المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

590 -

(30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وبيان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

4112 -

(1581)(145) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيلٍ. فَأسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَينِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيلٍ. وَأَصَابُوا

ــ

‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

4112 -

(1581)(145)(وحدثني زهير بن حرب وعلي بن حجر السعدي) المروزي (واللفظ لزهير قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي المصري المعروف بابن علية (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن) عمه (أبي المهلب) بفتح اللام المشددة عمرو بن معاوية الجرمي البصري (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي البصري الصحابي المشهور رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا واحدًا أعني زهيرًا فإنه نسائي وعلي بن حجر فإنه مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) عمران بن حصين:(كانت ثقيف) بمنع الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، قبيلة مشهورة من العرب مواطنون في الطائف وما حواليها من القرى (حلفاء لبني عقيل) بضم العين وبالصرف لتصغيره، قبيلة مشهورة منهم أيضًا، والحلفاء جمع حليف كظرفاء جمع ظريف والحليف اسم فاعل من حلف عدل عن حالف للمبالغة وقد كثر حتى صار كالأسماء، وهو المعاهد يقال منه تحالفا إذا تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدًا في النصرة والحماية وكان بينه صلى الله عليه وسلم وبين ثقيف عهد أن لا يتعرضوا لأحد من المسلمين فنقض ثقيف عهدهم كما ذكره بقوله:(فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمهما (وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخذوا (رجلًا من بني عقيل) لأنهم حلفاء ثقيف داخلون في حكمهم في نقض العهد فشدوه بالوثاق أي ربطوه (وأصابوا) أي

ص: 165

مَعَهُ الْعَضْبَاءَ. فَأَتَى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ. قَال: يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ. فَقَال: "مَا شَأْنُكَ؟ " فَقَال: بِمَ أَخَذْتَنِي؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟

ــ

وأصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخذوا (معه) أي مع ذلك الرجل المأسور من بني عقيل (العضباء) وهي ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل كما يأتي ثم انتقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بحكم سهمه الخاص به من المغنم المسمى بالصفي، وإما بالمعاوضة الصحيحة وهي المسماة بالجدعاء والقصواء والخرماء في روايات أُخر، والعضب والقصو والجدع والخرم كلها بمعنى القطع، وسُميت هذه الناقة بتلك الأسماء لأنه كان في أذنها قطع وسُميت به فصدقت عليها تلك الأسماء كلها وعلى هذا فأصول هذه الأسماء تكون صفات لها ثم كثُرت فاستعملت استعمال الأسماء اهـ من المفهم (فأتى عليه) أي مر على ذلك الرجل الأسير المربوط (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (في الوثاق) أي في القيد، والوثاق اسم لما يوثق به (قال) ذلك الرجل:(يا محمد فأتاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شأنك) وحالك أيها الرجل وما حاجتك؟ حيث ناديتني (فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بِمَ) بفتح الميم مع حذف الألف لأن أصله بما حُذفت منها الألف فرقًا بينها وبين ما الموصولة وهو استفهام عن السبب الذي أوجب أخذه وأخذ ناقته وكأنه كان يعتقد أن له أو لقبيلته عهدًا من النبي صلى الله عليه وسلم أي بأي سبب وبأي ذنب (أخذتني) أي أخذني أصحابك وأسروني (وبمَ أخذت) بفتح التاء للخطاب أي وبأي سبب أخذ أصحابك ناقتي (سابقة الحاج) أي سابقة نوق الحجاج في أيام الموسم أراد بها العضباء فإنها كانت تسبق نوق الحجاج في سفرها ولا تسبق أو لا تكاد تسبق معروفة بذلك حتى جاء أعرابي على قعود فسبقها، والقعود بالفتح ما استحق الركوب من الإبل، وقد أخرج البخاري في باب التواضع من كتاب الرقاق عن أنس قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تُسْبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سُبقت العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن حقًّا على الله أن لا يُرفع شيء من الدنيا إلا وضعه"، وإنما سأله الأسير عن سبب أخذها لأنه كان يعتقد أن له ولقبيلته عهدًا

ص: 166

فَقَال (إِعْظَامًا لِذلِكَ): "أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ" ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ

ــ

من النبي صلى الله عليه وسلم مع أن ثقيف نقضت العهد بأسر رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فانتقض عهدها وعهد حلفائها فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بذكر السبب إعظامًا لحق الوفاء وإبعادًا لنسبة الغدر إليه صلى الله عليه وسلم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إعظامًا لذلك) أي لنسبة الغدر إليه وإبعادًا له وهذا حكاية حال من الراوي فهو مدرج من كلامه وليس من مقول النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون الإعظام منه صلى الله عليه وسلم فهو إعظام لحق الوفاء وابعاد لنسبة الغدر إليه ويحتمل أيضًا أن يكون من الأسير ويكون في الكلام التقديم والتأخير ويكون الإعظام الأخذ ولا يخفى أن الاحتمال الأول هو الراجح والحاصل أن سؤال الأسير عن سبب أخذه كان يتضمن نسبة الغدر ونقض العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأعظمه النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بما أجاب فقال:(أخذتك بجريرة) أي بذنب وجناية (حلفائك ثقيف) أي بما فعلته ثقيف من الجناية التي نقضوا بها ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد وكانت بنو عقيل دخلوا معهم في ذلك إما بحكم الشرط وفيه بُعد، والظاهر أنهم دخلوا معهم بحكم الحلف الذي كان بينهم ولذلك ذكر حلفهم في الحديث، والجريرة بالفتح في اللغة الذنب والجناية يقال: جر على نفسه وغيره يجرها بضم الجيم وفتحها جريرة إذا جنى عليهم جناية كما في تاج العروس [3/ 94] فالمعنى أني أخذتك بجناية حلفائك ثقيف فإنهم أسروا رجلين من أصحابنا ونقضوا بذلك عهدهم، وقد ذكر الخطابي في ذلك وجوهًا؛ الأول: أن العهد كان مع بني ثقيف وحلفائهم جميعًا بأنهم لا يتعرضون للمسلمين فنقض بنو ثقيف العهد ولم ينكره بنو عقيل فأخذوا بجريرتهم. والثاني: أن بني عقيل لم يكن معهم عهد فكان الأسير رجلًا كافرًا ولا عهد له فكان يجوز أخذه وأسره وقتله فإذا جاز أن يؤخذ بجريرة نفسه وهي كافرة جاز أن يؤخذ بجريرة غيره ممن كان حليفًا له. والثالث: أن يكون في الكلام حذف يريد أنك إنما أخذت ليدفع بك جريرة حلفائك ثقيف فيُفدى بك الأسرى الذين أسرهم ثقيف منا ألا تراه يقول: (ففدى الرجلين) فالظاهر أن العهد كان مع ثقيف وحلفائها فأُخذ رجل من بني عقيل ليُفدى بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف اهـ. ولما سمع الرجل الأسير ذلك لم يجد جوابًا فسكت (ثم انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى (عنه) أي عن ذلك الأسير

ص: 167

فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا. فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَال: "مَا شَأْنُكَ؟ " قَال: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَال: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْركَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ"

ــ

وذهب (فناداه) أي نادى الأسير النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فقال: يا محمد يا محمد) تعال إليّ مرتين، وكان هذا النداء من الرجل على جهة الاستلطاف والاستعطاف ولذلك رق له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع له (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا) بالعباد بإحسانه إليهم (رقيقًا) أي رقيق القلب شفيقه غير غليظه (فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) مرة ثانية (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما شأنك) أي ما حالك وما مطلبك إذ ناديتني مرة ثانية، رحمة ورفقًا على مقتضى خلقه الكريم ولذلك قال الراوي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا فـ (قال) له الرجل: شأني (إني مسلم) أي داخل في الإسلام فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلتها) أي لو قلت كلمة الإسلام (وأنت) أي والحال أنك (تملك أمرك) وشأنك قبل الأسر أي لو قلتها حين كنت مالك أمرك أي في حال اختيارك قبل كونك أسيرًا أي لو قلت ما تقوله الآن وهو أنك مسلم قبل أسرك (أفلحت كل الفلاح) بالفوز بالإسلام وبالسلامة من الأسر لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر ولما أسلمت بعد الأسر أفلحت بعض الفلاح حيث سقط الخيار في قتلك وبقي الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء ففُدي بالرجلين، قال النووي: وفي هذا جواز المفاداة وأن إسلام الأسير لا يُسقط حق الغانمين منه بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر اهـ وليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه إسلامه وأما فداؤه اللازم له الرجوع إلى دار الكفر فلا ينافي إسلامه لجواز أن يكون الرد شرطًا في العهد الذي بينه وبينهم ويكون قادرًا على إظهار دينه لقوته في قومه؛ والمعنى لو قلت ما تقوله الآن وهو أنك مسلم حين تملك أمرك يعني قبل الأسر لنجيت نفسك من الأسر في الدنيا ومن العذاب في الآخرة فإن الرجل إذا أقر بالإسلام قبل أن يؤسر لم يجز أسره ولا قتله، وأما إذا أسلم بعد الأسر فقد نجى نفسه من القتل فقط ولكن يجوز للإمام أن يسترقه أو يُمنّ عليه أو يفاديه فإن الإسلام بعد الأسر لا ينافي الاسترقاق اهـ.

وقوله: (إني مسلم) قال القرطبي: ظاهر اللفظ أنه قد صار مسلمًا بدخوله في دين

ص: 168

ثُمَّ انْصَرَفَ. فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ فَقَال: "مَا شَأْنكَ؟ " قَال: إِنِّي جَائِعْ فَأَطْعِمْنِي.

وَ

ــ

الإسلام، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنه لم يَقبل ذلك منه حين أجابه بقوله:"لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" أي قد فزت كامل الفوز وحينئذٍ يلزم منه إشكال عظيم فإن ظاهره أنه لم يُقبل منه إسلامه لأنه أسير مغلوب عليه لا يملك نفسه وعلى هذا فلا يصح إسلام الأسير في حال كونه أسيرًا وصحة إسلامه معلوم من الشريعة لا خلاف فيها غير أن إسلامه لا يُزيل ملك مالكه بوجه وهو أيضًا معلوم من الشارع. ولما ظهر هذا الإشكال اختلفوا في الانفصال عنه فقال بعض العلماء: يمكن أن يكون علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنه لم يصدق في ذلك بالوحي ولذلك لما سأله في المرة الثالثة فقال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال: هذه حاجتك؟ وقال بعضهم: بل إسلامه صحيح وليس فيه ما يدل على أنه رد إسلامه، ومال الأبي في شرحه إلى أن الرجل إنما أظهر إسلامه تقية ولم يؤمن بقلبه عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فلذلك رده إلى الكفار وهذا الوجه مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يعرف حقيقة ما في قلب الرجل فنحن مأمورون بالجريان على الظاهر اهـ منه.

وأما قوله: (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) أي لو قلت كلمة الإسلام قبل أن تؤسر لبقيت حرًّا من أحرار المسلمين لك ما لهم من الحرية في الدنيا وثواب الجنة في الآخرة وأما إذا قلتها وأنت أسير فإن حكم الرق لا يزول عنك بإسلامك؟ فإن قيل: فلو كان مسلمًا فكيف يُفادى به من الكفار رجلان مسلمان، فالجواب أنه ليس في الحديث نص على أنه رجع إلى بلاده بلاد الكفر فيمكن أن يقال: إنما فُدي بالرجلين من الرق فأعتق منه بسبب ذلك وبقي مع المسلمين حرًّا من الأحرار، وليس في قوله هذه حاجتك ما يدل على أن إسلامه ليس بصحيح كما ظنه القائل الأول وإنما معنى ذلك هذه حاجتك حاضرة متيسرة (قلت): وهذا الوجه الثاني أولى لأنه لا نص في الحديث يرده ولا قاعدة شرعية تبطله والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

(ثم انصرف) ورجع من عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم (فناداه) مرة ثالثة (فقال يا محمد يا محمد) على وجه الاستعطاف كما مر (فأتاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له: (ما شأنك) وحاجتك (قال) الرجل: (إني جائع فأطعمني و) إني

ص: 169

ظَمْآنُ فَأَسْقِنِي. قَال: "هذِهِ حَاجَتُكَ" فَفُدِيَ بِالرَّجُلَينِ.

قَال: وَأُسِرَتِ امْرأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ. وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ. فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ في الْوَثَاقِ

ــ

(ظمآن) أي عطشان (فأسقني قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه حاجتك) جملة اسمية قدم خبرها على مبتدئها على معنى الحصر أي حاجتك هذه حاضرة متيسرة فلا يهمنك شأنها فإنها تُقضى فورًا يعني أن الطعام والشراب من حاجاتك الأصلية فنحن نقضيها، وفيه دليل على أن الأسير يستحق الطعام والشراب من الذي أسره (ففُدي) ذلك الرجل أي خُلي سبيله (بـ) مقابلة تخلية (الرجلين) يعني خلى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبيله عوضًا عن تخلية ثقيف الرجلين اللَّذَين أسرتهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

(واعلم) أن هذا الحديث مشتمل على واقعتين: الأولى في قصة تملك النبي صلى الله عليه وسلم الناقة العضباء وحاصلها أنها كانت لرجل من بني عقيل فأسر مع ناقته فتملكها النبي صلى الله عليه وسلم والواقعة الثانية أن المشركين أغاروا على المدينة بعد الواقعة الأولى فذهبوا بالعضباء وأُسرت عندهم امرأة من المسلمين فانفلتت منهم وجاءت بالعضباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونذرت فيها نذرًا ومن أجل هذه الواقعة الثانية أخرج الإمام مسلم رحمه الله هذا الحديث في باب النذور فشرع في هذه الواقعة الثانية بقوله:

(قال) عمران بن حصين بالسند السابق (وأُسرت) بالبناء للمجهول وزاد أبو داود والدارمي قبله، وبعد قوله:(ففُدي الرجل بالرجلين)(فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله) وركوبه (وكانت من سوابق الحجاج ثم إن المشركين أغاروا على المدينة فذهبوا مع ما أخذوا بالعضباء وأسروا امرأة من المسلمين) وبهذا تتضح القصة (امرأة من الأنصار) قال أبو داود بعد إخراج الحديث: هذه المرأة امرأة أبي ذر رضي الله عنه وذكر السهيلي في الروض الأنف [2/ 214] أن اسمها ليلى ووقعت قصة أسرها في غزوة ذات القرد على ما ذكره ابن إسحاق في المغازي وحكاه عنه ابن هشام في سيرته وكانت ذات القرد في جمادى الآخرة سنة ست (وأُصيبت) أي أخذت (العضباء) في تلك الإغارة التي وقعت بالمدينة مع المرأة (فكانت المرأة) المأسورة مع العضباء (في الوثاق)

ص: 170

وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَينَ يَدَي بُيُوتِهِمْ. فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ. فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ. حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ. فَلَمْ تَرْغُ. قَال: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ

ــ

أي في القيد (وكان القوم) المشركون الذين أسروها (يريحون نعمهم) أي ينيخون إبلهم (بين يدي بيوتهم) أي أمام منازلهم وعند بيوتهم وبحضرتها لترتاح من تعب السير ومشقة السفر والمراد بالنعم هنا الإبل وإراحتها إناختها لتستريح في المراح والمراح بضم الميم مأوى الماشية بالليل (فانفلتت) أي تخلصت تلك المرأة (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (من الوثاق) أي من قيدها (فأتت) تلك المرأة (الإبل) أي إبلهم المناخة أمام بيوتهم لتركب عليها (فجعلت) أي شرعت تلك المرأة (إذا دنت) وقربت (من البعير) من تلك الإبل المناخة (رغا) ذلك البعير وصوّت (فتتركه) أي فتترك تلك المرأة البعير الذي رغا عليها وتمر عليه مخافة أن يظهر أمرها ويطلعوا عليها والمعنى فجعلت المرأة تدور على الإبل لتركب إحداها وتشرد منهم فكلما دنت من بعير منها رغا ذلك البعير فتتركه وتمر عليه (حتى تنتهي) وتصل المرأة (إلي العضباء) التي هي ناقة النبي صلى الله عليه وسلم التي أخذها المشركون وكانت قائمة في جملة إبلهم (فـ) لما وصلت إلى العضباء (لم ترغ) العضباء ولم تتصوّت عليها فتذللت لركوبها، يقال: رغا البعير يرغو رغاءً دعا يدعو دعاءً فهو مضارع مجزوم بحذف حرف العلة (قال) الراوي: (و) هي أي العضباء (ناقة منوقة) أي مدربة، وفي رواية ستأتي مجرّسة، وفي أخرى مدربة وكلها بمعنى واحد، ورُوي بالرفع على أنه خبر لمحذوف كما قدرناه وبالنصب على أنه مفعول لمحذوف تقديره ووجدتها ناقة منوقة وعلى كلا الاحتمالين فالجملة علة لعدم رغائها وتصويتها والتقدير إنما لم ترغ عليها لأنها ناقة منوقة أي مذللة للركوب أو لأنها كانت ناقة منوقة والمنوقة المذللة وهو مأخوذ من لفظ الناقة كأنه قد أذهب بشدة ذكورته وجعله كالناقة المنقادة كما في مجمع البحار.

قال القرطبي: قوله: (وناقة منوقة) أي مذللة مدربة لا نفرة عندها وهي المجربة أيضًا هذا قول العلماء ويظهر لي أن كونها مدربة ليس موجبًا لعدم رغائها لأنا قد شاهدنا من الأباعر والنوق ما لم يزل مدربًا على العمل ومع ذلك فيرغو عند ركوبه وعند الحمل عليه وكأن هذه الناقة إنما كانت كذلك إما لأنها دُرّبت على ترك الرغاء من صغرها، وإما

ص: 171

فَقَعَدَتْ في عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانطَلَقَتْ. وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ. قَال: وَنَذَرَتْ لِلهِ؛ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ. فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ، نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ؛ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "سُبْحَانَ اللهِ! بِئْسَمَا جَزَتْهَا

ــ

لأنها كان لها هوى في السير والجري لنشاطها فكلما حُركت بادرت لما في هواها، وإما لأنها خصّت في أصل خلقتها بزيادة هدوء، أو كان ذلك ببركة ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وهذا أقرب إلى الخاطر اهـ من المفهم.

(فقعدت) تلك المرأة (في عجزها) أي في عجز العضباء أي ركبتها قاعدة في مؤخرها لتهرب عليها (ثم زجرتها) أي حركتها لتسرع بها في السير (فانطلقت) أي ذهبت وهربت بها (ونذورا) أي علموا وأحسوا (بها) أي بهروبها وهو بكسر الذال من باب سمع وأما النذر المعروف فهو من باب نصر وضرب كما مر ونذر بالشيء وبالعدو كفرح إذا علمه فحذره ومنه الحديث وأنذر القوم أي احذر منهم وكن منهم على علم وحذر وهذا الفعل ليس له مصدر صريح ولذلك قالوا إنه مثل عسى من الأفعال التي لا مصدر لها وقد ذكر ابن القطاع ثلاثة مصادر لها نذارة ونذرة ونذرًا كذا في تاج العروس للزبيدي [3/ 561](فطلبوها فأعجزتهم) عن إدراكها فلم يدركوا لسبقها (قال) الراوي: (ونذرت) تلك المرأة (لله) وقالت في نذرها: (إن نجاها الله) تعالى وسلمها (عليها) أي على هذه الناقة من أخذهم إياها (لتنحرنها) وتذبحنها لله تعالى (فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا): جاءت (العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى العضباء المشقوقة الأذن وليست كذلك اهـ من المجد (فقالت) المرأة: (إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها) ظنت هذه المرأة أن ذلك النذر يلزمها بناء منها على أنها لما استنقذتها من أيدي الكفار ملكتها أو جاز لها التصرف فيها لذلك فلما أُعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابها بما يوضح لها أنها لم تملكها وأن تصرفها فيها غير صحيح اهـ (فأتوا) أي فأتى الناس (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك) النذر الذي نذرت المرأة (له) صلى الله عليه وسلم: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله) أي تنزيهًا لله تعالى عن الجزاء السيئ (بئسما جزتها) أي بئس الجزاء الذي جزت المرأة للعضباء

ص: 172

نَذَرَتْ لِلهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. لَا وَفَاءَ لِنَذرٍ في مَعْصِيَةٍ. وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ"

ــ

والمخصوص بالذم نذرها يعني أنها جزت إحسان الناقة بالإساءة إليها فإن الناقة تسببت لنجاة المرأة من الكفار فجزت بنذر أن تنحرها فإنها (نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها) وقوله: (بئس ما جزتها) ذم لذلك النذر من حيث إنه لم يصادف محلًا مملوكًا لها ولو كانت ملكًا للزمها الوفاء لأنه نذر طاعة فيلزم الوفاء به اتفاقًا هذا إن كان ذلك الذم شرعيًّا ويمكن أن يقال: إنما صدر هذا الذم منه لأن ذلك النذر مستقبح عادة لأنه مقابلة الإحسان بالإساءة وذلك أن الناقة نجتها من الهلكة فقابلتها على ذلك بأن تهلكها وهذا هو الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله بئس ما جزتها نذرت لله إن نجاها عليها لتنحرنها" وفي هذا الحديث حجة على ما وُجد من أموال المسلمين بأيدي الكفار وغلبوا عليه وعُرف مالكه أنه له دون آخذه وفيه مستروح لقول من يقول: إن الكفار لا يملكون (لا وفاء) أي جائز أو صحيح (لنذر في معصية) كأن نذر أن يشرب الخمر فإنه لا يوفي ذلك النذر (ولا) وفاء (فيما لا يملك) أي في نذر ما لا يملك (العبد) حالة النذر وإن ملك بعد ذلك كأن يقول: لله عتق عبد زيد، فلا يلزمه الوفاء وإن ملك بعد النذر. قال النووي: وفي رواية "لا نذر في معصية الله تعالى" وفي هذا دليل أن من نذر معصية كشرب الخمر وقتل النفس المحرمة مثلًا فنذره باطل لا ينعقد ولا تلزمه كفارة يمين ولا غيرها وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وجمهور العلماء، وقال أحمد: تجب فيه كفارة اليمين بالحديث المروي عن عمران بن الحصين وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين" واحتج الجمهور بحديث عمران بن حصين المذكور في الباب وأما حديث كفارته كفارة يمين فضعيف باتفاق المحدثين، وأما قوله:(ولا فيما لا يملك العبد) فهو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله عليّ أن أُعتق عبد فلان أو أن أتصدق بثوبه أو بداره أو نحو ذلك فأما إذا التزم في الذمة شيئًا لا يملكه فيصح نذره مثل أن قال: إن شفى الله مريضي فلله عليّ عتق رقبة وهو في ذلك الحال لا يملك رقبة ولا قيمتها فيصح نذره وإن شفي المريض ثبت العتق في ذمته اهـ منه، وقوله: (لا وفاء

ص: 173

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: "لَا نَذرَ في مَعْصِيَةِ اللهِ".

4113 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ حَمَّادٍ قَال: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقَيلٍ. وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ. وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا:

ــ

لنذر في معصية) هو رواية زهير بن حرب (وفي رواية) علي (بن حجر) السعدي (لا نذر في معصية الله) فهو اختلاف لفظي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 430]، وأبو داود [3306].

قال القرطبي: قوله: (لا وفاء لنذر في معصية) الخ ظاهر هذه الكلمة يدل على أن ما صدر من المرأة نذر معصية لأنها التزمت أن تهلك ملك الغير فتكون عاصية بهذا القصد وهذا ليس بصحيح لأن المرأة لم يتقدم لها من النبي صلى الله عليه وسلم بيان تحريم ذلك ولم تقصد ذلك وإنما معنى ذلك والله تعالى أعلم أن من أقدم على ذلك بعد التقدمة وبيان أن ذلك محرم كان عاصيًا بذلك القصد ولا يدخل في ذلك المعلق على الملك كقوله: إن ملكت هذا البعير فهو هدي أو صدقة لأن ذلك الحكم معلق على ملكه لا ملك غيره وليس مالكًا في الحال فلا نذر.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال:

4113 -

(00)(00)(حدثنا أبو الربيع) الزهراني (العتكي) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (عن عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (كلاهما) أي كل من حماد وعبد الوهاب رويا (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران (نحوه) أي نحو ما روى إسماعيل بن إبراهيم، غرضه بيان متابعتهما لإسماعيل (و) لكن (في حديث حماد) وروايته (قال) عمران بن حصين (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، وفي حديثه) أي وفي حديث حماد وروايته (أيضًا) أي كما فيه ما ذكر

ص: 174

فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ. وَفِي حَدِيثِ الثقَفِي: وَهِيَ نَاقَةٌ مُدَرَّبَةٌ.

4114 -

(1582)(146) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوَيةَ الْفَزَارِيُّ. حَدَّثَنَا حُمَيدٌ. حَدَّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَيخًا يُهَادَى بَينَ ابْنَيهِ

ــ

(فأتت) المرأة حين تخلصت من الوثاق (على ناقة ذلول) أي مذللة معلّمة مطيعة لصاحبها (مجرسة) بصيغة اسم مفعول من التجريس يعني مجربة في السير والركوب والمجرّس من الناس هو الذي جرب الأمور وخبرها، ومنه حديث عمر قال له طلحة: قد جرستك الدهور أي حنكتك وأحكمتك وجعلتك خبيرًا بالأمور مجربًا لها كذا في مجمع البحار، والتجريس في اللغة التحكيم والتجربة كما في تاج العروس [118/ 4] (وفي حديث) عبد الوهاب (الثقفي) وروايته (وهي ناقة مدربة) تدريب الشيء على الشيء تعويده عليه يقال دربته الشدائد حتى قوي ومُرّن عليها والمُدرّب المجرّب والمصاب بالبلايا والمدرّب من الإبل المخرّج المؤدب الذي قد ألِفَ الركوب والسير أي عوّد المشي في الدروب فصار يألفها ويعرفها فلا ينفر كما في تاج العروس [1/ 246] وذكر النووي رحمه الله تعالى: أن المنوقة والذلول والمجرّسة والمدرّبة كلها بمعنى واحد.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

4114 -

(1582)(146)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8)(عن حميد) بن أبي حميد الطويل الأنصاري مولاهم البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ له حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8)(حدثنا حميد) الطويل (حدثني ثابت عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخًا) هرمًا (يهادى بين ابنيه) بالبناء للمفعول أي يمشي بينهما متوكئًا عليهما لضعف به يعني يمشي بينهما معتمدًا عليهما لضعفه وتمايله، وهو مأخوذ من تهادت المرأة في مشيها إذا تمايلت وكل

ص: 175

فَقَال: "مَا بَالُ هذَا؟ " قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَال: "إِن اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ" وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ.

4115 -

(1583)(147) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَمْرٍو (وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو)،

ــ

من فعل ذلك فهو يهاديه أي يمسكه رجلان من جانبيه يعتمد عليهما كذا في مجمع البحار، وقوله:(بين ابنيه) قال الحافظ في الفتح في باب الحج [4/ 68] لم أقف على اسم هذا الشيخ ولا على اسم ابنيه، وغلط من قال إنه أبو إسرائيل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده:(ما بال هذا) الشيخ وما شأنه يهادى بين رجلين (قالوا): أي الحاضرون (نذر أن يمشي) حاجًّا إلى بيت الله تعالى أي نذر أن يحج ماشيًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله) سبحانه وتعالى (عن تعذيب هذا نفسه لغني) وقدّم الجار والمجرور على عامله للاهتمام به، وقيل للتخصيص لأن متحمل تلك المشقة جُعل كأنه اعتقد أن الله غير غني عن تعذيبه فيكون قصر قلب والمصدر مضاف إلى فاعله ونفسه مفعول به اهـ ابن الملك (وأمره أن يركب) لعجزه عن المشي وعليه دم عند الأحناف لأنه أدخل نقصًا في الواجب بعدم وفائه كما التزمه وهو كما في شرح النووي راجح القولين للشافعي ولم يذكر في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ألزم دمًا عليه وقد جاء في حديث أخت عقبة الآتي في سنن أبي داود مبينًا ذلك فليراجع وفي كتب الفروع من أوجب على نفسه أن يحج ماشيًا لا يركب حتى يطوف للركن، ومعنى قوله:(إن الله لغني عن تعذيب هذا) أي لم يكلفه بذلك ولم يحوجه إليه لأنه غير مستطيع.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [114/ 3]، والبخاري [1865]، وأبو داود [3301]، والترمذي [1537]، والنسائي [30/ 7].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

4115 -

(1583)(147)(وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي (قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عمرو وهو ابن أبي عمرو) ميسرة مولى المطلب بن عبد الله أبي

ص: 176

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ شَيخًا يَمْشِي بَينَ ابْنَيهِ. يَتَوَكَّأُ عَلَيهِمَا. فَقَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم:"مَا شَأنُ هذَا؟ " قَال ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَانَ عَلَيهِ نذْرٌ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ارْكَبْ. أَيُّهَا الشَّيخُ! فَإِن اللهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَن نَذْرِكَ"

ــ

عثمان المدني (عن عبد الرحمن) بن هرمز الهاشمي مولاهم (الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك) أي لحق ورأى (شيخًا يمشي) ويهادى (بين ابنيه) حالة كونه (يتوكأ) ويعتمد بعضديه (عليهما) لم أر من ذكر اسم الشيخ واسم الابنين وهل هو الشيخ الذي في حديث أنس أم لا؟ والظاهر هو هو لاتحاد الواقعة وهو في حجة الوداع (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه: "ما شأن هذا؟ " الشيخ وما باله يهادى بينكما (قال ابناه: يا رسول الله كان عليه نذر) أن يمشي إلى بيت الله (فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: اركب) الراحلة (أيها الشيخ فإن الله) سبحانه (غني عنك) أي عن عبادتك (وعن نذرك) أي وعن مشيك الذي لا تستطيعه لا أن أصل النذر يسقط عنه فإنه قد أمره بالركوب، وخُرّجت هذه العبارة على ما تعارفناه بيننا من أن من استغنى عن شيء لم يلتفت إليه ولم يعبأ به وكيف لا والله تعالى هو الغني الحميد وكل الموجودات مفتقرة إليه افتقار ضعفاء العبيد، وظاهر حديث هذا الشيخ أنه كان قد عجز عن المشي في الحال وفيما يأتي بعد ولذلك لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأخت عقبة:"مُرْها فلتمش ولتركب" فإنها كانت ممن يقدر على بعض المشي فأمرها أن تركب ما عجزت عنه وتمشي ما قدرت عليه وهذا هو المناسب لقواعد الشريعة، ولم يذكر لواحد منهما وجوب دم عليه ولا ذكر لأخت عقبة وجوب الرجوع لتمشي ما ركبته فأما من يئس عن المشي فلا رجوع عليه قولًا واحدًا ولا يلزمه دم إذ لم يخاطب بالمشي فيكون الدم بدله وإنما هو استحباب عن مالك، وأما من خوطب بالمشي فركب لموجب مرض أو عجز فيجب عليه الهدي عند الجمهور، وقال الشافعي: لا يجب عليه الهدي ويختار له الهدي، ورُوي عن ابن الزبير أنه لم يجعل عليه هديًا متمسكًا بما قررناه من الظاهر وقد تمسك الجمهور بزيادة زادها أبو داود والطحاوي في حديث عقبة وهذا لفظه (قال عقبة بن عامر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها فقال له النبي صلى

ص: 177

(وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ وَابْنِ حُجْرٍ)

ــ

الله عليه وسلم: "مُرْها فلتركب ولتختمر ولتهد هديًا" وعند أبي داود بدنة وليس فيه ناشرة شعرها، وزيادة الهدي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عقبة بن عامر ابن عباس، ورواها عنهما الثقات فلا سبيل إلى ردها وليس سكوت من سكت عنها حجة على من نطق بها، وقد عمل بها الجماهير من السلف وغيرهم.

ثم هل يجب عليه مع الهدي الرجوع فيمشي ما ركبه أم لا؟ اختلف فيه؛ فقيل: لا يجب عليه مطلقًا وإليه ذهب الشافعي وأهل الكوفة وهذا أحد قولي ابن عمر، وقيل: يرجع وإليه ذهب سلف أهل المدينة وابن الزبير وهو القول الآخر عن ابن عمر وفرّق مالك فقال: إن كان المشي يسيرًا لم يرجع ويرجع في الكثير ما لم يرجع لبلده البعيدة فيكفيه الدم. (قلت): والتمسك بحديث عقبة في ترك إيجاب الرجوع ظاهر وعمل سلف أهل المدينة باهر اهـ من المفهم.

(واللفظ) المذكور سابقًا (لقتيبة وابن حجر) وأما يحيى بن أيوب فروى معناه لا لفظه، وقوله:(كان عليه نذر) يعني به إلى بيت الله لأنه عرف المشي كما قال عقبة: إن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله، وقال الطحاوي: إلى الكعبة ولم يرد فيما صح من الحديث أكثر من هذين اللفظين بيت الله والكعبة، وألحق العلماء بهما ما في معناهما مثل أن يقول إلى مكة أو ذكر جزءًا من البيت وهذا قول مالك وأصحابه، واختلف أصحابه فيما إذا قال إلى الحرم أو مكانًا من بلدة مكة أو المسجد هل يرجع إلى البيت أم لا؟ على قولين؛ وقال الشافعي: من قال: علي المشي إلى شيء مما يشمل عليه الحرم لزمه وإن ذكر ما خرج منه لم يلزمه وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن حبيب من أصحابنا إلا إذا ذكر عرفات فيلزمه وإن كانت خارج الحرم، وقال أبو حنيفة: لا يلزمه في هذا مشي ولا مسير في القياس لكن الاستحسان في قوله إلى بيت الله أو الكعبة أو مكة فقط وكل هذا إذا ذكر المشي فلو قال: علي المسير إلى مكة أو الانطلاق أو الذهاب فلا شيء عليه إلا أن يقول في حج أو عمرة أو ينويهما، وتردد قول مالك في الركوب، وأوجب أشهب الحج والعمرة فيهما كالمشي وكل هذا إن ذكر مكة أو موضعًا منها على ما فصلناه؟ فلو قال: علي المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة لم يلزمه المشي عند ابن القاسم بل المضي إليها، وقال ابن وهب: يلزمه المشي وهو القياس ولو قال إلى مسجد غير هذه الثلاثة، قال ابن المواز: إن كان قريبًا كالأميال لزمه المشي إليه

ص: 178

4116 -

(00)(00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ أبِي عَمْرٍو، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

4117 -

(1584)(148) وحدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ (يَعْنِي ابْنَ فَضَالةَ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ،

ــ

وإن كان بعيدًا لم يلزمه والله أعلم اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 373]، وأبو داود [3301].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4116 -

(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد (يعني الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى إسماعيل بن جعفر عن عمرو، غرضه بيان متابعة الدراوردي لإسماعيل.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما فقال:

4117 -

(1584)(148)(وحدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح) بن يعقوب الحرسي بفتح المهملتين القضاعي أبو يحيى (المصري) كاتب القاضي العمري، روى عن المفضل بن فضالة في النذور والجهاد ونافع بن يزيد، ويروي عنه (م) ومحمد بن زبّان، وثقه العقيلي، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين (حدثنا المفضل يعني ابن فضالة) بن عبيد الرعيني المصري، ثقة، من (8)(حدثني عبد الله بن عياش) بمثناة ومعجمة ابن عباس بموحدة ومهملة القِتباني بكسر القاف بعدها فوقية ساكنة ثم موحدة أبو حفص المصري، روى عن يزيد بن أبي حبيب في النذور وأبيه والأعرج، ويروي عنه (م ق) والمفضل بن فضالة، قال أبو حاتم: صدوق، وضعفه أبو داود والنسائي، له في كل من الكتابين فرد حديث، وقال في التقريب: صدوق يغلط، أخرج له مسلم في الشواهد، مات سنة (170) سبعين ومائة (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني

ص: 179

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّهُ قَال: نَذَرَتْ أُختِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيتِ اللهِ حَافِيَةً. فَأَمَرَتْنِي أَنْ اسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَاسْتَقتَيتُهُ. فَقَال: "لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ".

4118 -

(00)(00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا الْخَيرِ

ــ

المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عقبة بن عامر) الجهني أبي حماد المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون (أنه قال: نذرت أختي) قال المنذري في تلخيصه لأبي داود [4/ 378] وأخت عقبة هي أم حبان بكسر الحاء المهملة أسلمت وبايعت، ولكن رد عليه الحافظ في الفتح [4/ 68] وفي التلخيص [4/ 178] وحقّق أن أم حبان بنت عامر هي أخت لعقبة بن عامر بن نابي دون عقبة بن عامر الجهني راوي هذا الحديث، وعقبة بن عامر بن نابي أنصاري شهد بدرًا ولا رواية له فالصحيح أنه لا يعرف اسم أخت عقبة بن عامر الجهني اهـ أي ألزمت أختي نفسها (أن تمشي إلى بيت الله) تعالى حالة كونها (حافية) أي غير لابسة في رجلها شيئًا من النعال والخفاف، قال قيس بن الملوح:

عليّ لئن لاقيت ليلى بخلوة

زيارة بيت الله رجلان حافيا

(فأمرتني أن أستفتي) وأسأل (لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال) لي مُرْها (لتمش) فيما قدرت (ولتركب) فيما عجزت، وفيه دليل على صحة نذر المشي وإلا لما لزمها ذلك وقت القدرة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال:

4118 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص بكسر الميم وسكون القاف آخره صاد مهملة هو اسم أبي أيوب الخزاعي مولاهم أبو يحيى المصري، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (5) أبواب (أن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي المصري (أخبره أن أبا الخير) مرثد بن عبد الله اليزني

ص: 180

حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: نَذَرَتْ أُخْتِي. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُفَضَّلٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ في الْحَدِيثِ: حَافِيَةً. وَزَادَ: وَكَانَ أبُو الْخَيرِ لَا يُفَارِقُ عُقْبَةَ.

4119 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوَحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

4120 -

(1585)(149) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيليُّ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأَحْمَدُ بْنُ

ــ

المصري (حدثه عن عقبة بن عامر الجهني) المصري. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمفضل بن فضالة في رواية هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب، ولكنها متابعة ناقصة لأن ابن جريج روى عن يزيد بواسطة سعيد بن أبي أيوب، وأما مفضل فقد روى عن يزيد بواسطة عبد الله بن عياش (أنه قال: نذرت أختي فذكر) ابن جريج (بمثل حديث مفضل) بن فضالة (ولم يذكر) ابن جريج (في الحديث حافية) أي عارية عن النعال (و) لكن (زاد) ابن جريج لفظة قال سعيد بن أبي أيوب: (وكان أبو الخير لا يفارق عقبة) بن عامر الجهني.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال:

4119 -

(00)(00)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (و) محمد بن أحمد (بن) محمد (أبي خلف) السلمي البغدادي (قالا: حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي أبو محمد البصري، ثقة، من (9)(حدثنا ابن جريج أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي المصري، صدوق، من (7)(أن يزيد بن أبي حبيب أخبره بهذا الإسناد) يعني عن أبي الخير عن عقبة (مثل حديث عبد الرزاق) غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لعبد الرزاق.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعقبة بن عامر رضي الله عنه فقال:

4120 -

(1585)(149)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي المصري (وأحمد بن

ص: 181

عِيسَى (قَال يُونُسُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبِ). أخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال:"كفارَةُ النَّذْرِ كَفارَةُ الْيَمِينِ"

ــ

عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (قال يونس: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب المصري (عن كعب بن علقمة) بن كعب بن عدي التنوخي أبي عبد الحميد المصري، صدوق، من (5)(عن عبد الرحمن بن شماسة) بضم المعجمة وتخفيف الميم المهري المصري، ثقة، من (3)(عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (عن عقبة بن عامر) الجهني المصري. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة اليمين) أي مثل كفارة اليمين في كون الواجب فيها أحد الأمور الثلاثة الإعتاق أو الإطعام أو الصوم.

(واعلم) أن الكفارة في النذر تجب في صور مختلفة الأولى أن يقول: لله علي نذر. ولم يعيّن شيئًا من صوم وصدقة أو عتق فعليه الكفارة وهذه الصورة هي المقصودة بحديث الباب، والثانية: أن ينذر شيئًا ثم لا يطيق الوفاء به فعليه الكفارة إلا في صور مخصوصة كالنذر بالمشي إلى بيت الله أو النذر بذبح ولده فإنه يلزمه دم فيهما كما سبق في شرح الحديث السابق، والثالثة: أن يعلق النذر بشيء يريد الامتناع منه كأن يقول: إن كلمت زيدًا فلله علي حجة وهو المسمى بنذر اللجاج في اصطلاح الشافعية وحكمه عندهم أنه في حكم اليمين فإن حنث في ذلك فله الخيار إما أن يفي بنذره وإما أن يكفِّر، والرابعة: النذر بالمعصية تجب فيه الكفارة على اختلاف الفقهاء فيه كما سبق. وهذه الصور الأربعة للكفارة مجموعة فيما أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته يمين" وأخرجه أيضًا ابن ماجه ولم يذكر النذر في المعصية وزاد "ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به" والله أعلم.

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3323]، والترمذي [1528]، والنسائي [7/ 76].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عقبة بن عامر الأول ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث عقبة بن عامر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة.

***

ص: 183