المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌601 - (41) باب إثم أول من سن القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌601 - (41) باب إثم أول من سن القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

4246 -

(1622)(185) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا. لأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ"

ــ

601 -

(41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

4246 -

(1622)(185)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لابن أبي شيبة قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل نفس) محرم قتلها بإيمان أو أمان (ظلمًا إلا كان على ابن آم الأول) يعني قابيل وهو الذي قتل أخاه كما هو المشهور وعكس القاضي جمال الدين بن واصل في تاريخه فجعل قابيل مقتولًا وهابيل قاتلًا كما ذكره الحافظ في الفتح واستشهد بأن قابيل مشتق من قبول قربانه ولكن الأكثرين على أن قابيل هو القاتل ومجرد اشتقاق قابيل من القبول لا يصلح دليلًا على أنه هو المقتول وقوله: (الأول): هذا يؤيد ما هو المشهور من أن هابيل وقابيل كانا ولدي: آدم لصلبه وبه صرح مجاهد فيما روى ابن أبي نجيح عنه وذكر الطبري عن الحسن لم يكونا ولدي آدم لصلبه وإنما كانا من بني إسرائيل ولكن ظاهر حديث الباب يرده اهـ من الفتح [12/ 193]، أي إلا كان على ذلك الأول (كفل) بكسر الكاف وسكون الفاء أي نصيب وحظ وجزء (من) وزر إراقة (دمها) أي من دم تلك النفس المقتولة ظلمًا (لأنه) أي لأن ذلك الأول (كان أول من سن) وأسس وشرع (القتل) فيه أول من سن شيئًا كتب له أو عليه وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام وقد صرح به في حديث جرير عند مسلم وغيره (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم

ص: 368

4247 -

(00)(00) وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ

ــ

القيامة) وهو محمول على من لم يتب من ذلك الذنب كذا في فتح الباري قوله: (لأنه أول من سنَّ القتل) أي جعله سيرة للنَّاس فهو متبوع في هذا الفعل وللمتبوع نصيب من فعل تابعه وإن لم يقصد التابع اتباعه في الفعل قال القرطبي: (قوله: لا تقتل نفس ظلمًا) الخ

يدخل فيه بحكم عمومه نفس الذمي والمعاهد إذا قتلا ظلمًا لأن (نفسًا) نكرة في سياق النفي فهي للعموم (والكفل) الجزء والنصيب كما قال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي نصيب وقال الخليل الكفل من الأجر والإثم الضعف وقوله: (لأنه أول من سنَّ القتل) وهذا نص على تعليل ذلك الأمر لأنه لما كان أول من قتل كان قتله ذلك تنبيهًا لمن أتى بعده وتعليمًا له فمن قتل كأنه اقتدى به في ذلك فكان عليه من وزره وهذا جار في الخير والشر كما قد نص عليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم بقوله: (من سن في الإِسلام سنة حسنة) الحديث وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود لأنه أول من عصى به وهذا والله أعلم إذا لم يتب ذلك الفاعل الأول من تلك المعصية لأن آدم عليه السلام أول من خالف في أكل ما نهي عنه ولا يكون عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه ولا شربه ممن بعده بالإجماع لأن آدم عليه السلام تاب من ذلك وتاب الله عليه فصار كمن لم يجن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له والله أعلم وابن آدم المذكور هنا هو قابيل قتل أخاه هابيل لما تنازعا في تزوج إقليمياء فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا فمن تقبل منه قربانه كانت له فتقبَّل قربان هابيل فحسده قابيل فقتله بغيًا وعدوانًا هكذا حكاه أهل التفسير اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 383] ، والبخاري [3335] ، والنَّسائيّ [7/ 82] ، وابن ماجه [2616].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

4247 -

(00)(00)(وحدثناه عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ ثِقَة، من (8)(ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (وعيسى بن يونس) السبيعي

ص: 369

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ، بِهذا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ:"لأَنَّهُ سَنَّ الْقَتْلَ" لَمْ يَذْكُرَا: أَوَّلَ.

4248 -

(1623)(186) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال:

ــ

الكُوفيّ (ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة كلهم) أي كل من جرير وعيسى وسفيان رووا (عن الأَعمش بهذا الإسناد) يعني عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأَعمش غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية (و) لكن (في حديث جرير وعيسى بن يونس) وروايتهما لفظة (لأنه سنَّ القتل) و (لم يذكرا) أي لم يذكر جرير وعيسى لفظة (أوَّل).

قال النووي: وهذا الحديث من قواعد الإِسلام وهو أن كل من ابتدع شيئًا من الشر كان عليه وزر كل من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة ومثله من ابتدع شيئًا من الخير كان له مثل أجر من يعمل به إلى يوم القيامة وهو موافق للحديث الصحيح (من سنَّ سنة حسنة) الحديث وللحديث الصحيح (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) وللحديث الصحيح (ما من داع يدعو إلى هدى وما من داع يدعو إلى ضلالة) اهـ والله أعلم.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:

4248 -

(1623)(186)(حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ومحمَّد بن عبد الله بن نمير جميعًا عن وكيع عن الأَعمش ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكُوفيّ اسمه عبد الرَّحْمَن ثِقَة، من (8)(ووكيع عن الأَعمش عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الأسدي الكُوفيّ ثِقَة، مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذه الأسانيد كلها من خماسياته ومن لطائفها أن رجالها كلهم من الكوفيين إلَّا إسحاق بن إبراهيم المروزي (قال) عبد الله:

ص: 370

قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَينَ النَّاسِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، في الدِّمَاءِ".

4249 -

(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كُلُّهُمْ

ــ

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى) أول مبتدأ وما مصدرية والجملة الفعلية صلتها والمصدر المؤول في محل الجر مضاف إليه والظرفان في قوله: (بين النَّاس يوم القيامة) متعلقان بيقضى وخبر المبتدإ قوله: (في الدماء) والتقدير أول القضاء بين النَّاس يوم القيامة كائن في شأن الدماء قال النووي: وذلك لعظم أمرها وكثير خطرها وليس هذا الحديث معارضًا للحديث المشهور في السنن أول ما يحاسب به العبد صلاته لأن هذا الحديث في حقوق الله وحديث الباب في حقوق العباد اهـ قال القرطبي: وهذا يدل على أنَّه ليس في حقوق الآدميين أعظم من الدماء ولا تعارض بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد من عمله الصلاة رواه النَّسائيّ [7/ 83] لأن كل واحد منهما أول في بابه فأول ما ينظر فيه من حقوق الله الصلاة لأنها أعظم قواعد الإِسلام العملية وأول ما ينظر فيه من حقوق الآدميين الدماء لأنها أعظم الجرائم اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 440] ، والبخاري [6864] ، والتِّرمذيّ [1397] ، والنَّسائيّ [7/ 83] وابن ماجه [2617].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

4249 -

(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البَصْرِيّ (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى علم الفرائض أبو محمَّد البَصْرِيّ ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ غندر (ح وحدثنا محمَّد بن المثنَّى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البَصْرِيّ ثِقَة، من (9)(كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين معاذ بن

ص: 371

عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَال عَنْ شُعْبَةَ:"يُقْضَى". وَبَعْضُهُمْ قَال: "يُحْكَمُ بَينَ النَّاسِ".

4250 -

(1624)(187) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ (وَتَقَارَبَا في اللَّفْظِ). قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ

ــ

معاذ وخالد بن الحارث ومحمَّد بن جعفر وابن أبي عدي رووا (عن شعبة عن الأَعمش عن أبي وائل عن عبد الله) بن مسعود غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة شعبة لوكيع في الرواية عن الأَعمش (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وساق شعبة (بمثله) أي بمثل حديث وكيع (غير أن بعضهم) أي لكن أن بعض هؤلاء الأربعة الذين رووا عن شعبة (قال) ذلك البعض حالة كونه راويًا (عن شعبة) لفظة (يقضى وبعضهم قال) عن شعبة لفظة (يحكم بين النَّاس) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهم في اللفظ.

ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

4250 -

(1624)(187)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثيّ) البَصْرِيّ (وتقاربا في اللفظ قالا: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب) بن عبد المجيد (الثَّقَفيّ) البَصْرِيّ (عن أَيُّوب) السختياني (عن) محمَّد (بن سيرين عن) عبد الرَّحْمَن (بن أبي بكرة) الثَّقَفيّ البَصْرِيّ ثِقَة، من (2) (عن) أَبيه (أبي بكرة) الثَّقَفيّ نفيع بن الحارث بن كلدة البَصْرِيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا ابن أبي شيبة فإنَّه كُوفِيّ (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال: إن الزمان) أراد به هنا السنة وشهورها (قد استدار) وتحول عن ترتيبه الأصلي يوم خلق الله السموات والأرض بإنساء الجاهلية بعض المشهور وتأخيرها عن ترتيبها الأصلي وعاد الآن ورجع (كهيئته) وترتيبه (يوم خلق الله السماوات والأرض) وعادت الشهور على ترتيبها الأصلي حتَّى عاد ذو الحجة في ترتيبه الأصلي.

ص: 372

السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا

ــ

قال في المبارق: يعني عاد الزمان إلى الهيئة والترتيب الذي وضع الله الشهور عليه يوم خلق السموات والأرض سبب ذكره أن العرب كانوا يعتقدون تحريم الأشهر الحرم حتَّى لو لقي واحد منهم قاتل ولده لم يتعرض له متمسكين في ذلك بملة إبراهيم عليه السلام لكنهم إذا وقع لهم ضرورة في القتال بدلوا الأشهر الحرم إلى غيرها لاستكراههم استحلالها بالكلية وأمروا مناديًا ينادي في القبائل ألا إنَّا أنسأنا المحرم إلى صفر أي أخرنا تحريمه إلى صفر عنوا بذلك أنّا نحارب في المحرم ونترك الحرب بدله في صفر وإذا عرضت لهم حاجة أخرى ينقلون المحرم من صفر إلى ربيع الأول وكانوا يؤخرون الحج من شهر إلى شهر حتَّى وصل ذو الحجة ورجع إلى موضعه الأصلي وترتيبه الخلقي عام حجة الوداع فاجعلوا الحج فيه ولا تبدلوا شهرًا بشهر كأهل الجاهلية اهـ منه ومعنى (إن الزمان قد استدار) أي إن زمان الحج عاد في هذه السنة يعني حجة الوداع إلى وقته الأصلي الذي عينه الله تعالى له يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه ونفذ بها حكمه ثم قال: (السنة اثنا عشر شهرًا) ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة وهي خمسة عشر يومًا بتحكيمهم ثم هذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة / 36] فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجاهلي اهـ من المفهم.

وقال القرطبي أَيضًا: اختلف في معنى هذا اللفظ يعني قوله: (إن الزمان قد استدار كهيئته) الخ على أقوال كثيرة وأشبه ما فيها ثلاثة أقوال: أحدها: ما قاله إياس بن معاوية وذلك أن المشركين كانوا يحسبون السنة اثني عشر شهرًا وخمسة عشر يومًا وكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يومًا فحج أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة ولم يحج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر ووافق ذلك الأهلة وقد روي أن أَبا بكر إنما حج في ذي الحجة.

الثاني: ما روي عن ابن عباس أنَّه قال: كانوا إذا كانت السنة التي ينسأ فيها قام خطيبهم وقد اجتمع إليه النَّاس يوم الصدر أي الرجوع من منى قال ابن الأنباري وهو رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة فقال: أنا الذي لا أعاب ولا يرد لي قضاء

ص: 373

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيقولون له أنسئنا شهرًا أي أخر عنَّا حرمة المحرم فاجعلها في صفر وذلك أنَّهم يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها لأن معاشهم كان من الإغارة فيقول: أيها النَّاس إنِّي قد نسأت العام صفرًا الأول يعني المحرم فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرًا فيطرحون المحرم من المشهور ولا يعتدون به ويبدؤون العدة من صفر فيقولون لصفر وشهر ربيع الأول صفران ولربيع الآخر وجمادى الأولى شهرًا ربيع ولجمادى الأخيرة ورجب جماديان ولشعبان رجب ولرمضان شعبان وهكذا إلى محرم ويبطلون من هذه السنة شهرًا فيحجون في كل شهر حجتين ثم ينسأ في السنة الثالثة صفرًا الأول في عدتهم وهو الآخر في العدة المستقيمة حتَّى تكون حجتهم في صفر حجتين وكذلك المشهور كلها حتَّى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الشهر الذي ابتدؤوا النساء ونحوه قال ابن الزُّبير: إلَّا أنَّه قال: يفعلون ذلك في كل ثلاث سنين يزيدون شهرًا قيل: وكانوا يقصدون بذلك موافقة شهور العجم لشهور الأهلة حتَّى تأتي الأزمان واحدة.

الثالث: قيل كانت العرب تحج عامين في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة فصادفت حجة أبي بكر رضي الله عنه ذا القعدة من السنة الثَّانية وصادفت حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذا الحجة بالاستدارة والأشبه القول الأول قوله: (السنة اثنا عشر شهرًا) الأول منها (المحرم) سمي بذلك لأنهم كانوا يحرمون فيه القتال ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم وتسميه العرب العاربة (المؤتمر) بكسر الميم أخذًا من أَمِرَ القومُ إذا كثروا بمعنى أنَّهم يحرمون فيه القتال فيكثرون وقيل: أخذًا من الائتمار بمعنى أنَّه يؤتمر فيه بترك الحروب ويجمع على مؤتمرات والثاني منها (صفر) سمي بذلك لخلو مكة من أهلها فيه وقيل وقع فيه وباء فاصفرت وجوههم قال أبو عبيد سمي بذلك لصفر الأواني من اللبن والثالث (الرَّبيع الأول) والرابع (الرَّبيع الثاني) سميا بذلك لارتباع النَّاس فيهما أي لإقامتهم في الرَّبيع والخاص (الجمادى الأولى) والسادس (الجمادى الثَّانية) سميا بذلك لأن الماء جمد فيهما والسابع (رجب) سمي بذلك لترجيب العرب إياه أي لتعظيمهم له أو لأنه لا قتال فيه والأرجب الأقطع ويجمع على رجبات وعلى أرجاب والثامن (شعبان) سمي بذلك لتشعب القبائل فيه والتاسع (رمضان) سمي بذلك لشدة الرمضاء فيه أي حر الظهيرة والعاشر منها (شوال) سمي بذلك لأن اللقاح تشول فيه أذنابها والحادي عشر منها (ذو القعدة) بفتح القاف وكسرها مع سكون العين فيهما سمي

ص: 374

مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ

ــ

بذلك لقعودهم فيه عن الحرب لكونه أول الأشهر الحرم ويجمع على ذوات القعدة وحكى الكوفيون أولات القعدة والثاني عشر (ذو الحجة) بفتح الحاء وكسرها سمي بذلك لكون الحج يقع فيه والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة وتسمية العرب العاربة (برك) بوزن عمر غير مصروف لأنه تبرك فيه الإبل للموسم اهـ من المفهم مع زيادة (منها) أي من تلك الاثني عشر وهو خبر مقدم لما بعده (أربعة حرم) أربعة مبتدأ مؤخر حرم صفته سميت الحرم حرمًا لاحترامها وتعظيمها بما خصت به من أفعال البر وتحريم القتال وتشديد أمر البغي والظلم فيها وذلك أن العرب كانت في غالب أحوالها ومعظم أوقاتها قبل مجيء الإِسلام أهل غارة ونهب وقتال وحرب يأكل القوي الضعيف ويصول على المشروف الشريف لا يرجعون لسلطان قاهر وأمر جامع وكانوا فوضى أي لا أمير لهم من غلب سلب ومن عزَّ بزَّ (أي من غلب أخذ السلب) لا يأمن لهم سرب ولا يستقر بهم حال فلطف الله بهم بأن جعل في نفوسهم احترام أمور يمتنعون فيها من الغارة والقتال والبغي والظلم فيأمن بعضهم من بعض ويتصرفون فيها في حوائجهم ومصالحهم فلا يهيج فيها أحد أحدًا ولا يتعرض له حتَّى إن الرَّجل يلتقي فيها بقاتل أَبيه وأخيه فلا يتعرض له بشيء ولا بغدر بما جعل الله في قلوبهم من تعظيم تلك الأمور ولا يبعد أن يكون أصل ذلك مشروعًا لهم من دين إبراهيم وإسماعيل كالحج والعمرة وغيرهما مما كان عندهم من شرائعهما وهذه الأمور من الزمان الأشهر الحرم ومن المكان حرم مكة ومن الأموال الهدي والقلائد ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة / 217] وقوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة / 36] ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة / 36] وقوله تعالى في الحَرَم: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران / 97] وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت / 67] وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة / 125] وقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة / 97]. ومعنى كون هذه الأمور قيامًا للنَّاس أي تقوم بها أحوالهم وتنتظم بها مصالحهم من أمر دنياهم ومعايشهم هذا معنى ما قاله المفسرون فلما جاء الإِسلام لم يزد تلك الأمور إلَّا تعظيمًا وتشريفًا غير أنه لما حدَّ الحدود وشرع الشرائع ونصب العقوبات والزواجر اتفقت كلمة المسلمين والتزمت شرائع الدين فأمن النَّاس على دمائهم ونفوسهم وأموالهم فامتنع أهل الظلم من ظلمهم وكف أهل البغي عن بغيهم

ص: 375

ثَلَاثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ. وَرَجَبٌ، شَهْرُ مُضَرَ، الَّذِي بَينَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ". ثُمَّ قَال:"أَيُّ شَهْرٍ هذَا؟ " قُلْنَا:

ــ

واستوى في الحق القوي والضعيف والمشروف والشريف فمن صدر منه بغي أو عدوان قمعته كلمة الإِسلام وأقيمت عليه الأحكام لا يعيذه شيء من تلك المحرمات ولا يحول بينه وبين حكم الله تعالى أحد من المخلوقات فالحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم والمنهج المستقيم وهو المسؤول بأن ينعم علينا بالدوام والتمام ويحشرنا في زمرة واسطة النظام محمَّد عليه الصلاة والسلام اهـ من المفهم.

(ثلاثة) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بالصفة المحذوفة (متواليات) خبر المبتدإ أي ثلاثة منها أي من الأشهر الحرم الأربعة متواليات أي يتلو بعضها بعضًا كما قد قال في الرواية الأخرى (ثلاث سرد وواحد فرد)(ذو القعدة وذو الحجة والمحرم) هذه الثلاثة المتوالية وقوله: (ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان) هو مبالغة في تعيين هذا الشهر ليتميز عما كانوا يتحكمون به من النساء ومن تغيير أسماء المشهور وقد تقدم أنَّهم كانوا يسقطون من السنة شهرًا وينقلون اسم الشهر للذي بعده حتَّى سموا شعبان رجبًا ومضر حي من العرب ونسبة هذا الشهر إليهم إما لأنهم أول من عظمه أو لأنهم كانوا أكثر العرب تعظيمًا له واشتهر ذلك حتَّى عرف بهم والله أعلم.

قال النووي: وإنما قيد رجبًا هذا التقييد مبالغة في إيضاحه وإزالة اللبس عنه قالوا: وقد كان بين مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب وكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف الآن وهو بين جمادى وشعبان وكانت ربيعة تجعله رمضان فلهذا أضافه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى مضر وقيل: إن العرب كانت تسمي رجبًا وشعبان الرجبين وقيل: كانت تسمى جمادى ورجبًا جمادين وتسمي شعبان رجبًا اهـ قوله: (الذي بين جمادى) بضم الجيم والقصر بعد الدال سمي بذلك لجمود الماء فيه لأن الوقت الذي سمي فيه بذلك كان الماء فيه جامدًا لشدة البرد ويقال في تثنيته جماديان الأوليان وفي الجمع الجماديات الأوليات (وشعبان) بفتح الشين سمي بذلك لتشعبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سمي فيه وقيل لأنه شعب بين شهري رجب ورمضان ويجمع على شعبانات وشعابة على حذف الزوائد وحكى الكوفيون شعابين كذا في صبح الأعشى [2/ 365](ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي شهر هذا) أي هذا الشهر الحاضر الذي نحن فيه الآن ما اسمه، قال أبو بكرة:(قلنا)

ص: 376

اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِهِ. قَال: "أَلَيسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَال: "فَأَيُّ بَلَدٍ هذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِهِ. قَال: "أَلَيسَ الْبَلْدَةَ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَال: "فَأَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِهِ. قَال: "أَلَيسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ (قَال مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَال) وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، في بَلَدِكُمْ هذَا، في

ــ

معاشر الحاضرين (الله ورسوله أعلم) أي يعلمان اسمه قال النووي وقولهم: (الله ورسوله أعلم) هذا من حسن أدبهم وأنهم علموا أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب فعرفوا أنَّه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون اهـ (قال) أبو بكرة (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتَّى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه) المعروف عندنا (قال: أليس) هذا الشهر الحاضر يسمى (ذا الحجة قلنا) له: (بلى) هو ذو الحجة لأن بلى يجاب بها النفي فيكون إثباتًا لأن نفي النفي إثبات (قال: فأي بلد هذا) أي هذا البلد الذي نحن فيه الآن (قلنا: الله ورسوله أعلم قال) الراوي: (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتَّى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه) المعروف (قال: أليس) هذا البلد يسمى (البلدة) المشرفة المكرمة (قلنا: بلى) أي هو هي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأي يوم هذا) اليوم الحاضر (قلنا الله ورسوله أعلم قال) الراوي (فسكت حتَّى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه) المعروف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس) هذا اليوم يسمى (يوم النحر قلنا بلى) هو هو (يَا رسول الله) قال القرطبي: سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد سؤال كل واحد منها كان لاستحضار فهومهم وتنبيهًا لغفلتهم وتنويهًا بما يذكره لهم حتَّى يقبلوا عليه بكليتهم ويستشعروا عظمة حرمة ما عنه يخبرهم ولذلك (قال) بعد هذا (فإن دماءكم وأموالكم قال محمَّد) بن سيرين: (وأحسبه) أي وأظن شيخي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة (قال) عند ما حدث لنا هذا الحديث لفظة (و) إنَّ (أعراضكم) والشك من محمَّد بن سيرين وقائل هذا القول أَيُّوب السختياني والأعراض جمع عرض وهو موضع المدح أو الذم من الإنسان أي إن إراقة دمائكم وسلب أموالكم وطعن أعراضكم. (حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في

ص: 377

شَهْرِكُمْ هذَا. وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كفارًا (أَوْ ضُلَّالًا) يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَلَعَلَّ

ــ

شهركم هذا) قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء وإغياء في التفسير عن الوقوع فيها لأنهم كانوا قد اعتادوا فعلها واعتقدوا حليتها كما تقدم في بيان أحوالهم وقبيح أفعالهم اهـ من المفهم وقال الحافظ في الفتح [1/ 159]: ومناط التشبيه في قوله كحرمة يومكم ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع اهـ منه (وستلقون) أي سترون (ربكم) يوم القيامة (فيسألكم عن أعمالكم) خيرها وشرها فيجازيكم عليها فخذوا عني دينكم واعتصموا به واحذروا ما أنتم عليه في الجاهلية من إراقة الدماء وسلب الأموال وطعن الأعراض قال القرطبي: معنى هذا الكلام إنكم ستقفون في العرض موقف من لقي ربه فحبس حتَّى تعرض عليه أعماله فيسأل عنها وهذا إخبار بمقام عظيم وأمر هائل لا يقدر قدره ولا يتصور هوله أصبح النَّاس عن التذكير فيه معرضين وعن الاستعداد له متشاغلين فالأمر كما قال في كتابه المكنون: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)} [ص / 67، 68] فنسأل الله تعالى من فضله أن يوقظنا من رقدتنا ويُنبهنا من غفلتنا ويجعلنا ممن استعد للقائه وكُفي فواجئ نقمه وبلائه والفاء من قوله: (فلا ترجعنَّ) للإفصاح والفعل بضم العين مسند إلى واو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين مع نون التوكيد الثقيلة ولا ناهية جازمة أصله فلا ترجعونن حذفت نون الرفع للجازم والواو لالتقاء الساكنين والمعنى إذا عرفتم ما ذكرته لكم وأردتم بيان ما هو النصيحة لكم فأقول لكم لا ترجعوا أي لا تصيروا (بعدي) أي بعد فراقي من هذا المجلس أو بعد وفاتي (كفارًا) أي مثل الكفار في إراقة دمائكم وسلب أموالكم وطعن أعراضكم (أو) قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو الراوي فلا ترجعن بعدي (ضلالًا) جمع ضال وهو أعم من الكافر والشك من الراوي أو ممن دونه (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب على الصواب أي فيضرب وقيل بجزمه على كونه جوابًا للنهي (ألا ليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) عن هذا المجلس (فلعل

ص: 378

بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ"

ــ

بعض من يبلغه) بصيغة المجهول (يكون أوعى) وأحفظ (له من بعض من سمعه) مني.

قوله: (فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) بهذا الحديث وأشباهه كفر الخوارج عليًّا ومعاوية وأصحابهما وهذا إنما صدر عنهم لأنهم سمعوا الأحاديث ولم تحط بها فهومهم كما قرؤوا القرآن ولم يجاوز تراقيهم فكأنهم ما قرؤوا قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُمْ} [الحجرات / 9، 1. [فأبقى عليها اسم الإيمان وأخوته مع أنَّهم قد تقاتلوا وبغت إحداهما على الأخرى وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء / 48 و 116] والقتل ليس بشرك بالاتفاق والضرورة وكأنهم لم يسمعوا قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا بالحق فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له" متفق عليه وإنما يُحمل الحديث على التشبيه تغليظًا وذلك أن المسلمين إذا تحاجزوا وتقاتلوا فقد ضلت الطائفة الباغية منهما أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق وكفرت حق الأخرى وحرمتها وقد تشبها بالكفار وكأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ما يكون في أمته من المحن والفتن فحذر من ذلك وغلظه بذلًا للنصيحة ومبالغة في الشفقة عليهم صلى الله عليه وسلم قوله: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب) أمر غائب بتبليغ العلم ونشره فهو فرض من فروض الكفايات من التبليغ وعليه فالباء مفتوحة واللام مشددة مكسورة وقيل: إنه من الإبلاغ فباؤه ساكنة ولامه مخففة ومراده بالشاهد الحاضر في المجلس والمقصود إما تبليغ القول المذكور وإما تبليغ جميع الأحكام وفيه الأمر بالتبليغ والحضُّ عليه.

وقوله: (فلعل بعض من يبلغه) بالبناء للمجهول (يكون أوعى) وأحفظ (له) أي لما قلته (ممن سمعه) مني والوعي الحفظ والفهم والقبول قال الزبيدي يقال وسماه أي الشيء أو الحديث يعيه وعيًا إذا حفظه وفهمه وقبله فهو واع ومثله حديث أبي أُمامة (لا يعذب الله قلبًا وعى القرآن) قال ابن الأثير: أي عقله إيمانًا به وعملًا فأما من حفظ ألفاظه وضيع حدوده فإنَّه غير واع له كذا في تاج العروس واحتج به العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه إذا ضبط ما يحدث به كذا في النووي وفيه جواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء وأنه قد

ص: 379

ثُمَّ قَال: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ".

قَال ابْنُ حَبِيبٍ في رِوَايَتِهِ: "وَرَجَبُ مُضَرَ". وَفِي رِوَايةِ أبي بَكْرٍ: "فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي".

4251 -

(00)(00) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ

ــ

يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة كذا في فتح الباري [1/ 159].

قال القرطبي: قوله: (فلعل بعض من يبلغه أوعى) الخ حجة على جواز أخذ العلم والحديث عمن لا يفقه ما ينقل إذا أداه كما سمعه فأما نقل الحديث بالمعنى فمن جوزه إنما جوزه من الفقيه العالم بمواقع الألفاظ ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقًا وقد تقدم ذلك وفيه حجة على أن المتأخر قد يفهم من الكتاب والسنة ما لم يخطر للمتقدم فإن الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء لكن هذا يندر ويقل فأين البحر من الوشل (الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة يقطر منه قليلا لا يتصل قطره) والعل من العلل وهو الشكل في العينين ليس كالكحل (ثم) بعد هذه الخطبة البليغة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا) حرف استفتاح (هل بلغت) استفهام تقريري لا يحتاج إلى الجواب أي قد بلغتكم ما أمرت بتبليغه لكم فلا عذر لكم إذ لم يقع مني تقصير في التبليغ ويحتمل أن يكون على جهة استعلام ما عندهم واستنطاقهم بذلك كما تقدم في حديث جابر حيث ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: (وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الأرض اللهم اشهد ثلاث مرات رواه مسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) شيخنا يحيى (بن حبيب) الحارثيّ (في روايته) لنا (ورجب مضر) بإسقاط لفظ شهر وإضافة رجب إلى مضر (وفي رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (فلا ترجعوا بعدي) بحذف نون التوكيد الثقيلة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [5/ 37] ، والبخاري [105] ، وأبو داود [1948] ، وابن ماجه [233].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

4251 -

(00)(00)(حدثنا نصر بن عليّ) بن نصر بن عليّ بن صهبان الأَزدِيّ البَصْرِيّ (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة اسم محلة في البصرة نسبت إلى الجهاضمة وهم بطن من الأزد ينسبون إلى جهضم بن عوف بن مالك (حَدَّثَنَا يزيد بن زريع) التَّمِيمِيّ

ص: 380

حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: لَما كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ. قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ. فَقَال: "أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هذَا؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. حَتَّى ظَنَنا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. فَقَال: "أَلَيسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال:"فَأَيُّ شَهْرٍ هذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "أَلَيسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَأَيُّ بَلَدٍ هذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: حَتى ظَنَنَّا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. قَال:

ــ

العيشي أبو معاوية البَصْرِيّ ثِقَة، من (8)(حَدَّثَنَا عبد الله بن عون) بن أرطبان المزني البَصْرِيّ ثِقَة، ثبت من (6) (عن محمَّد بن سيرين عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة عن أَبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثَّقَفيّ البَصْرِيّ رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) أبو بكرة:(لما كان) وجاء (ذلك اليوم) العظيم القدر الذي هو يوم النحر في مني في حجة الوداع (قعد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على بعيره) في منى خطيبًا للنَّاس (وأخذ) أي أمسك (إنسان) من الحاضرين وهو أبو بكرة الرَّاوي (بخطامه) أي بخطام بعيره صلى الله عليه وسلم ليصون البعير من الاضطراب وخطام البعير غير زمامه بكسر أولهما فإن الزمام عبارة عن المقود بكسر الميم وهو ما تقاد به الدابة والخطام حبل يقلد به البعير ثم يعقد على أنفه لينقاد والأخذ به يكون لإمساك البعير ومنعه من الاضطراب والتشويش على راكبه اهـ من بعض الهوامش (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على قعد وجملة أخذ حال من البعير بتقدير قد (أتدرون) أي هل تعلمون أيها الحاضرون والهمزة للاستفهام الاستعلامي (أي يوم هذا قالوا: الله ورسوله أعلم) فسكت كما في الرواية السابقة (حتَّى ظننا أنَّه سيسميه) أي سيجعل اسمه (سوى اسمه) أي غير اسمه المعروف لدينا (فقال: أليس) هذا اليوم (بيوم النحر قلنا: بلى) هو يوم النحر (يَا رسول الله) ثم (قال: فأي شهر هذا) الشهر الذي نحن فيه (قلنا: الله ورسوله أعلم) ثم سكت ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس بذي الحجة قلنا: بلى يَا رسول الله) ثم (قال: فأي بلد هذا قلنا: الله ورسوله أعلم قال) الراوي ثم سكت (حتَّى ظننا أنَّه سَيُسَمِّيه) أي سيجعل اسمه (سوى اسمه) أي غير اسمه المعروف ثم (قال)

ص: 381

"أَلَيسَ بِالْبَلْدَةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيكُمْ حَرَامٌ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا. في شَهْرِكُمْ هذَا. في بَلَدِكمْ هذَا. فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ".

قَال: ثُمَّ انْكَفَأَ إلى كَبْشَينِ أَمْلَحينِ فَذَبَحَهُمَا. وَإِلَى جُزَيعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَينَنَا

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس بالبلدة) المشرفة (قلنا بلى يَا رسول الله) ثم (قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ثم قال: (فليبلغ الشاهد) أي الحاضر منكم عندنا (الغائب) عنا في هذا المجلس (قال) الراوي (ثم انكفأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي انقلب ورجع بعد فراغه من خطبته (إلى كبشين) تثنية كبش وهو ذكر الضأن المسمى الآن بالطَّلي (أملحين) تثنية أملح والأملح هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر أي رجع إليهما ليذبحهما أضحية (فذبحهما و) انقلب أَيضًا (إلى جزيعة من الغنم) بضم الجيم وفتح الزاي وهي القطعة من الغنم تصغير جزعة بكسر الجيم وهي القليل من الشيء وضبطه ابن فارس بفتح الجيم وكسر الزاي وكأنها فعيلة بمعنى مفعولة كضفيرة بمعنى مضفورة والمشهور في رواية المحدثين هو الأول كذا في شرح النواوي أي رجع إليها ليقسمها (فقسمها بيننا) قوله: (ثم انكفأ إلى كبشين) قال الدارقطني: إن هذا وهم من ابن عون فيما قيل وإنما رواه ابن سيرين فأدرجه ابن عون هنا في هذا الحديث فرواه عن ابن سيرين عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة عن أَبيه وقد حذف البُخَارِيّ هذه الزيادة عن ابن عون وقد ذكره المصنف عن أَيُّوب عن قرة فلم يذكر هذه الزيادة أَيضًا وقال القرطبي: الأشبه أن هذه الزيادة إنما هي في حديث آخر في خطبة عيد الأضحى فوهم فيه الراوي فذكرها مضمومة إلى خطبة الحجة أو هما حديثان ضم أحدهما إلى الآخر كذا في شرح النووي.

وعبارة القرطبي هنا: (قلت): إنما نسب هذا الوهم لابن عون لأن هذا الحديث قد رواه عن ابن سيرين أَيُّوب السختياني وقرة بن خالد وانتهى حديثهما في خطبة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم النحر عند قوله: ألا هل بلغت في رواية أَيُّوب وزاد قرة إلى هذا قالوا: نعم قال: اللهم أشهد وبعد قوله: ألا هل بلغت زاد ابن عون عن ابن سيرين عن أبي بكرة (ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما إلخ

) وهذا الكلام إنما

ص: 382

4252 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَال: قَال مُحَمَّدٌ: قَال عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: لَما كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ جَلَسَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ. قَال: وَرَجُلٌ آخِذٌ بِزِمَامِهِ (أَوْ قَال: بِخِطَامِهِ). فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ.

4253 -

(00)(00) حَدَّثني محمدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ

ــ

كان من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في خطبة عيد الأضحى على ما رواه أَيُّوب وهشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك على ما ذكره مسلم في الضحايا عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلى ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحًا قال: وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين أملحين فذبحهما فقام النَّاس إلى غنيمة فتوزعوها أو قال: فتجزعوها فكان ابن عون اختلط عليه الحديثان فساقهما مساقًا واحدًا وأن ذلك كان في خطبة عرفة وهو وهم لا شك فيه اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

4252 -

(00)(00)(حدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا حماد بن مسعدة) التَّمِيمِيّ أبو سعيد البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) المزني البَصْرِيّ (قال) ابن عون (قال محمَّد) بن سيرين:(قال عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة عن أَبيه) أبي بكرة رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حماد بن مسعدة ليزيد بن زريع (قال) أبو بكرة: (لما كان ذلك اليوم) العظيم الذي هو يوم النحر (جلس النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على بعير) له (قال) أبو بكرة: (ورجل) أي والحال أن رجلًا من المسلمين هو أبو بكرة الراوي كما مر (آخذ بزمامه) أي ممسك بحبله (أو قال) أبو بكرة ورجل آخذ (بخطامه) أي بخطام البعير والشك من عبد الرَّحْمَن أو ممن دونه وتقدم الفرق بين الخطام والزمام (فذكر) حماد بن مسعدة (نحو حديث يزيد بن زريع).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:

4253 -

(00)(00)(حَدَّثني محمَّد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي صدوق، من (10)(حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطَّان البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا قرة بن خالد)

ص: 383

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ في نَفْسِي أَفْضَلُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا قُرَّةُ بِإِسْنَادِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (وَسَمَّى الرَّجُلَ حُمَيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ. فَقَال: "أَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ " وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. غَيرَ أَنَّهُ لا يَذْكُرُ "وَأَعْرَاضَكُمْ" وَلَا

ــ

السدوسي البَصْرِيّ ثِقَة من (6)(حَدَّثَنَا محمَّد بن سيرين عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة وعن رجل آخر هو في نفسي) أي قلبي وظني (أفضل) أي أفقه (من عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة) أي قال قرة بن خالد: حَدَّثني محمَّد بن عبد الرَّحْمَن وعن رجل أوثق من عبد الرَّحْمَن (ح وحدثنا محمَّد بن عمرو بن جبلة) ويقال له محمَّد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد العتكي أبو جعفر البَصْرِيّ صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (وأَحمد بن خراش) ويقال له أَحْمد بن الحسن بن خراش بكسر المعجمة البغدادي صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قالا: حَدَّثَنَا أبو عامر) العقدي (عبد الملك بن عمرو) القيسي البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا قرة) بن خالد وساق أبو عامر الحديث (بإسناد يحيى بن سعيد) القطَّان يعني عن محمَّد عن عبد الرَّحْمَن ورجل آخر عن أبي بكرة غرضه بهذا التحويل بيان متابعة أبي عامر ليحيى بن سعيد القطَّان (و) لكن (سمى) أبو عامر (الرَّجل) الذي أبهمه يحيى بن سعيد في روايته بقوله وعن رجل آخر هو في نفسي أفضل من عبد الرَّحْمَن أي سماه (حميد بن عبد الرَّحْمَن) أي سماه بأنه حميد بن عبد الرَّحْمَن الحميري البَصْرِيّ الفقيه روى عن أبي بكرة وأبي هريرة ويروي عنه (ع) وابن سيرين وقال فيه: هو أفقه أهل البصرة ثِقَة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي بكرة) رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة قرة بن خالد لعبد الله بن عون (قال) أبو بكرة:(خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى (يوم النحر فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي يوم هذا) اليوم الحاضر الذي نحن فيه (وساقوا) هذا تحريف من النساخ والصواب (وساق) أي وساق قرة بن خالد أي ذكر (الحديث بمثل حديث ابن عون غير أنَّه) أي لكن أن قرة بن خالد (لا يذكر) لفظة (وأعراضكم ولا

ص: 384

يَذْكُرُ: ثُمَّ انْكَفَأَ إلى كَبْشَينِ، وَمَا بَعْدَهُ. وَقَال في الْحَدِيثِ:"كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا. فِي شَهْرِكُمْ هذَا. في بَلَدِكُمْ هذَا إلى يوْمِ تلْقَوْنَ ربَّكمْ. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَال: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ"

ــ

يذكر) أَيضًا لفظة (ثم انكفأ إلى كبشين وما بعده) أي وما بعد قوله ثم انكفأ يعني قوله وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا (وقال) أي ذكر قرة أَيضًا (في الحديث) لفظة (كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) أي إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة هذه المذكورات إلى يوم لقاء ربكم ولقاء الله كناية عن موتهم وقال قرة أَيضًا أي ذكر لفظة (ألا هل بلغت قالوا: نعم قال: اللهم اشهد) وهذا بيان لمحل المخالفة بين قرة وابن عون.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات.

***

ص: 385