المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

(4)

- باب العُمْرَى

4055 -

(1563)(127) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَيُّمَا رَجُلٍ

ــ

‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

والعمرى في اللغة ما يُجعل لك طول عمرك، وقال ثعلب: هو أن يدفع الرجل دارًا إلى أخيه فيقول له هذه لك عمرك أو عمري أينا مات دُفعت الدار إلى أهله وكذلك كان فعلهم في الجاهلية يقال: قد عمرته إياه وأعمرته أي جعلته له عمره أو عمري أي يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إليَّ والعمرى مصدر من كل ذلك كالرجعى وألفه للتأنيث كذا في تاج العروس. وشرعًا: تمليك بلا عوض بصيغة عمري وهي هبة مؤبدة والشرط فيها باطل اهـ وقال القرطبي: العمرى في اللغة هي أن يقول الرجل للرجل: هذه الدار لك عمري أو عمرك، وأصلها من العمر قاله أبو عبيد وقال غيره: أعمرته الدار جعلتها له عمره، وقال الحربي: سمعت ابن الأعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها العمرى والرقبى والسكنى والإطراق والمنحة والعارية والعرية والإفقار ومنافعها لمن جعلت له.

(قلت): وعلى هذا فالعمرى الواردة في الحديث حقها أن تحمل على هذا فتكون تمليك منافع الرقبة مدة عمر من قيدت بعمره فإن لم يذكر عقبًا فمات المعمر رجعت إلى الَّذي أعطاها ولورثته فإن قال: هي لك ولعقبك لم ترجع إلى الَّذي أعطاها إلَّا أن ينقرض العقب، وعلى هذا فيكون الإعمار بمعنى الإسكان إذا قيده بالعمر غير أن الأحاديث التي جاءت في هذا الباب تقتضي بحكم ظاهرها أنها تمليك الرقبة بصيغة العمرى.

4055 -

(1563)(127)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل) أيُّ اسم شرط جازم مرفوع على الابتداء، والخبر جملة الشرط أو جوابه أو هما على الخلاف المذكور في محله، وما زائدة لتأكيد معنى الشرط

ص: 78

أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا. لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا. لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءَ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ"

ــ

وهو العمر (أُعْمِر) بالبناء للمجهول فعل شرط لها ونائب فاعله يعود على رجل، و (عمرى) مفعول مطلق لأعمر (له) متعلق بمحذوف صفة لعمرى (ولعقبه) معطوف عليه والمعنى أي رجل أعطي عطاء كائنًا له مدة عمره ولعقبه بعد موته، والفاء في قوله:(فإنها) رابطة لجواب الشرط وجوبًا لكون الجواب جملة اسمية أي فإن تلك العطية التي أعطيت له بصيغة عمرى مملوكة ملكًا مؤبدًا (للذي أعطيها) بالبناء للمجهول أي مملوكة للذي وهبها مدة عمره ولورثته بعد موته (لا ترجع) بصيغة المعلوم مع التأنيث وقيل: بالتذكير أي لا تصير تلك العطية أبدًا (إلى الَّذي أعطاها) بصيغة العمرى (لأنه) أي لأن ذلك المعمر (أعطى) بالبناء للفاعل (عطاء وقعت فيه) أي تقع فيه (المواريث) أي الإرث لورثة الموهوب له يعني أنَّه لما جعلها للعقب فالغالب أن العقب لا ينقطع فلا تعود لصاحبها لذلك، والمعنى أنها صارت ملكًا للمدفوع إليه فيكون بعد موته لوارثه كسائر أملاكه ولا ترجع إلى الدافع كما لا يجوز الرجوع إلى الموهوب بصيغة الهبة مثلًا وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي سواء ذكر العقب أو لم يذكر، وقال مالك: ترجع إلى المعطي إن كان حيًّا وإلى ورثته إن كان ميتًا إذا لم يذكر عقبه اهـ مرقاة.

والعمرى على وزان حبلى تمليك الشيء مدة العمر اسم مصدر من أعمرتك الدار أي جعلتها لك مدة عمرك، وأفاد النووي: أنها تكون بثلاث صيغ إحداها أن يقول: أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك ولا خلاف لأحد أنها هبة بعبارة طويلة فإذا مات فالدار لورثته فإن لم يكن له وارث فلبيت المال ولا تعود إلى الواهب، وثانيتها أن يقول: أعمرتك إياها مطلقًا بلا ذكر شيء بعده، وثالثها أن يضم إليه: فإذا مت عادت إليَّ وفيهما خلاف لكن مذهب الحنفية والصحيح من مذهب الشافعي الجواز وبطلان الشرط لإطلاق الأحاديث الواردة فيها، وفي المبارق قال مالك: العمرى في جميع صورها تمليك لمنافع الدار دون رقبتها والحديث حجة عليه اهـ والعقب بفتح العين وكسر القاف ويجوز إسكانه مع فتح العين ومع كسرها هم أولاد الرجل ما تناسلوا.

وقوله: (لا ترجع إلى الَّذي أعطاها) وفي الموطأ زيادة أبدًا ذكر الزرقاني أن هذا آخر المرفوع.

ص: 79

4056 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحدَّثنَا قُتَيبَةُ. حدَّثنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَدْ قَطَعَ قَوْلُهُ حَقَّهُ فِيهَا. وَهِيَ لِمَنْ أُعْمِرَ وَلِعَقِبِهِ". غَيرَ أَنَّ يَحْيَى قَال فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ: "أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى، فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ"

ــ

وقوله: (لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) مدرج من كلام أبي سلمة وسيأتي من مسلم أنَّه قول أبي سلمة.

قال القرطبي: فإن سلمنا أنَّه من قول النبي صلى الله عليه وسلم فمعناه والله أعلم أنها لما كانت تنتقل للعقب بحكم تلقيهم عن مورثهم ويشتركون في الانتفاع بها أشبهت المواريث فأطلق عليها ذلك اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 294]، وأبو داود [3555]، والنسائي [6/ 274].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

4056 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حَدَّثَنَا ليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لمالك بن أنس. (أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أعمر) بصيغة المعلوم (رجلًا) مفعول به (عمرى) مفعول مطلق أي من وهب رجلًا هبة كائنة (له ولعقبه) بصيغة عمرى (فـ) أنَّه (قد قطع قوله) ذلك بالرفع فاعل (حقه) مفعول به أي قد أزال قوله ذلك ملكه وحقه (فيها) أي في تلك العين المعمرة الموهوبة (وهي) أي تلك العين المملوكة (لمن أعمر) بالبناء للمجهول أي مملوكة لمن أعطيها بصيغة العمرى مدة حياته (و) مملوكة (لعقبه) أي لنسله وورثته بعد مماته (غير أن يحيى) بن يحيى (قال في أول حديثه) وروايته لفظة (أيما رجل أعمر عمرى فهي له ولعقبه) وأما روايته ابن رمح ورواية قتيبة فهي قوله: (من أعمر رجلًا عمرى) إلخ فهذا بيان لمحل المخالفة بين مشايخ المؤلف، والمعنى واحد.

ص: 80

4057 -

(00)(00) حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَاب، عَنِ الْعُمْرَى وَسُنَّتِهَا، عِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَال: قَدْ أَعْطَيتُكَهَا وَعَقِبَكَ مَا بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْطِيَهَا. وَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا. مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ".

4058 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ). قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

4057 -

(00)(00)(حدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري، ثقة، من (10) قال الحاكم: إنه العالم ابن العالم وإنه وأباه وجده كلهم من تلامذة الثوري (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن شهاب) غرضه بيان متابعة ابن جريج لمالك وليث بن سعد (عن) حكم (العمرى وسنتها) أي وطريقتها (عن) أي من (حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله عنهما (أخبره) أي أخبر لأبي سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل أعمر رجلًا عمرى له ولعقبه) وقوله: (فقال: قد أعطيتكها) أي قد أعطيتك هذه الدار تفسير لما قبله (و) أعطيتها (عقبك) ونسلك (ما بقي منكم) أي منك ومن عقبك (أحد فإنها) أي فإن تلك العين المعمرة مملوكة (لمن أعطيها وإنها لا ترجع إلى صاحبها) وواهبها أبدًا (من أجل أنَّه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) يعني أنَّه لما جعلها للعقب فالغالب أن العقب لا ينقطع فلا تعود لصاحبها لذلك.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

4058 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ لعبد قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه

ص: 81

قَال: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلعَقِبِكَ. فَأَمَّا إِذَا قَال: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا.

قَال مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِهِ.

4059 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرٍ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ)؛

ــ

بيان متابعة معمر لمن روى عن الزهري (قال) جابر: (إنما العمرى التي أجاز) وصحح وجعلها (رسول الله صلى الله عليه وسلم هبة مؤبدة، وفي المفهم معنى أجاز أي أمضى جوازها وألزمه دائمًا اهـ، هي (أن يقول) المعمر: أعمرتك هذه الدار (هي لك ولعقبك) أي ولنسلك والعقب بفتح العين وكسر القاف من يعقب الرجل بعد وفاته وهم الورثة (فأما إذا قال) الواهب (هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها) أي واهبها فلا تكون هبة مؤبدة (قال معمر) بالسند السابق (وكان الزهري يفتي) فيما إذا قال: هي لك ما عشت (به) أي برجوعها إلى صاحبها.

قال صاحب التكملة: قال شيخنا العثماني في إعلاء السنن: إن هذا الحديث لم يسنده إلى جابر إلَّا عبد الرزاق والصحيح أنَّه قول الزهري فلا يُحتج به ويمكن حمله على ما إذا قال: داري لك عمري سُكنى ما عشت فإنها تكون عارية، وأما إذا قال: داري لك عمري ما عشت فإنها تنعقد هبة مؤبدة عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى اهـ منه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:

4059 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8)(عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي العامري المدني، ثقة، من (7)(عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر وهو ابن عبد الله) وضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا محمد بن رافع فإنه نيسابوري، غرضه بيان متابعة ابن أبي ذئب

ص: 82

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيمَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ لَهُ بَتْلَةً. لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْط وَلَا ثُنْيَا.

قَال أَبُو سَلَمَةَ: لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ. فَقَطَعَتِ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ.

4060 -

(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ

ــ

لمن روى عن الزهري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) وحكم (فيمن أعمر) بالبناء للمجهول (عمرى) مفعول مطلق لأعمر (له ولعقبه) صفة لعمرى (فهي) الفاء زائدة هي مبتدأ (له) خبر المبتدأ (بتلة) بالنصب حال من الضمير المستكن في الخبر، والجملة الاسمية في محل النصب مفعول قضى، والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن أعطى عطية كائنة له ولعقبه كونها مملوكة له ثم لعقبه حالة كونها هبة بتلة أي مقطوعة مجزومة مؤبدة غير راجعة إلى الواهب، وفي النهاية بتل رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرى أي أوجبها وملكها ملكًا لا يتطرق إليه نقض ولا فسخ اهـ، وفي المصباح يقال: بتله يبتله بتلًا كقتله يقتله قتلًا إذا قطعه وأبانه ويقال طلقها طلقة بتة بتلة أي بائنة اهـ وفي تاج العروس يقال: بتل الشيء يبتله من باب نصر وضرب إذا قطعه وأفرده من الآخر يقال صدقة بتلة منقطعة عن صاحبها غير راجعة إليه (لا يجوز للمعطي فيها شرط) أي شرط شيء فيها كان يقول: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك بشرط إذا مت قبلي عادت إليّ أو إذا انقرض عقبك إلى عقبي (ولا) يجوز للمعطي (ثُنْيا) فيها أي استثناء فيها ولا تعليق كان يقول: أعمرتك هذه الدار إن شاء الله (قال أبو سلمة) بالسند السابق وإنما مُنع من الشرط والاستثناء (لأنه أعطى عطاء وقعت) أي تقع (فيه المواريث) أي الوراثة لورثة الموهوب له (فقطعت) أي أبطلت (المواريث) أي ثبوت الوراثة فيه (شرطه) أي شرط الواهب وتعليقه فهي هبة مؤبدة للموهوب له لا ترجع إلى الواهب أبدًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه خامسًا فقال:

4060 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري (القواريري) نسبة إلى عمل القارورة أو بيعها (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن

ص: 83

حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ".

4061 -

(00)(00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال. بِمِثْلِهِ.

4062 -

(00)(00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ

ــ

عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8)(حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من (7)(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول): رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرى) أي المال المعمر أي الموهوب بصيغة العمرى كان يقول: أعمرت هذه الدار مملوكة (لمن وهبت له) ملكًا مؤبدًا لا ترجع إلى الواهب أبدًا، والعمرى في الأصل مصدر كالرجعى جاء على أصله في حديث العمرى جائزة كما سيأتي وجاء فيما نحن فيه على معنى اسم المفعول، وفي تيسير المناوي (العمرى لمن وهبت له) سواء اطلقت أو قُيدت بعمر الآخذ أو ورثته أو المعطي اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال:

4061 -

(00)(00)(وحدثناه محمد بن المثنى حَدَّثَنَا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام (عن يحيى بن أبي كثير حَدَّثَنَا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معاذ بن هشام لخالد بن الحارث وساق معاذ (بمثله) أي بمثل حديث خالد بن الحارث.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال:

4062 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة،

ص: 84

حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

4063 -

(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكُوا عَلَيكُمْ أَمْوَالكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا. فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا. حَيًا وَمَيتًا. وَلِعَقِبِهِ"

ــ

من (10)(حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7)(حَدَّثَنَا أبو الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما حالة كون جابر (يرفعه) أي يرفع هذا الحديث (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سلمة بن عبد الرحمن.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثامنًا فقال:

4063 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ له أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن أبي الزبير عن جابر) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن يحيى لأحمد بن يونس (قال) جابر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسكوا عليكم أموالكم) أي استمروا على ملكيتها (ولا تفسدوها) أي ولا تخرجوها عن ملككم بالعُمرى (فإنه) فإن الشأن والحال (من أعمر عمرى) أي أعطى عطاء بصيغة عمرى كان يقول: أعمرتك هذه الدار (فهي) أي فتلك العطية التي أُعطيت بصيغة عمرى مملوكة (للذي أعمرها) بالبناء للمجهول أي للموهوب له الَّذي أعطيها بصيغة عمرى حالة كونه (حيًّا) دل على أنَّه يملكها في حياته وله بيعها وسائر التصرفات (و) حالة كونه (ميتًا) تُدفع (ولعقبه) والواوفي قوله: (ولعقبه) عاطفة على قوله للذي أعمرها فيكون حيًّا للذي أعمر وميتًا للعقب فيكون في الكلام تقديم وتأخير والمعنى فهي للذي أعمرها حيًّا ولعقبه ميتًا، يعني إذا قال: أعمرتها لك ولعقبك فإنه ينتفع بها في حياته ثم ينتقل نفعها إلى عقبه بعد موته، وهذه الرواية وإن وقعت هنا مطلقة فهي مقيدة بالرواية الأخرى التي ذُكر فيها العقب لا سيما والراوي واحد والقضية واحدة فيُحمل المطلق منها على المقيد قولًا واحدًا اهـ من المفهم.

قال النووي: قوله: (أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها) المراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكًا تامًّا لا يعود إلى الواهب أبدًا فإذا

ص: 85

4064 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. خ وَحدَّثنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي،

ــ

علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة، ومن شاء ترك لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية ويرجع فيها الواهب اهـ نووي، وفي تاج العروس: قال ثعلب: العمرى هو أن يدفع الرجل إلى أخيه دارًا فيقول له: هذه لك عمرك أو عمري أينا مات دُفعت الدار إلى أهله أو يقال لك هذه عمرى حتَّى تموت وكذلك كان فعلهم في الجاهلية ويفعلون ذلك في الأرض وفي الإبل أيضًا كما يفهم من الصحاح ويدل عليه إطلاق الأموال في الحديث فأبطل صلى الله عليه وسلم الشرط وأمضى الهبة وأعلمهم أن من أعمر أحدًا شيئًا طول حياته فهو لورثته من بعده اهـ من بعضى الهوامش.

قال القرطبي: قوله: (أمسكوا عليكم أموالكم) الخ من باب الإرشاد إلى الأصلح لأن الإعمار يمنع المالك من التصرف فيما يملك رقبته آمادًا طويلة لا سيما إذا قال هي لك ولعقبك فإن الغالب أنها لا ترجع إليه كما مر ولا يصح حمل هذا النهي على التحريم لأنه قد قال في الرواية الأخرى: (العمرى جائزة لمن وهبت له) أي عطية جائزة ولأنها من أبواب البر والمعروف والرفق فلا يُمنع منه، وقول ابن عباس: لا تحل العمرى ولا الرقبى محمول على ذلك فإنه قال إثر ذلك: "فمن أعمر شيئًا فهو له" رواه النسائي [6/ 270] فقد جعلهما طريقين للتمليك فلو كان عقدهما حرامًا كسائر العقود المحرمة لأمر بفسخهما اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا فقال:

4064 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) العبدي الكوفي ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا حجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم الصواف الخياط أبو الصلت الكندي مولاهم البصري، ثقة، من (6)(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري البصري، صدوق، من (11)(حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث، صدوق، من (9)(عن جدي) عبد الوارث بن

ص: 86

عَنْ أَيُّوبَ. كُلُّ هؤُلَاءِ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي خَيثَمَةَ. وَفِي حَدِيثِ أَيُّوبُ مِنَ الزِّيَادَةِ قَال: جَعَلَ الأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ المُهَاجِرِينَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكُوا عَلَيكُمْ أَمْوَالكُمْ".

4065 -

(1564)(128) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ). قَالا: حدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

ــ

سعيد، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (كل هؤلاء) الثلاثة من حجاج بن أبي عثمان وسفيان الثوري وأيوب السختياني رووا (عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث أبي خيثمة) زهير بن معاوية وهذه الأسانيد الثلاثة: الأولان منها من خماسياته، والثالث من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لزهير بن معاوية (و) لكن (في حديث أيوب) وروايته (من الزيادة) لفظة (قال) جابر لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم مع المهاجرين (جعل الأنصار) الأوس والخزرج أي شرعوا (يعمرون المهاجرين) أي يعاملون معهم معاملة العمرى أي يهبون بعض بساتينهم بصيغة العمرى للمهاجرين ظنًّا منهم على عادة الجاهلية أنها كالعارية تعود إلى الواهب (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إعلامًا لهم بأنها ليست كالعارية بل هي هبة تامة مملوكة للموهوب له لا ترجع إلى الواهب (أمسكوا عليكم أموالكم) أي بساتينكم في أملاككم فلا تخرجوها بالعمرى عن أملاككم، وتمام الحديث ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًّا وميتًا ولعقبه كما مر وهذا النهي تأكيد للأمر وعلله بأنها لمن أعمر على صيغة المجهول أي فلا تضيّعوا أموالكم ولا تخرجوها عن أملاككم فإنه لا رجوع لها إلى المعطي أصلًا وهذا إرشاد لهم إلى مصالحهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر رضي الله عنه بحديث آخر له فقال:

4065 -

(1564)(128)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (واللفظ لابن رافع قالا: حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)

ص: 87

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: أَعْمَرَتِ امْرأَةٌ بِالْمَدِينَةِ حَائِطًا لَهَا ابْنًا لَهَا. ثُمَّ تُوُفِّيَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ، وَتَرَكَتْ وَلَدًا، وَلَهُ إِخْوَةٌ بَنُونَ لِلْمُعْمِرَةِ. فَقَال وَلَدُ الْمُعْمِرَةِ: رَجَعَ الْحَائِطُ إِلَينَا. وَقَال بَنُو الْمُعْمَرِ: بَلْ كَانَ لأَبَينَا حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ. فَاخْتَصمُوا إِلَى طَارِقٍ مَوْلَى عُثْمَانَ

ــ

(أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6)(أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد نيسابوري (قال) جابر:(أعمرت امرأة) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمها وأسماء أبنائها اهـ من مبهمات مسلم، أي وهبت امرأة من الأنصار (بالمدينة) بصيغة عمرى (حائطًا لها) أي بستانًا لها وهو مفعول ثان لأنه المأخوذ (أبنًا لها) مفعول أول لأنه الآخذ لأن أعمر هنا بمعنى أعطى يتعدى إلى مفعولين ويجوز العكس على قلة (ثم توفي) أي مات ذلك الابن المعمر (وتوفيت) المرأة الواهبة (بعده) أي بعد ذلك المعمر، وقوله:(وتركت ولدًا) هكذا وقع في أكثر النسخ المصرية ولا يبدو صحيحًا لأن الكلام يختل به، والصواب (وترك) ذلك الابن المعمر (ولدًا) كما في النسخ الهندية وهو الصحيح، وقد أثبت ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 168](وترك ولدًا) على وفق النسخ الهندية، ومثله وقع في رواية البيهقي في سننه [6/ 173] وعبد الرزاق في مصنفه [9/ 189] وبه يستقيم الكلام والمعنى أن المعمر له ترك ولدًا (و) كان للمعمر (له إخوة) هم (بنون للمعمرة فقال ولد المعمرة) أي بنوها (رجع الحائط إلينا) بموت المعمر له لأنه كالعارية للمعمر على عادة الجاهلية (وقال بنو المعمر: بل كان) الحائط (لأبينا) نفسه (حياته) أي في حال حياته (و) لنا بـ (موته) وقد ذكر الحافظ في ترجمة طارق بن عمرو من التهذيب [5/ 6] رواية عن مصنف عبد الرزاق هي أكثر وضوحًا ولفظها (أعمرت امرأة بالمدينة حائطًا لها ابنًا لها ثم توفي وترك ولدًا وتوفيت بعده وتركت ولدين آخرين فقال ولد المعمرة رجع الحائط إلينا وقال ولد المعمر بل كان لأبينا حياته وموته) الخ (فاختصموا) أي: اختصم أولاد المعمر وأولاد المعمرة أي تنازعوا في الحائط وترافعوا (إلى طارق) بن عمرو (مولى عثمان) بن عفان رضي الله عنه ولده عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد إمارة ابن الزبير وكان جابر يقول: عجبت من أمور

ص: 88

فَدَعَا جَابِرًا فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَى لِصَاحِبِهَا. فَقَضَى بِذلِكَ طَارِقٌ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَخْبَرَهُ ذلِكَ. وَأَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ جَابِرٍ. فَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: صدَقَ جَابِرٌ. فَأَمْضَى ذلِكَ طَارِقٌ. فَإِنَّ ذلِكَ الْحَائِطَ لِبَنِي الْمُعْمَرِ حَتى الْيَوْمِ.

4066 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)(قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ؛

ــ

كلها عجب، عجب لمن سخط ولاية عثمان ونقم عليه حتَّى قتلوه فابتلوا بطارق مولاه فصعد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب عليه وليس هو من صالح من تقدم وكلنا ابتلينا به، وسئل أبو زرعة عن طارق هذا فقال: ثقة، كذا في تهذيب تاريخ ابن عساكر [7/ 41].

(فدعا) طارق (جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري ليسأله عن هذه القضية (فـ) جاء إليه جابر و (شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ) أن (العمرى) مملوكة (لصاحبها) أي لمن أعمر بها (فقضى بذلك) أي بكون الحائط لولد المعمر (طارق) بن عمرو (ثم كتب) طارق (إلى عبد الملك) بن مروان بن الحكم الأموي الخليفة المعروف من خلفاء بني أمية وكان من الفقهاء المحدثين (فأخبره) طارق في كتابه (ذلك) الَّذي قضى به في الواقعة (وأخبره) أي أخبر طارق لعبد الملك (بشهادة جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما بكون العمرى للمعمر ولعقبه (فقال عبد الملك) بن مروان (صدق جابر) فيما حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمضى) أي نفذ (ذلك) الحكم (طارق) قال جابر بن عبد الله: (فإن ذلك الحائط لبني المعمر) بفتح الميم (حتَّى اليوم) أي إلى يومنا هذا. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال:

4066 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر قال إسحاق أخبرنا وقال أبو بكر حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4)(عن سليمان بن يسار) المدني الهلالي مولاهم مولى ميمونة زوج

ص: 89

أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْعُمْرى لِلْوَارِثِ. لِقَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

4067 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّثُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"الْعُمْرَى جَائِزَةٌ".

4068 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من (3) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن يسار لأبي الزبير المكي (أن طارق) بن عمرو الأموي (قضى) وحكم (بـ) كون (العمرى) مملوكة (للوارث) أي لوارث المعمر بعد موته (لقول جابر) أي لحديث رواه جابر (بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

4067 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (قال سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري حالة كونه (يحدِّث عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بيان متابعة عطاء لمن روى عن جابر (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لعمرى جائزة) أي صحيحة مملوكة لمن أُعمر في حياته ولعقبه بعد موته.

ثم ذكر رحمه الله ثالثًا فقال:

4068 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10)(حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8)(حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري، ثقة، من (6)(عن قتادة) ثقة، من (4)(عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3)(عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان

ص: 90

أَنَّهُ قَال: "الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لأَهْلِهَا".

4069 -

(1565)(129) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"الْعُمْرَى جَائِزَةٌ"

ــ

متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال العمرى ميراث لأهلها) أي لمستحقيها بعد موت المعمر وهم ورثته وعقبه وهذا كما في تيسير المناوي نص صريح فيما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي من عدم رجوعها للمعمر بكسر الميم وعقبه لأنه إنما وهب الرقبة وجعلها الإمام مالك إباحة منافع اهـ.

قال القرطبي: والذي يظهر لي وأستخير الله في ذكره أن حديث جابر في العمرى رواه عنه جماعة واختلفت ألفاظهم اختلافًا كثيرًا ثم رواه عن كل واحد من تلك الجماعة قوم آخرون واختلفوا كذلك ثم كذلك القول في الطبقة الثالثة وخلط فيه بعضهم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه فاضطرب فضعفت الثقة مع ما ينضاف إليه من مخالفته للأصل المعلوم المعمول به من أن الناس على شروطهم في أموالهم كما قال القاسم بن محمد وكما دل عليه الحديث المتقدم في الشروط وينضاف إلى ذلك أن الناس تركوا العمل به كما قال محمد بن أبي بكر فتعين تركه كما قال مالك: ليته مُحي ووجب التمسك بأصل وضع العمرى كما تقدم، وبالأصل المعلوم من الشريعة من أن الناس على ما شرطوه في أعطياتهم وهذا القول هو المعول عليه وليس على غيره معول اهـ من المفهم.

4069 -

(1565)(129)(حَدَّثَنَا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري عن قتادة عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري أبي مالك البصري، ثقة، من (3)(عن بشير بن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء آخره كاف السدوسي أبي الشعثاء البصري، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا هريرة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرى جائزة) أي هبة صحيحة مستمرة للمعمر ثم لعقبه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الهبة، وأبو داود

ص: 91

4070 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"مِيرَاثْ لأَهْلِهَا" أَوْ قَال: "جَائِزَةٌ"

ــ

أخرجه في البيوع، والنسائي في العمرى اهـ تحفة الأشراف.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4070 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) الهجيمي البصري (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (غير أنَّه) أي لكن أن سعيدًا (قال) في روايته: العمرى (ميراث لأهلها أو قال) قتادة العمرى (جائزة) أي صحيحة بالشك فيما قاله قتادة.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه تسع متابعات، والثاني: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ص: 92