المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌86 - (45) باب: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره، واستخراج حظ الشيطان من قلبه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌86 - (45) باب: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره، واستخراج حظ الشيطان من قلبه

‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

315 -

(154)(77) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا لسُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُتِيتُ فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى زَمْزَمَ فَشُرِحَ عَنْ صَدْرِي،

ــ

86 -

(45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الواردة في بيان شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره وهو في بني سعد عند مرضعته السيدة حليمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها لأن شق المصدر وقع له مرتين مرة في صغره وهو عند حليمة السعدية ومرة في اكتهاله بعد النبوة عند الإسراء، وقيل ثلاث مرات.

(315)

- (154)(77)(حدثنا عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي سكن نيسابور ثقة صاحب حديث من صغار العاشرة مات سنة (255) روى عنه في (9) أبواب، قال عبد الله (حدثنا بهز بن أسد) العمي بالعين أبو الأسود البصري، قال أبو حاتم: إمام صدوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات بعد المائتين وقيل قبلها روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال بهز (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، قال ابن معين: ثقة ثقة، وقال أحمد: ثبت ثبت، وقال في التقريب: ثقة من السابعة (7) مات سنة (165) خمس وستين ومائة روى عنه في تسعة (9) أبواب، قال سليمان (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبو محمد البصري ثقة من (4) الرابعة، روى عنه في ثلاثة عشر (13) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا عبد الله بن هاشم فإنه طوسي أو نيسابوري (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أتاني ملائكة ربي جبريل ومن معه وأنا في بني سعد عند حليمة السعدية رضي الله تعالى عنها فأخذوني (فانطلقوا بي) أي ذهبوا بي (إلى) مكة موضع (زمزم فشرح) أي فشق (عن صدري)

ص: 181

ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُنْزِلْتُ"

ــ

وأخرج قلبي (ثم غسل) قلبي (بماء زمزم) فردوني إلى بني سعد عند مرضعتي (ثم أنزلت) على صيغة المجهول أي تركت عند مرضعتي، وإنما فسرنا كذلك ليوافق الحديث الذي بعده.

قال الأبي: هذا الحديث ظاهره أن الشرح كان بمكة وفي حال الصغر، وفي الحديث الذي يليه أنه كان وهو يلعب مع الغلمان ببني سعد حوالي مكة، ويأتي في حديث:"فرج سقف بيتي" أنه كان ليلة الإسراء، فأما الجمع بين الأول والثاني فقد قال القاضي عياض: حديث وهو ببني سعد أصح، وإن صح أن الغَسل بمكة فيجمع بأن تكون الملائكة عليهم السلام أخذته من بني سعد وذهبت به صلى الله عليه وسلم إلى مكة لغَسله بماء زمزم فغسلوه فردوه إلى موضع أخذه من بني سعد، وأما الجمع بينهما وبين الثالث فقد أجاب السهيلي: بأن شق المصدر كان مرتين مرة في الصغر للتطهير من مغمز الشيطان حتى لا يلتبس بشيء من المعايب وحتى لا يكون في قلبه إلا التوحيد، ومرة في الاكتهال وبعد النبوة عندما أراد رفعه إلى حضرة القدس لتلقي فرض الصلاة ويصلي بملائكة السماء ومن شأن الصلاة الطهور فطهر ظاهرًا وباطنًا. اهـ أبي.

قوله (ثم غسل بماء زمزم) قال الأبي: تخصيص الغسل به يشهد لفضيلته على غيره وحق له لأنه من تفجير جبريل عليه السلام لأم إسماعيل حين خافت عليه العطش، وذلك أن إبراهيم عليه السلام لما أراد تركها بمكة والرجوع إلى الشام، قالت: أعن أمر من الله تعالى تتركني بخلاء من الأرض قال: نعم، قالت: فإذًا لا أضيع، ثم جعلت تقف على الصفا مرة وعلى المروة أخرى تطلع هل ترى مارًا فرجعت وقد فجر جبريل عليه السلام بعقبه زمزم فلما وليت جرهم الحرم بعد إسماعيل عليه السلام وأحدثوا فيه الحوادث وأراد الله سبحانه إخراجهم منه عمد الحارث بن مُضاض الأصغر آخر ملوكهم حين علم أنه يُخرج إلى مال الكعبة فدفنه ليلًا بزمزم وعفى أثره بالتراب، وكان في المال غزالان من ذهب وأسياف كان من ساسان أو سابور من ملوك الفرس أهداها إلى الكعبة، فلم تزل كذلك دارسة الأثر إلى أن أراد الله سبحانه إظهار مائها قرب ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عبد المطلب الرؤيا التي أمر فيها بحفرها ودل على موضعها بأمارات ذكرت له في رؤياه فحفر فظهرت فلم ينزف إلى الآن، قال السهيلي: وكان سقط فيها حبشي فنزفت من أجله فوجد ماؤها يفور من ثلاثة أعين أكثرها ماء التي تلي الحجر

ص: 182

316 -

(00)(00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِت الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ

ــ

الأسود، وقوله (ثم أنزلت) قال القاضي: رويناه عن الأكثر بضم الهمزة والتاء، فقال القاضي الوقشي- وكان معتنيًا بالألفاظ المشكلة متجاسرًا على إصلاحها برأيه: وهو تصحيف وصوابه: (تركت) إذ لا معنى لأنزلت، فعرضت قوله على شيخنا الحافظ ابن سرَّاج فقال: هذا تكلف وأنزلت بمعنى تركت معروف لغة ثم ظهر لي بعد ذلك أن أنزلت على بابها من الوضع بعد الرفع لأن معنى انطلقوا بي إلى حيث شقوا المصدر ثم ردوه وأنزلوه في الموضع الذي حمل منه ولم أزل أنا وغيري نعد هذا وما قبله من غرائب المعاني ودقائق كشف المشكلات حتى أوقفتني المطالعة على ما هو الجلاء فيه فإذا الحديث مقتطف من حديث طويل اقتصر فيه الراوي على ما ذكر في الأم وأحال على بقية الحديث وذلك يوجب أن تكون اللفظة مضبوطة بضم الهمزة وسكون التاء لأن البرقاني ذكر الحديث بطوله بسند مسلم قال فيه: "ثم أنزلت طست مملوءة حكمة وإيمانًا ثم حشي صدري بها" ثم ذكر بقية الحديث فاقتصر في الأم على (أنزلت) اهـ إكمال المعلم.

وهذا الحديث أيضًا من أفراد مسلم رحمه الله تعالى، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله تعالى عنه فقال:

(316)

- (. . .)(. . .)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأبلي ثقة من (9) قال شيبان: (حدثنا حماد بن سلمة) الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة من (8)(حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) مولاهم نسبة إلى بنانة قبيلة معروفة أبو محمد البصري ثقة من (4)(عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ فإنه أبلي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن المغيرة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني، وفائدة المتابعة بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم صغير يلعب (مع الغلمان) أي مع غلمان بني سعد (فأخذه) أي فأخذ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسكه من بين الغلمان

ص: 183

فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَال: هَذَا حَظُّ الشَّيطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبِ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ

ــ

(فصرعه) أي أسقطه على الأرض بلين ورفق، إذ صرع كل شيء بحسبه وهذا نص في أن الشق كان في بني سعد وقد تقدم الجمع بينه وبين الحديث السابق (فشق) صدره صلى الله عليه وسلم (عن قلبه) وفتحه (فاستخرج القلب) أي فأخرج قلبه من داخل المصدر فالسين والتاء زائدتان (فاستخرج) أي فأخرج (منه) أي من داخل القلب (علقة) أي قطعة دم متجمد فرماها عنه، قال القرطبي: والعلق الدم وهذه العلقة المنتزعة عنه هي القابلة للوساوس والمحركة للشهوات فأزيل ذلك عنه وبذلك أعين على شيطانه حتى سلم منه. اهـ وقال السهيلي: هذه العلقة يحتمل أنها الجزء الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا من عيسى وأمه عليهما السلام لقول أمها {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} ولا يدل ذلك أن عيسى عليه السلام أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أزيل ذلك عنه وغسل أثره وملئ حكمة وإيمانًا، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنها الجزء الذي يعلق بحب الدنيا وميل الشهوات ويعرض له السهو والنسيان وغير ذلك من طرق الشيطان، ويحتمل أنها الجزء القابل للوسوسة بتقدير العزيز العليم فطرح ثم غسل أثره حتى لا يجد الشيطان إليه سبيلًا كما طرحت عن يحيى عليه السلام شهوة النساء. اهـ وقال أيضًا: وإزالة حظ الشيطان يدل على عصمته منه في العلم والجسم وغير ذلك (فقال) جبريل عليه السلام (هذا) الجزء المخرج منك (حظ الشيطان) أي مركز تسلط الشيطان ومحل وسوسته (منك) أي من قلبك (ثم غسله) أي غسل قلبه صلى الله عليه وسلم من أثر تلك العلقة ودمها (في طست) بفتح الطاء وإسكان السين المهملتين إناء معروف وهي مؤنثة، وحكى القاضي كسر الطاء لغة والمشهور الفتح أي في إناء (من ذهب بماء زمزم ثم لأمه) بوزن ضربه أي ضم القلب المشقوق بعضه إلى بعض وجمعه وليس في هذا ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا فإن هذا فعل الملائكة الكرام واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأنه كان في أول الأمر قبل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم أواني الذهب والفضة (ثم أعاده) أي أعاد جبريل قلبه صلى الله عليه وسلم (في مكانه) أي في مكان القلب داخل الصدر وخاطه كما يفهم من كلام أنس الآتي بقوله "قد كنت

ص: 184

وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا: إِن مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ. قَال أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ

ــ

أرى أثر المخيط في صدره" (وجاء الغلمان) الذين كانوا يلعبون معه حين صرع حالة كونهم (يسعون) أي يعدون ويسرعون في المشي (إلى أمه) صلى الله عليه وسلم متعلق بـ (جاء)، وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بأمه (ظئره) أي مرضعته حليمة السعدية لا والدته آمنة الزهرية، تفسير مدرج من الراوي وهو بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة: وهي المرضعة، ويقال أيضًا لزوج المرضعة ظئر (فقالوا) أي قال الغلمان لمرضعته (أن محمدًا قد) صرع و (قتل) قتله جماعة لا نعرفهم (فاستقبلوه) صلى الله عليه وسلم أي جاءت حليمة وأهل بيتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (منتقع اللون) بالقاف المفتوحة أي متغير اللون لفزع وحزن حتى أشبه النقع أي التراب، قال الهروي: يقال انتقع لونه، وامتقع، والتمع بالعين المهملة، واستنقع، وانتسف بالسين المهملة، وانتشر، والتهم، والتمغ بالغين المعجمة، وانتشف بالشين المعجمة، وابتسر، كلها ألفاظ مترادفة معناها تغير لونه من حزن أو فزع. اهـ أبي بتصرف.

(قال أنس) بن مالك راوي الحديث رضي الله عنه (وقد كنت) في زمن حياته صلى الله عليه وسلم (أرى) وأبصر بعيني (أثر ذلك المخيط) الذي خاط به جبريل صدره صلى الله عليه وسلم أي أمارة الخياطة وعلامتها (في صدره) صلى الله عليه وسلم والمخيط بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء: الإبرة أو ما يخاط به وهو الخيط والإبرة.

وفي هذا دليل على جواز نظر الرجل إلى صدر الرجل ولا خلاف في جوازه، وكذا يجوز أن ينظر إلى ما فوق سرته وتحت ركبته إلا أن ينظر بشهوة فإنه يحرم النظر بشهوة إلى كل آدمي إلا الزوج لزوجته ومملوكته وكذا هما إليه، وإلا أن يكون المنظور إليه أمرد حسن الصورة فإنه يحرم النظر إليه وإلى وجهه وسائر بدنه سواء كان بشهوة أو بغيرها إلا أن يكون لحاجة [البيع] والشراء والتطبيب والتعليم ونحوها والله أعلم. اهـ نواوي.

وعبارة المفهم هنا وهذا الحديث محمول على ظاهره وحقيقته إذ لا إحالة في متنه عقلًا ولا يستبعد من حيث إن شق المصدر وإخراج القلب موجب للموت فإن ذلك أمر

ص: 185

317 -

(00)(00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأيلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ قَال:

ــ

عادي، وكانت جل أحواله صلى الله عليه وسلم خارقة للعادة إما معجزة وإما كرامة، وقال بعضهم: وهذا الشق إشارة إلى ما كثر في أمته في آخر الزمان من العمليات الباطنية المستغربة التي أوصل إليها العلم الحديث. اهـ

وقال القرطبي أيضًا: وهذا الشق المذكور في حديث أنس رضي الله عنه هو غير الشق المذكور في حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة الآتي بدليل اختلاف الزمانين والمكانين والحالين، أما الزمانان فالأول في صغره والثاني في كبره، وأما المكانان فالأول كان ببعض جهات مكة عند مرضعته والثاني عند البيت، وأما الحالان فالأول نزع من قلبه ما كان يضره وغسل وهو إشارة إلى عصمته والثاني غسل وملئ حكمة وإيمانًا وهو إشارة إلى التهيؤ إلى مشاهدته ما شاء الله أن يشهده، ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك كان مرة واحدة في صغره وأخذ يُغلِّط بعضَ الرواة الذين رووا أحد الخبرين فإن الغلط به أليق والوهم منه أقرب، فإن رواة الحديثين أئمة مشاهير حفاظ ولا إحالة في شيء مما ذكروه ولا معارضة بينهما ولا تناقض فصح ما قلناه وبهذا قال جماعة من العلماء منهم القاضي المهلب بن أبي صفرة في شرح مختصر صحيح البخاري، والله تعالى أعلم.

وحديث أنس هذا بهذا اللفظ شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 288) والنسائي (1/ 224 - 225) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال:

(317)

- (. . .)(. . .)(حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر ثقة من العاشرة مات سنة (253) روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، قال هارون (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ عابد من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (أخبرني سليمان) بن بلال القرشي التيمي أبو محمد أو أبو أيوب المدني ثقة من الثامنة مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة روى عنه في (13) ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن بلال) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل ذكرها من عند نفسه إيضاحًا للراوي (قال) سليمان

ص: 186

حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ؛ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَسَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ. وَقَدَّمَ فِيهِ شَيئًا وَأَخَّرَ. وَزَادَ وَنَقَصَ

ــ

(حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر) أبو عبد الله القرشي المدني روى عن أنس بن مالك في الإيمان والصلاة، وعبد الرحمن بن أبي سعيد في الوضوء وكريب في الصلاة والجنائز وعطاء بن يسار في الجنائز والزكاة وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الزكاة، وعبد الله بن أبي عتيق في الأطعمة، وسعيد بن المسيب في الفضائل، ويروي عنه (خ م د س ق) ومالك والثوري ومحمد وإسماعيل ابنا جعفر بن أبي كثير وسليمان بن بلال، قال أحمد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الخامسة مات سنة أربعين ومائة (140) روى عنه في (7) أبواب (قال) شريك (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة شريك لثابت البناني في رواية هذا الحديث عن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر من الحديث ما فيه المخالفة بين الروايتين؛ أي سمعت أنسًا حالة كونه (يحدثنا عن) قصة (ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة) المشرفة إلى المسجد الأقصى أي يحدثنا (أنه) أي أن الشأن والحال (جاءه) صلى الله عليه وسلم (ثلاثة نفر) أفرد التمييز على غير قياس لأن القياس جمع تمييز الآحاد بأن يقال ثلاثة أنفار (قبل أن يوحى إليه وهو) صلى الله عليه وسلم (نائم في المسجد الحرام وساق) شريك (نحو حديث ثابت البناني وقدم) شريك (فيه) أي في النحو الذي حدثه (شيئًا) من الحديث على محله في رواية غيره (وأخر) شيئًا آخر منه عن محله (وزاد) شيئًا فيه (ونقص) عنه شيئًا ففي روايته مخالفة لرواية غيره بالتقديم والتأخير والزيادة والنقص.

قال القاضي عياض: حديث شريك وقعت فيه أوهام أنكرها العلماء، وقد نبه على ذلك مسلم بقوله (وزاد ونقص) منها قوله (وذلك قبل أن يوحى إليه) فإنه غلط لأنهم اتفقوا على أن الإسراء كان بعد البعثة، قال الزهري: بخمس سنين، وقال الذهبي: بخمسة عشر شهرًا، وقال ابن إسحاق: أسري به وقد انتشر الإسلام بمكة والقبائل،

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: قبل الهجرة بسنة، وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق لأنهم اتفقوا على أن خديجة صلت الصلاة بعد فرضها وأنها ماتت بعد فرضها وأنها ماتت قبل الهجرة قيل بثلاث سنين وقيل بخمس، ومنها قوله (وانطلقوا بي إلى زمزم) مع ذكره في الحديث المتقدم أن ذلك فعل به وهو ببني سعد وهو أصح من أنه كان بمكة، وقد جود حماد الحديث عن ثابت عن أنس وفصله وجعله حديثين وجعل حديث شق الصدر في الصغر وحديث الإسراء بعد ذلك بمكة وهو المشهور والصحيح.

قال الأبي: قد تقدم الجمع بين الحديثين والتحقيق أنه قد تقدم لثابت عن أنس حديث الإسراء وحديث شق الصدر فقول مسلم وساق الحديث بقصته بمعنى حديث ثابت إن عنى حديث ثابت في الإسراء أشكل حديث شريك من ذكره أنه كان قبل أن يوحى إليه ولم يشكل من قوله (ثلاثة نفر) ولا من قوله (وهو نائم) لاحتمال أن يكون ذلك في بدء الأمر ثم جاؤوه، وإن عنى حديث شق الصدر أشكل من ذكره أنه كان بمكة وأنه وهو نائم وشق الصدر إنما كان وهو ببني سعد ولا يجاب بما يجاب به في حديث (فرج سقف بيتي). اهـ

ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلا حديث أنس رضي الله تعالى عنه وذكر فيه ثلاث متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 188