الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة
4254 -
(1625)(188) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ؛ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ حَدّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدّثَهُ قَال:"إِني لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، هذَا قَتَلَ أَخِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقَتَلْتَهُ؟ " (فَقَال: إنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيهِ الْبَيِّنَةَ) قَال: نَعَمْ قَتَلْتُهُ
ــ
602 -
(42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة
4254 -
(1625)(188)(حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ العنبري) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبو يونس) البَصْرِيّ حاتم بن أبي صغيرة اسمه مسلم ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سماك بن حرب) بن أوس الذُّهليّ أبي المغيرة الكُوفيّ صدوق من (4) (أن علقمة بن وائل) بن حجر الكندي الكُوفيّ صدوق من (3) (حدثه) أي حدث لسماك (أن أباه) أي أن أَبا علقمة وائل بن حجر بن سعد بن مسروق الحضرميّ الكندي الكُوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون (حدثه) أي حدث علقمةَ (قال) وائل بن حجر:(إنِّي لقاعد) أي لجالس (مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه (يقود) أي يجر رجلًا (آخر بنسعة) بكسر النُّون وسكون السين هي جلد من جلود مضفورة جعلها كالزمام له يقوده بها اهـ نووي وقال في مجمع البحار [2/ 325] سير مضفور يجعل زمامًا وغيره وقد ينسج عريضة يجعل على صدر البعير وجمعه نسع وأنساع (فقال) الرَّجل القائد (يَا رسول الله هذا) الرَّجل الذي أقوده (قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقود (أقتلته) أي هل قتلت أخاه (فقال) القائد: (إنه) أي إن هذا المقود (لو لم يعترف) أي إن لم يعترف ولم يقر قتل أخي (أقمت عليه) أي على هذا المقود (البينة) تشهد عليه قتل أخي وهذا قول القائد الذي هو ولي القتيل أدخله الراوي بين سؤال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين جواب القاتل يريد أنَّه لا مجال له في الإنكار (قال) المقود (نعم قتلته) أي قتلت أخاه يَا رسول الله وهذا
قَال: "كَيفَ قَتَلْتَهُ؟ " قَال: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ. فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي. فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "هَل لَكَ مِنْ شَيءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟ " قَال: مَا لِي مَالٌ إلَّا كِسَائِي وَفَأسِي. قَال: "فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟ "
ــ
موضع الترجمة من الحديث ثم سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية قتله فـ (ـقال) له (كيف قتلته) أي بأي كيفية قتلته (قال) القاتل: (كنت أنا وهو) أي أخو المقتول (نختبط) أي نسقط الخبط (من شجرة) سمرة والخبط بفتحتين ورق السمر والاختباط أن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه فيجمعه علفًا للمواشي (فسبني) أي شتمني أخوه (فأغضبني) بشتمه (فضربته بالفأس على قرنه) أي على جانب رأسه أما الفأس فهو سلاح معروف يصنع لقطع الخشب ونحوه ثم ربما يستعمل للقتل وأما القرن فقد فسره النووي بجانب الرأس كما ذكرنا وقيل: إنه أعلى الرأس والأصل أن يستعمل في كلا المعنيين فربما يراد به موضع القرن من الحيوان وهو جانبا الرأس وربما يراد الجانب الأعلى من الرأس راجع تاج العروس [9/ 305](فقتلته فقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: هل لك من شيء) من المال (تؤديه) أي تعطيه لولي الدم في الدية فداء (عن نفسك) أي بدلًا عن قتلها قصاصًا يعني صلحًا عن القصاص وفي سؤاله صلى الله عليه وسلم القاتل عن ذلك دليل للحنفية والمالكية في أن ولي القتيل لا يستبد بإيجاب الدية على القاتل وإنما يشترط له رضاء القاتل وكذا قال الثَّوريّ وقال الشَّافعيّ وأَحمد: إن المخير بين القود وأخذ الدية هو الولي فإن اختار الدية بدل القصاص فالقاتل مجبور على أدائها واستدلوا بما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة وفيه (من قتل له قتيل بخير النظرين إما أن يفدي واما أن يقتل) وهذا لفظ مسلم في الحج ولفظ البُخَارِيّ في باب كتابة العلم (فمن قتل فهو بخير النظرين إما أن يعقل وإما أن يقاد أهل القتيل) وحجة الحنفية والمالكية حديث الباب حيث لم يسأل الولي هل يريد القصاص أو الدية وإنما سأل القاتل هل يستطيع الدية فلما أبي الدية دفعه إلى الولي لأخذ القود ولو كان الولي مستبدًا بأخذ الدية لسأله دون القاتل (قال) القاتل: (ما لي مال) قليل ولا كثير (إلا كسائي) الذي ألبسه وهو ثوب غليظ مخطط من صوف (وفأسي) الذي أخبط به (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (فترى) وتظن بتقدير همزة الاستفهام (قومك يشترونك)
قَال: أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ. فَرَمَى إِلَيهِ بِنِسْعَتِهِ. وَقَال: "دُونَكَ صَاحِبَكَ". فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ. فَلَمَّا وَلَّى قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" فَرَجَعَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ:"إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ
ــ
من ولي الدم يخلصونك من القتل قصاصًا بأداء الدية عنك يعني يفادونك وينقذونك من القصاص بإعطائهم الدية عنك (قال) القاتل: (أنا أهون) وأحقر (على قومي) أي عند قومي (من ذاك) أي من شرائي وخلاصي من القتل بدفع الدية عني (فرمى) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى قائده (بنسعته) أي بحبله الذي يقوده به (وقال) صلى الله عليه وسلم للقائد: (دونك) أي خذ (صاحبك) الذي تقوده فافعل به ما شئت وهذا إذن منه صلى الله عليه وسلم له باستيفاء حقه يعني خذ صاحبك فاستقد منه إن شئت قال الأبي: تمكين الولي من الدم إنما هو بعد إثبات مقدماته كرؤية جسد القتيل وأن هذا وليه وأنه أحق به ولا ولي له غيره وغير ذلك وهذا كله لم يذكر في الحديث فلعله علمه صلى الله عليه وسلم ولم يذكره الرواة (فانطلق) بصيغة الماضي أي ذهب (به) أي بالقاتل (الرَّجل) القائد يعني ولي الدم (فلما ولى) ذلك الرَّجل القائد به وأدبر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (إن قتله) أي إن قتل هذا القائد القاتل الذي يقوده (فهو) أي فهذا القائد (مثله) أي مثل القاتل في أنَّه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر لأنه استوفى حقه منه بخلاف ما لو عفا عنه فإنَّه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة وجميل الثناء في الدنيا أو المعنى فهو مثله في أنَّه قاتل وإن اختلفا في التحريم والإباحة لكنهما استويا في طاعة الغضب ومتابعة الهوى اهـ نووي فهذا هو المقصود بهذا الكلام لكن ظاهره يوهم أن الولي يستحق العذاب كما يستحق القاتل ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل هذا الكلام الموهم لترغيب الولي في العفو لأن في العفو مصلحة للجانبين فإن القاتل ينجو من الموت والولي يستحق بذلك الأجر وقوله: (فرجع) معطوف على محذوف تقديره فأبلغ رجل من الحاضرين عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرَّجل القائد كلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرجع الرَّجل القائد بالقاتل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (فقال) له (يَا رسول الله إنه بلغني أنك قلت) في شأني (إن قتله فهو مثله و) قد (أخذته بأمرك) وإذنك حين قلت لي دونك صاحبك فماذا تأمرني الآن (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تريد أن يبوء)
بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ " قَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، (لَعَلَّهُ قَال) بَلَى. قَال: "فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ". قَال: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
4255 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا
ــ
ويرجع إلى النَّار (بإثمك) أي بإثم إذايتك بقتل أخيك وإدخال الحزن عليك (و) بـ (ـإثم) قتل (صاحبك) أي أخيك أراد بالصاحب هذا المقتول قال ابن الأثير: البوء أصله اللزوم فيكون المعنى أن يلتزم ذنبك وذنب أخيك ويتحملهما وقال النووي: قيل: معناه يتحمل إثم المقتول بإتلافه مهجته وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه والمراد أن القاتل قد استحق إثم قتل أخيك وإثم إيذائك بقتله وأنه يعاقب بذلك في الآخرة على كل حال فلو أخذت منه القصاص زدت عليه عقابًا في الدنيا أفلا تكتفي بعقاب الآخرة وتعفو عنه في الدنيا وعبارة القرطبي هنا قوله: (أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك) أي ينقلب ويرجع وأكثر ما يستعمل باء بكذا في الشر ومنه قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة / 90] ويعني بذلك والله تعالى أعلم أن المقتول ظلمًا تغفر له ذنوبه عند قتل القاتل له والولي يغفر له عند عفوه عن القاتل فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل فلذلك قيل عنه إنه باء بذنوب كل واحد منهما هذا أحسن ما قيل فيه والله أعلم اهـ من المفهم (قال) القائد: (يَا نبي الله) قال الراوي: (لعله) أي لعل القائد (قال): يَا نبي الله (بلى) أريد أن يبوء بإثمي وإثم صاحبي وهذا جواب من القائد لاستفهامه صلى الله عليه وسلم بقوله: أما تريد إلخ
…
لكن على يقين من الراوي في زيادته على قوله: (يَا نبي الله) صلى الله عليه وسلم لأنه شك في قوله: لفظة بلى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائد: (فإن ذاك) القاتل يكون (كذاك) أي يبوء بإثمك وإثم صاحبك إلى النَّار (قال) الراوي وائل بن حجر: (فرمى) القائد (بنسعته) أي بحبله أي بالحبل الذي يقود به القاتل (وخلَّى سبيله) أي ترك طريق القاتل أي تركه ماشيًا حيث شاء لأنه عفا عنه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4499 - 4501] ، والنَّسائيّ [1/ 15 و 16].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه فقال:
4255 -
(00)(00)(وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا. فَأَقَادَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مِنْهُ. فَانْطَلَقَ بِهِ وَفِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ يَجُرُّهَا. فَلَمَّا أَدْبَرَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ"
ــ
سعيد بن سليمان) الضَّبِّيّ أبو عثمان الواسطيّ نزيل بغداد لقبه سعدويه روى عن هشيم في الديات والليث بن سعد وعبد العزيز الماجشون وغيرهم ويروي عنه (ع) ومحمَّد بن حاتم وابن معين ومحمَّد بن يحيى وخلق قال أبو حاتم: ثِقَة، مأمون وقال العجلي: واسطيّ ثِقَة وقال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثِّقات وقال في التقريب: ثِقَة، حافظ من كبار العاشرة مات سنة (225) خمس وعشرين ومائتين وله مائة سنة (100)(حَدَّثَنَا هشيم) بن بشير الواسطيّ ثِقَة، من (7)(أخبرنا إسماعيل بن سالم) الأسدي أبو يحيى الكُوفيّ ثم البغدادي روى عن علقمة بن وائل في الديات وسعيد بن جبير وعدة ويروي عنه (م د س) وهشيم وأبو عوانة وسعد بن الصلت له في مسلم فرد حديث غريب وثقه أبو علي الحافظ والدارقطني وابن خراش والنَّسائيّ وابن سعد وابن معين وأَحمد وغيرهم وقال في التقريب ثِقَة، ثبت من السادسة (عن علقمة بن وائل) بن حجر (عن أَبيه) وائل بن حجر رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن سالم لسماك بن حرب (قال) وائل بن حجر (أتي) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قتل رجلًا) آخر (فأقاد ولي المقتول) أي حكم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لولي المقتول القود والاقتصاص ومكنه (منه) أي من القاتل بدفعه إليه حين قال دونك صاحبك (فانطلق) أي ذهب القائد (به) أي بالقاتل (وفي عنقه) أي والحال أن في عنق القاتل (نسعة) أي حبل (يجرها) أي يجره بها ليقتله (فلما أدبر) القائد أي ولّى دبره إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القاتل) من هذين الرجلين وهو القائد وهو ولي الدم (والمقتول) وهو الجاني الذي وجب عليه القود كلاهما (في النَّار) القاتل الذي هو مستحق الدم يستحق النَّار بسبب إغضابه صلى الله عليه وسلم وإبائه من العفو بعد عرضه عليه العفو مرات والمقتول الذي هو الجاني يستحق النَّار بسبب قتله أخا القائد ظلمًا فالمراد بالقاتل مستحق القصاص وبالمقتول الجاني الذي وجب عليه القصاص ويدل لهذا المعنى رواية أبي داود لهذا الحديث عن وائل بن
فَأَتَى رَجُلٌ الرَّجُلَ فَقَال لَهُ مَقَالةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَخَلَّى عَنْهُ. قَال إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ
ــ
حجر وذكر فيه ما يدل على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قصد تخليصه فعرض الدية أو العفو على الولي ثلاث مرات والولي في كل ذلك يأبى إلَّا القتل معرضًا عن شفاعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل فكأن الولي صدر منه جفاء في حق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث رد أكيد شفاعته وخالفه في مقصودة ويظهر هذا من مساق الحديث وذلك أن وائل بن حجر قال: كنت عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه نسعة قال: فدعا ولي المقتول فقال: أتعفو قال: لا فقال: أتأخذ الدية قال: لا قال: أتقتل قال: نعم قال: فاذهب به فلما ولى قال أتعفو قال: لا قال: أفتأخذ الدية قال: لا قال: أفتقتل قال: نعم قال: اذهب به فلما كان في الرابعة قال: أما إنك إذ عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبك قال: فعفا عنه فهذا المساق يفهم منه صحة قصد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لتخليص ذلك القاتل وتأكيد شفاعته له في العفو أو قبول الدية فلما لم يلتفت الولي إلى ذلك كله صدرت منه صلى الله عليه وسلم تلك الأقوال الوعيدية مشروطة باستمراره على لجاجه ومضيه على جفائه فلما سمع الولي ذلك القول عفا وأحسن فقبل وأكرم وهذا أقرب التأويلات في حل هذه المشكلات التي صدرت في هذا المقام وهذا هو الذي أشار إليه ابن أشوع حيث قال: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سأله أن يعفو فأبى (تنبيه) إنما عظم الإشكال من جهة قوله صلى الله عليه وسلم: (القاتل والمقتول في النَّار) ولما كان ذلك قال بعض العلماء: إن هذا اللفظ يعني قوله: (القاتل والمقتول في النَّار) إنما ذكره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النَّار فوهم بعض الرواة فضمه إلى هذا الحديث الآخر (قلت) وهذا فيه بعد والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (فأتى رجل) من الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرَّجل) القائد (فقال) الرَّجل الحاضر (له) أي للقائد أي أخبر له (مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قوله: القاتل والمقتول في النَّار (فخلى) القائد سبيله (عنه) أي عن الجاني الذي يقوده للقتل أي تركه وعفا عنه.
(قال إسماعيل بن سالم) الأسدي الكُوفيّ بالسند السابق: (فدكرت ذلك) الحديث
لِحَبِيب بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، فَقَال: حَدَّثَنِي ابْنُ أَشْوَعَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَأَبَى
ــ
الذي سمعته من علقمة بن وائل (لحبيب بن أبي ثابت) قيس أو هند بن دينار الأسدي الكُوفيّ ثِقَة من (3) روى عنه في (15) بابا (فقال) حبيب بن أبي ثابت: (حَدَّثني) سعيد بن عمرو (بن أشوع) بوزن أَحْمد الهمداني الكُوفيّ قاضيها ثِقَة، من (6) (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما سأله) أي سأل القاتل الذي هو ولي الدم (أن يعفو عنه) أي عن الجاني الذي قتل أخاه (فأبى) ذلك القاتل الذي هو ولي الدم من العفو وامتنع منه فأغضب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بإبائه عن العفو فكان في النَّار لو استمر على ذلك الإباء فهذا يطابق تفسيرنا وحلنا ويؤيده وهذا هو التأويل الحق قال الأبي: وكون القاتل في النَّار لأمر آخر علمه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا من أَجل اقتصاصه فإنَّه أمر مأذون فيه أو لأنه استحق ذلك بإغضابه صلى الله عليه وسلم لإبائه العفو وقد أمره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على ما يدل عليه كلام ابن أشوع قوله: (فقال: حَدَّثني ابن أشوع) الخ .. ذكر في الخلاصة أن حبيب بن أبي ثابت وابن أشوع ماتا في حدود العشرين ومائة وذكر لحبيب روايته عن الصَّحَابَة مثل زيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وغيرهم وعن التابعين ولم يذكر لابن أشوع إلَّا روايته عن الشعبي وأبي سلمة وأبي بردة وهؤلاء كلهم تابعون ليس فيهم صحابي فتحديث حبيب عنه تحديث الأكبر عن الأصغر على أن قوله: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما سأله أن يعفو عنه إرسال منه اهـ من بعض الهوامش.
قال النووي: وفي هذا الحديث الإغلاظ على الجناة وربطهم وإحضارهم إلى ولي الأمر وفيه سؤال المدعى عليه عن جواب الدعوى فلعله يقر فيستغني المدعي والقاضي عن التعب في إحضار الشهود وتعديلهم لأن الحكم بالإقرار حكم بيقين وبالبينة حكم بالظن وفيه سؤال الحاكم وغيره الولي عن العفو عن الجاني وفيه جواز العفو بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم وفيه جواز أخذ الدية في قتل العمد لقوله صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث (هل لك من شيء تؤديه عن نفسك) وفيه قبول الإقرار بقتل العمد اهـ قال القرطبي: قوله: (هذا قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته) فيه من الفقه سماع دعوى المدعي في الدم قبل إثبات الموت والولاية ثم لا يثبت الحكم حتَّى يثبت كل ذلك فإن قيل: قد حكم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على القاتل في هذا الحديث من غير إثبات ولاية المدعي فالجواب إن ذلك كان معلومًا عنده النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
4256 -
(1626)(189) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ امْرَأَتَينِ
ــ
وعند غيره فاستغنى عن إثباته لشهرة ذلك وفيه استقرار المدعى عليه بعد سماع الدعوى لإمكان إقراره فتسقط وظيفة إقامة البينة عن المدعي كما وقع في هذا الحديث (قوله: لو لم يعترف أقمت عليه البينة) فيه بيان الأصل في ثبوت الدماء الإقرار أو البينة وأما القسامة فعلى خلاف الأصل كما تقدم وفيه استقرار المحبوس والمتهدد وأخذه بإقراره وقوله: (كيف قتلته) سؤال استكشاف عن حال القتل لإمكان أن يكون خطأ أو عمدًا ففيه من الفقه وجوب البحث عن تحقيق الأسباب التي تنبني عليها الأحكام ولا يكتفى بالإطلاق وهذا كما فعله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع ماعز حين اعترف على نفسه بالزنا على ما يأتي وقوله: (هل لك من شيء تؤديه عن نفسك) يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم قد ألزمه حكم إقراره وأن قتله كان عمدًا إذ لو كان خطأ لما طالبه بالدية ولطولب بها العاقلة ويدل على هذا أيضًا قوله: (أترى قومك يشترونك) لأنه لما استحق أولياء المقتول نفسه بالقتل العمد صاروا كالمالكين له فلو دفع أولياء القاتل عنه عوضًا فقبله أولياء المقتول لكان ذلك كالبيع وهذا كله إنما عرضه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على القاتل بناء منه على أنَّه إذا تيسر له ما يؤدي إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه ففيه من الفقه السعي في الإصلاح بين النَّاس وجواز الاستشفاع وإن رفعت حقوقهم إلى الإِمام بخلاف حقوق الله تعالى فإنَّه لا تجوز الشفاعة فيها إذا بلغت الإِمام قوله: (ما لي مال إلَّا كسائي وفأسي) فيه من الفقه أن المال يقال على كل ما يتمول من العروض وغيرها وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل ولا بالعين إلى غير ذلك والله أعلم اهـ من المفهم.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4256 -
(1626)(189)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن امرأتين) اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف وكانتا ضرتين تحت حمل بن مالك بن النابغة الهذلي كذا أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: إن الأخرى أم
مِنْ هُذَيلٍ، رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأخرَى، فَطَرَحَت جَنِينَهَا. فَقَضَى فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بِغُرَّةٍ: عبْدٍ أَوْ أَمَةٍ
ــ
عفيف بنت مسروح كذا أخرجه الطَّبْرَانِيّ بطريق ضعيف كما في مجمع الزوائد [6/ 300] وذكر الحافظ في ترجمة أم عفيف من الإصابة [4/ 456] أن أم عفيف يقال لها أم غطيف أَيضًا ولكن ذكر في ترجمة مليكة أن كنيتها أَيضًا أم عفيف وقيل أم غطيف والله سبحانه وتعالى أعلم (من هذيل) كذا في أكثر الروايات وفي الرواية الآتية عند المصنف أن المصابة كانت من بني لحيان ولحيان بطن من هذيل كما صرح به الحافظ في الفتح [12/ 247] فلا تعارض ووقع في رواية للطبراني إحداهما هذلية والأخرى عامرية كما في مجمع الزوائد [6/ 300] وفي رواية أخرى له عن ن مالك كان له امرأتان لحيانية ومعاوية كما في الإصابة [3/ 28] في ترجمة عمران بن عويم (رمت إحداهما الأخرى) بحجر وفي حديث حمل بن مالك المذكور عند الطَّبْرَانِيّ أنهما اجتمعتا معًا فتغايرتا فرفعت المعاوية حجرًا فرمت به اللحيانية وهي حبلى فضربت المعاوية على بطن اللحيانية (فطرحت) أي أسقطت المضروبة التي هي اللحيانية (جنينها) أي ألقته ميتًا يعني أنها ضربت على بطنها فسقط جنينها أي جنين المضروبة أي خرج منها جنينها ميتًا والجنين حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاجتنانه أي لاستتاره ومنه سمي الجن جنًا لاستتارهم عن بني آدم فإن خرج حيًّا فهو ولد أو ميتًا فهو سقط بكسر السين وسكون القاف وقد يطلق عليه جنين أَيضًا وقال الباجي في شرح الموطإ: الجنين ما ألقته المرأة مما يعرف أنَّه ولد سواء كان ذكرًا أو أنثى ما لم يستهل صارخًا كذا في فتح الباري [12/ 247] ووقع في رواية ابن عباس عند أبي داود أنها قد أسقطت غلامًا قد نبت شعره (فقضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حكم فيه) أي في جنينها (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بغرة) أي برقيق وقوله: (عبد أو أمة) بدل من غرة أو عطف بيان لها إذا قرأنا بتنوين غرة وروى بعضهم بإضافة غرة إلى ما بعدها وأو هنا للتنويع لا للشك فإن كلًّا من العبد والأمة يقال له غرة إذ الغرة اسم للإنسان المملوك سمي غرة لأنه خيار مال الشخص والمراد بها هنا ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية الكاملة من العبيد والإماء وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتًا فإن سقط حيًّا ثم مات ففيه الدية الكاملة كما في كتب الفروع وأقل من الغرة عند الشَّافعيّ على أحد قوليه سبع سنين.
4257 -
(00)(00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ، سَقَطَ مَيِّتًا، بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. ثمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قضى عَلَيهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 438 و 535] ، والبخاري [6910] وأبو داود [4576 و 4579] ، وابن ماجه [2639 و 2641].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4257 -
(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا ليث) بن سعد المصري (عن ابن شهاب عن) سعيد (بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ ثِقَة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيّب لأبي سلمة (أنَّه) أي أن أَبا هريرة (قال: قضى) أي حكم وألزم وأوجب (رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان) بكسر اللام على المشهور ورُوي فتحها ولحيان بطن من هذيل اهـ نووي (سقط) أي خرج ذلك الجنين من بطن أمه (ميتًا) لا حيًّا أي قضى فيه (بغرة عبد أو أمة) بدل من غرة قيمته نصف عشر الدية الكاملة وهو خمسة أبعرة أقل سِنِّه سبع سنين على ما قاله الشَّافعيّ (ثم إن المرأة التي قضى عليها) أي قضى لها في جنينها (بالغرة) وهي المجني عليها أم الجنين لا الجانية أفاده النووي.
وظاهر قوله: (ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة)(توفيت) أي ماتت أن المتوفاة هي الجانية ولكنه غير مراد فإن التي توفيت هي المجني عليها بدليل الرواية الآتية حيث صرحت أن الجانية قتلتها وما في بطنها فيكون المراد بقوله: (التي قضى عليها) أي التي قضى لها بالغرة نبَّه عليه القاضي عياض والنووي (قلت): ولا مانع من أن تكون الجانية توفيت أَيضًا بعد قتلها ضرتها وبه جزم الموفق ابن قدامة في المغني [9/ 515] وحينئذٍ لا حاجة إلى ما ذكره القاضي والنووي من التأويل ويحتمل أن لا يكون مراد الراوي وفاتها فور غرامتها الدية وإنما مراده أنها لما توفيت بعد ذلك طلبت عاقلتها أن يكون لهم ميراثها لأنهم تحملوا عنها دينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الميراث لا يكون إلَّا للبنين والزوج يعني الورثة المعروفين وإن كانت الدية تتحملها العاقلة بأجمعها
فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا. وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا.
4258 -
(00)(00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيلٍ. فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا. وَمَا في بَطْنِهَا. فَاخْتَصَمُوا
ــ
وإلى هذا المعنى أشار صاحب بذل المجهود [5/ 184] والله أعلم (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها) أي بأن ميراث المجني عليها المقتولة فالضمير في قوله ميراثها عائد على المجني عليها يدل عليه ما أخرجه أبو داود في رقم [4575] عن جابر وفيه (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ميراثها لزوجها وولدها) أي (لبنيها وزوجها وأن العقل) أي دية المقتولة (على عصبتها) أي على عصبة القاتلة فالضمير ها هنا يعود إلى الجانية فوجبت على عاقلة الجانية غرة لقتل الجنين ودية كاملة لقتل أمه وإنما ألزمت الدية دون القصاص لكون القتل شبه العمد.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4258 -
(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو الأُموي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (ح وحدثنا حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) بضم التاء وكسر الجيم نسبة إلى تجيب وهي قبيلة سميت باسم امرأة وهي القبيلة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تجيب أجابت الله ورسوله وهذه القبيلة نزلت مصر وبالفسطاط محلة نسبت إليهم المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأُموي الأيلي (عن ابن شهاب عن ابن المسيّب وأبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن (أن أَبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس وليث بن سعد (قال) أبو هريرة: (اقتتلت) أي تضاربت (امرأتان من هذيل فرمت إحداهما) وهي المعاوية (الأخرى) وهي اللحيانية (بحجر فقتلتها) أي فقتلت المعاوية اللحيانية (وما في بطنها) أي وما في بطن اللحيانية من الجنين (فاختصموا) أي فاختصم
إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عبدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ. وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ َعَلَى عَاقِلَتِهَا. وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. فَقَال حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ:
ــ
أولياء المرأتين (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وترافعوا إليه ليحكم بينهم (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة) معطوف على عبد رفعًا وخفضًا وأو فيه للتنويع أو للتخيير لا للشك وكذلك فهمه مالك وقد جاء في بعض ألفاظه (أو أمة) مكان وليدة ويعني بالوليدة الأمة وغزة المال خياره قال ابن فارس: غرة كل شيء أكرمه وأنفسه وقال أبو عمرو: معناه الأبيض ولذلك سميت غرة (وقضى بدية المرأة) المجني عليها وهي اللحيانية المقتولة (على عاقلتها) أي على عاقلة المرأة الجانية القاتلة وهي المعاوية وهذا الحديث أصل في وجوب الدية على العاقلة إذا كان القتل خطأ أو شبه عمد ثم اختلفوا في تعيين مصداق العاقلة فقال الشَّافعيّ وأَحمد: إن العاقلة هم عصبة القاتل على كل حال ولا يعتبر أن يكونوا وارثين في الحال بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا كذا في المغني لابن قدامة [9/ 516] وقال أبو حنيفة: إن العاقلة هم الذين يتناصر بهم القاتل وكان التناصر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبائل فكانت عاقلة الرَّجل قبيلة ثم تغير الوضع حين وضع عمر الديوان فصار التناصر بأهل الديوان فأصبح أهل الديوان عاقلة واستدل الشافعية بأن العقل كان على عشيرة القاتل في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا نسخ بعده (وورثها) أي ورث المقتولة (ولدها) أي أولادها (ومن معهم) من الزوج والوالدين أي حكم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إرث المقتولة وهي اللحيانية لولدها ومن معهم استدل به الشَّافعيّ على أن ولد الجاني ووالده لا يدخلون في العاقلة وإنما العاقلة العمومة وأولادهم وهو رواية عن أَحْمد ووجه الاستدلال أنَّه ذكر ولدها في مقابلة العاقلة فدل على أن الولد ليس من العاقلة وأصرح منه ما أخرجه أبو داود عن جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها قال: فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ميراثها لزوجها وولدها (فقال حمل) بفتح الحاء والميم ابن مالك (بن النابغة) نسب إلى جده لشهرته به (الهذلي) نسبة إلى هذيل قبيلة
يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلِكَ يُطَلُّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما هذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ"، مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ
ــ
المقتتلتين (يَا رسول الله كيف أغرم) والغرم أداء شيء لازم قال في المصباح: غرمت الدية والدين وغير ذلك أغرم من باب تعب غرمًا بالضم ومغرمًا وغرامة اهـ أي كيف أغرم دية (من لا شرب) شرابًا أي جنينًا لم يشرب شرابًا (ولا أكل) طعامًا (ولا نطق) كلامًا (ولا استهل) أي ولا رفع صوتًا عند الولادة ليعرف أنَّه مات بعد أن كان حيًّا والاستهلال رفع الصوت عند الولادة (فمثل ذلك) الجنين الموصوف بما ذكر (يطل) بضم الياء وفتح الطاء على صيغة المجهول أي يهدر ولا يضمن يقال: طل دمه بضم الطاء إذا أهدر وطله الحاكم أهدره ويقال: أطله أَيضًا فطل هو وأطل مبنيين للمفعول كما في المصباح وذكر النووي رواية بطل بالباء بصيغة الماضي من البطلان وإنما غرم حمل بن النابغة زوج القاتلة لكونه من عصبتها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمل بن النابغة: (إنما هذا من إخوان الكهان) أي من المتشبهين بهم يعني لمشابهة كلامه كلامهم في السجع وقوله: (من أَجل سجعه الذي سجع) إدراج من الراوي للتفسير والتعليل لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم له ذلك الكلام والسجع هو تناسب آخر الكلمات في النثر لفظًا وأصله الاستواء وفي اصطلاح البديعيين الكلام المقفى بقافية مخصوصة في النثر والجمع أسجاع وأساجع.
قال ابن بطال: فيه ذم الكفار ومن تشبه بهم في ألفاظهم وقد تمسك به من كره السجع في الكلام وليس على إطلاقه بل المكروه منه ما يقع مع التكلف في معرض مدافعة الحق وأما ما يقع اتفاقًا بلا تكلف في الأمور المباحة فجائز وعلى ذلك يحمل ما ورد منه صلى الله عليه وسلم كذا في فتح الباري كتاب الطب [10/ 218] قال النووي: قال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما: أنَّه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله والثاني: أنَّه تكلفه في مخاطبته وهذان الوجهان من السجع مذمومان وأما السجع الذي كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقوله في بعض الأوقات وهو مشهور في الحديث فليس من هذا لأنه لا يعارض حكم الشرع ولا يتكلفه فلا نهي فيه بل هو حسن ويؤيد ما ذكرنا من التأويل قوله صلى الله عليه وسلم كسجع الأعراب فأشار إلى أن بعض السجع هو
4259 -
(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. وَقَال: فَقَال قَائِلٌ: كَيفَ نَعْقِلُ؟ وَلَمْ يُسَمِّ حَمَلَ بْنَ مَالِكٍ.
4260 -
(1627)(190) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيدٍ بْنِ نُضَيلَةَ
ــ
المذموم اهـ منه يعني بذلك أنَّه تشبه بالكهان فسجع كما يسجعون حين يخبرون عن المغيبات كما قد ذكر ابن إسحاق من سجع شق وسطيح "هما كاهنان من كهان العرب" وغيرهما وهي عادة مستمرة في الكهان.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4259 -
(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر البَصْرِيّ الكسي ثِقَة، من (11) (أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن الزُّهْرِيّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر ليونس بن يزيد (قال) أبو هريرة:(اقتتلت امرأتان وساق) معمر (الحديث) السابق (بقصته ولم يذكر) معمر (وورثها ولدها ومن معهم وقال) معمر في روايته لفظة (فقال قائل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف نعقل) أي نؤدي عقل من لا شرب بدل قوله كيف أغرم (ولم يسم) معمر (حمل بن مالك) المحالم يذكر اسمه وهذا بيان لمحل المخالفة بين رواية معمر ويونس.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال:
4260 -
(1627)(190)(حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكُوفيّ ثِقَة، من (5)(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ ثِقَة، من (5)(عن عبيد بن نضيلة) بالتصغير فيهما كذا وقع مصغرًا في النسخ الخمس الموجودة عندي ولكن ترجمه الحافظ في التهذيب والتقريب والبخاري في التاريخ الكبير باسم (عبيد بن نضلة) بالتكبير لكن راجعت له تهذيب الكمال للمزي فوجدت فيه نضيلة موافقًا لما ذكره
الْخُزَاعِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَال: ضَرَبَتِ امْرأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى. فَقَتَلَتْهَا. قَال: وَإحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ. قَال: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ َعَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ. وَغُرَّةً لِمَا في بَطْنِهَا. فَقَال رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ:
ــ
المصنف ثم رأيت ابن حبان ذكره في كتاب الثِّقات باسم عبيد بن نضلة ثم قال: وقد قيل عبيد بن نضيلة الخُزَاعِيّ فتبين أنَّه معروف بكلا الضبطين بالتصغير والتكبير الأَزدِيّ (الخُزَاعِيّ) أبي معاوية الكُوفيّ المقرئ روى عن المغيرة بن شعبة في الديات وابن مسعود ويروي عنه (م عم) وإبراهيم النَّخَعيّ والحسن العرني وثقه النَّسائيّ وقال العجلي: كُوفِيّ تابعي ثِقَة وقال في التقريب: ثِقَة من الثالثة ووهم من ذكر أن له صحبة مات في ولاية بشر على العراف سنة (74) أربع وسبعين له عندهم حديثان (عن المغيرة بن شعبة) بن مسعود الثَّقَفيّ الكُوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم (قال) المغيرة: (ضربت امرأة) معاوية (ضرتها) أي زوجة زوجها وهي اللحيانية فكل واحد من زوجتي الرَّجل ضرة للأخرى سميت بذلك لحصول المضارة بينهما في العادة وتضرر كل واحدة بالأخرى (بعمود) أي بخشب (فسطاط) بضم الفاء وكسرها ضرب من الخيام قال العيني في عمدة القاري [11/ 223]: وفي رواية يونس وعبد الرَّحْمَن بن خالد: فرمت إحداهما الأخرى بحجر كما مر وزاد عبد الرَّحْمَن (فأصاب بطنها وهي حامل) وروى أبو داود من طريق حمل بن مالك (فضربت إحداهما الأخرى بمسطح) وفي رواية أبي داود من حديث بريدة أن امرأة خذفت امرأة أخرى (قلت): فتعارضت الروايات بين الحجر والمسطح وعمود فسطاط فإما أن يحمل على أن القاتلة جمعت بينها كلها وإما أن يحمل بعض الروايات على وهم بعض الرواة ومثل ذلك لا يقدح في أصل الحديث والله أعلم اهـ (وهي) أي والحال أن المضروبة (حبلى) أي حامل (فقتلتها) أي فقتلت الضاربة المضروبة (قال) المغيرة: (وإحداهما) وهي المضروبة (لحيانية) أي منسوبة إلى بني لحيان بطن من هذيل (قال) المغيرة: (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة) وهي اللحيانية (على عصبة القاتلة) أي على عاقلتها وهي المعاوية (و) جعل (غرة لما في بطنها) على عاقلة القاتلة (فقال رجل من عصبة القاتلة) أي من عاقلتها وهو زوجها
أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلِكَ يُطَلُّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ ".
قَال: وَجَعَلَ عَلَيهِمُ الدِّيَةَ.
4261 -
(00)(00) وحدّثني محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيدٍ بْنِ نُضَيلَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَتَلَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ. فَأُتِيَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَضَى عَلَى عَاقِلَتِهَا
ــ
حمل بن النابغة (أنغرم) بهمزة الاستفهام التعجبي أي هل نغرم (دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل) أي ولا رفع صوته عند الولادة ليعرف أنَّه مات بعد أن كان حيًّا (فمثل ذلك) الجنين (يطل) أي يهدر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسجع) أي هل له سجع (كسجع الأعراب) أي كسجع أهل البوادي وليس بسجع فصحاء العرب وعلى مقاطعه (قال) المغيرة (وجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليهم) أي على عاقلة القاتلة (الدية) أي دية المقتولة ودية الجنين.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والتِّرمذيّ والنَّسائيّ وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال:
4261 -
(00)(00)(وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ ثِقَة، من (11)(حدثني يحيى بن آدم) بن سليمان الأُموي مولاهم أبو زكرياء الكُوفيّ ثِقَة، من (9)(حدثنا مفضل) بن مهلهل السعدي أبو عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ ثِقَة، من (7)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكُوفيّ ثِقَة، من (5)(عن إبراهيم) بن يزيد النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن عبيد بن نضيلة) الخُزَاعِيّ الكُوفيّ (عن المغيرة بن شعبة) الكُوفيّ رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا محمَّد بن رافع غرضه بيان متابعة مفضل بن مهلهل لجرير بن عبد الحميد (أن امرأة) وهي معاوية (قتلت ضرتها) أي زوجة زوجها وهي لحيانية (بعمود فسطاط) أي خيمة (فأتي فيه) أي في شأن قتلها (رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل عن حكمه (فقضى) أي أوجب (على عاقلتها) أي
بِالدِّيَةِ. وَكَانَتْ حَامِلًا. فَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ. فَقَال بَعْضُ عَصَبَتِهَا: "أَندِي مَنْ لا طَعِمَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ فَاسْتَهَلَّ؟ فَمِثلُ ذلِكَ يُطَلُّ؟ قَال: فَقَال: "سَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ ".
4262 -
(00)(00) حَدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ومحمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ وَمُفَضَّلٍ
ــ
على عاقلة القاتلة وعصبتها (بالدية) أي بدية المقتولة (وكانت) المقتولة (حاملًا فقضى في الجنين) أي أوجب على عاقلة القاتلة في جنين المقتولة (بغرة) عبد أو أمة (فقال بعض عصبتها) أي عصبة القاتلة وهو حمل بن النابغة (أندي) بهمزة الاستفهام مضارع مسند إلى جماعة المتكلمين من وداه دية إذا أدى ديته والاستفهام ها هنا للتعجب لا للإنكار فإنَّه لا يظن بالصحابة إنكار ما قضى به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أي أنعطي ونغرم دية (من لا طعم) طعامًا (ولا شرب) شرابًا (ولا صاح فاستهل) عند الولادة فيعرف أنَّه مات بعد أن كان حيًّا فهذا أمر عجيب (فمثل ذلك) الجنين (يطل) بالبناء للمفعول أي يهدر أي لا يضمن قصاصًا ولا دية (قال) المغيرة بن شعبة: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أله (سجع كسجع الأعراب) وحوشية سكان البوادي وفي هذا نوع إنكار على قوله لأن استفهامه كان للإنكار صورة وإن لم يكن قصد ذلك ويؤخذ من جوابه صلى الله عليه وسلم هذا أن من تكلم بكلام باطل بالبداهة كمعارضة النص بالعقل لا يلتفت إلى جوابه أو إقامة الدليل بخلافه وإنما سبيل ذلك الإعراض عن دليله أو توجيهه إلى ما يدل على قلة عقله أو أدبه اهـ تكملة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال:
4262 -
(00)(00)(حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ كلاهما (قالا: حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدي) بن حسان الأَزدِيّ البَصْرِيّ ثِقَة، من (9)(عن سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ ثِقَة، من (7)(عن منصور) بن المعتمر (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة وذكر سفيان (مثل معنى حديث جرير ومفضل) غرضه بيان متابعة سفيان لهما.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث المغيرة فقال:
4263 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. بِإِسْنَادِهِمُ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. غَيرَ أنَّ فِيهِ: فَأَسْقَطَتْ. فَرُفِعَ ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ. وَجَعَلَهُ عَلَى أَوْليَاءِ الْمَرْأَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ في الْحَدِيثِ: دِيَةَ الْمَرْأَةِ.
4264 -
(1627)(191) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)(قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا وَكِيعٌ) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ
ــ
4263 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمَّد بن المثنى و) محمَّد (بن بشار) كل من الثلاثة (قالوا: حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي (عن شعبة عن منصور) وذكر شعبة (بإسنادهم) أي بإسناد جرير ومفضل وسفيان (الحديث) السابق (بقصته) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لهؤلاء الثلاثة (غير أن فيه) أي لكن أن في حديث شعبة لفظة (فأسقطت) المرأة المقتولة جنينها (فرفع ذلك) الإسقاط لجنينها وأخبر (إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واستفتي فيه (فقضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أوجب (فيه) أي في جنينها (بغرة) عبد أو أمة (وجعله) أي جعل ذلك المذكور من الغرة (على أولياء المرأة) القاتلة أي على عصباتها وعاقلتها (ولم يذكر) شعبة (في الحديث دية المرأة) المقتولة وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايات.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4264 -
(1627)(191)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ) الآتي (لأبي بكر قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا وكيع عن هشام بن عروة عن أَبيه) عروة بن الزُّبير (عن المسور) بكسر الميم وفتح الواو (بن مخرمة) بفتحتين بينهما خاء ساكنة ابن نوفل القُرشيّ الزُّهْرِيّ المكيّ رضي الله عنهما هو وأبوه مخرمة صحابيان وولد المسور بمكة في السنة الثَّانية من الهجرة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وكان ممن يلزم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تُوفِّي مع ابن الزُّبير سنة ثلاث وسبعين يقال إنه أصابه المنجنيق وهو يصلي في الحجر
قَال: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ في مِلَاصِ الْمَرْأَةِ. فَقَال الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبدٍ أَوْ أَمَةٍ. قَال: فَقَال عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. قَال: فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّد بْنُ مَسْلَمَةَ
ــ
(قال) المسور: (استشار عمر بن الخطاب النَّاس) أي شاور معهم (في) حكم (ملاص المرأة) وجنينها إذا أسقطته بسبب الجناية أي شاور معهم فيما يضمن به قال القاضي عياض: والرواية عندنا في هذا الحرف (ملاص) يعني بغير همزة الإفعال وكذا هو في جميع النسخ ورأيته في كتاب أبي بحر (إملاص) مصلحًا لا رواية وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين (إملاص) على الصواب كذا في شرح الأبي وقال النووي في جميع نسخ مسلم: (ملاص) بكسر الميم وتخفيف اللام وهو جنين المرأة والمعروف في اللغة (إملاص المرأة) بهمزة مكسورة قال أهل اللغة: يقال أملصت به وأزلقت به وأمهلت به وأخطأت به كله بمعنى وهوإذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص بفتح الميم وكسر اللام ملصًا بفتحها وأملص أَيضًا لغتان وأملصته أنا قال: قد جاء ملص الشيء إذا أفلت فإن أريد الجنين صح ملاص مثل لزم لزامًا وقد فسر الراوي إملاص المرأة عند البُخَارِيّ في الاعتصام بقوله وهي التي يضرب بطنها فتلقى جنينًا (فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أي حضرته صلى الله عليه وسلم وقد (قضى) وحكم (فيه) أي في الجنين الذي سقط بالجناية (بغرة عبد أو أمة قال) المسور: (فقال عمر) بن الخطاب للمغيرة: (ائتني بمن يشهد معك) على قضاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في إملاص المرأة بالغرة ومعروف أن عمر رضي الله عنه كان يطلب شاهدًا ممن يروي عنده حديثًا وكان ذلك لزيادة الاستيثاق لئلا يتسارع النَّاس في رواية الحديث غير مبالين بخطورته لا لأن خبر الواحد ليس بحجة والله أعلم (قال) المسور: (فشهد له) أي للمغيرة (محمَّد بن مسلمة) بن سلمة الأَنْصَارِيّ الأوسي الحارثيّ أبو عبد الله المدنِيُّ الصحابي المشهور رضي الله عنه قاتل كعب بن الأشرف وشهد بدرًا والمشاهد كلها ثم ضرب فسطاطه بالربذة واعتزل الفتن إلى أن مات سنة (43) ثلاث وأربعين في صفر في ولاية معاوية بالمدينة وهو ابن سبع وسبعين سنة وصلى عليه مروان بن الحكم ودفن بالبقيع له ستة عشر حديثًا انفرد له (خ) بحديث ويروي عنه (ع) والمسور بن مخرمة في الديات والمغيرة بن شعبة وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد مكّيّ وفيه رواية صحابي عن صحابي قال النووي: وهذا مما استدركه الدارقطني على مسلم فقال: وهم وكيع في هذا الحديث وخالفه أصحاب هشام فلم يذكروا فيه المسور وهو الصواب ولم يذكر مسلم غير حديث وكيع وذكر البُخَارِيّ حديث من خالفه وهو الصواب هذا قول الدارقطني وفي البُخَارِيّ عن هشام عن أَبيه عن المغيرة أن عمر رضي الله عنه سأل عن إملاص المرأة ولا بد من ذكر المسور وعروة ليتصل الحديث فإن عروة لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [4/ 244] ، والبخاري [6905]، وأبو داود [4568 و 4569 و 4570]، والتِّرمذيّ [1411] ، والنَّسائيّ في القسامة وابن ماجه [2640] ، والله أعلم.
قال القرطبي: وإملاص فيما حكاه الهروي عن عمر هو المصدر لأنه ذكر بعده الجنين وهو مفعوله وفيما ذكره مسلم (ملاص) ويعني به الجنين نفسه فلا يتعدى هنا لأنه نقل من المصدر المؤكد فسمي به فإن أصله ملص يملص ملاصًا كلزم يلزم وفيه من الفقه الاستشارة في الوقائع وقبول أخبار الآحاد والاستظهار بالعدد في أخبار العدول وليس ذلك عن شك في العدالة وإنما هو استزادة يقين وطمأنينة نفس ولا حجة فيه لمن يشترط العدد في قبول أخبار الآحاد لأن عمر رضي الله عنه قد قبل خبر الضحاك وغيره من غير استظهار والله تعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث وائل بن حجر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث: حديث المغيرة بن شعبة الأول ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع: حديث المغيرة الأخير ذكره أَيضًا للاستشهاد به والله سبحانه وتعالى أعلم.
***