المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

4159 -

(1598)(161) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ الله. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن عُمَرَ قَال: يَا رَسُولَ الله! إِني نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَال: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ"

ــ

594 -

(34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

4159 -

(1598)(161)(حدثنا محمد بن أبي بكر) بن مقدم الثقفي (المقدمي) البصري (ومحمد بن المثنى وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالوا: حدثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: يا رسول الله) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي (إني نذرت) والتزمت (في الجاهلية) أي في حالة شركي، فالمراد بالجاهلية حالة الشرك لأن جاهلية كل رجل حالة كفره ووقع للدارقطني ما يُعيّن هذا المعنى ولفظه (نذر عمر أن يعتكف في الشرك) (أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام) أي حول الكعبة لأنه لم يكن إذ ذاك جدار يحوط عليها قاله القسطلاني:(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (أوفِ بنذرك) ظاهر هذا الأمر لزوم نذر الكافر إذا أوجبه على نفسه في حال كفره إذا كان من نوع القرب التي يوجبها المسلمون غير أنه لا يصح منه إيقاعه في حالة كفره لعدم شرط الأداء الذي هو الإسلام فأما إذا أسلم وجب عليه الوفاء وبذلك قال الشافعي وأبو ثور والمغيرة المخزومي والبخاري والطبري ورأوا قوله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" على الوجوب، وذهب مالك والكوفيون إلى أنه لا يلزمه شيء من ذلك لا عتق ولا صوم ولا اعتكاف لعدم تصور نية القربة منهم حالة كفرهم وفيه نظر.

وقوله: (أن اعتكف ليلة) يحتج به من يجيز الاعتكاف بالليل وبغير صوم ولا حجة له فيه لأنه قد قال في الرواية الأخرى أنه نذر أن يعتكف يومًا والقصة واحدة فدل مجموع

ص: 242

4165 -

(00)(00) وحدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَج. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِي). ح وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوادٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلهُمْ عَنْ عُبَيدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ. وَقَال حَفْصٌ، مِنْ بَينِهِمْ: عَنْ عُمَرَ، بِهذَا الْحَدِيثِ

ــ

الروايتين على أنه نذر يومًا وليلة غير أنه أفرد أحدهما بالذكر لدلالته على الآخر من حيث إنهما تلازما في الفعل ولهذا قال مالك: إن أقل الاعتكاف يوم وليلة فلو نذر أحدهما لزمه تكميله بالآخر، ولو سلمنا أنه لم يجيء لليوم ذكر لما كان في تخصيص الليلة بالذكر حجة لإمكان حمل ذلك الاعتكاف على المجاورة فإنها تسمى اعتكافًا لغة وهي تصح بالليل وبالنهار وبصوم وبغير صوم والله أعلم اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 37]، والبخاري [2042]، وأبو داود [3325]، والترمذي [1539]، وابن ماجه [129 2].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4160 -

(00)(00) وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (ومحمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8)(ح وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة) بفتحات (بن أبي رواد) ويقال له محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد، صدوق، من (11)(حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة كلهم) أي كل من أبي أسامة وعبد الوهاب وحفص بن غياث وشعبة رووا (عن عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليحيى القطان (و) لكن (قال حفص) بن غياث (من بينهم) أي من بين هؤلاء الأربعة عن ابن عمر (عن عمر) وساق (بهذا الحديث) السابق

ص: 243

أَما أبُو أُسَامَةَ وَالثقَفِي فَفِي حَدِيثِهِمَا: اعتِكَافُ لَيلَةٍ. وَأَما فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ فَقَال: جَعَلَ عَلَيهِ يَوْمًا يَعْتَكِفُهُ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ حَفْصٍ، ذِكْرُ يَوْمٍ وَلَا لَيلَةٍ.

4161 -

(00)(00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ؛ أَنَّ أَيُّوبَ حَدَّثَهُ؛ أن نَافِعًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ،

ــ

يعني أن الرواة الثلاثة جعلوا هذا الحديث من مسندات ابن عمر، وتفرد حفص بن غياث من بينهم عن ابن عمر عن عمر فجعله من مسندات عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. (قلت): وكذلك أخرجه النسائي في الصغرى (2/ 128) من طريق سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر، ومن طريق يعقوب بن إبراهيم عن يحيى عن عبيد الله عن نافع فقال عن ابن عمر عن عمر كما ذكره الحافظ في الفتح [4/ 274] ولكني لم أجده في الصغرى ولعله في الكبرى، وكذلك أخرجه أبو داود من طريق يحيى المذكور فقال ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، فالحديث مروي بكلا الطريقين ولا مانع من أن يكون ابن عمر شاهد القصة بنفسه فرواه من قبله مرة وسمعها من أبيه فرواه عنه مرة أخرى (أما أبو أسامة والثففي ففي حديثهما اعتكاف ليلة، وأما في حديث شعبة فقال: جعل عليه) أي جعل عمر على نفسه ونذر (يومًا يعتكفه) أي يعتكف فيه (وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4161 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6)(أن أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (حدّثه) أي حدّث لجرير (أن نافعًا حدثه) أي حدّث لأيوب (أن عبد الله بن عمر حدثه) أي حدّث لنافع. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر بن حفص (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (بالجعرانة) وهو موضع بين مكة والطائف قريب إلى مكة وهي من الحل وميقات لإحرام العمرة وهي بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف

ص: 244

بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الطائِفِ، فَقَال: يَا رَسُولَ الله! إِني نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَكَيفَ تَرَى؟ قَال: "اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا".

قَال: وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَاهُ جَارَية مِنَ الْخُمُسِ. فَلَمَّا أَعْتَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَبَايَا الناسِ، سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أصْوَاتَهُمْ يَقُولُونَ: أَعْتَقَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال:

ــ

الراء ويقال فيها: الجعرانة بكسر العين وتشديد الراء أي وهو صلى الله عليه وسلم نازل بالجعرانة (بعد أن رجع من الطائف) في غزوة حنين وأحرم منها وله فيها مسجد وبها آبار متقاربة أي استفتاه عمر (فقال) عمر في استفتائه: (يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية) قبل إسلامي؛ أي في الحال التي كنت عليها قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبشرائع الدين، ولفظ ابن ماجه (نذرت نذرًا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت فأمرني أن أوفي بنذري)(أن أعتكف) أي الاعتكاف (يومًا في المسجد الحرام) أي حول الكعبة لأنه لم يكن وقتئذٍ جدار يحوط بالكعبة ولا معارضة بين هذه الرواية ورواية أن أعتكف ليلة لأن المراد باليوم مطلق الزمان ليلًا كان أو نهارًا أو النذر كان ليوم وليلة ولكن يكتفي بذكر أحدهما عن ذكر الآخر فرواية يوم أي بليلته، ورواية ليلة أي مع يومها، فعلى الرواية الأولى يكون حجة على من شرط الصوم في الاعتكاف لأن الليل ليس محلًا للصوم اهـ من العون (فكيف ترى) وتقول: يا رسول الله في هذا النذر هل علي الوفاء أم لا؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (اذهب) إلى الحرم (فاعتكف يومًا) كما نذرت، وفيه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي وعند أكثر العلماء لا ينعقد النذر من الكافر وحديث عمر هذا حجة عليهم كما تقدم بسط الكلام في ذلك (قال) ابن عمر:(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه) أي أعطى عمر (جارية من الخمس) أي من خمس الغنيمة (فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس) جمع سبية كعطايا وعطية من سبيت العدو سبيًا من باب رمى إذا أخذتهم عبيدًا وإماء فللغلام سبي ومسبي والجارية سبية ومسبية وقوم سبي وصف بالمصدر (سمع عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (أصواتهم) أي أصوات السبايا المرتفعة حالة كونهم (يقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال): والفاء زائدة في جواب لما أي

ص: 245

مَا هذَا؟ فَقَالُوا: أَعْتَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَبَايَا الناسِ. فَقَال عُمَرُ: يَا عَبْدَ الله! اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيةِ فَخَل سَبِيلَهَا

ــ

فلما سمع عمر أصواتهم، قال عمر لمن عنده (ما هذا؟ ) اللغط الذي نسمعه (فقالوا) أي قال الحاضرون عند عمر: هذا صوت السبايا لأنه (أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا الناس فقال عمر) لابنه: (يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية) التي أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخل سبيلها) أي فك طريقها وأذن لها فلتمش مع السبايا إلى أهلها.

قوله: (فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس) وخلاصة هذه القصة على ما رواه البخاري وغيره في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل هوازن في حنين وأصاب منهم السبي والمال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إسلام هوازن لقرابته القريبة بهم فلم يقسم ما غنم منهم بين المسلمين بضعة عشر يومًا رجاء أن يأتي هوازن مسلمين فيرد إليهم جميع ما أخذ منهم ولكنهم تأخروا فقسم الغنيمة بعد بضعة عشر يومًا وهو بالجعرانة، وهناك أتته هوازن تائبين مسلمين وطلبوا منه أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخيره قسم الغنائم انتظارًا لإسلامهم وأجابهم بأنه لا يمكن بعد قسم الغنائم أن يرد إليكم السبي والمال جميعًا فاختاروا أحد الشيئين إما السبي واما المال فاختاروا السبي فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة وقام فيهم وقال:"أما بعد فإن إخوانكم قد جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل" فقال الناس: قد طيبنا ذلك، ثم استوثق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بواسطة العرفاء فلما علم أنهم طيبوا ذلك كلهم رد السبي إلى هوازن، وهذا هو المراد بإعتاقه سبايا الناس في حديث الباب.

قوله: (يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية) هذا يدل على أن الجارية التي أصابها عمر رضي الله عنه كانت واحدة، وقد أخرج البخاري في فرض الخمس أنه أصاب جاريتين فبينهما معارضة من حيث العدد ويظهر الجمع بينهما مما رواه ابن إسحاق في المغازي أن عمر رضي الله عنه أصاب جارية اسمها قلابة فوهبها لابنه عبد الله فبعث بها إلى أخواله في بني جمح ليُصلحوا له منها حتى يطوف بالبيت فلما خرج من المسجد

ص: 246

4162 -

(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الرزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: لَما قَفَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَينٍ سَألَ عُمَرُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيةِ، اعْتِكَافِ يَوْمٍ ثُم ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ.

4163 -

(00)(00) وحدثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضبِّي. حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زيدٍ. حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ عُمْرَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجِعْرَانَةِ

ــ

سمع الناس يخبرونه برد سبي هوازن فردها إليهم ذكره الحافظ في الفتح [8/ 36] ثم جمع بين الروايتين بأنه أصاب جاريتين فأعطى ابن عمر إحداهما وأمسك الأخرى والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4162 -

(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لجرير بن حازم (قال) ابن عمر (لما قفل) ورجع (النبي صلى الله عليه وسلم من) غزوة (حنين) إلى الجعرانة وهو واد قريب من الطاثف (سأل عمر) بن الخطاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية)، وقوله:(اعتكاف يوم) بالجر بدل من قوله عن نذر (ثم ذكر) معمر (بمعنى حديث جرير بن حازم).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4163 -

(00)(00)(وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني (عن نافع قال: ذُكر عند ابن عمر) رضي الله عنهما (عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها (من الجعرانة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لجرير ومعمر

ص: 247

فَقَال: لَمْ يَعْتَمِرْ مِنْهَا. قَال: وَكَانَ عُمَرُ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيلَةٍ فِي الْجَاهِلِيةِ. ثُم ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَمَعْمَرٍ، عَنْ أَيوبَ.

4164 -

(00)(00) وحدّثني عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدَّارِمِي. حَدَّثَنَا حَجاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ. حَدَّثَنَا حَماد، عَنْ أَيوبَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى،

ــ

(فقال) ابن عمر (لم يعتمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منها) أي من الجعرانة، قال النووي: هذا محمول على نفي علمه أي أنه لم يعلم ذلك وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة العلم، وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه اهـ. قالوا: وإنما أنكر ابن عمر هذه العمرة أعني عمرة الجعرانة لأنه لم يعلم وقوعها وقد خفيت هذه العمرة على كثير من الصحابة وذلك لما أخرجه النسائي وأبو داود في رقم [1996]، والترمذي في رقم [935] عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلًا معتمرًا فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت بها فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس (قال) ابن عمر:(وكان عمر) بن الخطاب (نذر اعتكاف ليلة) في المسجد الحرام (في) زمن (الجاهلية) أي قبل إسلامه (ثم ذكر) حماد بن زيد (نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب) السختياني.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4164 -

(00)(00)(وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة، متقن، من (11)(حدثنا حجاج بن المنهال) الأنماطي السلمي مولاهم أبو محمد البصري البرساني، ثقة، من (9)(حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(عن أيوب ح وحدثنا يحيى بن خلف) الباهلي أبو سلمة البصري المعروف بالجوباري بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة، صدوق، من (10)(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8)

ص: 248

عَنْ مُحَمدِ بْنِ إِسْحَاقَ. كِلاهُمَا عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهذَا الْحَدِيثِ فِي النذْرِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: اعْتِكَافُ يَوْمٍ.

4165 -

(1599)(162) حدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِي. حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ

ــ

(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم أبي عبد الله المدني صاحب المغازي، صدوق، من (5)(كلاهما) أي كل من أيوب ومحمد بن إسحاق رويا (عن نافع عن ابن عمر بهذا الحديث) الوارد (في النذر) في نذر عمر. وهذان السندان الأول منهما من سداسياته، والثاني من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أيوب ومحمد بن إسحاق لعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم في روايتهما عن نافع (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث أيوب ومحمد بن إسحاق (جميعًا اعتكاف يوم) وفي حديث عبيد الله (أن أعتكف ليلة) وقد مر بيان كيفية الجمع بينهما.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني تحسين صحبة المماليك وكفارة لطم من لطم عبده بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4165 -

(1599)(162)(حدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري) بفتح الجيم والدال بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى جده جحدر كما في الأنساب للسمعاني [2/ 206](حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)(عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء ابن يحيى الهمداني الخارفي أبي يحيى الكوفي المكتب، روى عن ذكوان أبي صالح في صحبة المماليك والشعبي في الضحايا والفضائل، ويروي عنه (ع) وأبو عوانة وشعبة والسفيانان وزكرياء بن أبي زائدة، ، له نحو عشرة أحاديث، وثقه النسائي وأحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ ما بحديثه بأس، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، وليس في مسلم من اسمه فراس إلا هذا الثقة (عن ذكوان) الزيات (أبي صالح) السمان القيسي مولاهم المدني (عن زاذان) الكندي مولاهم (أبي عمر) الكوفي، ويقال له أبو عبد الله شهد خطبة عمر بالجابية، روى عن ابن عمر في ملك اليمين والأشربة، وعلي وابن مسعود وعائشة وطائفة، ويروي عنه (م عم) وأبو صالح وعمرو بن مرة ومحمد بن جحادة وغيرهم، قال العجلي: تابعي كوفي ثقة، وقال الخطيب: كان ثقة، وقال ابن حبان في الثقات: كان يخطئ، وقال الحاكم أبو أحمد:

ص: 249

قَال: أَتَيتُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا. قَال: فَأَخذَ مِنَ الأرْض عُودًا أَوْ شَيئًا. فَقَال: مَا فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَسْوَى هذَا. إِلا أَني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ"

ــ

ليس بالمتين عندهم، وقال في التقريب: صدوق يرسل، من الثانية، مات سنة (82) اثنتين وثمانين، وليس في مسلم زاذان إلا هذا الصدوق (قال) زاذان:(أتيت ابن عمر) رضي الله عنهما (و) الحال أن ابن عمر (قد أعتق) عبدًا (مملوكًا) له، يظهر مما يلي أن سبب إعتاقه ما ذكره في الحديث من قوله: فقد كان ضربه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد بصري (قال) زاذان (فأخذ) ابن عمر (من الأرض عودًا) أي قضيبًا مثل قضيب السواك (أو) قال زاذان أخذ من الأرض (شيئًا) والشك من فراس فيما قاله زاذان (فقال) ابن عمر (ما) كان لي (فيه) أي في إعتاق هذا العبد (من الأجر) أي من أجر المعتق تبرعًا (ما يسوى هذا) بوزن يسعى أي ما يساوي هذا العود ويعادله يعني أنه ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعًا وإنما أعتقه كفارة لضربه، وقوله: ما يسوى بفتحتين بينهما مهملة ساكنة، قال النووي: هكذا وقع في معظم النسخ، وفي بعضها ما يساوي وهذه هي اللغة الفصيحة المعروفة، والأولى عدها أهل اللغة في لحن العوام، وأجاب بعض العلماء عن هذه اللفظة بأنها تغيير من بعض الرواة لا أن ابن عمر نطق بها اهـ.

(إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) أكثر النسخ على أنه (إلا) حرف استثناء وقيل: إنه (ألا) حرف تنبيه واستفتاح وإني بكسر الهمزة، ومعنى الثاني ظاهر ومعنى الأول وهو الأرجح رواية أنه ليس لي من الأجر شيء إلا أجر الكفارة وهو كفاف لضربي، وقيل: معناه ولا أعتقه لوجه من الوجوه إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. الخ، وقيل: إنه استثناء منقطع بمعنى لكن والأول أرجح (من لطم مملوكه) عبدًا كان أو أمة وهو من باب ضرب كما في المصباح أي ضربه بباطن كفه (أو ضربه) وهو من ذكر العام بعد الخاص، وأو للتنويع ويحتمل كونها للشك من الراوي أو ممن دونه (فكفارته) أي فكفارة ضربه (أن يعتقه) قال النووي رحمه الله: وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبًا وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه لما فيه من إزالة إثم ظلمه، ومما استدلوا به لعدم وجوب إعتاقه حديث سويد بن مقرن بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين لطم أحدهم خادمهم بعتقها قالوا ليس لنا خادم غيرها

ص: 250

4166 -

(00)(00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ. قَال: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَاذَانَ؛ أَن ابْنَ عُمَرَ دَعَا بِغُلامٍ لَهُ. فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا. فَقَال لَهُ:

ــ

قال: فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها، وقال القاضي عياض: وأجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق العبد لشيء مما يفعله به مولاه مثل هذا الأمر الخفيف، قال: واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح منهك لغير موجب لذلك أو حرقه بنار أو قطع عضوًا له أو أفسده أو نحو ذلك مما فيه مثله فذهب مالك وأصحابه والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله، وقال سائر العلماء: لا يُعتق عليه، واختلف أصحاب مالك فيما لو حلق رأس الأمة أو لحية العبد، واحتج مالك بحديث ابن عمرو بن العاص في الذي جب عبده فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الأبي: إنه لا عتق بالمثلة إلا بالحكم في قول ابن القاسم من المالكية وقال أشهب: هو بنفس المثلة حر اهـ، وقالوا: في هذا الحديث الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم وكف الأذى عنهم وكذلك في الأحاديث الآتية.

وهذا الحديث وما بعده إلى القسامة استطرادي بالنظر إلى أن ما فيها قربة ليست واجبة بأصل شرعي كالنذر وكفارة الأيمان ومحله كتاب العتق أو كتاب الأدب.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 25 و 61]، وأبو داود [5168].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4166 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ) الآتي (لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فراس) بن يحيى الهمداني الكوفي (قال) فراس: (سمعت ذكوان) السمان (يحدّث عن زاذان) الكندي الكوفي الضرير البزاز (أن ابن عمر دعا) ونادى (بغلام له) ليحضر عنده وقد ضربه قبل دعوته. وهذا السند من سباعياته. غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة فنظر ابن عمر إلى آثار ضربه في بدنه (فرأى بظهره) أي بظهر العبد (أثرًا) شديدًا من الضرب، قال القرطبي: كان ضربه له أدبًا إلا أنه تجاوز عن ضرب الأدب ولذلك أثر الضرب في ظهره ثم رأى أنه لا يخرجه مما وقع فيه إلا عتقه فأعتقه بنية الكفارة عن ضربه (فقال) ابن عمر (له)

ص: 251

أوْجَعْتكَ؟ قَال: لَا. قَال: فَأنْتَ عَتِيقٌ.

قَال: ثُمَّ أَخَذَ شَيئًا مِنَ الأَرْضِ فَقَال: مَا لِي فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَزِنُ هذَا. إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ ضَرَبَ كُلامًا لَهُ، حَدًّا لَمْ يَأتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِن كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ".

4167 -

(00)(00) وحدثناه أَبُو بَكْر بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بن الْمثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمنِ

ــ

أي للعبد (أوجعتك) أي آلمتك بضربي (قال) العبد (لا) أي ما آلمتني خجلًا منه (قال) ابن عمر للعبد (فأنت عتيق) أي معتق أي أعتقتك (قال) زاذان (ثم أخذ) ابن عمر (شيئًا) من المحقرات (من الأرض فقال: ما لي فيه) أي في عتق هذا العبد (من الأجر) والثواب (ما يزن) أي مثل ما يزن ويعادل ويساوي زنة (هذا) الشيء المحقر الخفيف وإنما أعتقته لـ (أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ضرب غلامًا) أي عبدًا (له) وكذا الأمة (حدًّا) أي جزاءً وعقوبة لما (لم يأته) أي لموجب لم يفعله، وقوله حدًّا مفعول لأجله، وقوله لم يأته صفة لحدًّا أي ضربه لأجل عقوبة لم يفعل موجبها (أو لطمه) أي ضربه في وجهه بباطن كفه (فإن كفارته) أي كفارة ضربه (أن يعتقه) ويخلي سبيله، وهذا دليل الجواب أقيم مقامه، وتقدير الجواب فقد أذنب ذنبًا لا يمحى إلا بالكفارة وهي إعتاقه، والإتيان بالحد كناية عن ارتكاب ما يوجبه فالمراد أن السيد إذا أقام على عبده حدًّا لم يرتكب ذلك العبد ما يوجبه فكفارته إعتاقه.

(مستطردة) قال نافع: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله تقرب به إلى الله تعالى وكان أرقاؤه يعرفون ذلك منه فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه فيقول له أصحابه: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، كذا في تهذيب الأسماء واللغات للنووي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

4167 -

(00)(00) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)

ص: 252

كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فِرَاسٍ. بِإِسْنَادِ شُعْبَةَ وَأَبِي عَوَانَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَهْدِي فَذَكَرَ فِيهِ "حَدًّا لَمْ يَأتِهِ". وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ:"مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ" وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَد.

4168 -

(1600)(163) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ سُوَيدٍ. قَال: لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْتُ. ثُم جِئْتُ قُبَيلَ الظُهْرِ فَصليتُ خَلْفَ أَبِي. فَدَعَاهُ

ــ

كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الرحمن رويا (عن سفيان) الثوري (عن فراس بإسناد شعبة وأبي عوانة) المذكور آنفًا يعني عن ذكوان عن زاذان عن ابن عمر، روى مثلهما، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان لهما (أما حديث ابن مهدي فذكر فيه) ابن مهدي (حدًّا لم يأته، وفي حديث وكيع من لطم عبده ولم يذكر) وكيع (الحد) أي لم يذكر قوله حدًّا لم يأته.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث سويد بن مقرن رضي الله عنهم فقال:

4168 -

(1600)(163)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير. (ح وحدثنا) محمد (بن نمير واللفظ له حدثنا أبي حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (4)(عن معاوية بن سويد) مصغرًا ابن مقرن بكسر الراء المشددة مع ضم الميم المزني أبي سويد الكوفي، روى عن أبيه سويد بن مقرن في صحبة المماليك والبراء بن عازب في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وسلمة بن كهيل وأشعث بن أبي الشعثاء والشعبي، وثقه ابن حبان، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، ولم يصب من زعم أن له صحبة (قال) معاوية:(لطمث) أي ضربت بباطن كفي (مولى لنا) أي في وجه عبد لنا (فهربت) أي شردت وخرجت خوفًا من مؤاخذة أبي إياي بسبب تلك اللطمة (ثم جئت) ورجعت إلى بيتنا (قبيل الظهر فصليت) الظهر (خلف أبي) سويد بن مقرن بن عائذ المزني أبي عمرو الكوفي، مات بها، الصحابي المشهور رضي الله عنه، له ستة أحاديث انفرد له مسلم بحديث، يروي عنه (م دت س) وابنه معاوية بن سويد في صحبة المماليك وهلال بن يساف وآخرون. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (فدعاه)

ص: 253

وَدَعَانِي. ثُم قَال: امْتَثِلْ مِنْهُ. فَعَفَا. ثُم قَال: كُنا، بَنِي مُقَرِّنٍ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. لَيسَ لَنَا إِلا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ. فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"أَعْتِقُوهَا" قَالُوا: لَيسَ لَهُمْ خَادِم غَيرُهَا. قَال: "فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا. فَإِذَا اسْتَغْنَوا عَنْهَا، فَلْيُخَلوا سَبِيلَهَا"

ــ

أي فدعا أبي سويد بن مقرن ذلك المولى (ودعاني) أيضًا (ثم قال) أبي للمولى: (امتثل منه) أي اقتص منه كما هو مصرح في رواية أبي داود؛ أي افعل به مثل ما فعل بك من اللطمة، من الامتثال وهو مأخوذ من المثل والامتثال أن يفعل الرجل بصاحبه مثل ما فعل هو به، قال النووي: وهذا محمول على تطييب نفس المولى المضروب وإلا فلا يجب القصاص في اللطمة ونحوها، وإنما واجبه التعزير لكنه تبرع فأمكنه من القصاص فيها، وفيه الرفق بالموالي واستعمال التواضع معهم اهـ (فعفا) المولى عن الامتثال (ثم قال) سويد بن مقرن بن عائذ المزني وهو أخو النعمان بن مقرن رضي الله عنهما (كنا) أخص (بني مقرن) بن عائذ بالنصب على الاختصاص، وفي رواية أبي داود (فإنا معشر بني مقرن كنا سبعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادم واحدة) هكذا هو في جميع النسخ، والخادم بلا هاء يطلق على الجارية كما يطلق على الرجل، ولا يقال خادمة بالهاء إلا في لغة شاذة قليلة اهـ نووي (فلطمها) أي لطم تلك الخادمة (أحدنا) أي أحد بني مقرن (فبلغ ذلك) أي لطم أحدنا إياها (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لنا:(أعتقوها) أي حرروا تلك الخادمة ليكون إعتاقها كفارة لتلك اللطمة (قالوا) أي قال بنو مقرن: (ليس لنا خادم غيرها) فمن يخدمنا إن أعتقناها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليستخدموها) حتى يستغنوا عنها (فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها) بالإعتاق.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 448]، وأبو داود [5166 و 5167]، والترمذي [1542].

قال القرطبي: وحاصل ما في حديثي ابن عمر وسويد بن مقرن أن ضرب ابن عمر رضي الله عنهما لعبده كان أدبًا على جناية غير أنه أفرط في أدبه بحسب الغضب البشري حتى جاوز مقدار الأدب ولذلك أثر الضرب في ظهره، وعندما تحقق ذلك رأى أنه لا يخرجه مما وقع فيه إلا عتقه فأعتقه بنية الكفارة، ثم فهم أن الكفارة غايتها إذا قُبلت أن

ص: 254

4169 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَين، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَاف

ــ

تكفّر إثم الجناية فيخرج الجاني رأسًا برأس لا أجر ولا وزر ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما لي فيه من الأجر شيء.

وقوله: (من ضرب غلامًا له حدًّا لم يأته أو لطمه) الخ ظاهر هذا الحديث والأحاديث المذكورة بعده أن من لطم عبده أو تعدى في ضربه وجب عليه عتقه لأجل ذلك ولا أعلم من قال بذلك غير أن أصول أهل الظاهر تقتضي ذلك، وإنما اختلف العلماء فيمن مثل بعبده مثلة ظاهرة مثل قطع يده أو فقء عينه، فقال مالك والليث: يجب عليه عتقه، وهل يعتق بالحكم أو بنفس وقوع المثلة قولان لمالك، وذهب الجمهور إلى أن ذلك لا يجب وسبب الخلاف اختلافهم في تصحيح ما رُوي من ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:"من مثل بعبده عتق عليه".

(قلت): ومحمل الحديث الأول عند العلماء على التغليظ على من لطم عبده أو تعدى في ضربه لينزجر السادة عن ذلك فمن وقع منه ذلك أثم وأمر بأن يرفع يده عن ملكه عقوبة كما رفع يده عليه ظلمًا، ويحمله بعضهم على الندب وهو الصحيح بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لبني مقرن حين أمرهم بعتق الملطومة فقالوا: ليس لنا خادم غيرها، فقال:"استخدموها فإذا استغنيتم عنها فخلوا سبيلها" فلو وجب العتق بنفس اللطم لحرم الاستخدام لأنها كانت تكون حرة واستخدام الحر بغير رضاه حرام فمقصود هذه الأحاديث والله أعلم أن من تعدى على عبده أثم فإن أعتقه يكفر أجر عتقه إثم تعديه وصارت الجناية كأن لم تكن ومع ذلك فلا يقضى عليه بذلك إذ ليس بواجب على ما تقدم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سويد بن مقرن رضي الله عنه فقال:

4169 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأزدي الكوفي، ثقة ثقة، من (8)(عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، ثقة، من (5)(عن هلال بن يساف) بفتح الياء وكسرها، والأكثرون على كسر الياء الأشجعي أبي الحسن الكوفي،

ص: 255

قَال: عَجِلَ شَيخٌ فَلَطَمَ خَادِمًا لَهُ. فَقَال لَهُ سُوَيدُ بْنُ مُقَرنٍ: عَجَزَ عَلَيكَ إِلا حُرُّ وَجْهِهَا. لَقَدْ رَأَيتُنِي سَابع سَبْعَةٍ مِنْ بَنِي مُقَرِّنٍ. مَا لَنَا خَادِمٌ إِلا وَاحِدَةٌ. لَطَمَهَا أَصْغَرُنَا. فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نُعْتِقَهَا.

4170 -

(00)(00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ

ــ

ثقة، من (3) (قال) هلال (عجل) أي استعجل (شيخ) منا أي في الغضب وأظهر بوادر غضبه على خادمه فلطم وجهها كما ذكره بقوله:(فلطم خادمًا له) وفي رواية لأبي داود عن هلال بن يساف كنا نزولًا في دار سويد بن مقرن، وفينا شيخ فيه حدة ومعه جارية فلطم وجهها فما رأيت سويدًا أشد غضبًا منه ذاك اليوم (فقال له) أي لذلك اللاطم (سويد بن مقرن عجز) أي خفي (عليك) أيها اللاطم (إلا حر وجهها) أي إلا بشرة وجهها وصفحته. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هلال بن يساف لمعاوية بن سويد في الرواية عن سويد بن مقرن، قال القاضي: أي عجزت ولم تجد أين تضرب إلا حر وجهها، وكأن هذا من المقلوب يعني كان أصله عجزت عن غير وجهها، ويحتمل أن يكون معنى قوله عجز عليك أي امتنع عليك، وأخرجه أحمد في مسنده [5/ 444] ولفظة (أما وجدت إلا حر وجهه) وحر الوجه بضم المهملة وتشديد الراء صفحته وما رق من بشرته وحر كل شيء أفضله وأرفعه اهـ نووي. ثم قال سويد: والله (لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (سابع سبعة) أي واحدًا من سبعة إخوة؛ أي كنا سبعة إخوة أنا سابعهم يعني أصغرهم فهو اللاطم أبهم نفسه في حكايته، ذكر ابن الأثير وغيره: أن بني مقرن كلهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الشهاب في حاشيته على تفسير البيضاوي في سورة التوبة عند ذكر البكائين: أن القرطبي قال: ليس في الصحابة سبعة إخوة غيرهم اهـ من بعض الهوامش (من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها) ليكون الإعتاق كفارة للطمها.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سويد بن مقرن رضي الله عنه فقال:

4170 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن شعبة عن

ص: 256

حُصَيْنٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ. قَال: كُنَّا نَبِيعُ الْبَزَّ فِي دَارِ سُوَيدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، أخِي النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرنٍ. فَخَرَجَتْ جَارِيَة. فَقَالتْ لِرَجُلٍ مِنا كَلِمَةً. فَلَطَمَهَا. فَغَضِبَ سُوَيدٌ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ.

4171 -

(00)(00) وحدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: قَال لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: شُعْبَةُ. فَقَال مُحَمَّدٌ: حَدثَنِي أبُو شُعْبَةَ الْعِرَاقِيُّ،

ــ

حصين عن هلال بن يساف) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن إدريس (قال) هلال:(كنا) معاشر الحاضرين هناك (نبيع البز) أي الثياب من الكتان أو القطن يُجمع على بزوز (في دار سويد بن مقرن أخي النعمان بن مقرن) كان أحد القادة المشهورين في زمن سيدنا عمر من بني مقرن (فخرجت جارية) أي أمة من الدار إلينا، وقد صرح محمد بن جعفر في روايته عند أحمد [3/ 444] بأن هذه الجارية كانت لسويد رضي الله عنه، فمرت علينا (فقالت لرجل منا كلمة) قبيحة يعني كلمة سب، وفي رواية محمد بن جعفر المذكورة فكلمت رجلًا فسبته (فلطمها) ذلك الرجل الذي سبته أي ضرب وجهها بباطن كفه (فغضب سويد) بن مقرن للطم الرجل إياها (فذكر) شعبة (نحو حديث) عبد الله (ابن إدريس).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:

4171 -

(00)(00)(وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (11)(حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث التميمي البصري، صدوق، من (9)(حدثنا شعبة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الصمد لابن أبي عدي (قال) شعبة:(قال لي محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (ما اسمك؟ قلت) له اسمي (شعبة) بن الحجاج (فقال) لي (محمد) بن المنكدر:(حدثني أبو شعبة العراقي) الكوفي ثم المدني مولى سويد بن مقرن المزني، ولم أر من ذكر اسمه، روى عن مولاه سويد بن مقرن في حق المماليك، ويروي عنه (م س) ومحمد بن المنكدر، وثقه ابن حبان، له في (م) حديث واحد في تحريم لطم الصورة، وقال في التقريب: مقبول، من (3) كان محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى لطيفًا في كلامه فلما أراد أن يحدّث شعبة حديثًا سمعه

ص: 257

عَنْ سُوَيدِ بْنِ مُقَرِّنٍ؛ أَن جَارِيَة لَهُ لَطَمَهَا إِنْسَانٌ. فَقَال لَهُ سُوَيدٌ: أَمَا عَلِمْتَ أَن الصورَةَ مُحَرَّمَةٌ؟ فَقَال: لَقَدْ رَأَيتُنِي، وَإِني لَسَابع إِخْوَةٍ لِي، مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. وَمَا لَنَا خَادِمٌ غَيرُ وَاحِدٍ. فَعَمَدَ أَحَدُنَا فَلَطَمَهُ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله

ــ

من أبي شعبة عن اسمه ليكون التحديث لطيفًا وإن لم يكن أبو شعبة العراقي الذي روى عنه هذا الحديث والد شعبة بن الحجاج، ولكنه أراد التلطيف بمناسبة لفظية (عن سويد بن مقرن) المزني الكوفي (أن جارية له) أي لسويد (لطمها إنسان) أي ضرب وجهها بباطن كفه (فقال له) أي لذلك اللاطم (سويد) بن مقرن (أما) مركبة من همزة الاستفهام الإنكاري وما النافية (علمت) أيها الإنسان أي ألم تعلم أيها الإنسان (أن الصورة محرمة) أي أن ضرب الوجه ولطمه حرام ممنوع لورود النهي عنه يعني أن الوجه ذو حرمة لأنه فيه محاسن الإنسان، قال تعالى:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} وفي حديث الجامع الصغير: "إذا ضرب أحدكم خادمه فليتق الوجه" قال في التيسير: ومثل الخادم كل من له ولاية تأديبية اهـ قال القرطبي: الصورة الوجه اهـ.

قال الأبي في شرحه (قوله: أما علمت أن الصورة محرمة) يحتمل أن يكون قوله محرمة بمعنى ذات حرمة فالمراد أن الصورة ذات حرمة فلا ينبغي الضرب عليها، ويحتمل أن يكون بمعنى الحرام والممنوع فالتقدير: أما علمت أن الضرب على الصورة حرام، وهو إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:"إذا ضرب أحدكم العبد فليجتنب الوجه " إكرامًا له لاجتماع محاسن الإنسان وأعضائه الرئيسة فيه ولأن التشويه فيه أقبح، وقد علله في حديث آخر بأنها الصورة التي خلق عليها آدم واختار لخلافته في الأرض هذا ملخص ما ذكره الأبي عن القاضي عياض رحمهما الله تعالى [4/ 385] إكمال المعلم.

(فقال) سويد بن مقرن: والله (لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (وإني) أي والحال إني (لسابع إخوة لي) أي لواحد من سبعة إخوة كانت لي أي لجاعلهم سبعة لأنه أصغرهم (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لقد رأيت نفسي مصاحبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا سابع إخوة لي (وما لنا خادم غير واحد فعمد أحدنا) معاشر الإخوة أي قصد إلى لطم خادمنا (فلطمه) أي ضرب وجهه بباطن كفه (فأمرنا رسول الله صلى الله

ص: 258

عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ نُعْتِقَهُ.

4172 -

(00)(00) وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. قَال: قَال لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا اسْمُكَ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ.

4173 -

(1601) 1641) حدثنا أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ

ــ

عليه وسلم أن نعتقه) ليكون إعتاقه كفارة للطمه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سويد رضي الله عنه فقال:

4172 -

(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن المثنى) العنزي (عن وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبي العباس البصري، ثقة، من (9)(أخبرنا شعبة) بن الحجاج، غرضه بيان متابعة وهب بن جرير لعبد الصمد بن عبد الوارث (قال) شعبة (قال لي محمد بن المنكدر: ما اسمك؟ فذكر) وهب بن جرير (بمثل حديث عبد الصمد) بن عبد الوارث.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي مسعود رضي الله عنهم فقال:

4173 -

(1601)(64 1)(حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8)(حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي، ثقة، من (5) مات في سجن الحجاج الجائر، سجنه في الديماس ليس له كن يُظِلُّه ويقيه من البرد (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، ثقة، من (2)(قال) أبوه يزيد بن شريك (قال) لنا (أبو مسعود) الأنصاري الخزرجي (البدري) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان، قال أبو مسعود:(كنت) أنا

ص: 259

أَضْرِبُ غُلاما لِي بِالسَّوْطِ. فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ! " فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ. قَال: فَلَما دَنَا مِني، إِذَا هُوَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هُوَ يَقُولُ:"اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ! اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ! " قَال: فَألْقَيتُ السوْطَ مِنْ يَدِي. فَقَال: "اعْلَمْ، أبا مَسْعُود! أَن اللهَ أَقْدَرُ عَلَيكَ مِنْكَ عَلَى هذَا الْغُلامِ" قَال: فَقُلْتُ: لَا أضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا

ــ

(أضرب غلامًا لي بالسوط) هي آلة الضرب، قال أبو مسعود:(فسمعت صوتًا) أي صوت مناد يناديني (من خلفي) ومن ورائي يقول ذلك المنادي (اعلم) وانتبه وتيقن يا (أبا مسعود) أن الله أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام المضروب (فلم أفهم الصوت) أي صاحب الصوت (من) شدة (الغضب) أي من شدة غضبي على الغلام (قال) أبو مسعود: (فلما دنا) وقرب (مني) صاحب الصوت (إذا هو) أي صاحب الصوت (رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فجائية رابطة الجواب لِلَمَّا أي فلما دنا مني فاجأني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رؤيته، والفاء في قوله: (فإذا هو يقول) عاطفة على ما قبلها وإذا فجائية أيضًا أي فلما دنا مني فاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاجأني قوله: (اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود) ذكره بعد إسماعه إياه ثلاث مرات للتأكيد (قال) أبو مسعود: (فألفيت) أي رميت (السوط من يدي) فاستقبلته (فقال) لي في المرة الثالثة: (اعلم) يا (أبا مسعود أن الله) سبحانه وتعالى (أقدر عليك) وقوله: (منك على هذا الغلام) متعلق بمحذوف أي إن الله عز وجل أشد قدرة عليك من قدرتك على هذا الغلام، وفيه الحث على الرفق بالمملوك ووعظ بليغ في الاقتداء بحلم الله تعالى على عباده (قال) أبو مسعود:(فقلت) في نفسي والله (لا أضرب مملوكًا) أي رقيقًا (بعده) أي بعد ضربي هذا (أبدًا) أي أمدًا مدة حياتي، والظرفان متعلقان بقوله لا أضرب.

وقوله: (إن الله أقدر عليك) معناه قدرة الله على تعذيبك أكثر وأشد من قدرتك على تعذيب هذا العبد، وفي الحديث هداية بليغة إلى أن الرجل ينبغي له أن يذكر مقدمه في الآخرة عند سورة غضبه ويستحضر ما يطلبه من الله تعالى من العفو والغفران فمن بذله لمن هو في قدرته رجا حصول ذلك من الله سبحانه، ومن لم يبذله لم يرجه وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 120]، وأبو داود [5159 و 5160]، والترمذي [1949].

ص: 260

4174 -

(00)(00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَهُوَ الْمَعْمَرِيُّ) عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ، مِنْ هَيبَتِهِ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال:

4174 -

(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا محمد بن حميد) اليشكري (وهو المعمري) نسبة إلى معمر بن راشد لأنه رحل إلى معمر، وروى عنه فنُسب إليه ذلك أبو سفيان البصري نزيل بغداد، روى عن سفيان الثوري في حق المملوك، ومعمر بن راشد في صفة النار، ويروي عنه (م س ق) وزهير بن حرب وأبو سعيد الأشج ويحيى بن يحيى، وثقه ابن معين وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة (عن سفيان) بن سعيد الثوري (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا سفيان) الثوري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري أبو عثمان البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة من جرير وسفيان وأبي عوانة رووا (عن الأعمش بإسناد عبد الواحد) بن زياد يعني عن إبراهيم عن أبيه عن أبي مسعود (نحو حديثه) أي نحو حديث أبي مسعود، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الواحد بن زياد (غير أن) أي لكن أن (في حديث جرير) بن عبد الحميد لفظة (فسقط من يدي السوط من هيبته) صلى الله عليه وسلم وجلاله، والهيبة وكذا المهابة الخوف منه لتوقيره وتعظيمه لا للخوف من بطشه وأخذه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال:

ص: 261

4175 -

(00)(00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ. قَال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي. فَسَمِعْت مِنْ خَلْفِي صَوْتًا "اعْلَمْ، أبا مَسْعُودٍ! لَلهُ أَقْدَرُ عَلَيكَ مِنْكَ عَلَيهِ" فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ الله. فَقَال: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النارُ"

ــ

4175 -

(00)(00)(وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي (عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي مسعود الأنصاري) البدري الكوفي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبد الواحد بن زياد (قال) أبو مسعود:(كنت أضرب كلامًا لي فسمعت من خلفي صوتًا) أي صوت مناد يناديني بقوله: (اعلم أبا مسعود) واللام في قوله: (لله) لام الابتداء وهي معلقة ما قبلها عن العمل في لفظ ما بعدها أي لله سبحانه (أقدر عليك) أي أشد قدرة عليك (منك) أي من قدرتك (عليه) أي على ضرب هذا العبد المضروب لك قال أبو مسعود: (فالتفت) بتشديد التاء الأخيرة لإدغام تاء لام الكلمة في تاء المتكلم أي التفت إلى ورائي (فإذا) الفاء عاطفة وإذا فجائية (هو) أي صاحب الصوت (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فالتفت ففاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت: يا رسول الله هو) أي هذا العبد المضروب (حر) أي محرر معتق الوجه الله) تعالى أي لذاته طلبًا لرضائه، قال القاضي رحمه الله تعالى: ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمره بعتقه ولكن رأى أنه زاد على حد الأدب مما استوجب به عقوبة الله، ألا ترى كيف كان العبد يستغيث منه بالله وهو يضربه حتى استعاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في شرح الأبي. (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك (لو لم تفعل) إعتاقه، وفي بعض النسخ (أما والله لو لم تفعل) أي ما فعلته من التحرير والإعتاق اللفحتك النار) أي لأحرقتك النار، وقوله:(أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أو من دونه (لمستك النار) شك من الراوي أو ممن دونه. وقال في المبارق: إنما قال له ذلك لأنه كان متعديًا في تاديبه عن المقدار الذي استحقه وإلا فجزاء المملوك بقدر جنايته جائز ورد فيه الحديث اهـ، ودليل تعديه في الجزاء استعمال السوط في ضربه اهـ من بعض الهوامش. قال ابن الأثير في جامع الأصول: لفح النار

ص: 262

4176 -

(00)(00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلامَهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ. قَال: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ. فَقَال: أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ. فَتَرَكَهُ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَالله! لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيكَ مِنْكَ عَلَيهِ" قَال: فَأَعْتَقَهُ

ــ

حرها ووهجها وكذلك لفحها، وقال الزمخشري في أساس البلاغة (ص 411): لفحته النار أحرقت بشرته ولفحته السموم وأصابه من الحر لفح ومن البرد نفح اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال:

4176 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9)(عن شعبة عن سليمان) الأعمش الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي (عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي مسعود) الأنصاري الكوفي. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي معاوية (أنه كان يضرب غلامه فجعل) العبد أي شرع العبد (يقول أعوذ بالله) أي أستجير بالله من ضربك (قال) يزيد بن شريك أو أبو مسعود على الالتفات (فجعل) أبو مسعود (بضربه) أي يضرب العبد (فقال) العبد (أعوذ) أي ألتجئ من ضربك (برسول الله) صلى الله عليه وسلم (فتركه) أي فترك أبو مسعود ضرب العبد حين استعاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النووي: قال العلماء: لعله لم يسمع استعاذته الأولى لشدة غضبه كما لم يسمع نداء النبي صلى الله عليه وسلم أو يكون لما استعاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم تنبه لمكانه فتركه، وإلا ففي حديث الترمذي عن أبي سعيد على ما ذكر في الجامع الصغير:"إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم"(فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله) أي أقسمت لك بالله (لله) لام الابتداء أو لام القسم (أقدر عليك منك) أي من قدرتك (عليه، قال) يزيد أو أبو مسعود على الالتفات (فأعتقه) أي أعتق أبو مسعود العبد ليكون كفارة عن ضربه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال:

ص: 263

4177 -

(00)(00) وَحَدثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاللهِ. أَعُوذُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

ــ

4177 -

(00)(00)(وحدثنيه بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى الفرائض أبو محمد العسكري ثم البصري، ثقة، من (10)(أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن أبي مسعود، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لابن أبي عدي (ولم يذكر) محمد بن جعفر في روايته (قوله) أي قول العبد (أعوذ بالله وأعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم بيان لمحل المخالفة.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث سويد بن مقرن ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 264