الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح
4178 -
(1602)(165) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ غَزْوَانَ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرحْمنِ بْنَ أَبِي نُعْمٍ. حَدثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ، قَال: قَال أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزنَا يُقَامُ عَلَيهِ الْحَد يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِلا أَن يَكُونَ كمَا قَال"
ــ
595 -
(35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح
4178 -
(1602)(165)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا فضيل بن غزوان) بن جرير الضبي مولاهم أبو الفضل الكوفي، ثقة، من (7) (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وإسكان العين اسمه زياد البجلي أبو الحكم الكوفي، صدوق، من (3) (حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة:(قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من قذف) وشتم (مملوكه بالزنا يقام عليه) أي على ذلك القاذف (الحد يوم القيامة إلا أن يكون) المملوك (كما قال) السيد أي مرتكب الفاحشة كما قال مالكه فلا يحد في الآخرة.
وقوله: (من قذف مملوكه) أي عبده أو أمته بالزنا أي رماه به، وفي رواية البخاري زيادة وهو بريء مما قال.
قوله: (يقام عليه الحد) أي حد القذف يوم القيامة لعدم الحد على الحر في الدنيا في قذف غير الحر لعدم التكافؤ لأن شرط حد القذف إحصان المقذوف والعبد ليس بمحصن، نعم لو كان الذي قذفه مملوك غيره يعزَّر فيه دون مملوكه، وذكر في الفتح أن الحديث دل على ما أجمع عليه العلماء من عدم الحد على الحر إذا قذف عبدًا لأنه لو وجب على السيد أن يحد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة، وإنما خُص ذلك بالآخرة تمييزًا للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم
4179 -
(00)(00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. كِلاهُمَا عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثهِما: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، نَبِيَّ التَوْبَةِ
ــ
ويتكافؤون في الحدود ويقتص لكل واحد منهم إلا أن يعفو ولا مفاضلة حينئذٍ إلا بالتقوى اهـ.
وقوله: (يوم القيامة) قال النووي رحمه الله: وفيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه لكن يعزر قاذفه لأن العبد ليس بمحصن وسواء في هذا كله من هو كامل الرق وليس فيه حرية والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن بعضه حر هذا في حكم الدنيا أما في حكم الآخرة فيستوفى له الحد من قاذفه لاستواء الأحرار والعبيد في الآخرة اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 431]، والبخاري [6858]، وأبو داود [5165]، والترمذي [1940].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4179 -
(00)(00)(وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمد (الأزرق) الواسطي، ثقة، من (9)(كلاهما) أي كل من وكيع وإسحاق بن يوسف رويا (عن فضيل بن غزوان بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى عبد الله عن فضيل، غرضه بيان متابعتهما لعبد الله بن نمير (و) لكن (في حديثهما سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم نبي التوبة) الحديث، قال القاضي: وسُمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم بُعث بقبول التوبة بالقول والاعتقاد وكانت توبة من قبلنا بقتل أنفسهم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالتوبة الإيمان والرجوع عن الكفر إلى الإسلام وأصل التوبة الرجوع أي الرجوع من الكفر إلى الإيمان حكاه النووي والأبي.
وفي حاشية (م): وقال مالك بن أنس: "لا تشتم لك عبدًا ولا أمة بزنا" فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قذف أمة أو حرة أو يهودية أو نصرانية فلم يُضرب في الدنيا ضُرب يوم القيامة.
4180 -
(1603)(166) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيع. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ. قَال: مَرَرْنَا بَأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ. وَعَلَيهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهُ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ! لَوْ جَمَعْتَ بَينَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:
4180 -
(1603)(166)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور) بمهملات مع سكون العين وفتح الميم على وزن مكحول (بن سويد) الأسدي أبي أمية الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب، وليس عندهم معرور إلا هذا الثقة. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كوفيون إلا أبا ذر الغفاري فإنه مدني ربذي، (قال) المعرور (مررنا) أي جاوزنا (بأبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة بن قيس الصحابي المشهور المدني رضي الله عنه، روى عنه في (4) أبواب أي مررنا عليه وهو نازل (بالربذة) وهو موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل قاله في الفتح، وهو في شمال المدينة سكنه أبو ذر رضي الله عنه وبه كانت وفاته فدُفن فيه كما قال صلى الله عليه وسلم:"يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويحشر وحده". قوله: (بالربذة) وفي معجم البلدان للحموي [3/ 24] أن الربذة بفتحتين قرية من قرى المدينة على ثلاث مراحل منها قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد إلى مكة وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري وبها قبة تُعرف بقبر أبي ذر الآن وكان قد خرج إليها مغاضبًا لعثمان بن عفان رضي الله عنهما فأقام بها إلى أن مات سنة (32 هـ) وفي سنة (319) خربت الربذة باتصال الحروب بين أهلها وبين ضريبة وكانت من أحسن منزل في طريق مكة (قلت): وهي باقية إلى اليوم بهذا الاسم بين بدر والمدينة اهـ منه (وعليه) أي أبي ذر (برد) كساء من صوف مخطط من لباس الأعراب أي عليه برد واحد يتزر به (وعلى غلامه) أي عبده برد (مثله) أي برد مماثل لبرده، وقد وقع في رواية البخاري في الإيمان: وعليه حلة وعلى غلامه حلة ويمكن الجمع بين الروايتين بأن كان عليه برد جيد تحته ثوب خلق من جنسه وعلى غلامه كذلك وكأنه قيل له: لو أخذت البرد الجيد فأضفته إلى البرد الجيد الذي عليك وأعطيت الغلام البرد الخلق بدله لكانت حلته جيدة (فقلنا) له (يا أبا ذر لو جمعت بينهما) أي بين بردك وبرد غلامك فاتزرت بأحدهما وارتديت بالآخر (كانت) المجموعة (حلة) أي لباسًا كاملًا فتتزين بها،
فَقَال: إِنهُ كَانَ بَينِي وَبَينَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلامٌ. وَكَانَتْ أمهُ أَعْجَمِيَّةً. فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ. فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَلَقِيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنكَ امْرُؤ فِيكَ جَاهِلِية"
ــ
وفي الفتح: أي كاملة الجودة فالتنكير فيه للتعظيم اهـ، إنما قال ذلك لأن الحلة عند العرب ثوبان ولا تطلق على ثوب واحد اهـ نووي (فقال) أبو ذر في بيان حكمة التسوية بينه وبين غلامه (إنه) أي إن الشأن والحال (كان بيني وبين رجل من إخواني) المسلمين (كلام) أي خصام ونزاع، وفي رواية آتية ساب رجلًا، وفي رواية للإسماعيلي شاتمت، والظاهر أن ذلك الرجل كان عبدًا، وإنما قال: إخواني لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "إخوانكم خولكم" اهـ نووي، قيل: إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى أبي بكر رضي الله عنهما ذكره ابن حجر في باب المعاصي من إيمان البخاري، ومعنى قوله:(كلام) أي سباب وشتام ففي صحيح البخاري: "إني ساببت رجلًا فعيرته بأمه" بأن قال له يا ابن السوداء كما قال: (وكانت أمه) أي أم ذلك الرجل (أعجمية) سوداء (فعيرته) أي عيبته (بأمه) أي نسبته إلى العار، وفي رواية قلت له: يا ابن السوداء، والأعجمي من لا يفصح باللسان العربي سواء كان عربيًّا أو أعجميًّا، والفاء في قوله فعيرته قيل هي تفسيرية كأنه بين أن السب والكلام الذي ذكره من قبل هو التعيير بأمه، والظاهر أنه وقع بينهما سباب وزاد عليه التعيير فتكون الفاء عاطفة كذا في فتح الباري [1/ 87] قال القرطبي:(قوله: كان بيني وبين رجل من إخواني) يعني به عبده وأطلق عليه أنه من إخوانه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم" ولأنه أخ في الدين اهـ مفهم.
(فشكاني) ذلك الرجل أي أخبر ما جرى بيني وبينه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكوى (فلقيت) أي رأيت (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية) أي خلق من أخلاق الجاهلية وهو شتم أحد بأمه، ظاهر هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على أبي ذر من غير أن يسمع منه جوابه وليس الأمر كذلك وإنما هو اختصار من الراوي والتفصيل أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ولفظه (فقال لي: أساببت فلانًا؟ قلت: نعم، قال: أفنلت من أمه؟ قلت: نعم، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية) والجاهلية ما قبل الإسلام والمراد فيك خصلة من خصال الجاهلية، قال الحافظ في الفتح [1/ 87]: ويظهر لي أن ذلك كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريمه فكانت تلك الخصلة من خصال
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ سَبَّ الرِّجَال سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّكَ امْرؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. هُمْ إِخْوَانُكُمْ. جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيدِيكُمْ. فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَا تَأْكُلُونَ. وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ
ــ
الجاهلية باقية عنده فلهذا قال كما عند البخاري في الأدب قلت: على ساعتي هذه من كبر السن قال: نعم، كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه مع كبر سنه فبيّن له كون هذه الخصلة مذمومة شرعًا، ويحتمل أن يراد بالجاهلية هنا الجهل أي إن فيك جهلًا اهـ من الفتح، وقال القرطبي: قوله: (فيك جاهلية) أي خصلة من خصالهم يعني بها تعيير عبده بأمه فإن الجاهلية كانوا يعيرون بالآباء والأمهات وذلك شيء أذهبه الإسلام بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية -أي كبرها- وفخرها بالآباء الناس كلهم بنو آدم وآدم خُلق من تراب" رواه أبو داود والترمذي قال أبو ذر: (قلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه) هذا اعتذار من أبي ذر رضي الله عنه وحاصله أن المعروف فيما بين الناس أن الرجل المسبوب يرد على الساب بسبِّ والديه ولا يعده أحد ظلمًا أو منكرًا فانكره النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن أن هذا من أخلاق الجاهلية وإنما يباح للمسبوب أن يسب الساب نفسه بقدر سبه ولا يتعرض لأبيه ولا لأمه اهـ نووي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر مرة ثانية كرره تأكيدًا لما قبله وتوطئة لما بعده (يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم) قال النووي: الضمير يعود إلى المماليك، وقال الحافظ في الفتح يعود إلى العبيد أو الخدم حتى يدخل من ليس فيه الرق منهم، وقرينة قوله:(تحت أيديكم) ترشد إليه (قلت): وكذلك قوله: (خولكم) في الروايات الأخرى فإن الخول بمعنى الخدم (هم) أي هؤلاء المماليك (إخوانكم) في الدين (جعلهم الله تحت أيديكم) أي تحت أملاككم أو تدبيركم ورعايتكم ولكن يؤيد التفسير الأول ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق سلام بن عمرو عن رجل من الصحابة مرفوعًا (أرقاؤكم إخوانكم) الحديث ذكره الحافظ في عتق الفتح [5/ 174] ويمكن أن يجاب عنه بأنه رواية بالمعنى وزعم أحد الرواة أن الأمر مقتصر على العبد والأرقاء فرواه بهذا اللفظ وإلا فالحديث مطلق عن ذلك فالرفق والإحسان مأمور به مع كل من يخدمك سواء كان حرًّا أو عبدًا اهـ منه (فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون) قال النووي: والأمر
وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
4181 -
(00)(00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ زُهَيرٍ وَأَبِي
ــ
بإطعامهم مما يأكل وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب لا على الإيجاب وهذا بإجماع المسلمين، وأما فعل أبي ذر في كسوة غلامه مثل كسوته فعمل بالمستحب وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه حتى لو قتّر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله إما زهدًا وإما شحًا لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه موافقته إلا برضاه (ولا تكلفوهم) من العمل (ما يغلبهم) أي ما يعجزهم وتصير قدرتهم عليه مغلوبة فيه لصعوبته أو كثرته وهذا نهي وظاهره التحريم اهـ مفهم (فإن كلفتموهم) بما يغلبهم (فأعينوهم) عليه أي إن أخطأتم فوقع ذلك منكم فارفعوا عنهم ذلك بأن تعينوهم على ذلك العمل فإن لم يمكنكم ذلك فبيعوهم كما جاء في الرواية الأخرى (ممن يرفق بهم) اهـ مفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 161]، والبخاري [30]، وأبو داود [5157]، وابن ماجه [3690].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:
4181 -
(00)(00)(وحدثناه أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7)(ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين من زهير وأبي معاوية وعيسى رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن المعرور عن أبي ذر، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لوكيع بن الجراح (و) لكن (زاد) الراوي ولو قال:(وزادا) بألف التثنية لكان أوضح أي زاد أحمد بن يونس وأبو كريب (في حديث زهير) بن معاوية (و) حديث (أبي
مُعَاويَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ". قَال: قُلْتُ: عَلَى حَالِ سَاعَتِي مِنَ الْكِبَرِ؟ قَال: "نَعَمْ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاويَةَ: "نَعَمْ عَلَى حَالِ سَاعَتِكَ مِنَ الْكِبَرِ". وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: "فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيَبِعْهُ". وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ "فَلْيُعِنْهُ عَلَيهِ". وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيةَ "فَلْيَبِعْهُ" وَلَا "فَلْيُعِنْهُ". انْتَهى عِنْدَ قَوْلِهِ:
ــ
معاوية بعد قوله) صلى الله عليه وسلم (إنك امرؤ فيك جاهلية) لفظة (قال) أبو ذر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (على حال ساعتي من الكبر) أي من كبر السن أي قلت أيكون فيّ يا رسول الله خصلة جاهلية على حال كوني في هذه الساعة من كبر السن على تقدير همزة الاستفهام الاستبعادي والمعنى هل بقيت فيّ خصلة الجاهلية إلى هذا الوقت مع ما بلغته من كبر السن.
قال القرطبي: وهذا استبعاد منه أن يبقى فيه شيء من خصال الجاهلية مع كبر سنه وطول عمره في الإسلام فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء ذلك عليه زال استبعاده ووجب تسليمه لذلك القول وانقياده اهـ من المفهم.
(قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) بقيت فيك خصلة جاهلية (وفي رواية أبي معاوية) أيضًا زيادة (نعم) بقيت فيك خصلة جاهلية (على حال ساعتك) هذه (من الكبر) أي من كبر السنن (و) زاد إسحاق بن إبراهيم (في حديث عيسى) بن يونس لفظة (فإن كلفه) أي فإن كلف السيد عبده على (ما يغلبه) ويعجزه من العمل لكثرته أو صعوبته (فليبعه) أي فليبع العبد بمن يرفق ويسهل عليه العمل كذا رواه عيسى بن يونس ومراد هذه الرواية أن السيد إذا كلف عبده ما يعجز عنه فإنه قد عجز عن القيام بحق عبده فالواجب عليه حينئذٍ أن لا يمسكه عنده بل يبيعه لآخر لأنه لو أمسكه ثم بتكليفه ما لا يطيق وإن كأن ذلك الأمر الشاق من ضروراته ولم يكلف العبد به فإن وجود العبد عنده لا يفيده فالأحسن أن يبيعه ويشتري مكانه آخر أقوى منه والله أعلم، ولكن هذه الرواية مرجوحة (و) الرواية الراجحة ما (في حديث زهير) وروايته من قوله:(فليعنه عليه) قال النووي: هذه الرواية هي الصواب الموافقة لباقي الروايات وهي المحفوظة عن أكثر الثقات ومعناها إن كلف السيد عبده ما يشق عليه فليعنه على ذلك بنفسه وهذا المعنى واضح جدًّا (وليس في حديث أبي معاوية) وروايته قوله: (فليبعه ولا) قوله: (فليعنه) أي ليس فيه كل من الكلمتين بل (انتهى) وانقطع حديث أبي معاوية (عند قوله) - صلى الله عليه
"وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغلِبُهُ".
4182 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ. قَال: رَأَيتُ أَبَا ذَرٍّ وَعَلَيهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهَا. فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ؟ قَال: فَذَكَرَ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ. قَال: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ
ــ
وسلم - (ولا يكلفه ما يغلبه) وليس فيه ما بعده من الكلمتين.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال:
4182 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن واصل) بن حيان (الأحدب) الأسدي الكوفي، ثقة مشهور، من (6)(عن المعرور بن سويد) الكوفي (قال) المعرور (رأيت أبا ذر وعليه حلة وعلى غلامه مثلها) أي مثل تلك الحلة التي عليه، وهذه الرواية لا توافق الرواية المتقدمة فإن فيها وعليه برد وعلى غلامه مثلها فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة وتقدم بيان كيفية الجمع بينهما هناك وتقدم أن الحلة لا تكون إلا من ثوبين من جنس واحد. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة واصل الأحدب لسليمان الأعمش، قال المعرور (فسألته) أي فسألت أبا ذر (عن ذلك) أي عن سبب مساواة غلامه إياه (قال) المعرور:(فذكر) أبو ذر في بيان سببه (أنه) أي أن أبا ذر (ساب) أي شتم أبو ذر (رجلًا) من المسلمين (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته، والمسابة أن يسب أحد الرجلين الآخر وهي من صيغ المفاعلة تقتضي الاشتراك وأصلها من السب بمعنى القطع لما فيه من قطع عرض المسبوب، وقيل: إنه مأخوذ من السبة وهي حلقة الدبر فسُمي الفاحش من القول بالفاحش من الجسد فالمراد من سب الرجل كشف عورته لأن من شأن الساب إبداء عورة المسبوب كذا في فتح الباري [1/ 86](فعيّره) أي عيّر أبو ذر ذلك المسبوب (بأمه) كأن قال له يا ابن السوداء (قال) أبو ذر (فأتى الرجل) المسبوب (النبي صلى الله عليه وسلم فذكر) الرجل (ذلك) أي ما قلته (له) صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكوى فسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقلت له: نعم
فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ. جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكْلُ. وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ. وَلَا تكَلِّمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيهِ".
4183 -
(1604)(167) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ
ــ
(فقال) لي: (النبي صلى الله عليه وسلم إنك امرؤ فيك جاهلية) ثم قال: أرقاؤكم (إخوانكم) في الدين (وخولكم) أي خدمكم في العمل، والخول مثال الخدم وزنًا ومعنى من التخويل بمعنى الإعطاء والتمليك، قال تعالى:{وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} والواحد خائل وفي رواية البخاري: "إخوانكم خولكم" بلا واو بينهما فيكون جملة جامعة لركنيها فلا حاجة إلى تقدير ما قدرنا آنفًا، وفي تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالإخوة، والخول بفتح الخاء والواو هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها ومنه الخول لمن يقوم بإصلاح البستان ويقال: الخول جمع خائل وهو الراعي، وقيل: التخويل التمليك تقول خولك الله كذا أي ملكك إياه اهـ من الفتح [5/ 174](جعلهم الله) تعالى (تحت أيديكم) ورعايتكم (فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل) بنفسه (وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم) أي ما يعجزهم ويشق عليهم من العمل (فإن كلفتموهم) عليه (فأعينوهم عليه) أي على ذلك العمل الشاق، قال القرطبي: معناه أي من نوع ما يأكله ومن نوع ما يلبسه، وهذا الأمر محمول على الندب كما مر لأن السيد لو أطعم عبده أدنى مما يأكله وألبسه أقل مما يلبسه صفة ومقدارًا لم يذمه أحد من أهل الإسلام إذ قام بواجبه عليه ولا خلاف في ذلك فيما علمته وإنما موضع الذم إذا منعه ما يقوم به أوده ويدفع به ضرورته كما قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوتهم" وإنما هذا على جهة الحض على مكارم الأخلاق وإرشاد إلى الإحسان مال سلوك طريق التواضع حتى لا يرى لنفسه مزية على عبده إذ الكل عبيد الله والمال مال الله ولكن سخر بعضهم لبعض وملك بعضهم بعضًا إتمامًا للنعمة وتقعيدًا -أي: تنفيذًا- للحكمة اهـ من المفهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
4183 -
(1604)(167)(وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) المصري
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ، عَنِ الْعَجْلانِ مَوْلَى فَاطِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:"لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكسْوَتُهُ. وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ".
4184 -
(1605)(168) وحدّثنا الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ
ــ
الأموي (أخبرنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (أن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبا عبد الله المصري (حدثه عن العجلان مولى فاطمة) بنت عتبة القرشي مولاهم المدني والد محمد بن العجلان، روى عن أبي هريرة في حق المملوك وعن مولاته فاطمة وغيرهما، ويروي عنه (م عم) وبكير بن الأشج وابنه محمد، قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من الرابعة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: للمملوك طعامه وكسوته) أي إطعامه والباسه بحسب العادة في البلدان والأشخاص (ولا يُكلف من العمل إلا ما يطيق) ويقدر عليه وهو موافق لحديث أبي ذر ونبه بالطعام على سائر المؤن التي يحتاج إليها العبد اهـ نووي.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [2/ 247].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر ثانيًا بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4184 -
(1605)(168)(وحدثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي (القعنبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (9)(حدثنا داود بن قيس) الفراء الدبّاغ القرشي مولاهم أبو سليمان المدني، ثقة، من (5)(عن موسى بن يسار) القرشي المطلبي مولاهم المدني عم محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي، ثقة، من (6) روى عنه في (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صنع) وطبخ وصلّح (لأحدكم خادمه) بالرفع على الفاعلية حرًّا
طَعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ. فَلْيَأْكُلْ. فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا، فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَينٍ". قَال دَاوُدُ: يَعْنِي لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَينِ
ــ
كان أو رقيقًا (طعامه) بالنصب على المفعولية (ثم جاءه) الخادم (به) أي بذلك الطعام المصنوع (وقد ولي) ذلك الخادم وقرب (حرَّه) أي حرّ ناره عند الطبخ (و) شم (دخان) نار (هـ) وهذا كناية عن تعبه في إصلاحه. وقوله: (ولي) مأخوذ من الولي على وزن الفلس بمعنى القرب، وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسر العين فيهما والثانية من باب وعد وهي قليلة الاستعمال اهـ مصباح أي ومن حق من ولي حر شيء وشدته وتعبه أن يلي قره وراحته فقد تعلقت به نفسه وشم رائحته ويقال في المثل:(ولّ حارها من تولى قارّها) أي ولّ شرها من تولى خيرها (فليقعده) أي فليقعد ذلك الخادم (معه) بضم الياء وكسر العين أمر غائب من الإقعاد وهذا أمر بتعليم التواضع وترك الكبر على العبد وهذا كان خلقه صلى الله عليه وسلم فإنه كان يأكل مع العبد ويطحن مع الخادم ويشاركه في عمله ويقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (فليأكل) الخادم معه إذا كان الطعام كثيرًا (فإن كان الطعام مشفوهًا) أي (قليلًا) لا يكفيهما فهو تفسير من الراوي لمشفوهًا مدرج في الحديث تدل عليه رواية أبي داود وفيها (يعني قليلًا)(فليضع في يده) أي في يد الخادم (منه) أي من ذلك الطعام (أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة أي لقمة أو لقمتين كما فسره الراوي بقوله: (قال داود) بن قيس (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (لقمة أو لقمتين) ومقتضى ذلك أن الطعام إذا كان كثيرًا فإما أن يقعده معه، وإما أن يجعل حظه منه كثيرًا وإنما يكتفي بمناولة اللقمة أو اللقمتين إذا كان الطعام قليلًا، وفائدة المناولة حينئذٍ إشراكه الخادم في طعامه في الجملة ووقاية الطعام عن أثر عينه لتسكن نفسه فيقل أثر العين كما بينه الحافظ في الفتح.
وقوله: (مشفوهًا) قد فسره الراوي بقوله قليلًا وأصله الماء الذي تكثر عليه شفاه الواردة فتقل يقال ما أظن إبلك إلا ستشفه علينا الماء، وطعام مشفوه كثرت عليه الأيدي، ويقال: كاد العيال يشفهون مالي كذا في أساس البلاغة للزمخشري (ص 238).
وقال الشافعي: بعد أن ذكر هذا الحديث هذا عندنا والله أعلم على وجهين
4185 -
(1606)(169) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنَّ الْعَبدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ"
ــ
أولهما: معناه إن إجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن يجلسه أو يناوله وقد يكون أمره اختيارًا غير حتم ورجح الرافعي الاحتمال الأخير، وحمل الأول على الوجوب ومعناه أن الإجلاس لا يتعين لكن إن فعله كان أفضل وإلا تعينت المناولة، ويحتمل أن الواجب أحدهما لا بعينه والثاني أن الأمر للندب مطلقًا كذا في فتح الباري [9/ 582].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2557]، وأبو داود [3846]، والترمذي [1854].
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
4185 -
(1606)(169)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من رباعياته (أن العبد إذا نصح لسيده) أي إذا أخلص له الصدق وقام بمصالحه على وجه الخلوص (وأحسن عبادة الله) بالإخلاص (فله أجره مرتين) لقيامه بالحقين ولانكسار قلبه بالرق، قال ابن عبد البر: معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربه في العبادات وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعًا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعته من أمره الله بطاعته، ومن هنا أقول: إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه كمن وجب عليه صلاة وزكاة وقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئًا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب إلا بعضها، قال الحافظ بعدما حكى عبارة ابن عبد البر: والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة المذكورة لما يدخل عليه من مشقة الرق وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك، ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصًا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملًا
4186 -
(00)(00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ. جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
4187 -
(1607)(170) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ
ــ
واحدًا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار والله أعلم راجع فتح الباري [5/ 176].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2546]، وأبو داود [5691].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
4186 -
(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة (كلهم) أي كل من يحيى بن سعيد وعبد الله بن نمير وأبي أسامة رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (حدثني أسامة) بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني، صدوق، من (7)(جميعًا) أي كل من عبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد رويا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك) بن أنس، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبيد الله وأسامة بن زيد لمالك بن أنس في الرواية عن نافع.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:
4187 -
(1607)(170)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن
يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ". وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي، لأحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ.
قَال: وَبَلَغَنَا؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ، لِصُحْبَتِهَا. قَال أَبُو الطَّاهِرِ فِي حَدِيثهِ:"لِلْعَبْدِ الْمُصْلِحِ" وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَمْلُوكَ
ــ
يحيى) التجيبي المصري (قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للعبد المملوك المصلح) أي الناصح لسيده والقائم بعبادة ربه المتوجهة عليه (أجران) أجر لقيامه بالأمرين وأجر لانكسار قلبه بالرق (والذي نفس أبي هريرة بيده) المقدسة (لولا الجهاد في سبيل الله والحج) اللذان لا يجبان على الرقيق (وبر أمي) اسمها أميمة بنت صفيح بن الحارث بن دوس ذكرها ابن قتيبة في المعارف اهـ تنبيه المعلم، أراد ببرها القيام بمصلحتها في النفقة والمؤن والخدمة ونحو ذلك مما لا يمكن فعله من الرقيق اهـ نووي (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) أي رقيق جواب لولا الامتناعية، ولعله أراد بيان إعظامه أجر الثلاثة التي ذكرها وإلا فحديث الأجرين للمملوك لا يقتضي تفضيله على المالك (قال) سعيد بن المسيب:(وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها) وخدمتها، وفي بعض النسخ لم يكن حج بصيغة الماضي، قال النووي: المراد به حج التطوع لأنه قد كان حج حجة الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكن نسخة لم يكن تأبى هذا التأويل (قال أبو الطاهر في حديثه) وروايته (للعبد المصلح ولم يذكر) أبو الطاهر لفظة (المملوك).
قوله: (للعبد المملوك المصلح) بضم الميم اسم فاعل من الإصلاح، ووقع في رواية البخاري (للعبد المملوك الصالح) وكأنه تفسير لهذا والمراد العبد الذي يصلح عمله بالنصح لسيده والقيام بعبادة ربه.
قوله: (والذي نفس أبي هريرة بيده) هذا صريح في أن هذه القطعة من الحديث مدرجة من أبي هريرة، وأخرجه البخاري من طريق بشر بن محمد فلم يُميز المرفوع من
4188 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ الأُمَويُّ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ
ــ
المدرج فزعم الخطابي أنها مرفوعة، وقال:"لله أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف" والحق أنها ليست مرفوعة كما دلت رواية مسلم هذه، وقد جاء الحافظ في الفتح بعدة روايات أخرى قد صرح فيها بأنها مدرجة.
وقوله: (لولا الجهاد في سبيل الله) وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد كذا في فتح الباري، ودل الحديث على أن المملوك لا تجب عليه هذه الأشياء الثلاثة وأما الأولان فلعدم الاستطاعة لأن منافعه مملوكة لسيده، وأما الثالث فلأن المال الذي ينفق منه عليها للسيد وإنما يريد أبو هريرة ببرها النفقة عليها، وأما البر الذي يرجع إلى خفض الجناح والملاطفة فيستوي فيه الحر والعبد كذا في شرح الأبي حكاية عن القاضي رحمهما الله تعالى.
قوله: (وبر أمي) اسمها أميمة أو ميمونة وهي صحابية. قوله: (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) لما له من الأجر المضاعف. قوله: (لم يكن يحج حتى ماتت أمه) يعني حج التطوع وإلا فقد ثبتت حجته المفروضة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ودل عمله هذا على أن بر الأم فرض فلا يُترك للعبادات النافلة ومن هنا أجمع العلماء على أن حج التطوع لا يجوز بغير إذن الوالدين وفي الحج المفروض خلاف فقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى: ولا يجوز للوالدين المنع منه ولا يمتنع الولد منه إن منعا، وقيل: لا يجوز حتى يأذن له الوالدان اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2548].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4188 -
(00)(00) وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا أبو صفوان) الدمشقي عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان (الأموي) ثقة، من (9)(أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيب عن أبي
وَلَمْ يَذْكُرْ: بَلَغَنَا وَمَا بَعْدَهُ.
4189 -
(1608)(171) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ،
ــ
هريرة، غرضه بيان متابعة أبي صفوان لابن وهب (و) لكن (لم يذكر) أبو صفوان لفظة (بلغنا وما بعده).
قال القرطبي: وقول أبي هريرة: (لولا الجهاد في سبيل الله والحج) .. الخ تصريح بأن العبد لا يجب عليه جهاد وهو المعلوم من الشرع لأن الجهاد والحج لا يخاطب بهما إلا المستطيع لهما والعبد غير مستطيع إذ لا استقلال له بنفسه ولا مال إذ لا يملك عند كثير من العلماء وإن ملك عندنا فليس مستقلًا بالتصرف فيه، ويظهر من تمني أبي هريرة كونه مملوكًا أنه فضل العبودية على الحرية وكأنه فهم هذا من مضاعفة أجر العبد الصالح وهذا لا يصح مطلقًا فإن المعلوم من الشرع خلافه إذا الاستقلال بأمور الدين والدنيا إنما حصل بالأحرار، والعبد كالمفقود لعدم استقلاله وكالآلة المصرفة بالقهر والبهيمة المسخرة بالجبر ولذلك سُلب مناصب الشهادات ومعظم الولايات، ونقصت حدوده عن حدود الأحرار إشعارًا بخسة المقدار وكونه له أجره مرتين إنما ذلك لتعدد الجهتين لأنه مطالب من جهة الله تعالى بعبادته ومن جهة سيده بطاعته ومع ذلك فالحر وإن طولب من جهة واحد فوظائفه فيها أكثر وغناؤه أعظم فثوابه أكثر، وقد أشار إلى هذا أبو هريرة بقوله:(لولا الجهاد والحج وبر أمي لأحببت أن أموت عبدًا) أي لولا النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه الأمور والله أعلم اهـ من المفهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4189 -
(1608)(171)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أدى العبد) أي الإنسان المؤمن الذي فيه رق وإن قل ذكرًا أو أنثى أو خنثى (حق الله) تعالى أي ما أمره به سبحانه من نحو صلاة وصوم (وحق مواليه) أي حق سادته وملاكه من نحو خدمة ونصح اهـ مناوي
كَانَ لَهُ أَجْرَانِ". قَال: فَحَدَّثْتُهَا كَعْبًا. فَقَال كَعْبٌ: لَيسَ عَلَيهِ حِسَابٌ. وَلَا عَلَى مُؤْمنٍ مُزْهِدٍ
ــ
(كان له أجران) أجر لأداء حق الله وأجر لأداء حق مواليه (قال) أبو صالح: (فحدّثتها) أي حدثت هذه القصة وأخبرت هذا الحديث الذي سمعته من أبي هريرة (كعبًا) أي كعب بن ماتع بكسر التاء الفوقانية وبالعين المهملة الحميري أبا إسحاق اليماني الحبر المعروف بكعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب، روى عن عمر وصهيب، ويروي عنه (خ م د ت س) وأبو هريرة وابن عباس ومعاوية وجماعة من التابعين، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية (فقال كعب) أي زاد كعب على حديث أبي هريرة لفظة و (ليس عليه) أي على ذلك العبد (حساب) أي محاسبة يوم القيامة (ولا على مؤمن مزهد) أي قليل المال. قال النووي: والمراد بهذا الكلام أن العبد إذا أدى حق الله وحق مواليه فليس عليه حساب لكثرة أجره وعدم معصيته، وقال القاضي: فيحتمل أن يكون كعب قاله عن توقيف فيكون هذا العبد خُص بذلك كما خُص به السبعون ألفًا المذكورون في الحديث في دخول الجنة بغير حساب، ويحتمل أن يقوله عن اجتهاد ويكون كناية عن حسابه حسابًا يسيرًا، ومستنده في هذا الاجتهاد أنه لكثرة حسناته واتصالها وعدم معصيته كمن لم يحاسب لأنه ليس له مال يحاسب عليه، ولكن الظاهر من كلام كعب أنه لا يريد أن العبد لا يحاسب في الآخرة مطلقًا كما زعمه الشارحان رحمهما الله تعالى، وإنما يريد نفي الحساب في الأموال فقط لأن العبد لما لم يملك شيئًا من المال لا حساب عليه في الأموال، ويدل عليه أنه جعل المؤمن المزهد يعني القليل المال في حكم ذلك العبد في أنه لا يحاسب في الآخرة، وظاهره أن الفقراء يحاسبون في غير الأموال وإنما ينتفي حسابهم في حق الأموال فحسب لكونهم معدمين أو مقلين فكان كعبًا لما بلغه حديث أبي هريرة من أن العبد يضاعف له الأجر أضاف إلى ذلك أن مؤونته أخف بالنسبة إلى الأحرار فإنه لا يُحاسب في الآخرة في المال لعدم ملكه كما لا يُحاسب المؤمن المعدم أو المقل اهـ من التكملة.
قوله: (ولا على مؤمن مزهد) بضم الميم وسكون الزاي، وكسر الهاء اسم فاعل من أزهد الرجل إزهادًا إذا عُدم ماله أو قل.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
4190 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ.
4191 -
(1609)(172) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ بنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعِمَّا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى. يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ. نِعِمَّا لَهُ"
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
4190 -
(00)(00)(وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد المجيد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهم فقال:
4191 -
(1609)(172)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال هذا) الحديث الذي أمليت عليكم من هذه الصحيفة (ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أي فأملى علينا منها (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (و) منها (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعما للمملوك) هي نعم التي لإنشاء المدح زيدت عليها ما وفاعلها الشيء المبهم، وما نكرة موصوفة بمعنى شيئًا في محل النصب تمييز لفاعل نعم المستتر فيها وجوبًا لجريانه مجرى المثل. وقوله:(للمملوك) جار ومجرور صفة لما، وجملة قوله:(أن يُتوفى) في تأويل مصدر مرفوع على أنه مخصوص بالمدح، والتقدير نِعْم الشيء شيئًا ثابتًا للمملوك والمخصوص بالمدح وفاته، حالة كونه (يُحسن) ويخلص (عبادة الله) سبحانه ويؤديها بشرائطها وأركانها وآدابها (و) يحسن (صحابة سيده) أي صحبته ومعاشرته بالنصح له وفعل ما أمره به، وقوله:(نعما له) توكيد لفظي لنعما الأول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي نعم الشيء شيئًا كائنًا له والمخصوص بالمدح وفاته، حالة كونه محسنًا لعبادة ربه ومحسنًا لعشرة سيده والمعنى نعم الشيء شيئًا له وهو وفاة المملوك على تلك الحال وهي إحسانه عبادة ربه وإحسانه صحبة سيده.
قال الحافظ: نعما فيه أربع لغات: الأولى: كسر النون والعين وتشديد الميم، والثاني: فتح النون وكسر العين وتشديد الميم، والثالث: كسر النون وإسكان العين وتخفيف الميم، والرابع: فتح النون وإسكان العين وتخفيف الميم، وأصله نعم ما أي نعم الشيء شيئًا اهـ فتح الباري [5/ 177] ورواه العذري نُعما بضم النون وإسكان العين وتنوين الميم اسم بمعنى المسرة وقرة العين أي له مسرة وقرة عين يقال نعما له وقد بسطنا الكلام عليها في تفسيرنا حدائق الروح والريحان عند قوله تعالى:{فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة / 271] وقوله: (وصحابة سيده) بفتح الصاد مصدر يقال صحبه فأحسن صحابته كذا في أساس البلاغة للزمخشري (ص 249).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [1985].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد والله أعلم.
***