الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل
4150 -
(1595)(158) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا هُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي صَالِح. وَقَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا هُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي صَالِح) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدقُكَ عَلَيهِ صَاحِبُكَ"
ــ
593 -
(33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل
4150 -
(1595)(158)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (قال يحيى: أخبرنا هشيم بن بشير) السلمي الواسطي (عن عبد الله بن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، ويقال له عباد، روى عن أبيه أبي صالح السمان في الأيمان، وسعيد بن جبير، ويروي عنه (م دت ق) وهشيم بن بشير وابن جريج وابن أبي شيبة، وثقه ابن معين والساجي والأزدي، وقال ابن المديني: ليس بشيء، وقال في التقريب: لين الحديث، من السادسة، له عندهم حديث قال (ت): حسن غريب (وقال عمرو: حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا عبد الله بن أبي صالح عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمينك) أيها الحالف وهو مبتدأ خبره قوله: (على ما يصدقك عليه صاحبك) أي خصمك ومدعيك ومحاورك كذا في المرقاة فلا يختص المستحلف الواقع في الحديث التالي بالقاضي، قال ابن الملك في شرحه: يعني من استحلفه غيره على شيء ونوى الحالف في حلفه غير ذلك الشيء سواء كان متبرعًا في يمينه أو بقضاء عليه يُعتبر فيه نية المستحلف كالقاضي والمحكم والمدعي لا نية الحالف وتوريثه، وهذا إذا استحلفه القاضي بالله، وأما إذا استحلفه بالطلاق فيُعتبر فيه نية الحالف لأن القاضي ليس له إلزام الحالف الطلاق اهـ ومثله الحلف بالعتاق، وينبغي فيما إذا كان الحاكم يرى جواز التحليف بذلك أن لا تنفعه التورية قاله ابن حجر، والتورية إضمار الحالف معنى على غير نية المستحلف، والحديث كما قال الأبي حض
وَقَال عَمْرو: "يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ".
4151 -
(00)(00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هُشَيم، عَنْ عبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْيَمِينُ عَلَى نِيةِ المُسْتَخلِفِ"
ــ
على الصدق في اليمين (وقال عمرو) في روايته (يصدقك به صاحبك) أي قال لفظة به بدل عليه والمعنى واحد.
(قلت): والتورية عند البديعيين أن يكون للكلمة معنيان قريب وبعيد ويريد الحالف المعنى البعيد والمستحلف القريب كلفظ درهم يطلق على النقد وعلى الثوب فادعى عليه رجل بأن عليه درهمًا وهو يريد النقد وليس له بينة وطلب تحليفه عند القاضي فحلف المدعى عليه بأنه ليس له عليّ درهم وهو يريد الثوب فهذه التورية لا تنفعه فيأثم بيمينه ولا يسقط عنه الدرهم الذي أراده المدعي اهـ. قال النووي: هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي فإذا ادعى رجل على رجل حقًّا فحلّفه القاضي فحلف وورّى غير ما نوى انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية وهذا مجمع عليه عند الفقهاء اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 228]، وأبو داود [3255]، قال المنذري: وشاركه أيضًا الترمذي وابن ماجه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
4151 -
(00)(00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقهّ، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن هشيم) بن بشير (عن عباد بن أبي صالح) وهو عبد الله بن أبي صالح المذكور في السند السابق كما أشرنا إليه هناك، وفي بعض نسخ أبي داود عبادة بن أبي صالح وهو غلط (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليمين على نية المستحلف) وهو بمعنى الرواية الأولى، وقال القرطبي: معنى الروايتين مختلف فمعنى الرواية الأولى يعني قوله: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك) أن يمينك الذي يجوز لك أن تحلفها هي التي تكون صادقة في نفسها بحيث لو اطلع عليها صاحبك لعلم أنها حق وصدق وأن ظاهر الأمر فيها كباطنه وسره كعلنه فيصدقك فيما حلفت عليه فهذا خطاب لمن أراد أن يقدم على يمين فحقه أن يعرض اليمين على نفسه
4152 -
(1596)(159) حدثني أَبُو الربِيعِ الْعَتَكِي وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ (وَاللفْظُ لأَبِي الربِيعِ) قَالا: حَدَّثَنَا حَمادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ). حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ مُحَمدٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، قَال: كَانَ لِسُلَيمَانَ سِتُّونَ امْرَأَةً
ــ
فإن رآها كما ذكرناه حلف إن شاء والا أمسك فإنها لا تحل له هذا فائدة هذا اللفظ، فأما قوله:(اليمين على نية المستحلف) فمقصوده أن من توجهت عليه يمين في حق ادعِيَ عليه به فحلف على ذلك لفظًا وهو ينوي غيره لم تنفعه نيته ولا يخرج بها عن إثم تلك اليمين، ويظهر من كلام الأئمة على هذين الحديثين أن معنى الأول مردود إلى الثاني وما ذكرته أولى إن شاء الله تعالى ويتبين لك ذلك من سياق اللفظين فتأملهما تجد ما ذكرته اهـ من المفهم.
والحاصل أن هذا الحكم يعني كون اليمين على نية المستحلف فيما إذا كان الاستحلاف عند القاضي بحق وكان اليمين بالله أو بصفاته دون اليمين بالطلاق والعتاق فإن فات أحد هذه الشروط الثلاثة جاز فيه نية الحالف وذلك أن لا يكون الاستحلاف عند القاضي، أو يكون عنده بغير حق، أو يكون عنده بالطلاق والعتاق.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني الاستثناء بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4152 -
(1596)(159)(حدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين) البصري (واللفظ لأبي الربيع قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد) الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن محمد) بن سيرين البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة (قال) أبو هريرة:(كان لسليمان) بن داود بن إيشا عليه السلام (ستون امرأة) من الأحرار، اختلفت الروايات في عدد نساء سليمان عليه السلام في هذه القصة اختلافًا شديدًا فورد في بعضها ستون امرأة وفي بعضها سبعون وفي بعضها تسعون وفي أخراها مائة أو تسع وتسعون. وقد جمع النووي رحمه الله تعالى بين هذه الروايات بان ذكر القليل لا ينفي الكثير وأن مفهوم العدد لا عبرة له عند جمهور الأصوليين.
وتعقبه الحافظ في الفتح بأن ذلك ليس بكاف في هذا المقام وأن مفهوم العدد معتبر عند الكثير ثم أتى بطريق آخر للجمع فقال: إن الستين كن حرائر، وما زاد عليهن
فَقَال: لأَطُوفَنَّ عَلَيهِنَّ الليلَةَ،
ــ
كن سراري أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة في الكثرة، وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين فمن قال تسعون ألغى الكسر، ومن قال مائة جبره، ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر كذا في فتح الباري في كتاب الأنبياء [6/ 460].
ولكن مثل هذا الجمع فيه تكلف ظاهر وهو بعيد أيضًا بالنظر إلى أن الحديث واحد والراوي في جميع الروايات أبو هريرة رضي الله عنه وإنما يحتمل مثل هذا الجمع إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بجميع هذه الأعداد في مواقع مختلفة فعنى في بعضها الحرائر وفي بعضها السراري ولم يثبت ذلك لأن الحديث لم يروه غير أبي هريرة فيما نعلم والذي يظهر في كيفية الجمع بينها أن يقال إن هذا الاختلاف إنما نشأ من تصرف الرواة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم بيّن عددًا يدل على الكثرة فعبر عنه بعضهم بستين وآخرون بسبعين أو تسعين وقد اشتهر عندهم أن كثيرًا من الرواة كانوا يعتنون بحفظ أصل الحديث ومغزاهُ دون التعمق في حواشيه وتفاصيله التي لا أثر لها على أصل الحديث فحفظوا أصل القصة ولم يتثبتوا في تعيين العدد كتثبتهم في أصل القصة فمن هذا نشأ الاختلاف بينهم وليس ذلك قادحًا في صحة أصل الحديث لما قرره المحدثون أن وهم الراوي في جزء من الحديث لا يستلزم ضعف أصله، وقد استعمل الحافظ هذا الأصل في مواضع من فتح الباري.
وبالجملة فلا سبيل اليوم إلى الجزم بتصحيح أحد هذه الأعداد أو عدد غيره بالنظر إلى اختلاف الروايات وليس تعيين العدد من مقاصد القصة ولا أثر له على مضمون الحديث وإنما يكفي أن يُفهم منه كثرة نساء سليمان عليه السلام في الجملة دون تعيين عددها والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.
(فقال) سليمان: والله (لأطوفن) أي لأدورن (عليهن) على جميع هؤلاء الستين وأجامعهن هذه (الليلة) الحاضرة، والطواف عليهن كناية عن جماعهن، وفي رواية آتية لأُطيفن بضم الهمزة من أطاف الرباعي وهما لغتان فصيحتان يقال: طاف بالشيء يطوف فهو طائف ومنه قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)} وأطاف به يطيف إطافة فهو مطيف، وأصل الطواف الدوران حول الشيء ومنه الطواف بالبيت وهو في هذا الحديث كناية عن الجماع كما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف على
فَتَحْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. فَتَلِدُ كُلُّ وَاحِدةٍ مِنْهُن غُلامًا فَارِسًا. يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله
ــ
نسائه وهن تسع في ساعة واحدة من ليل أو نهار رواه أحمد [3/ 111] وهذا يدل على ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وقوة الفحولية وكمال الرجولية مع ما كانوا فيه من الجهد والمجاهدات والمكابدات على ما هو المعلوم من حال نبينا صلى الله عليه وسلم وأنه توفي ولم يشبع من خبز البر ثلاث ليال تباعًا متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقد رُوي عن سليمان عليه السلام أنه كان يفترش الرماد ويأكل خبز الرماد (وهو الطلمة وهي عجين يوضع في الملة حتى ينضج، والملة الرماد والتراب الذي أوقد فيه النار) وهذا هو المعلوم من حال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن كان هذا حاله فالعادة جارية بأن يضعف عن الجماع لكن خرق الله لهم العادة في أبدانهم كما خرقها لهم في معجزاتهم وأكثر أحوالهم اهـ من المفهم. واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي والله لأطوفن كما قدرناه سابقًا في حلنا ويؤيده ما سيأتي في الرواية الآتية من قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يحنث" لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم وكثيرًا ما تحذف العرب المقسم به اكتفاء عنه بلام القسم لدلالتها على المقسم به لكنها لا تدل على مقسم معين كذا في عمدة القاري [6/ 565] في كتاب الجهاد، ولكن يُشكل عليه أن القسم المحذوف لا ينعقد به اليمين حتى يكون لفظ القسم ملفوظًا فالأحسن ما اختاره الحافظ في الفتح [6/ 462] أن التلفظ باسم الله وقع في الأصل وإن لم يقع في الحكاية وذلك ليس بممتنع فإن من قال: والله لأطوفن يصدق عليه أنه قال: لأطوفن فإن اللافظ بالمركب لافظ بالمفرد اهـ منه (فتحمل) أي تحبل (كل واحدة منهن) أي من الستين حملًا، قال الحافظ: قال ذلك على سبيل التمني للخير وإنما جزم به لأنه غلب عليه الرجاء لكونه قصد به الخير وأمر الآخرة لا لغرض الدنيا، قال بعض السلف: نبه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على آفة التمني والإعراض عن التفويض، قال: ولذلك نسي الاستثناء ليُمضى فيه القدر اهـ (فتلد كل واحدة منهن كلامًا فارسًا) أي عارفا ركوب الفرس (يقاتل في سبيل الله) تعالى لإعلاء كلمته ونصر دينه، وتقدم الكلام على الغلام في أوائل الكتاب وأنه الصغير من الذكر وأراد به هاهنا الشاب المطيق للقتال وهذا الكلام من سليمان ظاهره الجزم على أن الله يفعل ذلك الذي أراد لكن الذي حمله على ذلك صدق نيته في حصول الخير وظهور الدين وفعل الجهاد وغلبة رجاء فضل الله تعالى
فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلا وَاحِدَةٌ. فَوَلَدَتْ نِصْفَ إِنْسَانٍ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانَ اسْتَثْنَى، لَوَلَدَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُن غلامًا، فَارِسًا، يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ"
ــ
في إسعافه بذلك ولا يظن به أنه قطع بذلك على الله تعالى إلا من جهل حالة الأنبياء في معرفتهم بالله تعالى وبحدوده وتأدبهم معه اهـ من المفهم (فلم تحمل منهن إلا واحدة فولدت نصف إنسان) وفي بعض الروايات شق رجل، وفي بعضها شق غلام، وفي بعضها واحدًا ساقطًا أحد شقيه، والمراد أنها ولدت ولدًا ناقصًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان) سليمان عليه السلام (استثنى) أي لو قال إن شاء الله تعالى كما سيأتي مصرحًا به، والاستثناء في اليمين أن يقول إن شاء الله، وسيأتي حكمه والاختلاف فيه في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى الولدت كل واحدة منهن غلامًا فارسًا يقاتل في سبيل الله) تعالى، والحديث دليل على جواز قول لو ولولا بعد وقوع المقدور وقد وقع من ذلك مواضع كثيرة في الكتاب والسنة وكلام السلف كقوله تعالى:{قَال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)} [هود: 80] وكقوله: {رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر"، "ولولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم" متفق عليه، فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح:"لا يقولن أحدكم لو فإن لو تفتح عمل الشيطان" فمحمول على من يقول ذلك معتمدًا على الأسباب معرضًا عن المقدور أو متضجرًا منه كما حكاه الله تعالى من قول المنافقين حيث قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ثم رد الله قولهم وبين لهم عجزهم فقال: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168] ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل لو كان كذا لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان قل ما شاء الله كان وما شاء فعل" رواه أحمد ومسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة فالواجب عند وقوع المقدور التسليم لأمر الله وترك الاعتراض على الله والإعراض عن الالتفات إلى ما فات فيجوز بلو عند السلامة من تلك الآفات والله أعلم. وفيه دليل على أن اليمين بالله تعالى إذا قُرن بالاستثناء إن شاء الله لفظًا منويًا لم يلزم الوفاء بها ولا يقع الحنث فيها ولا خلاف في
4153 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللفْظُ لابْنِ أبِي عُمَرَ). قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَال: "قَال سلَيمَانُ بن دَاوُدَ نَبِي الله: لأَطُوفَنَّ الليلَةَ
ــ
ذلك، واختلفوا فيما إذا وقع الاستثناء منفصلًا عن اليمين فالجمهور على أنه لا ينفع الاستثناء إلا إذا كان متصلًا بها منويًا معها أو مع آخر حرف من حروفها وإليه ذهب مالك والشافعي والأوزاعي والجمهور، وقد اتفق مالك والشافعي على أن السعال والعطاس وما أشبه ذلك لا يكون قاطعًا إذا كان ناويًا له، وكان الحسن وطاوس وجماعة من التابعين يرون للحالف الاستثناء ما لم يقم من مجلسه، وقال قتادة: ما لم يقم أو يتكلم، وعن عطاء قدر حلبة ناقة، وعن سعيد بن جبير بعد أربعة أشهر، وروي عن ابن عباس بعد سنة، وقد أُنكرت هذه الرواية عنه وضُعفت، والصحيح الأول لأنه لو لم يشترط الاتصال لما انعقد اليمين ولا تصور عليها ندم ولا حنث ولا احتيج للكفارة فيها وكل ذلك حاصل بالاتفاق فاشتراط الاتصال هو القول الصحيح والله أعلم اهـ من المفهم.
ثم اختلف العلماء في الاستثناء بمشيئة الله تعالى هل يرفع حكم الطلاق والعتاق والمشي لمكة وغيرها من الأيمان بغير الله تعالى أم لا يرفع؟ فذهب مالك والأوزاعي إلى أن ذلك لا يرفع شيئًا من ذلك وذهب الكوفيون والشافعي وأبو ثور وبعض السلف إلى أنه يرفع ذلك كله وقصر الحسن الرفع على العتق والطلاق خاصة اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3424]، والترمذي [1571]، والنسائي [7/ 25].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4153 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن حجير) مصغرًا المكي، صدوق، من (6)(عن طاوس) بن كيسان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لمحمد بن سيرين (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سلمان بن داود نبي الله) عليهما السلام: والله (لأطوفن) هذه (الليلة) وأدورن (على
عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً. كُلهُنَّ تَأتِي بِغُلامٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله. فَقَال لَهُ صَاحِبُهُ، أَو الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله
ــ
سبعين امرأة) وأجامعهن (كلهن) بالرفع مبتدأ خبره جملة قوله: (تأتي بغلام) وبالجر على أنه توكيد لسبعين على مذهب الكوفيين القائلين بجواز توكيد الفكرة استدلالا بقول عائشة رضي الله تعالى عنها (ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كله إلا رمضان) وبقول الشاعر:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب
…
يا ليت عدة حول كله رجب
وأما البصريون فلا يجوّزون التوكيد المعنوي إلا في المعارت وحملوا ما ذكر على الشذوذ، وجملة تأتي حال من كلهن أي تلد كلها بغلام شاب (يقاتل في سبيل الله فقال له) أي لسليمان (صاحبه) أي الملك الموكل بالوحي إليه، قال أبو هريرة:(أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (الملك) بدل صاحبه، والشك من أبي هريرة أو ممن دونه وليس بين الصاحب والملك معارضة غير أن الصاحب أعم فيحتمل الملك وغيره، وقد وقع في بعض الروايات فقال له الملك بالجزم على الثاني، وفي بعضها فقال له صاحبه بالجزم على الأول، وفي بعضها قال له صاحبه قال سفيان: يعني الملك بالجمع بينهما ورجح الحافظ كونه ملكا لأن من جزم حجة على من لم يجزم وغلط من قال إنه آصف بن برخيا اهـ فتح الباري [6/ 461] ولكن لا ضرورة إلى تعيين ما أبهمه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: قوله: (فقال له صاحبه أو الملك) هذا شك من أحد الرواة في الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان صاحبه فيعني به وزيره من الإنس والجن وإن كان الملك فهو الذي يأتيه بالوحي وقد أبعد من قال: هو خاطره اهـ من المفهم (قل) يا سليمان (إن شاء الله) أي علق يمينك بمشيئة الله، وهذا تذكير له بأن يقول بلسانه لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه فإن ذلك بعيد على الأنبياء وغير لائق بمناصبهم الرفيعة ومعارفهم المتوالية، وإنما هذا كما قد اتفق لنبينا صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم بأن يأتي بالجواب غدا جازمًا بما عنده من معرفته بالله تعالى وصدق وعده في تصديقه وإظهار كلمته لكن ذهل عن النطق بكلمة إن شاء الله لا عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فأدب بأن تأخر الوحي عنه حتى رموه بالتكذيب لأجلها، ثم إن الله تعالى علمه وأدبه بقوله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24] فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة
فَلَمْ يَقُلْ. وَنَسِيَ. فَلَمْ تَأتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ. إِلا وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ غلامٍ". فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَلَوْ قَال: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ"
ــ
حتى في الواجب وهذا لعلو مناصب الأنبياء وكمال معرفتهم بالله تعالى يُناقشون ويُعاتبون على ما لا يُعاقب عليه غيرهم كما قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق لوط: "ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" متفق عليه فعتب عليه نطقه بكلمة يسوغ لغيره أن ينطق بها اهـ من المفهم.
(فلم يقل) سليمان (ونسي) بتلك الكلمة أي لم ينطق بها ذهولًا ونسيانًا أنساه الله تعالى إياها لينفذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه من جعل ذلك النسيان سببًا لعدم وقوع ما تمناه وقصده سليمان عليه السلام أي لم ينطق بلفظ إن شاء الله بلسانه وليس المراد أنه غفل عن التفويض إلى الله بقلبه فإن اعتقاد التفويض مستمر له لكنه نسي أن يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين كما في الفتح، وذكر النووي أن بعض الأئمة ضبط قوله:(ونسي) بضم النون وتشديد السين وهو ظاهر حسن اهـ.
(فلم تأت) أي فلم تلد (واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق كلام) أي بنصف ولد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو قال) سليمان: (إن شاء الله لم يحنث) أي لم يقع عليه الحنث بعدم ولادتهن لأنه إذا قال ذلك علق بالمشيئة، والتعليق بالمشيئة يرفع اليمين أي يمنع انعقادها، وقد قدمنا أن قول سليمان عليه السلام لأطوفن كان يمينًا بتقديم المقسم به ولذلك عبّر عن عدم حصول ما تمناه بالحنث، ويحتمل أيضًا أن لا يكون يمينًا وإنما عتر بلفظ الحنث مجازًا عن عدم حصول ما قصده، ثم قوله:(لم يحنث) يحتمل لمعنيين: الأول: أن سليمان عليه السلام لو قال: إن شاء الله، لأنجز الله تعالى له ما أراد وولدت كل امرأة من نسائه ولدًا مجاهدًا ولوقع ما أقسم عليه فلم يحنث، والثاني: أن قوله إن شاء الله كان استثناء في اليمين فلو قال ذلك بطل انعقاد اليمين فلم يحنث ولو لم يقع ما أقسم عليه ومن أجل هذا المعنى الثاني ذكره المحذثون في باب الاستثناء في اليمين وهذا هو الراجح هاهنا فكأنه قال لو قال سليمان: إن شاء الله لم يحنث لعدم انعقاد اليمين ولوقع حينئذٍ ما أراد والله أعلم.
(وكان) الاستثناء بقوله: إن شاء الله (دركًا له) أي وكان الاستثناء له سبب إدراك ولحوق (في حاجته) ووصول إليها، وقال ابن حجر: وهو تأكيد لقوله: لم يحنث،
4154 -
(00)(00) وحدثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ.
4155 -
(24) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ بْنُ هَمامٍ. أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: "قَال سلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ:
ــ
والدرك بفتحتين اسم مصدر من الإدراك بمعنى اللحاق كما في قوله تعالى: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} أي لحاقًا من العدو، والمراد أنه كان يحصل له ما طلب ويلحقه ذلك ثم لا يلزم من إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك في حق سليمان عليه السلام في هذه القصة أن يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته بل في الاستثناء رجاء الوقوع وفي تركه خشية عدم الوقوع وبهذا يجاب عن قول موسى للخضر عليهما السلام {قَال سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} مع قول الخضر عليه السلام له في الآخر {ذَلِكَ تَأْويلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا} كذا في فتح الباري [6/ 461].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4154 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لطاوس وساق الأعرج (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل حديث طاوس، وقوله:(أو نحوه) إضراب عما قبله أي بل ساق نحوه لا مثله والفرق بينهما كما مر في المقدمة أن المثل عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه، والنحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4155 -
(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق بن همام) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن طاوس لهشام بن حجير (قال) أبو هريرة:(قال سليمان بن داود) بن
لأطُيفَنَّ الليلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً. تَلِدُ كُلُّ امْرَأَة مِنْهُنَّ غلامًا. يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله. فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَلَمْ يَقُلْ. فَأطَاف بِهِنَّ. فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُن، إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، نِصْفَ إِنْسَانٍ". قَال: فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَال: إِن شَاءَ الله، لَم يَحْنَثْ. وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ".
4156 -
(25) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَال: "قَال سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ الليلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَة. كُلهَا
ــ
إيشا عليه السلام: (لأطيفن) بضم الهمزة من أطاف الرباعي أي لأدورن هذه (الليلة على سبعين امرأة) وفي الرواية السابقة ستون وفي التالية تسعون، وبينها معارضة من حيث العدد، وقد مر الجواب عنه (تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله فقيل له): أي لسليمان من جهة الملائكة (قل) يا سليمان (إن شاء الله) أي قيد حصول مرادك بمشيئة الله تعالى (فـ) نسي و (لم يقل فأطاف بهن) أي جامعهن كلهن (فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة) ولدت (نصف إنسان) أي شق إنسان (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال) سليمان في يمينه (إن شاء الله) تعالى أي قيد رجاءه بمشيئة الله تعالى (لم يحنث) أي لم يُخلف مراده بل ينجزه الله تعالى له (وكان) قوله إن شاء الله (دركًا) أي سبب إدراك وحصول (لحاجته) ببركة مشيئة الله تعالى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4156 -
(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا شبابة) بن سوار المدائني يقال: اسمه مروان أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9)(حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري الكوفي ثم المدائني، صدوق، من (7)(عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ورقاء بن عمر لسفيان بن عيينة ولو قدم هذا السند على السند الذي قبله كان أوضح وأوصل (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها
تَأْتِي بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله. فَقَال لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَطَافَ عَلَيهِن جَمِيعًا. فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُن إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. فَجَاءتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. وَايمُ الذِي نَفْسُ مُحَمدٍ بِيَدِهِ! لَوْ قَال: إِنْ شَاءَ الله، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله فُرْسَانا أَجْمَعُونَ"
ــ
تأتي) أي تلد (بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه) أي الملك: (قل) يا سليمان كلها تأتي بفارس (أن شاء الله فـ) نسي سليمان لفظة إن شاء الله و (لم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعًا) أي جامعهن (فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فجاءت) تلك الواحدة أي ولدت (بشق رجل) أي بنصف ولد طولًا (وآيم) أي اسم الله (الذي نفس محمد) وروحه (بيده) المقدسة قسمي (لو قال) سليمان: (إن شاء الله لي) ولدوا و (جاهدوا في سبيل الله) كلهم حالة كونهم (فرسانًا أجمعون) توكيد لضمير جاهدوا، فيه جواز استعمال لو ولولا في الكلام، وقد مر بسط الكلام فيه، وفيه جواز القسم بأيم الله وأيمن الله، واختلف العلماء في ذلك فقال مالك وأبو حنيفة: هو يمين مطلقًا لأن أيم وأيمن بمعنى اسم الله، وقالت الشافعية: إن نوى به اليمين بأن قصد به معنى اسم الله فهو يمين وإلا بأن قصد به معنى بركة الله فلا يكون يمينًا لأن البركة من صفات الأفعال كالرزق والإنعام فلا يكون يمينًا لأن صفات الأفعال لا ينعقد بها اليمين كالخلق والرزق والإمطار والتسخير اهـ نووي مع زيادة، وفي حاشية الخضري على الألفية: وأما أيمن في القسم فهو عند البصريين اسم مفرد من اليُمن وهو البركة وهمزته وصل خلافًا للكوفيين فيهما والهمزة عوض عن نونه المحذوفة في بعض لغاته كأيم ثم تثبت مع النون لأنها بصدد الحذف كما في امرئ، وفيه لغات (أيمن) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم وفتحها و (أيم) و (أم) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم فيهما و (م) و (من) بتثليث الميم فيهما ويجب إضافة الكل للفظ الجلالة فيكون بمعنى اسم الله وكونها مبتدأ محذوف الخبر أي أيمن الله قسمي قيل أو خبرًا لمبتدإ محذوف أي قسمي أيمن الله كما في المغني اهـ منه وأما عند الكوفيين فهمزته همزة قطع لأنه جمع يمين على وزن أفعل فلا يصح القسم به.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4157 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنهُ قَال:"كلهَا تَحْمِلُ غلامًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله".
4158 -
(1597)(160) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمام بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ،
ــ
4157 -
(00)(00)(وحدثنيه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الحدثاني، صدوق، من (10)(حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي الصنعاني، ثقة، من (8)(عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5)(عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى ورقاء عن أبي الزناد، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لورقاء بن عمر (غير أنه) أي لكن أن موسى بن عقبة (قال) في روايته (كلها تحمل كلامًا يجاهد في سبيل الله) تعالى بدل قول ورقاء (كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله).
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4158 -
(1597)(160)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام:(هذا ما حدثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مر أن هذه الأحاديث من صحيفة همام بن منبه، وهذا الحديث موجود في النسخة المطبوعة منها برقم (95) واللفظ عين لفظ مسلم غير أنه ليس في أوله (والله) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري (فذكر) همام وأملى علينا (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله) أي
لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدَ الله مِن أَنْ يُغطِيَ كَفارَتَهُ التِي فَرَضَها اللهُ"
ــ
أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لأن يلج أحدكم) أي لأن يصر ويستمر ويواظب أحدكم على المحلوف عليه (بـ) سبب (يمينه) التي حلفها (في) قطيعة (أهله) ورحمه كالحلف على أن لا يكلمهم ولا يصل إليهم ثم لا يحنثها على أن يكفر بعد (آثم له) اسم تفضيل على وزن أفضل أصله أأثم قلبت ثاني الهمزتين مدة؛ أي أكثر إثمًا له (عند الله) تعالى (من أن) يحنثها و (يعطي كفارته) أي كفارة حنثه (التي فرضها الله) تعالى وأوجبها عليه بسبب حنثه على تقدير الحنث، يقال لج يلج بفتح اللام وكسرها من بأبي سمع وضرب لجاجًا ولجاجة إذا لازم الشيء وواظبه كما في المصباح، واللجاج في اللغة هو الإصرار على الشيء والمضي فيه، واللجاج في اليمين هو المضي على مقتضاها وإن لزم من ذلك حرج ومشقة أو ترك ما فيه منفعة عاجلة أو آجلة فإن كان فيه شيء من ذلك فالأولى له تحنيث نفسه وفعل الكفارة، قال النووي: معنى الحديث أنه إذا حلف يمينًا تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ويكون الحنث ليس بمعصية فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه فإن قال: لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث وخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثمًا من الحنث، قال الحافظ في الفتح: ويستنبط من معنى الحديث ذكر أن الأهل خرج مخرج الغالب وإلا فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة. وقوله صلى الله عليه وسلم: آثم بالمد اسم تفضيل أصله أأثم كما مر آنفًا أي أشد إثمًا، وربما يشكل عليه أنه يستلزم أن يكون الحنث إثمًا أيضًا لكون اللجاج آثَمَ منه مع أن الحنث لا يجوز إلا فيما لم يكن معصية، وأجاب الشراح عنه بوجوه فذكر النووي أن فيه مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه فإنه يتوهم أن عليه إثمًا في الحنث مع أنه لا إثم عليه في الحقيقة، وقيل المراد أنه لو كان الإثم في الحنث على سبيل الفرض فإن إثم اللجاج أعظم، واختار الطيبي وجهًا آخر فقال: لا يبعد أن يقال إن أفعل التفضيل ليس على بابه كقولهم الصيف أحر من الشتاء ويصير المعنى أن الإثم في اللجاج في بابه أبلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه كذا في فتح الباري [11/ 519] والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3424]، والنسائي [7/ 25].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***