الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثْلَهُ، وَحَدِيثُ مَعْمرٍ مِثْلُ حَدِيثِ يُونُسَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"فَلْيَتَصَذقْ بِشَيءٍ". وَفِي حَدِيثِ الأَوْزَاعيِّ: "مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى"
ــ
عبد الرحمن عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى يونس عن الزهري، غرضه بيان متابعة الأوزاعي ومعمر ليونس (وحديث معمر مثل حديث يونس) لفظًا ومعنى (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته:(فليتصدق بشيء) بزيادة لفظ شيء (وفي حديث الأوزاعي من حلف باللات والعزى) بزيادة العزى.
قال النووي: قال أصحابنا: إذا حلف باللات والعزى وغيرهما من الأصنام أو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو بريء من النبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك لم تنعقد يمينه بل عليه أن يستغفر الله تعالى ويقول: لا إله إلا الله ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا؟ هذا مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء، وقال أبو حنيفة: تجب الكفارة في كل ذلك إلا في قوله: أنا مبتدع.
وتُوهِم هذه العبارة أن الحنفية تجب عندهم الكفارة بالحلف باللات والعزى وليس الأمر كذلك فإن الحلف بغير الله تعالى لا ينعقد عندهم كما هو مصرح في كتبهم، نعم إذا حلف بقوله: إن لم أفعل كذا وكذا فأنا كافر أو يهودي أو نصراني فإن ذلك ينعقد عندهم يمينًا لأن العُرْف شائع بذلك ومبنى الأيمان على العُرْف.
مبحث في اللات والعزى وتاريخهما
اللات والعزى كلاهما صنمان ويعبدهما الجاهليون، فأما اللات فقد رُوي بتخفيف التاء وبتشديدها كما في لسان العرب [388/ 2] وهي من الأصنام القديمة المشهورة عند العرب، وذكر ابن الكلبي في كتاب الأصنام له أنه كان صخرة مربعة بيضاء بنت ثقيف عليها بيتًا صاروا يسيرون إليه يضاهون به الكعبة وله حجبة وكسوة ويحرّمون واديه وكانت سدانته لآل أبي العاص أو لبني عتاب بن مالك، وكانت قريش وجميع العرب يعظمونه أيضًا ويتقربون إليه حتى إن ثقيفًا كانوا إذا قدموا من سفر توجهوا إلى بيت اللات أولًا للتقرب إليه وشكره على السلامة ثم يذهبون بعد ذلك إلى بيوتهم اهـ معجم البلدان للحموي [4/ 17].
واختلف المؤرخون في موضع اللات فقيل: إنه كان بالطائف وقيل: بنخلة وقيل: بعكاظ وقيل: في جوف الكعبة والأصح أنه كان بالطائف في موضع منارة مسجد الطائف
قَال أَبُو الْحُسَينِ مُسْلِمٌ: هذَا الْحَرْفُ (يَعْنِي
ــ
اليسرى اليوم كما حكاه الحموي في معجم البلدان [17/ 4] عن ابن المنذر فهدمه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا أيضًا في وجه تسميته فذكر ابن جرير في تفسيره [27/ 34] أن اللات هي من الله أُلحقت فيه التاء فأُنث كما قيل عمرو للذكر وعمرة للأنثى، وحكاه العيني أيضًا عن الثعلبي ثم قال: أرادوا أن يُسموا آلهتهم بلفظة الله فصرفها الله إلى اللات صيانة لهذا الاسم الشريف كذا في عمدة القاري [11/ 35].
وذكر غير واحد من العلماء أنه بتشديد التاء اسم فاعل من لت السويق والسمن، وكان في ذلك الموضع رجل يلتّ السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه وإليه أشار ابن عباس عند البخاري في تفسير سورة النجم من صحيحه، واختلفوا في اسم ذلك الرجل فقيل إنه عامر بن الظرب العدواني وقيل صرمة بن غنم وقيل غيره راجع كتب التفسير ولسان العرب وتاج العروس وعمدة القاري وفتح الباري.
وأما العزى فهي صنم أنثى كذلك وهي أحدث عهدًا في رأي ابن الكلبي من اللات ومناة اتخذها ظالم بن أسعد ووُضعت بواد من نخلة الشام يقال له الحُراض بإزاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة وذلك فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال، ويظهر أن العزى كانت سمُرات لها حمى وكان الناس يتقربون إليها بالنذور وهي عبادة من العبادات المعروفة للشجر، وقد ذكر الطبري روايات عديدة تفيد أن العزى شجيرات ولكنه أورد روايات أخرى تفيد أنها حجر أبيض راجع تفسيره [35/ 27]، وذكر ابن حبيب في المحبّر (ص 315) أن العزى شجرة بنخلة عندها وثن تعبدها غطفان سدنتها من بني صرمة بن مرة وكانت قريش تعظّمها وكانت غني وباهلة تعبدها معهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطع الشجرة وهدم البيت وكسر الوثن راجع للتفصيل أخبار مكة للأزرقي (ص 78) وما بعدها ومعجم البلدان للحموي.
قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي هذا الصحيح عن مؤلفه (قال) لنا مؤلف هذا الجامع (أبو الحسين مسلم) بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (هذا الحرف) مبتدأ، وقوله:(يعني) إلى آخره تفسير للحرف أي يعني مسلم بهذا الحرف (قوله)
قَوْلَهُ: تَعَال أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ) لَا يَرويهِ أَحَدٌ غَيرُ الزُّهْرِيِّ. قَال: وَلِلزُّهْرِيِّ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِينَ حَدِيثًا يَرْويهِ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ.
4129 -
(1588)(152) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا آبائِكُمْ"
ــ
أي قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال لصاحبه: (تعال أقامرك فليتصدق) وقوله: (لا يرويه) خبر للمبتدإ السابق أي قال مسلم: هذا الحرف لا يرويه (أحد) من المحدثين (غير الزهري) فهو من زيادته مقبول (قال) مسلم أيضًا (وللزهري نحو) أي قريب (من تسعين حديثًا) بتقديم المثناة الفوقية على السين المهملة وفي المتن البولاقي (من سبعين) بتقديم السين على الباء الموحدة وهو منفرد بذلك فإن باقي النسخ الموجودة عندنا، والمتن الذي شرح عليه النووي نحو من تسعين بتقديم الفوقية على المهملة، نعم في بعض النسخ حرفًا بدل حديثًا (يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه) أي لا يشارك الزهري (فيه) أي في ذلك القدر المذكور يعني تسعين حديثًا (أحد) من أهل طبقاته، وقوله:(بأسانيد جياد) ومخارج حسان متعلق بيرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
4129 -
(1588)(152)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري البصري (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس العبشمي الصحابي المشهور من مسلمة الفتح البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا ابن أبي شيبة (قال) عبد الرحمن:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحلفوا بالطواغي) أي بالأصنام كاللات والعزى (ولا بآبائكم).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [7/ 7]، وابن ماجه [2095].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: (بالطواغي) جمع طاغية فاعلة من الطغيان والمراد بها الأصنام، سُميت بذلك لأنها سبب الطغيان فهي كالفاعلة له، وقيل الطاغية مصدر كالعافية سُمي بها الصنم للمبالغة ثم جُمعت على طواغ اهـ ملا علي. وقيل: يجوز بها كل من طغى وجاوز الحد في الشر وهم عظماء الكفار، وروي هذا الحديث في غير مسلم بلفظ إلا تحلفوا بالطواغيت) وهو جمع طاغوت وهو الصنم كما في النووي، قوله:(ولا بآبائكم) كانت العرب في جاهليتهم يحلفون بالطواغي وبآبائهم فنُهوا عن ذلك ليكونوا على تيقظ في محاوراتهم حتى لا يسبق به لسانهم جريًا على ما تعودوه اهـ. (فإن قلت): أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بالأب حين قال في شأن رجل "قد أفلح وأبيه إن صدق" قلنا: تلك الكلمة جرت على لسانه على عادتهم لا على قصد القسم اهـ مبارق، والأظهر أن هذا وقع قبل ورود النهي أو بعده لبيان الجواز ليدل على أن النهي ليس للتحريم اهـ ملا علي، وكان أكثر يمينه صلى الله عليه وسلم "لا ومقلب القلوب" كما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما اهـ من بعض الهوامش.
قال القرطبي: قوله: (بالطواغي) الطواغي جمع طاغية كالروابي جمع رابية والدوالي جمع دالية وهي مأخوذة من الطغيان وهو الزيادة على الحد ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)} [الحاقة: 11] أي زاد، وقد تقدم أن الطواغي والطواغيت كل معبود سوى الله في كتاب الإيمان، وقد تقرر أن اليمين بذلك محرم ومع ذلك فلا كفارة فيه عند الجمهور لأجل الحلف بها ولا لأجل الحنث فيها، أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:"من قال: واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" ولم يذكر كفارة ولو كانت لوجب تبيينها لتعين الحاجات لذلك، وأما الثاني فليست بيمين منعقدة ولا مشروعة فيلزم بالحنث فيها الكفارة، وقد شذ بعض الأئمة وتناقض فيما إذا قال أشرك بالله أو أكفر بالله أو هو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو من القرآن وما أشبه ذلك فقال: هي أيمان يلزم بها كفارة إذا حنث فيه، أما شذوذه فلأنه لا سلف له فيه من الصحابة ولا موافق له من أئمة الفتوى فيما أعلم، وأما تناقضه فلأنه قال لو قال: واليهودية والنصرانية والنبي والكعبة لم يحنث وعليه كفارة عنده مع أنها على صيغ الأيمان اللغوية فأوجب الكفارة فيما لا يقال عليه يمين لا لغة ولا شرعًا ولا هو من ألفاظها ولو عكس لكان أولى وأمس ولا حجة له في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
آية كفارة اليمين إذ تلك الكلمات ليست أيمانًا كما بيناه ولو سلمنا أنها أيمان فليست بمنعقدة فلا يتناولها العموم ثم يلزم بحكم العموم أن يوجب الكفارة في كل ما يقال عليه يمين لغة وعُرفًا ولم يقل بذلك والله تعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عبد الرحمن بن سمرة ذكره للاستشهاد.
***