المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌598 - (38) باب القسامة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌598 - (38) باب القسامة

‌598 - (38) باب القسامة

4209 -

(1614)(177) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ

ــ

598 -

(38) باب القسامة

ولو قدم هذا الباب إلى ما بعد أبواب الأيمان لأنها نوع منها أو آخره إلى ما بعد أبواب الديات لأنها توجب الدية لكان أنسب وأقعد لاصطلاح أهل الفروع والقسامة لغة اسم مصدر لأقسم الرباعي مأخوذة من القسم بفتح القاف فيهما وهو اليمين لكن القسم يطلق على اليمين الواحد وأما القسامة فهي خاصة بالأيمان الخمسين بشرط كونها من جانب المدعى ابتداء بأن كان هناك لوث وحلف المدعي خمسين يمينًا بخلاف ما لو كانت من جانب المدعى عليه ابتداء بأن لم يكن هناك لوث وحلف المدعى عليه فلا تسمى قسامة وإن كانت خمسين يمينًا على المعتمد خلافًا للبلقيني وكذا لو ردَّها المدعى عليه حينئذٍ على المدعي فحلف خمسين يمينًا فلا تسمى قسامة أيضًا لأنها وإن كانت من جانب المدعى لكنها ليست من جانب المدعي ابتداء بل ردًّا ومثل ذلك ما لو كانت من جانب المدعي ابتداءً بأن كان هناك لوث وردَّها حينئذٍ على المدعى عليه فحلف خمسين يمينًا أو نكل وردها مرة ثانية على المدعي وليس لنا يمين ترد مرتين إلا هذه وعلم من ذلك أن أيمان الدماء ولو من المدعى عليه وإن كانت مردودة خمسون وكذا لو كانت مع شاهد أو في قطع طرف أو إزالة معنى فهي خمسون بخلاف الأموال ونحوها فاليمين فيها واحدة اهـ من البيجوري على الغزي وشرعًا أيمان خمسون موزعة على أولياء الدم عند ظهور قتيل لم يعلم قاتله مع وجود لوث تدل على أن المدعى عليه قتله وهي حجة إقناعية لا أصلية توجب الدية لا القصاص على الأصح ولها سابقية في الجاهلية تثبت القصاص عندهم وسيأتي الكلام في أوائلها وحدودها مبسوطًا في أواخر هذا الباب إن شاء الله تعالى.

4209 -

(1614)(177)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن بشير) مصغرًا (بن يسار) الأنصاري الحارثي مولاهم أبي كيسان المدني ثقة، من (3)(عن سهل بن أبي حثمة) بفتحتين بينهما مثلثة ساكنة اسمه عبد الله بن ساعدة بن عامر بن ساعدة الأنصاري

ص: 301

(قَال يَحْيَى: وَحَسِبْتُ قَال) وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ. حَتَّى إِذَا كَانَا بخَيبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ. ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا. فَدَفَنَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَحُوَيِّصَةُ

ــ

الخزرجي الصحابي الصغير ولد سنة (3) من الهجرة رضي الله عنه (قال يحيى: وحسبت) أي ظننت أن بشير بن يسار (قال): أي ذكر مع قوله عن سهل بن أبي حثمة لفظة (وعن رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (أنهما) أي أن سهلًا ورافعًا (قالا: خرج) من المدينة (عبد الله بن سهل بن زيد و) ابن عمه (محيصة) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الياء المكسورة (بن مسعود بن زيد) الأنصاريان الحارثيان إلى خيبر من جهد أصابهما كما في سنن النسائي في رواية لمسلم من جهد أصابهم ووقع في رواية ابن إسحاق خرجا إلى خيبر يمتارون تمرًا ذكره الحافظ في ترجمة عبد الله بن سهل من الإصابة [2/ 314] ووقعت هذه الواقعة بعد فتح خيبر وهو المراد بقول الراوي في رواية آتية (وهي يومئذٍ صلح) كما صرح به الحافظ في الفتح [12/ 233].

(حتى إذا كانا) ووجدا (بخيبر) ودخلا فيها (تفرَّقا) أي تفرق عبد الله بن سهل ومحيصة أي افترقا (في بعض ما) أي في بعض زقاق كان (هنالك) أي في خيبر أو في بعض نخيل كانت هنالك أي في خيبر أي ذهب أحدهما إلى موضع والآخر إلى موضع آخر (ثم) بعد تفرقهما (إذا محيصة يجد) أي وجد ورأى (عبد الله بن سهل قتيلًا) مرميًا في حفرة أي ثم بعد افتراقهما وتفقد أحدهما الآخر فاجأ محيصة رؤية عبد الله مقتولًا مرميًا فإذا فجائية وسيأتي في رواية سليمان بن بلال أنه وجده مقتولًا في شربة أي في حوض في أصل النخلة وفي رواية أبي ليلى أنه قتل وطرح في عين أو فقير ووقع في رواية ابن إسحاق المذكورة في الإصابة فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها ووقع في رواية لبشر بن المفضل عند البخاري في الجهاد فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلًا أي يضطرب فيتمرغ في دمه (فدفنه) أي فدفن محيصة عبد الله هناك (ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -هو) أي محيصة (وحويصة) بضم الحاء

ص: 302

بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَهْلٍ. وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ. فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيهِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَبِّرْ"(الْكُبْرَ فِي السِّنِّ)

ــ

وفتح الواو وكسر الياء المشددة على صيغة المصغر أي وأخوه حويصة (بن مسعود) وهما ولدا عم المقتول كما يفهم من الرواية التالية (وعبد الرحمن بن سهل) وهو أخو عبد الله المقتول والظاهر أنهما التحقا بمحيصة حين عاد إلى المدينة فجاؤوا ثلاثة مجتمعين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتكلموا في شأن قتيلهم (وكان) عبد الرحمن الذي هو أقرب أولياء القتيل (أصغر القوم) الثلاثة سنًّا (فذهب) أي قصد وشرع (عبد الرحمن) أخو القتيل (ليتكلم) ويخبر بتلك الواقعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قبل) تكلم (صاحبيه) حويصة ومحيصة وإنما شرع في التكلم قبل صاحبيه لكونه أولى بالمقتول منهما لأنه كان شقيقه والآخران ابنا عم له (فقال له) أي لعبد الرحمن (رسول الله صلى الله عليه وسلم كبِّر) أي قدم الأكبر منك في الكلام يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله كبِّر (الكبر في السن) فهو منصوب بإضمار يريد ونحوه قال النووي معنى هذا الكلام أن المقتول هو عبد الله بن سهل وله أخ اسمه عبد الرحمن ولهما ابنا عم وهما محيصة وحويصة وهما أكبر سنًّا من عبد الرحمن فلما أراد عبد الرحمن أخو القتيل أن يتكلم قبل صاحبيه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر أي ليتكلم أكبر منك يريد بذلك من كان كبير السن وهو هما واعلم أن حقيقة الدعوى هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم الأكبر وهو حويصة لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى بل سماع صورة القصة وكيف جرت فإذا أراد حقيقة الدعوى تكلم صاحبها وهو عبد الرحمن اهـ وقوله: كبر هو صيغة أمر من التكبير وأما الكبر فيحتمل وجهين: الأول أن يكون بكسر الكاف وفتح الباء على وزن عنب وعليه فقوله قد انتهى على قوله كبِّر ثم فسره بقوله الكبر في السن يعني يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر في السن فالكبر منصوب بفعل محذوف وهو يريد أو يعني وهذا هو الوجه الذي اختاره النووي في شرحه والاحتمال الثاني أن يكون الكبر بضم الكاف وسكون الباء بمعنى الأكبر يقال هو كبرهم أي أكبرهم وفلان كبر قومه يعني أنه أقعدهم في النسب إلى جدهم بآباء أقل عددًا من غيره كما في تاج العروس وعليه فهو من جملة كلام النبي صلى الله عليه وسلم على

ص: 303

فَصَمَتَ. فَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ. وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا. فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ. فَقَال لَهُمْ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ؟ "(أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَالُوا: وَكَيفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟

ــ

أنه مفعول لقوله: كبر يعني أعط الأكبر حق كبره والتكبير والاستكبار أن يرى الرجل الآخر كبيرًا ويعظمه وذكر ابن الأثير في جامع الأصول أن الكبر بالضم جمع الأكبر فالمراد حينئذٍ بيان قاعدة كلية يعني أعط الكبراء حقهم بتقديمهم وتعظيمهم ووقع في رواية سعيد بن عبيد عند البخاري في الديات الكبر الكبر بضم الكاف والتكرار والنصب فيهما على الإغراء وفي رواية بشر بن المفضل عند البخاري في الجهاد كبر كبر بتكرار صيغة الأمر وسيأتي في رواية حماد بن زيد عند المصنف ليبدإ الأكبر وهو مفسر وقوله: (في السن) هو مقحم من الراوي للتفسير على الوجوه كلها وسيأتي في رواية أبي ليلى يريد السن وهو صريح في الإقحام اهـ تكملة (فصمت) أي سكت عبد الرحمن (فتكلم صاحباه) محيصة وحويصة (وتكلم معهما) بعدما تكلما (فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل) أي مكان قتله أو زمانه أو قتله لأن مفعلًا يصلح للثلاثة في باب نصر (فقال لهم: أتحلفون خمسين يمينًا) على أن اليهود قتلوه بهمزة الاستفهام التقريري قال النووي قوله: (أتحلفون خمسين يمينًا) إلخ (فإن قلت): كيف عرضت اليمين على الثلاثة وإنما تكون للوارث خاصة والوارث عبد الرحمن خاصة وهو أخو القتيل وأما الآخران فابنا عم لا ميراث لهما مع الأخ (قلت): إنه كان معلومًا عندهم أن اليمين تختص بالوارث فأطلق الخطاب لهم والمراد من تختص به اليمين واحتمل ذلك لكونه معلومًا للمخاطبين كما سمع كلام الجميع في صورة قتله وكيفية ما جرى له وإن كانت حقيقة الدعوى وقت الحاجة مختصة بالوارث اهـ (فتستحقون صاحبكم) أي بدل صاحبكم يعني تستحقون القصاص أو الدية من القاتل على اختلاف أقوال الفقهاء في ذلك (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتلكم) أي قاتل قتيلكم والشك من الراوي فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (قالوا): أي قال الثلاثة: الإخوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وكيف نحلف) يا رسول الله على أنهم قتلوه (ولم نشهد) من قتله.

قوله: (أتحلفون خمسين يمينًا) ووقع في رواية سعيد بن عبيد عند البخاري في الديات (تأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا من بينة) وليس فيه ذكر تحليفهم وجمع بينهما النسائي [2/ 237] في روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه (فقال

ص: 304

قَال: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ " قَالُوا: وَكَيفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى عَقْلَهُ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليك برمته قال: يا رسول الله من أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلًا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة) إلخ وقوله: (أتحلفون) أيضًا أطلق الخطاب لهم والمراد من تختص به اليمين وهو الأخ الوارث كما في النووي قال ملا علي: هذا إنما كان على طريق الإفتاء في المسألة لا بطريق الحكم لعدم حضور الخصم حينئذٍ وإلا فابتداء اليمين في القسامة بالمدعى عليه على مقتضى سائر الدعاوي فشرعية اليمين إنما هي للبراءة فأوضح الروايات ما في سنن أبي داود من قوله صلى الله عليه وسلم لهم: لكم شاهدان يشهدان على قاتل صاحبكم قالوا: يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هي يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا قال: فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم وفي قسامة البخاري فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله قالوا: مالنا بينة قال: فيحلفون قوله: (فتستحقون صاحبكم) وفي سنن ابن ماجه (دم صاحبكم) يعني بدل دمه وهو الدية وفي رواية البخاري: (أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم)(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا) يحتمل أن يكون تبرئكم بتخفيف الراء من الإبراء ويحتمل أن يكون بتشديدها من التبرئة والمعنى أن اليهود يخلصونكم من الأيمان بأن تحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم من الأيمان وفيه البداءة بالمدعى عليهم اهـ من الإرشاد ويهود مرفوع على الفاعلية غير منون لأنه اسم لا ينصرف لأنه اسم للقبيلة أو الطائفة ففيه التأنيث والعلمية (قالوا): أي قال الأخوة الثلاثة: يا رسول الله (وكيف نقبل أيمان قوم كفار) فكيف للاستفهام الإنكاري يعني أنهم لا يبالون بالأيمان الكاذبة فكيف نقبل أيمانهم فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم طلب منهم البينة أولًا فلم يكن لهم بينة فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا (فلما رأى ذلك) أي امتناعهم من تحليف اليهود (رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى) لهم (عقله) أي ديته من عنده كما قال في الرواية الأخرى: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله كراهة إبطال دمه يعني من بيت المال وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [7192]، وأبو داود [4520 و 4521]، والترمذي [1422]، والنسائي [8/ 9]، وابن ماجه [2677].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال.

ص: 305

4210 -

(00)(00) وحدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيبَرَ. فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ. فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ. فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ. فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدِّمِ الْكُبْرَ" أَوْ قَال: "لِيَبْدإِ الأَكْبَرُ"

ــ

4210 -

(00)(00)(وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن بشير) مصغرًا (بن يسار) الأنصاري المدني (عن سهل بن أبي حثمة) عبد الله بن ساعدة الأنصاري رضي الله عنه (ورافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الأوسي رضي الله عنه كلاهما قالا: (أن محيصة بن مسعود) بن زيد (وعبد الله بن سهل) بن زيد الأنصاريَّين رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لليث بن سعد (انطلقا) أي ذهبا (قبل خيبر) أي جهتها فدخلا خيبر (فتفرقا في) حيطان (النخل فقتل عبد الله بن سهل) بالبناء للمجهول (فاتهموا) أي اتهم أولياء القتيل (اليهود) بقتله لأنهم أعداء المسلمين (فجاء أخوه) أي أخو عبد الله القتيل (عبد الرحمن) بن سهل بدل من أخوه (وابنا عمه) معطوف على أخوه أي ابنا عم القتيل (حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ليخبروه خبر القتيل (فتكلم عبد الرحمن) بن سهل أخو القتيل أولًا (في أمر أخيه) وشأنه (وهو) أي والحال أن عبد الرحمن (أصغر) سنًّا (منهم) أي من الثلاثة الذين جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر أن يقال أصغرهم أو أصغر منهما إلا أن يقال: إن المراد بالجمع ما فوق الواحد أو أصغر من كل الحاضرين منهما وممن معهم إن قلنا إن عشيرتهم جاؤوا معهم كما هو العادة في شأن الدماء كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (يقسم خمسون منكم)(فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدِّم) يا عبد الرحمن في الكلام (الكبر) بضم الكاف وسكون الباء أي الأكبر منك سنًّا (أو قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبدإ) في الكلام والإخبار لي (الأكبر) منك وقد تقدم قريبًا ما في هذا

ص: 306

فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ "

ــ

اللفظ من البحث مبسوطًا فراجعه (فتكلما) أي تكلم حويصة ومحيصة (في أمر صاحبهما) أي في شأن قتيلهما وهو عبد الله بن سهل (فقال) لهم: (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم) بضم الياء من أقسم الرباعي أي يحلف (خمسون منكم) أي من أولياء الدم وورثته وفي الرواية الآتية تحلفون خمسين يمينًا كما هو الرواية الأولى في الباب على الاستفهام وهو الظاهر لأن العدد إذا لم يتم كرر الحلف على الموجودين ليتم خمسين قال النووي قوله: (يقسم خمسون منكم) هذا مما يجب تأويله لأن اليمين إنما تكون على الوارث خاصة لا على غيره من القبيلة وتأويله عند أصحابنا أن معناه يؤخذ منكم خمسون يمينًا والحالف هم الورثة فلا يحلف أحد من الأقارب غير الورثة يحلف كل الورثة ذكورًا كانوا أو إناثًا سواء كان القتل عمدًا أو خطأ هذا مذهب الشافعي وبه قال أبو ثور وابن المنذر ووافقنا مالك فيما إذا كان القتل خطأ وأما في العمد فقال: يحلف الأقارب خمسين يمينًا ولا تحلف النساء ولا الصبيان ووافقه ربيعة والليث والأوزاعي وأحمد وداود وأهل الظاهر واحتج الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: تحلفون خمسين يمينًا فتستحقون صاحبكم فجعل الحالف هو المستحق للدية أو القصاص ومعلوم أن غير الوارث لا يستحق شيئًا فدل على أن المراد حلف من يستحق الدية اهـ (على رجل منهم) أي على أن رجلًا من اليهود قتله (فيدفع) بالبناء للمجهول أي ذلك اليهودي المدعى عليه إليكم لتقتلوه مربوطًا (برمته) أي بحبله أي يسلم إليكم بحبله الذي شد به لئلا يهرب ثم اتسع فيه.

حتى قالوا: أخذته برمته قال في المصباح: الرمة بضم الراء وتشديد الميم المفتوحة القطعة من الحبل وأخذت الشيء برمته أي جميعه وأصله أن رجلًا باع بعيرًا وفي عنقه حبل فقيل: ادفعه برمته ثم صار كالمثل في كل ما لا ينقص ولا يؤخذ منه شيء اهـ نواوي وقال بعضهم: الرمة بضم الراء وتشديد الميم الحبل الذي يشد به الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القصاص يعني يدفع إليكم القاتل بحبل مشدود عليه تمكينًا لكم قال القرطبي قوله: (على رجل منهم) فيه دليل على أن القسامة إنما تكون على واحد وهو قول أحمد ومشهور قول مالك وقال أشهب: لهم أن يقسموا على جماعة ويختارون واحدًا للقتل ويسجن الباقون عامًا ويضربون مائة مائة وقال المغيرة: يقتل بها الجماعة

ص: 307

قَالُوا: هَذَا أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ فَكَيفَ نَخلِفُ؟ قَال: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَوْمٌ كُفَّارٌ. قَال: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ.

قَال سَهْلٌ: فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا. فَرَكَضَتنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا

ــ

وهو قول الشافعي في القديم وذهب ابن سريج من أصحابه إلى أنه يقسم على الجماعة ويقتل منهم واحد وقد فهم الشافعي من قوله: (وتستحقون دم صاحبكم) أنه لا يحلف إلا الورثة الذين يستحقون المال وهو فهم عجيب ينبني على أن المستحق بالقتل العمد تخيير الولي بين القصاص وبين الدية وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى وقد بنى بعضهم على قولته الأخرى أن المستحق بالقسامة الدية لا القصاص وهو خلاف نص الحديث اهـ من المفهم.

(قالوا): أي قال أولياء الدم يعني عبد الرحمن وحويصة ومحيصة أي قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالحلف (هذا) أي قتل عبد الله بن سهل (أمر لم نشهده) ولم نره بأعيننا (فكيف نحلف) يا رسول الله على أن رجلًا منهم قتله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذًا (فتبرئكم) أي تخلصكم من المخاصمة (يهود) فاعل لما قبله (بأيمان خمسين منهم) أي من اليهود على أنهم لم يقتلوه فيبطل حقكم (قالوا) أي قال أولياء الدم (يا رسول الله) هم (قوم كفار) لا يتورعون عن الكذب في أيمانهم فكيف نصدقهم قال القرطبي: هذا استبعاد لصدقهم وتقريب لإقدامهم على الكذب وجرأتهم على الأيمان الفاجرة وعلى هذا يدل قولهم ليسوا بمسلمين أي ما هم عليه من الكفر والعداوة للمسلمين يجرئهم على الأيمان الكاذبة لكنهم مع هذا كله لو رضوا بأيمانهم لحلفوا لهم ولا خلاف أعلمه في أن الكافر إذا توجهت عليه يمين أنه يحلفها أو يعدُّ ناكلًا اهـ من المفهم (قال) الراوي: يعني سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج (فوداه) أي أدى دية القتيل (رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله) أي من عنده أي دفع ديته من عنده فأعطى مائة ناقة كما هو الرواية الأخيرة في الباب يقال: ودى القاتل القتيل يديه دية إذا أعطى المال الذي هو بدل النفس ثم سمى ذلك المال دية كوزن عدة تسمية بالمصدر (قال سهل) بن أبي حثمة بالسند السابق (فدخلت) أنا (مربدًا لهم) أي لأولياء القتيل (يومًا فركضتني) أي ضربتني (ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) ذكر هذا إشعارًا بتيقن

ص: 308

قَال حَمَّادٌ: هذَا أَوْ نَحْوَهُ.

4211 -

(00)(00) وحدّثنا الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ. وَقَال فِي حَدِيثِهِ: فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ. وَلَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِهِ: فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ

ــ

القصة وتثبته فيها. والمربد بكسر الميم وفتح الباء هنا موقف الإبل والمكان الذي تأوي إليه والمربد أيضًا موضع تجفيف التمر من الربد وهو الحبس والركض هو الضرب بالرجل والمراد بتلك الإبل هي التي وداه بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: وأراد سهل بهذا الكلام أنه ضبط الحديث وحفظه حفظًا بليغًا اهـ.

قال عبيد الله بن عمر القواريري (قال) لنا (حماد) بن زيد حين روى لنا هذا الحديث (هذا) اللفظ المذكور من سائر الحديث أو من قوله: فدخلت مربدًا (أو) قال لنا حماد (نحوه) أي لفظًا قريبًا من هذا المذكور من جهة اللفظ والمعنى لا عين المذكور شك من عبيد الله فيما قال حماد هل هو عين هذا المذكور أم لا؟

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه فقال:

4211 -

(00)(00)(وحدثنا) عبيد الله بن عمر (القواريري حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري ثقة، من (8) (حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) الأنصاري المدني (عن سهل بن أبي حثمة) الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة بشر بن المفضل لحماد بن زيد (عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أي نحو ما حدث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد (و) لكن (قال) بشر بن المفضل (في حديثه) أي في روايته لفظة (فعقله) أي فأعطى عقله وديته (رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده) أي من مال الخمس (ولم يقل) بشر (في حديثه) وروايته لفظة (فركضتني ناقة) كما قال حماد: وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سهل رضي الله عنه فقال:

ص: 309

4212 -

(00)(00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ.

4213 -

(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشيرِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ الأَنْصَارِيَّينِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، خَرَجَا إِلَى خَيبَرَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ

ــ

4212 -

(00)(00)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي جميعًا) أي كل من سفيان وعبد الوهاب رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة) رضي الله عنه وساق سفيان وعبد الوهاب (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث الليث وحماد بن زيد وبشر بن المفضل غرضه بسوق هذا السند بيان متابعتهما إياهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه فقال:

4213 -

(00)(00)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي المدني البصري ثقة، من (9)(حدثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة، من (8) عن (يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (عن بشير بن يسار) عمن أدرك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي التصريح به قريبًا كسهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لليث بن سعد في الرواية عن يحيى بن سعيد.

(أن عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاريين ثم من بني حارثة خرجا إلى خيبر) لجهد أصابهما يميران التمر (في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي) أي خيبر (يومئذٍ) أي يوم إذ خرجا إليها (صلح) يعني أن هذا كان حين كانت تجري على أهلها أحكام المسلمين وذلك بعد فتحها وإبقاء اليهود فيها للعمل على ما تقدم بيانه في باب المساقاة يعني وقعت هذه الواقعة بعد فتح خيبر وكانت في أيدي

ص: 310

وَأَهْلُهَا يَهُودُ. فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا. فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ. فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ مَقْتُولًا. فَدَفَنَهُ صَاحِبُهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَمَشَى أَخُو الْمَقْتُولِ، عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ. فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَأْنَ عَبْدِ اللهِ. وَحَيثُ قُتِلَ. فَزَعَمَ بُشَيرٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال لَهُمْ:"تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟ "(أَوْ صَاحِبَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَهِدْنَا وَلَا حَضَرْنَا. فَزَعَمَ

ــ

المسلمين (وأهلها) أي أهل خيبر وسكانها وعمالها (يهود) بمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على أشجارها وأرضها (فتفرقا) معطوف على مقدر تقديره خرجا من المدينة إلى خيبر لميرة التمر فدخلاها فتفرقا في زقاقها أو في أشجارها (لـ) ـصلب (حاجتهما) من ميرة التمر (فقتل عبد الله بن سهل) في حال تفرقهما (فوجد في شربة) نخل (مقتولًا) أي وجده محيصة مقتولًا مرميًا في شربة نخل والشربة بفتح الشين والراء حوض يكون في أصل النخلة وحولها يُمْلأُ ماءً لتشربه وجمعه شرب بفتح الشين كثمرة وثمر وهي التي عبر عنها في رواية أخرى بالفقير وقيل: الفقير هو الحفر العميق الذي يحفر للفسيلة ليغرس (فدفنه) أي دفن عبد الله القتيل (صاحبه) أي رفيقه محيصة بن مسعود (ثم أقبل) وذهب صاحبه محيصة (إلى المدينة) فأخبر قتله لأقاربه (فـ) ـعقب إخباره إياهم (مشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل) بن زيد (ومحيصة) صاحبه (وحويصة) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبروه خبر القتيل (فـ) ـجاؤوه صلى الله عليه وسلم و (ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأن عبد الله) بن زيد القتيل أي قتله (وحيث قتل) أي والمكان الذي قتل فيه وهو خيبر (فزعم) أي قال (بشير) بن يسار والزعم في الأصل القول الفاسد وهنا بمعنى القول الصحيح أي فقال بشير: (وهو) أي والحال أنه (يحدث عمن أدرك) وسمع تلك القصة حالة كون من أدركها (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجملة أن في قوله: (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال لهم) أي لأولياء القتيل (تحلفون خمسين يمينًا) على أن رجلًا من اليهود قتله (وتستحقون) قتل (قاتلـ) قتيلـ (ـكم)(أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتستحقون قتل قاتل (صاحبكم) أي قتيلكم والشك من الراوي أو ممن دونه سادة مسد مفعولي زعم (قالوا) أي قال أولياء القتيل (يا رسول الله ما شهدنا) أي ما رأينا من قتله (ولا حضرنا) مقتله فكيف نحلف على أنهم قتلوه (فزعم) أي قال

ص: 311

أَنَّهُ قَال: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَزَعَمَ بُشَيرٌ؟ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ.

4323 -

(4) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ

ــ

بشير أيضًا حالة كونه سمع تلك القصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال) لأولياء القتيل (فتبرئكم) أي تخلصكم (يهود) عن الخصومة (بخمسين) يمينًا فيبطل دم صاحبكم (فقالوا: يا رسول الله كيف نقبل) ونصدق (أيمان قوم كفار) لا يؤمنون على دينهم فكيف نأمنهم في دمائنا (فزعم) أي قال بشير أيضًا: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقله) أي أدَّى عقله وديته (من عنده) صلى الله عليه وسلم وسميت الدية عقلًا لأن الإبل كانت تعقل بفناء المستحقين للدية قال النووي: يحتمل أن يكون من خالص ماله في بعض الأحوال التي صادف ذلك عنده ويحتمل أنه من بيت المال ومصالح المسلمين وإنما وداه من عنده لأن أهل القتيل منكسرة قلوبهم بقتل صاحبهم فأراد صلى الله عليه وسلم جبرها بدفع ديته من عنده اهـ.

قال القرطبي: إنما أداها من عنده على مقتضى كرم خلقه وحسن إيالته (الإيالة السياسة) وجلبًا للمصلحة ودفعًا للمفسدة وإطفاء للثائرة وتأليفًا للأغراض المتنافرة عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق لتعذر طرقه وهذا اللفظ الذي هو من عنده ظاهر في أن الإبل التي دفع كانت من ماله وهذا أصح من رواية من روى أنها كانت من إبل الصدقة إذ قد قيل: إنها غلط من بعض الرواة إذ ليس هذا من مصارف الزكاة كما سيأتي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال:

4214 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة، من (7)(عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) الأنصاري المدني عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه كما سيأتي التصريح به في آخر هذه الرواية وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة هشيم بن بشير لليث بن سعد (أن رجلًا من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الله بن سهل بن زيد

ص: 312

انْطَلَقَ هُوَ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ اللَّيثِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ.

قَال يَحْيَى: فَحَدَّثَنِي بُشَيرُ بْنُ يَسَارٍ. قَال: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، قَال: لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ بِالْمِرْبَدِ.

4215 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيدٍ. حَدَّثنَا بُشيرُ بْنُ يَسَارٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَة الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى خَيبَرَ. فَتَفَرَّقُوا فِيهَا. فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا،

ــ

انطلق) أي ذهب من المدينة إلى خيبر (هو وابن عم له يقال له محيصة بن مسعود بن زيد وساق) أي ذكر هشيم (الحديث) السابق (بنحو حديث الليث) بن سعد (إلى قوله) أي إلى قول الراوي (فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أدَّى دية القتيل بإبل (من عنده) أي من ماله صلى الله عليه وسلم (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (فحدثني بشير بن يسار قال) بشير: (أخبرني سهل بن أبي حثمة قال) سهل والله (لقد) دخلت مربد أولياء القتيل فـ (ـركضتني) أي ضربتني برجلها (فريضة) أي ناقة (من تلك الفرائض) أي من تلك النوق التي أداها النبي صلى الله عليه وسلم في ديته (بالمربد) أي في مربدها ومأواها والمراد بالفريضة هنا الناقة من تلك النوق المفروضة في الدية وتسمى المدفوعة في الزكاة أو في الدية فريضة لأنها مفروضة أي مقدرة بالسن والعدد اهـ نووي.

ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في هذا الحديث فقال:

4215 -

(00)(00) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سعيد بن عبيد) الطائي أبو الهذيل الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (2)(حدثنا بشير بن يسار الأنصاري عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن عبيد ليحيى بن سعيد الأنصاري.

(أنه) أي أن سهل بن أبي حثمة (أخبره) أي أخبر بشير بن يسار (أن نفرًا منهم) أي من الأنصار من بني حارثة والمراد بالنفر هنا ما فوق الواحد أو كان معهما غيرهما وسيأتي الإيضاح فيه (انطلقوا) أي ذهبوا (إلى خيبر) ليميروا التمر (فتفرقوا فيها) أي في حيطان خيبر وزقاقها (فوجدوا) أي وجد أولئك النفر (أحدهم قتيلًا) مرميًا في شَرَبَة نخل

ص: 313

وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ. فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ.

4216 -

(00)(00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ

ــ

وهذا صريح في أن معهما غيرهما (وساق) أي ذكر سعيد بن عبيد (الحديث) السابق بنحو حديث الليث (و) لكن (قال) سعيد (فيه) أي في الحديث لفظة (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل) أي يهدر (دمه) أي دم القتيل (فوداه) أي أدى ديته (مائة من إبل الصدقة) أي الزكاة قال النووي إن هذا غلط من بعض الرواة لأن الصدقة المفروضة لا تصرف هذا المصرف بل هي لأصناف سماهم الله في كتابه فالمختار ما حكيناه عن الجمهور أنه اشتراها من إبل الصدقة اهـ وفي هذه الرواية أيضًا مع موافقتها لإحدى روايات البخاري مخالفة للرواية السابقة واللاحقة في كون المنطلقين إلى خيبر نفرًا من الأنصار والمذكور فيما سبق ولحق خروج اثنين إليها والله أعلم اهـ من بعض الهوامش قال الحافظ في الفتح قوله: (فوداه مائة من إبل الصدقة) هذا بظاهره معارض لما مر من الروايات التي وقع فيها أنه صلى الله عليه وسلم أعطى ديته من عنده وجمع بعض العلماء بينهما بأن قول الراوي في الروايات السابقة من عنده مجاز عن بيت المال والمراد بيت مال المصالح وأطلق عليه لفظ الصدقة باعتبار الانتفاع به مجانًا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين وجمع آخرون بينهما بأنه يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافًا لهم واستجلابًا لليهود وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث الباب على ظاهره واستدل به على جواز صرف الزكاة في المصالح العامة هذا ملخص ما في فتح الباري [12/ 235] والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال:

4216 -

(00)(00)(حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة من (11)(أخبرنا بشر بن عمر) بن الحكم الأزدي البصري ثقة من (9)

ص: 314

قَال: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيلَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بْنِ سهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيبَرَ. مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ. فَأُتي مُحَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَينٍ أَوْ فَقِيرٍ. فَأَتَى

ــ

روى عنه في (6) أبواب: (قال: سمعت مالك بن أنس) الأصبحي المدني (يقول: حدثني أبو ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل) بن زيد الأنصاري المدني فالظاهر أنه من ذرية عبد الرحمن بن سهل أخي المقتول في قصة خيبر روى عن سهل بن أبي حثمة في القسامة ورجال من كبراء قومه. ويروي عنه (خ م د س ق) ومالك بن أنس فقط له فرد حديث في القسامة قال أبو زرعة: ثقة وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الرابعة (عن سهل بن أبي حثمة) الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته أو من سداسياته إن اعتبرنا الرجال المجهولين غرضه بيان متابعة أبي ليلى لبشير بن يسار في الرواية عن سهل بن أبي حثمة (أنه) أي أن سهلًا (أخبره) أي أخبر أبا ليلى (عن رجال من كبراء قومه) أي قوم سهل أو قوم أبي ليلى وجهالة الراوي هنا لا تضر لأنهم من الأصحاب والصحابة كلهم عدول (أن عبد الله بن سهل) بن زيد (ومحيصة) بن مسعود بن زيد (خرجا) من المدينة (إلى خيبر) ليميرا التمر (من جهد) أي لأجل جهد وجوع (أصابهم) أي وقع بهما مع من كان معهما والجهد بفتح الجيم الشدة والمشقة والجهد بضمها غاية الوسع والطاقة والمراد هنا الأول يعني خرجا من مشقة حصلت لهما في معاشهما فتفرقا في بعض ما هنالك (فأتي) بالبناء للمجهول (محيصة) وهو في خيبر (فأخبر) بالبناء للمجهول أيضًا (أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح) بالبناء للمفعول فيهما أي رمي (في عين) ماء (أو) قال الراوي: طرح في (فقير) بتقديم الفاء على القاف والفقير هنا على لفظ الفقير من الآدميين وهو هنا البئر القريبة القعر الواسعة الفم وقال ابن الأثير: الفقير مخرج الماء من القناة وحفيرة تحفر حول الفسيلة إذا غرست والفقير ركي بعينه معروف وإنما أراد في هذا الحديث حفيرة أو ركيا وهو البئر الغير المطوي كذا في جامع الأصول [1/ 286] وذكر في النهاية [3/ 215] في حديث عبد الله بن أنيس الفقير بئر تحفر في أصل الفسيلة إذا حولت ويلقى فيها البعر والسرجين يقال: فقرنا للودية أي للفسيلة تفقيرًا اهـ (فأتى) بالبناء للفاعل أي جاء

ص: 315

يَهُودَ فَقَال: أَنْتُمْ، وَاللهِ، قَتَلْتُمُوهُ. قَالُوا: وَاللهِ، مَا قَتَلْنَاهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ. فَذَكَرَ لَهُمْ ذلِكَ. ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ. وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ. وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَهْلٍ. فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ. وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيبَرَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُحَيِّصَةَ:"كَبِّرْ. كَبِّرْ"(يُرِيدُ السِّنَّ) فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ؟ ". فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيهِمْ فِي ذلِكَ. فَكَتَبُوا:

ــ

محيصة (يهود) أي إلى اليهود بالنصب على المفعولية (فقال) محيصة لليهود: (أنتم) أيها اليهود (والله قتلتموه) أي قتلتم عبد الله بن سهل (قالوا) أي قال اليهود لمحيصة (والله ما قتلناه) ولا ندري من قتله (ثم) بعد دفنه (أقبل) محيصة إلى المدينة وذهب من خيبر (حتى قدم على قومه) وعشيرته في المدينة (فذكر) محيصة (لهم) أي لقومه (ذلك) الأمر الذي وقع بعبد الله من قتله (ثم أقبل هو) أي محيصة (وأخوه حويصة وهو) أي حويصة (أكبر) سنًّا (منه) أي من محيصة (وعبد الرحمن بن سهل) أخو القتيل معطوف على فاعل أقبل (فذهب محيصة) أي شرع (ليتكلم) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه حاضر القصة كما قال (وهو) أي محيصة (الذي كان بخيبر) مع القتيل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: كبِّر كبِّر) بالتكرار مرتين أي قدم الأكبر منك في الكلام قال الراوي: (يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: كبر كبر (السن) والعمر. أي قدم الأكبر منك سنًّا (فتكلم) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (حويصة ثم تكلم محيصة) معه صلى الله عليه وسلم خبر القتيل (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم): إذا ثبت عليهم القتل بقسامتكم فليختاروا بين خصلتين (إما أن يدوا صاحبكم) أي يدفعوا إليكم دية صاحبكم أي قتيلكم ولفظ يدوا مضارع من ودى يدي أسند إلى ضمير الجمع (وإما أن يؤذنوا) أي يعلمونا (بحرب) من الله ورسوله أي بكونهم محاربين لنا أي فليختاروا بين أن يعطوا دية صاحبكم وبين أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا فينتقض عهدهم ويصيرون حربًا لنا أي محاربين لنا وفيه دليل للشافعية والحنفية في أن موجب القسامة هو الدية دون القصاص (فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم) رسالة (إليهم) أي إلى اليهود (في ذلك) أي في شأن عبد الله القتيل (فكتبوا) إليه - صلى الله عليه

ص: 316

إِنا، وَالله، مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعبْدِ الرَّحْمنِ:"أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ " قَالُوا: لَا. قَال: "فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ " قَالُوا: لَيسُوا بِمُسْلِمِينَ. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ. فَبَعَثَ إِلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيهِمُ الدَّارَ.

فَقَال سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ

ــ

وسلم -: (إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن): أخي القتيل (أتحلفون) أي هل تحلفون خمسين يمينًا على أنهم قتلوه (وتستحقون دم صاحبكم) أي بدل دمه وهو الدية كما يدل عليه قوله إما أن يدوا صاحبكم (قالوا) أي قال أولياء الدم: (لا) نحلف يا رسول الله هذا أمر لم نشهده فكيف نحلف يا رسول الله (قال) رسول الله إذًا: (فـ) ـلـ (ـتحلف لكم يهود) على أنهم ما قتلوه فيهدر دم صاحبكم (قالوا): أي قال أولياء الدم (ليسوا) أي ليست اليهود (بمسلمين) فكيف نصدقهم فأبوا من أيمانهم ومن أيمان اليهود (فوداه) أي فأدى دية القتيل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنوق (من عنده) تسكينًا للفتنة وجبرًا لقلوبهم (فبعث إليهم) أي إلى أولياء القتيل (رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة) وهذا عطف تفسير لقوله: فوداه (حتى أدخلت) تلك المائة (عليهم) أي على أولياء القتيل (الدار) في دارهم وحتى غاية لمحذوف تقديره وسيقت إليهم حتى أدخلت عليهم وهم في دارهم أي في مربدهم عند دارهم (فقال سهل) بن أبي حثمة بالسند السابق: فدخلت مربد تلك النوق (فـ) ـوالله (لقد ركضتني منها) أي من تلك النوق (ناقة حمراء) برجلها.

وفيه من الفقه أن أهل الذمة يحكم عليهم بحكم الإسلام لا سيما إذا كان الحكم بين ذمي ومسلم فإنه لا يختلف في ذلك وكذلك لو كان المقتول من أهل الذمة فادعي به على مسلم فإن أولياء الدم يحلفون بخمسين يمينًا ويستحقون به دية ذمي هذا قول مالك وقال بعض أصحابه: يحلف المسلم المدعى عليه خمسين يمينًا ويبرأ ولا تحمل العاقلة ديته فلو قام للذمي شاهد واحد بالقتل فقال مالك: يحلف أولياؤه يمينًا واحدة ويستحقون الدية من ماله في العمد ومن عاقلته في الخطإ وقال غيره: يحلف المدعى عليه خمسين يمينًا ويجلد مائة ويحبس عامًا وفي الحديث أيضًا ما يدل على جواز سماع حجة أحد

ص: 317

4217 -

(1615)(178) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَسُلَيمَانُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ

ــ

الخصمين في غيبة الآخر وأن أهل الذمة إن امتنعوا من فعل ما وجب عليهم لنقض عهدهم اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سهل بن أبي حثمة بحديث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم فقال:

4217 -

(1615)(178)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (قال أبو الطاهر: حدثنا وقال حرملة: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وسليمان بن يسار) الهلالي مولاهم المدني (مولى ميمونة) بنت الحارث العامرية الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) تزوجها سنة سبع رضي الله عنها كلاهما رويا (عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار) رضي الله عنه والجهالة في الصحابي لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول كما مر آنفًا ومرارًا في الكتاب ولم أر من ذكر اسمه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي وفيه رواية تابعي عن تابعي وهو قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة) أي أثبتها وحكم بها في قتيل من الأنصار ادعوه على اليهود ولم يبطلها وعمل بها (على ما كانت عليه في الجاهلية) من كونها خمسين يمينًا يحلفها أولياء الدم عند ظهور قتيل لم يظهر قاتله مع وجود لوث تدل على أن المدعى عليه قتله وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط [8/ 5] قوله: (أقر القسامة) والقسامة بفتح القاف لغة اسم مصدر لأقسم الرباعي وضع موضع المصدر بمعنى اليمين ثم استعير لجماعة يقسمون على الشيء ويشهدون عليه ويمين القسامة منسوبة إليهم كذا في لسان العرب (15/ 381

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و382) واصطلاحًا عند الحنفية أيمان يقسم بها أهل المحلة التي وجد فيها القتيل ولم تظهر البينة الكاملة على قاتله بأنهم لم يقتلوه ولا يعرفون قاتله وعند الشافعية أيمان يقسم بها أولياء المقتول بأن فلانًا قتله إذا كان هناك لوث أو أيمان يقسم بها أولياء المدعى عليه بأنهم لم يقتلوه ولا يعرفون له قاتلًا إذا لم يكن هناك لوث.

واختلف الفقهاء في موجب القسامة فقالت الحنفية والشافعية موجبها الدية وهو قول معاوية وابن عباس والحسن وإسحاق والشعبي والنخعي والثوري رحمهم الله تعالى وقالت المالكية والحنابلة موجبها القصاص إن كانت الدعوى دعوى عمد وبه قال ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ولكن رجع عنه أبو ثور وابن منذر وهو القول القديم للشافعي رحمهم الله تعالى واستدل القائلون بالقصاص بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب في الرواية الأولى: (أتحلفون خمسين يمينًا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم).

واستحقاق القاتل إنما هو لأخذ القصاص منه وقد وقع في رواية الليث يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته وهذا إنما يقال في محاورة العرب إذا دفع القاتل إلى أولياء المقتول ليأخذوا منه ثأرهم واستدل القائلون بالدية بما وقع في رواية أبي ليلى من قوله صلى الله عليه وسلم: "إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب" ولأنها حجة إقناعية فلا توجب القصاص وهذا القول هو الأصح ولما كانت المسألة مجتهدًا فيها ساغ للحكومة الإسلامية اليوم أن يختاروا من هاتين الطريقتين ما هو أليق وأنسب بظروف بلادها الخاصة لأن اختلاف هذه الأمة رحمة وحكم الحاكم رافع للخلاف والله سبحانه وتعالى أعلم.

فائدة: والقسامة من سنن الجاهلية التي أقرها الإسلام فقد أخرج البخاري في المناقب في باب القسامة في الجاهلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لَفِينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم (قال القسطلاني في الإرشاد [6/ 179]) هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف كما قال الزبير بن بكار وكأنه نسبه إلى بني هاشم لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والإخاء اهـ استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى اسمه خداش بن عبد الله بن أبي قيس العامري كما عند الزبير بن بكار كذا في إرشاد الساري أيضًا فانطلق معه في إبله فمر رجل به من

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه والجوالق: بضم الجيم وكسرها مع كسر اللام فيهما اسم لوعاء اهـ قاموس فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالًا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرًا واحدًا فقال الذي استأجره ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل قال: ليس له عقال قال فأين عقاله؟ قال فحذفه بعصًا كان فيها أجله فمر به (يعني الأجير) رجل من أهل اليمن فقال له: أتشهد الموسم قال: ما أشهد وربما شهدته قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال: نعم قال: فكنت إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم فإن أجابوك فاسأل عن أبي طالب فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال ومات المستأجر (بفتح الجيم) فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا قال: مرض فأحسنت القيام عليه فوليت دفنه قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حينًا ثم إن الرجل اليماني الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش قالوا: هذه قريش قال: يا آل بني هاشم قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين أبو طالب قالوا: هذا أبو طالب قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانًا قتله في عقال فأتاه أبو طالب فقال: اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فقالوا: نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت: يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقالوا: يا أبا طالب أردت خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كل رجل بعيران هذان بعيران فاقبلهما يميني ولا تصبر عني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف.

وذكر ابن حبيب هذه القصة في المحبر (ص 335 - 337) فسمى المستأجر خداشًا والأجير عامرًا أو عمرًا ابن علقمة بن المطلب وذكر أنهما خرجا إلى اليمن وذكر فيه أن الذي حكم بالقسامة هو الوليد بن المغيرة فحكم أن يحلف خداش في خمسين من بني عامر بن لؤي أنه لبريء من دم عامر ثم يعقلوه بعدُ فرضي بنو عبد مناف بذلك وذكر في آخر القصة أن الذين حلفوا ماتوا كلهم قبل حَوَلانِ الحول وصارت رباعهم لحويطب

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فكان أكثر مكة رباعًا فتبين من ذلك أن قسامة الجاهلية كان يبدأ فيها بأيمان المدعى عليهم ولما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية فالظاهر أنه أقر تحليف المدعى عليهم وأما قصة خيبر التي استدل بها الأئمة الثلاثة فقد اضطربت الروايات في بيانها فظاهر حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم حلف الأنصار قبل تحليف اليهود ولكن وقع في صحيح البخاري خلاف ذلك فيما أخرجه في الديات عن سهل بن أبي حثمة أن الأنصار انطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلًا فقال: الكبر الكبر الكبر فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله فقالوا: ما لنا بينة قال: فيحلفون قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة فهذه الرواية صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلف الأنصار وإنما طلب منهم البينة فلما أبوا عرض أيمان اليهود.

وذكر ابن قتيبة عن وهب بن منبه أنه قال: الحكم بالقسامة أوحاه الله تعالى إلى موسى في كل قتيل وجد بين قريتين أو محلتين فلم تزل بنو إسرائيل تحكم بها وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع كتاب المعارف لابن قتيبة (ص 240) في ذكر الأوائل اهـ من التكملة.

قال القرطبي: والحديث كله حجة واضحة للجمهور من السلف والخلف على من أنكر العمل بالقسامة وهم سالم بن عبد الله وأبو قلابة ومسلم بن خالد وقتادة وابن علية وبعض المكيين فنفوا الحكم بها شرعًا في العمد والخطإ وقد رُوي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة وقد روي عنهما العمل بها وقد روي نفي العمل به عن سليمان بن يسار والصحيح عنه روايته المذكورة عنه هنا حيث قال عن رجال من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بالقسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وظاهر هذا أنه يقول بها وهذا الحديث أيضًا حجة للجمهور على من أنكر العمل بها فإن ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد الناس على عمل فلما أسلموا واستقل بتبليغ الأحكام أقرَّها على ما كانت عليه فصار ذلك حكمًا شرعيًّا يعمل عليه ويحكم به لكن يجب أن يبحث عن كيفية عملهم الذي كانوا يعملونه فيها وشروطهم التي اشترطوها فيعمل بها من جهة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لا من جهة الاقتداء بالجاهلية فيها اهـ من المفهم.

ص: 321

4218 -

(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ.

4219 -

(00)(00) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثَنَا أَبِيِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَسُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث الثاني أعني حديث رجل من الأصحاب رضي الله عنهم فقال:

4218 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (قال: أخبرنا ابن جريج حدثنا ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجل من الصحابة (مثله) أي مثل ما حدث يونس عن ابن شهاب غرضه بيان متابعة ابن جريج ليونس بن يزيد (و) لكن (زاد) ابن جريج على يونس لفظة (وقضى بها) أي بالقسامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار) وبين اليهود (في قتيل ادَّعوه) أي دَّعى الأنصار (على اليهود) أنهم قتلوه.

ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثالثًا فقال:

4219 -

(00)(00)(وحدثنا حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) أبو علي المكي ثقة، من (11)(حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني ثقة، من (8)(عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني ثقة، من (4) (عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أخبراه) أي أخبرا لابن شهاب (عن ناس من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق صالح بن كيسان (بمثل حديث ابن جريج) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح لابن جريج وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث سهل بن أبي حثمة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني: حديث رجل من الأنصار ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 322