لأن الحديث بلغ الإمام مسلمًا رحمه الله بواسطة رجل واحد إلى سفيان بن عيينة وكذلك بلغ تلميذه بواسطة رجل واحد إليه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4431].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
4100 -
(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي (عن مالك بن مغول) البجلي الكوفي، ثقة، من (7)(عن طلحة بن مصرف) بن عمرو اليامي الكوفي، ثقة، من (5)(عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان
أَنَّهُ قَال: يَوْمُ الْخَمِيسِ! وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ! ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ. حَتَّى رَأَيتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَأَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ (أَو اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ) أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا" فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ
ــ
متابعة طلحة بن مصرف لسليمان الأحول (أنه) أي أن ابن عباس (قال يوم الخميس) عجيب (وما يوم الخميس) أي ما أدراكم شأن يوم الخميس (ثم جعل) وشرع ابن عباس (تسيل) وتجري (دموعه) من عينيه تذكرًا لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتأسفًا عليه (حتى رأيت على خديه) بكثرة حالة كون دموعه (كأنها نظام اللولو) والجملة التشبيهية حال من الدموع وإضافة النظام إلى اللؤلؤ من إضافة الصفة إلى الموصوف أي حالة كونها مشبهة باللؤلؤ المنظوم في الخيط في صفائها وتعاقبها في النزول والجريان، واللؤلؤ جوهر براق معروف ونظامه عقده في الخيط كالمسبحة (قال) ابن عباس: وإنما ذكرت يوم الخميس تأسفًا على ما وقع فيه لأنه اشتد فيه الوجع على رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (ائتوني بالكتف) وكانوا يستعملون عظم كتف الشاة أو البعير للكتابة عليها لعوز القرطاس أو لندرته (والدواة) وهي المحبرة التي يكتب بما فيها من الحبر جمعها دويات مثل حصاة وحصيات، وذكر الحافظ في الفتح [1/ 186] أن المأمور به كان عليًّا رضي الله عنه واستدل له برواية في مسند أحمد [1/ 90] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه، قال: قلت: إني أحفظ وأعي، قال:"أوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم" لكن هذا الحديث في إسناده نعيم بن يزيد وهو مجهول كما في التهذيب (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عباس: ائتوني بـ (اللوح والدواة) والشك من الراوي أو ممن دونه هل قال: بالكتف والدواة أو قال باللوح والدواة، قال في المصباح: اللوح كل صفيحة من خشب وكتف إذا كتب عليه سمي لوحًا، وقوله:(أكتب لكم كتابًا) فيه مجاز مرسل قاله ابن حجر أي آمر لكم بكتب كتاب (لن تضلوا) ولن تخطئوا عن الطريق الحق (بعده) أي بعد ذلك الكتاب أو بعد النبي ولكن فيه التفات حينئذٍ (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان (فقالوا): أي فقال الحاضرون عنده بعضهم لبعض: (إن رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ.
4101 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ
ــ
صلى الله عليه وسلم يهجر) ويهذي أي يتكلم كلام المريض الوجع الذي اختلط كلامه فلا تتعبوه بإحضار أداة الكتابة والله أعلم.
وقوله: (يهجر) قد مر تفسير الهجر عن ابن الأثير بأحسن التعبير وذاك الاستفهام، وكانت تلك الرواية أأدب من هذه الرواية فضلًا عن كونها مقرونة بأداة التأكيد التي هي إن المشددة حيث قال هنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر.
وفي الحديث دليل على جواز كتابة العلم والحديث وهذا وأشباهه ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن ومن كتب عني شيئًا فليمحه" رواه أحمد [3/ 12 و 39 و 56] ومسلم [3004] ، والدارمي [1/ 119].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
4101 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري، ثقة، من (11) (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7)(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب المدني، من (4)(عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني الأعمى، ثقة، من (3)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لسعيد بن جبير (قال) ابن عباس:(لما حُضر) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حضره الموت، قال ابن حجر: وفي إطلاق ذلك تجوّز لأنه عاش بعد ذلك أيامًا إلى يوم الاثنين (وفي البيت) أي والحال أن في بيت عائشة عنده صلى الله عليه وسلم (رجال) من أصحابه (فيهم) أي في أولئك الرجال (عمر بن
الْخَطَّابِ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ". فَقَال عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيهِ الْوَجَعُ. وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ. حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيتِ. فَاخْتَصَمُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا
ــ
الخطاب) رضي الله عنهم أجمعين، والفاء في قوله:(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زائدة في جواب لما أي لما حضره الوفاة أي مقدماتها وهي شدة المرض قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلم) أي أقبلوا إلي وائتوني باللوح والدواة (أكتب لكم كتابًا) جامعًا لمصالح دينكم ودنياكم (لا تضلون بعده) أي بعد ذلك الكتاب عن الطريق المستقيم (فقال عمر) بن الخطاب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كلب) واشتد (عليه الوجع) أي الألم (وعندكم القرآن) فهو (حسبنا) أي كافينا في بيان أحكام ديننا وهو (كتاب الله) تعالى ويصح كون حسبنا خبرًا مقدمًا وكتاب الله مبتدأ مؤخر أي كتاب الله حسبنا، فلا تتعبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحضار ما طلب لأنه وجع فيشق عليه إملاء الكتاب، ظهر لسيدنا عمر أن الأمر ليس للوجوب ودل أمره لهم بالقيام من عنده كما يأتي في هذا الحديث على أن أمره بالإتيان بآلة الكتابة كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم لأنه لا يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يُراجعون في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر كما راجعوه يوم الحديبية في الحلاق وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش فإذا عزم امتثلوا، وقد عُدَّ هذا من موافقات سيدنا عمر وفراساته واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابًا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف، وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء حتى لا يقع بينهم الاختلاف قاله سفيان بن عيينة، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة:"ادْعِي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" أخرجه مسلم، وللبخاري معناه والأول أظهر لقول عمر رضي الله عنه:
حسبنا كتاب الله مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض أفراده كما في الفتح.
(فاختلف أهل البيت) أي أهل بيت عائشة من الرجال الذين حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإتيان بأدوات الكتابة أو تركها (فاختصموا) في ذلك وتنازعوا حتى ارتفعت أصواتهم (فمنهم من يقول: قرِّبوا) أدوات الكتابة إلى رسول الله صلى الله
يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَال عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قُومُوا".
قَال عُبَيدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَال بَينَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَينَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذلِكَ الْكِتَابَ، مِنِ اخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ
ــ
عليه وسلم (يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر) من قوله عندنا كتاب الله فهو حسبنا فلا تتعبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما أكثروا اللغو) أي الكلام الملغي الذي لا نتيجة له (والاختلاف) أي التنازع (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: (قوموا) عني ولا تشغلوني عما أنا فيه من المراقبة والاستعداد للقاء الله تعالى.
(قال عبيد الله) بن عبد الله بالسند السابق (فكان ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول) عندما يحدّث بهذا الحديث ووقع في رواية البخاري في العلم فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية الخ وظاهره أن ابن عباس كان معهم وأنه في تلك الحالة خرج قائلًا هذه المقالة، ولكن حقق الحافظ في الفتح [1/ 186] أن الأمر ليس في الواقع كما يقتضيه هذا الظاهر بل قول ابن عباس المذكور إنما كان يقوله عندما يحدّث بهذا الحديث وأيد الحافظ ذلك بروايات عدة (إن الرزية كل الرزية) أي إن المصيبة كامل المصيبة، أصله الرزيئة بوزن النسيئة وكذلك وقع في بعض روايات البخاري ومعناها المصيبة، وقد تُسهّل الهمزة وتشدّد الياء فيقال: إن الرزية بوزن النسية كما النسيئة والنسية (ما حال) وحجز (بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم) وتنازعهم في الكتابة (ولغطهم) بيان لما الموصولة بفتح الغين وإسكانها يعني الضجة واختلاف الصوت كما في جامع الأصول لابن الأثير، قال في المصباح: اللغط بفتحتين كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين وبابه نفع وألغط بالألف لغة فيه اهـ.
وشارك المؤلف في هذه الرواية أيضًا البخاري فقط [4432].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عبد الله بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي أوفى ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.