الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته
4012 -
(1554)(118) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَال: مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يَعُودَانِي، مَاشِيَانِ. فَأُغْمِيَ عَلَيَّ
ــ
583 -
(23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته
اختلف العلماء في تفسير الكلالة على أقوال: فالجمهور على أن الكلالة اسم للميت الذي لم يترك ولدًا ولا والدًا فحينئذٍ يرثه إخوته ويؤيده ظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ} لأن الكلالة هناك منصوب على الحال، والقول الثاني أنه اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد فالإخوة هم الكلالة، والقول الثالث: أنه اسم مصدر بمعنى الوراثة إذا لم يكن للميت ولد ولا والد، والقول الرابع: أنه اسم للموروث فيما إذا لم يكن للميت ولد ولا والد والأصح قول الجمهور لما ذكر.
4012 -
(1554)(118)(حدثنا عمرو بن محمد بن بكير) بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن هدير بن عبد العزى القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3)(سمع) محمد (جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (مرضت) مرضًا شديدًا أشرفت منه على الموت (فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) حالة كونهما (يعوداني) من مرضي، كذا في النسخ بإسقاط نون الوقاية وهما (ماشيان) بأرجلهما هكذا في أكثر النسخ (ماشيان) بالرفع، وفي بعضها (ماشيين) بالنصب على الحال من فاعل أتاني، والأول صحيح أيضًا لأنه خبر لمحذوف والجملة حال من فاعل أتاني أي أتاني كلاهما حالة كونهما ماشيين، وكذلك جملة يعوداني حال من فاعل أتاني أو من فاعل يعوداني وهو الظاهر لقربه وإنما أتياه ماشيين مبالغة في التواضع وفي كثرة أجر المشي لأن المشي للقرب التي لا يحتاج فيها إلى كبير مؤنة ولا نفقة أفضل من الركوب بدليل ما ذكرناه في الجمعة، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج اهـ من المفهم (فأُغمي عليّ) أي غُشي عليّ لشدة المرض وهو بضم الهمزة على البناء للمجهول، والإغماء الغشي
فَتَوَضَّأ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ. فَأَفَقْتُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟
ــ
وفرّق بينهما العيني في العمدة [1/ 838] بأن الغشي مرض يحصل من طول التعب وهو أخف من الإغماء، وفرّق بين الإغماء والجنون والنوم بأن العقل في الإغماء يكون مغلوبًا، وفي الجنون مسلوبًا، وفي النوم مستورًا (فـ) لما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم مغمى على (توضأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءًا شرعيًّا خفيفًا (ثم صب عليَّ من وضوئه) بفتح الواو يعني الماء الذي توضأ به، قال القرطبي: فيه دليل على جواز المداواة ومحاولة دفع الضرر بما تُرجى فائدته وخصوصًا بما يرجع إلى التبرك بما عظمه الله ورسوله، وفيه ظهور بركته صلى الله عليه وسلم فيما باشره أو لمسه وكم له منها وكم اهـ من المفهم.
وقد استدل به من قال بطهارة الماء المستعمل وأجاب عنه العيني في العمدة [1/ 839] بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم صب عليه من الماء الباقي في الإناء (قلت): لا حجة لهم في هذا الحديث، ولو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صب عليه ماءه المستعمل أما أولًا فلأنه يحتمل أن يكون ذلك وضوءًا على الوضوء من غير نية القربة وماؤه المستعمل طاهر بلا خلاف، وأما ثانيًا فلأنه لا يقاس الماء الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الماء الذي استعمله غيره ولما كانت فضلات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرة عند الجم الغفير من العلماء فما بالك بمائه المستعمل والله أعلم اهـ من التكملة.
(فأفقت) من إغمائي أي صحوت منه، قال القاضي عياض: فيه عيادة المغمى عليه ومن فقد عقله إذا كان معه من يحفظه من الكشف، وقيل: أما الرجل الصالح العالم الذي يُتبرك به فله ذلك وأما غيره فيكره له ذلك إلا أن يكون مع المريض من يحفظه كما ذكرناه آنفًا، وفيه بركته صلى الله عليه وسلم فيما باشر ودعا فيه اهـ. ثم (قلت: يا رسول الله كيف أقضي) وأفعل (في مالي) وأنا ذو مال وإنما يرثني كلالة، قال القرطبي: سؤال جابر هذا كان قبل نزول آية المواريث على ما يدل عليه قوله فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] لأن هذه الآية آية المواريث وكان الحكم قبل نزول هذه الآية بسؤاله وجوب الوصية للأقربين وعلى هذا فيكون معنى سؤال جابر بقوله: (كيف أقضي في مالي) أي كيف أوصي فيه وبماذا أوصي ولمن أوصي فأنزل الله تعالى بسؤاله آيات
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيئًا. حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176]
ــ
المواريث كلها عنى بها قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} فإن آيات الميراث التي هي في أوائل سورة النساء والتي تبتدئ بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} مشتملة على حكم الكلالة أيضًا فقد قال تعالى في آخرها: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ} إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} فالظاهر أن آية المواريث بأجمعها نزلت في قصة جابر وقد بينت في آخرها حكم الكلالة لتكون جوابًا عن سؤال جابر رضي الله عنه فنسخت هذه الآيات وجوب الوصية للأقربين، وأما إن كان سؤاله بعد نزول آيات المواريث أعني قوله:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الخ، فالذي نزل بسؤاله قوله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} الذي في آخر سورة النساء رقم الآية / 176، فيكون سؤاله بعد نزول يوصيكم الله وقبل نزول آية الكلالة أعني قوله:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} وهذا هو الأقرب والأنسب لقوله: إنما يرثني كلالة، وسؤاله هو الذي أراد بقوله: يستفتونك (فلم يرد عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (شيئًا) من الجواب، قال النووي: وقد يستدل بهذا الحديث من لا يجوز الاجتهاد في الأحكام للنبي صلى الله عليه وسلم والجمهور على جوازه ويؤولون هذا الحديث وشبهه على أنه لم يظهر له بالاجتهاد شيء فلهذا لم يرد عليه شيئًا رجاء أن ينزل الوحي جوابه (حتى نزلت) عليه صلى الله عليه وسلم (آية الميراث) أي ميراث الكلالة على القول الثاني يعني قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176] والصواب بيان الآية بـ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [194]، وأبو داود [2886 و 2887]، والترمذي [2098 و 3019].
(تنبيه): قوله حتى نزلت آية الميراث (يستفتونك) ظاهره أن جابرًا عيّن آية الميراث بقوله: يستفتونك وهذا ما في رواية سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر ويعارضه ما في رواية ابن جريج عن ابن المنكدر الآتية من قوله: فنزلت يعني في هذه القصة آية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} وقد رفع هذا التعارض الحافظ ابن حجر في كتاب التفسير من الفتح بأن المحفوظ عن جابر رضي الله عنه أنه قال حتى
4013 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
ــ
نزلت آية الميراث فقط ولم يفسرها بشيء وأما تفسيرها هنا بقوله: يستفتونك فزيادة مدرجة من ابن عيينة، وخالفه ابن جريج في الرواية الآتية ففسرها بقوله:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وليس هذا التعارض من قبل جابر رضي الله عنه فإنه لم يعيّن الآية التي نزلت في هذه الواقعة وإنما ذكر آية الميراث على سبيل الإجمال ثم أراد ابن عيينة وابن جريج بيان هذا الإجمال بتعيين الآية ولكنهما اختلفا في ذلك فقال ابن عيينة: إن المراد من آية الميراث آية الكلالة التي في آخر سورة النساء وهي {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} وقال ابن جريج في الرواية الآتية: إن المراد بها آية المواريث في أوائل سورة النساء وهي: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} فهذا هو الجمع بين الروايين.
وبالجملة فقد اختلف ابن عيينة وابن جريج في تعيين الآية التي قد نزلت في قصة جابر ورجح الحافظ قول ابن جريج وأن الآية التي نزلت في هذه القصة هي: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وأن سفيان بن عيينة قد وهم في تعيينها بقوله: يستفتونك لأن هذه الآية آية الكلالة وأنها من آخر ما نزل ووقعت قصة جابر قبلها، وإنما وَهِم ابن عيينة في هذا لأن جابرًا لم يكن له حينئذٍ ولد وإنما كان يورث كلالة كما بينه ابن عيينة في رواية أحمد فزعم أن المناسب بحاله آية الكلالة التي هي في آخر سورة النساء وليس الأمر كذلك فإن آيات الميراث التي هي في أوائل سورة النساء التي تبتدئ بقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} مشتملة على حكم الكلالة أيضًا فقد قال تعالى في آخرها: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَينٍ غَيرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} فالظاهر أن آيات المواريث بأجمعها نزلت في قصة جابر، وقد بينت في آخرها حكم الكلالة لتكون جوابًا عن سؤال جابر رضي الله عنه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
4013 -
(00)(00)(حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10)(حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي المصيصي، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج قال: أخبرني ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما.
قَال: عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ يَمْشِيَانِ. فَوَجَدَنِي لَا أَعْقِلُ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْتُ. فَقُلْتُ: كَيفَ أَصْنَع فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} [النساء: 11].
4014 -
(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ
ــ
وهذا السند من خماسياته. غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (قال) جابر: (عادني) أي زارني من مرضي (النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه وأنا نازل (في بني سلمة) بفتح أوله وكسر ثانيه، هم قوم جابر وهم بطن من الخزرج كذا في فتح الباري حالة كونهما (يمشيان) بأرجلهما (فوجدني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أعقل) أي لا أعرف شيئًا لإغمائي (فدعا) أي طلب (بماء) فأُتي به (فتوضأ) بذلك الماء وضوءًا شرعيًا (ثم رش) أي صب رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليّ منه) أي من ماء وضوئه (فأفقت) أي صحوت من إغمائي فعرفت الحاضرين عندي، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (كيف أصنع في مالي) وأنا ذو مال (يا رسول الله) هل أوصي كله أم بعضه (ننزلت) جوابًا لسؤالي آيات الميراث اللاتي في أوائل سورة النساء، قال ابن جريج في بيان تلك الآيات يعني جابر بتلك الآيات قوله تعالى:({يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي}) إرث ({أَوْلَادِكُمْ}) أن تعطوا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ} ) أي نصيب ({الْأُنْثَيَينِ}) إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} ورواية ابن جريج هذه في بيان الآية هي الصحيحة ورواية ابن عيينة السابقة منه هي وهم كما قاله الحافظ ابن حجر.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
4014 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10)(حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (قال) سفيان:(سمعت محمد بن المنكدر قال) محمدة (سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الثوري لابن عيينة وابن
يَقُولُ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَاشِيَينِ. فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ. فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَي شَيئًا، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ.
4015 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ. فَتَوَضَّأَ. فَصَبُّوا عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ. فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلالةٌ. فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ
ــ
جريج (يقول: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض ومعه أبو بكر) الصديق رضي الله عنه حالة كونهما (ماشيين فوجدني قد أُغمي على) لشدة مرضي (فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب) ورش (عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وضوئه فأفقت) أي حصلت لي الإفاقة من الإغماء (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر، وإذا فجائية أي ففاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله كيف أصنع في مالي) أأتركه على حاله أم أوصيه (فلم يرد على) رسول الله صلى الله عليه وسلم (شيئًا) من الجواب انتظارًا للوحي (حتى نزلت آية الميراث) يعني قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
4015 -
(00)(00)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لمن روى عن ابن المنكدر (يقول: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل) شيئًا (فتوضأ) صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة (فصبوا عليّ من وضوئه) أي من الماء الذي توضأ به (فعقلت) أي فعرفت كل شيء (فقلت: يا رسول الله إنما يرثني كلالة) بفتح الكاف أي من ليس ولدًا ولا والدًا، أفأوصي مالي أم أتركه لهم (فنزلت) في جواب سؤالي (آية الميراث) وبهذا استدل من قال: إن الكلالة اسم للوارث
فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176]؟ قَال: هكَذَا أُنْزِلَتْ.
4016 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. كُلُّهُمْ
ــ
دون الموروث وهو من ليس والدًا ولا ولدًا والمراد بالكلالة هنا: أخوات جابر كما رواه أبو داود والبيهقي، قالوا: والكلالة اسم يقع على الوارث وعلى الموروث فإن وقع على الوارث كما هنا فهم من سوى الوالد والولد وإن وقع على الموروث فهو من مات ولا يرثه أحد الأبوين ولا أحد الأولاد، قال يزيد بن الحكم الثقفي في قصيدة وعظ بها ابنه بدرًا على ما ذكر في باب الأدب من ديوان الحماسة:
والمرء يبخل في الحقوق
…
وللكلالة ما يسيم
قال الراغب: وإنما خص للكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد اهـ والإسامة إخراج المال إلى المرعى، يقال: أسمت البعير فسام وهو سائم قال تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} اهـ من بعض الهوامش.
قال شعبة بالسند السابق: (فقلت لمحمد بن المنكدر) قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} ) هكذا أنزلت في سؤال جابر فـ (قال) لي محمد بن المنكدر: نعم (هكذا أنزلت) في سؤال جابر ظاهره أن محمد بن المنكدر صدّق شعبة في أن الآية التي نزلت في قصة جابر هي {يَسْتَفْتُونَكَ} الآية، وهو يؤيد قول ابن عيينة، والحق أنه هو الراجح ويمكن أيضًا أن يكون ابن المنكدر غير جازم بتعيين الآية النازلة في هذه القصة فقال: هكذا أنزلت يعني أن الآية هكذا والظاهر أنها نزلت في قصة جابر ولكني لا أتيقن به اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
4016 -
(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، ثقة، من (9)(وأبو عامر العقدي) عبد الملك بن عمرو القيسي البصري، ثقة، من (9)(ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) ابن حازم بن زيد الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9)(كلهم) أي كل هؤلاء
عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. وَفِي حَدِيثِ النَّضْرِ وَالْعَقَدِيِّ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرْضِ. وَلَيسَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلُ شُعْبَةَ لابْنِ الْمُنْكَدِرِ.
4017 -
(1555)(119) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ
ــ
الثلاثة أعني النضر بن شميل وأبا عامر ووهب بن جرير رووا (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المنكدر عن جابر، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لبهز بن أسد العمي ولكن (في حديث وهب بن جرير) وفي روايته لفظة (فنزلت آية الفرائض، وفي حديث النضر و) أبي عامر (العقدي) لفظة (فنزلت آية الفرض وليس في رواية أحد منهم) أي من هؤلاء الثلاثة (قول شعبة) وسؤاله (لـ) محمد (ابن المنكدر) كما ذكره في رواية بهز بن أسد عن شعبة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال:
4017 -
(1555)(119)(حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) نسبة إلى جده المذكور مقدم بوزن محمد أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (ومحمد بن المثنى) البصري (واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان، ثقة، من (9)(حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو معاذ البصري (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3)(عن معدان بن أبي طلحة) الكناني اليعمري بفتحتين بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى يعمر بطن من كنانة كما في اللباب الشامي، ثقة، من (2)(أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (خطب) الناس. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد شامي وواحد كوفي، قد مر تمام هذه الخطبة في كتاب المساجد باب نهي من أكل ثومًا أو بصلًا، وقد أورد المصنف ها هنا ما يتعلق بالكلالة فقط وأخرجها أيضًا بتمامها أحمد في مسنده [1 /
يَوْمَ جُمُعَةٍ. فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ أَبَا بَكرٍ. ثُمَّ قَال: إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلالةِ. مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلالةِ. وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ
ــ
15 و 27 و 48] وأخرج قطعة الكلالة منه ابن ماجه في الفرائض باب الكلالة (يوم جمعة) وكانت آخر جمعة من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه لما أخرجه أحمد في مسنده [1/ 48، من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في آخر هذه الخطبة فخطب بها عمر رضي الله عنه يوم الجمعة وأُصيب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة. (فذكر) عمر في خطبته (نبي الله صلى الله عليه وسلم أي بعض سيرته وأخلاقه ونصيحته للأمة (وذكر) أيضًا (أبا بكر) الصديق رضي الله عنه أي اجتهاده في نصيحته للأمة وبذله جهده في حفظ البيضة والسنة (ثم قال) عمر: هذا ما عليه شرح النووي وإلا فأكثر النسخ بتقديم قال علي ثم (إني لا أدع) ولا أترك (بعدي) أي بعد وفاتي (شيئًا أهم عندي) أي شيئًا أشد اهتمامًا به عندي واعتناء ببيانه (من) بيان حكم (الكلالة) وإرثها وحقيقتها والله (ما راجعت) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم في) بيان (شيء) من أمور الدين (ما راجعته) أي مثل ما راجعته صلى الله عليه وسلم (في) شأن (الكلالة) فما الأولى نافية والثانية: مصدرية أي مثل مراجعتي فيها وكذا الكلام في قوله: (وما أغلظ لي) أي ما شدد إغلاظًا عليّ وتعنيفًا لي (في شيء) من المسائل (ما أغلظ لي فيه) أي في حكم الكلالة أي مثل ما أغلظ لي وشدد عليّ فيها والإغلاظ في القول التعنيف فيه، وقوله:(ما أغلظ لي فيه) هكذا جاء هذا الضمير مذكرًا وقبله الكلالة وحقه أن يكون مؤنثًا لكنه لما كان السؤال عن حكم الكلالة أعاده مذكرًا على الحكم المراد كما قررناه في حلنا اهـ من المفهم، ولفظ ابن ماجه هنا (إني والله ما أدع بعدي شيئًا هو أهم إليّ من أمر الكلالة وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن بأصبعه في جنبي أو في صدري ثم قال يا عمر تكفيك) الخ وفي سنن ابن ماجه (قال عمر بن الخطاب: ثلاث لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إليّ من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة) اهـ قال النووي رحمه الله تعالى: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحًا وتركهم الاستنباط من النصوص، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي
حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي. وَقَال: "يَا عُمَرُ، أَلا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟ " وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ، يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
ــ
الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة فإذا أُهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله تعالى أعلم اهـ فقد أغلظ عليّ في الكلالة وعنفني في ترك الاستنباط فيها (حتى طعن بإصبعه في صدري) وهذا الطعن مبالغة في الحث على النظر والبحث وأن لا يرجع إلى السؤال عنها مع التمكن من البحث والاستدلال ليحصل على رتبة الاجتهاد ولينال أجر من طلب فأصاب الحكم ووافق المراد اهـ من المفهم (وقال يا عمر) أي ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تسألني عن الكلالة وتركت البحث عنها و (لا تكفيك) في بيان معنى آية الكلالة الأولى التي في أوائل سورة النساء (آية الصيف) بالرفع فاعل تكفيك أي ألا تكفيك في بيان الأول الآية الثانية التي نزلت وقت الصيف والحر (التي في آخر سورة النساء) وهي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} يعني بها آخر سورة النساء فإنها نزلت في الصيف وإنما أحاله على النظر في هذه الآية لأنه إذا أمعن النظر فيها علم أنها مخالفة للآية الأولى في الورثة وفي القسمة فيتبين من كل آية معناها ويرتب عليها حكمها فيزول الإشكال والله يعصم من الخطإ والضلال اهـ من المفهم، وهذا الحديث دل على أن آخر آية من سورة النساء نزلت في فصل الصيف، وقد ذكر يحيى بن آدم بلاغًا أنها نزلت في الصيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى مكة، راجع أحكام القرآن للجصاص [2/ 105] وقال الخطابي في معالم السنن [4/ 162] فإن الله سبحانه أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي نزلت في أوائل سورة النساء وفيها إجمال وإبهام ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف وهي التي في آخر سورة النساء وفيها من زيادة البيان ما ليس في آية الشتاء اهـ.
ثم قال عمر رضي الله عنه (وإني) لـ (إن أعش) في الدنيا ولم أمت وطالت بي الحياة (أقض) أي أحكم (فيها) أي في الكلالة (بقضية) واضحة وحكمًا بينًا ظاهرًا (يقضي) ويحكم (بها) أي بتلك القضية (من يقرأ القرآن) ويعرف معانيه (ومن لا يقرأ القرآن) ولا يعرف معانيه، وفي رواية همام بن يحيى عن قتادة عند أحمد [1/ 15]
4018 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ شُعْبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ
ــ
فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ أو من لا يقرأ، وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عنده أيضًا [1/ 48] أقضي فيها قضية لا يختلف فيها أحد يقرأ القرآن أو لا يقرأ القرآن ومفاد هذه الروايات جميعًا أني سوف أقضي في الكلالة بقضية يعرفها كل عالم وجاهل ولا يختلف فيها اهـ.
وإنما آخر القضاء فيها لأنه لم يظهر له في ذلك الوقت ظهورًا يحكم به فأخّره حتى يتم اجتهاده فيه ويستوفي نظره ويتقرر عنده حكمه ثم يقضي به ويشيعه فيما بين الناس قاله النووي.
ولعل الإشكال الذي قصد عمر حله أن الآية الأولى تدل بظاهرها على أن أخت الكلالة تحوز السدس والثانية تدل على أنها تحوز النصف فحصل التعارض بين الآيتين فيجمع بينهما بأن الآية الأولى إنما بينت نصيب الأخ أو الأخت إذا كانا من أم فقط وبينت الثانية حكم الإخوة والأخوات إذا كانوا أشقاء أو كانوا من أب فقط، وقد انعقد الإجماع على أن الآية الأولى في حق الإخوة والأخوات من الأم فقط وليست في حق الأشقاء أو في بني العلات والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [1/ 28].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
4018 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (عن سعيد بن أبي عروبة ح وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري جميعًا (عن شبابة بن سوار) الفزاري أبي عمرو المدائني، ثقة، من (9)(عن شعبة) بن الحجاج (كلاهما) أي كل من سعيد بن أبي عروبة وشعبة بن الحجاج رويا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن سالم بن معدان عن عمر (نحوه) أي نحو ما روى هشام الدستوائي عن قتادة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سعيد وشعبة لهشام الدستوائي.
4019 -
(1556)(120) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَال: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلتْ مِنَ الْقُرْآنِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176]
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بأثر البراء بن عازب رضي الله عنهما فقال:
4019 -
(1556)(120)(حدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (أخبرنا وكيع) بن الجراح (عن) إسماعيل (بن أبي خالد) سعد أو هرمز البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4)(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (3)(عن البراء) بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي، الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن خشرم فإنه مروزي (قال) البراء:(آخر آية أُنزلت من القرآن {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ}) قال القرطبي: اختلف في آخر آية أنزلت على أقوال كثيرة فقيل ما قال البراء، وقال ابن عباس آخرها:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وقيل آخرها: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] وقيل غير ذلك والتلفيق بينها أن يقال: إن آية الكلالة آخر ما نزل من آيات المواريث وآخر آية نزلت في المحرمات: {قُلْ لَا أَجِدُ} والظاهر أن آخر الآيات نزولًا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لأن الكمال لما حصل لم يبق بعده ما يزاد والله أعلم، وأما قوله آخر سورة نزلت براءة فقد فسر مراده بقوله في الرواية الأخرى: أنزلت كاملة ومع ذلك فقد قيل: إن آخر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] وكانت تسمى سورة التوديع وقد اختلف في وقت نزولها على أقوال أشبهها قول ابن عمر إنها نزلت في حجة الوداع ثم نزلت بعدها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فعاش بعدها ثمانين يومًا ثم نزلت بعدها آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يومًا ثم نزل بعدها {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا ثم نزلت بعدها {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا، وقال مقاتل: سبعة أيام والله تعالى أعلم، ذكر هذا الترتيب أبو الفضل محمد بن يزيد بن طيفور الغزنوي في كتابه المسمى بـ (عيون معاني التفسير) اهـ من المفهم.
4020 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ، آيَةُ الْكَلالةِ. وَآخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ، بَرَاءَةُ.
4021 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (وَهُوَ ابْنُ يُونسَ). حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ تَامَّةً سُورَةُ التَّوْبَةِ. وَأَنَ آخِرَ آيَةِ أُنْزِلَتْ آيَةُ الْكَلالةِ.
4022 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري [4654]، والترمذي [3044 و 3045].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر البراء رضي الله عنه فقال:
4020 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي إسحاق) السبيعي (قال) أبو إسحاق (سمعت البراء بن عازب) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لإسماعيل بن أبي خالد حالة كون البراء (يقول: آخر آية أُنزلت) من آيات المواريث (آية الكلالة) التي في آخر سورة النساء (وآخر سورة أنزلت) كاملة كما هو مصرح به في الرواية الآتية (براءة) أي سورة تسمى براءة.
ثم ذكر رحمه الله المتابعة ثانيًا في هذا الأثر فقال:
4021 -
(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى وهو ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون بن فيروز الهمداني الكوفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لشعبة بن الحجاج (أن آخر سورة أُنزلت تامة) أي كاملة (سورة التوبة وأن آخر آية أُنزلت) من آيات المواريث (آية الكلالة) التي في آخر سورة النساء.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في أثر البراء رضي الله عنه فقال:
4022 -
(00)(00)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا
يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ آدَمَ). حَدَّثَنَا عَمَّارٌ (وَهُوَ ابْنُ رُزيقٍ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَت كَامِلَةً.
4023 -
(00)(00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَال: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ} .
4024 -
(1557)(121) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا
ــ
يحيى يعني ابن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9)(حدثنا عمار وهو ابن رزيق) بتقديم الراء على الزاي مصغرًا الضبي أو التميمي أبو الأحوص الكوفي، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: من (8) لا بأس به (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما، غرضه بيان متابعة عمار بن رزيق لزكرياء بن أبي زائدة وساق ابن رزيق (بمثله) أي بمثل ما حدّث زكرياء بن أبي زائدة (غير أنه) أي لكن أن عمارًا (قال) في روايته:(آخر سورة أُنزلت كاملة) بدل تامة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في أثر البراء رضي الله عنه فقال:
4023 -
(00)(00)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي (الزبيري) مولاهم الكوفي، ثقة، من (9)(حدثنا مالك بن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه المعجم وفتح الواو البجلي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (7)(عن أبي السّفر) بفتحتين سعيد بن يُحمد بضم التحتانية وكسر الميم الهمداني الثوري الكوفي، روى عن البراء في الفرائض، وابن عباس وأبي الدرداء مرسلًا، ويروي عنه (ع) ومالك بن مغول والأعمش وشعبة وغيرهم، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (112) اثنتي عشرة ومائة (عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي السّفر لأبي إسحاق السبيعي (قال) البراء:(آخر آية أُنزلت) من آيات المواريث آية ({يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} .
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4024 -
(1557)(121)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا) عبد الله بن سعيد بن
أَبُو صَفْوَانَ الأُمَويُّ، عَنْ يُونُسَ الأيلِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ، عَلَيهِ الدَّينُ. فَيَسْأَلُ:"هَلْ تَركَ لِدَينِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟ " فَإِنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفَاء صَلَّى عَلَيهِ. وَإِلَّا قَال: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"
ــ
عبد الملك بن مروان (أبو صفوان الأموي) الدمشقي، ثقة، من (9) (عن يونس) بن يزيد الأموي مولاهم (الأيلي ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ له قال: أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت) وكذا المرأة (عليه الدين فيسأل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاربه (هل ترك) هذا الميت المديون (لدينه) الذي عليه (من قضاء) أي مالًا يقضي به ذلك الدين عنه (فإن حُدّث) أي أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) أي أن ذلك الميت (ترك) لدينه (وفاءً) أي ما يُوفى به ذلك الدين (صلى عليه) أي صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت الذي ترك وفاءً صلاة الجنازة (وإلا) أي وإن لم يُحدّث أنه ترك وفاءً (قال) لمن عنده (صلوا على صاحبكم) صلاة الجنازة، فيه الأمر بصلاة الجنازة وهي فرض كفاية كما في النووي يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان في أول الأمر لا يُصلي على ميت عليه دين لا وفاء له فلما فتح الله عليه الفتوح والغنائم صار يصلي عليه ويقضي دين من لم يُخْلِف له وفاءً، قال النووي: إنما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى براءتهم عنه لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم اهـ نووي. قال القرطبي: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الميت هل عليه دين أو لا وامتناعه من الصلاة على من مات وعليه دين ولم يترك وفاءً إشعار بصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي أن يتحمله الإنسان إلا من ضرورة وأنه إذا أخذه فلا ينبغي أن يتراخى في أدائه إذا تمكن منه وذلك لما قدمناه من أن الدين شين، الدين همٌّ بالليل ومذلة بالنهار، وإخافة للنفوس بل وإرقاق لها وكان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ليرتدع من يتساهل في أخذ الدين حتى لا تتشوش أوقاتهم عند المطالبة وكان
فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ الْفُتُوحَ قَال: "أَنا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيهِ دَينٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ"
ــ
هذا كله في أول الإسلام، وقد حُكي أن الحر كان يُباع في الدين في ذلك الوقت كما قد رواه البزار من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له سُرّق، ثم نُسخ ذلك كله بقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} [البقرة: 280] اهـ من المفهم.
(فلما فتح الله) تعالى (عليه) صلى الله عليه وسلم (الفتوح) والغنائم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى) وأحق (بالمؤمنين) أي برعاية مصالحهم في الدين والدنيا والآخرة (من أنفسهم) وأعلم بمضارهم ومنافعهم (فمن توفي) بالبناء للمجهول أي مات منهم (وعليه دين) سواء كان لله أو لآدمي (فعليّ قضاؤه) أي أداء ذلك الدين عنه، وكان ذلك من خالص ماله، وقيل من بيت المال قاله الكرماني (ومن ترك مالًا) قل أو كثر (فهو) أي فذلك المال مقسوم (لورثته) لا حظ لي فيه.
قال القرطبي: قوله: (وعليه دين) يعم الديون كلها ولو افترق الحال لتعين التنويع أو السؤال ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تبرع بالتزام ذلك على مقتضى كرم أخلاقه لا أنه أمر واجب عليه، وقال بعض أهل العلم: بل يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال: فعليّ قضاؤه ولأن الميت الذي عليه الدين يخاف أن يُعذّب في قبره على ذلك الدين كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث دُعي ليصلي على ميت فأُخبر أن عليه دينًا ولم يترك وفاءً فقال: "صلوا على صاحبكم" فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعليّ دينه فصلى عليه ثم قال له: "قم فأده عنه" فلما أدى عنه، قال صلى الله عليه وسلم:"الآن حين برُدت عليه جلدته" رواه أحمد [3/ 230]، والبيهقي [6/ 74 و 75]، والحاكم [2/ 58] وكما كان على الإمام أن يسد رمقه ويراعي مصلحته الدنيوية كان أحرى وأولى أن يسعى فيما يُرفع عنه به العذاب الأخروي اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 290]، والبخاري [2398]، وأبو داود [2955]، والنسائي [4/ 66]، وابن ماجه [2415].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4025 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيُّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، هذَا الْحَدِيثَ.
4026 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. قَال: حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،
ــ
4025 -
(00)(00)(حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11)(حدثني أبي) شعيب، ثقة، من (10)(عن جدي) ليث بن سعد، ثقة، من (7)(حدثني عقيل) بن خالد بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم أبو خالد المصري، ثقة، من (6)(ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري أبو يوسف المدني، ثقة، من (9)(حدثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (6) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي المدني، ثقة، من (7)(كلهم) أي كل من عقيل ومحمد بن عبد الله وابن أبي ذئب رووا (عن الزهري) محمد بن مسلم (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة (هذا الحديث) الذي رواه يونس بن يزيد عن الزهري بمثله، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليونس بن يزيد، وفائدتها تقوية السند الأول.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4026 -
(00)(00)(حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9)(قال) شبابة (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، صدوق، من (7)(عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (5)(عن الأعرج)
عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَال:"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنٍ إلا أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ. فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلاهُ. وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالًا فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ"
ــ
عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأسانيد الأول منها من سباعياته والثاني والثالث منها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي) أي وأقسمت بالإله الذي (نفس محمد) وروحه، فيه التفات (بيده) المقدسة (أن) نافية بمعنى ما أي ما (على الأرض من مؤمن) من زائدة لتأكيد العموم أي ما مؤمن على الأرض في مشارقها ومغاربها (إلا أنا أولى الناس) وأحقهم (به) أي برعاية مصالحه الدينية والدنيوية، و (ما) في قوله:(فأيكم ما ترك) زائدة؛ أي فأيكم ترك (دينًا أو ضياعًا) والضياع بفتح الضاد وكذا الضيعة في الرواية التالية مصدر وُصف به أي أولادًا أو عيالًا ذوي ضياع يعني لا شيء لهم من مال أو كسب، قال في النهاية: وإن كُسرت الضاد كان ضياع جمع ضائع كجياع جمع جائع اهـ (فأنا مولاه) أي وليه وناصره.
قال القرطبي: (والمولى) الذي يتولى أمور الرجل بالإصلاح والمعونة على الخير والنصر على الأعداء وسد الفاقات ورفع الحاجات، وهذا دليل على أن بيت مال المسلمين يتكفل بحاجات كل من يعجز عن الكسب وليس له من أقاربه من يقوم بأمره، وقال محمد بن الحسن الشيباني: فعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف فلا يدع فقيرًا إلا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وإن احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شيء أعطى الإمام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج ولا يكون ذلك دينًا على بيت مال الصدقة لما بينا أن الخراج وما في معناه يصرف إلى حاجة المسلمين ذكره السرخسي في المبسوط [3/ 18].
(وأيكم ترك مالًا فإلى العصبة من كان) أي فراجع إلى من كان ووجد من عصبته وأقاربه قليلًا كانوا أو كثيرين بعداء كانوا أو أقرباء، قال القرطبي: يعني إذا لم يكن معه ذو سهم أو فضل شيء عن ذوي السهام، ورواية من رواه فهو لورثته أتقن اهـ من المفهم.
4527 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل. فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيعَة فَادْعُونِي. فَأَنَا وَلِيُّهُ. وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُؤْثَرْ بِمَالِهِ عَصَبَتُهُ. مَنْ كَانَ".
4528 -
(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثنَا أَبِي
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4027 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم هو (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن) محمد (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام في إملائه (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث وهذه الواو عاطفة على مقدر مسوق لبيان تلك الأحاديث كما قدرنا في حلنا. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام للأعرج أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس) أي أحقهم (بالمؤمنين) أي بموالاة المؤمنين ومناصرتهم وبمراعاة مصالحهم من أنفسهم (في كتاب الله عز وجل أي في دين الله تعالى وشرعه أو في كتابه المنزّل علي، يشير إلى قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (فأيكم ما ترك) أي فأيكم ترك (دينًا) لا وفاء له (أو) ترك (ضيعة) أي عيالًا ضائعين لا كافل لهم (فادعوني) إلى قضاء دينه أو إلى إنفاق عياله (فأنا وليه) أي متولي أموره بقضاء دينه أو إنفاق عياله (وأيكم ما ترك) أي أيكم ترك (مالًا فليؤثر) بالبناء المجهول أي فليختر (بماله) وليختص به (عصبته) أي ورثته كائنًا (من كان) أي سواء كان من أهل الفروض أو من العصبات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4028 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي)
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَال:"مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَرَثَةِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَينَا".
4029 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ غُنْدَرٍ:"وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا وَلِيتُهُ"
ــ
معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عدي) بن ثابت الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4)(أنه سمع أبا حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لمن روى عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ترك مالًا فـ) ماله مقسوم (للورثة ومن ترك كلًّا) أي عيالًا ضائعين (فإلينا) أي فأمورهم مفوضة إلينا بإنفاقهم ورعاية مصالحهم الدينية والدنيوية، والكل بفتح الكاف وهو في صحيح البخاري مفسرًا بالعيال، وقيل الكل بفتح الكاف ما يتحمله الإنسان مما يشق عليه ويثقله فكأنه قد كل تحته لثقله كلالًا، وفي رواية كما مر ضياعًا بدل كلًّا، والضياع في الأصل مصدر ضاع ثم جعل اسمًا لكل ما هو بصدد أن يضيع من عيال وبنين لا كافل لهم ومال لا قيّم له، وسُميت الأرض ضيعة لأنها معرضة للضياع وتُجمع ضياعًا بكسر الضاد اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4029 -
(00)(00)(وحدثنيه أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (قالا): أي قال كل من عبد الرحمن وغندر (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن أبي حازم عن أبي هريرة مثل حديث معاذ بن معاذ، غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (غير أن) أي لكن أن (في حديث غندر ومن ترك كلًّا وليته) أي وليت ذلك الكل أي كنت وليًّا له قائمًا بأموره والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث جابر بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث البراء ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.
***