المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

4233 -

(1618)(181) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ أَو ابْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا. فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ

ــ

600 -

(40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

4233 -

(1618)(181)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة) بضم أوله ابن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة أبي حاجب البصري قاضيها ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبي نجيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) عمران بن حصين (قاتل) أي ضارب (يعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون وفتح الياء المخففة اسم أمه أو اسم جدته (أو) قال عمران: قاتل يعلى (بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم والياء المشددة اسم أبيه ابن عبيد بن همام بن الحارث التميمي حليف قريش المكي الصحابي المشهور من مسلمة الفتح رضي الله عنه (رجلًا) أي تضارب مع رجل وهو أجير يعلى بن أمية كما سيأتي في روايته وهذا صريح في أن يعلى بن أمية هو الذي قاتل أجيره (فعض أحدهما) أي أحد المتضاربين (صاحبه) أي خصمه ومراده أن يعلى بن أمية عض أجيره وإنما أبهم يعلى تسمية العاض احتشامًا من نسبة العض إلى نفسه ولذلك قال الحافظ في الفتح [12/ 223] وفيه أن من وقع له أمر يأنفه أو يحتشم من نسبته إليه إذا حكاه كنى عن نفسه بأن يقول فعل رجل أو إنسان أو نحو ذلك كذا وكذا قال النووي: المعضوض هو يعلى وفي الرواية الثانية والثالثة أن المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى قال الحفاظ: الصحيح المعروف أنه أجير يعلى لا يعلى والعاض هو يعلى ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى وأجيره في وقت أو وقتين اهـ وهذا هو الصحيح في تسمية العاض وزعم القرطبي وعياض أن العاض غير يعلى واستدلا بما سيأتي في رواية عطاء عن صفوان بن يعلى أن أجيرًا ليعلى بن منية عض

ص: 350

فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ. فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ. (وَقَال ابْنُ الْمُثَنَّى: ثَنِيَّتَيهِ)

ــ

رجل ذراعه فإنه يتبادر منه أن الرجل العاض غير يعلى بن منية ورجح القرطبي هذا الاحتمال لجلالة يعلى وفضله واستبعد أن يقع منه ذلك وتبعه النووي فقال: والصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى لا يعلى كما مر آنفًا ولكن تعقبهم الزين العراقي في شرح الترمذي كما حكى عنه البدر العيني في العمدة [11/ 207] والحافظُ في الفتح [12/ 220] فقال: ليس في رواية مسلم ولا في رواية غيره من الكتب الستة ولا غيرها أن يعلى هو المعضوض لا صريحًا ولا إشارة فيتعين أن يعلى هو العاض ويظهر من مجموع روايات هذه القصة صحة ما قاله العراقي فقد صرح عمران بن حصين في رواية الباب أن يعلى بن أمية أحد المتقاتلَين وصرح في رواية صفوان بن يعلى الآتية أن أجير يعلى هو المعضوض فتلخص من الروايتين أن يعلى هو العاض وأجيره هو المعضوض ووقع في رواية محمد بن مسلم عن صفوان عند النسائي أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فاستأجر أجيرًا فقاتل رجلًا فعض الرجل ذراعه وهذا صريح في أن العاض خصم الأجير وهو يعلى وأما استبعاد القرطبي أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له من ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح وقال الحافظ فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه فلا استبعاد وأما ما ذكره النووي من تعدد القصة فلا يخفى بعده لأن الحديث واحد والسياق واحد والله سبحانه وتعالى أعلم.

(فانتزع) المعضوض (يده) أي جذبه (من فمه) أي من فم العاض (فنزع) المعضوض أي أسقط المعضوض بسبب نزع يده من فم العاض (ثنيته) أي ثنية العاض والثنية واحد الثنايا وهي مقدم الأسنان (وقال ابن المثنى) في روايته (ثنيتيه) بصيغة التثنية يعني سقطت كلتا ثنيتيه ووقع في رواية ابن سيرين الآتية وفي رواية الكشميهني لصحيح البخاري ثناياه بصيغة الجمع واختلفت الروايات بين الإفراد والتثنية والجمع وقال العيني في عمدة القاري [11/ 207] والتوفيق بين هذه الروايات أن الاثنين يطلق عليهما صيغة الجمع وأن رواية الإفراد على إرادة الجنس كذا قيل لكن يعكر عليه رواية محمد بن علي (فانتزع إحدى ثنيتيه) فعلى هذا يُحمل على التعدد ولكن استبعد الحافظ حمله على التعدد لاتحاد مخرج الحديث.

فالظاهر أن أحد الرواة وهم في تعيين عدد الساقطة من الثنايا وقدمنا مرارًا أن الرواة إنما يعتنون بحفظ أصل القصة ولا يبالون بتفصيل جزئياتها في كثير من المواقع

ص: 351

فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَهُ".

4234 -

(00)(00) وحدّثنا محَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ،

ــ

فمن الطبيعي أن يجري مثل هذه الخلافات البسيطة فيما بين الرواة ولا سبيل إلى القطع بتصحيح بعض الروايات في مثلها ولا حاجة إلى تحصيل القطع واليقين فيها فإنه لايقدح ذلك في ثبوت أصل الحديث فالرجوع في مثل هذه الخلافات إلى حمل الروايات على تعدد القصة تكلف لا داعي إليه (فاختصما) أي فاختصم العاض والمعضوض وترافعا (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل ثنية العاض (فقال) له: (أيعض أحدكم) بفتح العين من باب سمع والعض الأكل بأطراف الأسنان والاستفهام فيه للإنكار أي أيأكل أحدكم يد صاحبه (كما يعض الفحل) أي كما يأكل الفحل أغصان الشجر والفحل الذكر من الإبل ويطلق على غيره من ذكور الدواب (لا دية له) أي للعاض في سنه ولا قصاص وبه أخذ الجمهور فقالوا: لا يلزم المعضوض قصاص ولا دية لأنه في حكم الصائل واحتجوا أيضًا بالإجماع على أن من شهر على آخر سلاحًا ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر أنه لا شيء عليه فكذا لا يضمن سنه بدفعه إياه عنها وكذا لو قصد رجل الفجور بامرأة فلا يمكنها الخلاص إلا بقتله فقتلته لا شيء عليها كما في المبارق وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي غير أنه قيده الحافظ في الفتح [12/ 222] بأن يتألم المعضوض وأن لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب في شدقيه أو فك لحييه ليرسلها ومهما أمكنه التخليص بدون ذلك فعدل إلى الأثقل لم يهدر وعند الشافعية وجه أنه يهدر على الإطلاق ووجه أنه لو دفعه بغير الجذب من الجرح في موضع آخر ضمن وقال مالك: يضمن المعضوض سن العاض مطلقًا والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 222]، والبخاري [2265]، وأبو داود [4584 و 4585]، والنسائي [8/ 30]، وابن ماجه [2656].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال:

4234 -

(00)(00) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء) بن أبي رباح اسمه أسلم القرشي المكي ثقة، من

ص: 352

عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.

4235 -

(00)(00) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ. فَجَذَبَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ. فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَبْطَلَهُ. وَقَال:"أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ؟ "

ــ

(3)

(عن) صفوان (بن يعلى) بن أمية التميمي المكي ثقة، من (3)(عن) أبيه (يعلى) بن أمية رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق يعلى (بمثله) أي بمثل حديث عمران بن حصين وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة يعلى بن أمية لعمران بن حصين في رواية هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا متابعة في الشاهد وهي نادرة قليلة عندهم والله تعالى أعلم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال:

4235 -

(00)(00)(حدثني أبو غسان المسمعي) نسبة إلى المسامعة حارة في البصرة مالك بن عبد الواحد البصري (حدثنا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لشعبة بن الحجاج (أن رجلًا) من المسلمين وهو يعلى بن أمية (عضَّ ذراع رجل) منهم وهو أجير يعلى (فجذبه) أي فجذب المعضوض ذراعه من فم العاض (فسقطت ثنيته) أي ثنية العاض (فرُفع) المعضوض (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطله) أي فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم دم العاض أي ثنيته وأهدرها بلا قصاص ولا دية (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم للعاض: (أردت) أي قصدت (أن تأكل لحمه) أي لحم المعضوض كما يأكل الفحل أغصان الشجر وقضبانه واصطلح الفقهاء على تسمية الدفاع الشرعي بدفع الصائل وعلى تسمية المعتدي بالصائل والمعتدى عليه بالمصول عليه قوله: (عض ذراع رجل) هذا هو المشهور في أكثر الروايات ولكن وقع عند البخاري في الإجارة من طريق ابن علية عن ابن جريج (فعفق إصبع صاحبه فانتزع إصبعه) والجمع بين الذراع والإصبع عسير والحمل على تعدد الواقعتين بعيد ورجح الحافظ روايات الذراع لكثرتها وقال وانفراد ابن علية عن ابن جريج بلفظ الإصبع لا يقاوم هذه الروايات المتعاضدة على

ص: 353

4236 -

(1619)(182) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بُدَيلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى؛ أَنَّ أَجِيرًا لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَضَّ رَجُلٌ ذِرَاعَهُ. فَجَذَبَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ. فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَبْطَلَهَا. وَقَال:"أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ "

ــ

الذراع وجدد العهد بما ذكرناه غير مرة أن الرواة ربما لا يحتفظون بالجزئيات وأن ذلك لا يقدح في ثبوت أصل الحديث والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمران بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنهما فقال:

4236 -

(1619)(182)(حدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن بديل) بن ميسرة العقيلي بضم العين البصري ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عطاء بن أبي رباح) القرشي مولاهم المكي (عن صفوان بن يعلى) بن أمية المكي عن أبيه يعلى بن أمية المكي وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم بصريون وثلاثة مكيون (أن أجيرًا ليعلى بن منية عض رجل) وهو يعلى بن أمية أبهمه احتشامًا من نسبة العض إليه كما مر (ذراعه) أي ذراع الأجير (فجذبها) أي فجذب الأجير ذراعه عن فم يعلى وذكر الضمير هنا وأنثه فيما سيأتي لأن الذراع يذكر ويؤنث (فسقطت ثنيته) أي ثنية يعلى بسبب جذب الأجير ذراعه من فمه (فرفع) المعضوض الذي هو الأجير (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطلها) أي أهدر النبي صلى الله عليه وسلم ثنية يعلى بلا قصاص ولا دية (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم ليعلى:(أردت) أي قصدت (أن تقضمها) أي تقضم ذراعه وتأكلها (كما يقضم الفحل) أغصان الشجر أي أن تعض ذراعه بأسنانك كما يعض الجمل قال أهل اللغة: القضم يكون بأطراف الأسنان والخضم بأقصى الأضراس وبابهما تعب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رقم [6893]، وأخرجه أيضًا في مواضع كثيرة وأبو داود في الديات والنسائي في القسامة وابن ماجه في الديات.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمران بن حصين ولو قدم هذه المتابعة على حديث يعلى المذكور قبلها استشهادًا لكان أنسب وأوفق لاصطلاحاته وسلم من اختلاط المتابعات في الحديثين فقال:

ص: 354

4237 -

(00)(00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثنَا قُرَيشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ. فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ أَوْ ثَنَايَاهُ. فَاسْتَعْدَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَأْمُرُنِي؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدْفَعَ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ادْفَعْ يَدَكَ حَتَّى يَعَضَّهَا

ــ

4237 -

(00)(00)(حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) البصري ثقة، من (11) (حدثنا قريش بن أنس) الأنصاري مولاهم أبو أنس البصري روى عن ابن عون في الديات وحميد وسليمان التيمي ويروي عنه (خ م د ت ق) وأحمد بن عثمان النوفلي وابن المثنى وابن بشار وثقه ابن المديني والنسائي وقال أبو حاتم لا بأس به ولكنه تغير في آخر عمره وكان صحيح العقل إلى سنة (203) ومات سنة (208) وسماع المتأخرين منه بعد اختلاطه مثل ابن أبي العوام ويزيد بن سنان وظهر في حديثه مناكير زمن الاختلاط وقال في التقريب: صدوق تغير بآخره قدر ست سنين من التاسعة وليس في مسلم من اسمه قريش إلا هذا (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة، ثبت من (6) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري (عن عمران بن حصين) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بيان متابعة ابن سيرين لزرارة بن أوفى (أن رجلًا) هو يعلى بن أمية (عض يد رجل) هو أجيره (فانتزع يده) أي جذب المعضوض يده من فم العاض (فسقطت ثنيته) أي ثنية العاض بصيغة الإفراد (أو) قال عمران فسقطت (ثناياه) أي ثنايا العاض وأسنانه بصيغة الجمع والشك من ابن سيرين فيما قاله عمران أو ممن دونه (فاستعدى) العاض يعني يعلى (رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر منه أي طلب منه النصر والحكم له على المعضوض بضمان أسنانه بقصاص أو بدية يقال: استعديت الأمير على الظالم أي طلبت منه النصرة عليه فأعداني عليه أي أعانني ونصرني فالاستعداء طلب التقوية والنصرة ممن له شوكة وولاية (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعاض الذي استعدى منه (ما تأمرني) أي أي شيء تأمرني وتطلبه مني (تأمرني أن آمره) أي أن آمر المعضوض (أن يدفع يده) ويتركها (في فيك) أي في فمك حالة كونك (تقضمها) أي تقضم يده وتأكلها (كما يقضم الفحل) أغصان الشجر إن شئت الإنصاف (ادفع يدك) أيها العاض إلى المعضوض (حتى يعضها) أي حتى يعض

ص: 355

ثُمَّ انْتَزِعْهَا".

4238 -

(00)(00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثنَا هَمَّامٌ. حَدَّثنَا عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، وَقَدْ عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ (يَعْنِي الَّذِي عَضَّهُ). قَال: فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَال: "أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهُ كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ "

ــ

المعضوض يدك ويأكلها (ثم انتزعها) أي انتزع يدك من فم المعضوض لتسقط أسنانه مثل ما سقطت أسنانك قال النووي: ليس المراد بهذا أمره بدفع يده ليعضها وإنما معناه الإنكار عليه أي إنك لا تدع يدك في فيه يعضها فكيف تنكر عليه أن ينتزع يده من فيك وتطالبه بما جنى في جذبه لذلك اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال:

4238 -

(00)(00)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي البصري (حدثنا عطاء) بن أبي رباح القرشي المكي (عن صفوان بن يعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون اسم أمه أو جدته وهو الأصح (عن أبيه) يعلى بن أمية رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام لبديل بن ميسرة (قال) يعلى بن أمية:(أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) من المسلمين هو أبهم نفسه وكنى عنها برجل أنفة من نسبة العض إليه كما مر (وقد عض) ذلك الرجل (يد رجل) آخر وهو أجيره (فانتزع) ذلك المعضوض (يده) أي جذبها من فم العاض (فسقطت ثنيتاه) بصيغة التثنية وقد تقدم الجمع بين الروايات المختلفة في صيغة الثنية بالإفراد والجمع والتثنية فراجعه (يعني) يعلى بضمير ثنيتاه العاض (الذي عضه) أي عض المعضوض يعني سقطت ثنيتا العاض بجذب المعضوض يده من فمه وهو تفسير من صفوان للضمير المجرور (قال) يعلى: (فأبطلها) أي فأبطل ثنايا العاض (النبي صلى الله عليه وسلم أي حكم بأن لا ضمان على المعضوض لثنايا العاض بقصاص ولا دية وكان مقتضى السياق (فأبطلهما) بضمير التثنية كما في بعض النسخ إلا أن يقال: أنث الضمير نظرًا إلى أن المراد بالجمع ما فوق الواحد (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم للعاض: (أردت) أيها العاض (أن تقضمه) أي أن تقضم المعضوض أي أن تقضم يده كما يقضم الفحل) أي فحل الإبل أغصان الشجر.

ص: 356

4239 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبْوكَ. قَال: وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي. فَقَال عَطَاءٌ: قَال صَفْوَانُ: قَال يَعْلَى: كَانَ لِي أَجِيرٌ. فَقَاتَلَ إِنْسانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ (قَال: لَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ) فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ. فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيهِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَأَهْدَرَ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال:

4239 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة أَخْبَرَنَا ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه) يعلى بن أمية رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن جريج لبديل بن ميسرة وهمام بن يحيى (قال) يعلى (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك) وزاد البخاري في الجهاد من طريق سفيان عن ابن جريج (فحملت على بكر)(قال) صفوان (وكان) والدي (يعلى يقول) عندما حدَّث هذه القصة (تلك الغزوة) يعني غزوة تبوك (أوثق عملي عندي) أي أشده وثوقًا عندي بالقبول والإخلاص لله تعالى يعني لكونها في ساعة العسرة مع بعد الشقة (فقال عطاء) بن أبي رباح: (قال) لي (صفوان) بن يعلى (قال) لنا والدي (يعلى) بن أمية عندما يحدث لنا هذه القصة كان لي أجير فقاتل) ذلك الأجير (إنسانًا) أي تضارب مع إنسان على وجه المقاتلة وذلك الإنسان هو نفس يعلى كنى عن نفسه بإنسان لما مر (فعض أحدهما) أي أحد المتقاتلين وهو يعلى (يد الآخر) وهو الأجير (قال) عطاء: والله (لقد أخبرني صفوان أيهما) أي أيُّ المتقاتلين (عض الآخر) أي عين العاض من المعضوض فنسيته وزاد البخاري في المغازي من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج لفظة (فنسيته) أي فنسيت ذلك العاض الذي عينه لي صفوان وقوله: (فانتزع المعضوض يده من في) أي من فم (العاض) معطوف على قوله: فعض أحدهما يد الآخر (فانتزع) أي فأسقط المعضوض (إحدى ثنيتيه) أي إحدى ثنيتي العاض (فأتيا) أي فأتى العاض والمعضوض (النبي صلى الله عليه وسلم وترافعا إليه طلبًا للحكم بينهما

ص: 357

ثَنِيَّتَهُ.

4240 -

(00)(00) وحدّثناه عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.

4241 -

(1620)(183) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ

ــ

(فأهدر) النبي صلى الله عليه وسلم وأبطل (ثنيته) أي ثنية العاض أي حكم بكونها مهدرة ضائعة لا ضمان لها بقصاص ولا دية.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث يعلى فقال:

4240 -

(00)(00)(وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث يعلى (عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي أبو محمد النيسابوري المقرئ الحافظ روى عن إسماعيل بن علية في الحدود وعبد الوهاب بن عطاء في الطب وعذاب القبر وآخر الكتاب وهشيم في التفسير وآخر الكتاب ويروي عنه (خ م س) وجعفر الترك والسراج وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: هو ثقة ثقة وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة ولد سنة مائة وستين (160) ومات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (238) ذكره في الكاشف وله ثمان وسبعون سنة (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (قال: أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن صفوان عن يعلى (نحوه) أي نحو ما أخبر أبو أسامة عن ابن جريج غرضه بيان متابعة إسماعيل بن إبراهيم لأبي أسامة (واعلم) أن هذا الحديث من جملة ما استدركه الدارقطني على مسلم وطعن في إسناد الحديث من جهة أنه مضطرب عن عطاء ومن جهة أن ابن سيرين لم يصرح بسماعه عن عمران بن حصين ورد النووي كلا الطعنين بأن الاختلاف على عطاء لا يضعف الحديث (ولعله يريد أن جميع الطرق صحيحة) وبأن عدم تصريح ابن سيرين بسماعه عن عمران لا يستلزم أن لا يكون سمعه منه ثم لو ثبت ضعف بعض الطرق لم يلزم منه ضعف المتن فإنه صحيح بالطرق الباقية وإن مسلمًا يذكر في المتابعات من هو دون شرط الصحيح والله أعلم.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

4241 -

(1620)(183)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم) بن

ص: 358

حَدَّثنَا حَمَّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ، أُمَّ حَارِثَةَ، جَرَحَتْ إِنْسَانًا. فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"الْقِصَاصَ. الْقِصَاصَ" فَقَالتْ أُمُّ الرَّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلانَةَ؟ وَاللهِ! لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا

ــ

عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري ثقة، من (10)(حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8)(أخبرنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن أخت الربيع) بضم الراء وفتح الباء وكسر الياء المشددة وهي الربيع بنت النضر بن ضمضم الأنصارية الخزرجية رضي الله تعالى عنها وهي عمة أنس بن مالك رضي الله عنه وأخت أنس بن النضر وقوله:(أم حارثة) بالنصب بدل من أخت الربيع يعني حارثة بن سراقة بن حارث وقد استشهد يوم بدر وقالت أمه أخت الربيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندئذٍ أخبرني عن حارثة فإن يكن في الجنة صبرت واحتسبت وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إنه أصاب الفردوس راجع الإصابة [1/ 297 و 4/ 294] لم أر من ذكر اسمها (جرحت إنسانًا) أي لطمت جارية فكسرت سنها (فاختصموا) أي فاختصم أهل الجارية المجروحة وأهل الجانية التي هي أم حارثة أي ترافعوا وتحاكموا (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الجانية: (القصاص القصاص) أي التزموا القصاص وأوفوه لمستحقه الرواية بالنصاب في اللفظين ولا يجوز غيره وهو منصوب على الإغراء بفعل محذوف وجوبًا لا يجوز إظهاره لأن تكرار اللفظ ناب مناب العامل نظير قولهم: الحذار الحذار فلما فهمت أم الربيع أم أم حارثة لزوم القصاص بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم عظم عليها أن تكسر ثنية الجانية التي هي أم حارثة فبذلوا الأرش فلم يرض أولياء المجني عليها فكلم أهلها في ذلك فأبوا (فـ) ـلما رأت أم الربيع امتناعهم من ذلك وأن القصاص قد تعين (قالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص) أي هل يستوفى القصاص (من فلانة) تعني بنتها أم حارثة بكسر سنها (والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لا يقتص) أي لا يستوفى القصاص (منها) بكسر سنها أي حلفت على ذلك ثقة منها بفضل الله تعالى وتعويلًا عليه في كشف تلك الكربة عنها لا أنها ردت حكم الله وعاندته بل هي منزهة عن

ص: 359

فَقَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "سُبحَانَ اللهِ! يَا أُمَّ الرَّبِيعِ! الْقِصَاصُ كِتَابُ اللهِ" قَالتْ: لَا. وَاللهِ، لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا ابَدًا. قَال: فَمَا زَالتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ. فَـ

ــ

ذلك وهذا التأويل أولى من تأويل من قال: إن ذلك القسم منها على جهة الرغبة للنبي صلى الله عليه وسلم أو للأولياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر ذلك عليها بقوله: سبحان الله كتاب الله القصاص ولو كان رغبة له لما أنكرها وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه قسمًا وأخبر أنه قسم على الله وأن الله تعالى قد أبرها فيه حين قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)(فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها إنكارًا لما حلفت عليه (سبحان الله) أي تنزيهًا عن أن يرد حكمه (يا أم الربيع القصاص كتاب الله) أي حكم الله تعالى حيث قال: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] ففيه العمل بشرع من قبلنا إذا صح عندنا ولم يثبت في شرعنا ناسخ له ولا مانع منه وقد اختلف في ذلك الفقهاء والأصوليون وفي المذهب فيه قولان ووجه هذا الفقه قوله: (كتاب الله القصاص) وليس في كتاب الله القصاص في السن إلا في قوله تعالى حكاية عما حكم به في التوراة في قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا} الآية إلى قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وفيه القصاص في السن إذا قلعت أو طرحت وفي كسرها وكسر عظام الجسد خلاف هل يقتص منها أم لا فذهب مالك إلى القصاص في ذلك كله إذا أمكنت المماثلة وما لم يكن مخوفًا كعظم الفخذ والصلب أخذًا بقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وذهب الكوفيون والليث والشافعي إلى أنه لا قود في كسر عظم ما خلا السن لعدم الثقة بالمماثلة وفيه ما يدل على كرامات الأولياء اهـ من المفهم. فمعنى قوله: القصاص كتاب الله أي حكم الله وجوب القصاص في السن وهو قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] فيما حكاه الله تعالى من شريعة من قبلنا (قالت) أم الربيع مرة ثانية: (لا والله لا يقتص منها) أي من أم حارثة ولا الثانية توكيد لفظي للأولى قال النووي: ليس معناه ردَّ حكم النبي صلى الله عليه وسلم بل المراد به الرغبة إلى مستحقي القصاص أن يعفوا وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة إليهم في العفو وإنما حلفت ثقة بهم أن لا يحنثوها أو ثقة بفضل الله تعالى ولطفه أن لا يحنثها بل يلهمهم العفو اهـ (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان أي لا يستوفى منها القصاص في زمن من الأزمنة المستقبلة (قال) أنس بن مالك: (فما زالت) أم الربيع تحلف على ذلك (حتى قبلوا) أي حتى قبل مستحقوا القصاص (الدية) أي الأرش (فـ) ـلما رأى ذلك منها النبي صلى الله

ص: 360

قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ"

ــ

عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله) الصالحين (من لو أقسم على) حصول أمر من الأمور أو على نفيه بـ (ـالله) أي أقسم باسم من أسماء الله تعالى (لأبره) أي لجعله الله سبحانه وتعالى بارًّا صادقًا فيما حلف عليه بحصوله أو بعدمه لكرامته ومنزلته عند الله تعالى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1283]، والبخاري [2806]، وأبو داود [4595]، والنسائي [8/ 26 - 27]، وابن ماجه [2649].

قوله: (إن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانًا) قال القرطبي: كذا وقع اللفظ في كتاب مسلم قال القاضي عياض المعروف أن الربيع هي صاحبة القصة وكذا جاء الحديث في البخاري في الروايات الصحيحة أنها الربيع بنت النضر وعمة أنس بن مالك وأن الذي أقسم هو أخوها أنس بن النضر وكذا في المصنفات وجاء مفسرًا عند البخاري وغيره أنها لطمت جارية فكسرت سنها. ورواية البخاري هذه على أن الإنسان المجروح المذكور في رواية مسلم هو جارية فلا يكون فيه حجة لمن ظن أنه رجل فاستدل به على أن القصاص جار بين الذكر والأنثى فيما دون النفس والصحيح أن الإنسان يطلق على الذكر والأنثى وهو من أسماء الأجناس وهي تعم الذكر والأنثى كالفرس يعم الذكر والأنثى والجمهور من السلف والخلف على جريان القصاص بين الذكر والأنثى فيقتل الذكر بالأنثى إلا خلافًا شاذًّا عن الحسن وعطاء وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وهم محجوجون بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] اهـ من المفهم.

(رفع تعارض الروايات في هذه القصة):

واعلم أنه قد وقع تعارض بين رواية مسلم وبين روايات البخاري في هذه القصة في ثلاثة أمور: الأول: أن الجانية في رواية مسلم أخت الربيع وفي أكثر روايات البخاري أن الجانية هي الربيع نفسها دون أختها. الثاني: الجناية في رواية مسلم هي الجرح فقط وفي أكثر روايات البخاري أنها كسر الثنية. الثالث: أن الحالفة في رواية مسلم أم الربيع وفي أكثر روايات البخاري أن الحالف أنس بن النضر عم أنس بن مالك وأخو الربيع رضي الله عنهم وجمع النواوي رحمه الله تعالى بين هذه الروايات بأنهما

ص: 361

4242 -

(1621)(184) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَأَبُو مُعَاوَيةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ

ــ

قصتان متغايرتان قد جرحت أخت الربيع في إحداهما إنسانًا فحلفت أم الربيع وكسرت الربيع في أخراهما ثنية جارية فحلف أنس بن النضر وبه جزم الكرماني في شرح البخاري [24/ 21] وإليه مال العيني في عمدة القاري [11/ 203] والأبي في شرح مسلم [4/ 417، وغيرهم.

ولكن حمل الروايتين على تعدد القصتين بعيد لأن الرأوي واحد وسياق القصة واحد وربما يخطر بالبال احتمال أن رواية ثابت عند مسلم كانت في الأصل هكذا (عن أنس أن أخت الربيع جرحت إنسانًا) فصارت في بعض الكتابات عن أنس أن أخت الربيع جرحت بما يظهر منه أن أخت الربيع هي الجارحة مع أنه كان لبيان أن الربيع أخت أنس ومثل ذلك لا يبعد من النساخ لأن الفرق في كتابة (أخت) و (أخته) يسير جدًّا فإن كان هذا صحيحًا فيرتفع الخلاف في الأمر الأول والله أعلم وأما الأمر الثاني فرفع الاختلاف فيه أيسر لأن الجرح شامل لكسر الثنية فلا منافاة بينهما وبقي الاختلاف في الأمر الأخير في تعيين الحالف ويحتمل أن يكون أحد الرواة وهم في تعيينه.

ووقع مثل ذلك لكثير من الرواة الثقات وقد قدمنا مرارًا أن ذلك لا يقدح في ثبوت أصل الحديث ويظهر من كلام الحافظ في الفتح [12/ 215] أنه يميل إلى تصحيح رواية ثابت ونسبة الوهم إلى غيره وجزم التهانوي في إعلاء السنن [18/ 110] بأنها قصة واحدة وأن رواية حميد مفسرة لما أبهمه ثابت في حديث الباب والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

4242 -

(1621)(184)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة، من (8)(وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي كلهم رووا (عن الأعمش عن عبد الله بن مرة) الهمداني الكوفي ثقة، من (3)(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من (2)(عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند

ص: 362

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثِّيِّبُ الزَّانِي. وَالنفْسُ بِالنَّفْسِ. وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ. الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"

ــ

من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم) ومسلمة أي لا يحل إراقة دمه كله وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) وهذا يشير إلى أن المدار على الشهادة الظاهرة لا على تحقيق إسلامه في الواقع قال الحافظ ابن حجر: هو صفة مفسرة وليست قيدا فيه إذ لا يكون مسلمًا إلا بالشهادتين أو هي حال مقيدة لموصوف إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم اهـ (إلا بإحدى) علل (ثلاث) وقوله: (الثيب الزاني) بالجر على البدلية من موصوف ثلاث مقدر وبالرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف اهـ ابن الملك ووقع في أصل النووي (الثيب الزان) كقوله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} والمراد بالثيب المحصن وفي رواية أبي داود عن الصديقة (زنا بعد إحصان) فإنه يرجم والمحصن هو المسلم المكلف الحر الذي وطئ في نكاح صحيح والتقدير على البدلية إلا بإحدى خصال ثلاث زنا الثيب الزاني (و) قتل (النفس) المحرم قتلها فإن قاتلها عمدًا يقتل (بالنفس) التي قتلها (و) ترك (التارك لدينه) الإسلامي بالارتداد عنه (المفارق للجماعة) أي لجماعة المسلمين بالخروج عن دينه والارتداد عنه بأن فعل مكفرًا أو قال مكفرًا فهو صفة كاشفة للتارك وإلا لكانت الخصال أربعة أو المعنى التارك لدينه بالارتداد المفارق للجماعة بترك امتثال المأمورات واجتناب المنهيات كأن ترك الصلاة مع اعتقاد وجوبها فإنه يقتل حدًّا.

(فائدة): قوله: (الثيب الزاني) وفي أصل النووي (الثيب الزَّان) بحذف الياء للتخفيف فتقول في إعرابه على جر الثيب: الزَّان صفة للثيب وصفة المجرور مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها الثقل لأنه اسم منقوص أو مرفوع على رفع الثيب وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها الثقل لأنه اسم منقوص وإنما قدرنا الكسرة أو الضمة على الياء المحذوفة لأن المحذوف لعلة كالثابت وإنما حذفوا الياء في الزَّان للتخفيف إجراء لأل مجرى التنوين المعاقب لها فكما تحذف الياء مع التنوين تحذف مع أل اهـ من الأهدل فهو نظير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} وقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيءٍ نُكُرٍ} قوله

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أيضًا: (الثيب الزاني) قال القرطبي: الثيب هنا المحصن وهو اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى وهو حجة على ما اتفق عليه المسلمون من أن حكم الزاني المحصن الرجم وسيأتي شروط الإحصان وبيان أحكام الرجم وقوله: (النفس بالنفس) موافق لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ويعني به النفوس المتكافئة في الإسلام والحرية بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري عن علي بن أبي طالب [6903] رضي الله عنه وهو حجة للجمهور من الصحابة والتابعين على من خالفهم وقال: يقتل المسلم بالذمي وهم أصحاب الرأي والشعبي والنخعي ولا يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلمًا بكافر وهو منقطع ومن حديث ابن البيلماني وهو ضعيف ولا يصح في الباب إلا حديث البخاري المتقدم وأما الحرية فشرط في التكافؤ فلا يقتل حر بعبد عند مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز محتجين في ذلك بأن العبد لما كان مالًا متقومًا كان كسائر الأموال إذا أتلفت فإنما يكون فيها قيمة المتلف بالغة ما بلغت والحر ليس بمال بالاتفاق فلا يكون كفؤًا للعبد فلا يقتل به ويغرم قيمته ولو فاقت على دية الحر ويجلد القاتل مائة ويحبس عامًا عند مالك وذهبت طائفة أخرى إلى أنه يقتل به وإليه ذهب سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم رواه أبو داود [2751]، وابن ماجه [1683]، وذهب النخعي والثوري في أحد قوليه إلى أنه يقتل به وإن كان عبده محتجين في ذلك بما رواه النسائي من حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه ومن أخصاه خصيناه) رواه النسائي [8/ 20 - 21] قال البخاري عن علي بن المديني سماع الحسن عن سمرة صحيح وأخذ بهذا الحديث قال البخاري وأنا أذهب إليه وقال غيره لم يسمع الحسن عن سمرة إلا حديث العقيقة.

وقوله: (التارك لدينه) يعني به المرتد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه" رواه أحمد [1/ 282]، والبخاري [6922]، وهذا الحديث يدل على أن المرتد الذي يقتل هو الذي يبدل بدين الإسلام دين الكفر لأنه صلى الله عليه وسلم استثناه من قوله: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ثم ذكرهم وذكر منهم

ص: 364

4243 -

(00)(00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

ــ

التارك لدينه وقد تقدم الكلام في الردة وقوله: (المفارق للجماعة) ظاهره أنه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه لأنه إذا ارتد عن دين الإسلام فقد خرج عن جماعتهم غير أنه يلحق بهم في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة المسلمين وإن لم يكن مرتدًا كالخوارج وأهل البدع إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحد عليهم وقاتلوا عليه وأهل البغي والمحاربون ومن أشبههم ويتناولهم لفظ (المفارق للجماعة) بحكم العموم وإن لم يكن كذلك لم يصح الحصر المذكور في أول الحديث حيث قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) فلو كان المفارق للجماعة إنما يعني به المفارقة بالردة فقط لبقي من ذكرناه من المفارقين للجماعة بغير الردة لم يدخلوا في الحديث ودماؤهم حلال بالاتفاف وحينئذٍ لا يصح الحصر ولا يصدق وكلام الشارع منزه عن ذلك فدل على أن ذلك الوصف يعم جميع ذلك النوع والله تعالى أعلم وتحقيقه أن كل من فارق الجماعة يصدق عليه أنه بدل دينه غير أن المرتد بدل كل الدين وغيره من المفارقين بدل بعضه اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 465]، وأبو داود [4352]، والترمذي [1402]. والنسائي [8/ 13]، وابن ماجه [2534].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

4243 -

(00)(00)(حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي كلاهما (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ثقة، من (8)(كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير وسفيان بن عيينة وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود (مثله) أي مثل ما روى حفص بن غياث وأبو معاوية ووكيع غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأولئك الثلاثة السابقة في السند الأول وقوله مثله تحريف من النساخ والصواب (مثلهم).

ص: 365

4244 -

(00)(00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ) قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "وَالَّذِي لَا إِلهَ غَيرُهُ! لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا ثَلاثةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ الإِسْلامَ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ أَو الْجَمَاعَةَ (شَكَّ فِيهِ أَحْمَدُ). وَالثِّيِّبُ الزَّانِي. وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ".

قَال الأعمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ. فَحَدَّثَنِي، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِمِثْلِهِ

ــ

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

4244 -

(00)(00)(حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال الشيباني المروزي نزيل بغداد ثقة إمام حجة في الفروع والحديث من (10) روى عنه في (10)(ومحمد بن المثنى واللفظ لأحمد قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة إمام حجة من (7) (عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لحفص بن غياث ومن معه (قال) عبد الله بن مسعود:(قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا (فقال: والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم) وكذا امرأة مسلمة (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر) أي لا يحل إراقة دمه يعني قتله إلا دم ثلاثة أنفار فيحل إراقته (التارك) بالنصب بدل من ثلاثة بدل تفصيل من مجمل (الإسلام) بالنصب على المفعولية للتارك أي إلا تارك دين الإسلام وقاطعه بالردة (المفارق) بالنصب صفة للتارك (للجماعة أو) قال شيخي عبد الرحمن بن مهدي المفارق (الجماعة) بالنصب على المفعولية أي الفارق لجماعة المسلمين في بعض ضروريات الدين (شك فيه) أي في قوله أو الجماعة (أحمد) بن حنبل أي اللفظين قال عبد الرحمن: ويجوز رفع التارك على أنه خبر لمبتدإ محذوف تقديره أحدهم التارك وكذا يجوز فيما بعده الوجهان والتقدير (و) ثانيهم (الثيب الزاني و) ثالثهم (النفس) القاتلة (بالنفس) المحترمة بغير حق عمدًا (قال الأعمش) بالسند السابق (فحدثت به) أي بهذا الحديث الذي سمعته من عبد الله بن مرة (إبراهيم) النخعي (فحدثني) به إبراهيم (عن الأسود عن عائشة) وساق إبراهيم (بمثله) أي بمثل ما حدثني

ص: 366

4245 -

(00)(00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بَالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ:"وَالَّذِي لَا إِلهَ غَيرُهُ"

ــ

عبد الله بن مرة فحصل للأعمش سندان سند عن عبد الله بن مرة وسند عن إبراهيم بن يزيد.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

4245 -

(00)(00)(وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة، من (11)(والقاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي ثقة، من (11) (قالا): أي قال كل من الحجاج والقاسم (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي ثقة، من (9)(عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة، من (7) (عن الأعمش) أي روى شيبان عن الأعمش (بالإسنادين) المذكورين للأعمش (جميعًا) أي كليهما يعني سند عبد الله بن مرة وسند إبراهيم بن يزيد (نحو حديث سفيان) بن سعيد الثوري غرضه بيان متابعة شيبان لسفيان الثوري (و) لكن (لم يدكر) شيبان (في الحديث قوله) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم:(والذي لا إله غيره) وفي بعض النسخ (ولم يذكرا) بالف التثنية فهو تحريف من النساخ وإن أمكن عود الضمير إلى الحجاج والقاسم لأن المقصود من هذا السند بيان متابعة شيبان لسفيان الثوري بدليل قوله: نحو حديث سفيان لا بيان متابعة الحجاج والقاسم لأحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى والله سبحانه وتعالى أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات.

والثاني: حديث يعلى بن أمية ذكره للاستشهاد به لحديث عمران وذكر فيه ثلاث متابعات مختلطة بمتابعات حديث عمران كما بيناها في الشرح والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والرابع: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 367