المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌79 - (38) باب: السؤال عن تظاهر الأدلة لطلب زيادة الإيمان وطمأنينة القلب - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌79 - (38) باب: السؤال عن تظاهر الأدلة لطلب زيادة الإيمان وطمأنينة القلب

‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

285 -

(143)(66) وَحدَّثني حَرمَلَةُ بن يَحْيَى، أَخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ، اخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ،

ــ

79 -

(38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

أي هذا باب معقود في بيان مشروعية سؤال العبد لربه وطلبه منه إظهار الأدلة الواضحة الدالة على عظيم قدرته، وبديع صنعه لطلب زيادة إيمانه ويقينه بربه، على ما حصل له أولًا، وطلب زيادة طمأنينة قلبه وثباته على الإيمان على ما حصل له أولًا، والمراد بطلب زيادة اليقين والإيمان طلب الترقي من علم اليقين الحاصل بالاستدلال، إلى عين اليقين الحاصل بالمشاهدة، فإن بين العلمين تفاوتًا، فإن علم الاستدلال قد تتطرق إليه الشكوك في الجملة بخلاف المعاينة، فإنه ضروري لا تتطرق إليه الشكوك.

(285)

- س (143)(66)(وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي، أبو حفص المصري تلميذ الشافعي، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) روى عن ابن وهب في مواضع كثيرة في مسلم، قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا.

قال ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد الأموي مولاهم، مولى معاوية بن أبي سفيان، قال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا.

(عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في (23) بابًا تقريبًا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه كثير الحديث، من الثالثة مات سنة (94) روى عنه المؤلف في (14) بابًا تقريبًا.

ص: 75

وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ

ــ

(وسعيد بن المسيّب) بفتح الياء على المشهور الذي قاله الجمهور، ومنهم من يكسرها، وهو قول أهل المدينة، قال ابن خلكان: روي عن ابنه سعيد أنَّه كان يكسرها ويقول: سيب الله من يُسيِّب أبي، بن حزن بوزن سهل القُرشيّ المخزومي، أبي محمَّد المدنِيُّ الأعور، سيد التابعين، ما أحد أوسع علمًا منه في التابعين، ولد سنة (15) ومات سنة (94) ثِقَة ثبت من كبار الثَّانية، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان مصريان، وواحد أيلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن) معاشر الأنبياء (أحق) وأولى وأحرى (بالشك) أي بتطرق الشك في الإيمان لو فُرض وقُدر في إيمان الأنبياء (من إبراهيم) الخليل صلى الله عليه وسلم، ولا يتطرق الشك في إيمان سائر الأنبياء عليهم السلام، فضلًا عن إبراهيم الذي هو خليل الرَّحْمَن، فليس سؤاله إراءة الإحياء للشك في قدرة الله تعالى على الإحياء، بل طلبًا لطمأنينة القلب، وزيادة الإيمان، والمعنى أن الشك مستحيل في حق إبراهيم، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك، وإنما خص إبراهيم بالذكر من بين الأنبياء لكون الآية قد يسبق منها إلى بعض الأذهان الفاسدة احتمال شك إبراهيم عليه السلام، وإنما رجح إبراهيم على نفسه تواضعًا وأدبًا، أو قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم أنَّه خير ولد آدم، قال صاحب التحرير: قال جماعة من العلماء: لما نزل قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قالت طائفة من المسلمين شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك منه.

ثم قال: ويقع لي فيه معنيان أحدهما: أنَّه خرج مخرج العادة في الخطاب، فإن من أراد المدافعة عن إنسان، قال للمتكلم فيه: ما كنت قائلًا لفلان أو فاعلًا من مكروه فقله لي، وافعله معي، ومقصوده لا تقل ذلك فيه.

وثانيهما: أن معناه أن هذا الذي تظنونه شكًا أنا أولى به، فإنَّه ليس بشك وإنما هو

ص: 76

إِذْ قَال: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] قَال: "وَيَرْحَمُ الله لُوطًا،

ــ

طلب لمزيد اليقين، وقيل غير هذا من الأقوال، ولكن اقتصرنا على ما ذكرناه لكونه أصحها وأوضحها والله أعلم اهـ نووي.

والظرف في قوله (إذ قال) متعلق بمحذوف حال من الشك تقديره: نحن أحق بالشك من إبراهيم، حال كون الشك مظنونًا منه وقت قوله ({رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} أي وقت طلبه من ربه إراءة كيفية إحياء الموتى، حين قال:{رَبِّ أَرِنِي} .. إلخ سأله عن إراءة كيفية إحياء الموتى مع إيمانه الجازم بالقدرة الربانية، فكان يريد أن يعلم بالعيان ما كان يوقن به بالوجدان.

قال الحسن والضَّحَاك وقتادة وعطاء وابن جريج: سبب سؤاله أنَّه رأى جيفة مطروحة في شط البحر، وقد توزعها دواب البحر والبر، فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت منها، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فلما رأى إبراهيم ذلك تعجب منها وقال: يَا رب إنِّي قد علمت أنك لتجمعها من بطون السباع وحواصل الطيور وأجواف الدواب، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك فأزداد يقينًا، فعاتبه الله تعالى على ذلك حيث ({قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}) أي أتسألني عن ذلك ولم توقن وتصدق بقدرتي على الإحياء، قال العلماء: والهمزة فيه همزة استثبات كقول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا

({قَال} إبراهيم ({بَلَى}) يَا رب آمنت وصدقت أنك قادر على الإحياء، وليس سؤالي لعدم إيماني بذلك ({وَلَكِنْ}) سألتك عن ذلك ({لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) أي ليوقن قلبي ويزداد طمأنينة وبصيرة بمضامة العيان إلى الاستدلال، أو سألتك لتسكن حرارة قلبي وأعلم بأني خليلك مجاب الدعوة، والمطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضروريًا بالعيان.

(فإن قلت): كيف قال: أو لم تؤمن وقد علم أنَّه أثبت النَّاس إيمانًا؟ (قلتُ): ليجيب بما أجابه به، لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين.

وقصة إبراهيم هذه هي موضع الترجمة، وذكر ما بعدها لإتمام الحديث، قوله (قال ويرحم الله لوطًا) معطوف بعاطف مقدر على قال الأول، أي وقال رسول الله صلى الله

ص: 77

لَقَدْ كَانَ يَأْوي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ في السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ"

ــ

عليه وسلم أَيضًا في شأن لوط بن هاران، ويرحم الله أي يكرم الله سبحانه وتعالى لوطًا برحمته وإحسانه وكرامته، والله (لقد كان) لوط (يأوي) ويلتجئ من إذاية قومه (إلى ركن) وملجأٍ (شديد) أي قويٍ وحصنٍ حصينٍ مانعٍ حافظٍ من إذاية العدو.

قال النواوي: فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى، فإنَّه أشد الأركان وأقواها وأمنعها، ومعنى الحديث والله أعلم: أن لوطًا عليه السلام لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه، واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه، فقال في ذلك الحال: لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط عليه السلام إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريقٍ ما لفعله، وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم، ولم يكن ذلك إعراضًا منه عليه السلام عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما كان لما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف، ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر، والله تعالى أعلم.

وقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَيضًا في شأن يوسف بن يعقوب عليهما السلام (ولو لبثت) ومكثت (في السجن) والمحبس (طول لبث يوسف) عليه السلام أي لبثًا كاللبث الطَّويل الذي لبثه يوسف فيه لأنه لبث فيه سبع سنين (لأجبت الداعي) لي إلى الخروج منه وما تأنيت- ويوسف فيه ست لغات: ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه- وهذا ثناء على يوسف عليه السلام وبيان لصبره وتأنيه، والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنَّه قال:{ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَال ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ} ، فلم يخرج يوسف عليه السلام مبادرًا إلى الراحة، ومفارقة السجن الطَّويل، بل تثبت وتوقر وراسل الملك في كشف أمره الذي سُجن بسببه لتظهر براءته عند الملك وغيره، ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه، ولا خجل من يوسف ولا غيره فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة يوسف في هذا، وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره وحسن نظره، وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

ص: 78

286 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِي بِهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ

ــ

عن نفسه ما قاله تواضعًا وإيثارًا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف عليه السلام والله أعلم.

وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب التفسير، وابن ماجه في الفتن.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(286)

- متا (00)(00)(وحدثني به) أي بهذا الحديث المذكور، وجملة قوله (إن شاء الله) سبحانه وتعالى معترضة بين الفعل والفاعل جاء بها للتبرك لا للشك، وقد اعترض بها على مسلم من لا علم عنده ولا خبرة لديه فقال كيف يحتج مسلم بشيء يشك فيه، وهذا الاعتراض خيال باطل من قائله، فإن مسلمًا رحمه الله تعالى لم يحتج بهذا الإسناد، وإنما ذكره متابعة واستشهادًا للسند الأول، وقد قدمنا أنهم يحتمل عندهم في المتابعات والشواهد ما لا يحتمل في الأصول والله أعلم اهـ نووي.

أي وحدثني (عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق، إن شاء الله تعالى تحديثه إياي ما سيأتي (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة، أبو عبد الرحمن البصري، ابن أخي جويرية بن أسماء، ثقة من العاشرة، مات سنة (231) روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وغيرهما، قال عبد الله بن محمد (حدثنا جويرية) مصغرًا ابن أسماء بن عبيد الضبعي أبو المخارق البصري، روى عن مالك في الإيمان، والصلاة، والزكاة، والنكاح، والجهاد وذكر الأنبياء، ونافع في الجهاد، وذكر الجن، وفضل عمر، ويروي عنه (خ م دس ق) وابن أخيه عبد الله بن محمد وابن أخته سعيد بن عامر، وقال في التقريب: صدوق من السابعة، مات سنة (173) ثلاث وسبعين ومائة، وليس في مسلم جويرية إلا هذا (عن مالك) بن أنس بن مالك الأصبحي، أبي عبد الله المدني، إمام دار الهجرة، قال الشافعي: مالك حجة الله تعالى على خلقه، وقال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا أتم عقلًا ولا أشد تقوى من مالك، ثقة حجة فقيه، من السابعة مات سنة (179) وله (90) سنة، روى عنه المؤلف في (17) بابا (عن) محمد بن مسلم

ص: 79

الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] قَال: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ حَتى جَازَهَا.

287 -

(00)(00) حدثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ،

ــ

(الزُّهْرِيّ) المدنِيُّ (أن سعيد بن المسيّب وأبا عبيد) بضم العين مصغرًا، بلا تاء تأنيث، مولى عبد الرَّحْمَن بن أزهر القُرشيّ الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، كان من فقهاء أهل المدينة ومتقنيهم، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصوم، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في الضحايا، ويروي عنه (ع) والزهري وسعيد بن خالد، وقال في التقريب: ثِقَة من الثَّانية، مات سنة (98)(أخبراه) أي أخبرا وحدثا للزهري (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان بصريان، ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه ثلاث من الأتباع: مالك والزهري وسعيد بن المسيّب، وغرضه بسوقه بيان متابعة مالك بن أنس ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول.

والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث يونس عن الزُّهْرِيّ) متعلق بما عمل في المتابع، أي حَدَّثَنَا مالك عن الزُّهْرِيّ بمثل ما حدث يونس عن الزُّهْرِيّ، وقوله (وفي حديث مالك) استثناء من المماثلة، أي ولكن في رواية مالك ({وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) بلا ذكر لفظة بلى، وبزيادة قوله (قال) أبو هريرة (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) أي آية قصة إبراهيم (حتَّى جازها) أي حتَّى جاوزها وفرغ منها بقوله:{قَال فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(287)

- متا (00)(00)(حدثناه) أي حَدَّثَنَا الحديث المذكور، يعني حديث أبي هريرة (عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثِقَة من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في (12) بابًا تقريبًا.

ص: 80

قَال: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

كَرِوَايَةِ مالكٍ بِإِسْنَادِهِ. وَقَال: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ حَتَّى أَنْجَزَهَا

ــ

(قال) عبد بن حميد (حَدَّثني يعقوب) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن إبراهيم بن سعد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته، القُرشيّ الزُّهْرِيّ، أبو يوسف المدنِيُّ، ثِقَة من التاسعة، مات سنة (208) روى عنه المؤلف في (4) أبواب تقريبًا.

قال يعقوب (حَدَّثَنَا أبو أويس) عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدنِيُّ، ووالد إسماعيل بن أبي أويس حليف بني تميم من قريش، روى عن الزُّهْرِيّ في الإيمان، والعلاء في الصلاة، ويروي عنه (م عم) ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، والنضر بن محمَّد، وابناه إسماعيل وأبو بكر عبد الحميد، ومنصور بن أبي مزاحم، وثقه أَحْمد، قال الرشيد: أبو أويس أخرج له في (م) في المتابعات ولم يحتج به، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة مات سنة (167) سبع وستين ومائة، روى عنه المؤلف في بابين.

(عن) محمَّد بن مسلم بن شهاب (الزُّهْرِيّ) أن سعيد بن المسيّب، وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكاف في قوله (كرواية مالك) في محل النصب اسم بمعنى مثل مفعول ثان لحدثنا أبو أويس، والتقدير حَدَّثَنَا أبو أويس عن الزُّهْرِيّ مثل رواية مالك، وحديثه (بإسناده) أي بإسناد مالك (و) لكن (قال) أبو أويس في روايته (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية حتَّى أنجزها) أي حتَّى أتمها، بدل رواية مالك حتَّى جازها، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين: رواية مالك ورواية أبي أويس.

وهذا السند من سداسياته، رجاله خمسة منهم مدنيون، وواحد كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي أويس لمالك في رواية هذا الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، لأن أَبا أويس صدوق يهم، ومالك من أوثق النَّاس فلا يصلح أبو أويس لتقوية مالك، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أبي هريرة، وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 81