المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌73 - (32) باب الفتن التي تموج كموج البحر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌73 - (32) باب الفتن التي تموج كموج البحر

‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

272 -

(136)(59) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، يَعْنِي سُلَيمَانَ بْنَ حَيَّانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيفَةَ؛

ــ

73 -

(32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

أي هذا بابٌ معقودٌ في ذكر الفتن التي تموج أي تضطرب ويدفع بعضها بعضًا كموج البحر واضطرابه وتحركه وارتفاعه شبهها بموج البحر في تتابعها وتواليها وعدم الفترةِ بينها، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة.

وقد أخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن حذيفة قال: (لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة ما اشتبه عليك الحق والباطل) اهـ فتح (13/ 212).

والفتن جمع فتنة كقرب وقربة، والفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار، ثم صارت في عرف الكلام عبارة عن كل أمر كشف الاختبار عن سوئه، قال أبو زيد: فتن الرجل فتونًا إذا وقع في الفتنة، وتحول عن حال حسنة إلى حال سيئة.

(272)

- س (136)(59)(وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي من العاشرة (ت 234) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا.

قال محمد بن نمير (حدثنا أبو خالد) الأحمر، سليمان بن حيان - بتحتانية - الأزدي الكوفي، قال ابن معين وابن المديني: ثقة، وقال ابن معين مرة: صدوق ليس بحجة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة، وقال ابن سعد: مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني سليمان بن حيان) إشعارًا بأن هذه التسمية من زيادته، لا مما سمعه من شيخه (عن سعد بن طارق) بن أشيم الأشجعي، أبي مالك الكوفي، ثقة من الرابعة، مات في حدود مائة وأربعين (140) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن ربعي) بن حراش - بكسر الحاء المهملة - الغطفاني العبسي - بموحدة - أبي مريم الكوفي، من عباد أهل الكوفة، وكان أعور، ثقة عابد مخضرم من الثانية مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مائة أو إحدى ومائة (عن حذيفة) بن اليمان الكوفي، صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه.

ص: 35

قَال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَال: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَال قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ. فَقَال: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ. قَال: تِلْكَ تُكَفَّرُهَا الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ،

ــ

وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون.

(قال) حذيفة رضي الله عنه (كنا عند عمر) بن الخطاب العدوي، أبي حفص الفاروق، أمير المؤمنين (فقال) لنا عمر (أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأبي: يحتمل أنه استفهام حقيقة، وأنه كان سمع حديثًا في الفتن ولم يحفظه، ويحتمل أنه عرفه ولكن أراد أن يعلمه الحاضرون، وأي استفهامية في محل الرفع مبتدأ، وجملة سمع خبرها أي من سمع منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يذكر) شأن (الفتن) والامتحانات والبلايا الواقعة للمسلمين (فقال قومٌ) من الحاضرين لعمر (نحن سمعناه) أي سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن الواقعة للعباد (فقال) عمر للقوم العلكم تعنون) وتقصدون بالفتنة التي سمعتموها منه صلى الله عليه وسلم (فتنة الرجل) وامتحانه (في أهله) وأولاده أي شغله عن فعل الخيرات والعبادات بسبب خدمتهم وإطعامهم وسقيهم ومحادثتهم (و) فتنته في (جاره) أي شغله بسبب المحادثة معه عن فعل الخيرات أو تقصيره بترك الإهداء له، قالوا: وفتنة الرجل في أهله وماله وولده ضروب من فرط محبته لهم، وشجه عليهم، وشغله بهم عن كثير من الخير، كما قال تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أو تفريطه وتقصيره فيما يلزم من القيام بحقوقهم، ومن تأديبهم وتعليمهم، فإنه راعٍ عليهم، ومسؤول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره بتقصيره في حقوقه والنصيحة له بالإرشادات والعظات.

وقال القاضي: فتنة الرجل في أهله وماله وولده صرفه من فرط محبته لهم وشجه عليهم وشغله بهم عن كثير من الخير، كما قال تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} وكما قال صلى الله عليه وسلم: "الولد مجبنة مبخلة" فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات، كما قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .

(قالوا) أي قال القوم لعمر (أجل) حرف تصديق في الجواب بمعنى نعم أي نعم قصدناها (قال) عمر (تلك) الفتنة، أي فتنة الرجل في أهله وجاره وماله لا بأس بها فإنها (تكفرها الصلاة) أي الصلوات الخمس (والصيام) أي صيام رمضان (والصدقة) أي

ص: 36

وَلكِنْ أَيكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَال حُذَيفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ. فَقُلْتُ: أَنَا. قَال: أَنْتَ، لِلهِ أَبُوكَ! .

قَال حُذَيفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا،

ــ

الزكاة، أي تكون هذه الطاعات كفارة ساترة ماحية لتلك الفتنة عن الرجل إذا كانت من الصغائر (ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يذكر الفتن) العامة (التي تموج) وتضطرب وتنتشر موجًا واضطرابًا كـ (ـموج البحر) واضطرابه وتحركه، يقال: ماج البحر إذا تحرك ماؤه وارتفع، شبهها بموج البحر في شدتها وتواليها وكثرتها وتدافعها (قال حذيفة فأسكت القوم) بقطع الهمزة المفتوحة، أي صمتوا وسكتوا، وأطرقوا رؤوسهم، وإنما سكتوا لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، وإنما حفظوا النوع الأول، قال جمهور أهل اللغة: سكت وأسكت لغتان، كلاهما بمعنى صمت، وقال الأصمعي: سكت بمعنى صمت، وأسكت بمعنى أطرق، وقال أبو علي البغدادي وغيره: سكت وأسكت بمعنى صمت، قال الهروي: ويكون سكت بمعنى سكن ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} وبمعنى انقطع، تقول العرب جرى الوادي ثلاثًا ثم سكت أي انقطع، ويقال سكت يسكت سكتًا وسكوتًا وسُكاتًا قال حذيفة (فقلت) لعمر (أنا) الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن المائجة موج البحر (قال) عمر (أنت لله أبوك) أي أنت سمعتها فلله در أبيك، أي درّ ارتفع به أبوك وكبر حتى أولدك، وهذه الجملة كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها مع التعجب، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف للمضاف، ولهذا قالوا: بيت الله، وناقة الله، قال صاحب التحرير: فإذا وُجد من الولد ما يُحمد به قيل له: لله أبوك حيث أتى وأنجب بمثلك (قال حذيفة) فقلت لعمر في بيانها (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول: تعرض الفتن) أي تظهر الفتن والمخالفة والمنازعة والمقاتلة والمشاتمة بين المسلمين وتمر (على القلوب) وتؤثر فيها، ويظهر أثر قبولها على قلوب الناس (كالحصير) أي كما يظهر أثر الحصير وأوراقه على جنب النائم عليه (عودًا عودًا) أي ورقًا ورقًا، وهذا كناية عن شدة قبولها، وكثرة خوض الناس فيها، حتى يهلكوا فيها، ومعنى تعرض الفتن على القلوب: أي تلصق بعرض القلوب، أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر فيه شدة

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التصاقه به، أو المعنى تظهر الفتن للقلوب وتتوالى عليها فتنة بعد أخرى، كما يعرض الحصير على الناسج عودًا عودًا، أي ورقًا بعد ورق، قال السنوسي: وقيل معنى تعرض توضع عليها، وتبسط كما يبسط الحصير من عرض العود على الإناء، والسيف على الفخذين يعرضه إذا وضعه، وقيل هو من عرض الجند بين يدي السلطان لإظهارهم واختبار أحوالهم اهـ.

وقوله (عودًا عودًا) قال النواوي: هذان الحرفان مما اختلف في ضبطه على ثلاثة أوجه: أظهرها وأشهرها عودًا عودًا بضم العين، وبالدال المهملة، والمعنى عليه كما مر آنفًا تظهر الفتن والمخالفة والمقاتلة بين المسلمين ويظهر أثرها على القلوب، كما يظهر أثر الحصير على جنب النائم عليه عودًا عودًا أي ورقًا ورقًا، والثاني (عَوْدًا عَوْدًا) بفتح العين وبالدال المهملة والمعنى عليه تعاد الفتن وتكرر على القلوب إعادة بعد إعادة، ومرة بعد أخرى حتى تتمكن في قلوب من قبلها، والثالث (عَوذًا عَوذًا) بفتح العين وبالذال المعجمة، والمعنى عليه تظهر الفتن على القلوب وتؤثر فيها عِياذًا عياذًا بالله تعالى منها أي نعوذ بالله منها عياذًا، أي استعاذة من شرها وضررها، فمعنى عوذًا عوذًا سؤال الاستعاذة منها فهو منصوب بعامل محذوف وجوبًا لنيابة تكراره عنه كقولهم: غفرًا غفرًا أي نستغفرك غفرانًا، والمعنى: نسألك يا رب أن تعيذنا منها، وأظهر الأوجه الثلاثة وأشهرها الأول كما مر آنفًا.

وقوله (كالحصير) أي كما ينسج الحصير عودًا عودًا وشطبة بعد أخرى: الشطبة: السعفة الخضراء والسعفة ورقة النخل.

وعبارة المفهم هنا (قوله كالحصير عودًا عودًا) ضُبط هذان الحرفان بثلاث تقييدات:

الأول: ضبطه القاضي الشهيد بفتح العين المهملة والذال المعجمة، والثاني: ضبطه أبو بحرِ سفيان بن العاصي بضم العين ودالء مهملة، والثالث: ضبطه أبو الحسين بن سراج بفتح العين ودال مهملة، فمعنى الضبط الأول: سؤال الإعاذة والسلامة منها كما يقال غفرًا غفرًا أي اللهم اغفر اللهم اغفر، ومعنى الضبط الثاني: أن الفتن تتوالى واحدة بعد أخرى كنسج الحصير عودًا بإزاء عود، وشطبة بإزاء شطبة، أو كما

ص: 38

فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَينِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ

ــ

يناول مُهيئ القضبان للناسج عودًا بعد عود، ومعنى الضبط الثالث قريب من الثاني، يعني أن الفتنة كلما مضت واحدةٌ عادت أخرى كما يفعل ناسج الحصير، كلما فرغ من موضع شطبة أو عود عاد إلى مثله، والمعنى الثاني أمكن وأليق بالتشبيه والله أعلم اهـ.

قال النواوي: ويترجح رواية ضم العين مع الدال المهملة، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد، قال القاضي: وهذا معنى الحديث عندي، وهو الذي يدل عليه سياق لفظه وصحة تشبيهه والله تعالى أعلم.

(فأي قلب) من تلك القلوب التي عرضت الفتن عليها (أشربها) أي أشرب تلك الفتن وقبلها، ودخلت فيه دخولًا تامًّا، وألزمها وتمكنت فيه وحلت منه محل الشراب حتى لا تقبل الانفكاك منه، نظير قوله تعالى:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حب العجل، وقولهم: ثوبٌ مشرب بحمرة) أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها (نكت) أي نقط (فيه) أي في ذلك القلب الذي أُشربها (نكتة) أي نقطة (سوداء) أي ذات سواد، أي ظهر فيه سواد يسير مثل النقطة، قال ابن دريد وغيره: كل نقطة في شيء تخالف لونه فهي نكتة (وأي قلب أنكرها) أي أنكر تلك الفتن وردها، ولم يقبلها واعتزل من الخوض فيها (نكت) أي نقط (فيه) أي في ذلك القلب الذي أنكرها، ولم يخض فيها (نكتة) أي نقطة (بيضاء) أي ذات بياض، والنكتتان كناية عن نقص الإيمان وكماله، فالنكتة السوداء كناية عن نقصِ نورِ إيمانِ مَنْ قَبِلهَا، وأُشربها بظلام تلك الفتن والنكتةُ البيضاء كناية عن سلامة نور إيمان من أنكرها، ولم يَخُض فيها مِنْ ظلامِ تلك الفتن، وقوله (حتى تصير على قلبين) غاية لقوله تعرض الفتن، أي تعرض الفتن وتظهر وتنتشر حتى تصير وتكون على قلبين: أحدهما ما ذكره بقوله: تعرض.

(على) قلب (أبيض) بالنور التام من الإيمان أملس (مثل الصفا) أي مثل الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء، في عدم تأثره وقبوله لتلك الفتن (فلا تضره) أي فلا تضر ذلك القلب الأبيض الأملس مثل الصفا (فتنةٌ) واحدة من تلك الفتن التي توالت وتتابعت

ص: 39

مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ"

ــ

على القلوب، بل هو ناجٍ سليم منها سلامة مؤبدة دائمة (ما دامت السماوات والأرض) أي مدة دوامهما، والقصد تأبيد سلامته من ضرر تلك الفتن.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان، وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء اهـ.

والقلب الثاني ما ذكره بقوله (و) القلب (الآخر) الذي أشرب تلك الفتن وقبلها وتمكنت فيه (أسود) أي ذو سواد وظلام بانطماس نور إيمانه بتلك الفتن وخوضه فيها، وقوله (مرْبادًا) على زنة محمار، حال من الضمير المستتر في أسود، أي حالة كون ذلك القلب الآخر مربادًا أي مخلوطًا سواده ببقايا بياض نور الإيمان، وحالة كونه (كالكوز) والكأس (مجخيًا) بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مشددة مكسورة، أي حالة كونه كالكوز المجخي، أي المقلوب المنكوس الذي لا يقبل تعبئة الماء فيه، قال القاضي عياض: قال لي ابن السراج: ليس قوله كالكوز مجخيًا تشبيهًا لما تقدم من سواده، بل هو وصف آخر من أوصافه، بأنه قلب ونكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة، ومثله بالكوز المجخي، أي المقلوب وبينه بقوله (لا يعرف) ذلك القلب الآخر الأسود ولا يقبل (معروفًا) من معروفات الشرع بل يرده وينكره (ولا ينكر) أي لا ينكر (منكرًا) من منكرات الشرع الذي هو من جنس هواه، بل لا يقبل شيئًا من المعروف (إلا ما أشرب) ذلك القلب (من هواه) وشهواته التي هي من جنس المنكرات، بل هو حليف الهوى، مفارق الهدى، قال السنوسي: قال بعضهم: يعني لا يعرف القلب إلا ما قيل من الاعتقادات الفاسدة، والشهوات النفسانية، قال الطيبي: ولعله أراد أنه من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح، أي ليس فيه خير إلا هذا، وهذا ليس بخير، فيلزم منه أن لا يكون فيه خير ألبتة اهـ.

وقال القاضي: شبه القلب الذي لا يعي خيرًا بالكوز المنحرف الذي لا يثبت فيه الماء، وقال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الرجل إذا تبع هواه وارتكب المعاصي، دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الإيمان،

ص: 40

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والقلب مثل الكوز فإذا انكب انصب ما فيه، ولم يدخله شيء بعد ذلك.

قال السنوسي: قلت والضمير في قوله (حتى تصير) للقلوب، أي حتى تصير القلوب على نوعين: أحدهما أبيض صلب لا تزلزل عقائده لواردة الفتن، ولا يتضرر بها في دينه لتحقق عرفانه ورسوخ إيقانه في تمييز الباطل من الحق، والبدعة من السنة، فلم يكن ماسورًا بالتقليد، ولا منخدعًا بالعوائد الفاسدة التي درج عليها الأكثر، ولهذا ضرب له المثل بالصفا، لأن الأحجار إذا لم تكن معدنية لم تتغير بطول الزمان، ولم يدخلها لون آخر، سيما النوع الذي ضرب به المثل، فإنه أبدًا على البياض الخالص الذي لا تشوبه كدرة.

والنوع الآخر على ضد هذه الأوصاف يتزلزل لأقل فتنة وينخدع بأقل حالة فاسدة، وهذا حال العام والخاص في هذا الزمان، إلا من حُفِظَ من النادر جدًّا اهـ منه.

وقال أيضًا: قلت كأن القلب باتباع الهوى انكب إلى الأرض فزال ما فيه واحتجب عنه غيوث الأنوار السماوية، وصارت إذا وردت عليه، إنما ترد على ظاهره، وتظل ذاهبة حتى لا ينتفع بها كالإناء المنكب على وجهه إذا ورد عليه مطر ونحوه، قال تعالى في معنى ذلك:{آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} إلى قوله: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} ومن تأمل حال من يتعاطى العلم في زماننا وجدهم إلا النادر جدًّا على هذا الوصف الذميم، قد اختلط عليهم الحال، وتلبست عليهم البدع بالسنن، وامتزج الحق عندهم بالباطل، حتى صاروا يوالون أهل البدع، ومن يذهب على غير أصل علم وسنة، بل صاروا يفعلون مثل أفعالهم، بل انتقل بهم الحال إلى الداء العضال الذي كاد أن يكون كفرًا، وهو الوقوف على أبواب الظلمة، ومن تحقق دفنه للسنة والشريعة، ويتعاطون الثناء عليهم، وإنشاء ما يقدرون عليه من الأسجاع والشعر في ذلك، وبالجملة فأكثرهم مخروب الظاهر والباطن، مسلوب من كل خير لا حظ لهم من العلم إلا نقل كلمة لا تجاوز حناجرهم.

قال الطيبي عند كلامه على حديث: "اهتز العرش لمدح الفاسق" قال: اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم، وداهية دهياء، لأن فيه رضاء بما فيه سخط الله تعالى وغضبه، بل يقرب أن يكون كفرًا، لأنه يكاد يفضي إلى استحلال ما حرم الله تعالى،

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء المرائين في زماننا هذا، وإذا كان هذا حكم من مدح الفاسق فكيف بمن مدح الظالم، وركن إليه ركونًا، وقد قال تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} قال إنما عبر بالفعل في الموضعين ليفيد معنى، لا يكن منكم ركون ما إلى من وقع منه ظلم ما، قال في الكشاف: النهي يتناول الانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم اهـ منه أيضًا.

وعبارة المفهم: وقوله: (على قلبين أبيض مثل الصفا) أي قلب أبيض فحذف الموصوف للعلم به، وأقام الصفة مقامَه، وليس تشبيهه بالصفا من جهة بياضه، ولكن من جهة صلابته على عقد الإيمان، وسلامته من الخلل والفتن، إذ لم يلصق به ولم يؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء، بخلاف القلب الآخر الذي شبهه بالكوز الخاوي، لأنه فارغ من الإيمان والأمانة.

وقوله: (والآخر أسود مربادًا) ضبطوا مربادًا بثلاث تقييدات: الأول: مرباد على زنة مِفعال من اربادَّ السداسي مثل مصفارِّ من اصفارَّ وهو رواية الخُشَني عن الطبري، والثاني: مربد مثل مسود ومحمر من اربد واسود واحمر، وهو ضبط أبي مروان بن السراج، والثالث: مربئد بالهمز بين الباء والدال وهو ضبط العذري، وكأنه من ارباد لغة فيه، وقال بعض اللغويين: يقال احمر الشيء، فإذا قوي قيل: احْمَارَّ، فإذا زاد قيل: احمأر بالهمز، فعلى هذا تكون تلك الروايات كلها صوابًا، قال أبو عبيد عن أبي عمرو وغيره: الربدة لون بين السواد والغبرة، وقال ابن دريد: الربدة: الكدرة، وقال الحربي: هو لون النعام بعضه أسود وبعضه أبيض، ومنه اربدَّ لونه إذا تغير ودخله سوادٌ، وإنما سُمي النعام ربدًا لأن أعالي ريشها إلى السواد، وقال نفطويه: المربد الملمع بسواد وبياض، ومنه تربد لونه أي تلون فصار كلون الرماد.

وقوله (كالكوز مُجَخِّيًا) قال الهروي: المُجَخِّي المائلُ، ويقال: جخَّى إذا فتح عضُدَيه في السجود، وكذلك جخَّ وقال شمر: جخَّى في صلاته: إذا رفع بطنه عن الأرض في السجود، وكذلك خوَّى، وقال أبو عبيد: المجخي المائل، ولا أحسبه أراد بميله إلا أنه منخرق الأسفل، شبه به القلب الذي لا يعي خيرًا ولا يثبت فيه، كما لا يثبت

ص: 42

قَال حُذَيفَةُ: وَحَدَّثتُهُ؛ أَن بَينَكَ وَبَينَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ. قال عُمَرُ: أَكسْرًا، لا أَبَا لَكَ؟

ــ

الماء في الكوز المنخرق، قال المؤلف: ولا يحتاج إلى هذا التقدير والتكلف، فإنه إذا كان مقلوبًا منكوسًا كما قال سعد، لم يثبت فيه شيء، وإن لم يكن منخرقًا، وقد فسره سياق الكلام حيث قال: لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه اهـ مفهم.

وقوله (مربادًا) حال من الضمير في أسود، أي أسود حالة كون سواده مخلوطًا ببياض.

وقوله (كالكوز) إما حال من الضمير في أسود، فيكون حالًا مترادفة، أو من الضمير في مرباد فيكون حالًا متداخلة، أي حالة كون ذلك القلب شبيهًا بالكوز الفارغ.

وقوله (مجخيًا) حال من الكوز، أي حالة كون الكوز منكبًا منكوسًا مقلوبًا ليس فيه شيء.

(قال حذيفة وحدثته) أي حدثت عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن بينك) يا عمر (وبينها) أي وبين تلك الفتن (بابا مغلقًا) أي مسكوكًا بالغلق (يوشك) بضم الياء وكسر الشين، أي يقرب ذلك الباب (أن يكسر) ويفتح فلا يغلق بعد ذلك، ومعنى ذلك أن تلك الفتن لا يخرج شيء منها في حياتك، قال ابن بطال: قول حذيفة (إن بينك وبينها بابا مغلقًا) ولم يقل له أنت الباب، وهو يعلم أنه الباب، فعرَّض له بما فهمه ولم يصرح، وذلك من حسن أدبه، وقد جاء في الصحيح أن عمر كان عارفًا بذلك، فإن قيل: لم شك في ذلك حتى سأل عنه؟ فالجواب: أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف، أو لعله خشي أن يكون نسي، فسأل من يذكره، قال الحافظ في الفتح: وهذا هو المعتمد، وراجع فتح الملهم.

(قال) لي (عمر أ) يكسر ذلك الباب كسرًا) أم يفتح، فإن كسر فالمكسور لا يمكن إعادته بخلاف المفتوح، ولأن الكسر لا يكون غالبًا إلا عن إكراه وغلبة وخلاف عادة.

وقوله (لا أبا لك) قال صاحب التحرير هذه كلمة تذكرها العرب للحث على الشيء، ومعناها: إن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر، ووقع في شدة عاونه أبوه، ورفع عنه بعض الكل فلا يحتاج من الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الانفراد،

ص: 43

فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ. قُلْتُ: لا، بَلْ يُكْسَرُ

ــ

وعدم الأب المعاون، وإذا قيل (لا أبا لك) فمعناه جُدَّ في هذا الأمر وشمِّر وتأهب تأهُّب من ليس له معاون والله أعلم.

وعبارة المفهم هنا: وقوله (أكسرًا لا أبا لك) استعظام من عمر لكسر ذلك الباب، وخوف منه أن لا ينجبر، لأن الكسر لا يكون إلا عن إكراه وغلبة، فكأن الباب المغلق عن دخول الفتن على الإسلام عمر رضي الله تعالى عنه وكسره قتله، واللام في لا أبا لك مقحمة، وكذلك في قولهم: لا يدي لفلان بهذا الأمر، ولا تريد العرب بهذا الكلام نفي الأبوة حقيقة، ، إنما هو كلام جرى على ألسنتهم كالمثل، ولقد أبدع البديع حيث قال في هذا المعنى:

وقد يُوحَشُ اللفظُ وكلُّه ودَّ

ويكرَهُ الشيءُ وما مِن فعله بدُّ

هذه العرب تقول: "لا أبا لك" للشيء إذا أهم و"قاتله الله" ولا يريدون به الذم، و"وويل أمه" للأمر إذا تم، ولذوي الألباب في هذا الباب أن ينظروا إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حسن.

وإعراب (لا أبا لك) لا: نافية للجنس تعمل عمل إن، أبا: في محل النصب اسمها مبني بفتح مقدر منع من ظهوره التعذر لأنه اسم مقصور على لغة من يُلزم الأسماء الخمسة الألف كقوله:

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

لك: اللام زائدة، والكاف ضمير متصل في محل الجر مضاف إليه لأبا وخبر لا محذوف وجوبًا تقديره موجودٌ (فلو) ثبت (أنه) أي أن ذلك الباب (فتح) فلو شرطية وجملة أن في تأويل مصدر فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط، وجوابه جملة (لعله) أي لعل ذلك الباب، وكلمة (كان) زائدة وجملة (يعاد) خبر لعل، وجملة لعل جواب لو الشرطية، والتقدير: فلو ثبت فتحه يرجى إعادته، قال حذيفة (قلت) لعمر (لا) يفتح (بل يكسر) ذلك الباب فلا يعاد إلى حاله الأول، لأن المكسور لا تمكن إعادته بخلاف المفتوح.

قال الأبي: لا يُعنى بالفتن هنا الفتن الواقعة بعد قتل عمر كيوم الجمل وصفين،

ص: 44

وَحَدَّثْتُهُ، أَن ذلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَو يَمُوتُ. حَدِيثًا لَيسَ بِالأغَالِيطِ.

قَال أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: يَا أَبَا مَالِكٍ، مَا أَسْوَدُ مِرْبَادًا؟ قَال:

ــ

لأنه لا يصدق في أهلها أنهم لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، وإنما يصدق في قتلة عثمان، وفتنة الخوارج مع علي فما بعد اهـ.

قال حذيفة (وحدثته) أي حدثت عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ذلك الباب) المغلق الذي وراءه الفتن (رجل يقتل) ظلمًا شهيدًا (أو يموت) على فراشه، بلا تسبب أحدِ إلى موته، أما الرجل الذي يقتل فقد جاء مبينًا في الصحيح أنه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

وقوله (يقتل أو يموت) يحتمل أن يكون حذيفة سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم هكذا على الشك والمراد به الإبهام على حذيفة وغيره، ويحتمل أن يكون حذيفة علم أنه يقتل ولكنه كره أن يخاطب عمر بالقتل، فإن عمر كان يعلم أنه الباب كما جاء مبينًا في الصحيح، أن عمر كان يعلم مَنِ الباب، كما يعلم أن قبل غدِ الليلة، فأتى حذيفة بكلام يحصل منه الغرض، مع أنه ليس إخبارًا لعمر بأنه يقتل.

وقوله (حديثًا ليس بالأغاليط) منصوب على المفعولية المطلقة بحدثته، والأغاليط وكذا المغاليط: الكلم التي يغالط بها، واحدها أغلوطة ومغلطة، والمعنى حدثته حديثًا صدقًا محققًا لا غلط ولا خطأ فيه، ليس هو من صحف الكتابيين، ولا من اجتهاد ذي الرأي، بل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الطيبي: أراد أن ما ذكرت له لم يكن مبهمًا كالأغاليط، بل صرحته تصريحًا، وقال القاري: وحاصله أنه لم يكن الكلام من باب التصريح بل من قبيل الرمز والتلويح، لكن عمر ممن لا تخفى عليه الإشارة فضلًا عن العبارة، بل هو من أصحاب الأسرار وأرباب الأنوار، راجع فتح الملهم.

والحاصل أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر رضي الله عنه وهو الباب، فما دام حيًّا لا تدخل الفتن، فإذا مات دخلت الفتن، وكذا كان والله أعلم.

(قال أبو خالد) الأحمر سليمان بن حيان بالسند السابق (ذ) لما سمعت هذا الحديث من سعد بن طارق وأشكل علي معناه (قلت لسعد) طالبًا منه إزالة الإشكال عني فيه (يا أبا مالك) كنية سعد بن طارق (ما) معنى مربادًا في قوله: والآخر (أسود مربادًا

ص: 45

شِدَّةُ الْبَيَاضِ في سَوَادٍ. قَال: قُلْتُ: فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا؟ قَال: مَنْكُوسًا.

273 -

(00)(00) وحدَّثني ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأشجَعِيُّ، عَن رِبْعِيٍّ؛ قَال: لَمَّا قَدِمَ حُذَيفَةُ

ــ

قال) لي سعد: معنى الاربداد الذي أخذ منه مرباد (شدة البياض) أي البياض الشديد الموجود (في) خلال (سواد) ووسطه، ولكن يُسمى هذا بلقًا لا اربدادًا، وهذا التفسير خطأ من بعض الرواة وتصحيف منه.

قال القاضي عياض: كان بعض شيوخنا يقول إنه تصحيف، وهو قول القاضي أبي الوليد الكناني قال: أرى أن صوابه شبه البياض في سواد، وذلك أن شدة البياض في سواد لا يُسمى ربدة، وإنما يقال لها بلق إذا كان في الجسم، وحورٌ إذا كان في العين، والربدة إنما هو شيء من بياض يسير يخالط السواد كلون أكثر النعام، ومنه قيل للنعامة ربداء، فصوابه شبه البياض لا شدة البياض، والله أعلم.

(قال) أبو خالد أيضًا (قلت) لسعد بن طارق (فما) معنى مجخيًا في قوله كـ (ـالكوز مجخيًا؟ قال) سعد معنى مجخيًا (منكوسًا) أي مقلوبًا مُنْكَبًّا.

وهذا الحديث أعني حديث حذيفة بن اليمان انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد (5/ 405) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه فقال:

(273)

- متا (00)(00)(وحدثني) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني، أبو عبد الله المكي صدوق كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في (11) بابًا.

قال ابن أبي عمر (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، نزيل مكة، ثقة حافظ من الثامنة، مات قبل يوم التروية بيوم فجأة سنة (193) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا.

قال مروان بن معاوية (حدثنا أبو مالك) سعد بن طارق (الأشجعي) الكوفي، ثقة من الرابعة، مات سنة (140) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (عن ربعي) بن حراش الغطفاني العبسي، أبي مريم الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية، مات سنة مائة (100)(قال) ربعي بن حراش (لما قدم حذيفة) بن اليمان الكوفي الكوفة في انصرافه ورجوعه

ص: 46

مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، جَلَسَ فَحَدَّثَنَا. فَقَال: إِن أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَمْسِ لَمَّا جَلَسْتُ إِلَيهِ سَأَلَ أَصْحَابَهُ: أَنُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْفِتَنِ؟ . وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أبِي خَالِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ أَبِي مَالِكِ لِقَوْلِهِ:"مِرْبَادًا مُجَخِّيًا"

ــ

من المدينة (من عند عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (جلس) في حلقته، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا ابن أبي عمر فإنه عدني مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة مروان بن معاوية لأبي خالد الأحمر في رواية هذا الحديث عن سعد بن طارق، أبي مالك الأشجعي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه.

(فحدثنا) ما جرى بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما من الحوار في المدينة (فقال) حذيفة (إن أمير المؤمنين) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم، وهو أول من سُمي بأمير المؤمنين، وقوله (أمسِ) ظرف زمان متعلق بقوله (لما جلست إليه) وهو هنا اسم للزمن الماضي، لا المعنى المعروف فيه، وهو أنه اسم لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه متصلًا به، وقد بسطنا الكلام عليه بما لا مزيد عليه في كتبنا النحوية كـ "جواهر التعليمات" و"نزهة الألباب"، فالمراد بقوله (أمس) الزمن الماضي لا أمس يومه، وهو اليوم الذي يلي يوم تحديثه، لأن مراده لما قدم حذيفة الكوفة في انصرافه من المدينة من عند عمر رضي الله تعالى عنهما، والمعنى أن أمير المؤمنين لما جلست عنده في المدينة في الزمن الماضي قبل رجوعي إلى الكوفة (سأل أصحابه) أي جلساءه فقال (أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه (في الفتن وساق) أي ذكر مروان بن معاوية (الحديث) السابق، والباء في قوله (بمثل حديث أبي خالد) الأحمر زائدة، لتأكيد معنى المماثلة، ومثل بدل من الحديث، أو حال منه، أي وساق مروان مثل حديث أبي خالد، أو وساق الحديث المذكور، حالة كونه مماثلًا لحديث أبي خالد لفظًا ومعنى (ولم يذكر) مروان بن معاوية في روايته (تفسير أبي مالك لقوله مربادًا) في قوله ما أسود مربادًا، وتفسر قوله (مجخيًا) في قوله فما الكوز مجخيًا، وهذا استثناء من المماثلة في قوله: بمثل حديث أبي خالد.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه فقال:

ص: 47

274 -

(00)(00) (وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَثَّى، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمِ الْعَمِّي، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيمَانَ التيمِيِّ، عَنْ نُعَيمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ،

ــ

(274)

- متا (00)(00)(وحدثني محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنَزيُّ - بفتح النون وبالزاي - أبو موسى البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في (14) بابًا تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (عمرو بن علي) بن بحر بن كُنَيز - بنون وزاي - مصغرًا، الباهلي الصيرفي، أبو حفص البصري المعروف بالفلاس، روى عن ابن أبي عدي في الإيمان وغيره، وبشر بن المفضل في الوضوء، ومحمد بن جعفر غندر في الصلاة وغيرها، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى في النكاح، ويروي عنه (ع) وأحمد بن الحسن بن خراش، وزهير بن حرب، والحسن الحلواني، وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات في آخر ذي القعدة بالعسكر سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (عقبة بن مكرم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه على صيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بني عم، أبو عبد الملك البصري، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

(قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي مولاهم، أبو عمرو البصري، وثقه أبو حاتم والنسائي، ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا.

(عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أي المنسوب إلى تيم لكونه نازلًا فيهم، أبي المعتمر البصري، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (143) وله (99) سنة، روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا (عن نعيم) مصغرًا (بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي الكوفي، وهو ابن عم سالم بن أبي الجعد، وابن عم أبي مالك الأشجعي، روى عن ربعي بن حراش في الإيمان والبيوع والفتن، وأبي حازم سلمان في قصة أبي جهل، ويروي عنه (م ت س ق) وسليمان التيمي، ومغيرة بن مقسم، وشعبة، وغيرهم، وثقه

ص: 48

عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ أَن عُمَرَ قَال: مَنْ يُحَدِّثُنَا، أَوْ قَال: أَنُّكُمْ يُحَدِّثُنَا (وَفِيهِمْ حُذَيفَةُ) مَا قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْفِتْنَةِ؟ قَال حُذَيفَةُ: أَنَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَنَحْو حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَال في الْحَدِيثِ: قَال حُذَيفَةُ: حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيسَ بِالأغَالِيطِ. وقَال: يَعْنِي أَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

النسائي، وقال في التقريب: ثقة رمي بالنصب من الرابعة، مات سنة (110) عشر ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا.

(عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي، ثقة من الثانية (عن حذيفة) بن اليمان الكوفي، صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة نعيم بن أبي هند لأبي مالك الأشجعي في رواية هذا الحديث عن ربعي بن حراش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان أن له علوًا ونزولًا في السند.

(أن عمر) بن الخطاب (قال) لجلسائه في المدينة (من يحدثنا أو قال) عمر (أيكم يحدثنا) والشك من حذيفة أو ممن دونه، وقوله (وفيهم) أي وفي جلساء عمر وأصحابه (حذيفة) بن اليمان، كلام مدرج أدرجه ربعي أو من دونه، أي قال عمر: من يحدثنا (ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في) شأن (الفتنة) التي ستقع بين المسلمين (قال حذيفة أنا) أحدثكموها لأني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وساق) نعيم بن أبي هند (الحديث) السابق (كنحو) أي مثل نحو (حديث أبي مالك) الأشجعي (عن ربعي) بن حراش (و) لكن (قال) نعيم بن أبي هند (في) رواية هذا (الحديث: قال حذيفة حدثته) أي حدثت عمر (حديثًا ليس بالأغاليط) والأخطاء (وقال) ربعي بن حراش (يعني) حذيفة بقوله حدثته حديثًا ليس بالأغاليط (أنه) أي أن حذيفة حدثه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن الصحف ولا عن الرأي، وللإشارة إلى هذه الزيادة الواقعة في رواية نعيم وهي قوله (يعني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الكاف، ونحو في قوله كنحو حيث لم يقتصر على نحو أو على مثل فما هنا موافقة مع الزيادة في المتابعة، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديثًا واحدًا وهو حديث حذيفة بن اليمان، ولكن ذكر فيه متابعتين.

ص: 49