الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب الوصايا
586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز
4071 -
(1566)(130) حدَّثنا أَبُو خَيثَمَةَ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛
ــ
أبواب الوصايا
جمع وصية كهدايا جمع هدية مأخوذة من وصيت بالصاد المخففة الشيء إذا وصلته به؛ فمعنى الوصية لغة: الإيصال، لأن الموصي وصل خير عقباه وهو الوصية بخير دنياه وهو الطاعات التي فعلها في حياته، وشرعًا: تبرع بحق مضاف لما بعد الموت ولو تقديرًا فإذا قال أوصيت لزيد بكذا فالمعنى بعد موتي ومضاف بالجر صفة لحق لا بالرفع صفة لتبرع لأن الحق إنما يُعطى للموصى له بعد الموت والتبرع في الحال، وأركانها أربعة موص وموصى له وموصى به وصيغة، وإنما أدخلناها في ترجمة كتاب الهبة لما بينهما من المناسبة لأنها تمليك بلا عوض يقع بعد الموت والهبة تمليك بلا عوض في حال الحياة.
586 -
(26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز
4071 -
(1566)(130)(حَدَّثَنَا أبو خيثمة زهير بن حرب) الحرشي النسائي (ومحمد بن المثنى) بن عبيد (العنزي) بفتح العين والنون نسبة إلى عنزة وهو حي من ربيعة البصري (واللفظ لابن المثنى قالا: حَدَّثَنَا يحيى وهو ابن سعيد) بن فروخ التميمي (القطان) أبو سعيد البصري، ثقة، من (9)(عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (5) قال:(أخبرني نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيلَتَينِ، إلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ"
ــ
بصريان أو بصري ونسائي وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما) نافية بمعنى ليس (حق امرئ) وامرأة لأن النساء شقائق الرجال وهو اسم ما الحجازية (مسلم) وكذا الذمي، ووصفه بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له أو ذكره للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله اهـ ابن حجر، وإنما قال ذلك لأن غير المسلم كالمسلم في صحة الوصية كما في الفروع غير أنها زيادة في العمل الصالح في حق المسلم أي ليس اللائق بالمسلم، وقال المناوي: ليس الحزم والاحتياط لإنسان (له شيء) من المال أو عليه دين أو حق فرط فيه أو أمانة وهو صفة لامرئ (يريد أن يوصي فيه) صفة لشيء (يبيت ليلتين) خبر ما بتأويله بالمصدر، قال الحافظ: كان فيه حذفًا تقديره أن يبيت مثل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} وفي رواية (ليلة أو ليلتين) وفي رواية (يبيت ثلاث ليال) واختلاف الروايات دال على أنَّه للتقريب لا للتحديد، وقوله:(إلا) استثناء من أعم الأحوال أو الأزمان، وقوله:(ووصيته مكتوبة عنده) مبتدأ وخبر والواو حالية والجملة حال من الضمير المستتر في الخبر والمعنى ليس حق امرئ مسلم له شيء يريد الوصية فيه بيتوتية في حال من الأحوال أو زمن من الأزمان إلَّا والحال أن وصيته مكتوبة محفوظة عنده لأنه لا يدري متى يدركه الموت، ومعنى الحديث أنَّه ليس حقه من جهة الحزم والاحتياط والانتباه للموت أن يترك الوصية في زمن من الأزمان، وفي بعض الهوامش فما بمعنى ليس، وجملة له شيء صفة ثانية لامرئ ويبيت صفة ثالثة له والجملة الواقعة بعد إلَّا خبر المبتدإ أو الواو زائدة، وفي بعض روايات السنن أن يبيت فيكون هو خبرًا أي لا ينبغي أن يمضي عليه زمن وإن قل في حال من الأحوال إلَّا في هذه الحال وهي أن تكون وصيته مكتوبة عنده لأنه لا يدري متى يدركه الموت ويحله الحمام فقد يفجأه وهو على غير وصية ولا ينبغي لمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له، قال في المبارق: ذهب بعض العلماء إلى وجوبها لظاهر الحديث والجمهور على استحبابها لأنه صلى الله عليه وسلم جعلها حقًّا للمسلم لا عليه ولو وجبت لكانت عليه لا له وهو خلاف ما يدل عليه اللفظ قيل هذا في الوصية المتبرع بها، وأما الوصية بقضاء الدين ورد الأمانات فواجبة عليه.
4072 -
(00)(00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُمَا قَالا:"وَلَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ" وَلَمْ يَقُولَا: "يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ"
ــ
(واعلم) أن ظاهر الحديث مشعر بأن مجرد الكتابة بلا إشهاد عليها كاف وليس كذلك بل لا بد من الشاهدين عند عامة العلماء لأن حق الغير تعلق به فلا بد لإزالته من حجة شرعية ولا يكفي أن يشهدهما على ما في الكتاب من غير أن يطلعا، إلى هنا كلامه.
وقوله: (له شيء يوصي فيه) عام في الأموال والبنين الصغار والحقوق التي له وعليه كلها من ديون وكفارات وزكوات فرط فيها فإذا أوصى بذلك أُخرجت الديون من رأس المال والكفارات والزكوات من ئلثه على تفصيل يُعرف في الفقه اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 57 و 80]، والبخاري [2728]، وأبو داود [2862]، والترمذي [974]، والنسائي [6/ 238]، وابن ماجة [2699].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
4072 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8)(وعبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9)(ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثني أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من عبد الله وعبدة رويا (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعتهما للقطان (غير أنهما قالا وله شيء يوصي فيه ولم يقولا يريد أن يوصي فيه).
قوله: (وله شيء يوصي فيه) ورواية البخاري كالرواية الأولى (له شيء) بلا واو وهي الواضحة، وجملة يوصي فيه صفة لشيء ومعناها له شيء يصلح أن يوصي فيه، وذكر ملا علي في صاد يوصي الفتح والكسر، قوله:(ولم يقولا يريد أن يوصي فيه) ولم يقع ذلك في رواية البخاري أيضًا وجعلها منوطة بإرادته يُشعر بمندوبيتها أيضًا، نعم تجب على من عليه حق كزكاة وحج أو حق لآدمي بلا بينة كما مر من المبارق، قوله:(مكتوبة عنده) استدل به أحمد ومحمد بن نصر المروزي من الشافعية على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة وهذا عندهم خاص بالوصية لثبوت الخبر فيها
4073 -
(00)(00) وحدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي اسَامَةُ بْنُ زيدٍ اللَّيثِيُّ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ــ
دون غيرها من الأحكام، وأما الجمهور فيُشترط عندهم الإشهاد ولا تثبت الوصية بالكتابة دون الإشهاد يعني في القضاء وحجتهم قول الله تعالى:{شَهَادَةُ بَينِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} الآية، وأما حديث الباب فقد أجاب عنه الجمهور بأنه لا تعرض فيه لاشتراط الإشهاد وعدمه والمراد أن تكون الوصية مكتوبة بشرائطها المعروفة ومنها الإشهاد فلا يدل ذلك على نفي الاشتراط، ثم قال القرطبي: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة هذا ملخص ما في فتح الباري [5/ 266] وعمدة القاري [6/ 475].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
4073 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم أمه (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونسى) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأبلي حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد الليثي) المدني (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني (أخبرنا هشام يعني ابن سعد) القرشي المدني (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة يعني أيوب السختياني ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد وهشام بن سعد أي كل هؤلاء الأربعة رووا (عن نافع عن
ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، وَقَالُوا جَمِيعًا:"لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ" إلا في حَدِيثِ أَيُّوبُ فَإِنَّهُ قَال: "يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ" كَرِوَايَةِ يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ.
4074 -
(00)(00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ"
ــ
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث عبيد الله) بن عمر بن حفص، غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعتهم لعبيد الله (و) لكن (قالوا) أي قال هؤلاء الأربعة (جميعًا) أي حالة كونهم مجتمعين أي قال كلهم أجمعون لفظة (له شيء يوصي فيه) بلا ذكر لفظة يريد (ألا في حديث أيوب فإنه) أي فإن أيوب (قال) في روايته (يريد أن يوصي فيه) بزيادة يريد (كـ) زيادة (رواية يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر لفظة يريد.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
4074 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد (حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن ابن شهاب عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (أنَّه) أي أن ابن عمر (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه) أن (يبيت ثلاث ليال) وما دونها (إلا و) الحال أن (وصيته) محفوظة (عنده مكتوبة) لديه.
وقوله: (يبيت ثلاث ليال) قال القرطبي: المقصود بذكر الليلتين أو الثلاث التقريب لا التحديد كما مر وتقليل مدة ترك كتب الوصية ولذلك لما سمعه ابن عمر لم يبت ليلة إلَّا بعد أن كتب وصيته، والحزم المبادرة إلى كتبها أول أوقات الإمكان لإمكان بغتة الموت التي لا يأمنها العاقل ساعة ويحتمل أن يكون إنما خص الليلتين أو الثلاث بالذكر
قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال ذلِكَ، إلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
4075 -
(00)(00) وَحدَّثَنِيهِ أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ. ح وَحدَّثنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا:
ــ
فسحة لمن يحتاج إلى أن ينظر فيما له وما عليه فيتحقق بذلك ويُفكر فيها ما يوصى به ولمن يوصى إلى غير ذلك.
(قال عبد الله بن عمر) بالسند السابق (ما مرت) ومضت (علي ليلة منذ سمعت) أي بعد أن سمعت (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك) الحديث (إلا وعندي) أي وإلا والحال أن عندي (وصيتي) مكتوبة محفوظة، وهذا معارض بظاهره لما أخرجه ابن المنذر بإسناد صحيح عن نافع قال: قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي؟ قال: أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه وأما رباعي فلا أحب أن يُشارك ولدي فيها أحد، فإنه صريح في أنَّه لم يوص بشيء في آخر حياته وجمع بينهما الحافظ في الفتح [5/ 266] بالحمل على أنَّه كان يكتب وصيته ويتعاهدها ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقًا يعني يعمل بوصيته بنفسه حتَّى لم يبق له مما أوصى به إلَّا وقد فعله بنفسه وإليه يشير قوله في حديث ابن المنذر (أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه) ولعل الحامل له على ذلك حديثه في الرقاق: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح. فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى وصية في آخر حياته وقد ثبت أنَّه وقف بعض دوره فبهذا يحصل التوفيق والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:
4075 -
(00)(00)(وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي المصري (حدثني أبي) شعيب (عن جدي) ليث بن سعد (حدثني عقيل) بن خالد الأموي المصري (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (قالا:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ.
4076 -
(1567)(131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ
ــ
حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كللهم) أي كل من يونس وعقيل ومعمر رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن أبيه (نحو حديث عمرو بن الحارث) بن يعقوب المصري، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعمرو بن الحارث.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4076 -
(1567)(131)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكر (التميمي) النيسابوري (أخبرنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قاضيها، ثقة، من (8)(عن ابن شهاب عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف الزهري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (قال) سعد:(عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي زارني ولا يقال ذلك إلَّا لزيارة المريض فأما الزيارة فأكثرها للصحيح وقد تقال للمريض فأما قوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} فكناية كنى به عن الموت (في حجة الوداع من وجع) أي من مرض والوجع اسم لكل مرض قاله الحربي (أشفيت) أي قاربت وأشرفت (منه) أي من أجل ذلك المرض (على الموت) يقال أشفى وأشاف بمعنى واحد قاله الهروي، وقال القتيبي: لا يقال أشفى إلَّا على شر وأصله من الشفا بفتح الشين وهو حد الشيء وجانبه فكأنه قال: بلغت حد الموت، فيه عيادة الفضلاء والكبراء للمرضى وتفقد الرجل الفاضل أصحابه وإخوانه، وقوله (في حجة الوداع) هذا صريح في كون هذه الواقعة في حجة الوداع وعليه اتفق أصحاب الزهري وشذ ابن عيينة فذكر هذه القصة في فتح مكة فيما أخرجه الترمذي وغيره عنه ويؤيده ما أخرجه أحمد [4/ 60] والبزار والبخاري في التاريخ من حديث عمرو بن
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَلَغَنِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ. وَأَنَا ذُو مَالٍ
ــ
القاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فخلف سعدًا مريضًا حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة معتمرًا دخل عليه وهو مغلوب فقال: يا رسول الله إن لي مالًا وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي .. الحديث، وفيه قلت: يا رسول الله أمسيت أنا بالدار حتَّى خرجت منها مهاجرًا قال: "لا إني لأرجو أن يرفعك الله حتَّى ينتفع بك أقوام" .. الحديث ذكره الحافظ في الفتح [5/ 270] وجمع بينهما بحملهما على واقعتين.
ولكن القلب لا يطمئن بأن هذه الواقعة وقعت مرتين وكيف ينسى مثل سعد بن أبي وقاص ما قال له صلى الله عليه وسلم قبل سنتين في أمر الوصية حتَّى يسأله مرة أخرى عن عين ما سأله في فتح مكة فالأظهر ما ذكره الحافظ عن المحققين أن ابن عيينة قد وهم في تاريخ هذه الواقعة حيث ذكرها في فتح مكة، والصحيح ما ذكره أكثر أصحاب الزهري من أنها وقعت في حجة الوداع وبه جزم البيهقي كما في عمدة القاري [4/ 99] وأما حديث عمرو بن القاري ففيه عبد الله بن عثمان بن خثيم وهو وإن كان من رواة مسلم غير أنَّه جعله ابن المديني منكر الحديث، وقال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وقال فيه النسائي مرة: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات ولكن قال: كان يخطئ، كما في تهذيب التهذيب [5/ 315] وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 213]، هذا الحديث فقال: وفيه عراض بن عمرو القاري ولم يجرحه أحد ولم يوثقه وربما يخطر بالبال أن أحد الرواة في حديث عمرو بن القاري خلط قصة سعد بقصة جابر رضي الله عنهما فقد تقدم في باب الكلالة أن مثل هذا الكلام جرى بين جابر وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك قوله: وإني أورث كلالة ولم يكن سعد بن أبي وقاص كلالة، وإنما يحفظ هذا القول من جابر رضي الله عنه والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله بلغني) أي حصل بي (ما ترى من) شدة (الوجع) وقد خفت منه الموت، فيه أن حكاية المريض حاله لا ينافي الصبر المأمور به وإنما المذموم الشكوى وعدم الرضا بالقضاء، وعبارة القرطبي: فيه ما يدل على أن إخبار المريض بحاله لا على جهة التشكي والتسخط جائز وغير منقص لثوابه ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدر منه إنكار ولا تنبيه على تنقيص أجر ولا غيره اهـ من المفهم (وأنا ذو مال) كثير، قال القرطبي: والمال وإن صلح هنا للكثير والقليل الَّذي ليس بتافه فالمراد به ها هنا المال الكثير بقرينة الحال، وقال المنذري: فيه إباحة جمع
وَلَا يَرِثُنِي إلا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ. أَفَأَتَصدَّقُ بِثُلُثَي مَالِي؟ قَال: "لَا" قَال: قُلْتُ: أَفأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَال: "لَا. الثَّلُثُ وَالثَّلُثُ كَثِيرٌ
ــ
المال إذ هذه الصيغة لا تقع عرفأ إلَّا للمال الكثير وإن صح إطلاقه لغة على القليل (قلت) ذكر الحافظ في الفتح [5/ 275] أنَّه وقع في بعض طرقه صريحًا (وأنا ذو مال كثير)(ولا يرثني إلَّا ابنة لي واحدة) أي ولا يرثني من الولد وخواص الورثة إلَّا ابنة واحدة لي وإلا فقد كان له عصبة، وقيل: معناه لا يرثني من أصحاب الفروض قاله النووي، قال القرطبي: ظاهر هذا أنَّه ليس له وارث إلَّا ابنة واحدة، وليس كذلك فإنه كان له ورثة وعصبة، وإنما معنى ذلك لا يرثني بالفرض إلَّا ابنة واحدة، وقيل: لا يرثني من النساء إلَّا ابنة واحدة وكلاهما محتمل ثم أفاق من مرضه وكان له بعده ثلاثة من الولد ذكور أحدهم اسمه عامر وهو راوي هذا الحديث عن أبيه كما ذكرناه اهـ من المفهم.
قال العيني في العمدة [4/ 99] اسمها عائشة كذا ذكرها الخطيب وغيره وليست بالتي روى عنها مالك تيك أخت هذه وهي تابعية وعائشة لها صحبة، وقال الحافظ في الفتح [5/ 275] لكن لم يذكر أحد من النسابين لسعد بنتًا تسمى عائشة غير هذه وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم الكبرى وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وذكروا له بنات أخرى أمهاتهن متأخرات الإسلام عن الوفاة النبوية فالظاهر أن البنت المشار إليها في الحديث هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزوج سعد لأمها ولم أر من حرر ذلك اهـ (أ) تبرع (فأتصدق بثلثي مالي) يا رسول الله، والهمزة فيه للاستخبار والاستئذان داخلة على محذوف كما قدرناه والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، قال القرطبي: ظاهر هذا السؤال أنَّه إنما سأل عن الوصية بثلثي ماله لتنفذ بعد الموت يدل على ذلك قرائن المرض وذكر الورثة وغير ذلك، ويحتمل أن يكون السؤال عن صدقة منجزة حالة يخرجها في سبيل الله في الحال، وفيه بعد وكيف ما كان فقد أُجيب بأن ذلك لا يجوز إلَّا في الثلث خاصة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا) تتصدق بثلثي مالك (قال) سعد فـ (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (أفأتصدق بشطره) أي بنصفه، وقد ورد لفظ النصف مصرحًا في رواية مصعب بن سعد كما ستأتي عند المصنف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا) تتصدق الشطر (الثلث) تصدق به (والثلث كثير) بالمثلثة، ويُروى بالموحدة وكلاهما صحيح قوله:(الثلث) ذكر النووي عن القاضي جواز نصب الثلث ورفعه، أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل أي أعط الثلث، وأما
إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ
ــ
الرفع فعلى أنَّه فاعل فعل محذوف أي يكفيك الثلث أو على أنَّه مبتدأ حذف خبره أو عكسه يعني الثلث كاف مثلًا، وأما الثلث الثاني فمرفوع على كونه مبتدأ وخبره (كثير).
ثم يحتمل أن يكون المراد بقوله: الثلث كثير أن الثلث أقصى ما يجوز ولكن يستحب أن ينقص منه، ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره، ويحتمل أن يكون معناه إنه كثير غير قليل، وعلى الأول عوَّل ابن عباس كما سيأتي عند المؤلف ورجح الشافعي الثالث كما في فتح الباري [5/ 272] والظاهر أن الاحتمال الثاني أبعد الثلاثة.
(إنك) بكسر الهمزة على الاستئناف (أن تذر) وتترك بفتح الهمزة في أن على أنها مصدرية، والجملة الفعلية صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء وقوله:(ورثتك أغنياء) مفعولان لتذر، والخبر قوله:(خير) والجملة الابتدائية في محل الرفع خبر إن والتقدير إنك تركك ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم فقراء، وجملة إن مستأنفة أي إنك تركك بنتك وأولاد أخيك عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة الصحابي مستغنين عن الناس خير (من أن تذرهم) وتتركهم (عالة) بتخفيف اللام أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم بمد الأكف إليهم بأن يبسطوها للسؤال أو يسألونهم ما يكف عنهم الجوع، ورُوي كسر همزة إن تذر على أنها شرطية وتذر مجزوم بها وخير خبر لمبتدإ محذوف مع فاء الجزاء والتقدير إن تذر ورثتك أغنياء فهو خير من أن تذرهم إلخ ومثل هذا الحذف سائغ شائع غير مختص بضرورة الشعر كما قيل، قال ابن المنير: إنما عبّر له صلى الله عليه وسلم بلفظة الورثة ولم يقل أن تدع بنتك مع أنَّه لم يكن له يومئذٍ إلَّا ابنة لكون الوارث حينئذٍ لم يتحقق لأن سعدًا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتَّى ترثه وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة ولم يخص بنتًا من غيرها، وقال الفاكهي: إنما عبّر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع بالوحي على أن سعدًا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة، وقد حكى الحافظ في الفتح [5/ 273] القولين ثم قال: وليس قوله أن تدع بنتك متعينًا لأن ميراثه لم يكن منحصرًا فيها فقد كان لأخيه عتبة بن أبي وقاص أولاد إذ ذاك منهم هاشم بن عتبة الصحابي الَّذي قُتل بصفين فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرثه لو وقع موته إذ ذاك أو بعد ذلك.
وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إلا أُجِرْتَ بِهَا. حَتَّى اللُّقْمَةِ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ"
ــ
وقوله: (عالة) بتخفيف اللام جمع عائل، والعائل الفقير، وقيل العيل، والعالة الفقر كذا في عمدة القاري [4/ 100] والفعل منه عال يعيل إذا افتقر كذا في فتح الباري [273 /].
قوله: (يتكففون الناس) أي يطلبون الصدقة من أكف الناس وقيل: يسألونهم بأكفهم يقال: تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه لسؤال أو سال ما يكف عنه الجوع أو يسأل كفًّا كفًّا من طعام اهـ من الكرماني [6/ 121] وفتح الباري.
وقوله: (ولست تنفق نفقة) صغيرة ولا كبيرة دفع لما يتوهم من أن الثواب كله في التصدق على الأجانب أو الإيصاء لهم فبيّن صلى الله عليه وسلم أن النفقة على العيال موجب للأجر أيضًا، وقوله:(تبتغي) وتطلب (بها) أي بتلك النفقة (وجه الله) تعالى ورضاه صفة لنفقة، وفيه دليل على أن ثواب الواجب يزداد باستحضاريته القربة لأن الإنفاق على الزوجة واجب وفي فعله الأجر فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك أفاده الحافظ عن ابن أبي جمرة (إلا أُجرت بها) أي بتلك النفقة أي إلَّا أثبت عليها، قال القرطبي: وهذا يفيد بمنطوقه أن الأجر في النفقات لا يحصل إلَّا بقصد القربة إلى الله عز وجل وإن كانت واجبة وبمفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر على شيء منها، والمعنيان صحيحان ويبقى أن يقال: فهل إذا أنفق نفقة واجبة على الزوجة أو الولد الفقير ولم يقصد التقريب هل تبرأ ذمته أم لا؟ فالجواب أنها تبرأ ذمته من المطالبة لأن وجوب النفقة من العبادات المعقولة المعنى فتجزئ بغير نية كالديون وأداء الأمانات وغيرها من العبادات المصلحية لكن إذا لم ينولم يحصل له أجر، ويفهم منه بحكم عمومه أن من أنفق نفقة مباحة وصحت له فيها نية التقريب أثيب عليها كمن يطعم ولده لذيذ الأطعمة ولطيفها ليبرد شهوته ويمنعه من التشوف لما يراه بيد الغير من ذلك النوع وليرق طبعه فيحسن فهمه ويقوى حفظه إلى غير ذلك مما يقصده الفضلاء.
وقوله: (حتَّى اللقمة) أي تؤجر على جميع إنفاقاتك حتَّى تؤجر على اللقمة التي (تجعلها) وتضعها (في في) أي في فم (امرأتك) وزوجك التي هي من أخص حظوظك الدنيوية وشهواتك وملاذك المباحة فإن وضع اللقمة في فيها إنما يكون ذلك في العادة
قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُخَلَّفُ
ــ
عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّه إذا قُصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى، قال القرطبي: وإنما خص الزوجة بالذكر لأن نفقتها دائمة تعود منفعتها على المنفق فإنها تحسِّنها في بدنها ولباسها وغير ذلك فالغالب من الناس أنَّه ينفق على زوجته لقضاء وطره وتحصيل شهوته وليس كذلك النفقة على الأبوين فإنها تخرج بمحض الكلفة والمشقة غالبًا فكانت نية القرب فيها أقرب وأظهر والنفقة على الولد فيها شبه من نفقة الزوجة وشبه من نفقة الوالدين من حيث المحبة الطبيعية والكلفة الوجودية اهـ من المفهم.
ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئًا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يُثاب عليه وذلك كالأكل والشرب بنية التقوي على طاعة الله تعالى والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطًا والاستمتاع بزوجته أو جاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام وليقضي حقها وليحصل ولدًا صالحًا وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بُضع أحدكم صدقة" والله أعلم.
وقوله: (حتَّى اللقمة) بالجر على أن حتَّى جارة وبالرفع على كونها ابتدائية والخبر تجعلها وبالنصب عطفًا على نفقة قاله القسطلاني، وضبطه العسقلاني بالنصب عطفًا على نفقة وجوَّز الرفع (قلت): والأوضح العطف على ضمير بها والباء بمعنى على كما عليه حلنا.
قال القرطبي: وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لسعد هذا الكلام في هذا الموطن تنبيهًا على الفوائد التي تحصل بسبب المال فإنه إن مات أُثيب على ترك ورثته أغنياء من حيث إنه وصل رحمهم وأعانهم بماله على طاعة الله تعالى كما قال: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة، أي ذلك أفضل من صدقتك بمالك وإن لم تمت حصل لك أجر النفقات الواجبة والمندوب إليها، ويُستفاد من هذا الحديث أن كسب المال وصرفه على هذه الوجوه أفضل من ترك الكسب أو من الخروج عنه جملة واحدة وكل هذا إذا كان الكسب من الحلال الخلي عن الشبهات الَّذي قد تعذر الوصول إليه في هذه الأعصار الحائدة والأزمان الفاسدة اهـ من المفهم.
(قال) سعد: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله) أ (أخلف)
بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَال: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً. وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ
ــ
بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري كما هي مصرحة في بعض الروايات وبالبناء للمجهول أي هل أخلف وأترك في مكة (بعد) رجوع (أصحابي) ورفقتي الذين هاجرنا معهم أي بعد رجوعهم معك إلى المدينة هذا الاستفهام إنما صدر عن سعد مخافة أن يكون مقامه بمكة بعد رجوع أصحابه إلى أن يموت بها قادحًا في هجرته كما قد نص عليه في الرواية الأخرى إذ قد قال فيها: (لقد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت بها) فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي أن ذلك لا يكون وأنه يطول عمره إلى أن ينتفع به أقوام ويستضر به آخرون، وقد كان ذلك فإنه عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة وولي العراق أميرًا وفتح الله تعالى على يديه بلادًا كثيرة كفارس فأسلم على يديه بشر كثير فانتفعوا به وقتل وأسر من الكفار خلقًا كثيرًا فاستضروا به فكان ذلك القول من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وأدلة صدق رسالته اهـ من المفهم.
فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك) يا سعد (لن تخلّف) في الدنيا وتبقى فيها بعد موت أصحابك، والمراد بالتخفف هنا طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه المهاجرين (فتعمل) فيها (عملًا) صالحًا (تبتغي) وتطلب (به) أي بذلك العمل (وجه الله) تعالى ورضاءه (إلا ازددت به) أي بذلك العمل عند الله (درجة) ومنزلة شامخة (ورفعة) وجاهًا في أهل الإسلام كما ولي العراق فيما ذكرنا آنفًا.
(ولعلك) يا سعد (تخلَّف) بالبناء للمجهول أي تبقى في الدنيا بعد موت أصحابك يعني يطول عمرك، وكلمة لعل وإن كانت للترجي ولكنها من الله للأمر الواقع المحقق وكذلك إذا وردت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم غالبًا، وقد وقع الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن سعدًا عاش بعد ذلك أكثر من أربعين سنة بل قريبًا من خمسين لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة، وقيل سنة ثمان وخمسين وهو المشهور فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسًا وأربعين أو ثمانيًا وأربعين كذا في فتح الباري [5/ 274].
(حتَّى ينفع بك أقوام) الظاهر أن ينفع ها هنا مبني للمجهول فتُضم ياؤه لأن النفع في المجرد لا يُستعمل لازمًا وكذلك يضر، وقد وقع في غير مسلم من الروايات (حتَّى
وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ. وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ"
ــ
ينتفع بك أقوام) بالبناء للمعلوم لأن الانتفاع لازم أي حتَّى ينتفع بك أقوام من المسلمين في دينهم ودنياهم بما يستفتح عليك من بلاد الشرك من الغنائم (ويُضر بك آخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أمض) بقطع الهمزة يقال: أمضيت الأمر أي أنفذته والمعنى أتمم (لأصحابي هجرتهم) ولا تنقص عنهم من أجرهم شيئًا ولا تبطلها (ولا تردهم على أعقابهم) أي ولا ترجعهم إلى ورائهم برجوعهم إلى وطنهم وترك المقام بالمدينة إلى أن يموتوا بها، وإن كان قد ارتفع حكم وجوب أصلها عمن لم يهاجر يوم الفتح حيث قال:"لا هجرة بعد الفتح، متفق عليه، وقال: "إن الهجرة قد مضت لأهلها" متفق عليه، أي من كان هاجر قبل الفتح صحت له هجرته ولزمه البقاء عليها إلى الموت ومن لم يكن هاجر سقط عنه ذلك اهـ. مفهم.
(لكن البائس) يجوز أن تكون لكن مخففة والبائس مرفوعًا على الابتداء وأن تكون مشددة والبائس اسمها منصوب، و (سعد بن خولة) بالرفع خبر المبتدأ أو خبرها والبائس اسم فاعل من بئس يبأس إذا أصابه بؤس أي ضرر وحزن؛ والمراد به هنا فاعل بمعنى مفعول نظير قوله تعالى:{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي مرضية كذا في عمدة القاري، والظاهر أنَّه ليس المراد من لفظ البائس كونه فقيرًا من حيث المال وإنما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة تحسرًا عليه وترحمًا له وتفجعًا عليه لموته بمكة في حجة الوداع في تلك الحجة التي مرض فيها سعد بن أبي وقاص، والظاهر أن هذا القول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال المحدثون: انتهى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (لكن البائس سعد بن خولة) وأما قوله بعد ذلك: (رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة) فظاهره أنَّه من كلام غير النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو قول سعد بن أبي وقاص وقد جاء ذلك في بعض طرقه وأكثر الناس على أنَّه مدرج من كلام الزهري والله تعالى أعلم اهـ من المفهم بتصرف وزيادة.
ومعنى هذا الكلام لكن المبؤوس عليه أي المتفجع عليه سعد بن خولة أي لكن الَّذي تفجعت وتوجعت عليه سعد بن خولة لموته بمكة بعد هجرته عنها في هذه الحجة لا أنت يا سعد بن أبي وقاص لعلك لا تموت في مكة ويطول عمرك حتَّى ينتفع بك أقوام
قَال: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
4077 -
(00)(00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ
ــ
من المسلمين ويضر بك أقوام من المشركين وسعد بن خولة هو زوج ربيعة الأسلمية وهو رجل من بني عامر بن لؤي من أنفسهم، وقيل: حليف لهم، قال ابن هشام: إنه هاجر الهجرة إلى الحبشة والهجرة الثانية وشهد بدرًا وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع ولذلك تحزن له النبي صلى الله عليه وسلم لموته بمكة بعد الهجرتين قبل حجه مع النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف ما تمناه من أن يموت في دار هجرته (قال) سعد بن أبي وقاص كما صرح به البخاري في كتاب الدعوات أو الزهري كما أفاد أبو داود الطيالسي في روايته لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن قائله الزهري وعليه أكثر المحدثين كما مر آنفًا (رثى) أي تحزن وتفجع وتوجع (له) أي لأجل سعد بن خولة (رسول الله صلى الله عليه وسلم من) أجل (أن توفي بمكة) في حجة الوداع، قوله:(رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من رثيت الميت مرثية إذا عددت محاسنه ورثات بالهمزة لغة فيه فإن قيل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي كما رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم فإذا نهى عنه فكيف يفعله؛ فالجواب أن المرثية المنهي عنها ما فيه مدح الميت وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة أو فعلها مع الاجتماع لها أو على الإكثار منها دون ما عدا ذلك والمراد توجعه صلى الله عليه وسلم وتحزنه على سعد لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها لا مدح للميت لتهييج الحزن كذا ذكره القسطلاني، وقوله: (من أن توفي بمكة) بفتح الهمزة أي لأجل موته بأرض هاجر منها وكان يكره موته بها فلم يعط ما تمنى، قال ابن بطال: وأن قوله: يرثي له فهو من كلام الزهري تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم: لكن البائس الخ أي رثى له حين مات بمكة وكان يهوى أن يموت بغيرها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 179]، والبخاري [6733]، وأبو داود [2861]، والترمذي [2116]، والنسائي [6/ 241]، وابن ماجة [2708].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4077 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (وأبو بكر بن
أَبِي شَيْبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ. ح وَحدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
4078 -
(00)(00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ. قَال: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَعُودُنِي. فَذَكَرَ
ــ
أبي شيبة) العبسي الكوفي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني سفيان بن عيينة ويونس ومعمرًا رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبيه، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لإبراهيم بن سعد (نحوه) أي نحو ما روى إبراهيم بن سعد عن الزهري.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4078 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا أبو داود الحفري) بفتح الحاء نسبة إلى حفر وهو موضع بالكوفة، عمر بن سعد بن عبيد الكوفي، ثقة، من (9) قال ابن المديني: ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري، وقال وكيع: إن كان يدفع بأحد البلاء والنوازل في زماننا فبأبي داود (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن) أبيه (سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعد بن إبراهيم للزهري (قال) سعد بن أبي وقاص (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي) في منزلي بمكة في حجة الوداع وأنا مريض حالة كونه (يعودني) من مرضي (فذكر)
بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. وَلَمْ يَذكُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا.
4079 -
(00)(00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: مَرِضتُ فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمُ مَالِي حَيثُ شِئْتُ. فَأَبَى
ــ
سعد بن إبراهيم (بمعنى حديث الزهري و) لكن (لم يذكر) سعد (قول النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن خولة) يعني قوله لكن البائس سعد بن خولة (غير أنَّه) أي لكن أن سعد بن إبراهيم (قال) في روايته (وكان) سعد بن أبي وقاص (يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها) يعني مكة كما مات بها سعد بن خولة فبكى سعد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟ " فقال: لقد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم اشف سعدًا اللهم اشف سعدًا" ثلاث مرار الحديث.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4079 -
(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حَدَّثَنَا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب بمعجمة ثم تحتانية، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7)(حَدَّثَنَا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4)(حدثني مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبو زرارة المدني، ثقة، من (3)(عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مصعب بن سعد لعامر بن سعد (قال) سعد (مرضت) في مكة في حجة الوداع بعد فراغنا من الحج فاشتد بي الوجع (فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعودني فجاء إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له:(دعني) أي اتركني يا رسول الله على قسمة مالي كله ولا تمنعني منها إن تركتني عليها (أقسم مالي حيث شئت) أي في المحل الَّذي شئت القسم فيه من الأجانب والورثة، وقوله: أقسم مجزوم بالطلب السابق قبله (فأبى) أي فامتنع
قُلْتُ: فَالنِّصْفُ؟ فَأَبَى. قُلْتُ: فَالثُّلُثَ؟ قَال: فَسَكَتَ بَعْدَ الثلُثِ.
قَال: فَكَانَ، بَعْدُ، الثلُثُ جَائِزًا.
4080 -
(00)(00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَ، بَعْدُ، الثُّلُثُ جَائِزًا.
4081 -
(00)(00) وحدَّثني الْقَاسمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لي في قسم مالي كله (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (فـ) أذن لي في أن أقسم (النصف) بالنصف بعامل محذوف كما قدرناه أو بالرفع على الابتداء، والتقدير فالنصف أطلب الإذن لي فيه (فأبى) أي فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ياذن لي في النصف فـ (قلت) له (فالثلث) أطلب الإذن فيه بالرفع والنصب كسابقه (قال) سعد:(فسكت) عني رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد) ما ذكرت له بـ (الثلث) إشعارًا بالإذن لي (قال) سعد: (فكان بعد الثلث جائزًا) أي فكان الإيصاء بالثلث جائزًا بعد قصتي تلك والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال:
4080 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن سماك) بن حرب (بهذا الإسناد) يعني عن مصعب بن سعد عن أبيه (نحوه) أي نحو ما حدَّث زهير بن معاوية عن سماك، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لزهير بن معاوية (و) لكن (لم يذكر) شعبة لفظة (فكان بعد الثلث جائزًا) كما ذكره زهير.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4081 -
(00)(00)(وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9)(عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7)(عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر الكوفي، ثقة، من (3) (عن
مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ. قَال: "لَا". قُلْتُ: فَالنِّصْفُ. قَال: "لَا" فَقُلْتُ: أَبِالثُّلُثِ؟ فَقَال: "نَعَمْ. وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ".
4082 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ. كُلُّهُمْ يُحدِّثُهُ عَنْ أَبِيهِ؛
ــ
مصعب بن سعد عن أبيه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لسماك بن حرب (قال) سعد (عادني النبي صلى الله عليه وسلم أي زارني حين كنت مريضًا في مكة في حجة الوداع (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: بلغ بي المرض ما ترى وأنا خشيت الموت وليس لي وارث سوى بنت واحدة وأنا أريد أن (أوصي بمالي كله) في سبيل الخير فماذا ترى يا رسول الله فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) توص بمالك كله فـ (قلت) له: (فـ) إني أريد أن أوصي بـ (النصف) بالجر وبالرفع والتقدير عليه فالنصف أوصي به فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) توص بالنصف قال سعد: (فقلت) له: (أ) أوصي (بالثلث؟ فقال) لي: (نعم) أوص به (والثلث كثير) بالمثلثة أي كثير العدد أو كثير الأجر، وفي رواية كبير بالموحدة وهو بمعناه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4082 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي) نزولًا (حَدَّثَنَا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي أبي بكر البصري (عن عمرو بن سعيد) الثقفي البصري، روى عن حميد بن عبد الرحمن الحميري في الوصايا، وأنس في المناقب، ويروي عنه (م عم) وأيوب السختياني، ثقة، من الخامسة (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري) البصري الفقيه، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن ثلاثة من ولد سعد) بن أبي وقاص عامر ومصعب ومحمد وكان لسعد رضي الله عنه أكثر من عشرة بنين وثنتا عشرة بنتًا ذكره الحافظ في الفتح [5/ 273] عن ابن سعد (كلهم) أي كل من الثلاثة (يحدِّثه عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة حميد بن
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ بِمَكَّةَ. فَبَكَى. قَال: "مَا يُبْكِيكَ؟ " لا فَقَال: قَدْ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالأَرْضِ التِي هَاجَرْتُ مِنْهَا. كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا. اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا" ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا. وَإِنَّمَا يَرِثُنِي ابْنَتِي. أَفأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَال: "لَا" قَال: فَبِالثُّلُثَينِ؟ قَال: "لَا" قَال: فَالنِّصْفُ؟
ــ
عبد الرحمن الحميري للزهري وسماك بن حرب وعبد الملك بن عمير (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد) بن أبي وقاص حالة كونه (يعوده) من مرضه الَّذي مرض (بمكة) في حجة الوداع (فبكى) سعد حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك) يا سعد (فقال) سعد: (قد خشيت) يا رسول الله (أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة) فيها قريبًا في سفرنا هذا (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اشف سعدًا اللهم اشف سعدًا ثلاث مرار) ثم (قال) سعد (يا رسول الله إن لي مالًا كثيرًا وإنما يرثني) من ذوي الفروض (ابنتي) الواحدة يعني في تلك الحالة فلا يعارض قوله في أول هذا الحديث عن ثلاثة من ولد سعد وقد تقدم في أثناء روايات الباب ذكر اثنين منهم وهما عامر بن سعد ومصعب بن سعد، وبقي ثالثهم غير مذكور هنا ولعله محمد بن سعد فإنه الَّذي ذُكر في رواة الحديث كأخويه المذكورين على ما يُفهم من معارف ابن قتيبة وهو الَّذي خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج صبرًا، وكان ابنه إسماعيل بن محمد بن سعد من فقهاء قريش وهؤلاء الإخوة الثلاثة مذكورون في الخلاصة الخزرجية على ترتيب حروف أسمائهم، وكان لسعد رضي الله عنه ابنان آخران أحدهما: موسى بن سعد ولم يُذكر له رواية، وثانيهما: عمر بن سعد وهو أكبر أولاده، أخرجه سبحانه من صلبه إخراجه الميت من الحي فهو قاتل سيدنا الحسين وكان عبيد الله بن زياد وجّهه لقتاله فكان ما كان مما لا ينبغي هنا أن يُذكر ولا تسأل عن الخبر اهـ من بعض الهوامش (أفأوصي بمالي كله) بهمزة الاستفهام الاستئذاني أي هل أتبرع بمالي كله فأُوصيه في الخيرات فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد (لا) توص بمالك كله (قال) سعد أ (فـ) أوصي (بالثلثين) منه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا) توص بالثلثين (قال) سعد: (فالنصف) بالجر أي أفاوصي بالنصف وبالرفع أي فيجوز النصف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قَال: "لَا" قَال: فَالثُّلُثُ؟ قَال: "الثُّلُثُ. وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ. وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ. وَإِنَّكَ أَنْ تَدَعَ أَهْلَكَ بِخَيرٍ (أَوْ قَال: بِعَيشٍ)، خَيرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" وَقَال بِيَدِهِ.
4083 -
(00)(00) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ
ــ
(لا) يجوز النصف أو لا توص بالنصف (قال) سعد: (فالثلث) أوصيه أو أوصي بالثلث (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثلث) يكفيك في الإيصاء (والثلث كثير) وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اشف سعدًا ثلاث مرار) يدل على ندبية تطييب قلب المريض بالدعاء وعلى إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أفاق وعاش مدة طويلة وفتح وملك كما قدمناه، وقوله:(إن لي مالًا كثيرًا) دليل على جواز الاستكثار من المال الحلال لحصول الفوائد التي ذكرناها اهـ من المفهم (أن صدقتك من مالك) على المحاويج والمساكين سواء كانت واجبة كالزكاة أو سنة كصدقة التطوع (صدقة) أي مقبولة عند الله تعالى حاصل لك ثوابها (وإن نفقتك على عيالك) أي على من تعولهم وتمونهم من الأزواج والأولاد والأرقاء وغيرهم (صدقة) أي يحصل لك عليها من الثواب مثل ما يحصل من ثواب الصدقة واجبها كواجبها ونفلها كنفلها (وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة) لك أي يكتب لك ثواب الواجب في القدر الواجب وثواب النفل في الزائد عليه (وإنك) يا سعد (أن تدع) وتترك (أهلك) وورثتك (بخير) أي ملتبسين بمالك آخذين وارثين له (أو قال) الراوي: ملتبسين (بعيش) أي بما يعاش به، والشك من الراوي أو ممن دونه في هذه الرواية، والخير هنا المال وكذلك هو في أكثر مواضع القرآن، والعيش هنا هو ما يعاش به وهو المال اهـ من المفهم (خير) لك خبر المبتدأ المؤول من أن المصدرية مع صلتها، وجملة الابتداء خبر إن (من أن تدعهم) أي تتركهم (يتكففون) أي يسألون (الناس) بمد أكفهم إليهم (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: أي أشار (بيده) الشريفة إلى صورة السؤال بالتكفف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4083 -
(00)(00)(وحدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ ثَلاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ. قَالُوا: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ. فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ. بِنَحْو حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ.
4084 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ،
ــ
البصري (حَدَّثَنَا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (حَدَّثَنَا أيوب) السختياني (عن عمرو بن سعيد) الثقفي أبي سعيد البصري (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري) البصري (عن ثلاثة من ولد سعد) بن أبي وقاص عامر ومصعب ومحمد (قالوا): أي قال كل من الثلاثة أولاد. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لعبد الوهاب الثقفي، قال القرطبي: وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث انقطاع في أصل كتاب مسلم وهو من المواضع المنقطعة الأربعة عشر الواقعة فيه لكن لا يضر ذلك إن صح لأنه قد رواه من طرق أخر متصلة اهـ من المفهم (مرض) والدنا (سعد) بن أبي وقاص (بمكة) في حجة الوداع (فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يعوده) من مرضه وساق حماد بن زيد (بنحو حديث) عبد الوهاب (الثقفي) عن أيوب السختياني، فهذه الرواية مرسلة والأولى متصلة لأن أولاد سعد تابعيون، قال القاضي عياض: وإنما ذكر مسلم هذه الرواية المختلف في وصلها وإرسالها ليبين اختلاف الرواة في ذلك وهذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنَّه يذكرها في مواضعها وظن ظانون أنَّه يأتي بها مفردة وأنه توفي قبل ذكرها، والصواب أنَّه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الرواية ولا في صحة الحديث لأن الحديث وصل من غير طريق حميد بن عبد الرحمن عن أولاد سعد اهـ، قال النووي: وقد قدمنا أن الحديث إذا ورد متصلًا ومرسلًا فمذهب المحققين أنَّه يحكم بالاتصال لأنه زيادة عدل، وقد عرض الدارقطني بتضعيف هذه الرواية وجوابه ما تقدم من مذهب المحققين اهـ من الأبي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
4084 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8)(حَدَّثَنَا هشام) بن حسان الأزدي
عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنِي ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. كُلُّهُمْ يُحدِّثُنِيهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ صَاحِبهِ. فَقَال: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ. فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ الْحِمْيَرِيِّ.
4085 -
(1568)(132) حدَّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ). ح وَحدَّثنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو كُرَيب. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا
ــ
القردوسي نسبة إلى القراديس بطن من الأزد أبو عبد الله البصري، ثقة، من (6)(عن محمد) بن سيرين الأنصاري البصري (عن حميد بن عبد الرحمن) البصري (حدثني ثلاثة من ولد سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أهيب القرشي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن سيرين لعمرو بن سعيد، قال حميد بن عبد الرحمن الحميري (كلهم) أي كل من الأولاد الثلاثة (يحدّثنيه) أي يحدّثني هذا الحديث (بمثل حديث صاحبه فقال) كل من الثلاثة (مرض) والدنا (سعد بمكة) المكرمة عام حجة الوداع (فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في منزله لي (يعوده) من مرضه، وساق محمد بن سيرين (بمثل حديث عمرو بن سعيد عن حميد) بن عبد الرحمن (الحميري) وهذه الرواية مرسلة أيضًا كالتي قبلها فيقال فيها ما قيل فيها.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بأثر ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
4085 -
(1568)(132)(حدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق (الرازي) ثقة، من (10)(أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا): أي قال كل من أبي بكر وأبي غريب (حَدَّثَنَا وكيع ح وحدثنا أبو كريب حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير كلهم) أي كل من الثلاثة يعني عيسى بن يونس ووكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير رووا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن ابن عباس قال) ابن عباس برأيه (لو أن الناس) الذين أرادوا الإيصاء (غضوا) أي نقصوا في
مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"الثُّلُثُ. وَالثُّلُثُ كثِيرٌ".
وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: "كبِيرٌ، أَوْ كثِيرٌ"
ــ
الإيصاء (من الثلث إلى الربع) وكلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، والمعنى أتمنى نقصهم في الإيصاء من الثلث إلى الربع وإن كانت للشرط فالجواب محذوف تقديره لو أنهم نقصوا من الثلث إلى الربع كان خيرًا لهم وأحب إليّ وكذلك رواه الإسماعيلي بلفظ كان أحب إليَّ، وفي رواية أخرى كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه الحافظ في الفتح [5/ 277] والغض والغضاضة من باب نصر النقص، ومنه قوله تعالى:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} يعني انقص من جهارته كذا في مجمع البحار للفتني وفي هذا الأثر حجة للحنفية لاستحباب نقص الوصية من الثلث وإن كان الورثة أغنياء.
وقوله: (من الثلث إلى الربع) هذا اجتهاد من ابن عباس رضي الله عنهما في قدر النقص من الثلث، وقد رويت عن غيره مقادير مختلفة فعن أبي بكر رضي الله عنه أنَّه أوصى بالخمس وقال: إن الله تعالى رضي من غنائم المؤمنين بالخمس، وقال معمر عن قتادة: أوصى عمر رضي الله عنه بالربع، وقال ابن إسحاق: السنة الربع، ورُوي عن علي رضي الله عنه: لأن أوصي بالخمس أحب إليّ من الربع ولأن أوصي بالربع أحب إليّ من الثلث.
واختار آخرون السدس وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يوصوا مثل نصيب أحد الورثة حتَّى يكون أقل وكان السدس أحب إليهم من الثلث، واختار آخرون العُشر كذا في عمدة القاري [6/ 483].
وقوله: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث) يكفيك (والثلث كثير) تعليل لما اختاره ابن عباس من النقصان من الثلث وكأنه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة والله أعلم (وفي حديث وكيع) وروايته (كبير) بالموحدة (أو كثير) بالمثلثة، والشك من الراوي، والمعنى فيهما واحد والحاصل منهما أن النبي صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث مع أنَّه أجازه أولًا بقوله: فينبغي أن يُنقص منه شيء له بال وهو غير محدود اهـ من المفهم.
وهذا الأثر انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به للحديث الثاني.
***