الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام
4277 -
(1632)(195) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ قُرَيشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ
ــ
604 -
(44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام
4277 -
(1632)(195)(حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته (أن قريشًا أهمهم) أي أقلقهم وأدخل عليهم الهم (شأن المرأة المخزومية التي سرقت) أي أمرها المتعلق بالسرقة فإن بني مخزوم من قريش وكانت تلك المرأة شريفة فيهم وقد سرقت في غزوة الفتح كما سيأتي التصريح به حليًا كما في الاستيعاب فأعظموا ذلك وسبب إعظامهم ذلك خشية أن تقطع يدها لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص في الحدود، قال ابن حجر: واسم المرأة على الصحيح فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم اهـ وعن هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي ذكره لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها قوله: (أن قريشًا أهمهم) أي أحزنهم وأوقعهم في الهم خوفًا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل (شأن المرأة المخزومية) أي المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين قتل أبوها كافرًا يوم بدر قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه (التي سرقت) في غزوة الفتح ومعنى أهمهم أي جلب عليهم همًا وأدخله في قلوبهم أو صيرهم ذوي هم بسبب ما وقع منها يقال: أهمني الأمر أي أقلقني وسبب همهم خشية أن تقطع يدها وكان قطع السارق معلومًا عندهم قبل الإسلام ونزل القرآن بقطع السارق فاستمر الحال فيه وقد عقد ابن الكلبي بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة فذكر قصة الذين سرقوا غزال الكعبة فقطعوا في عهد عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم
فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيهِ إلا أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ ". ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَال: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ
ــ
وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص في الحدود وكانت تلك المرأة أيضًا تستعير المتاع وتجحده كما في الرواية الآتية (فقالوا) أي فقال أهلها: (من يكلم) لنا (فيها) أي في شأنها (رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشفع لنا إليه أن لا تقطع يدها إما عفوًا أو بفداء (فقالوا) أي فقال غير أهلها مجيبين لهم عن استفهامهم (ومن يجترئ) أي من يتجاسر (عليه) صلى الله عليه وسلم أي لا يتجاسر على الكلام في ذلك أحد لمهابته (إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع بدل من أسامة أو عطف بيان له وأصحاب هذا القول غير الذين استفهموا بقولهم من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى لكن أسامة بن زيد بن حارثة محبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجترئ على ذلك فإنه حبه صلى الله عليه وسلم وكان أسامة كما في الفتح إذا شفع بتخفيف الفاء شفَّعه بتشديدها أي قبل شفاعته (فكلمه) أي فكلم النبي صلى الله عليه وسلم (أسامة) في شأنها والعفو عنها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة والهمزة في قوله: (أتشفع) للتوبيخ المضمن للإنكار أي أتشفع إليَّ يا أسامة (في) إسقاط (حد من حدود الله) تعالى وتركه والعفو عنه (ثم قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا (فاختطب) أي خطب لأن افتعل يأتي بمعنى الثلاثي والزيادة فيه حينئذٍ لمبالغة معنى الثلاثي كما شرحنا في المناهل وفي رواية للبخاري خطب (فقال) في خطبته: يا (أيها الناس إنما أهلك) على وزن أفعل أي إنما أهلك الأمم (الذين) كانوا (قبلكم) يعني بني إسرائيل (أنهم كانوا) بفتح الهمزة في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لأهلك وهذا الحصر ادعائي لأن الأمم الماضية كانت فيهم أمور كثيرة غير المحاباة في حدود الله تعالى اهـ ابن الملك وفي رواية سفيان عند النسائي (إنما هلك بنو إسرائيل أنهم) أي لأجل أنهم بتقدير اللام التعليلية على هذه الرواية (إذا سرق فيهم الشريف) أي من له شرف وفضل عندهم (تركوه) أي تركوا ذلك الشريف أي تركوا إقامة الحد عليه
وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيهِ الْحَدَّ. وَايمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ: "إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ".
4278 -
(00)(00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ). قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛
ــ
محاباة له لشرفه (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي من ليس له شرف عندهم (أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد: الظاهر أن هذا الحصر ليس عامًا فإن بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة اهـ من العون (وايم الله) أي واسم الله قسمي قد بسطنا البحث فيه فيما مر (لو أن فاطمة بنت محمد) صلى الله عليه وسلم (سرقت) فَرَضًا، أعاذها الله من أن تسرق وكلَّ مسلم (لقطعت يدها) إقامة لحد الله عليها ضرب صلى الله عليه وسلم بها المثل لأنها كانت أعز أهله عنده وكانت سمية لها كما ذكرنا آنفًا قال ابن الملك: وفي الحديث نهي عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغ الإمام ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعه أسامة وأما قبله فالشفاعة من المجني عليه جائزة والستر على المذنب مندوب إذا لم يكن صاحب شر وأذى وفيه وجوب العدل في الرعية وإجراء الحكم على السوية اهـ (وفي حديث ابن رمح) وروايته (إنما هلك الذين من قبلكم) بلفظ الثلاثي وزيادة من.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3475]، وأبو داود [4373]، والترمذي [1430]، والنسائي [8/ 73]، وابن ماجه [2547].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
4278 -
(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى) المصريان (واللفظ لحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى
أَنَّ قُرَيشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ التِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيهِ إلا أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. فَتلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال:"أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ "
ــ
عنها وهذا السند من سداسياته (أن قريشًا أهمهم) أي أقلقهم وأزعجهم وأحزنهم (شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا) أي قال أهلها: (من يكلم) لنا (فيها) أي في العفو عن حدها (رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشفع لنا إليه والاستفهام هنا استخباري (فقالوا) أي قال غير أهلها ممن يعرف خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبين لأهلها (ومن يجترئ) ويتشجع (عليه) أي على تكليم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب المحاباة عنها منه (إلا أسامة بن زيد) أي لا يجترئ عليه أحد لهيبته إلا أسامة (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجترئ عليه والاستفهام هنا استدلالي وفي ذلك تلميح بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحبه فأحبه" كذا في فتح الباري (فأُتي) بالبناء للمجهول (بها) أي بتلك السارقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أتى بها أهلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها الحد (فكلمه) صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في إسقاط الحد عنها (أسامة بن زيد) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه (فتلون) أي تغير (وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من البياض إلى الحمرة لشدة غضبه لله تعالى (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع) إلي يا أسامة (في) إسقاط (حد من حدود الله) تعالى والاستفهام للإنكار على أسامة يفهم منه تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام فيحرم على الشافع وعلى المشفع وهذا لا يختلف فيه واستدل به العلماء على أن الشفاعة في الحدود غير جائزة وقيده أكثرهم بما إذا رفعت القضية إلى السلطان فأما قبل رفعها إلى السلطان فلا بأس بالشفاعة واستدلوا على ذلك بمرسل لحبيب بن أبي ثابت وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس لها مَتْرَك ذكره الحافظ في الفتح [12/ 87] وله شاهد عند أبي داود والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد
فَقَال لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي. يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ. وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيهِ الْحَدَّ. وَإِنِّي، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ
ــ
وجب وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف فقال لا يشفع للأول مطلقًا سواء بلغ الإمام أو لا وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام وأما الشفاعة فيما ليس فيه حد وليس فيه حق لآدمي وإنما فيه التعزير فجائزة عند العلماء بلغ الإمام أم لا اهـ من المفهم.
(فقال له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أسامة) بن زيد (استغفر لي يا رسول الله) ذنب تشفعي فيما لا علم لي به (فلما كان العشيُّ) أي جاء العشي الذي هو آخر النهار (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب) أي وعظ الناس وخطبهم (فأثنى على الله) تعالى في بداية خطبته بعد البسملة أي مدحه (بما هو) أي بالوصف الذي هو (أهله) أي لائق به تعالى من الكمالات الخاصة به (ثم) ثناء الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد) ما ذكر من الثناء على الله تعالى فأقول: (فإنما أهلك الذين) مفعول مقدم على الفاعل أي فإنما أهلك الأمم الذين كانوا (من قبلكم) وجملة أن في قوله: (أنهم كانوا) في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية أي أهلكهم كونهم (إذا سرق فيهم الشريف تركوه) أي سامحوه من إقامة الحد عليه (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) فيه تهديد ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود وعلى ترك التسوية فيما بين الدني والشريف والقوي والضعيف ولا خلاف في وجوب ذلك وفيه حجة لمن قال إن شرع من قبلنا شرع لنا اهـ من المفهم (وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت) على سبيل الفرض وتقدير المحال ولهذا زاد ابن ماجه [2/ 85] في آخر هذا الحديث نقلًا عن شيخه محمد بن رمح قال: سمعت الليث بن سعد يقول قد أعاذها الله عز وجل أن تسرق وكل مسلم ينبغي له أن يقول هذا وفيه فضيلة ظاهرة لفاطمة رضي الله عنها لأن المعتاد في مثل هذا أن يذكر من هو أحب إلى القائل من غيره ثم فيه حسن المماثلة أيضًا لموافقة اسم السارقة اسمها رضي الله تعالى عنها فناسب أن يضرب المثل
لَقَطَعْتُ يَدَهَا" ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا.
قَال يُونُسُ: قَال ابْنُ شِهَابٍ: قَال عُرْوَةُ: قَالتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ. وَتَزَوَّجَتْ. وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
بها فلا يدل الحديث على أفضليتها على عائشة رضي الله تعالى عنهما قال القرطبي قوله: (لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها) إخبار عن مقدر يفيد القطع بأمر محقق وهو وجوب إقامة الحد على القريب والبعيد والبغيض والحبيب لا تنفع في درئه شفاعة ولا تحول دونه قرابة ولا جماعة اهـ من المفهم (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بـ) ـقطع (تلك المرأة) المخزومية (التي سرقت فقطعت يدها) من مفصل الكوع (قال يونس) بن يزيد بالسند السابق (قال) لنا (ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فحسنت توبتها بعد) أي بعد قطع يدها وأخرج الإسماعيلي وأبو عوانة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: فنكحت تلك المرأة رجلًا من بني سليم وتابت وكانت حسنة التلبس وكانت تأتيني فأرفع حاجتها ووقع في آخر حديث مسعود بن الحكم عند الحاكم قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يرحمها ويصلها وأخرج أحمد في مسنده [2/ 177] عن عبد الله بن عمرو أنها قالت بعد قطع يدها: وهل من توبة يا رسول الله قال: نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فأنزل الله عز وجل في سورة المائدة {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} الخ قال القرطبي: هذا الحديث يدل على صحة توبة السارق وأنها ماحية لإثم السرقة وللمعرة اللاحقة فيحرم تعييره بذلك أو يعاب عليه شيء مما كان هناك وهكذا حكم أهل الكبائر إذا تابوا منها وحسنت أحوالهم بعدها تسمع أقوالهم وتقبل شهاداتهم وهذا مذهب الجمهور غير أن أبا حنيفة قال: لا تقبل شهادة القاذف المحدود مطلقًا إن تاب وقال مالك: لا تقبل شهادة المحدود فيما حد فيه وتقبل في غيره اهـ من المفهم.
(وتزوجت) رجلًا من بني سليم قالت عائشة: (وكانت تأتيني بعد ذلك) أي بعد تزوجها (فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخبرها إليه صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديثها فقال:
4279 -
(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا. فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ فَكَلَّمُوهُ. فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ ويونُسَ.
4280 -
(1633)(196) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ
ــ
4279 -
(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لليث بن سعد ويونس (قالت) عائشة: (كانت امرأة مخزومية) أي منسوبة إلى بني مخزوم (تستعير المتاع) أي المواعين (وتجحده) أي تجحد ذلك المتاع عند طلب صاحب المتاع متاعه أي كانت عادتها جحد العارية ثم سرقت (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها) لسرقتها قال العلماء: المراد من هذه الرواية أنها قطعت بالسرقة وإنما ذكرت العارية تعريفًا لها وبيانًا لعادتها لا أنها سبب القطع اهـ نووي قال القرطبي: لا تعارض بين رواية من روى (سرقت) ورواية من روى (جحدت ما استعارت) إذ يمكن أن يقال: إن المرأة فعلت الأم رين لكن قطعت في السرقة لا في الجحد ويكون قولها: (كانت تستعير المتاع وتجحده) تعريفًا لها وبيانًا لشأنها ويكون المعنى أن المرأة التي كانت تستعير المتاع سرقت فقطعت يدها كما يقال المرأة التي تغزل الحرير مثلًا سرقت فحذف لفظ سرقت لدلالة الروايات عليه وفي الحديث نفسه ما يدل عليه وقد جاء صريحًا أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت لذلك ذكره الخطابي في معالم السنن اهـ من المفهم. (فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه) أي فكلم أهلها أسامة في أن يشفع لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكلم) أسامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شفع إليه (فيها) أي في إسقاط الحد عنها (ثم ذكر) معمر باقي الحديث (نحو حديث الليث ويونس).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما.
4280 -
(1633)(196)(وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى
حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ امْرَأَةَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَاللهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" فَقُطِعَتْ
ــ
بني مروان أبو علي الحراني صدوق من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي الجزري أبو عبد الله الحراني صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزبير) الأسدي المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن امرأة) اسمها أم عمرو (من بني مخزوم سرقت) عام حجة الوداع (فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت) أي استعاذت واستجارت من قطعها وتشفعت (بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لو كانت فاطمة) بنت محمد سرقت (لقطعت يدها فقطعت) لسرقتها.
والظاهر أن هذه المرأة أم عمرو وقصتها مغايرة لقصة فاطمة بنت الأسود وقد ذكرها ابن سعد في طبقاته [8/ 236] أنها خرجت من الليل وذلك في حجة الوداع فوقفت بركب نزول فأخذت عيبة لهم فأخذها القوم فأوثقوها فلما أصبحوا أتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بحقوي أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فافتكت يداها من حقويها وقال والله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها ثم أمر بها فقطعت يدها فخرجت تقطر دمًا حتى دخلت على امرأة أسيد بن حضير أخي بني عبد الأشهل فعرفتها فآوتها إليها وصنعت لها طعامًا سخنًا فأقبل أسيد بن حضير من عند النبي صلى الله عليه وسلم فنادى امرأته قبل أن يدخل البيت يا فلانة هل علمت ما لقيت أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد قالت: ها هي هذه عندي فرجع أسيد أدراجه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رحمتها رحمك الله فلما رجعت إلى أبيها قال: اذهبوا بها إلى بني عبد العزى فإنها أشبهتهم فزعموا أن حويطب بن عبد العزى قبضها إليه وهو خالها ومما يدل على تغاير قصة أم عمرو وقصة فاطمة بنت الأسود أن قصة فاطمة وقعت في غزوة الفتح كما مر في رواية عند المؤلف وقصة أم عمرو وقعت في حجة الوداع كما هو مصرح في رواية ابن سعد المذكورة وهي بنت عم فاطمة المذكورة فكلاهما مخزوميتان قوله: (فعاذت بأم سلمة) وفي رواية عاذت بزينب والمراد بها زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أم سلمة وفي رواية فعاذت بربيب النبي صلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الله عليه وسلم وهو عمر بن أبي سلمة فيجمع بين هذه الروايات بأنها عاذت بأم سلمة وأولادها لقرابتها بهم فذكر بعض الرواة أم سلمة فقط وذكر بعضهم زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آخرون عمر بن أبي سلمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود رواه تعليقًا عن أبي الزبير في آخر حديث رقمه [4374] والنسائي في قطع السارق باب ما يكون حرزًا وما لا يكون وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث جابر ذكره للاستشهاد والله تعالى أعلم.
***