الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة
4220 -
(1616)(179) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هُشَيمٍ. (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) قَال: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ وَحُمَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَينَةَ
ــ
599 -
(39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة
والمحاربون جمع محارب وهو كل من حارب الإسلام والمسلمين ولو بإخافة المارة إن لم تكن لهم شوكة فإن كانت لهم شوكة بالعَدد والعُدد يسمون بغاة كما هو مبسوط في كتب الفروع وقال الشافعي وآخرون: عقوبتهم على التقسيم فإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا قصاصًا وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا قصاصًا وصلبوا تعزيرًا فإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حدًّا فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئًا ولم يقتلوا طلبوا للتعزير وهو المراد بالنفي عندنا قال أصحابنا: لأن ضرر هذه الأفعال مختلف فكانت عقوباتها مختلفة ولم تكن أو في الآية للتخيير بل للتنويع وتثبت أحكام المحاربة في الصحراء وهل تثبت في الأمصار فيه خلاف قال أبو حنيفة: لا تثبت وقال مالك والشافعي: تثبت اهـ نووي بزيادة والمرتدون جمع مرتد وهو من قطع الإسلام بفعل مكفر أو قوله أو اعتقاده وحده القتل والقصاص استيفاء القود في النفس والأطراف والأعضاء وغيرها ويسمى حد القتل أو القطع وعطفه على ما قبله من عطف المغاير.
4220 -
(1616)(179)(وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (كلاهما) رويا (عن هشيم) بن بشير بوزن عظيم السلمي الواسطي ثقة، من (7) (واللفظ ليحيى قال) يحيى:(أخبرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب) البناني بضم الباء نسبة إلى سكة بالبصرة تسمى بنانة وليس منسوبًا إلى قبيلة بنانة كثابت بن أسلم البصري (وحميد) بن أبي حميد الطويل البصري كلاهما رويا (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن ناسًا من عرينة) مصغرًا بوزن جهينة وهي من قضاعة وحي من بجيلة من قحطان والمراد هنا هو
قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الْمَدِينَةَ. فَاجْتَوَوْهَا. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدقَةِ فَتَشْرَبُوا
ــ
الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وقد وقع في بعض الروايات أنهم كانوا من عكل بضم العين وسكون الكاف وهي قبيلة من تيم الرباب وجمع بعض الرواة بينهما فقال: (من عكل أو عرينة) بالشك كما في البخاري في الوضوء أو (من عكل وعرينة) بلا شك كما عند البخاري في المغازي ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: (كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل) ولا يخالف هذا ما أخرجه البخاري في الجهاد والديات (أن رهطًا من عكل ثمانية) لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب هذا ملخص ما في فتح الباري [1/ 337] فراجعه للتفصيل.
(قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت غزوة ذي قرد في جمادى الآخرة سنة ست وذكرها البخاري في المغازي بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة سنة ست وذكرها الواقدي في مغازيه أنها كانت في شوال منها وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما كذا في الفتح (وقوله: المدينة) أخرج البخاري في المحاربين عن أنس قال: قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفة وهذا يدل على أنهم أقاموا في الصفة قبل خروجهم إلى إبل الصدقة وزاد في رواية يحيى بن أبي كثير (فأسلموا) وفي رواية أبي رجاء (فبايعوه) على الإسلام (فاجتووها) أي كرهوا هواء المدينة ومرضوا فيها قال ابن فارس: يقال اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة فيه وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز: (اجتووا) أي لم يوافقهم طعامها وقال القرطبي: (اجتووها) أي لم توافقهم صحتهم يقال: اجتوى البلد واستوبله واستوخمه إذا سقم فيه عند دخوله اهـ أي استوخموا المدينة وكرهوا الإقامة بها لم يوافقهم هواؤها وحاصل ما ذكر أنهم كانوا في هزال شديد من الجوع والجهد فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعمهم حتى صحت أجسامهم ثم ابتلوا بالاستسقاء وهو انتفاخ البطن لمرض فانتفخت بطونهم فزعموا أن مرضهم هذا من استيخامهم وكراهيتهم هواء المدينة والله أعلم وهو مشتق من الجوى وهو داء في الجوف (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا
مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا" فَفَعَلُوا. فَصَحُّوا. ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرُّعَاءِ فَقَتَلُوهُمْ. وَارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ. وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
ــ
من ألبانها وأبوالها) جواب الشرط محذوف تقديره فعلتم ذلك دل عليه ما بعده وفي الحديث دلالة على جواز الخروج من البلد الذي لا يوافق الرجل هواءه تداويًا وعلاجًا وكانت إبل الصدقة ترعى بذي الجدر ناحية قباء قريبًا من عير على ستة أميال من المدينة ذكره ابن سعد في طبقاته (ففعلوا) ما أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج إلى إبل الصدقة وشرب ألبانها وأبو الها (فصحوا) أي فحصلت لهم الصحة والعافية من مرضهم وإنما أجاز لهم شرب ألبان إبل الصدقة لأنها للمحتاجين والفقراء وهم منهم (ثم) بعدما صحوا (مالوا على الرعاء) جمع راع كصاحب وصحاب وفي بعض النسخ: (الرعاة) وهو أيضًا جمع الراعي نظير قاضي وقضاة وهما لغتان أي قصدوا إلى الرعاء وصالوا عليهم وأصابوهم بالإضرار والإهلاك وفي الرواية التالية فقتلوا الراعي بالإفراد ذكر العيني أنه يسار النوبي (فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام) قال ملا علي كأنهم تشاءموا بالإسلام (وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخذوا إبله وقدموا أمامهم سائقين لها مطاردين (فبلغ ذلك) الأمر الذي فعلوه من قتل الرعاء وسوق الإبل (النبي صلى الله عليه وسلم بعدما ارتفع النهار.
قوله: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة) وأخرج أبو عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج المصنف إسنادها (أنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى الإبل فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل) وأخرج البخاري من رواية وهيب عن أيوب (أنهم قالوا: يا رسول الله أبغنا رسلًا) أي اطلب لنا لبنًا فقال صلى الله عليه وسلم: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود ثم ظاهر هذه الرواية أن العرنيين خرجوا إلى إبل الصدقة ويعارضه رواية أبي رجاء عند البخاري وفيها (هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها) ورواية أيوب في الوضوء فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح ورواية وهيب في المحاربين إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر هذه الروايات أن اللقاح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع بينهما الحافظ في الفتح [1/ 338] بأن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا من قتل رعاء إبل الصدقة وقتل راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وسوق إبل الصدقة ولقاح النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع أيضًا بين رواية فقتلوا الرعاء بالجمع وبين رواية فقتلوا الراعي بالإفراد بأن المراد بالرعاء رعاء إبل الصدقة وبالراعي راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسار النوبي كما مر آنفًا فلا معارضة لأنهم قتلوا الكل وساقوا الكل اهـ بزيادة ويحتمل أن تكون إبل الصدقة نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة كونه صلى الله عليه وسلم متوليًا لها ودل الحديث على جواز انتفاع مستحق الزكاة من إبل الصدقة بشرب لبنها لأن العرنيين كانوا أبناء السبيل ولهذا أخرجه البخاري في الزكاة وترجم عليه (باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل) قوله: (فتشربوا من ألبانها وأبوالها) أما شرب لبن الصدقة فلما ذكرنا من أنهم كانوا أبناء السبيل وأما شرب لبن إبل النبي صلى الله عليه وسلم فلتحقق الإذن منه صلى الله عليه وسلم وأما شرب أبوال الإبل ففيه مسألتان:
1 -
المسألة الأولى: مسألة بول ما يؤكل لحمه استدل مالك رحمه الله بهذا الحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه أما بول الإبل فاستدلوا على طهارته بهذا الحديث وأما بول غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس عليه وهو قول أحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن من الحنفية والإصطخري والروياني من الشافعية وبه قال الشعبي وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين والحكم والثوري وقال أبو داود بن علية بول كل حيوان ونحوه وإن كان لا يؤكل لحمه طاهر إلا بول الآدمي وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وجمع كثير من العلماء الأبوال كلها نجسة إلا ما عفي عنه من القدر القليل وهذه المذاهب مأخوذة من عمدة القاري [1/ 919] وأجاب الحنفية والشافعية عن قصة العرنيين الأول أن شربهم للأبوال كان على سبيل التداوي للضرورة كما أجيز لبس الحرير في الحرب أو للحكة وقد أصيبوا بمرض الاستسقاء ولأبوال الإبل تأثير في ذلك فإنها كانت ترعى الشيح والقيصوم والإبل التي ترعى ذلك تنفع ألبانها وأبوالها في بعض أنواع الاستسقاء وقد أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار [1/ 65] عن ابن عباس مرفوعًا إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء لذربة بطونهم والثاني أن قصة العرنيين متقدمة نسخ حكمها أحاديث دالة على نجاسة الأبوال والنسخ وإن كان لا يثبت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمجرد الاحتمال عند عدم علم التاريخ ولكن احتمال النسخ إذا تأيد بقرائن قوية يكفي لإبطال الاستدلال بما جاء في الروايات مخالفًا للأصول الكلية والروايات المشهورة وتوجد ها هنا قرائن تقوي احتمال النسخ فمنها أن قصة العرنيين وقعت سنة ست كما قدمنا وحديث نجاسة البول مروي عن أبي هريرة كما سيأتي وإن أبا هريرة أسلم سنة سبع ثم من المعلوم المشاهد في الأحاديث أن الأحكام قد انتقلت في الأنجاس من السهولة إلى الصعوبة فهناك أشياء كثيرة اعتبرت طاهرة غير مفسدة للصلاة في مبدإ الإسلام ثم جاء الحكم بنجاستها فمن جملتها ما أخرجه البخاري رقم (245) عن ابن مسعود رضي الله عنه في قصة وضع أبي جهل سلا جزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصل ساجد وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يقطع صلاته بل استمر فيها كما ذكره الحافظ في الفتح [1/ 351] وادعى ابن حزم أن هذا الحديث منسوخ بما روي في نجاسة النجو والدم فهذه القرائن مما يقوي احتمال النسخ وعند هذا الاحتمال القوي لا يتم الاستدلال بحديث الباب على طهارة البول الذي ورد في نجاسته أحاديث كثيرة والوجه الثالث في الاعتذار من حديث الباب أنه يحتمل أن الأمر بشرب الألبان واستنشاق الأبوال وإنما عطف الأبوال على الألبان بطريق التضمين والتضمين أن يعطف معمول عامل محذوف على معمول عامل مذكور كقوله: علفتها تبنًا وماءً باردًا والمراد علفتها تبنًا وسقيتها ماءً باردًا وقد أوضحه ابن هشام في مغني اللبيب (2/ 193 و 2/ 169 و 1/ 32) في أوائل الباب الخامس من الجزء الثاني.
ويؤيده ما ورد في بعض طرق الحديث عند النسائي في سننه [2/ 167] من غير ذكر الأبوال ولفظه (فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح ليشربوا من ألبانه فكانوا فيها إلخ
…
) وكذلك لم يذكر لفظ الأبوال في حديث أنس عند الطحاوي من طريق عبد الله بن بكر عن حميد عن أنس ذكره البنوري في معارف السنن [1/ 275] ثم قال: وعلى هذا يكاد أن يكون ذكر الأبوال مع الألبان في سياق أمره صلى الله عليه وسلم من تصرف الرواة فيكون صلى الله عليه وسلم أمر بشرب ألبانها واستنشاق أبو الها ولعلهم شربوا أبوالها أيضًا فوقع التعبير بهما معًا في سياق الأمر نظرًا إلى ما وقع لا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بهما معًا وبالجملة فلا يستقيم الاستدلال بحديث الباب على طهارة أبوال الإبل عند وجود هذه المحامل القوية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما أدلة نجاسة الأبوال فكثيرة منها ما أخرجه الترمذي في الأطعمة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها والجلالة التي تأكل الجلة وهي البعرة كما في القاموس وغيره فكان سبب النهي هو أكلها البعرة فعلم أنه نجس حيث سرت نجاستها إلى لحمها ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك [1/ 183] وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي ومنها غير ذلك.
2 -
المسألة الثانية: مسألة التداوي بالمحرم واستدل بحديث الباب من أجاز التداوي بالمحرمات والأنجاس والمذاهب في هذا الباب مختلفة فمذهب الحنابلة عدم جواز التداوي بالمحرمات مطلقًا قال ابن قدامة: ولا يجوز التداوي بمحرم ولا يستثنى فيه محرم مثل ألبان الأتن ولحم شيء من المحرمات ولا شرب الخمر للتداوي به لما ذكرنا من الخبر.
وأما الشافعية فيجوز التداوي عندهم بالمحرمات غير المسكر إلا إذا تعين الشفاء فيها فأما التداوي بالمسكر فلا يجوز عندهم أيضًا قال النواوي في المجموع شرح المهذب [9/ 52] مذهبنا جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر ودليلنا حديث العرنيين وهو في الصحيحين كما سبق وهو محمول على شربهم الأبوال للتداوي كما هو ظاهر الحديث وحديث لم يجعل شفاءكم محمول على عدم الحاجة إليه بأن يكون هناك ما يغني عنه ويقوم مقامه من الأدوية الطاهرة وقال البيهقي: هذان الحديثان إن صحا حملا على النهي عن التداوي بالمسكر وعن التداوي بالحرام من غير ضرورة للجمع بينهما وبين حديث العرنيين وأما المالكية فمذهبهم في هذا الباب كمذهب الحنابلة فإنهم لا يجوزون التداوي بالمحرم بحال ويقول القرطبي في تفسيره من سورة البقرة [2/ 213] وإن كان الميتة قائمة بعينها فقد قال سحنون: لا يتداوى بها بحال ولا بخنزير لأن منها عوضًا حلالًا بخلاف المجاعة وكذلك الخمر لا يتداوى بها.
وأما الحنفية فقد اختلف أقوال علمائهم في المسألة فالمشهور عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجوز التداوي بالمحرم وقال السرخسي في باب الوضوء والغسل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من المبسوط [1/ 54] وعلى قول أبي حنيفة لا يجوز شربه (يعني بول ما يؤكل لحمه) للتداوي وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" وعند محمد يجوز شربه للتداوي وغيره لأنه طاهر عنده وعند أبي يوسف يجوز شربه للتداوي لا غير عملًا بحديث العرنيين، واستدل من حرم التداوي بالمحرمات بأحاديث متعددة منها ما أخرجه أبو داود في باب الأدوية المكروهة من كتاب الطب عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداوَوا بحرام" ومنها ما أخرجه أيضًا عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها ومنها ما أخرجه عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث ومنها ما أخرجه عن وائل بن حجر ذكر طارق بن سويد أو سويد بن طارق سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال له: يا نبي الله إنها دواء قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا لكنها داء" وأخرجه أيضًا ابن ماجه في الطب رقم [3500] ومنها ما أخرجه الطحاوي عن عطاء قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها اللهم لا تشف من استشفى بالخمر إلى غير ذلك ومن رأى جواز التداوي بالحرام أجاب عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على حالة الاختيار يعني إذا علم للمرض دواء آخر وهذا الجواب قد اختاره العيني في عمدة القاري [1/ 290].
قوله: (فصحوا) زاد الإسماعيلي في رواية عن ثابت (ورجعت إليهم ألوانهم) كذا في الفتح قوله: ثم مالوا على الرعاء والظاهر من حديث الباب أنهم قتلوا رعاء أكثر من واحد والظاهر مما ذكرنا من الروايات ومن الروايات الأخرى عند مسلم وعند البخاري وغيرهما أن المقتول كان واحدًا وهو يسار النوبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن تكون إبل الصدقة لها رعاء غير يسار فقُتل بعضهم مع يسار فاقتصر بعض الرواة على يسار لأنه كان راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ولكن رجَّح الحافظ في الفتح قول أصحاب المغازي إنهم لم يقتلوا إلا راعيًا واحدًا وإنما ذكره راوي حديث الباب بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع والله أعلم قوله: (فقتلوهم) وذكر ابن سعد في طبقاته [2/ 93] أن يسارًا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم في نفر فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات رحمه الله تعالى ورضي عنه قوله:
فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِمْ. فَأُتِيَ بِهِمْ
ــ
(وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني إبله والذود اسم جمع للإبل وقد أخرج الواقدي في مغازيه [2/ 570] من طريق ابن أبي سبرة عن مروان بن سعيد بن المعلى رواية يؤخذ منها أنها كانت ست عشرة لقحة غزارًا فنحروا منها واحدة يقال لها الحنَّاء فبقيت خمس عشرة لقحة ردت إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من المسلمين (في أثرهم) بفتح الهمزة والمثلثة وبكسرها مع سكون المثلثة وتأتي رواية (في آثارهم) أي بعث طلبًا عقبهم ووراءهم وتفصيله ما أخرجه الواقدي في كتاب المغازي [2/ 569] من طريق خارجة بن عبد الله عن يزيد بن رومان قال في حديثه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثرهم عشرين فارسًا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فخرجوا في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرة فاغتدوا لا يدرون أين يسلكون فإذا بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها فقالوا: ما هذا معك قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرًا فأعطوني قالوا: أين هم؟ قالت بتلك القفار من الحرة إذا وافيتم عليها رأيتم دخانهم فساروا حتى أتوهم حين فرغوا من طعامهم فأحاطوا بهم فسألوهم أن يستأسروهم فاستأسروا بأجمعهم لم يفلت منهم إنسان فربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا نحوه وتسمى هذه السرية سرية كرز بن جابر الفهري وذكر الواقدي عن بعض ولد سلمة بن الأكوع أن سلمة بن الأكوع أخبره بعدة العشرين فارسًا الذي كانوا في هذه السرية فقال سلمة: أنا وأبو رهم الغفاري وأبو ذر وبريدة بن الحصيب ورافع بن مكيث وجندب بن مكيث وبلال بن الحارث المزني وعبد الله بن عمرو بن عوف المزني وجعال بن سراقة وصفوان بن معطل وأبو زرعة معبد بن خالد الجهني وعبد الله بن بدر وسويد بن صخر وأبو ضبيس الجهني وذكر الحافظ في الفتح [8/ 340] عن مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد أو سعد بن زيد الأشهلي ثم جمع بين الروايات بأن ابن زيد الأشهلي كان رأس الأنصار وكرز بن جابر كان أمير السرية بأجمعها والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فأُتي بهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أتت سرية الطلب بالعرنيين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الواقدي [2/ 570] عن يزيد بن رومان قال: حدثني أنس بن مالك قال: فخرجت أسعى في آثارهم مع الغلمان حتى لقي بهم النبي
فَقَطَعَ أَيدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ. وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتى مَاتُوا
ــ
صلى الله عليه وسلم بالغابة بمجمع السيول فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك قال أنس: إنِّي لواقف انظر إليهم (فقطع) النبي صلى الله عليه وسلم أي أمر بقطع (أيديهم وأرجلهم) على الخلاف أي قطعوا أيدي اليمنى وأرجل اليسرى لحد المحاربة وللقصاص (وسمل) النبي صلى الله عليه وسلم (أعينهم) هكذا هو في معظم النسخ سمل من باب قتل كما في المصباح أي أمر بفقء حدقتها قال الخطابي: السمل فقء العين (أي شدخ حدقتها) بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي:
والعين بعدهم كأن حداقها
…
سملت بشوك فهي عور تدمع
كذا في معالم السنن وفتح الباري وقال ابن الأثير في جامع الأصول: [3/ 491] سملت عينه إذا فقئت بحديدة محماة وفي بعضها سمر ومعنى سمر كحلها بمسامير محمية ليذهب بصرها وقيل: سمل وسمر بمعنى واحد أي فقأ وأذهب ما فيها. أي أمر بسملها (وتركهم) أي أمر بتركهم (في الحرة حتى ماتوا) والحرة أرض ذات حجار سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا كذا في فتح الباري وإنما تركهم حتى ماتوا لأنهم استحقوا عقوبة الإعدام بجنايتين الحرابة والارتداد عن الإسلام. فأما قطع الأيدي والأرجل فكان حدًّا للمحاربة أو قصاصًا لما فعلوه بيسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما سمل الأعين فالجمهور على أنه كان قصاصًا واستدلوا به على وجوب المماثلة في قصاص كل جناية والحنفية على أنه لا وقود إلا بالسيف فيحملون حديث الباب على التعزير والسياسة أو على أنه منسوخ بأحاديث النهي عن المثلة ويدل على النسخ ما ذكره الترمذي في جامعه عن ابن سيرين أنه قال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود وربما يعترض بعض ملاحدة عصرنا على هذه القصة بأن العقوبة التي عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم قاسية جدًّا ولكنك رأيت أن ما فعله العرنيون أقسى منه بكثير وأبعد عن المروءة والإنسانية فإنهم لم يرتدوا عن الإسلام فحسب وإنما جازوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على مننهم الجسيمة مجازاة لا تتصور من إنسان يحمل قدرًا أدنى من المروءة والإنسانية إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة الجوع والهزال والمرض والسقام فآواهم النبي صلى الله عليه وسلم وأطعمهم ثم منَّ عليهم بإرسالهم إلى إبل الصدقة وأباح لهم ألبان لقاحه وهيأ لهم كل ما يحتاجون إليه من غذاء صحي وهواء لطيف ودواء مفيد وائتمنهم
4221 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ،
ــ
على رعاته وأمواله ولكنهم ارتدوا عن الإسلام وانتهبوا الإبل وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أي ذنب منه أو تقصير وقطعوا يده ورجله وسملوا عينه بأشواك والحق أنهم كانوا يستحقون أقسى ما يكون من عذاب ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل بهم إلا مثل ما فعلوه براعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم المظلوم فلا يقدح في إقامة مثل هذه العقوبة على مثل هؤلاء الظلمة الطغاة إلا من أعمته عداوة الإسلام والمسلمين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 107]، والبخاري [4192]، وأبو داود [4364]، والترمذي [72]، والنسائي [7/ 93]، وابن ماجه [2578].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4221 -
(00)(00)(حدثنا أبو جعفر) الدولابي مولدًا (محمد بن الصباح) الرازي ثم البغدادي صاحب السنن ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لأبي بكر قال) أبو بكر:(حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ـابن علية عن حجاج بن أبي عثمان) ميسرة الكندي أبي الصلت البصري ثقة، من (6)(حدثنا أبو رجاء) الجرمي مولاهم (مولى أبي قلابة) سلمان البصري روى عن مولاه أبي قلابة في الحدود ويروي عنه (خ م د س) وحجاج بن أبي عثمان له عندهم فرد حديث وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من السادسة.
(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (حدثني أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي قلابة لعبد العزيز بن صهيب وحميد (أن نفرًا من عكل) قبيلة من تيم الرباب من عدنان وكانت الرواية الأولى من عرينة قال ابن حجر في كتاب الوضوء: اختلفت الروايات عن البخاري ففي بعضها من عكل أو عرينة وفي بعضها من عكل وفي بعضها من عرينة وفي بعضها من عكل وعرينة بواو العطف وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري عن أنس أنهم كانوا أربعة من
ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَايَعُوهُ عَلَى الإسْلام. فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ وَسَقُمَتْ أَجْسَامُهُمْ. فَشَكَوْا ذلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال:"أَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ " فَقَالُوا: بَلَى. فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا. فَصَحُّوا. فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الإِبِلَ. فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ. فَأُدْرِكُوا. فَجِيءَ بِهِمْ. فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِرَ
ــ
عرينة وثلاثة من عكل ولا يخالف هذا رواية (ثمانية) لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب اهـ مختصرًا وقد ذكرناه في الرواية الأولى وأعدناه هنا لئلا يغفل عنه القارئ (قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض) أي استثقلوا المقام في أرض المدينة لم يوافق هواؤها أبدانهم (وسقمت) أي مرضت (أجسامهم) وهزلت يقال: سقم سقمًا تعب وطال مرضه وسقم سقمًا من باب قرب اهـ من المصباح (فشكوا ذلك) الذي أصابهم من الاستيخام وسقم الأجسام أي أخبروه على سبيل الشكوى (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تخرجون) ألا أداة عرض وهو الطلب برفق ولين ولكن الفعل بعد الفاء مرفوع لأن النصب ليس بواجب أو الهمزة للاستفهام الاستعطافي ولا نافية أي أما تخرجون (مع راعينا) يسار النوبي (في إبله) الإضافة فيه للاختصاص إلى الصحراء (فتصيبون) أي فتشربون (من أبوالها وألبانها) قوله: فتصيبون بإثبات النون ولفظ النسائي فتصيبوا بإسقاطها وهو الموافق للقاعدة (فقالوا: بلى) نخرج معه (فخرجوا) معه (فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا) من مرضهم وسمنوا (فقتلوا الراعي) أي راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم يسارًا النوبي وفي الرواية السابقة ثم مالوا على الرعاء بصيغة الجمع وقد مر لك بيان كيفية الجمع بين الروايتين (وطردوا الإبل) أي ساقوا إبل الصدقة ولقاح النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية: (واطردوا النعم) أي أخرجوها من ماواها واستاقوها (فبلغ ذلك) الذي فعلوه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا عشرين فارسًا (في آثارهم) أي وراءهم ليأخذوهم (فأدركوا) أي أدرك العرنيون ولحقوا وأخذوا (فجيء بهم) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر بهم) أي بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف (فقطعت أيديهم وأرجلهم) من خلاف (وسمر) أي
أَعْيُنُهُمْ. ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا.
وَقَال ابْنُ الصَّبَّاحِ فِي رِوَايَتِهِ: وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ. وَقَال: وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ.
4222 -
(00)(00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ. قَال: قَال أَبُو قِلابَةَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَينَةَ. فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ. فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا. بِمَعْنَى حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ
ــ
فقئت (أعينهم ثم نبذوا) أي طرحوا في الحرة (في الشمس حتى ماتوا وقال ابن الصباح في روايته واطردوا النعم وقال) أيضًا: (وسمِّرت) بالبناء للمجهول مع التشديد وزيادة تاء التأنيث (أعينهم) وهذا هو الأوضح.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4222 -
(00)(00)(وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمال ثقة، من (10)(حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي نسبة إلى واشح بطن من الأزد البصري ثقة، من (10)(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (عن أبي رجاء) الجرمي مولاهم (مولى أبي قلابة) سلمان البصري (قال) أبو رجاء (قال أبو قلابة: حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة أيوب السختياني لحجاج بن أبي عثمان (قال) أنس: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة (قوم) أي جماعة دون العشرة (من عكل) بضم العين وسكون الكاف قبيلة مشهورة (أو) قال من (عرينة) بالشك والصواب بالواو بلا شك كما مر لأن القوم كانوا من كلا القبيلتين أربعة من عرينة وثلاثة من عكل وواحد من غيرهما كما مر (فاجتووا المدينة) أي كرهوا هواءها ولم يوافقهم طعامها (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح) أي أمرهم أن يلحقوا بلقاح وهي النوق ذوات الألبان جمع لقوح مثل قلوص وقلاص وقيل جمع لقحة بكسر اللام وسكون القاف وهي الناقة الحلوب وكانت ست عشرة لقحة (وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها) وساق أيوب (بمعنى حديث حجاج بن أبي عثمان) ولكن
قَال: وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ
ــ
(قال) أيوب في روايته: (وسمرت أعينهم) بتأنيث الفعل بدل قول الحجاج (وسمر أعينهم) بتذكير الفعل وقال أيضًا: (وألقوا في الحرة) بدل قول الحجاج (ثم نبذوا في الشمس) مع زيادة لفظة (يستسقون فلا يُسقون) أي يطلبون سقيا الماء فلا يعطون السقيا وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين وقال أنس في رواية ثابت عند البخاري في الطب: (فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت) ولأبي عوانة من هذا الوجه (ويعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة) ذكره الحافظ في الفتح [1/ 340] واستشكله العلماء لإجماع المسلمين على أن من وجب عليه القتل لا يمنع الماء لئلا يجتمع له عذابان وأجابوا عنه بوجوه (1) قال القاضي عياض رحمه الله: ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك كذا في شرح الأبي [4/ 411] واعترض عليه ابن حجر والعيني بأنه صلى الله عليه وسلم اطَّلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم (2) قال النووي: قد ذكر في هذا الحديث الصحيح أنهم قتلوا الرعاة وارتدوا عن الإسلام وحينئذٍ لا يبقى لهم حرمة في سقي الماء وقد قال أصحابنا لا يجوز لمن معه من الماء ما يحتاج إليه للطهارة أن يسقيه لمرتد يخاف الموت من العطش ويتيمم ولو كان ذميًا أو بهيمة وجب سقيه ولم يجز الوضوء به حينئذٍ (3) قال المنذري في تلخيص أبي داود [6/ 204] وترك النبي صلى الله عليه وسلم سقيهم الماء عقوبة لما جازوا سقي النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالردة والحرابة أراد أن يعاقبهم على كفر هذا السقي بالإعطاش ورُوي عن سعيد بن المسيب وذكر هذا الحديث فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عطش الله من عطَّش آل محمد الليلة فكان ترك سقيهم إجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم وحديث سعيد بن المسيب أخرجه النسائي [2/ 167] وفيه واستاقوا اللقاح فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم عطِّش من عطَّش آل محمد الليلة ووجه ذلك أن لبن تلك اللقاح كان يراح به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة وطب من لبن كما أخرجه الواقدي في مغازيه [2/ 571] فلما استاقوا اللقاح لم يأت لبنها إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد بلغه ارتدادهم وقتلهم الراعي واستياقهم اللقاح فدعا عليهم بالعطش (4) ورد العلامة الأبي رحمه الله في شرحه [4/ 411] هذه الأجوبة كلها بأن كفرهم نعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعطيشهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ذنب عقوبته الأدب فغايته أن ترتب عليهم ذنب مع قتل والمذهب أنه إذا
4223 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ عَوْنٍ. حَدَّثنَا أَبُو رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَال لِلنَّاسِ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ فَقَال عَنْبَسَةُ:
ــ
اجتمع مع القتل غيره أنه يقتل فقط لأن القتل يأتي على غيره ثم مال الأبي رحمه الله إلى أنه صلى الله عليه وسلم فعل بهم ذلك قصاصًا لأنهم لم يسقوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات عطشًا وأولى هذه الوجوه ما ذكره الأبي رحمه الله وأنه مخصوص بالعرنيين لما فعلوا براعي النبي صلى الله عليه وسلم والقصاص بالمثل كان جائزًا حينئذٍ ولذلك سمر أعينهم مع ما ورد بعد ذلك من النهي عن المثلة فليحمل ترك سقيهم على القصاص بالمثل أيضًا وقد نسخ بعد كما سيأتي اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4223 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن معاذ) العنبري البصري (ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) أبو عثمان البصري ثقة من (11) روى عنه في (7) أبواب: (حدثنا أزهر) بن سعد (السمان) الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب:(قالا): أي قال كل من معاذ وأزهر (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون البصري ثقة، ثبت من (6) (حدثنا أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة) عن أنس بن مالك وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون لحجاج بن أبي عثمان وأيوب في الرواية عن أبي رجاء (قال) أبو قلابة:(كنت جالسًا خلف عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي المدني أمير المؤمنين ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب:(فقال) عمر بن عبد العزيز (للناس) الذين اجتمعوا حوله (ما تقولون في) شأن (القسامة) يعني هل العمل بالقسامة مشروع أَوْ لا ويحتمل أن يكون أراد هل يجب بها القصاص أم لا (فقال عنبسة) بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي الكوفي روى عن أنس في الحدود ذكره أبو قلابة في حديث العرنيين وأبي هريرة ويروي عنه (خ م د) وأبو قلابة والزهري ومحمد بن عمرو بن علقمة وعدة وثقه أبو داود والنسائي وابن معين ويعقوب بن سفيان
قَدْ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ. قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ أَيُّوبَ وَحَحَّاجٍ. قَال أَبُو قِلابَةَ: فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَال عَنْبَسَةُ: سُبْحَانَ اللهِ! قَال أَبُو قِلابَةَ: فَقُلْتُ: أَتَتَّهِمُنِي يَا عَنْبَسَةُ؟ قَال: لَا. هكَذَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. لَنْ تَزَالُوا بِخَيرٍ، يَا أَهْلَ الشَّامِ! مَا دَامَ فِيكمْ هذَا أَوْ مِثْلُ هذَا
ــ
وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة وكان عند الحجاج بالكوفة مات على رأس المائة (100)(قد حدثنا أنس بن مالك) حديث (كذا وكذا) يعني حديث العرنيين قال أبو قلابة: (فقلت إياي) نفسي بلا واسطة (حدَّث أنس) يعني حديث العرنيين فقال أنس في تحديثه لنا (قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم) من عرينة وعكل (وساق) أي ذكر عبد الله بن عون (الحديث) السابق (بنحو حديث أيوب) السختياني (وحجاج) بن أبي عثمان (قال أبو قلابة: فلما فرغت) من سوق هذا الحديث (قال عنبسة) بن سعيد الأموي من بين الحاضرين: (سبحان الله) أي عجبًا لفضل الله الذي فقه أبا قلابة هذا الحديث وفي رواية البخاري الآتية (والله إن سمعت كاليوم قط) وإنما أراد عنبسة بذلك الثناء على أبي قلابة في سوق هذا الحديث على وجهه ولكن ظن أبو قلابة من قول عنبسة سبحان الله أن يتهمه في هذا الحديث فلذلك (قال أبو قلابة: فقلت) لعنبسة حين سبَّح (أتتهمني يا عنبسة) بالكذب في هذا الحديث وفي رواية البخاري (أترد عليَّ حديثي يا عنبسة كأنه فهم من قوله: سبحان الله أنه يرد عليه حديثه)(قال) عنبسة لأبي قلابة: (لا) أي ما اتهمتك في الحديث ولا رددته عليك بل حدثت الحديث على وجهه (هكذا) أي بل على الوجه الذي حدثته (حدثنا أنس بن مالك) وفي رواية البخاري (قال: لا ولكن جئت بالحديث على وجهه) والمعنى أني لا أتهمك وإنما حدثني أنس بعين ما حدثت به ولكني نسيت أن سبب قتل العرنيين لم يكن السرقة فقط وإنما كان الارتداد والقتل ثم قال عنبسة للحاضرين للثناء على أبي قلابة (لن تزالوا) ملتبسين (بخير) وفقه دين (يا أهل الشام ما دام فيكم هذا) العالم المحدث يعني أبا قلابة (أو) قال عنبسة: ما دام فيكم (مثل هذا) العالم بزيادة لفظة مثل والشك من الراوي في أي اللفظين قال عنبسة: وإنما وجه الخطاب إلى أهل الشام مع أن أبا قلابة بصري لأنه نزل الشام في آخر عمره ومات بها سنة أربع ومائة (104) رحمه الله تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا الحديث قد اختصره الإمام مسلم رحمه الله تعالى ها هنا اختصارًا ربما يخل بالفهم وأخرجه البخاري بتمامه من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف في باب القسامة من كتاب الديات فنورده بلفظه ليتبين الأمر على وجهه.
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي حدثنا الحجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء من آل أبي قلابة حدثني أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال ما تقولون في القسامة قالوا: نقول القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء قال لي ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه قال: لا قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل زنى بعد إحصان أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام فقال القوم: أوليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في السرق وسمر الأعين ثم نبذهم في الشمس فقلت: أنا أحدثكم حدثني أنس أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها قالوا: بلى فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطردوا النعم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم فأدركوا فجيء فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا.
وحاصل ذلك أن أبا قلابة أنكر أن توجب القسامة القود واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحدًا إلا بأحد الأمور الثلاثة فاعترض عليه عنبسة بأنه صلى الله عليه وسلم قتل العرنيين بأمر رابع وهو السرقة زعمًا منه بأن قتل العرنيين إنما وقع لسرقتهم فأجابه أبو قلابة بسرد حديث أنس وذكر أن العرنيين لم يقتلوا لمحض السرقة وإنما قتلوا لارتدادهم وقتلهم راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلهم داخل في
4224 -
(00)(00) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي شُعَيب الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ (وَهُوَ ابْنُ بُكَيرٍ الْحَرَّانِيُّ). أَخْبَرَنَا الأوْزَاعِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
ــ
الأمور الثلاثة ثم قال الحافظ في فتح الباري: [12/ 243] ولم يظهر لي وجه استدلال أبي قلابة بأن القتل لا يشرع إلا في الثلاثة لرد القود بالقسامة مع أن القود قتل نفس بنفس وهو أحد الثلاثة وإنما وقع النزاع في الطريق إلى ثبوت ذلك.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4224 -
(00)(00)(وحدثنا الحسن) بن أحمد (بن أبي شعيب) عبد الله بن مسلم القرشي الأموي مولاهم مولى عمر بن عبد العزيز أبو مسلم (الحرَّاني) بفتح الحاء وتشديد الراء نسبة إلى حرَّان مدينة بالجزيرة كان بها ومنها جماعة من الفضلاء والعلماء في كل فن وهي من ديار ربيعة سميت حرَّان باسم هاران بن تارخ وهو أبو لوط النبي عليه السلام وهي أول مدينة بنيت بعد بابل كذا في الأنساب للسمعاني [4/ 107] ثقة، من (11) روى عنه في (2) بابين:(حدثنا مسكين وهو ابن بكير الحرَّاني) أبو عبد الرحمن الحذاء قال أحمد: كثير الوهم له في (خ) فرد حديث وفي (م) حديثان صدوق، من (9)(أخبرنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي ثقة، من (7)(ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة، متقن من (11) (أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء بعدها تحتانية وبعد الألف موحدة نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك نزيل قيسارية مدينة من مدائن فلسطين روى عن الأوزاعي في الحدود والجهاد والثوري في الذبائح والأطعمة والقدر وإسرائيل في ذكر موسى ويروي عنه (ع) وعبد الله الدارمي وإسحاق بن منصور الكوسج وأحمد ومحمد بن يحيى وثقه أبو حاتم والنسائي وقال البخاري: وكان أفضل أهل زمانه وقال العجلي: ثقة وقال في التقريب ثقة فاضل من التاسعة مات سنة اثنتي عشرة ومائتين (212)(عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5)(عن أبي قلابة عن أنس بن مالك) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لأبي رجاء (قال) أنس: (قدم على رسول الله صلى
اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ
ــ
الله عليه وسلم ثمانية نفر) ثلاثة (من عكل) وأربعة من عرينة وواحد من قبيلة أخرى وساق يحيى بن أبي كثير (بنحو حديثهم) الصواب (بنحو حديثه) أي بنحو حديث أبي رجاء عن أبي قلابة لأن المتابع بفتح الباء واحد وهو أبو رجاء لأنه هو الذي يروي عن أبي قلابة في الأسانيد السابقة كلها ويحتمل على بعد عود ضمير الجمع إلى من روى عن أبي رجاء ويكون المتابع هو الأوزاعي وحينئذٍ فالمتابعة ناقصة والمعنى حينئذٍ وساق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بنحو حديث حجاج بن أبي عثمان وأيوب السختياني وابن عون عن أبي رجاء عن أبي قلابة عن أنس فالأوزاعي روى عن أبي قلابة بواسطة يحيى بن أبي كثير فالثلاثة المتابعون بفتح الباء رووا عن أبي قلابة بواسطة أبي رجاء (و) لكن (زاد) يحيى بن أبي كثير على أبي رجاء (في) رواية هذا (الحديث) لفظة (ولم يحسمهم) النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يأمر بحسم موضع قطعهم من الأيدي والأرجل وعلى النسخة المحرفة وزاد الأوزاعي على الثلاثة المتابعين بفتح الباء لفظة ولم يحسمهم والحسم كي العرق لمنع سيلان الدم وبابه شرب أي لم يكو ما قطع منهم لينقطع الدم بل تركه ينزف ومن الحسم وضع اليد بعد القطع في زيت حار اهـ من بعض الهوامش.
وقال المنذري في تلخيصه لأبي داود [6/ 203]: الحسم كي العرق بالنار لينقطع الدم قيل: لم يحسمهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن قتلهم كان واجبًا بالردة فلا يحسم من تطلب نفسه فإن حسم نفسه لم يمنع وأما من وجب عليه قطع يد فالعلماء مجمعون على أنه لا بد من حسمها لأنه أقرب إلى البرء وأبعد من التلف واستدل به القاضي عياض على أن المأخوذ في الحرابة لا يحسم غير أنه إن حسم نفسه لا يمنع وذلك مبني على مذهب المالكية من أن الإمام له الخيار في القتل أو القطع ولكن تعقبه الأبي في شرحه [4/ 412] بأن القطع قسيم للقتل عند المالكية أيضًا فإذا اختار الإمام القطع دون القتل صار كقطع السارق فينبغي أن يحسم لئلا يؤدي إلى الهلاك فإنه غير مقصود ثم اختار الأبي أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك حسمهم قصاصًا لما فعلوا براعي رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4225 -
(00)(00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُرَينَةَ. فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ. وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ الْمُومُ (وَهُوَ الْبِرْسَامُ). ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثهِمْ. وَزَاد: وَعِنْدَهُ شَبَابٌ
ــ
4225 -
(00)(00)(وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز ثقة، من (10) (حدثنا مالك بن إسماعيل) بن درهم النهدي مولاهم أبو غسان الكوفي روى عن زهير بن معاوية في الحدود وإسرائيل وأسباط بن نصر وخلق ويروي عنه (ع) وهارون بن عبد الله ويوسف بن موسى القطان وأحمد بن عثمان الأودي وغيرهم قال ابن معين: ليس في الكوفة أتقن منه وقال في التقريب: ثقة متقن عابد صحيح الكتاب من صغار التاسعة (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي ثقة، من (7)(حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي صدوق، من (4)(عن معاوية بن قرة) بن إياس المزني أبي إياس البصري ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معاوية بن قرة لعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وأبي قلابة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك (قال) أنس:(أتى) أي جاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة) وعكل بنصب الرسول على المفعولية قدمه للتشريف ورفع نفر على الفاعلية آخره للاستهانة كما هو مقرر عند البلغاء (فأسلموا وبايعوه) صلى الله عليه وسلم على الإسلام (وقد وقع بالمدينة) المنورة (الموم) بضم الميم وفسره الراوي بقوله: (وهو البرسام) بكسر الباء وسكون الراء وهو أي الموم سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر والمراد هنا الأخير فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة فعظمت بطونهم كذا في فتح الباري [1/ 338] وقال الأبي في شرحه: والبرسام لغة يونانية معناها ورم الصدر وهي مركبة من كلمتين (بر) و (سام) و (البر) في لغتهم اسم للصدر و (سام) اسم للورم. ومن لغتهم في تركيب الإضافة تقدم المضاف إليه على المضاف ومثله (شر سام) فإن (شر) اسم للرأس كأنه يقول: (رأس ورم)(ثم ذكر) معاوية بن قرة (نحو حديثهم) أي نحو حديث عبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وأبي قلابة (و) لكن (زاد) معاوية بن قرة على هؤلاء الثلاثة لفظة (وعنده) صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر العرنيين (شباب)
مِنَ الأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ. فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيهِمْ. وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ.
4226 -
(00)(00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ. عَنْ أَنَسٍ. وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَهْطٌ
ــ
جمع شاب وهو الرجل الفتي (من الأنصار قريب من عشرين) نفرًا (فأرسلهم) أي فأرسل صلى الله عليه وسلم أولئك الشباب (إليهم) أي إلى العرنيين ليأخذوهم (وبعث) صلى الله عليه وسلم (معهم) أي مع أولئك الشباب (قائفًا يقتص) أي يتتبع (أثرهم) أي أثر العرنيين وللنسائي من رواية الأوزاعي فبعث في طلبهم قافة وهو جمع قائف والقائف هو الذي يتتبع الآثار ويميزها أي يعرف آثار أقدام المارة ويتابعها وبابه قال: قال ابن حجر: ولم أقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلًا ولم يقل من الأنصار بل سمى جماعة من المهاجرين (وقد سردنا أسماءهم في شرح الرواية الأولى من هذا الباب) والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبًا أوقيل للجميع: أنصار بالمعنى الأعم وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم لكن إسناده ضعيف والمعروف أن جريرًا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة والله أعلم كذا في فتح الباري [1/ 340].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4226 -
(00)(00)(حدثنا هدَّاب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري ثقة، من (9)(حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري ثقة، من (7)(حدثنا قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8)(حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري ثقة، من (6)(عن قتادة عن أنس) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوق السندين بيان متابعة قتادة لعبد العزيز وحميد وأبي قلابة ومعاوية (و) لكن (في حديث همام) وروايته (قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رهط)
مِنْ عُرَينَةَ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: مِنْ عُكْلِ وَعُرَينَةَ، بِنَحْو حَدِيثِهِمْ.
4227 -
(00)(00) وحدّثني الْفَضْلُ بْنُ سهْلٍ الأَعْرَجُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيلانَ. عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أعْيُنَ أُولئِكَ، لأنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ.
4228 -
(1617)(180) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ
ــ
أي جماعة فوق الثلاثة ودون العشرة (من عرينة) بلا ذكر عكل (وفي حديث سعيد) بن أبي عروبة وروايته رهط (من عكل وعرينة) بذكر القبيلتين وساق قتادة (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث هؤلاء الأربعة المذكورين آنفًا.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4227 -
(00)(00)(وحدثني الفضل بن سهل) بن إبراهيم (الأعرج) أبو العباس البغدادي صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب: (حدثنا يحيى بن غيلان) بن عبد الله بن أسماء بن حارثة الخزاعي ثم الأسلمي أبو الفضل البغدادي روى عن يزيد بن زريع في الحدود ومالك والمفضل بن فضالة وأبي عوانة وجماعة ويروي عنه (م ت س) والفضل بن سهل وأحمد ومحمد بن عبد الرحيم البزاز وآخرون وثقه ابن سعد والخطيب وذكره ابن حبان في الثقات له عندهم حديث واحد وقال في التقريب ثقة من العاشرة مات سنة (220) عشرين ومائتين (عن يزيد بن زريع) التميمي العيشي أبي معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري ثقة، من (4) (عن أنس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سليمان التيمي لمن روى عن أنس وهذه الرواية الموقوفة انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى (قال) أنس:(إنما سمل) وفقأ (النبي صلى الله عليه وسلم أي إنما أمر بسمل وفقء (أعين أولئك) العرنيين مع كونه من المثلة التي نهى عنها (لأنهم) أي لأن أولئك العرنيين (سملوا) أي فقؤوا (أعين الرعاء) أي أعين رعاة النبي صلى الله عليه وسلم ففقأ أعينهم قصاصًا وذلك قبل النهي عن المثلة والمراد بالجمع الجنس لأنهم إنما سملوا عين يسار النوبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراعي لقاحه ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة أعني القصاص بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:
4228 -
(1617)(180) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ
لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا. فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ. قَال: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَبِهَا رَمَقٌ. فَقَال لَهَا: "أَقَتَلَكِ فُلانٌ؟ ! فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَنْ لَا. ثُمَّ قَال لَهَا الثَّانِيَةَ. فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَنْ لَا. ثُمَّ سَالهَا الثَّالِثَةَ. فَقَالتْ: نَعَمْ. وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا. فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
ــ
لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن يهوديًّا) من يهود المدينة (قتل جارية) أي بنتًا صغيرة لم تبلغ قال الحافظ في الفتح [12/ 198]: ولم أقف على اسمها لكن في بعض طرقه أنها من الأنصار (على أوضاح لها) أي لأجل أخذ أوضاح لها أي لأجل أخذ حلي لها من قطع فضة والأوضاح جمع وضح بفتحتين وهو نوع من حلي الفضة سمي به لبياضه كذا في مجمع البحار (فقلتها بحجر) أي رضها بين حجرين ولا معارضة بين قوله: (رض رأسها بين حجرين) وبين قوله: (رماها بحجر) وبين قوله: (رضخ رأسها) لأنه يجمع بينها بأنه رماها بحجر فأصاب رأسها فسقطت على حجر آخر (قال) أنس: (فجيء بها) أي بالجارية.
(إلى النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أن (بها رمق) أي بقية حياة وروح (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقتلك) بكسر الكاف خطابًا للجارية (فلان) ذاكرًا لها غير القاتل (فأشارت) له صلى الله عليه وسلم (برأسها) بـ (ـأن لا) أي بأن هذا المشار إليه لم يقتلني (ثم قال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرة (الثانية) أقتلك فلان ذاكرًا لها غير القاتل (فأشارت) له المرة الثانية (برأسها) بـ (ـأن لا) أي بأنه لم يقتلني هذا المشار إليه في الثانية (ثم سألها) المرة (الثالثة) فقال لها: أقتلك فلان ذاكرًا لها غير الأولَين (فقالت): أي أومأت له صلى الله عليه وسلم برأسها بأن (نعم) قتلني هذا المشار إليه في الثالثة وقوله: (وأشارت) لي (برأسها) بأن نعم تفسير لقالت لأنها لا تقدر على القول اللساني لأنها في حالة الرمق فيه أن الإشارة المفهمة معتبرة والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم عد بين يديها أسماء عدة أشخاص ممن يحتمل كونهم قاتلًا لها فأشارت في الجميع بالنفي حتى سمَّى اليهودي فأشارت بالإثبات (فقتله رسول الله صلى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ حَجَرَينِ
ــ
الله عليه وسلم) أي رضَّه (بين حجرين) أي أمر بقتله بعد إقراره كما هو الرواية الآتية فيه دليل على أن الرجل يقتل بالمرأة وانعقد عليه الإجماع إلا من شذ فقال: لا يقتل بها وهو عطاء والحسن وقد روي عن علي رضي الله عنه وأما القصاص بينهما في الأطراف فهو أيضًا مذهب الجمهور وقد ذهب إلى نفيه فيها من نفاه في النفس وأبو حنيفة وحماد وإن قالا به في النفي والصحيح قول الجمهور في المسألتين لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وفيه جواز ذكر من اتهم وعرضهم على المقتول واحدًا فواحدًا بعينه واسمه وإن لم تقم دلالة على لطخه أكثر من أن يحتمل ذلك احتمالًا قريبًا وفيه قتل الكبير بالصغير لأن الجارية اسم لمن لم يبلغ من النساء كالغلام في الرجال وهذا لا يختلف فيه وفيه أن من قتل بشيء قتل به وقد اختلف فيه فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل من حجر أو عصا أو تغريق أو خنق أوغير ذلك ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف وحجتهم هذا الحديث وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194] وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] والقصاص أصله المساواة في الفعل ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار وفي قتله بالعصا فجمهورهم على أنه يقتل بذلك وقال ابن الماجشون وغيره: لا يحرق بالنار لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بالنار إلا الله" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه: إنه إن كان في قتله بالعصا تطويل وتعذيب قتل بالسيف وفي الأخرى: يُقتل بها وإن كان فيه ذلك وهو قول الشافعي وقال الشافعي في من حبس رجلًا أيامًا حتى مات جوعًا أو عطشًا أو قطع يديه ورجليه ورمى به من جبل أن يفعل مثل ذلك به فإن مات وإلا قتل وذهبت طائفة إلى خلاف ذلك كله فقالوا: لا قود إلا بالسيف وهو مذهب أبي حنيفة والشعبي والنخعي واحتجوا على ذلك بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا قود إلا بحديدة رواه البيهقي وعبد الرزاق في مصنفه وبالنهي عن المثلة والصحيح مذهب الجمهور لما تقدم ولأن الحديث الذي هو (لا قود إلا بحديدة) ضعيف عند المحدثين لا يروى من طريق صحيح ولأن النهي عن المثلة نقول بموجبه إذا لم يمثل بالمقتول فإن مثل مثلنا به لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194] ولحديث العرنيين على ما تقدم وقد شذ بعضهم فقال في من قتل بخنق أو بسمٍّ أو تردية من جبل أو في بئر أو بخشبة أنه لا يقتل
4229 -
(00)(00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ: فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَينَ حَجَرَينِ.
2430 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ
ــ
ولا يقتص منه إلا إذا قتل بمحدد حديد أو حجر أو خشب أو كان معروفًا بالخنق والتردية وهذا منه رَدٌّ للكتاب والسنة وإحداث ما لم يكن عليه أمر الأمة وذريعة إلى رفع القصاص الذي شرعه الله تعالى حياة للنفوس فليس عنه مناص اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 183]، والبخاري [2413]، وأبو داود [4527]، والترمذي [1394]، وابن ماجه [2665].
ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال:
4229 -
(00)(00)(وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي ثقة، من (8)(كلاهما) أي كل من خالد وابن إدريس رويا (عن شعبة) وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أنس (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة (و) لكن (في حديث ابن إدريس) وروايته لفظة (فرضخ رأسه) الصواب (رأسها) أي رأس الجارية إلا إن قلنا أعاد عليها بمعنى المذكور (بين حجرين).
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
2430 -
(00)(00)(حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي قلابة لهشام بن زيد (أن رجلًا من اليهود
قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الأنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا. ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي الْقَلِيبِ. وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ. فَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ.
حَتَّى يَمُوتَ. فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ.
4231 -
(00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ
ــ
قتل جارية من الأنصار على حليّ لها) أي لأجل أخذ حلي لها فأخذه منها (ثم ألقاها في القليب) والقليب هي البئر الغير المطوية (ورضخ رأسها) أي دقه ورضه (بالحجارة) قال النووي: رضخه بين الحجرين ورضه بالحجارة ورجمه بالحجارة هذه الألفاظ معناها واحد لأنه إذا وضع رأسه على حجر ورمى بحجر آخر فقد رجم ورض وقد رضخ اهـ (فأخذ) ذلك اليهودي (فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة المجهول في الفعلين (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي بالاقتصاص منه وجملة قوله: (أن يرجم) بدل من الضمير المجرور (فرجم) أي شدخ بالحجارة (حتى مات) فهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
قال القرطبي: هذه الرواية مخالفة لمساق الرواية الأولى فلذلك قيل فيها: إنها قضية أخرى غير تلك والأولى أن القضية واحدة غير أن الراوي عبر عن رض رأس اليهودي بالحجارة بالرجم ولا بعد في ذلك فإنه من تسمية الشيء بما يشبهه كما مر عن النووي بما يقتضي ذلك اهـ من المفهم.
قوله: (في القليب) بفتح القاف وكسر اللام بئر لم تطو كما مر آنفًا كما في مجمع البحار وأضاف إليه بعضهم أنها البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر تكون في البراري يذكر ويؤنث وجمعه أقلبة وقال ابن شميل: إن القليب اسم من أسماء الركيِّ مطوية أو غير مطوية ذات ماء أو غير ذات ماء كذا في تاج العروس للزبيدي [1/ 438](قوله: فأمر به أن يرجم) ليس المراد بالرجم ها هنا الرجم المعروف للزاني المحصن وإنما المراد رضخ رأسه بالحجارة كما فسرته الروايات الأخرى.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
4231 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) الكوسج النيسابوري من (11)(أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج أخبرني معمر عن
أَيوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
4232 -
(00)(00) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَينَ حَجَرَينِ. فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ هذَا بِكِ؟ فُلانٌ؟ فُلانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا. فَأَوْمَتْ بِرَأسِهَا. فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ. فَأمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ
ــ
أيوب بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أنس (مثله) أي مثل ما روى عبد الرزاق عن معمر وهذا السند من سباعياته ففيه نزول بدرجة غرضه بيان متابعة ابن جريج لعبد الرزاق.
ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال:
4232 -
(00)(00)(وحدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري ثقة من (9) ويقال فيه هدبة بن خالد كما هو لفظ البخاري فيه (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لأبي قلابة وهشام بن زيد (أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ) وشُدخ (بين حجرين فسألوها) أي سأل أهلها إياها بقولهم: (من صنع) وفعل (هذا) الرض (بك) يا جارية (فلان) فعل بك أم (فلان) فعل بك لرجل آخر عددوا لها أسماء رجال (حتى ذكروا) لها (يهوديًّا) أي اسم يهودي رضَّها (فأومت) أصله أومأت قلبت الهمزة ألفًا لتطرفها بعد فتحة فالتقى ساكنان ثم حذفت الألف لبقاء دالها فصار أومت أي أشارت لهم (برأسها) بأن نعم (فأخذ اليهودي فأقر) برضخها (فأمر به) أي برضخ رأسه (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وجملة قوله (أن يرض رأسه بالحجارة) بدل من الضمير المجرور قبله والرض والرضخ الدق والكسر كذا في مجمع البحار وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات.
***