الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف
4086 -
(1569)(133) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ. فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَال: "نَعَمْ"
ــ
587 -
(27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف
4086 -
(1569)(133)(حَدَّثنا يحيى بن أبوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8)(عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي أبي شبل المدني، صدوق، من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (أن رجلًا) من الصحابة لم أر من ذكر اسمه (قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي) لم أر من ذكر اسمه كما في تنبيه مبهمات مسلم (مات وترك مالًا) كثيرًا (ولم يوص) فيه شيئًا (فهل يكفّر عنه) سيئاته (أن أتصدق عنه) أي هل تكفر صدقتي عنه سيئاته إن تصدقت عنه اهـ نووي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) تكفر عنه صدقتك عنه، وقوله:(فهل يكفّر عنه) يحتمل أن يكون ذلك حين ما كانت الوصية واجبة على المسلمين فالمعنى هل يكون تصدقي كفارة عما أخطأ أبي في ترك الوصية وهذا محتمل لا سبيل إلى دفعه، ويحتمل أن يكون بعد نزول أحكام الميراث فالمعنى هل تكفر هذه الصدقة عما أذنب أبي في حياته؟ والظاهر من كلام النواوي أنَّه اختار الاحتمال الثاني واختار أن هذه الواقعة وواقعة الحديث الآتي عن عائشة واحدة.
قال القرطبي: وظاهر قوله: (فهل يكفّر عنه أن أتصدق عنه) أنَّه علم أن أباه كان فرّط في صدقات واجبة فسأل هل يُجزئ عنه أن يقوم بها عنه فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بـ (نعم) وعلى هذا فيكون فيه دليل على أن من قام عن آخر بواجب مالي في الحياة
4087 -
(1570)(134) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا
ــ
أو بعد الموت أجزأ عنه، وهذا مما تجوز النيابة فيه بالإجماع وأنه مما يستحب وخصوصًا في الآباء فإنها مبالغة في برهم والقيام بحقوقهم بل قال الشافعي: إذا علم الوارث أن مورثه فرّط في زكوات أو واجبات مالية وجب عليه إخراج ذلك من رأس المال كالدّين، وقال مالك: إن أوصى بذلك أخرج من الثلث وإلا فلا، وقال بعض أصحابه: إذ عُلم أنه لم يخرج الزكاة أُخرجت من رأس المال وصى بها أو لم يوص قاله أشهب، وهو الصحيح لأن ذلك دين الله وقد قال صلى الله عليه وسلم:"دَين الله أحق بالقضاء" أو نقول هو من جملة ديون الآدميين لأنه حق الفقراء وهم موجودون وليس للوارث حق إلا بعد إخراج الدين والوصايا اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 251].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4087 -
(1570)(134)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام بن عروة أخبرني أبي) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المسلمين اسمه سعد بن عبادة، وقد صرح باسم سعد بن عبادة في صحيح البخاري في رقم [2756]، ورقم [2761] واسم أمه عمرة بنت مسعود كما قال ابن سعد وغيره، وانظر فتح الباري [5/ 386 و 389] اهـ من تنبيه مبهمات مسلم.
(قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي) عمرة بنت مسعود (افْتُلِتَت) بضم التاء وكسر اللام بالبناء للمجهول (نفسها) أي روحها بالرفع على أنه نائب فاعل لافتلتت أي أُخذت وقُبضت روحها فلتة أي بغتة وفجأة، وقد رُوي نصب نفسها على أنه المفعول الثاني لافتلتت والمفعول الأول ضمير ناب عن الفاعل استتر في الفعل أي افتلتت وأخذت هي نفسها أي سُلبت أمي نفسها بغتة أي فجأة بلا سبب ولا مرض يقال: افتلت الرجل بالبناء للفاعل إذا سلبه وافتلت الرجل بالبناء للمجهول إذا فوجئ قبل أن يستعد له
وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. فَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَال: "نَعَمْ"
ــ
وعلى كل حال فالمراد أنها ماتت فجأة (وإني أظنها) أنها (لو تكلمت) أي قدرت على الكلام (تصدقت) وتبرعت بمالها، قال القرطبي: ظن ذلك بما علم من قصدها للخير وفعلها للمعروف، وقد رُوي أن هذا السائل كان سعد بن عبادة (احتضرت أمه في غيبة سعد) فقيل لها: أوصي، فقالت: إنما المال لسعد، فتوفيت قبل قدومه فسأل سعد النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك اهـ من المفهم، أ (فلي أجر) بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري أي فهل لي أجر وثواب في (أن أتصدق عنها) أي في تصدقي عنها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه:(نعم) لك أجر في التصدق عنها ذكر المصنف اختلاف الروايات في الحديث فوقع في بعضها (فلي أجر) وفي بعضها (فهل لي أجر) وفي أخرى: (أفلها أجر) وجواب النبي صلى الله عليه وسلم في كلتا الروايتين بنعم فيحصل منه أن الثواب في مثله للمهدي والمهدى إليه كليهما واختلاف الرواة لعله نشأ بأن كلا ذكر ما لم يذكره الآخر وكان السؤال عن أجر كليهما والله أعلم اهـ من التكملة، وعبارة القرطبي في الرواية الآتية (أفلها أجر) ولا تعارض بين الروايتين لأنه يمكن أن يكون سأل النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغتين فأجابه بمجموعهما غير أنه حدّث تارة بإحداهما وتارة بالأخرى أو يكون من نقل بعض الرواة عنه ومعنى الجمع بينهما صحيح لأنه يكون لها أجر بما تصدق عنها وله أجر بما برّها به وأدخله عليها اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2760]، وأبو داود [2881]، والنسائي [6/ 250].
(واعلم) أنه قد أنكرت المعتزلة ومن وافقهم في عصرنا من الفرق الباطلة وصول الثواب إلى الميت استدلالًا بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (39)} وأجاب عنه بعضهم بأنه قيدته الأحاديث الصحيحة المشهورة أو خصصته بغير إيصال الثواب أو بأن إهداء الثواب إنما يكون لإيمان المهدي إليه وعمله الصالح وهو من جملة ما سعى في حياته، والأحسن ما أجاب به ابن الصلاح في فتاواه ص (9) فقال: معنى الآية لا حق له ولا جزاء إلا فيما سعى ولا يدخل فيه ما يتبرع به الغير من قراءة أو دعاء وإنه لا حق له في ذلك ولا مجازاة وإنما أعطاه الغير تبرعًا. وأوضحه شيخ الإسلام ابن تيميمة في فتاواه [7/ 499] بقوله ليس له إلا سعيه وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي
4088 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا. وَلَمْ تُوصِ. وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. أَفَلَهَا
ــ
نفسه وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به، وقال في موضع من فتاواه [24/ 367] لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال ليس للإنسان إلا ما سعى فهو لا يملك إلا سعيه ولا يستحق غير ذلك، وأما سعي غيره فهو له كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز وهكذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك كما ينفعه بدعائه له والصدقة عنه وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليهم ودعائهم له عند قبره. وذكر ابن تيمية أيضًا رحمه الله تعالى في رسالته في شرح حديث أبي ذر أنه قد بين في غير ما موضع نحوًا من ثلاثين دليلًا شرعيًّا يبين انتفاع الإنسان بسعي غيره إذ الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه وليس كل ما لا يستحقه الإنسان ولا يملكه لا يجوز أن يحسن إليه مالكه ومستحقه بما ينتفع به منه. راجع له مجموعة الرسائل المنيرية [3/ 209] وهذا عندي أحسن ما قيل في هذا الباب والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
4088 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون مصغرًا الهمداني بسكون الميم أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة، حافظ، من (10) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافضة العبدي، الكوفي ثقة، من (9)(حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن بشر ليحيى القطان (أن رجلًا) سعد بن عبادة (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له:(يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها) بالرفع والنصب كما مر أي قبضت روحها بغتة (ولم توص) شيئًا من التبرعات (وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها
أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَال: "نَعَمْ".
4089 -
(00)(00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). حَدَّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا أَبُو أُسَامَةَ وَرَوْحٌ فَفِي حَدِيثِهِمَا: فَهَلْ لِي أَجْرٌ؟ كَمَا قَال يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
ــ
أجر إن تصدقت عنها؟ قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم) لها أجر ما تصدقت عنها. وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة بينهما وتقدم لك بيان كيفية الجمع بينهما.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
4089 -
(00)(00)(وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10)(حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي، ثقة، من (9)(ح وحدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، صدوق، من (10)(حدثنا يزيد يعني ابن زريع) بزاي مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8)(حدثنا روح وهو ابن القاسم) التميمي العنبري البصري، ثقة، من (6)(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث أبو عون الكوفي المخزومي، صدوق، من (9) (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة يعني أبا أسامة وشعيب بن إسحاق وروح بن القاسم وجعفر بن عون رووا (عن هشام بن عروة بهذا الإصناد) يعني عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها. غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليحيى القطان ومحمد بن بشر في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة ثم بيّن ما اختلفوا فيه فقال:(أما أبو أسامة وروح ففي حديثهما فهل لي أجر كما قال يحيى بن سعيد) لكن فيه زيادة حرف الاستفهام (وأما
وَأَمَّا شُعَيبٌ وَجَعْفَرٌ فَفِي حَدِيثِهِمَا: أَفَلَهَا أَجْرٌ؟ كَرِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ.
4090 -
(1571)(135) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيةٍ. أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ. أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"
ــ
شعيب وجعفر ففي حديثهما أفلها أجر كرواية ابن بشر) وهي التي تقدمت في كتاب الزكاة في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، قال النووي: وهذه الأحاديث مخصصة لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (39} .
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
4090 -
(1571)(135)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة يعني ابن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل هو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله) أي انقطع تجدد ثواب عمله كما في النووي يعني عمله الذي يستحق به الأجر فلا ينافي ما مر من وصول ثواب الصدقات إليه كما مر (إلا من ثلاثة) أمور، ولفظ رواية غير مسلم (إلا من ثلاث) خصال، وقوله:(إلا من صدقة جارية) بدل تفصيل من مجمل من ثلاثة وفسروا الصدقة الجارية بالوقف ومعناها دوام ثوابها مدة دوامها يعني من الصدقات التي يستمر نفعها للمتصدق عليهم وهذا أكثر ما يكون في الوقف (أو علم ينتفع به) كتعليم وتصنيف، قال التاج السبكي: والتصنيف أقوى لطول بقائه على ممر الزمان ذكره المناوي، وقال ابن الملك: وتقييد العلم بالمنتفع به لكون ما لا ينتفع به لا يُثمر أجرًا (أو ولد صالح يدعو له) قيد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره وأما الوزر فلا يلحق بالأب من سيئة ولده شيء إذا كان نيته في تحصيل الخير وإنما ذكر الدعاء له تحريضًا للولد على الدعاء لأبيه لا لأنه قيد لأن الأجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عملًا صالحًا سواء دعا لأبيه أو لا كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء دعا له من أكلها أو لم يدع وكذلك الأم اهـ ابن الملك.
قال القرطبي: إنما جرى عمل هذه الثلاث بعد الموت على من نسبت إليه لأنه تسبب في ذلك وحرص عليه ونواه ثم إن فوائدها متجددة بعده دائمة فصار كأنه باشرها بالفعل وكذلك حكم كل ما سنه الإنسان من الخير فتكرر بعده بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" رواه مسلم وغيره، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الزكاة وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر في هذا الحديث لأنها أصول الخير وأغلب ما يقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم والصدقة الجارية بعد الموت هي الحبس فكان حجة على من ينكر الحبس، وفيه ما يدل على الحض على تخليد العلوم الدينية بالتعليم والتصنيف، وعلى الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح ووصيتهم بالدعاء عند موته وبعد الموت اهـ من المفهم.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [2877]، والترمذي [1376]، والنسائي [6/ 251].
وورد في أحاديث أخر زيادة على الثلاثة وتتبعها السيوطي فبلغت أحد عشر ونظمها في قوله:
إذا مات ابن آدم ليس يجري
…
عليه من فعال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل
…
وغرس النخل والصدقات تجري
ورائة مصحف ورباط ثغر
…
وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي
…
إليه أو بناه محل ذكر
وتعليم لقرآن كريم
…
فخذها من أحاديث بحصر
وسبقه إلى ذلك ابن العماد فعدها ثلاثة عشر وسرد أحاديثها والكل راجع إلى هذه الثلاث.
وقال النووي في شرح مسلم في باب بيان أن الإسناد من الدين: أن الصدقة تصل
4091 -
(1572)(136) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَصَابَ عُمَرُ
ــ
إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين وهذا هو الصواب وأما ما حكاه الماوردي من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب فهو مذهب باطل وخطأ بين عاطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه انتهى، وأيضًا قال النووي في موضع آخر: وفي الحديث أن الدعاء يصل ثوابه للميت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما انتهى، قال الخطابي: وفي الحديث دليل على أن الصوم والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان لا تجري فيه النيابة وقد يستدل به من يذهب إلى أن من حج عن ميت فالحج يكون في الحقيقة للحاج دون المحجوج عنه وإنما يلحقه الدعاء ويكون له الأجر في المال الذي أُعطي إن كان حج عنه بمال اهـ، وقال الحافظ شمس الدين ابن القيم: اختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر فمذهب أحمد وجمهور السلف وصولها إلى الميت وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل إلى الميت انتهى مختصرًا. قال المنذري: قال بعضهم: عمل الميت منقطع بموته لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها من اكتسابه الولد وبثه العلم عند من حمله عنه وإبداعه تأليفًا بقي بعده ووقفه هذه الصدقة بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت، وفيه دليل على جواز الوقف ورد على من منعه من الكوفيين لأن الصدقة الجارية الباقية بعد الموت إنما تكون بالوقف اهـ كلام المنذري اهـ من العون.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة في الصدقة الجارية وهي الوقف بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال:
4091 -
(1572)(136)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا سُليم) بضم السين مصغرًا، وقال في المغني: إن سليمًا كله بالتصغير إلا سليم بن حيان فما وقع في بعض المواضع من شرح النووي من أنه بفتح السين لعله سبق قلم أر سهو منه اهـ، وسُليم (بن أخضر) هذا من ثقات البصريين لا سيما في حديث عبد الله بن عون، من (8)(عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن نافع عن ابن عمر قال) ابن عمر:(أصاب عمر) بن الخطاب رضي الله عنه.
أَرْضًا بِخَيبَرَ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيبَرَ. لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ. فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَال: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ
ــ
وهذا السند من خماسياته لأنه من مسند ابن عمر، وفي الرواية الآتية جعله من مسند عمر فيكون من سداسياته أي أخذ عمر (أرضًا) وصارت إليه (بـ) قسم أرض (خيبر) بين الغانمين لها حين فُتحت خيبر عنوة وقسمت أرضها بينهم (فأتى) عمر (النبي صلى الله عليه وسلم حالة كون عمر (يستأمره) أي يستشير النبي صلى الله عليه وسلم (فيها) أي فيما يفعل بتلك الأرض طالبًا في ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى فيها من إمساكها أو وقفها أو هبتها أو بيعها.
وقد وقع في رواية صخر بن جويرية عند البخاري في الوصايا أن اسم الأرض ثمغ وكانت نخلًا وذكر الحَمَويّ في معجم البلدان [2/ 84] أنه بسكون الميم، وقيده بعض المغاربة بالتحريك وأخرج عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر رأى في المنام ثلاث ليال أن يتصدق بثمغ حكاه الحافظ في الفتح.
وقوله: (يستأمره فيها) فيه استحباب أن يستشير الرجل أهل العلم والدين والفضل في طرق الخير سواء كانت دينية أو دنيوية وأن المستشار يشير بأحسن ما يظهر له في جميع الأمور وأن مثل هذا السؤال لا يدخله الرياء بخلاف ما يقوله جُهّال المتقشفة كذا في مبسوط السرخسي [12/ 21].
(فقال) عمر في الاستشارة: (يا رسول الله إني أصبت) أي أخذت في نصيبي من الغنيمة (أرضًا بخيبر) ذات نخل تسمى ثمغًا (لم أصب مالًا قط) أي لم آخذ في زمن من الأزمنة الماضية مالًا (هو أنفس عندي) أي أعز وأجود (منه) أي من المال الذي حصلته بخيبر وكان مقتضى السياق أن يقول منها ولكنه ذكّره نظرًا إلى أنها بمعنى المال، وفي العون: الضمير يرجع إلى قوله أرضًا ولعل تذكيره باعتبار تأويلها بالمال اهـ، والأنفس بمعنى النفيس، والنفيس الجيد المغتبط به يقال نفس المال من باب كرم نفاسة إذا كان جيدًا، قال الداودي: سُمي نفيسًا لأنه يأخذ النفس ويجذبها إليه كذا في فتح الباري (فما) ذا (تأمرني به) فيها فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت حبست)
أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"
ــ
بتخفيف الموحدة وتشديدها أي وقفت (أصلها) أي نخلها وأرضها على ملك الله تعالى وهذا على قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: معناه حبسته على ملكك فلا تخرجها عن ملكك بالبيع والهبة (وتصدقت بها) أي بغلتها وحاصلها من حبوبها وثمارها وتصدقت بمنافعها يقال حبس الشيء في كذا إذا خصه له ومن هنا سُمي الوقف حبسًا وإن المتقدمين يستعملون للوقف لفظ الحبس عمومًا أخذًا بهذا الحديث وأما في اصطلاح المتأخرين فلفظ الوقف أكثر وأشهر.
فقالوا: الوقف لغة الحبس يقال: وقفت كذا حبسته، وشرعًا: حبس مال معين قابل للنقل يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه وقطع التصرف فيه على أن يصرف في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى وأركانه واقف وموقوف وموقوف عليه وصيغة.
وقوله: (حبس) الخ فيه استيفاء الشروط والأركان فأشار بالحبس إلى الصيغة وهو يستلزم الواقف والموقوف عليه. وقوله: (مال) هو الموقوف. وقوله: (معين) الخ بيان للشروط فخرج بالمعين ما في الذمة والمبهم كأحد عبديه لعدم تعيينهما وبالقابل للنقل المستولدة والمكاتب كتابة صحيحة لأنهما لا يقبلان النقل، وأما المكاتب كتابة فاسدة فيصح وقفه لأنه يقبل النقل لجواز بيعه. وقوله:(يمكن الانتفاع به) أي سواء كان الانتفاع به في الحال أم لا كعبد وجحش صغيرين وخرج بذلك ما لا يمكن الانتفاع به نحو الحمار الزمن الذي لا يُرجى برؤه بخلاف ما يُرجى برؤه بزوال زمانته فيصح وقفه. وقوله: (مع بقاء عينه) أي ولو مدة قصيرة أقلها زمن يقابل بأجرة لو أوجر وخرج به ما لا يمكن الانتفاع به إلا بذهاب عينه كشمعة للوقود وريحان للشم وطعام للأكل فلا يصح وقف شيء من ذلك لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه. وقوله: (وقطع التصرف فيه) معطوف على حبس عطف تفسير فهو بالرفع إلى آخر ما هو مبسوط في كتب الفروع من الشروط والأحكام اهـ بيجوري. وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر: (وتصدقت بها) أي جعلت منافعها للفقراء، وقد وقع ذلك صريحًا في رواية يحيى بن سعيد عند الطحاوي ولفظها (تصدق بثمره وحبس أصله) وفي رواية عبد الله بن عمر عند النسائي: احبس أصلها وسبل ثمرتها، والتسبيل الإباحة كأنك جعلت عليه طريقًا مطروقة كذا في مجمع البحار، وقال السندي: قوله: وسبل بتشديد الباء أي اجعل ثمرتها في سبيل الله ومنه
قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا. وَلَا يُبْتَاعُ. وَلَا يُورَثُ. وَلَا يُوهَبُ. قَال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ. وَفِي الْقُرْبي. وَفِي الرِّقَابِ. وَفِي سَبِيلِ اللهِ. وَابْنِ السَّبِيلِ. وَالضَّيفِ. لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ. أَوْ يُطْعِمَ
ــ
يقال الوقف المسبل يعني الوقف المباح (قال) ابن عمر: (فتصدق بها) أي وقف بأرضه (عمر) رضي الله عنه وشرط (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يباع أصلها) أي أرضها ونخلها وأشجارها أي لا يبيعه الواقف ولا الناظر (ولا يبتاع) أي لا يشتري أصلها كذا في نسخة (ولا يبتاع) وفي المتن البولاقي (ولا تباع) والكل غلط وتكرار لما قبله والصواب إسقاطه كما هو ساقط في رواية القرطبي وفي رواية البخاري وعند أصحاب السنن، قال ابن حجر: زاد هذا في رواية مسلم فهو تحريف من بعض الرواة (ولا يورث) لورثة الواقف (ولا يوهب) لأحد من جهة الواقف والناظر، وظاهره أن هذا الشرط من كلام عمر رضي الله عنه (قال) ابن عمر:(فتصدق) بها (عمر في الفقراء) الذين لا مال لهم ولا كسب يقع موقعًا من حاجتهم (وفي) ذوي (القربى) للواقف أي وفي الأقارب له والمراد قربى الواقف لأنهم الأحق، بصدقة قريبهم، ويحتمل على بعد أن يراد قربى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الغنيمة (وفي الرقاب) أي في عنقها بأن يُشترى من غلتها رقاب فيعتقون (وفي سبيل الله) أي في الجهاد وهو أعم من الغزاة، ومن شراء آلات الحرب وغير ذلك (وابن السبيل) أي المسافر أي مريد السفر وأطلق عليه ابن السبيل لشدة ملازمته للسبيل وهي الطريق ولو بالقصد (والضيف) وهو من نزل بقوم يريد القِرَى، قال العيني في العمدة: وهو من قبيل عطف العام على الخاص لأن الضيف يكون من المسافر ومن المقيم (لا جناح) أي لا ذنب ولا إثم (على من وليها) أي ولي أمر هذه الصدقة وسياستها وعملها (أن يأكل منها) أي من غلتها وثمرتها (بالمعروف) أي بالوجه الذي يتعارفه الناس فيما بينهم ولا ينسبون فاعله لإفراط فيه ولا تفريط.
قال القرطبي: جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل منه يستقبح ذلك منه، والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة، وقيل: القدر الذي يدفع به الشهوة، وقيل: المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في فتح الباري (أو يطعم) معطوف على يأكل أي لا جناح على من وليها أن
صَدِيقًا. غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ.
قَال: فَحَدَّثْتُ بِهذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا بَلَغْتُ هذَا الْمَكَانَ: غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. قَال مُحَمَّدٌ: غَيرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا.
قَال ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هذَا الْكِتَابَ؛
ــ
يأكل هو بنفسه منها بالمعروف أو أن يطعم (صديقًا) له منها بالمعروف، والصديق بفتح الصاد وكسر الدال ضد العدو. وقوله:(غير متمول فيه) حال من فاعل يأكل ويطعم أي له أن يأكل ويطعم حالة كونه غير متخذ منها مالًا أي ملكًا في أكله وإطعامه منها، والمراد أن لا يتملك شيئًا من رقابها قاله القسطلاني فقال القاري: أي غير مدخر؛ يعني لا يجوز أن يكون أكله وإطعامه على وجه التمول والتمليك وتكثير المال، وإنما يكون بالقدر المعتاد في أكله وإطعامه (قال) عبد الله بن عون بالسند السابق (فحدثت بهذا الحديث) الذي سمعته عن نافع (محمدًا) ابن سيرين إلى آخره (فلما بلغت) ووصلت أنا في قراءته على محمد (هذا المكان) يعني لفظة (غير متمول فيه) وهو بدل محكي من قوله: هذا المكان أي فلما بلغت لفظة غير متمول فيه (قال) لي (محمد) بن سيرين: قل (غير متأثل) أي غير جامع منها (مالًا) متأصلًا مملوكًا بدل قوله: غير متمول فيه فإن الحديث هكذا، وقوله:(فحدث بهذا الحديث) قائله عبد الله بن عون كما هو مصرح في رواية الدارقطني، والمراد بمحمد هو محمد بن سيرين كما هو مصرح في رواية البخاري في الشروط فيقول ابن عون: إني حدثت هذا الحديث محمد بن سيرين بعدما سمعته من نافع فعدله ابن سيرين إلى (غير متأثل) بدل (غير متمول).
وقوله: (غير متأثل مالًا) أي غير جامع مالًا أصيلًا من التأثل وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم موروث له من آبائه، وأثلة كل شيء أصله كذا في الفتح، وأثل الشيء أثولًا من باب نصر وتاثل من باب تفعل يقال: تأثل إذا صار من المال أصل قديم، ومنه قول امرئ القيس:
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
…
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
أي المجد القديم المؤصل، ويقال: أثل الرجل وتأثل إذا كثر ماله وهو مجاز وتأثل المال اكتسبه وجمعه واتخذه لنفسه كذا في تاج العروس [1/ 203].
(قال) عبد الله (بن عون) بالسند السابق: (وأنبأني من قرأ هذا الكتاب) أي ذلك
أَنَّ فِيهِ: غَيرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا
ــ
الكتاب الذي كتب فيه عمر صدقته أي أخبرني من قرأه (أن فيه) أي أن في ذلك الكتاب لفظة (غير متأثل) منها (مالًا) وفي رواية الترمذي من طريق ابن علية عن ابن عون حدثني رجل أنه قرأها في قطعة أديم أحمر، قال ابن علية: وأنا قرأتها عند ابن عبيد الله بن عمر كذلك وقد أخرج أبو داود لفظ كتاب وقف عمر من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال: نسخها عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر وفيه (غير متأثل).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 12]، والبخاري [2737]، وأبو داود [2878]، والترمذي [1375]، والنسائي [6/ 230]، وابن ماجه [296].
(تتمة): قوله: (فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يورث) الخ كذا وقع لأكثر الروايات وظاهره أن هذا الشرط من كلام عمر رضي الله عنه ولكن وقع في بعض الروايات الأخرى ما ظاهره أنه كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فمنها ما أخرجه البخاري في الوصايا في باب قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} من طريق صخر بن جويرية عن نافع، وفيه:(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره).
ومنها ما أخرجه الطحاوي من طريق أبي عاصم وسعيد الجحدري عن ابن عون عن نافع وفيه: (قال: إن شئت حبست أصلها لا تباع ولا توهب) قال أبو عاصم وأراه قال: لا تورث، ذكره في شرح معاني الآثار في كتاب الهبة والصدقة باب الصدقات الموقوفات [2/ 207]، ومنها ما أخرجه الطحاوي أيضًا والبيهقي في سننه [6/ 160] من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع وفيه:(فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بثمره وأحبس أصله لا يباع ولا يورث) ولفظ الطحاوي (تصدق به تقسم ثمره وتحبس أصله لا تباع ولا توهب) فهؤلاء الأربعة صخر بن جويرية وأبو عاصم وسعيد الجحدري ويحيى بن سعيد الأنصاري كلهم يجعلون هذا الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا مانع من أن يكون من كلامهما جميعًا فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بيّن هذا الشرط أولًا فلما وقف عمر رضي الله عنه أرضه فعلًا ذكر هذا الشرط في وقفه والله تعالى أعلم.
قوله: (فتصدق عمر في الفقراء) الخ ظاهره أنه وقف أرضه في عهد النبي صلى الله
4092 -
(00)(00) حدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كُلُّهُمْ
ــ
عليه وسلم ولكن ربما يُشكل عليه ما أخرجه أبو داود في رقم [2879] من كتاب هذا الوقف لعمر وفيه أن كاتب هذا الوقف هو معيقيب وهذا يقتضي أن عمر رضي الله عنه إنما كتب كتاب وقفه في خلافته لأن معيقيبًا كان كاتبه في زمن خلافته وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين.
وجمع بينهما الحافظ في الفتح [5/ 301] بأنه يحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصية فكتب حينئذٍ الكتاب، ويحتمل أن يكون أخر وقفيته ولم يقع منه قبل ذلك إلا استشارته في كيفيته، وقد روى الطحاوي وابن عبد البر من طريق مالك عن ابن شهاب قال قال: عمر: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها فهذا يشعر بالاحتمال الثاني وأنه لم ينجز الوقف إلا عند وصيته، وقد يقال: يستبعد من مثل عمر رضي الله عنه أن يؤخر ما أشار به النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر حياته، والظاهر أنه لم يؤخر الوقف وإنما أخر كتابته، وأما ما رواه الطحاوي وابن عبد البر فعلى تقدير صحته فإنه من مرسل ابن شهاب يحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه يرى أن مثل هذا الوقف يجوز فيه الرجوع كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويحتمل أن يكون مراده أني لو لم أعمل بنيتي في الوقف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعت في نيتي ولما وقفته والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
4092 -
(00)(00)(حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9)(ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا أزهر) بن سعد (السمان) أبو بكر الباهلي مولاهم البصري، ثقة، من (9)(ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9)(كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورة يعني ابن أبي زائدة
عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَزْهَرَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ:"أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ". وَلَمْ يُذْكَرْ مَا بَعْدَهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ فِيهِ مَا ذَكَرَ سُلَيمٌ قَوْلُهُ: فَحَدَّثْتُ بِهذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا إِلَى آخِرِهِ.
4093 -
(1573)(137) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ
ــ
وأزهر السمان وابن أبي عدي رووا (عن) عبد الله (بن عون بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما روى سليم بن أخضر عن ابن عون، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسليم بن أخضر (غير أن) أي لكن أن (حديث ابن أبي زائدة وأزهر) السمان (انتهى) وتم (عند قوله) أي عند قول النبي صلى الله عليه وسلم (أو يطعم صديقًا غير متمول فيه ولم يذكر) وإسقاط الألف من يذكر تحريف من النساخ، والصواب (ولم يذكرا) بألف التثنية أي لم يذكر ابن أبي زائدة وأزهر (ما بعده) أي ما بعد قوله غير متمول فيه (و) أما (حديث ابن أبي عدي) فـ (فيه ما كر سليم) بن أخضر، ولفظة (قوله) بدل من قوله ما ذكر سليم أي ففيه قول ابن عون (فحدّثت بهذا الحديث) الذي سمعته من نافع (محمدًا) ابن سيرين (إلى آخره) أي إلى آخر قول ابن عون يعني قوله: فلما بلغت هذا المكان غير متمول فيه الخ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال:
4093 -
(1573)(137)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (حدثنا أبو داود الحفري) بفتحتين نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة (عمر بن سعد) بن عبيد الكوفي، ثقة، من (9)(عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن) عبد الله (بن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة سفيان لسليم بن أخضر وابن أبي زائدة وأزهر السمان وابن أبي عدي ولكنها متابعة في الشاهد لأن الصحابي الراوي هنا عمر بن الخطاب وفيما مر ابن عمر لأن سفيان جعله من مسندات عمر وكذا رواه أبو إسحاق الفزاري وسعيد بن سالم عند النسائي ولكن جعله أكثر الرواة من مسند ابن عمر كما مر عن المصنف ولذلك قدمه على
قَال: أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيبَرَ. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا أَحَبَّ إِلَيَّ وَلَا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَحدَّثْتُ مُحَمَّدًا وَمَا بَعْدَهُ
ــ
حديث عمر مع كونه أصل القصة ولا مانع من أن يكون مرويًّا عنهما جميعًا (قال) عمر بن الخطاب: (أصبت) أي أخذت نصيبي من غنيمة خيبر (أرضًا من أرض خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستشيره في شأن تلك الأرض (فقلت) له صلى الله عليه وسلم إني (أصبت) أي أخذت وملكت (أرضًا لم أصب) أي لم أملك قط (مالًا أحب إليّ ولا أنفس) أي أجود (عندي منها) الجار والمجرور في قوله منها متعلق باحب وأنفس على سبيل التنازع (وساق) سفيان الثوري (الحديث) السابق (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث سليم وابن أبي زائدة وأزهر السمان وابن أبي عدي (و) لكن (لم يذكر) سفيان لفظة (فحدّثت محمدًا وما بعده) من قوله: (فلما بلغت هذا المكان) الخ.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عمر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر والله سبحانه وتعالى أعلم.
***