المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌ كتاب: الفرائض

- ‌582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها

- ‌583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته

- ‌ كتاب: الهبة والصدقة

- ‌584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

- ‌585 - (25) باب ما جاء في العمرى

- ‌أبواب الوصايا

- ‌586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

- ‌588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

- ‌ كتاب: النذور والأيمان

- ‌589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر

- ‌590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

- ‌أبواب الأيمان

- ‌591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

- ‌593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

- ‌594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

- ‌595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

- ‌598 - (38) باب القسامة

- ‌ كتاب الحدود والتعزيرات

- ‌599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

- ‌600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

- ‌601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

- ‌602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

- ‌603 - (43) باب حد السرقة

- ‌604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

- ‌606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

- ‌607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

الفصل: ‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

‌605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

4281 -

(1634)(196) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي. قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا. الْبِكْرُ بِالْبكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ

ــ

605 -

(45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

4281 -

(1634)(196)(وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (عن منصور) بن زاذان الثقفي أبي المغيرة الواسطي ثقة، من (6)(عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم ثقة، من (3)(عن حطان بن عبد الله الرقاشي) نسبة إلى امرأة اسمها رقاش كثير أولادها حتى صاروا قبيلة وهو من قيس عيلان البصري ثقة، من (2) (عن عبادة بن الصامت) بن قيس الأنصاري المدني رضي الله تعالى عنه وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان واسطيان وواحد مدني وواحد نيسابوري. (قال) عبادة بن الصامت:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني) حدودهن (خذوا عني) حدودهن (قد جعل الله لهن سبيلًا) وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} [النساء / 15] فكان حكم الآية أن تحبس الزانية في البيوت إلى الموت أو إلى أن ينزل الله فيها حكمًا آخر وهو المراد بالسبيل في الآية فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك الحكم الجديد قد نزل وهو قوله: (البكر بالبكر) أي حد البكر الذي زنى بالبكر أو بالثيب (جلد مائة) مرة أي ضربه مائة وسمي الضرب في الزنا وغيره من موجبات الحد جلدًا بفتح الجيم لاتصاله بالجلد بكسر الجيم أي لإيصاله الألم إليه (ونفي سنة) أي تغريب سنة من بلد الزنا إلى مسافة القصر وقوله: (بالبكر) قال النووي: ليس هو على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب وكذا حد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر فهو شبيه بالتقييد

ص: 429

وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ"

ــ

الذي خرج مخرج الغالب اهـ وقوله: (ونفي سنة) استدل به الشافعية والحنابلة على أن النفي والتغريب من حد الزاني البكر وفي المسألة ثلاثة مذاهب: الأول: حد الزاني البكر مجموع الجلد والتغريب مطلقًا رجلًا كان أو امرأة وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وعطاء وطاوس رحمهم الله تعالى الثاني: يغرب الرجل دون المرأة لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة وهو قول مالك والأوزاعي والثالث: ليس التغريب جزءًا من حد الزنا وإنما هو تعزير يخير فيه الحاكم إن رأى فيه مصلحة غربه وإلا فلا وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى هذا ملخص ما في المغني لابن قدامة [1/ 123](والثيب) أي وحد الثيب الذي زنى (بالثيب جلد مائة) والجلد منسوخ فيه بحديث ماعز وبحديث الغامدية كما سيأتي (والرجم) أي الرمي بحجارة معتدلة بحيث تكون قدر ملء الكف حتى يموت لا بحجارة صغيرة لئلا يطول عليه الأمر ولا بحجارة كبيرة لئلا يموت حالًا فيفوت التنكيل والتقييد بالثيب خرج مخرج الغالب كما مر آنفًا فالمراد بالثيب ويسمى بالمحصن هو الشخص البالغ العاقل الحر الذي غيب حشفته أو قدرها من مقطوعها في قبل في نكاح صحيح فإذا زنى بعد ذلك فحده الرجم والقتل بالحجارة والبكر ويسمى غير المحصن ضد الثيب وهو الذي لم يغيب حشفته في قبل في نكاح صحيح والزنا بالقصر لغة حجازية وبالمد لغة تميم وفي المصباح زنى يزني زنًا بالقصر وزاناها مزاناة وزناء بالمد ومنهم من يجعل المقصور والممدود لغتين في الثلاثي ويقول المقصور لغة الحجاز والممدود لغة نجد اهـ وإلى هذا مال ابن الهمام فقال: الزنا مقصور في اللغة الفصحى لغة أهل الحجاز التي جاء بها القرآن قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ويمد في لغة نجد وعليها قال الفرزدق:

أيا طاهر من يزن يعرف زناؤه

ومن شرب الخرطوم يصبح مسكرا

بفتح الكاف وتشديدها من السكر والخرطوم من أسماء الخمر اهـ من بعض الهوامش هو إيلاج المكلف الواضح حشفته الأصلية المتصلة أو قدرها عند فقدها في فرج واضح محرم لعينه في نفس الأمر مشتهى طبعًا مع الخلو عن الشبهة وهو من أفحش الكبائر بعد القتل واتفق أهل الملل كلها على تحريمه لأنه لم يحل في ملة قط من لدن آدم إلى هذه الملة المحمدية اهـ بيجوري بتصرف.

قال النووي: واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء من لم يجامع في نكاح

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحيح وهو حر بالغ عاقل سواء كان جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما أم لا والمراد بالثيب من جامع في دهره مرة في نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر والرجل والمرأة في هذا سواء وسواء في كل هذا المسلم والكافر والرشيد والمحجور عليه لسفه والله أعلم والحكمة في جعل حد الزنا الجلد دون قطع الذكر كما جعل حد السرقة وقطع اليد لأنها آلة السرقة إبقاء للتناسل بين البشر كما بينته في تفسيرنا الحدائق بأبسط مما هنا في آية السرقة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 313]، وأبو داود [4416]، والترمذي [1434] وقوله:(والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) قال النووي: واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا فإن كان شابًّا ثيبًا اقتصر على الرجم وهذا مذهب باطل لا أصل له وحجة الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية وفي قوله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ فإنه كان في أول الأمر وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر: (ونفي سنة) ففيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفيه سنة رجلًا كان أو امرأة وقال الحسن: لا يجب النفي مطلقًا وقال مالك والأوزاعي: لا نفي على النساء وروي مثله عن علي رضي الله عنه وقالوا: لأنها عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم وحجة الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة) وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال للشافعي: أحدها: يغرب كل واحد منهما سنة لظاهر الحديث وبهذا قال سفيان الثوري وأبو ثور وداود وابن جرير الثاني: يغرب نصف سنة لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا وهذه الآية مخصصة لعموم الحديث والثالث: لا يغرب المملوك أصلًا وبه قال الحسن البصري وحماد ومالك وأحمد وإسحاق لقوله صلى الله عليه وسلم في الأمة: إذا

ص: 431

4282 -

(00)(00) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصورٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

4283 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ

ــ

زنت فليجلدها ولم يذكر النفي ولأن نفيه يضر سيده مع أنه لا جناية من سيده وأجاب أصحاب الشافعي عن حديث الأمة إذا زنت ليس فيه تعرض للنفي والآية ظاهرة في وجوب النفي فوجب العمل بها وحمل الحديث على موافقتها والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال:

4282 -

(00)(00)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (أخبرنا منصور) بن زاذان الثقفي الواسطي (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن حطان عن عبادة (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن يحيى عن هشيم غرضه بيان متابعة عمرو الناقد ليحيى بن يحيى قال النووي: وفي هذا الكلام فائدتان: إحداهما: بيان أن الحديث روي من طريق آخر فيزداد آخر فيزداد قوة والثانية: أن هشيمًا مدلس وقال في الرواية الأولى عن منصور. وبين في الثانية أنه سمعه من منصور.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبادة رضي الله تعالى عنه فقال:

4283 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8) (قال ابن المثنى: حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري ثقة، من (6)(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة، من (4)(عن الحسن) البصري (عن حطان بن عبد الله الرقاشي) البصري (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عبادة بن الصامت غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة قتادة

ص: 432

قَال: كَانَ نَبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ كُرِبَ لِذلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ. قَال: فَأُنْزِلَ عَلَيهِ ذَاتَ يَوْمٍ. فَلُقِيَ كَذلِكَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال:"خُذُوا عَنِّي. فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا. الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ. الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ. ثُمَّ رَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ. وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ"

ــ

لمنصور بن زاذان في الرواية عن الحسن البصري (قال) عبادة: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه) الوحي أي إذا أنزل الله سبحانه عليه الوحي (كرب) بضم الكاف على صيغة المجهول أي أصابه الكرب والمشقة (لذلك) أي لإنزال الوحي عليه (وتربد) من باب تفعل الخماسي أي تغير (له) أي لإنزال الوحي عليه (وجهه) من البياض إلى الحمرة لشدة الوحي وعظم موقعه قال النووي: تربد وجهه أي علته غبرة والربد تغير البياض إلى السواد وإنما حصل ذلك لعظم موقع الوحي قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} (قال) عبادة بن الصامت: (فأنزل عليه) صلى الله عليه وسلم الوحي (ذات يوم) أي يومًا من الأيام ولفظ ذات مقحم (فلقي كذلك) والظاهر أنه بفتح اللام مبنيًّا للمعلوم والمراد أنه صلى الله عليه وسلم لقي تلك الشدة التي كان يلقاها عادة عند نزول الوحي عليه وفي بعض النسخ مبنيًّا للمجهول أي رئي مكروبًا مربدًا وجهه والمراد أن تلك الشدة لقيته صلى الله عليه وسلم (فلما سرِّي عنه) أي كشف عنه وأزيل ما يراه من شدة الوحي والتسرية تستعمل بمعنى انكشاف الغشي وانتهاء الشدة وانقشاع السحب (قال) صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني) أي افهموا عني تفسير السبيل المذكور في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} واعملوا به (فقد جعل الله) تعالى (لهن سبيلًا) أي حدًّا وذلك التفسير ما أذكره لكم بقولي: (الثيب) الزاني (بالثيب) أي وبالبكر (والبكر) الزاني (بالبكر) أي وبالثيب وكل من الثيب والبكر مبتدأ خبره محذوف تقديره أي حد لكل منهما مبين على سبيل اللف والنشر المرتب بقولي: (الثيب) حده (جلد مائة ثم رمي بالحجارة) والتقييد بالحجارة للاستحباب ولو رجم بغيرها جاز وهو شبيه بالتقييد بها في الاستنجاء اهـ (والبكر) حده (جلد مائة ثم نفي سنة) قال القرطبي: وذلك أن مقتضى هذه الآية أن من زنى حبس في بيته إلى أن يموت كذا قاله ابن عباس في النساء وحكي عن ابن عمر أن ذلك حكم الزانيين يعني الرجل والمرأة فكان ذلك الحبس هو حد الزناة لأنه كان يحصل به إيلام الجاني وعقوبته بأن يمنع من التصرف والنكاح وغيره طول حياته وذلك عقوبة وزجر كما يحصل من الجلد والتغريب

ص: 433

4284 -

(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا:"الْبِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَى. وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ" لَا يَذْكُرَانِ: سَنَةً وَلَا مِائَةً.

4285 -

(1635)(197) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: حَدَّثنَا ابْن

ــ

فحقيق أن يسمى ذلك الحبس حدًّا غير أن ذلك الحكم كان محدودًا إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلًا آخر غير الحبس فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند الله تعالى أوضحه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فبلغه لأصحابه فقال لهم: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فارتفع حكم الحبس في البيوت لانتهاء غايته وهذا نحو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} [البقرة / 187] فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا لنسخه وبهذا يعلم بطلان قول من قال: إن الحبس في البيوت في حق البكر منسوخ بالجلد المذكور في النور وفي حق الثيب بالرجم المجمع عليه وهذا ليس بصحيح اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال:

4284 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (كلاهما) أي كل من شعبة وهشام الدستوائي رويا (عن قتادة) بن دعامة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة وهشام لسعيد بن أبي عروبة (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن حطان عن عبادة (غير أن في حديثهما) أي لكن أن في حديث شعبة وهشام لفظة (البكر يجلد وينفى والثيب يجلد ويرجم لا يذكران) لفظة (سنة) بعد قوله: وينفى (ولا) يذكران لفظة (مائة) بعد يجلد في الموضعين ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبادة بن الصامت بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال:

4285 -

(1635)(197) (حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: حدثنا ابن

ص: 434

وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ. وَأَنْزَلَ عَلَيهِ الْكِتَابَ. فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيهِ آيَةُ الرَّجْمِ. قَرَأْنَاهَا وَوَعَينَاهَا وَعَقَلْنَاهَا. فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ

ــ

وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني أحد فقهاء السبعة في المدينة ثقة، من (3) (أنه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس) أي مستقر (على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا عليه ظاهره أنه رضي الله عنه خطب هذه الخطبة جالسًا ولكنه غير مراد وإنما المراد بالجلوس الاستقرار قال الأبي أي وقف مستقرًا على المنبر لأن الأصل في الخطبة أن يكون الخطيب قائمًا ولكن قد وقع ذلك صريحًا في رواية صالح بن كيسان عند البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا ولفظه فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إلخ

وهذه الرواية راجحة لكونها مفسرة وموافقة للأصل فتحمل رواية الباب عليها اهـ من التكملة وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد أيلي وفيه رواية صحابي عن صحابي (إن الله) سبحانه وتعالى (قد بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بـ) ـالدين (الحق) المستقيم (وأنزل عليه الكتاب) العزيز والقرآن الكريم (فكان مما أنزل عليه) صلى الله عليه وسلم (آية الرجم قرأناها) أي قرأنا ألفاظ تلك الآية بألسنتنا (ووعيناها) أي حفظنا ألفاظها على ظهر قلبنا (وعقلناها) أي عرفنا معناه وحققناه يعني بهذا قوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) وهذه الآية مما نسخ لفظه وبقي حكمه (فرجم) بها (رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصن والمحصنة في حياته (ورجمنا) بها معاشر الخلفاء (بعده) صلى الله عليه وسلم يعني نفسه وأبا بكر رضي الله عنه وهذا نص من عمر رضي الله عنه على أن هذا كان قرآنًا يتلى وفي آخره ما يدل على أنه نسخ كونها من القرآن وبقي حكمها معمولًا به وهو الرجم وقال ذلك عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنهم وفي مركز الوحي وشاعت هذه الخطبة في المسلمين وتناقلها الركبان ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مما قاله عمر ولا راجعه لا في حياته ولا بعد

ص: 435

فَأَخْشَى، إِنْ طَال بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ. فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ. وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتابِ اللهِ حَقٍّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ

ــ

وفاته فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه وقل علمه في ذلك وقد بينا في الأصول أن النسخ على ثلاثة أضرب نسخ التلاوة والحكم كآية عشر رضعات يحرمن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم كما هنا ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة كآية الحول في العدة اهـ من المفهم (فأخشى) أي أخاف أنا (إن طال بالناس زمان) وتطاول عليهم دهور (أن يقول قائل) من الملاحدة (ما نجد الرجم) مذكورًا (في كتاب الله) العزيز فليس من الأحكام الشرعية (فيضلوا) أي فيضل الناس عن الحق والدين القويم (بترك) إقامة (فريضة أنزلها الله) تعالى في كتابه العزيز ثم نسخ لفظها وبقي حكمها وهذا الذي توقعه عمر رضي الله عنه قد وقع بعده للخوارج والنظام من المعتزلة فإنهم أنكروا الرجم فهم ضالون بشهادة عمر رضي الله عنه وهذا من الحق الذي جعل الله تعالى على لسان عمر وقلبه ومما يدل على أنه كان محدثًا بكثير مما غاب عنه كما شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الرجم في كتاب الله حق) أي ثابت يعمل به إلى يوم القيامة واجب (على من زنى إذا أحصن) بوطئه في نكاح صحيح ولو مرة وقوله: (من الرجال والنساء) بيان لمن زنى وهذا مجمع عليه إذ لم يسمع بمن فرق فيه بين الرجال والنساء وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية على ما سيأتي (إذا قامت البينة) على زناه وهي أربعة من الرجال العدول المؤدين للشهادة في فور واحد الذين يصفون رؤية فرجه في فرجها كالمِرْوَد في المكحلة المقيمين على شهادتهم إلى أن يقام الحد على ما يعرف في كتب الفقه (أو كان الحبل) يعني به أن يظهر الحبل بامرأة لا زوج لها ولا سيد قال النووي: وجوب الحد بمجرد الحبل مذهب عمر رضي الله عنه وتابعه مالك وأصحابه فقالوا: إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة طارئة وتدعي أنه من زوج أو سيد قالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه إذا لم تقم بذلك مستغيثة عند الإكراه قبل ظهور الحمل وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل سواء كان لها زوج أو سيد أو لا وسواء الغريبة وغيرها وسواء

ص: 436

أَوْ الاعْتِرَافُ.

4286 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ.

4287 -

(1636)(198) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمْنِ بْنِ عَوْفٍ

ــ

ادعت الإكراه أم سكتت فلا حد عليها مطلقًا إلا ببينة أو اعتراف لأن الحدود تسقط بالشبهات (أو) كان (الاعتراف) أي الإقرار من الزاني بالزنا على نفسه واختلفوا فيه هل يكفي في مرة واحدة أم لا فقال أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهما إن الإقرار بالزنا لا يثبت حتى يقر أربع مرات واحتجوا بحديث ماعز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه حتى أقر أربع مرات وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار به بمرة واحدة ويرجم واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يشترط عددًا وحديث الغامدية ليس فيه أيضًا إقرارها أربع مرات واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس اهـ نووي بتصرف.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

4286 -

(00)(00)(حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمر غرضه بيان متابعة سفيان ليونس بن يزيد.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3872]، وأبو داود [4418]، والترمذي [1431]، ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4287 -

(1636)(198)(وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري ثقة، من (11)(حدثني أبي) شعيب بن الليث ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد ثقة حجة من (7) (قال: حدثني عقيل) بن خالد الأموي المصري ثقة، من (6)(عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني

ص: 437

وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ قَال: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. فَقَال لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ. حَتَّى ثَنَى عَلَيهِ ذلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ

ــ

(وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ورجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون وفيه رواية تابعي عن تابعي (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم جالس (في المسجد) النبوي وهو ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه وكان من قصته ما أخرجه أحمد في مسنده [5/ 217] عن نعيم بن هزال قال: إن هزالًا كان استأجر ماعز بن مالك وكانت له جارية يقال لها فاطمة قد أملكت بالبناء للمجهول أي أملكت أمرها يعني طلقت من زوجها كذا في الفتح الرباني وكانت ترعى غنمًا لهم وإن ماعزًا وقع عليها فأخبر هزالًا فخدعه فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره عسى أن ينزل فيك قرآن إلخ

وسنده جيد وأخرج ابن سعد في طبقاته [4/ 324] من طريق الواقدي عن هزال قال: كان أبو ماعز قد أوصى على ابنه ماعزًا وكان في حجري أكفله بأحسن ما يكفل به أحد أحدًا فجاءني يومًا فقال لي: إني كنت أطالب مهيرة امرأة كنت أعرفها حتى نلت منها الآن ما كنت أريد ثم ندمت على ما أتيت فما رأيك فأمره أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره إلخ

(فناداه) أي فنادى الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) الرجل في ندائه (يا رسول الله إني زنيت) أي وطئت فرجًا محرمًا علي بلا شبهة (فأعرض) النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه الشريف (عنه) أي عن الرجل من جانبه إلى الجانب الآخر (فتنحى) أي تحول الرجل (تلقاء وجهه) صلى الله عليه وسلم أي تحول من الجانب الذي أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الذي أقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم (فقال له: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الأول (حتى ثنى) بالثاء المثلثة والنون الخفيفة من باب رمى أي قال الرجل: يا رسول الله إني زنيت حتى ثنى وكرر (عليه) صلى الله عليه وسلم (ذلك) القول (أربع مرات) كل مرة يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيه التعريض للمقر بالزنا أن يرجع

ص: 438

فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال:"أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟ " قَال: نَعَمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ".

قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يقُولُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ. فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى

ــ

ويقبل رجوعه بلا خلاف اهـ نووي وبهذا استدل الحنفية والحنابلة على أن الإقرار بالزنا لا يوجب الحد حتى يكرره المقر أربع مرات وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وقال الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى: يحد بإقرار مرة واحدة وهو قول الحسن وحماد وأبي ثور وابن المنذر كما في المغني لابن قدامة [10/ 165] واستدلوا بحديث العسيف الآتي بعد قصة ماعز والغامدية حيث قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها لم يقيد الاعتراف بأربع مرات وكذلك قال عمر رضي الله عنه في خطبته الماضية في الحديث السابق أو كان الحبل أو الاعتراف ولم يقيده بأربع مرات وللحنفية والحنابلة حديث الباب فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن ماعز بعد إقراره في أول مرة ولو وجب الحد بمرة واحدة لم يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز ترك حد واجب لله (فلما شهد) الرجل أي أقر (على نفسه أربع شهادات) أي أربع مرات من الإقرار (دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له: (أبك جنون قال) الرجل: (لا قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل أحصنت) أي هل وطئت في نكاح صحيح (قال) الرجل: (نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمن عنده (اذهبوا به فارجموه) أي فارموه بالحجارة حتى يموت فيه جواز استنابة الإمام من يقيم الحد قال العلماء: لا يستوفي الحد إلا الإمام أو من فوض ذلك إليه وفيه دليل على أنه يكفي الرجم ولا يجلد معه اهـ نووي.

(قال ابن شهاب) بالسند السابق: (فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (يقول: فكنت فيمن رجمه) أي رجم ذلك الرجل (فرجمناه بالمصلى) أي بمصلى الجنائز كما في الأبي ولهذا قال في الرواية الأخرى في بقيع الغرقد وهو موضع الجنائز بالمدينة قال البخاري وغيره من العلماء: فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن قد وقف مسجدًا لا يثبت له حكم المسجد إذ لو كان له حكم المسجد تجنب الرجم فيه

ص: 439

فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ. فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ.

وَرَوَاهُ اللَّيثُ أَيضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

4288 -

(00)(00) وَحَدَّثنِيهِ

ــ

وتلطخه بالدماء والميتة قالوا: والمراد بالمصلى هنا مصلى الجنائز وذكر الدارمي من أصحابنا الذي للعيد ولغيره إذا لم يكن مسجدًا هل يثبت له حكم المسجد فيه وجهان أصحهما ليس له حكم المسجد والله أعلم اهـ نووي.

(فلما أذلقته) أي أضعفته (الحجارة) التي يرمى بها أي أصابته بحدها وبلغت منه الجهد حتى قلق يقال: أذلقه الشيء وأجهده (هرب) أي شرد من بيننا المرجوم وفي سنن الترمذي وابن ماجه بعد حكاية هرب المرجوم هذه الزيادة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا تركتموه)(فأدركناه بالحرة) موضع شرقي المدينة أي لحقناه في الحرة (فرجمناه) أي رميناه بالحجارة حتى مات وغرضه بذكر هذا التعليق الاستشهاد لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنه وحديث جابر هذا أخرجه أبو داود والترمذي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة البخاري في المحاربين في باب سؤال الإمام المقر هل أحصنت [6825]، وفي مواضع كثيرة وأبو داود في الحدود [5528] والترمذي [1428] وابن ماجه [2554] (ورواه) أي وروى حديث أبي هريرة (الليث أيضًا) أي كما رواه عن عقيل (عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر) الفهمي أبي خالد المصري أمير مصر وواليها روى عن الزهري في الحدود ويروي عنه (خ م ت س) والليث مولاه ويحيى بن أيوب قال النسائي: ليس به بأس وقال في التقريب: صدوق من السابعة وقال ابن يونس: مات سنة [127 /] سبع وعشرين ومائة وحديثه في مسلم متابعة (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة وساق عبد الرحمن بن خالد (مثله) أي مثل ما روى عقيل عن ابن شهاب غرضه بهذا التعليق بيان متابعة عبد الرحمن بن خالد لعقيل بن خالد.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4288 -

(00)(00)(وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي

ص: 440

عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ أيضًا مِثْلَهُ، وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، كَمَا ذَكَرَ عُقَيلٌ.

4289 -

(00)(00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيجٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ رِوَايَةِ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ

ــ

هريرة (عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) بكسر الراء نسبة إلى بني دارم بن مالك وقد مرت ترجمته ثقة متقن من (11)(حدثنا أبو اليمان) القضاعي الحكم بن نافع الحمصي مشهور بكنيته ثقة، من (10)(أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة اسمه دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي ثقة، من (7) (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة (أيضًا) أي كما قلنا قبله بهذا الإسناد (مثله) أي وساق شعيب مثل ما روى عقيل عن ابن شهاب غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لعقيل بن خالد (وفي حديثهما) أي وفي حديث عبد الرحمن بن خالد وحديث شعيب بن أبي حمزة (جميعًا) أي كليهما ذكر لفظة (قال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابر بن عبد الله كما ذكر عقيل) أي كما ذكرها عقيل بن خالد في التعليق الأول من التعليقين.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولكنها متابعة في الشاهد فقال:

4289 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر وابن جريج كللهم) أي كل من الثلاثة المذكورة يعني يونس ومعمرًا وابن جريج رووا (عن الزهري) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعقيل بن خالد ولكنها متابعة في الشاهد (عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية عقيل عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة).

ص: 441

4290 -

(1637)(199) وحدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: رَأَيتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ. لَيسَ عَلَيهِ رِداءٌ. فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتِ أَنَّهُ زَنَى. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلَعَلَّكَ؟ "

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال:

4290 -

(1637)(199)(وحدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري) بفتحتين بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى أحد أجداده جحدر (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي بضم المهملة والمد الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) جابر بن سمرة:(رأيت ماعز بن مالك) الأسلمي رضي الله عنه (حين جيء) وأتي (به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ناس فلا يعارض رواية أبي هريرة السابقة جاء رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو (رجل قصير) القد غير طويل (أعضل) أي ضخم الساقين الأعضل والعضل بكسر الضاد المكتنز اللحم والعضلة وزان القصبة في البدن كل لحمة صلبة مكتنزة ومنه عضلة الساق ويجوز أن يكون أراد أن عضلة ساقيه كبيرة اهـ نهاية قال أبو عبيدة: العضلة ما اجتمع من اللحم في أعلى باطن الساق وقال ابن القطاع: العضلة لحم الساق والذراع له إزار (ليس عليه رداء فشهد على نفسه) أي أقر عليها (أربع مرات أنه زنى فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك) خبره محذوف يعني لعلك قبلت أو غمزت كما هو مصرح في روايات أخرى فاقتصر في هذه الرواية على حرف الترجي واسممها اختصارًا واكتفاء بدلالة الكلام والحال على خبرها وفيه استحباب تلقين المقر بالزنا وغيره من حدود الله تعالى بالرجوع وأنه يقبل رجوعه عن ذلك لأن حقوق الله مبنية على المساهلة والدرء بخلاف حقوق الآدميين وحقوق الله المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما لا يجوز التلقين فيها ولو رجع لم يقبل رجوعه وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه

ص: 442

قَال: لَا. وَاللهِ، إِنَّهُ قَدْ زَنَى الأَخَرُ. قَال: فَرَجَمَهُ. ثُمَّ خَطَبَ فَقَال: "أَلا كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيسِ يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ

ــ

وسلم وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم واتفق العلماء عليه اهـ نووي.

(قال) الرجل (لا) أي ما قبلت ولا غمزت (والله) الذي لا إله غيره (إنه) أي إن الشأن والحال (قذ زنى الأخر) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الخاء ومعناه الأرذل والأبعد والأدنى واللئيم وقيل الشقي وكله متقارب قال ابن الأثير: الأخِر بوزن الكبد هو الأبعد المتأخر عن الخير ومراده به نفسه فحقرها وعابها لا سيما وقد فعل هذه الفاحشة وقيل: إنه كناية يكني بها عن نفسه وعن غيره إذا أخبر عنه بما يستقبح كذا في النووي والمعنى أن هذا المتأخر عن الخير قد فعل هذه الفاحشة (قال) جابر: (فرجمه) صلى الله عليه وسلم بمجرد إقراره أي أمر برجمه (ثم) بعد ما أمر برجمه (خطب) أي وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بذكر الوعد والوعيد (فقال) في خطبته: (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (كلما نفرنا) أي خرجنا من المدينة إلى الحرب حالة كوننا (غازين) أي مجاهدين (في سبيل الله خلف) أي تخلف عن الغزو معنا في المدينة (أحدهم) أي أحد هؤلاء القاعدين عن الخروج إلى الجهاد حالة كونه (له نبيب) أي صوت (كنبيب التيس) أي كصوت التيس عند إرادة السفاد أي ركوب الأنثى يقال: خلف فلان وفلان من باب نصر إذا قام بعده كذا في جامع الأصول ويقال: نب التيس ينب بكسر النون من باب حنَّ نبًا ونبيبًا إذا صاح ورفع صوته عند هيجان الشهوة والتوقان إلى الأنثى والتيس الفحل من الغنم أي له توقان وشدة الشهوة والمراد أن بعض الناس يظهرون شهوتهم على النساء المغيبات بعدما خرج رجالهن إلى الغزو ولعل بعض المنافقين كانوا يفعلون ذلك (يمنح) أي يعطي (أحدهم) أي أحد المتخلفين (الكثبة) أي القليل من اللبن لإحدى المغيبات ليستمتع بها والمغيبات هي التي غاب عنهن أزواجهن والكثبة من الماء واللبن القليل منه وقيل هي مثل الجرعة تبقى في الإناء وقيل: قدر حلبة وقال أبو زيد: ملء القدح من اللبن ويقال: أكثب الرجل إذا سقاه كثبة من لبن وكل طائفة من طعام أو تمر أو تراب أو نحو ذلك فهو كثبة بعد أن كان قليلًا وكثب الشيء يكثبه من باب ضرب كثبًا بسكون الثاء إذا جمعه من قرب وصبه والمراد أن ذلك الرجل الذي يظهر الشهوة على النساء المغيبات يخدعهن بإعطاء كثبة ليفوز بما يريد منهن فقوله:

ص: 443

أَمَا وَاللهِ، إِنْ يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدِهِمْ لأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ".

4291 -

(18) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ

ــ

أحدهم يمنح ومفعوله الأول محذوف تقديره يمنح أحدهم إحدى النساء المغيبات كثبة من لبن ليفوز منها بما يريد من الاستمتاع بها وفي الرواية الآتية يمنح إحداهن فذكر المفعول وأضمر الفاعل وهي واضحة (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (والله إن يمكني) الله أي لئن مكنني الله تعالى (من أحدهم) وأقدررني عليه (لأنكلنه) أي لأمنعنه (عنه) أي عن خداعه إحدى المغيبات بكثبة من لبن أو طعام بعقوبة من الله تعالى حتى يصير نكالًا وعبرة لمن يديه ومن خلفه وفي الصحاح نكل به تنكيلًا أي جعله نكالًا وعبرة لغيره.

ولقد اغتر بعض المعاصرين بهذه الخطبة فقالوا: إن ماعزًا رضي الله عنه كان يفعل ذلك ولذلك ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجمه والحق أنه ليس في هذه الخطبة ما يدل على أن ماعزًا كان يرتكب مثل هذا الفعل وإنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجم ماعز ليعتبر هؤلاء المفسدون بعقوبة ماعز وينتبهوا بأنه يمكن معاقبتهم أيضًا بمثل هذه العقوبة وأما ماعز فسيأتي عند المصنف أن أهل قبيلته شهدوا له بقولهم ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها كما أخرجه أبو داود فكيف يصح أنه كان معتادًا بمثل هذه الفاحشة والعياذ بالله منه وأما صدور الإثم فكان اتفاقيًا ولم يكن متعودًا بذلك كما يدل عليه اعترافه وندمه رضي الله عنه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في الحدود باب رجم ماعز [4422].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال:

4291 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي

ص: 444

قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَصِيرٍ، أَشْعَثَ، ذِي عَضَلاتٍ، عَلَيهِ إِزَارٌ وَقَدْ زَنَى. فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، تَخَلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيسِ. يَمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ. إِنَّ اللهَ لَا يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلا جَعَلْتُهُ نَكَالًا"(أَوْ نَكَّلْتُهُ).

قَال: فَحَدَّثْتُهُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ فَقَال: إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ

ــ

(قال: سمعت جابر بن سمرة يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة وفيه تصريح سماع سماك عن جابر (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول (برجل قصير) أي أتاه به أهله (أشعث) صفة ثانية لرجل أي متغير الرأس متلبد الشعر لقلة تعهده بالدهن والترجيل (ذي عضلات) صفة ثالثة له أي صاحب لحمات كبيرة في باطن ساقيه جمع عضلة على وزان قصبة كبر لحمة الساق (عليه إزار) ليس له رداء كما في الرواية المتقدمة (و) الحال أنه (قد زنى فرده) أي فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إقراره (مرتين) فأبى الرجوع عنه (ثم) كمل أربع مرات (أمر به) أي أمر برجمه (فرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (كلما نفرنا) أي خرجنا إلى الحرب (غازين في سبيل الله تخلف) عنا في المدينة (أحدكم) أيها القاعدون عن النفير حالة كونه (ينب) بالمغيبات (نبيب التيس) أي يصوت كصوته عند السفاد وهو كناية عن إرادته الوقاع لشدة توقانه إليه حالة كونه (يمنح) أي يعطي (إحداهن) أي إحدى المغيبات (الكثبة) أي القليل من اللبن أو الطعام ليغرها (إن الله) سبحانه (لا يمكني) بتشديد النون بإدغام لام الكلمة في نون الوقاية لأنه من أمكن الرباعي (من أحد منهم) أي من المتخلفين أي لا يقدرني الله على أحد منهم (إلا جعلته نكالًا) أي عظة وعبرة لمن بعده بما أصبته منه من العقوبة ليمتنعوا من تلك الفاحشة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو جابر إلا (نكلته) أي جعلته سبب نكال وانزجار عن الفاحشة لغيره والشك من الراوي أو ممن دونه.

(قال) شعبة بن الحجاج بالسند السابق (فحدثته) أي فحدثت هذا الحديث الذي سمعته من سماك بن حرب (سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (فقال) سعيد: (إنه) صلى الله عليه وسلم: (رده) أي رد إقراره (أربع مرات) أي كرر إقراره أربع مرات ثم أمر برجمه.

ص: 445

4292 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَوَافَقَهُ شَبَابَةُ عَلَى قَوْلِهِ: فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ: فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا.

4293 -

(1638)(200) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ). قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ:

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال:

4292 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري ثقة، من (9)(ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر العقدي) بفتحتين نسبة إلى عقد بطن من بجيلة عبد الملك بن عمرو البصري ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من شبابة وأبي عامر رويا (عن شعبة) بن الحجاج (عن سماك عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة شبابة وأبي عامر لمحمد بن جعفر (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساقا (نحو حديث) محمد (بن جعفر ووافقه) أي وافق ابن جعفر (شبابة على قوله): أي على قول ابن جعفر في روايته (فرده مرتين وفي حديث أبي عامر: فرده) أي رد النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا أي إقراره (مرتين أو ثلاثًا) بالشك من الراوي وبهذا الشك يسقط الاحتجاج به على تعيين الأربع اهـ من الأبي.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

4293 -

(1638)(200)(حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل) فضيل بن الحسين (الجحدري -واللفظ لقتيبة- قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن سماك) بن حرب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك) الأسلمي

ص: 446

"أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟ " قَال: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَال: "بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيةِ آلِ فُلانٍ" قَال: نَعَمْ. قَال: فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.

4294 -

(1639)(3201) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ،

ــ

(أحق) بهمزة الاستفهام التقريري وهو خبر مقدم لقوله: (ما بلغني عنك) أي هل الخبر الذي بلغني عنك صدق أم كذب؟ أي هل هو ثابت؟ قال النووي: هكذا وقع في هذه الرواية والمشهور في باقي الروايات أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: طهرني قال العلماء لا تناقض بين الروايات فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير استدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله: لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرًا لك وكان ماعز عند هزال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له ما بلغني عنك حق إلخ

(قال) ماعز: (وما بلفك عني) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغني أنك وقعت) أي جامعت (بجارية آل فلان) يعني جارية آل هزال (قال) ماعز لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أي هو حق ثابت (قال) ابن عباس: (فشهد) ماعز أي أقر بزناه (أربع شهادات) أي أربع مرات (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (به) أي برجمه (فرجم) ماعز ظاهر هذه الرواية يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفًا بزنى ماعز فاستنطقه ليقر به ليقيم عليه الحد فهذا كما أفاده الشراح قال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له فلا ينافي ما تقدم وما تأخر في الروايات من الإشعار بعدم علمه صلى الله عليه وسلم بزناه اهـ من بعض الهوامش.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4431]، والترمذي [1427]، والنسائي في الكبرى [7171].

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:

4294 -

(1639)(3201)(حدثني محمد بن المثنى حدثني عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8)(حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري

ص: 447

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم. فَقَال: إِنِّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً. فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَرَدَّه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِرَارًا. قَال: ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا. إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَ شَيئًا،

ــ

البصري ثقة، من (5)(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف مع سكون المهملة وبضم القاف وفتح المهملة العبدي العوقي بفتح المهملة والواو وكسر القاف البصري ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) الأنصاري الخدري سعد بن مالك المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد (أن رجلًا من أسلم) قبيلة مشهورة من العرب (يقال له ماعز بن مالك: أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له صلى الله عليه وسلم: (إني أصبت) أي ارتكبت (فاحشة) أي معصية كبيرة أراد به الزنا (فأقمه) أي فأقم حدها (علي) يا رسول الله قال الراغب: الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال والفاحشة تكون كناية عن الزنا كما في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} (فرده) أي رد إقراره (النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا) أي مرات كثيرة واعلم أنه قد اختلفت الروايات في عدد ذلك فروي فيما سبق أنه صلى الله عليه وسلم رده مرتين وروي في بعضها أنه رده ثلاثًا وقد تكلف الحافظ في الفتح [12/ 23] للجمع بينها والظاهر أن اختلاف الرواة في مثل هذا لا يقدح في أصل الحديث وتقدم مرارًا أن الرواة ربما لا يعتنون بتفاصيل القصة وحواشيها والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم رده ثلاث مرات حتى إذا اعترف الرابعة سأله عن كيفية الزنا فلما بينها رجمه والله أعلم قال القرطبي: هذه الرواية مخالفة لما تقدم لأنها تضمنت أن ماعزًا هو الذي بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال والنبي صلى الله عليه وسلم معرض عنه حتى أقر أربع مرات وهذا أحد المواضع الثلاثة المضطربة في حديث ماعز والثاني: في الحفر له ففي بعضها أنه حفر له وفي بعضها أنه لم يحصل له وفي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه بعدما رجم وفي بعضها لم يصل عليه وكذلك في الاستغفار له وكلها في الصحيح والله تعالى أعلم بالسقيم من الصحيح اهـ من المفهم (قال) أبو سعيد: (ثم) بعد إقراره مرارًا (سأل) النبي صلى الله عليه وسلم (قومه) أي قبيلته ممن حضر معه عن حاله من الصلاح والفساد (فقالوا): أي فقال قومه (ما نعلم به) أي بماعز (بأسًا) أي عيبًا وفسادًا في الأزمنة الماضية (إلا أنه) أي لكن أن ماعزًا (أصاب) أي ارتكب (شيئًا)

ص: 448

يَرَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ إلا أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ. قَال: فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ. قَال: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ. قَال: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ. قَال: فَرَمَينَاهُ بِالْعَظْمِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ. قَال: فَاشْتَدَّ وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ. حَتَّى أتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ. فَانْتَصَبَ لَنَا. فَرَمَينَاهُ بِجَلامِيدِ الْحَرَّةِ (يَعْنِي الْحِجَارَةَ). حَتَّى سَكَتَ

ــ

من الكبائر (يرى) أي يعتقد (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يخرجه) أي لا ينجيه (منه) أي من عقوبته (إلا أن يقام) عليه (فيه) أي في ذلك الشيء الذي ارتكبه (الحد) أي العقوبة التي أوجبها الله فيه (قال) أبو سعيد (فرجع) ماعز (إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما سأل قومه (فأمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن نرجمه قال) أبو سعيد: (فانطلقنا به) أي ذهبنا بماعز (إلى بقيع الغرقد) موضع بالمدينة وهو مقبرتها والغرقد شجر من أشجار البادية كانت في ذلك الموضع فنسب إليها فذهبت تلك الشجر واتخذ ذلك الموضع مقبرة وهو الذي عبر عنه في الرواية الأخرى بـ (ـالمصلى) أي مصلى الجنائز اهـ من المفهم (قال) أبو سعيد: (فما أوثقناه) أي ما ربطنا ماعزًا بالقيد (ولا حفرنا له) حفيرة عميقة وإلا فقد حفر له حفرة صغيرة يمكن منها الفرار كما ذكره في حديث بريدة الآتي فبهذا حصل الجمع بين الحديثين بجعل المنفي هنا الحفرة العميقة والمثبت هناك الصغيرة (قال) أبو سعيد: (فرميناه بالعظم والمدر والخزف) العظم معروف والمدر الطين المتماسك والخزف قطع الفخار المنكسر (قال) أبو سعيد: (ناشتد) ماعز أي عدا وأسرع للفرار (واشتددنا) أي أسرعنا وجرينا وعدونا (خلفه) لنرجمه حتى يموت (حتى أتى عرض الحرة) أي جانبها وطرفها غاية لاشتداده واشتدادهم والعرض بضم العين وسكون الراء الجانب والطرف والحرة بقعة بالمدينة ذات حجارة سود (فانتصب لنا) أي قام لأجلنا لعجزه عن العدو (فرميناه بجلاميد الحرة) أي بصخورها وهي الحجارة الكبار واحدها جلمود بضم الجيم وسكون اللام وجلمد بفتح الجيم وسكون اللام وأضافه امرؤ القيس إلى الصخر يصف فرسًا له بالجودة في قوله:

مكر مفر مقبل مدبر معًا

كجلمود صخر حطه السيل من عل

قال أبو نضرة: (يعني) أبو سعيد بالجلاميد (الحجارة) الكبار (حتى سكت) أي حتى مات غاية لرميناه هو بالتاء في آخره هذا هو المشهور في الروايات قال القاضي:

ص: 449

قَال: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا مِنَ الْعَشِيِّ فَقَال: "أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةٌ فِي سَبِيل اللهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا. لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيسِ، عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا نَكَّلْتُ بِهِ". قَال: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ.

4295 -

(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ

ــ

ورواه بعضهم سكن بالنون ومعناهما واحد والأول هو الصواب اهـ نووي قال النووي: وهذا دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر أو المدر أو الخزف أو العظم أو الخشب وغير ذلك مما يحصل به القتل ولا تتعين الأحجار وقد قدمنا أن قوله صلى الله عليه وسلم "ثم رجمًا بالحجارة" ليس هو للاشتراط اهـ (قال) أبو سعيد: (ثم) بعد ما رجمناه (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا) أي واعظًا في زمان (من العشي) أي من آخر النهار (فقال) في خطبته: (أ) يفعلون الفاحشة (وكلما انطلقنا) أي ذهبنا وخرجنا من المدينة (غزاة) أي غازين (في سبيل الله تخلف رجل) من القاعدين عن الجهاد (في عيالنا) وأهلنا (له نبيب) أي صوت (كنبيب التيس) أي كصوت فحل الغنم (علي أن لا أوتى) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أوتى مضارع آتى الرباعي على صيغة المجهول المسند إلى المتكلم والجملة الفعلية خبر أن المخففة وجملة أن المخففة في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء وخبره الجار والمجرور في على أي لازم عليَّ عدم الإتيان (برجل فعل ذلك) أي فعل الفجور بإحدى عيال الغزاة (إلا نكلت به) أي وإلا فعلت به من العقوبة ما يكون عبرة لغيره أو المعنى إلا فعلت به ما ينكله أي ما يسوؤه ويكدره وأصله من النكل وهو القيد يعني به الرجم لمن كان محصنًا أو الجلد لمن لم يحصن (قال) أبو سعيد: (فما استغفر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لماعز (ولا سبَّه) بالزنا أما عدم السب له فلأن الحد كفارة له مطهرة له من معصيته وأما عدم الاستغفار فلئلا يغتر به غيره فيقع في الزنا اتكالًا على استغفاره صلى الله عليه وسلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 103] وأبو داود [4432].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال:

4295 -

(00)(00)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9)(حدثنا يزيد بن زريع) التميمي البصري ثقة،

ص: 450

حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَشِيِّ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ، إِذَا غَزَوْنَا، يَتَخَلَّفُ أَحَدُهُمْ عَنَّا. لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِببِ التَّيسِ". وَلَمْ يَقُلْ: "فِي عِيَالِنَا".

4296 -

(00)(00) وحدّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ دَاوُدَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بَعْضَ هذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ

ــ

من (8)(حدثنا داود) بن أبي هند القشيري البصري ثقة من (5)(بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد وساق يزيد بن زريع (مثل معناه) أي مثل معنى حديث عبد الأعلى غرضه بيان متابعة يزيد بن زريع لعبد الأعلى (و) لكن (قال) يزيد بن زريع (في الحديث) لفظة (فقام النبي صلى الله عليه وسلم من العشي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أما بعد فما بال أقوام إذا غزونا) أي إذا خرجنا إلى الغزو (يتخلف أحدهم) أي أحد أولئك الأقوام (عنَّا) في المدينة (له نبيب) أي صوت (كنبيب التيس) أي كصوته (ولم يقل) يزيد لفظة (في عيالنا) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

4296 -

(00)(00)(وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي ثقة عابد من (10)(حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي من (9)(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام) القصار الأزدي مولاهم أبو الحسن الكوفي صدوق من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (كلاهما) أي كل من يحيى وسفيان رويا (عن داود) بن أبي هند (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد وساقا (بعض هذا الحديث) الذي رواه عبد الأعلى عن أبي نضرة غرضه بيان متابعتهما لعبد الأعلى (غير أن) أي لكن أن (في حديث سفيان) وروايته لفظة (فاعترف) ماعز (بالزنا ثلاث مرات).

ص: 451

4297 -

(1640)(202) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ)، عَنْ غَيلانَ (وَهُوَ ابْنُ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيُّ)، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ،

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث بريدة رضي الله عنهما فقال:

4297 -

(1640)(202)(وحدثنا محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني) الكوفي (حدثنا يحيى بن يعلى وهو ابن الحارث المحاربي) أبو زكريا الكوفي روى عن غيلان بن جامع في الحدود وعن أبيه وزائدة بن قدامة ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو كريب وعثمان بن أبي شيبة وابن نمير وغيرهم وثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من صغار التاسعة مات سنة (216) ست عشرة ومائتين (عن غيلان وهو ابن جامع) بن أشعث (المحاربي) أبي عبد الله الكوفي قاضيها روى عن علقمة بن مرثد في الحدود وقتادة وسماك ويروي عنه (م د س ق) ويحيى بن يعلى المحاربي وشعبة وعلي بن عاصم وآخرون قال علي بن المديني: ثقة له نحو عشرين حديثًا ووثقه ابن سعد وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة، من السادسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة.

قال النووي: هو هكذا في أكثر النسخ عن يحيى بن يعلى عن غيلان قال القاضي: والصواب ما وقع في نسخة الدمشقي عن يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان فزاد في الإسناد عن أبيه وكذا أخرجه أبو داود في كتاب السنن والنسائي من حديث يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان وهو الصواب وقد نسبه عبد الغني على الساقط من هذا الإسناد في نسخة أبي العلاء بن ماهان ووقع في كتاب الزكاة من السنن لأبي داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى حدثنا أبي حدثنا غيلان جمن جعفر عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الآية إلخ، وهذا السند يشهد بصحة ما تقدم قال البخاري في تاريخه: يحيى بن يعلى سمع أباه وزائدة بن قدامة هذا آخر كلام القاضي وهو صحيح كما قال ولم يذكر سماعًا ليحيى بن يعلى هذا من غيلان بل قالوا: سمع أباه وزائدة اهـ منه.

(عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة الحضرمي أبي الحارث

ص: 452

عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي. فَقَال:"وَيحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيهِ" قَال: فَرَجَعَ غَيرَ بَعِيدٍ. ثُمَّ جَاءَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَيحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيهِ" قَال: فَرَجَعَ غَيرَ بَعِيدٍ. ثُمَّ جَاءَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرْنِي. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فِيمَ

ــ

الكوفي ثقة، من (6)(عن سليمان بن بريدة) مصغرًا ابن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المروزي الصحابي الجليل رضي الله عنه يقال: إن اسمه عامر وبريدة لقبه أسلم حين مر به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا بالغميم وأقام في موضعه حتى مضت بدر وأحد ثم قدم بعد ذلك وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان (قال) بريدة بن الحصيب: (جاء ماعز بن مالك) الأسلمي رضي الله عنه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله طهرني) من الذنب أي كن سبب تطهيري من الذنب بإجراء الحد علي اهـ مرقاة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك) أي ألزمك الله الويح والرحمة ويح كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها اهـ نهاية (ارجع) عن إقرارك (فاستغفر الله) من ذنبك (وتب إليه) أي ارجع إلى طاعته قال ملا علي: المراد بالاستغفار التوبة.

وبالتوبة المداومة والاستقامة عليها اهـ (قال) بريدة: (فرجع) ماعز عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم رجوعًا (غير بعيد) يعني غاب عنه غيبة غير بعيدة (ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه قال) بريدة: (فرجع) ماعز عن النبي صلى الله عليه وسلم رجوعًا (غير بعيد ثم جاء) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال: يا رسول الله طهرني فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: مثل ذلك) أي مثل ما قال له في المرتين الأوليين يعني قوله: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه وكرر النبي صلى الله عليه وسلم عليه قوله: ويحك ارجع فاستغفر الله (حتى إذا كانت) المرة (الرابعة) من قوله: طهرني يا رسول الله أي وجدت فكان تامة (قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك) أي مم أطهرك كما هو مقتضى ما

ص: 453

أُطَهِّرُكَ؟ " فَقَال: مِنَ الزِّنَا. فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبِهِ جُنُونٌ؟ " فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَال: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟ " فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ

ــ

قابله في جوابه قال النووي في هنا للسببية أي بسبب ماذا أطهرك اهـ (فقال) ماعز:

طهرني (من الزنا) أي من ذنبه بإقامة الحد عليَّ قال القرطبي: قوله: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه يدل على أن ما كان من حقوق الله تعالى يكفي في الخروج من إثمه التوبة والاستغفار وإن كان فيه حد وفيه جواز ستر الإمام على الزاني ما لم يتحقق السبب فإذا تحقق السبب الذي يترتب عليه الحد فلا بد من إقامته كما ذكره مالك في الموطإ من مراسيل ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من بلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله رواه مالك في الموطإ [2/ 825] فأما حقوق الآدميين فلا بد مع التوبة من الخروج منها اهـ من المفهم (فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده من قومه فقال: (أبه جنون) أي نقص عقل وخلل فيه قال القرطبي: هذا سؤال أوجبه ما ظهر على السائل من الحال التي تشبه حال المجنون وذلك أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منتفش الشعر ليس عليه رداء يقول: زنيت فطهرني كما قد صح في الرواية وإلا فليس من المناسب أن ينسب الجنون إلى من أتى على هيئة العشلاء وأتى بكلام منتظم مقيد لا سيما إذا كان طلب الخروج من مأثم اهـ من المفهم وفيه من الفقه ما يدل على أن المجنون لا تعتبر أقواله ولا يتعلق بها حكم وهذا لا يختلف فيه (فأُخبر) بالبناء للمجهول أي أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه) أي: أن ماعزًا (ليس بمجنون فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشرب خمرًا) أي هل شرب مسكرًا (فقام رجل) من الحاضرين عنده صلى الله عليه وسلم ليشم رائحة فمه (فاستنكهه) أي فشم رائحة فم ماعز أي طلب معرفة رائحة فمه والنكهة رائحة الفم وإنما شمه ليعلم أشارب هو أم غير شارب (فلم يجد) الرجل (منه) أي من فم ماعز (ريح خمر) وظاهر هذا الحديث أن السكران مثل المجنون في عدم اعتبار إقراره وأقواله وبه قالت طائفة من أهل العلم وقالت طائفة أخرى؛ وهو مالك وجل أصحابه: يؤخذ بإقراره لأنه لا يعرف المتساكر من السكران ولأنه لما كان مختارًا لإدخال السكر على نفسه صار كأنه مختار لما يكون في سكره.

قال النووي: مذهبنا الصحيح المشهور صحة إقرار السكران ونفوذ أقواله فيما له وعليه والسؤال عن شربه الخمر محمول عنده على أنه لو كان سكران لم يقم عليه الحد

ص: 454

رِيحَ خَمْرٍ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَزَنَيتَ؟ " فَقَال: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَينِ: قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ. لَقَدْ أَحَاطَتْ بهِ خَطِيئَتُهُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ؛ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ. ثُمَّ

ــ

اهـ ولعل مراده أن إقرار السكران بالزنا موجب للحد عندهم غير أنه لا يقام عليه الحد في حالة السكر ومعنى (استنكهه) شم رائحة فمه واحتج أصحاب مالك وجمهور الحجازيين أنه يحد من وجد منه ريح الخمر وإن لم تقم عليه بينة بشربها ولا أقر به ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما لا يحد بمجرد ريحها بل لا بد من بينة على شربه أو إقراره وليس في هذا الحديث دلالة لأصحاب مالك (قال) بريدة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له في الرابعة: (أزنيت) حقًّا (فقال) ماعز: (نعم) زنيت وجاء هذا المعنى في كتاب أبي داود بأوضح من هذا ولفظه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتها قال: نعم قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها قال: نعم قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال: نعم قال: هل تدري ما الزنا قال: نعم أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من أهله حلالًا رواه أبو داود [4428]، وهذا منه صلى الله عليه وسلم أخذ لماعز بغاية النص الرافع لجميع الاحتمالات كلها تحقيقًا للأسباب وسعيًا في صيانة الدماء (فأمر به) أي برجمه (فرجم) قال القرطبي: قوله: (فأمر به فرجم) وفي الرواية الأخرى: (فأمر به فحفر له) وفي الرواية الأخرى: فما أوثقناه ولا حفرنا له وفي حديث الغامدية: (أنها حفر لها إلى صدرها) اختلاف هذه الروايات هو الموجب لاختلاف العلماء في هذا الحكم الذي هو الحفر فلم يبلغ مالكًا من أحاديث الحفر شيء فلم يقل به لا في حق المرأة ولا في حق الرجل لا هو ولا أصحابه وكذلك قال أحمد وأصحاب الرأي وقالوا: إن حفر للمرأة فحسب وقيل: يحفر لهما وبه قال قتادة وأبو يوسف وروي في ذلك عن علي رضي الله عنه ووسع الشافعي وابن وهب للإمام في ذلك وخيراه اهـ من المفهم (فكان الناس فيه) أي في شأن ماعز (فرقتين قائل) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل خبره جملة قوله: (يقول: لقد هلك) ماعز أي والله لقد هلك ماعز بارتكابه الكبيرة والله (لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع) ماعز (يده في يده) صلى الله عليه وسلم (ثم

ص: 455

قَال: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. قَال: فَلَبِثُوا بِذلِكَ يَوْمَينِ أَوْ ثَلاثَةً. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. فَقَال: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ". قَال: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ"

ــ

قال: اقتلني بالحجارة قال) بريدة بن الحصيب: (فلبثوا) أي فلبث القوم ملتبسين (بذلك) الافتراق والإشارة في قوله بذلك إلى ما وقع لهم من الاختلاف في شأن ماعز يعني أنهم بقوا كذلك إلى أن تبين لهم حاله بقوله: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم)(يومين أو ثلاثة) أيام والشك من الراوي (ثم) بعد يومين أو ثلاثة أيام (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجلس القوم (وهم) أي والحال أنهم (جلوس) في المسجد (فسلم) النبي صلى الله عليه وسلم عليهم (ثم جلس) بينهم (فقال: استغفروا لماعز بن مالك) أي اطلبوا له مزيد المغفرة وترقي الدرجة (قال) بريدة: (فقالوا): أي فقال القوم الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب أمر بالاستغفار له (غفر الله لماعز بن مالك قال) بريدة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لقد تاب) ماعز من ذنبه هذا (توبة لو قسمت) ووزعت أي ثوابها (بين أمة) أي بين جماعة من الناس (لوسعتهم) أي لكفتهم سعة اهـ مرقاة قال القرطبي: ويعني بالأمة في هذا الحديث السبعين الذين ذكروا في حديث الغامدية يعني سبعين من أهل المدينة وزاد أبو داود من رواية ابن عباس أن ماعزًا لما رجم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: أين فلان وفلان فقالا: نحن ذان يا رسول الله فقال: انزلا وكلا من جيفة هذا الحمار فقالا: يا رسول الله من يأكل من هذا قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفًا أشد من أكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها رواه أبو داود [4428]، والدارقطني [3/ 196 - 197]، والبيهقي [8/ 227 - 228] اهـ من المفهم.

وقد زاد أبو داود في حديث ماعز من حديث خالد بن اللجلاج رضي الله عنه أنه لما رجم جاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهو أطيب عند الله من

ص: 456

قَال: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرْنِي. فَقَال: "وَيحَكِ! ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيهِ لا فَقَالتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَال: "وَمَا ذَاكِ؟ " قالتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَال:

ــ

ريح المسك فإذا هو أبوه فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه قال: وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا رواه أبو داود [4435].

وفيه دليل على أن المرجوم يغسل ويكفن ويصلى عليه وفي معناه كلُّ من قتل في حد من المسلمين غير أن الإمام يجتنب الصلاة على من قتله في حد على مذهب مالك وأحمد بن حنبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز (قال) بريدة: (ثم) بعد رجم ماعز (جاءته) صلى الله عليه وسلم (امرأة من غامد) هو بطن من جهينة مصغرًا وهي (من الأزد) والأزد قبيلة كبيرة من العرب قال القرطبي: كذا قال في هذه الرواية وفي الرواية الأخرى (من جهينة) ولا تعارض بين الروايتين فإن غامدًا قبيلة من جهينة قال عياض: وأظن أن جهينة من الأزد وبهذا تتفق الروايات واسم الغامدية سبيعة وقيل: أمية بنت فرح اهـ من المفهم قال في المصباح وغامدة بالهاء حي من الأزد وهم من اليمن وبعضهم يقول غامد بلا هاء وحكى الأزهري القولين اهـ والظاهر أن هذه الغامدية هي مَزْنية ماعز وذكر الخطيب البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة أن اسمها سُبيعة مصغرًا وأخرج ذلك بسنده عن عائشة وقيل إنها ابنة فرح وأخرجه الخطيب أيضًا عن عبد الله بن حماد والله أعلم (فقالت) الغامدية: (يا رسول الله طهرني) من ذنبي أي كن لي سببًا في التطهير من ذنبي بإقامة الحد علي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك) بكسر الكاف خطابًا لها أي ألزمك الله الويح والرحمة (ارجعي) عن إقرارك (فاستغفري الله) سبحانه (وتوبي إليه فقالت) الغامدية: (أراك) أي أظنك يا رسول الله (تريد أن ترددني) أي أن ترجعني عن إقراري (كما رددت) ورجعت (ماعز بن مالك) بلا قبول لإقراره والرواية التالية أن تردني فالتفعيل هنا للمبالغة فـ (ـقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك) أي: وما سبب تطهيرك (قالت: إنها) أي إن هذه اللئيمة تريد نفسها (حبلى) أي حاملة (من الزنا) أرادت إني حبلى من الزنا فعبرت عن نفسها بالغيبة فكأنها قالت: إنك يا رسول الله تريد رجوعي عن إقراري كما أردت ذلك لماعز ولا أنقاس عليه لظهور الحمل فيَّ اهـ من بعض الهوامش (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 457

"آنْتِ؟ " قَالتْ: نَعَمْ. فَقَال لَهَا: "حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ". قَال: فَكَفَلَهَما رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ. قَال: فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَال: "إِذًا لَا نَرْجمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: إِلَيَّ رَضَاعُهُ. يَا نَبِيَّ الله

ــ

(آنت) حُبلى من الزنا (قالت: نعم) أنا حبلى من الزنا.

قال القرطبي: (قوله: إنها لحبلى من الزنا) اعتراف منها من غير تكرار يطلب منها ففيه دليل على عدم اشتراطه على ما مر وكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها كما استفصل ماعزًا لأنها لم يظهر عليها ما يوجب ارتيابًا في قولها: ولا شكًّا في حالها بخلاف حال ماعز فإنه ظهر عليه ما يشبه الجنون فلذلك استفصله النبي صلى الله عليه وسلم ليستثبت في أمره.

(فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصبري ولا تستعجلي (حتى تضعي) أي تلدي (ما في بطنك) من الجنين وهذا يدل على أن الجنين وإن كان من زنى له حرمة وأن الحامل لا تحد حتى تضع لأجل حملها وهذا لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه وقال في الرواية الأخرى: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي) إما بكسر الهمزة التي هي همزة إن الشرطية زيدت عليها (ما) المؤكدة بدليل دخول الفاء في جوابها و (لا) التي بعدها للنفي فإنه قال: إن رأيت أن تستري وترجعي عن إقرارك فافعلي وإن لم تفعلي فاذهبي حتى تلدي اهـ (قال) بريدة: (فكفلها) أي فتكفل بمؤنتها وقام بمصالحها ليس من الكفالة التي بمعنى الضمان لأنها غير جائزة في حدود الله تعالى كما في النووي (رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (حتى وضعت) أي ولدت حملها (قال) بريدة: (فأتى) ذلك الرجل: (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل له صلى الله عليه وسلم: (قد وضعت الغامدية) يا رسول الله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذًا) بالتنوين حرف نصب وجواب (لا نرجمها) بالنصب وفي نسخة بالرفع على إهمالها نظرًا إلى فصلها بلا (وندع) بالوجهين أي نترك (ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه) أي لا يكون منا قتلها وترك ولدها بلا مرضع ولا حاضن له (فقام رجل) آخر وإنما وصفناه بالآخر لأن النكرة إذا كررت كانت غير الأولى ولم أر من ذكر اسمه أيضًا (فقال) ذلك الآخر: (إليَّ رضاعه) أي موكول إلي مؤنته وتربيته (يا نبي الله) وإنما فسرناه كذلك لأنه

ص: 458

قَال: فَرَجَمَهَا

ــ

إنما قاله بعد فطامه برضاعة أمه وأراد بالرضاعة كفايته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا.

(قال) بريدة: (فرجمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أمر برجمها بعد انفطام ولدها برضاعتها إياه وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان هل كان قبل فطام الولد أو بعد فطامه؟ والأولى رواية من روى أنها لم ترجم حتى فطمت ولدها ووجدت من يكفله لأنها مثبتة حكمًا زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك ولمراعاة حق الولد وإذا روعي حقه وهو جنين فلا ترجم لأجله بالإجماع فمراعاته إذا خرج للوجود أولى ويستفاد من هذه الرواية أن الحدود لا يبطلها طول الزمان وهو مذهب الجمهور وقد شذ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحد بطل قاله أبو حنيفة في الشهادة بالزنا والسرقة القديمين وهو قول لا أصل له اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 347 و 348]، والنسائي في الكبرى [7163].

قوله: (قال: فرجمها) ظاهره يخالف الرواية الآتية أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبزة فقالت: يا نبي الله هذا قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فرجموها قال النووي: فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها والأولى ليست صريحة فيتعين تأويل الأولى ويكون قوله في الرواية الأولى قام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه إنما قاله بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا وبالجملة في الرواية الثانية عدة أوهام أخرى كما سيأتي ونسبوها إلى بشير بن مهاجر فيحتمل أيضًا أن تكون الرواية الأولى صحيحة وأما الرواية الثانية فيحتمل أن تكون من جملة أوهامه الأخرى والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال:

ص: 459

4298 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيتُ وَإِنَّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي. فَردَّهُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيتُ. فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ

ــ

4298 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وتقاربا) أي تقارب أبو بكر ومحمد بن نمير (في لفظ الحديث) وسوقه ولكن بينهما يسير اختلاف في اللفظ قال محمد بن نمير: (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير قال: (حدثنا بشير بن المهاجر) الغنوي بفتح أوله نسبة إلى غني بن أعصر الكوفي روى عن عبد الله بن بريدة في الحدود والحسن وعكرمة ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن نمير وابن المبارك ووكيع وأبو نعيم وطائفة وثقه ابن معين والنسائي وقال العجلي: كوفي ثقة وقال في التقريب صدوق لين من الخامسة رمي بالإرجاء له في (م) فرد حديث متابعة (حدثنا عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبيه) بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن بريدة لسليمان بن بريدة (أن ماعز بن مالك الأسلمي) المدني رضي الله تعالى عنه قال أبو الوليد الفرضيُّ: ماعز لقب واسمه عريب بن مالك بضم العين (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت) عطف تفسير لما قبله (وإني أريد أن تطهرني فرده) أي فرد إقراره (فلما كان من الغد) من اليوم الأول (أتاه) مرة ثانية (فقال: يا رسول الله إني قد رنيت فرده) المرة (الثانية).

قوله: (فلما كان من الغد أتاه) ظاهره أنه كان بين اعترافي ماعز فصل يوم وهذا معارض لسائر الروايات الأخرى التي تدل على أنه اعترف أربع مرات في نفس ذلك المجلس وجمع الحافظ بين الروايات بقوله: أما رواية مرتين فتحمل على أنه اعترف مرتين في يوم ومرتين في يوم آخر فاقتصر الراوي (أي راوي المرتين على أحدهما) ومراده أنه اعترف مرتين في يومين فيكون من ضرب اثنين في اثنين وقد وقع في سنن أبي

ص: 460

فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِهِ فَقَال: "أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيئًا؟ " فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلا وَفِيَّ الْعَقْلِ. مِنْ صَالِحِينَا. فِيمَا نُرَى. فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِمْ أَيضًا

ــ

داود عن ابن عباس جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء وأما رواية الثلاث فكان المراد الاقتصار على المرات التي رده فيها وأما الرابعة فإنه لم يرده بل استثبت فيه وسأل عن عقله لكن وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود ما يدلّ على أن الاستثبات فيه إنما وقع بعد الرابعة ولفظه فأقبل في الخامسة فقال: تدري ما الزنا إلى آخره والمراد بالخامسة الصفة التي وقعت عند السؤال والاستثبات لأن صفة الإعراض وقعت أربع مرات وصفة الإقبال عليه للسؤال وقع بعدها كذا في فتح الباري [12/ 121].

ولكن لا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وذهب بعض العلماء إلى أن بشير بن مهاجر قد وهم في هذا الحديث قال ابن القيم في تهذيب السنن [6/ 351] وهذا الحديث فيه أمران سائر طرق حديث مالك في الموطإ تدل على خلافهما أحدهما أن الإقرار منه وترديد النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجالس متعدّدة وسائر الحديث يدل على أن ذلك كان في مجلس واحد والثاني: ذكر الحفر فيه والصحيح في حديثه أنه لم يحفر له والحفر وهم ويدل عليه أنه هرب وتبعوه وهذا والله أعلم من سوء حفظ بشير بن مهاجر وقد تقدم قول الإمام أحمد إن ترديده كان في مجلس واحد إلّا ذلك الشيخ بشير بن مهاجر.

وبشير بن مهاجر هذا لم يخرج له البخاري وقال الإمام أحمد: منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب وقال أبو حاتم: يكتب ولا يحتج به وقال العقيلي مرجئ متهم متكلم فيه وقال الساجي: منكر الحديث فحديثه مثله لا يستبعد فيه الأوهام عند مخالفته الثقات.

(فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه) فجاؤوا إليه (فقال) لهم: (أتعلمون بعقله بأسًا) أي خللًا هل (تنكرون منه شيئًا) من المنكرات (فقالوا: ما نعلمه إلَّا وفيَّ العقل) أي كامله هو (من صالحينا) أي ممن يراعي حقوق الله وحقوق العباد (فيما نرى) من ظاهر حاله على فتح النون وأما بضمها فهو بمعنى نظن (فأتاه) صلى الله عليه وسلم المرة (الثالثة فأرسل إليهم) أي إلى قومه (أيضًا) أي كما أرسل إليهم في المرة

ص: 461

فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ؛ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ. فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.

قَال: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي قَدْ زَنَيتُ فَطَهِّرْنِي. وَإِنَّهُ رَدَّهَا. وَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالتْ: لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا

ــ

الثانية (فسأل) قومه (عنه) أي عن حاله (فأخبروه) صلى الله عليه وسلم (أنه لا بأس) أي لا نقص (به) في دينه (ولا بعقله فلما كان) في المرة (الرابعة أمر له حفرة) أي أمرهم بأن يحفروا له حفرة (ثم أمر به) أي برجمه (فرجم) هذا هو الأمر الثاني الذي نسب فيه ابن القيم الوهم إلى بشير بن مهاجر فإن سائر الروايات الأخرى تدل على أنه لم يحفر لماعز بن مالك حفرة.

(قلت): وقد تقدّم في رواية أبي سعيد الخدري (فما أوثقناه ولا حفرنا له) فوجه الجمع بين الروايتين أن المراد بعدم الحفر عدم المبالغة في الحفر ولهذا أمكنه الفرار في أثناء الرجم ولا يخفى ما في أمثال هذه التأويلات من النظر لأنه لا حفر للرّجل في كتب المذهب عميقًا ولا غير عميق.

(قال) بريدة بن الحصيب (فجاءت الغامدية) بكسر الميم والدّال نسبة إلى غامد الغسّاني، جهينة وغامد وبارق واحد بطن من الأزد صرّح بهذا صاحب بذل المجهود [5/ 135] قال الخطيب: اسمها سُبيعة بالتصغير كما مرّ وقيل: اسمها أبية بنت فرح وقيل: آسية بنت فرح وقيل: أميّة بنت فرح والله أعلم كذا يؤخذ من مبهمات مسلم أي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني) من ذنبي بإقامة الحدّ عليّ قال الراوي: (وإنه) صلى الله عليه وسلم (ردّها) أي ردَّ إقرارها ولم يقبله (ولمّا كان الغد) أي اليوم الذي بعد ذلك اليوم أي جاء الغد ظاهر هذا الكلام أنها اعترفت المرّة الثانية بعد يوم وظاهر الروايات الأخرى أنها اعترفت المرّات جميعًا في نفس المجلس الأوّل وقد ذكرنا أنّ رواية بشير بن مهاجر هذه مرجوحة في عدّة أمور بالنّظر إلى الرّوايات الأخرى فالظاهر أن الروايات الأخرى هي الراجحة والله سبحانه أعلم اهـ (قالت) الغامدية: (لم تردني) أي لم ترد إقراري يا رسول الله (لعلك أن تردني) أي ترد إقراري (كما رددت ماعزًا) أي إقراره وهذا يدل على أن قصة الغامدية متأخرة عن

ص: 462

فَوَاللهِ، إِنِّي لَحُبْلَى. قَال:"إِمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي" فَلمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ. قَالتْ: هذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَال: "اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ". فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ. فَقَالتْ: هذَا، يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا. وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا

ــ

قصة ماعز (فوالله إني لحبلى) أي لحاملة من الزنا فلا يمكنني الرجوع عن الإقرار لأن الحمل شاهد عليّ فلست كماعز (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إما لا) ترجعي عن إقرارك وأبيت إلا المضي فيه (فاذهبي) الآن (حتى تلدي) حملك ثم تعالي فنقيم عليك الحد وقوله: (إما) بكسر الهمزة وتشديد الميم وبالإمالة أصله إن ما لا فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط فصار إما لا أي إن لا تريدي الستر على نفسك فاذهبي الآن والمعنى إذا أبيت أن تستري على نفسك وترجعي عن قولك فاذهبي الآن حتى تلدي فترجعي نرجمك اهـ من الأبي (فلمّا ولدت أتته) صلى الله عليه وسلم (بالصبي) ملفوفًا (في خرقة) فـ (ـقالت هذا) الولد (قد ولدته) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه) من الرضاع بفتح التاء وكسر الطاء وسكون الياء أي حتى تفطميه من الرضاع كذا ضبطه القاري وفي القاموس فطمه يفطمه قطعه والصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم وفطيم وضبط في بعض النسخ بضم التاء والظاهر أنه غلط اهـ من العون (فلمّا فطمته) أي فصلته من الرضاع (أتته) صلى الله عليه وسلم (بالصبيّ) والحال أنه (في يده كسرة خبز) أي قطعة عيش تقدم في الرواية السابقة خلافه وقدمنا وجه الجمع والترجيح هناك فراجعه (فقالت هذا) الولد (يا نبي الله قد فطمته) أي قد فصلته من الرضاع (وقد أكل الطعام) فاستغنى عنِّي (فدفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها) أي بالحفر لها سترًا لها (فحفر لها إلى صدرها) فيه دليل على أن الحفر للمرأة سنة (وأمر الناس) برجمهما (فرجموها) أي قتلوها بالحجارة ظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرجمها معهم لا في أول الأمر ولا في آخره فلا يلزم الإمام أن يبدأ بالرجم وهو مذهب الجمهور وقد ذهب أبو حنيفة إلى أنه إن ثبت الزنا بالإقرار حضر الإمام وبدأ قبل الناس بالرجم وإن كان بالشهادة حضر الشهداء وبدؤوا بالرجم قبل الناس (قلت): وأحاديث هذا الباب ترد ما

ص: 463

فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ. فَرَمَى رَأْسَهَا. فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ. فَسَبَّهَا. فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إِيَّاهَا. فَقَال: "مَهْلا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ"

ــ

قاله أبو حنيفة غير أنه وقع في كتاب أبي داود من حديث الغامدية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حصاة مثل الحمصة فرماها به وهي رواية شاذة مخالفة للمشهور من حديث الغامدية اهـ من المفهم.

وقوله: (فيقبل) مضارع بمعنى الماضي للدلالة على أن الواقعة حاضرة في ذهن المتكلم كأنها تقع الآن فهو لحكاية الحال الماضية وهو كثير في كلام العرب أي فأقبل (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله القرشي المخزومي سيف الله أسلم في صفر سنة ثمان وشهد غزوة مؤتة وكان الفتح على يديه له ثمانية عشر حديثًا الصحابي المشهور رضي الله عنه وفيه دليل على أن قصة الغامدية وقعت بعد شهر صفر من سنة ثمان وذلك لأن خالد بن الوليد إنما جاء إلى المدينة مسلمًا في أول يوم من صفر سنة ثمان كما في طبقات ابن سعد [4/ 252] فثبت بهذا الحديث أن قصة الغامدية وقعت بعد نزول سورة النور فإنها نزلت في السنة الخامسة من الهجرة.

(بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد) أي تطاير متفرقًا وهو بالخاء المعجمة قال النووي: روي بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة والعين النضاخة الفوارة بالماء الغزير الذي يسيل ويتفرق وقد روي بالحاء المهملة وهو الرش الخفيف وهو أخف من النضخ بالخاء المعجمة والمعنى ترشش الدم وانصب على وجه خالد (فسبها) أي فسب خالد الغامدية أي شتمها لما أصابه دمها (فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إيَّاها فقال) نبي الله صلى الله عليه وسلم لخالد: (مهلًا) أي كف نفسك (يا خالد) عن سبها ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب ولا يؤذى بفحش كلام (فـ) ـأقسمت بالإله (الذي نفسي بيده) المقدسة (لقد تابت) هذه الغامدية (توبة) نصوحًا (لو تابها صاحب مكس لغفر له) والمكس بفتح الميم وسكون الكاف دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الجاهلية واسم الفاعل منه ماكس وأصل المكس النقص فكأن الماكس إذا أخذ درهمًا انتقص من ثمن السلعة قال القرطبي: صاحب المكس هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر ولا شك في أنه من أعظم

ص: 464

ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيهَا وَدُفِنَتْ.

4299 -

(1641)(203) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ

ــ

الذنوب وأكبرها وأفحشها فإنه غضب وظلم وعسف على الناس وإشاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه ومع ذلك كله إن تاب من ذلك ورد المظالم إلى أربابها صحت توبته وقبلت لكنه بعد أن يتخلص من ذلك لكثرة الحقوق وانتشارها في الناس وعدم تعيين المظلومين وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات والمواريث والملاهي والمرتبين في الطرق إلى غير ذلك مما كثير في الوجود وعمل عليه في سائر البلاد اهـ من المفهم (ثم أمر بها) أي بغسلها والصلاة (عليها) ودفنها (فصلى) بالبناء للفاعل أي فصلى (عليها) النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه (ودفنت).

قوله: (صاحب مكس) والمكس ما يأخذه أعوان الظلمة عند البيع والشراء كما قال الشاعر:

وفي كل أسواق العراق إتاوة

وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم

وإنما خصه بالذكر من بين أصحاب الكبائر لقبح ذنبه لتكرر ظلمه للناس قال النووي: فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها وفيه أن توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا.

وقوله: (فصلى عليها) بفتح الصاد مبنيًّا للفاعل عند أكثر الرواة كما حققه القاضي عياض ورواه الطبراني بضم الصاد مبنيًّا للمفعول وبه استدل مالك وأحمد فيما حكى عنهما النووي على أنه يكره للإمام وأهل الفضل أن يصلّي على المرجوم ولا يكره ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة فقد ثبت في عدّة روايات أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على الغامدية وما أولوه به من أن المراد أمرهم بالصلاة عليها أو بالدعاء لها فبعيد جدًّا اهـ والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمهه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال:

4299 -

(1641)(203)(حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي) نسبة إلى المسامعة وهي محلة بالبصرة نزلها المسمعيون فنسبت إليهم الحافظ البصري ثقة، من

ص: 465

حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ) حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ؛ أَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ حَدَّثَهُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَينَةَ أَتَتْ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا

ــ

(10)

(حدثنا معاذ يعني ابن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي صدوق من (9)(حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي البصري ثقة، من (7)(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة، من (5)(حدثني أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري ثقة، من (3)(أن أبا المهلب) الجرمي عبد الرحمن بن عمرو بن معاوية البصري عم أبي قلابة ثقة، من (2) (حدثه عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن أبي كثير (أن امرأة من جهينة) مصغرًا اسمها سبيعة وقيل: أبية بنت فرح اختلف العلماء في هذه المرأة هل هي الغامدية التي سبق ذكرها في الأحاديث الماضية أو هي غيرها فالذي يظهر من صنيع أبي داود رحمه الله أنها هي الغامدية لأنه ترجم على أحاديث الغامدية بقوله: (باب المرأة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة) ثم أتى فيه بأحاديث الجُهَنِيَّة والغامدية جميعًا وقال: قال الغساني جهينة وغامد وبارق واحد وبه صرح صاحب البذل حيث قال: الجُهَنِيَّة هي المرأة التي تقدم ذكرها في الحديث المتقدم وغامد بطن من جهينة اهـ ولكن يظهر من كلام الحافظ في رجم الحبلى من فتح الباري [12/ 146] أنه مائل إلى تعدد المرأتين حيث يقول: وجمع بين حديثي عمران وبريدة أن الجُهَنِيَّة كان لولدها من يرضعه بخلاف الغامدية والظاهر هو القول الأول لأن قصة الحديثين واحدة وأما ما ذكره الحافظ من الاختلاف بين حديثي عمران وبريدة فيمكن الجمع بينهما بأن بريدة ذكر الإرضاع ولم يذكره عمران بن حصين اختصارًا أو بأن ذكر الإرضاع في حديث بريدة جاء من طريق بشير بن مهاجر وقد قدّمنا أنه ضعيف فيحتمل أن يكون قد وهم في ذكر الإرضاع والله أعلم (أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى) أي حاملة (من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت) أي ارتكبت (حدًّا) أي موجب حد من حدود الله تعالى وهو الزنا (فأقمه) أي فأقم الحد (عليّ) طهرة لذنبي (فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها) أي طلب

ص: 466

فَقَال: "أَحْسِنْ إِلَيهَا. فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا" فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِي اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَشُكَّتْ عَلَيهَا ثِيَابُهَا. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ. ثُمَّ صَلَّى عَلَيهَا. فَقَال لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيهَا؟ يَا نَبِيَّ اللهِ! وَقَدْ زَنَتْ. فَقَال: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ سَبْعِينَ منْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ. وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَة أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ

ــ

قريبها (فقال) له: (أحسن إليها) بالإنفاق عليها مدة حملها حتى لا يتضرر جنينها قال النووي: هذا الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها فأوصى بالإحسان إليها تحذيرًا لهم من ذلك والثاني: أمر به رحمة لها إذ قد تابت وحزض على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها (فإذا وضعت) أي ولدت حملها (فائتني بها) أي فجئني بها لنقيم عليها الحد (ففعل) وليها ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم به من الإتيان بها بعد ولادتها وإرضاعها ولدها وفطمها إيّاه بعد مدة الرضاعة (فـ) ـلما أتى بها (أمر بها) أي بشك ثيابها عليها (نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكّت) أي شدت ولفت وجمعت (عليها ثيابها) لئلا تنكشف في تقلبها عند الرجم قال القرطبي: قوله: (فشكت عليها ثيابها) أي جمع بعضها إلى بعض بشوك أو خيوط ومنه المشك وهي الإبرة الكبيرة وشككت الصيد بالرّمح أي نفذته به وهو بضم الشين بالبناء للمجهول والشك اللزوم واللصوق وشك عليه الثوب أي جمع وزرّ بشوكة أو خلالة أو أرسل عليه كذا في تاج العروس [7/ 151] وقيل: معناه أرسلت عليها ثيابها قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ (فشكّت) وفي بعضها (فشدّت) وهو بمعنى الأوّل أي ربطت عليها رباطًا قويًّا وفي هذا استحباب جمع أثوابها عليها وشدّها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلّبها وتكرار اضطرابها اهـ واتفق العلماء على أنها لا ترجم إلا قاعدة وأما الرجل فجمهورهم على أنه يرجم قائمًا وقال مالك قاعدًا وقال غيره: يخيّر الإمام بينهما (ثم أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بها) أي برجمها (فرجمت ثم) بعد رجمها وغسلها وتكفينها (صلى عليها) رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة (فقال له عمر) بن الخطاب: (تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة) المنورة (لوسعتهم) أي لكفتهم سعة (وهل وجدت) يا عمر (توبة أفضل من أن جادت) أي سمحت وأخرجت

ص: 467

بِنَفْسِهَا لِلهِ تَعَالى؟ ".

4300 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثنَا أبَانٌ الْعَطَّارُ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

4301 -

(1643)(204) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، وَزَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهنِيِّ؛

ــ

(بنفسها) أي بروحها ودفعت (لله تعالى) طلبًا لرضاه سبحانه وتعالى.

قوله: (لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة) قال الأبي: انظر ما وجه التخصيص بأهل المدينة فيجاب بأن القضية كانت بها أو يجاب بأن الذنوب فيها ليست كغيرها لفضلها ويكون فيه دليل على فضلها على مكة اهـ والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 429]، وأبو داود [4440 و 4441]، والترمذي [1435]، والنسائي [4/ 63 - 64].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال:

4300 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري البصري ثقة، من (10)(حدثنا أبان) بن يزيد (العطار) أبو يزيد البصري ثقة، من (7)(حدثنا يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران وساق أبان (مثله) أي مثل ما روى هشام عن يحيى بن أبي كثير غرضه بيان متابعة أبان لهشام.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له ولزيد بن خالد رضي الله عنهما فقال:

4301 -

(1643)(204)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثناه محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان منهم

ص: 468

أَنَّهُمَا قَالا: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْشُدُكَ اللهَ إلا قَضَيتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ. فَقَال الْخَصمُ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ:

ــ

مصريان أو مصري وبلخي (أنهما قالا: إنّ رجلًا من الأعراب) لم أر من ذكر اسمه ولا اسم بقية المبهم الذي في الحديث اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله) أي أقسم لك بالله فلفظ الجلالة منصوب بنزع الخافض الذي هو حرف القسم أي أسألك بالله رافعًا نشيدي أي صوتي (إلا قضيت لي بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله أي لا أسألك إلا التشاغل بالقضاء بيننا بحكم الله تعالى ولا أترك السؤال إلا إذا قضيت به بالفصل بيننا بالحكم الصرف لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق إذ للحكم أن يفعل ذلك ولكن برضى الخصمين وفي قوله: (إلا قضيت لي بكتاب الله) استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويله بمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إليه وهو من المواضع التي يقع فيه الفعل موقع الاسم ويراد به النفي المحصور فيه المفعول والمعنى هنا لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله ويحتمل أن تكون إلا جواب القسم لما فيها من معنى الحصر والمعنى على هذا أسألك بالله لا تفعل شيئًا إلا القضاء بكتاب الله تعالى كذا في فتح الباري [12/ 138] باب الاعتراف بالزنا وفي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام شيء من الجفوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منه إلا القضاء بحق موافق لكتاب الله فنشده على ذلك بما لا داعي إليه ولكن الرجل كان من الأعراب وهم يعذرون في مثل هذا الكلام ولذلك لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لامه وفيه حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه على من يخاطبه بما لا يليق به ثم المراد بكتاب الله ها هنا ما كتبه الله على عباده سواء كان مذكورًا في القرآن الكريم أو في السنة لأن الرجم والتغريب ليس لهما ذكر صريح في القرآن إلا بواسطة أمر الله تعالى باتباع رسوله وقيل: المراد بكتاب الله ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل لأنه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق فلذلك قال: الغنم والوليدة رد عليك ولكن رجح الحافظ في الفتح أن المراد بكتاب الله ما يتعقق بجميع أفراد القصة مما وقع به الجواب الآتي ذكره والله تعالى أعلم (فقال الخصم الآخر): له غير الرجل المذكور أولًا (وهو) أي وهذا الآخر (أفقه) أي أكثر فقهأ وفهمًا وأحسن أدبًا (منه) أي من الرجل الأول لأنه التزم بأدب

ص: 469

نَعَمْ. فَاقْضِ بَينَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قُلْ" قَال: إِن ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هذَا

ــ

الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث استأذنه ولم يكن في كلامه من الجفوة ما كان في كلام الأول ودلت هذه الكلمة على أن الفقه ليس مجرد علم بالمسائل الفقهية وإنما هو أدب وخلق ووضع كل شيء في محله المناسب عمليًّا ويحتمل أيضًا أن يكون الراوي عارفًا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول إما مطلقًا وإما في هذه القصة الخاصة قاله ابن سيّد الناس في شرح الترمذي كما في فتح الباري.

وقال القرطبي: إنما فضل الراوي الثاني على الأول لأن هذه الجملة مدرجة من كلام الراوي أي وإنما فضله عليه بالفقه لأن الثاني ترفق ولم يستعجل ثم تلطف بالاستئذان في القول بخلاف الأول فإنه استعجل وأقسم على النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كان يفعله بغير يمين ولم يستأذن وهذا كله من جفاء الأعراب فكان للثاني عليه مزية في الفهم والفقه ويحتمل أن يكون ذلك لأن الثاني وصف القضية بكمالها وأجاد سياقها (نعم فاقض بيننا) يا رسول الله (بكتاب الله) تعالى وحكمه والجملة الجوابية مقول قال: وما قبلها معترض مدرج من كلام الراوي كما مرّ آنفًا وفيها الجمع بين نعم وما نابت عنه (و) لكن (ائذن لي) يا رسول الله في الكلام (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم قل) ما شئت فقد أذنت لك فـ (ـقال) هذا الخصم الآخر كما هو ظاهر سياق الكلام خلافًا للكرماني ولكن ردّ عليه الحافظ في الفتح [13/ 139] بما وقع في كتاب الشروط من صحيح البخاري عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب بلفظ (فقال: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني هذا إلخ

) فإنه كالصريح في أن المتكلم هو الثاني لا الرجل الأول أي فقال: هذا الخصم الثاني (إن ابني) ووقع في رواية عند البخاري في المحاربين (إن ابني هذا) فهذا مما يدل على أن ذلك الابن كان حاضرًا عند هذا الكلام (كان عسيفًا) أي أجيرًا وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقهاء (على هذا) إشارة إلى خصم المتكلم وهو زوج المرأة المزنية لابنه وكان الرجل الأول استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سببًا لما وقع له معها فعلى هنا بمعنى عند أي عند هذا ووقع في رواية عمرو بن شعيب عند النسائي في الكبرى (كان ابني أجيرًا لامرأته) وهو يعني معنى العسيف يطلق على الأجير وعلى الخادم وعلى العبد وعلى السائل وعلى من يستهان به وسمي الأجير عسيفًا لأن المستأجر يعسفه في العمل والعسف: الجور

ص: 470

فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ. وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ. فَافْتَدَيتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ. فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُوني؛ أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هذَا الرَّجْمَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَينَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ

ــ

(فزنى) ابني (بامرأته) أي بزوجته ولم يكن هذا من الأب قذفًا لابنه ولا للمرأة لاعترافهما بالزنا على أنفسهما اهـ مفهم وإنما وقع له ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال فيستفاد منه الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية مهما أمكن لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد ويتسور بها الشيطان إلى الفساد (وإني أخبرت أن على ابني الرجم) وقد وقع في رواية عمرو بن شعيب عند النسائي في الكبرى (فسألت من لا يعلم فأخبروني أن على ابني الرجم) وذلك يوضّح القصة أن المخبرين كانوا ممن لا علم عندهم بالأحكام ويحتمل أن يكونوا من المنافقين أو ممن قرب عهده بالجاهلية فأفتوا من غير تثبت فحكموا عليه بالرجم مع أنه كان غير محصن والتصريح بكونه غير محصن مرويّ أيضًا في رواية عمرو بن شعيب (فافتديت) ابني أي أنقذته (منه) أي من الرجم (بـ) ـفداء (مائة شاة ووليدة) أي جارية كأنهم زعموا أن الرجم حقُّ زوج المزنية ويجوز أن يعفو عنه على مال يأخذه فأعطى أبوالزاني زوج المزنية مائة شاة وجارية وكان هذا الظن باطلًا وقد ظهر بطلانه بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحد حقُّ الله لا يعفو عنه عبده (فسألت أهل العلم) قال الحافظ: لم أقف على أسمائهم ولا على عددهم ولا على اسم الخصمين ولا على الابن ولا على المرأة ودلّ الحديث على أن رجم المحصن كان معروفًا عند أهل العلم في ذلك الزمان ودل أيضًا على أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أي وقد سألت من يعلم أحكام الزنا من الصحابة (فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام) حدًّا عند الشافعية وتعزيرًا عند الحنفية (وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله) تعالى دل هذا الحديث على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت بطريق قطعي فإنها مساوية لكتاب الله في وجوب العمل بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن قضاءه مبني على كتاب الله مع أنه كان مشتملًا على رجم المرأة ولم يثبت الرجم في كتاب الله صريحًا ولكنه نسبه إلى كتاب الله لما فيه من الأمر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 471

الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ. وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيسُ إِلَى امْرَأَةِ هذَا. فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا".

قَال: فَغَدَا عَلَيهَا. فَاعْتَرَفَتْ. فَأمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ

ــ

(الوليدة والغنم رد) أي مردودتان عليك فخذهما منه قال النووي: معناه يجب ردهما عليك وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده وأن الحدود لا تقبل الفداء اهـ يعني أن زوج المزنية يجب عليه أن يردها إليك لأنه لم يقبضها بحق (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) إلى مسافة القصر أي إذا ثبت الزنا بوجهه لا بمجرد قول الأب (واغد) أمر من الغدوِّ وهو ها هنا بمعنى الذهاب المطلق من غير تقييد بوقت الغدوة ويحتمل أن يكون هذا الحديث في آخر وقت النهار فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالذهاب غدوة اليوم التالي والله أعلم والمعنى: امض وسر وليس معناه سر بكرة إليها كما هو موضوع الغداة (يا أنيس) بضم الهمزة مصغرًا قال ابن عبد البر في الاستيعاب [1/ 37] عن بعض العلماء أنيس بن الضحاك الأسلمي رضي الله تعالى عنه ويشهد لهذا ما وقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب (وأما أنت يا أنيس) لرجل من أسلم (فاغدُ) وفي بعض النسخ: اغد يا أنيس وهو أمر بالذهاب إليها وأنيس صحابي أسلميّ والمرأة أيضًا أسلميّة وهذا الأمر كما قال النووي: محمول على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه ليعرّفها بأن لها عنده حقًّا وهو حد القذف أخذت أو تركت إلَّا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه الحد بل يجب عليها حذ الزنى وهو الرجم لكونها محصنة (إلى امرأة هذا) الإشارة فيه إلى خصم المتكلم أخيرًا الذي زعم أن ابنه زنى بامرأته وزاد في رواية محمد بن يوسف (فاسألها) كما في الفتح.

وقد دل فعله صلى الله عليه وسلم في إرسال أنيس رضي الله عنه أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلّف الحضور لمجلس الحكم بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها كذا في فتح الباري (فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها قال) الراوي: يعني أبا هريرة وزيد بن خالد (فغدا عليها) أنيس أي مشى إليها وسار نحوها فسألها (فاعترفت) بالزنا فأخبر اعترافها لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر بها) أي برجمها (رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت) قال النووي: ولا بد من هذا التأويل لأن ظاهره أنه بعث لإقامة

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزنا وهذا غير مراد لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس والتفتيش عنه بل لو أقرّ به الزاني استحب أن يلقّن الرجوع وفي هذا دليل على جواز استنابة الحاكم في القضاء وإقامة الحدود واستدلّ الشافعي ومالك بهذا الحديث أن الإقرار بالزنا يوجب الحدّ وإن كان مرة واحدة ولا يجب أن يكون أربع مرات.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 115]، والبخاري [2314]، وأبو داود [4445]، والترمذي [1433]، والنسائي [8/ 241 و 242]، وابن ماجه [3549].

قال القرطبي: وفي هذا الحديث أبواب من الفقه فمنها أن كل صلح خالف السنة فهو باطل ومردود وأن الحدود التي هي ممحضة لحق الله تعالى لا يصح الصلح فيها واختلف في حد القذف هل يصح الصلح فيه أم لا ولم يختلف في كراهته لأنه ثمن عرض ولا خلاف في أنه يجوز قبل رفعه وأما حقوق الأبدان من الجراح وحقوق الأموال فلا خلاف في جوازه مع الإقرار واختلف في الصلح على الإنكار فأجازه مالك ومنعه الشافعي وفيه جواز استنابة الحاكم في بعض القضايا من يحكم فيها مع تمكنه من مباشرته وفيه أن الإقرار بالزنا لا يشترط فيه تكرار أربع مرات ولا أن المرجوم يجلد قبل الرجم وقد تقدم الخلاف فيهما وفيه أن ما كان معلومًا من الشروط والأسباب التي تترتب عليها الأحكام لا يحتاج إلى السؤال عنها فإن إحصان المرأة كان معلومًا عندهم فإنها كانت ذات زوج معروف الدخول عليها وعلى هذا يحمل حديث الغامدية إذ لو لم تكن محصنة لما جاز رجمها بالإجماع وفيه إقامة الحاكم الحد بمجرد إقرار المحدود وسماعه منه من غير شهادة عليه وهو أحد قولي الشافعي وأبي ثور ولا يجوز ذلك عند مالك إلَّا بعد الشهادة عليه وانفصل عن ذلك بأنه ليس في الحديث ما ينصق على أنها لم يسمع إقرارها إلّا أنيس خاصة بل العادة قاضية بأ مثل هذه القضية لا تكون في خلوة ولا ينفرد بها الآحاد وفيه دليل على الاستفتاء والفتيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إمكان الوصول إليه وجواز استفتاء المفضول مع وجود الأفضل ولو كان ذلك غير جائز لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على جواز اليمين بالله تعالى وإن لم يستحلف وعلى أن ما يفهم منه اسم الله يمين جائزة وإن لم يكن من أسمائه تعالى فإن قوله: (والذي نفسي بيده) ليس من أسماء الله تعالى ولكنه تنزل منزلة الأسماء في الدلالة فيلحق

ص: 473

4302 -

(00)(00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ

ــ

به كل ما كان في معناه كقوله: والذي خلق الخلق وبسط الرزق وما أشبه ذلك وفيه ما يدل على أن زنا المرأة تحت زوجها لا يفسخ نكاحها ولا يوجب الزنا تفرقة بينها وبين زوجها إذ لو كان كذلك لفرق بينهما قبل الرجم ولفسخ النكاح ولم ينقل شيء من ذلك ولو كان لنقل كما نقلت القصة وكثير من تفاصيلها وفيه دليل على صحة الإجارة إلى غير ذلك من المستنبطات منه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

4302 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى (قا لا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس (ح) وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من يونس وصالح بن كيسان ومعمر بن راشد رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما روى الليث عن الزهري غرضه بسوق هذا الإسناد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لليث بن سعد وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد لحديث عبادة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والرابع: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والخامس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسابع: حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثامن: حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد.

ص: 474