المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌85 - (44) باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات الخمس التي هي أحد أركان في الإسلام - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌85 - (44) باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات الخمس التي هي أحد أركان في الإسلام

‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

ــ

85 -

(44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث التي تبين بإسرائه صلى الله عليه وسلم ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالبراق مع جبرائيل وموكب من الملائكة ثم عروجه إلى السماوات السبع وفرض الصلوات الخمس التي هي أحد أركان الإسلام عليه وعلى أمته في تلك الليلة، وبهذا التقدير دخل هذا الباب تحت ترجمة كتاب الإيمان والله أعلم.

والإسراء لغة: مصدر أسرى الرباعي وهو السير ليلًا خاصة، وشرعًا: سيره صلى الله عليه وسلم ليلًا من مكة إلى بيت المقدس بالبراق ليعرج إلى السماوات من بيت المقدس لأن أبواب السماوات في حياله، قال الأبي: يقال في فعله سرى أو أسرى بمعنى، واتفق القراء على القراءة باسرى الرباعي، والمحدثون على الترجمة بالإسراء مصدره دون السرى مصدر الثلاثي، قال السهيلي: وإنما فعلوا ذلك لأن الثلاثي قاصر وتعدية القاصر بالباء تقتضي شركة الفاعل مفعوله في الفعل فإذا قلت: قعدت بزيد فالمعنى أنك قعدت معه وجذبته إلى الأرض، وتعديته بالهمزة لا تقتضي ذلك فإذا قلت: أقعدت زيدًا فالمعنى أنك جعلته يقعد بنفسه فلو وقعت القراءة والترجمة بالثلاثي المعدى بالباء لأوهم شركة الله سبحانه وتعالى عبده في السرى ويستحيل أن يشرك الله سبحانه عبده في السرى، والمفعول في الآية محذوف والتقدير أسرى البراقَ بعبده أي جعله يسري به وحذف لأن المقصود ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا الدابة ولا يعترض بقوله تعالي:{ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} لأنه مجاز والمعنى أذهب الله بنورهم. اهـ

قال النواوي: وقد لخص القاضي عياض رحمه الله تعالى في الإسراء جملًا حسنة نفيسة فقال: اختلف الناس في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم عامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده صلى الله عليه وسلم والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل.

ص: 166

314 -

(153)(76) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ،

ــ

وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص منها قوله (قبل أن يوحى إليه) وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه إنه كان بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهرًا، وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، وقال الزهري: كان ذلك بعد مجثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وقال ابن إسحاق: أسري به صلى الله عليه وسلم وقد فشا الإسلام بمكة وفي القبائل وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله تعالى عنها صلت معه صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل بثلاث سنين وقيل بخمس، ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه وأما قوله في رواية شريك (وهو نائم) في الرواية الأخرى:"بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان"، فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه وليس في الحديث ما يدل على كونه نائمًا في القصة كلها هذا كلام القاضي رحمه الله تعالى، وهذا الذي قاله في رواية شريك وأن أهل العلم أنكروها قد قاله غيره.

وقد ذكر البخاري رحمه الله تعالى رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد من صحيحه وأتى بالحديث مطولًا، قال الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية: هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بالفاظ غير معروفة وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث، قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها هذا كلام الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى. اهـ نووي.

(314)

- (153)(76)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأبلي، قال أحمد: ثقة وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالقدر، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، من صغار التاسعة مات سنة (236) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال

ص: 167

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتْ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ (وَهُوَ

ــ

شيبان (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا، قال حماد (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) مولاهم أبو محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري مات بالبصرة سنة (93) وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ فإنه أبلي بضمتين ثم لام مشددة مكسورة.

أي حدثنا ثابت عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت) على صيغة المبني للمجهول وتاء المتكلم نائب فاعله (بالبراق) بضم الباء الموحدة اسم للدابة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، قال الزبيدي وصاحب التحرير: هي دابة كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يركبونها وهذا الذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح.

قال الأبي: جاء في الحديث أنه لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوبه شمس أي نفر فقال جبريل: ألا تستحي يا براق ما ركبك قبله أكرم على الله منه، قال ابن بطال في شرح البخاري: وإنما شمس لبعد عهده بالأنبياء عليهم السلام وطول الفترة بينه وبين عيسى عليهما السلام فهو على هذا واحد بالشخص اشترك في ركوبه الجميع، قال السنوسي وقال غيره: إنما شمس أي نفر نشاطًا وفرحًا بركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فصار يلعب يقبل ويدبر ولم يضبط نفسه من شدة الفرح، قال ابن دريد: واشتقاقه من البرق لسرعته، وقيل سمي بذلك لشدة صفائه وتلألئه وبريقه، وقيل غير ذلك، وفي صفة البراق أقوال أحسنها أن وجهه كوجه إنسان وصدره ياقوتة حمراء وظهره درة بيضاء وعليه رحل من رحال الجنة وله جناحان يطير بهما كالبرق. اهـ سنوسي. كذا قالوا والله أعلم بحقيقتها.

أي أتاني جبريل عليه السلام بالبراق من الجنة وقوله (وهو) أي البراق ذكره باعتبار

ص: 168

دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَويلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) قَال: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيتُ بَيتَ الْمَقْدِسِ .. فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. قَال: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيتُ فِيهِ رَكْعَتَينِ،

ــ

المرجع (دابة أبيض) ذكر الوصف ولم يقل بيضاء اعتبارًا بمعنى البراق وكذا قوله (طويل) ولو نظر لفظ دابة لقال طويلة (فوق الحمار) في الكبر (ودون البغل) في الصغر (يضع حافره) أي طرف رجله الذي هو بمنزلة قدم الإنسان في الدابة (عند منتهى طرفه) أي عند نهاية بصره والطرف بسكون الراء البصر يعني أنه سريع بعيد الخطو تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم أو من الراوي على طريق النقل.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فركبته) أي ركبت البراق ومشيت به (حتى أتيت بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وبضم الميم وفتح القاف وشد الدال لغتان مشهورتان فعلى التخفيف يحتمل أنه مصدر كالمرجع أي بيت القدس والطهر الذي قدس وطهر عن أن يعبد فيه الأصنام ويحتمل أنه اسم مكان أي بيت المكان الذي فيه التقديس أي الطهارة إما من الأصنام أو من الذنوب (فريطته) أي ربطت البراق وقيدته بالحبل، يقال ربط من باب ضرب يربط ربطًا (بالحلفة) أي بحلقة باب مسجد بيت المقدس قاله صاحب التحرير، والمشهور في الحلقة سكون اللام وحكى الجوهري فيها الفتح، وجمعها على السكون حلق بفتح الحاء وكسرها وعلى الفتح حلق وحلقات، وفي ربطه دليل على أن اتخاذ الأسباب والاحتياط في الأمور لا ينافي التوكل وقوله (التي) صفة للحلقة (يربط) بالياء التحتانية وفي نسخة (تربط) بالفوقية وكلاهما صحيح من حيث العربية على تأويل الجمع أو الجماعة وذكَر الضميرُ في قوله (به) مع عوده إلى الحلقة على تأويلها بالحديد والحلقة ما يدخل فيه الغلق أي فربطته بالحديد الذي يَربط به (الأنبياء) أي أنبياء الأمم السابقة دوابهم أو براقهم على ما قيل إذا جاؤوا مسجد بيت المقدس لزيارته.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ربطها بالحلقة (دخلت المسجد) أي مسجد بيت المقدس (فصليت فيه) أي في المسجد (ركعتين) تحيته، قال الأبي: وفي السير أنه وجد فيه نفرًا من الأنبياء فصلى بهم، وفي الترمذي عن حذيفة أنه أنكر أن يكون صلى فيه، وقال: ما زايل ظهر البراق حتى رأى الجنة والنار وما وعده الله تعالى ثم رجع

ص: 169

ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام بِإنَاءٍ مِنْ خَمْرِ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاختَرْتُ اللَّبَنَ. فَقَال جِبْرِيلُ عليه السلام: اخْتَرْتَ الْفِطرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟

ــ

إلى الأرض، وقال السهيلي: ثبتت رواية أنه صلى بهم عند الأكثر وهي مقدمة على رواية من نفى (ثم) بعد فراغي من صلاة ركعتين (خرجت) من المسجد (فجاءني جبريل عليه السلام حين أخذني من العطش أشد ما أخذني (بإناء) مملوء (من خمر وإناء) مملوء (من لبن) شبه ضيافة القادم فخيرني بينهما (فاخترت اللبن) أي إناءه فاخذته، وقد جاء في بعض الروايات أنه خيره فاختار اللبن (فقال) لي (جبريل عليه السلام اخترت الفطرة) أي الخلقة الأصلية وهي فطرة الإسلام أو الاستقامة أو الحنيفية، قال: وفسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة وجعل اللبن علامة عليها لكونه سهلًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين سليم العاقبة، بخلاف الخمر فإنها أم الخبائث وجامعة لأنواع الشر في الحال والمآل، وقال القاضي: لما كان اللبن حلالًا والخمر حرامًا صوب جبريل إيثاره اللبن، وفيه نظر لأن هذه الخمر ليست بحرام لأنها إن كانت من خمر الجنة فواضح وإن كانت من خمر الدنيا فلم تكن حينئذ حرمت لأنها إنما حرمت عام خيبر والله أعلم (ثم) بعد ما اخترت اللبن وشربته (عرج) بفتح العين والراء من باب قعد أي صعد (بنا) جبريل عليه السلام (إلى السماء) أي إلى سماء الدنيا، وتسمى برفيع مصغرًا وهي موج مكفوف، سميت بسماء الدنيا لدنوها وقربها إلى الأرض (فاستفتح) أي فطلب (جبريل) عليه السلام فتح باب سماء الدنيا من خازنها بدقه (فقيل) له أي فقال خازن سماء الدنيا لجبريل (من أنت) أي من المستفتح للباب بدقه وفي قوله (فاستفتح) أن للسماء أبوابًا وبوابين يحفظونها حقيقة، وفيه مشروعية الاستئذان بدق الباب (قال) جبريل عليه السلام للخازن أنا (جبريل) وفي قوله (أنا جبريل) بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت؟ فينبغي أن يقول: أنا زيد، مثلًا إذا كان اسمه زيدًا ولا يقول أنا لصحة النهي عن أن يقول أنا لما فيه من الإبهام فلا فائدة فيه (قيل) لجبريل (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه) أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض: وفي

ص: 170

قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عليه السلام. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ، فَفُتِحَ لَنَا،

ــ

قول الملك (أو قد بعث إليه؟ ) دليل على أن الملائكة عليهم السلام لا تعلم من الوحي المنزل إلا ما أعلموا بنزوله لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليه منذ مدة، وقيل معنى (أوبعث إليه) أي للعروج لأن إرساله كان مستفيضًا في السماء، وقيل إنهم كانوا يعلمون أنه يرسل وأما في أي وقت فلا، قال الأبي: قال السهيلي: يؤيد أنه للعروج تعدية الفعل بإلى وإلا لقيل أوبعث على أن في رواية أنس أن ملائكة سماء الدنيا قالوا: أوبعث ولم يثبت أنهم قالوه إلا في رواية أنس. اهـ

قال النواوي: قول الملك (وقد بعث إليه) أي للإسراء وصعود السماوات وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة فهذا هو الصحيح والله أعلم. اهـ

(قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) الباب أي فتحه الخازن لأجلنا، قال الأبي: فتحه الباب دون استئذان من الرب سبحانه يدل على أنه قدم له الإذن في ذلك وإلا فمن وكل إليه حفظ باب لا يفتحه إلا بإذن (فـ) لما فتح لنا وعلونا السماء (إذا أنا) راء (بآدم) أبي البشر عليه السلام (فـ) لما رآني آدم عليه السلام (رحب بي) أي قال لي مرحبًا أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة تقال عند تأنيس القادم (ودعا لي بخير) الدنيا والآخرة، ولقاؤه آدم عليه السلام يدل على أنه لقي الأرواح إلا في عيسى عليه السلام ويحتمل أنه لقي الأجساد (ثم عرج) وصعد (بنا) جبريل عليه السلام من السماء الدنيا (إلى السماء الثانية) وتسمى بـ (أرفلون) وهي من مرمرة بيضاء، وما بين سماء الدنيا والأرض خمس مائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة، والإتيان بضمير الجمع في قوله (بنا) يدل على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كانا كلما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا سماء أخرى (فاستفتح جبريل عليه السلام) أي طلب فتح باب السماء الثانية من خازنها بدقه (فقيل) لجبريل (من أنت؟ ) الذي يدق الباب (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه) للعروج (قال) جبريل (قد بعث إليه) للعروج (ففتح لنا) باب السماء

ص: 171

فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيرِ، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. فَاستَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ،

ــ

الثانية (فـ) لما علونا السماء الثانية (إذا أنا) راءٍ (بابني الخالة عيسى ابن مريم وبحيى بن زكرياء صلوات الله) تعالي وسلامه (عليهما) وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أي بابنين يقال لكل واحد منهما هو ابن خالة الآخر لأن أم مريم حنة بنت فاقوذا وأم يحيى إيشاع بنت فاقوذا وفي الحقيقة أم يحيى خالة لمريم لا لعيسى، قال الأزهري: قال ابن السكيت: يقال هما ابنا عم ولا يقال ابنا خال، ويقال هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة، قال الأبي وفي العتبية: قال مالك: بلغني أن عيسى ويحيى ابنا خالة وأن حملهما كان معًا ولكن يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر وأن أم يحيى قالت لمريم: إني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك لتفضيله بما أوتي من الآيات من إحياء الموتى وغيره ولم تكن ليحيى عيشة إلا عشب الأرض وإنه كان يبكي من خشية الله حتى لو كان على خده القار لأذابه دهان بخده للدموع لمجرى، والحديث وما في العتبية يردان ما قيل إن أم يحيى خالة لمريم لا لعيسى. اهـ منه.

(فرحبا) بي أي قالا لي مرحبًا أي صادفت رحبًا وسعة لا ضيقًا (ودعوا لي بخير) عظيم، وذكر صلى الله عليه وسلم في باقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم نحوه ففيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة. اهـ نواوي (ثم عرج بي جبريل إلى السماء الثالثة) وتسمى بـ (قيدوم) وهي من حديد وفي أكثر النسخ (ثم عرج بنا) بضمير الجمع وهو أوفق للسياق وفي هذه النسخة أفرد الضمير نظرًا إلى أنه المقصود بالعروج (فاستفتح جبريل) من خازنها (فقيل) له (من أنت؟ قال) أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد صلى الله عليه وسلم، قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء الثالثة (فـ) لما فتح لنا وعلونا عليها (إذا أنا) راء (بيوسف) بن يعقوب عليهما السلام و (إذا هو) أي يوسف (قد أعطي) وألبس (شطر الحسن) ونصف الجمال

ص: 172

فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. ثَمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عليه السلام. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قَال: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. قَال اللهُ عز وجل:{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}

ــ

كأن الجمال جزئ نصفين فأعطي أحدهما وقسم النصف الآخر بين أولاد آدم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعطي الجمال الكامل، ويذكر عن الشيخ الفقيه العارف أبي محمد المرجاني أنه كان يقول في هذا الموضع: لا يقسم الفريضة إلا من يعرف عولها، فلولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي كل الحسن لم يعرف شطره. اهـ من الأبي، وفيه أيضًا (فإن قلت) وصفه يوسف عليه السلام بالحسن يدل أن الذي لقي الأجساد (قلت) الصحيح في الروح أنها جسم لطيف فتوصف بالحسن كما يوصف الجسد به. اهـ. (فرحب) بي يوسف عليه السلام (ودعا لي بخير) عظيم (ثم عرج بنا) جبريل عليه السلام (إلى السماء الرابعة) وتسمى بـ (الماعون) وهي من نحاس (فاستفتح جبريل عليه السلام) خازنها (قيل) لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قال) خازن الباب أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل نعم (قد بعث إليه ففتح لنا) الباب (فـ) لما علونا على السماء الرابعة (إذا أنا) راء (بإدريس) بن يرد بن مهلايل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو أول من خاط الثياب وقبله يلبسون الجلود (فرحب) بي إدريس (ودعا لي بخير، قال الله عز وجل في ذكر شأن إدريس ({وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}) أي رفعنا إدريس إلى مكان عال هو السماء الرابعة، قال الأبي: قال بعضهم: خص بأنه رفع إلى السماء الرابعة كما رفع عيسى إلى السماء إلا أنه مات في السماء الرابعة ولم يمت عيسى، وسبب رفعه فيما ذكر ابن عباس وغيره أنه كان له خليل من الملائكة فرفعه على جناحه بإذن الله سبحانه إلى السماء الرابعة فلقي بها ملك الموت فقال له: قيل لي اهبط إلى الرابعة واقبض بها روح إدريس وما أدري كيف؟ فقال له الملك الصاعد: هذا إدريس معي فقبض روحه، وقال مجاهد وغيره: إنه لم يمت والحديث نص أن هذا كان في الرابعة، وعن ابن عباس أن ذلك كان في السادسة، وثبت ذلك في بعض روايات حديث الإسراء، وقال جماعة: المراد بالرفع رفع المنزلة وهو في السماء كغيره من الأنبياء عليهم السلام. اهـ أبي

ص: 173

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ. فَاسْتَفْتَحَ جِبرِيلُ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ عليه السلام، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيبر. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عليه السلام. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عليه السلام، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال:

ــ

(ثم عرج بنا) جبريل (إلى السماء الخامسة) وتسمى (دبقاء) وهي من فضة (فاستفتح جبريل) خازنها (قيل) لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) له أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء الخامسة (فـ) لما علونا على السماء الخامسة (إذا أنا) راء (بهارون) بن عمران (عليه السلام فرحب) هارون بي (ودعا لي بخير، ثم عرج بنا) جبريل (إلى السماء السادسة) وتسمى (وفناء) وهي من ذهب (فاستفتح جبريل عليه السلام) خازنها (قيل) لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء السادسة (فـ) لما علونا السماء السادسة (إذا أنا) راء (بموسى) بن عمران (عليه السلام فرحب) بي موسى (ودعا لي بخير، ثم عرج) بنا جبريل (إلى السماء السابعة) وتسمى (عروباء) وهي من ياقوتة حمراء والكرسي من ياقوتة بيضاء والعرش من ياقوتة حمراء وأبواب السماء كلها من ذهب وأقفالها من نور ومفاتيحها اسم الله الأعظم كذا قالوا ولكن ليس له أصل صحيح، وقد نظم بعضهم أسماء الأفلاك التسعة فقال:

أولاها رفيع ثانيها أرفلون

ثالثها قيدوم رابعها ماعون

خامسها دبقاء والسادس وفناء

سابعها عروباء سميت بهن السماء

ثامنها هو الكرسي الكريم

كذا تاسعها العرش العظيم

(فاستفتح جبريل) خازنها (فقيل) له (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا

ص: 174

جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهى،

ــ

(جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد صلى الله عليه وسلم، قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل نعم (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء السابعة (فـ) لما علونا السماء السابعة (إذا أنا) راء (بإبراهيم) الخليل (عليه السلام) حالة كونه (مسندًا ظهره إلى البيت المعمور) قال القاضي عياض: يستدل به على جواز الاستناد إلى الكعبة وتحويل الظهر إليها فإذا جاز فيها ففي غيرها أجوز، ولقاؤه لهم في السماوات على هذا الترتيب يحتمل أنه لتفاوتهم في المنزلة فإن السماوات أيضًا متفاوتة أفضلها السابعة ثم دونها السادسة وهكذا إلى السفلى، وقال ابن بطال: وجدهم كذلك لأنهم سمعوا بقدومه فابتدروه كالغائب فمنهم من أبطأ ومنهم من أسرع، قال: وهذا الجواب عن كونه لقي هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. اهـ (وإذا هو) أي البيت المعمور (يدخله كل يوم سبعون ألف ملك) يصلون فيه ثم يخرجون منه و (لا يعودون إليه) أبدًا، قال الأبي: ذكر الخطيب البغدادي من طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف دحية أي رئيس مع كل دحية سبعون ألف ملك، وذكر ابن سنجر من حديث أبي هريرة قال في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل كل يوم ينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة يخرج منها سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكًا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ويصلوا فيه فيدخلون ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدًا، يُوَلَّى عليهم أحدهم ويؤمر أن يقف بهم من السماء موقفًا يسبحون الله فيه إلى قيام الساعة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ} .

قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثم ذهب بي) جبريل أي عرج بي لأن هذا هو المعراج الثامن (إلى السدرة المنتهى) أي السدرة التي ينتهي إليها علم ما تحتها من الملائكة فلا يجاوزونها فيطلعوا على ما فوقها وينتهي إليها علم ما فوقها من الملائكة فلا يجاوزونها إلى أسفل فيعلموا ما تحتها فهي كالحد الفاصل بين شيئين أي إلى أعلاها فإن

ص: 175

وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ. قَال: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى،

ــ

السدرة أصلها في السماء السادسة وأغصانها وفروعها فوق السماء السابعة وهي هكذا في هذه الرواية (السدرة المنتهى) بإدخال الألف واللام عليها، وفي الروايات بعدها (سدرة المنتهى) قال النواوي: عن ابن عباس سميت بذلك لأن إليها ينتهي علم الملائكة عليهم السلام لم يجاوزها أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن مسعود: سميت بذلك لأن إليها ينتهي ما يهبط من فوق فيقبض عندها وإليها ينتهي ما يعرج من أسفل فيقبض عندها، وفي تفسير ابن سلام عن بعض السلف: سميت بذلك لأن إليها يُنْتَهى بروح المؤمن فتصلي عليها الملائكة. اهـ من الأبي (وإذا ورقها) أي أوراقها (كآذان الفيلة) في الكبر والسعة، والآذان جمع أذن وهي محل حاسة السمع، والفيلة بوزن عنبة جمع قيل حيوان معروف جسيم، قال السهيلي: وفي مسند الحارث "لو غطي بورقة منها هذه الأمة لغطتهم"(وإذا ثمرها) أي ثمارها (كالقلال) في الكبر بكسر القاف جمع قلة بضمها والقلة جرة كبيرة تسع قربتين فأكثر، قال الأبي يعني: قلال هجر لورودها كذلك في الحديث "فإذا ثمرها كقلال هجر" وهجر قرية من قرى المدينة تصنع بها القلال لا هجر التي بأرض البحرين، و (إذا) في الموضعين فجائية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما غشيها من أمر الله) أي قام بها من الحسن والبهاء (ما غشي) ماسم موصول في محل الرفع فاعل غشي من أمر الله حال منها أي فلما غطاها ما غطاها حالة كونه من الحسن والبهاء، وقوله (تغيرت) جواب لـ (ما) أي انتقلت من حالتها الأولى إلى حالة وصفة أحسن منها (فما أحد من خلق الله) تعالى (يستطيع) ويقدر (أن ينعتها) ويصفها (من) كمال (حسنها) وبديع صفتها، ويأتي أنه غشيها فراش من ذهب أي طير صغير، وفي رواية ابن جريج غشيها وأرخي عليها ستور من لؤلؤ وياقوت وزبرجد. وقوله (فأوحى الي) أي أعلم إلي وأظهر لي (ما أوحى) به أي ما أعلم من الأوامر والنواهي ومن أسرار معلوماته، وفيه اختصار أي ثم رفع إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام وهو المعراج التاسع ثم دلي الرفوف فزج به في النور فعند ذلك تأخر جبريل فقال له: أهنا يفارق الخليل خليله؟ فقال له: هذا مكاني فلو فارقته لاحترقت من النور أي ذهب نوري

ص: 176

فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ. فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى عليه السلام. فَقَال: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً. قَال: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِن أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَال: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَط عَنِّي خَمْسًا. فَرَجَعْتُ

ــ

وتلاشيت لشدة الأنوار وظهورها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخاطبني ربي ورأيته بعيني بصري وأوحى. . . إلخ، وقوله (ما أوحى) أبهم ذلك إشارة إلى عظم ما أوحى به إليه وعدم إحاطة علم الخلائق به، وقوله (ففرض علي) من عطف الخاص على العام وإنما صرح به لتعلقه بالأمة، وأما عطاياه التي تخصه فلم يعبر عنها إذ لا يحيط بها العبارة ولا تحصيها الإشارة أي ففرض علي وعلى أمتي لأن الأصل عدم الخصوصية إلا بدليل يدل على التخصيص فذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته (خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت) من ذلك المستوى ومررت على إبراهيم الخليل فلم يقل لي شيئًا ووصلت (إلى موسى عليه السلام) في السماء السادسة (فقال) موسى (ما فرض) وأوجب (ربك) عليك و (على أمتك؟ قلت) فرض علينا (خمسين صلاة) في اليوم والليلة ففي هذا دلالة على شرف الصلاة من حيث إنها فرضت في المحل الأعلى (قال) موسى (ارجع إلى ربك) أي إلى محل مناجاته (فاسأله) أي فاسأل ربك (التخفيف) لأمتك والحط عنها (فإن أمتك لا يطيقون ذلك) أي لا يستطيعون القيام بذلك المفروض من خمسين صلاة (فإني) أي وإنما قلت لك ذلك لأني (قد بلوت) واختبرت وسايست (بني إسرائيل وخبرتهم) أي جربتهم حيث كلفهم الله سبحانه وتعالى بركعتين في الغداة وركعتين في وقت الزوال وركعتين في العشي فلم يطيقوا ذلك وعجزوا عنه وأمتك أضعف منهم فلا يقدرون خمسين صلاة في اليوم والليلة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرجعت إلى) محل مناجاة (ربي) أي إلى المكان الذي ناجيت فيه ربي فإن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك المكان محلًا لمناجاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يناجيه فيه ليجمع له بين الرفعتين الحسية والمعنوية كما جعل الطور محلًا لمناجاة موسى عليه السلام (فقلت: يا رب خفف على أمتي) وحط عنهم بعض الخمسين (فـ) أجابني بفضله ولطفه إلى شفاعتي و (حط عني) وعنهم (خمسًا) أي نقصها من تلك الخمسين (فرجعت) من محل

ص: 177

إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَال: إِن أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. قَال: فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُ بَينَ رَبِّي تبارك وتعالى وَبَينَ مُوسَى عليه السلام حَتَّى قَال: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُل يَوْمٍ وَلَيلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ. فَذلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً

ــ

المناجاة ومررت على إبراهيم في السابعة ووصلت (إلى موسى) في السادسة فسألني موسى فقال: كم حط عن أمتك؟ (فقلت حط عني) ونقص (خمسًا) من تلك الخمسين فـ (قال) موسى ثانيًا (إن أمتك لا يطيقون ذلك) أي ما بقي من الخمسين (فارجع إلى) محل مناجاة (ربك فاسأله التخفيف) والتنقيص عن ذلك الباقي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم أزل أراجع بين) محل مناجاة (ربي تبارك وتعالى وبين) مكان (موسى عليه السلام) من السماء السادسة تسع مرات كل مرة يحط عني خمسًا كل مرة يرى فيها ربه كما رآه في المرة الأولى فقد رأى ربه في تلك الليلة عشر مرات وهذا الحديث نص في أن الصلاة كانت خمسين بالفعل حتى انتهت بالحط إلى خمس فللخمس ثواب الخمسين، الحسنة بعشر أمثالها، وهل الحط نسخ أم لا فيه خلاف.

والحكمة في أن موسى عليه السلام اختص بالمراجعة دون غيره من الأنبياء أن أمته كلفت من الصلوات بما لم يكلف به غيرها فثقلت عليهم فرفق موسى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لكونه طلب أن يكون منها، وأيضًا فقد طلب موسى الرؤية فلم ينلها ومحمد نالها من غير طلب فأحب مراجعته وتردده ليزداد من نور الرؤية فيقتبس موسى من تلك الأنوار ليكون رائيًا من رأى ربه وفي هذا المعنى قال ابن وفا:

والسر في قول موسى إذ يردده

ليجتلي النور فيه حيث يشهده

يبدو سناه على وجه الرسول فيا

لله حسن جمال كان يشهده

وقوله (حتى قال) الله سبحانه وتعالى في آخر المرات غاية لقوله (فلم أزل أراجع) ومن هنا إلى قوله (كتبت سيئة واحدة) حديث قدسي أي فلم أزل أكرر المراجعة حتى قال الرب لي جل جلاله في آخر المرات (يا محمد إنهن) أي إن الصلوات المفروضة عليك وعلى أمتك (خمس صلوات) عددًا (كل يوم وليلة) من أعماركم ولكن (لكل صلاة) من تلك الصلوات الخمس (عشر) أي يكتب ثواب عشر صلوات (فذلك) المفروض عليكم من الخمس (خمسون صلاة) من حيث الثواب والمضاعفة فقد تفضل سبحانه وتعالى

ص: 178

وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيئًا، فَإِن عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. قَال: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيتُ إِلَى مُوسَى عليه السلام فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيتُ مِنْهُ"

ــ

بتكثير الثواب على تلك الخدمة القليلة (ومن هم) وقصد من أمتك يا محمد (بـ) فعل (حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة) كاملة بمجرد الهم (فإن عملها) أي عمل الحسنة التي هم بها (كتبت له) تلك الحسنة الواحدة التي عملها (عشرًا) أي بعشر حسنات من حيث المضاعفة والثواب (ومن هم بسيئة فلم يعملها) ولو حياء من الناس (لم تكتب) عليه تلك السيئة التي هم بها فلم يعملها (شيئًا) أي بشيء لا واحدة ولا أكثر (فإن عملها) أي عمل تلك السيئة التي هم بها غير معذور في فعلها (كتبت) عليه (سيئة واحدة) أي بلا مضاعفة عليه.

والمراد بالهم ترجيح الفعل دون عزم ولا تصميم لأنه الذي يكتب في الخير ولا يكتب في الشر، وأما العزم والتصميم فيكتب في الخير والشر، وأما الهاجس والخاطر وحديث النفس فلا يؤاخذ الإنسان بها لا في خير ولا في شر وقد نظم بعضهم الخمسة بقوله:

مراتب العقد خمس هاجس ذكروا

فخاطر فحديث النفس فاستمعا

يليه هم فعزم كلها رفعت

سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنزلت) من محل المناجاة ومررت على إبراهيم (حتى انتهيت) ووصلت (إلى) مكان (موسى عليه السلام) في السماء السادسة (فأخبرته) أي فأخبرت موسى خبر ما جرى بيني وبين ربي من التخفيف والحط إلى خمس صلوات (فقال) موسى عليه السلام (ارجع) يا محمد (إلى) محل مناجاة (ربك فاسأله) سبحانه وتعالى (التخفيف) والحط عن خمس صلوات لأن أمتك لا تطيق خمس صلوات في اليوم والليلة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) لموسى (قد رجعت إلى ربي) مرات كثيرة لطلب التخفيف فأكثرت المراجعة إليه (حتى استحييت) بياءين بعد المهملة، وخفت (منه) أي من ربي أي من المراجعة إليه.

ص: 179

قَال الشيخُ أَبُو أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجِسِيُّ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ

ــ

وهذا الحديث من أفراد الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم يروه غيره بهذا اللفظ كما أشار إليه القرطبي في المفهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ووقع عقب هذا الحديث في هامش بعض المتون وفي بعضها في نفس الكتاب:

(قال الشيخ أبو أحمد) محمد بن عيسى الجلودي بضم الجيم نسبة لسكة الجلوديين بنيسابور الدارسة، وقيل بفتحها نسبة إلى جلود اسم قرية فيها راوي الكتاب عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد المروزي عن مسلم (حدثنا أبو العباس) أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري (الماسرجسي) بفتح السين المهملة وإسكان الراء وكسر الجيم نسبة إلى جده ماسرجس، قال أبو العباس (حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث) وقد علا هذا السند لأبي أحمد الجلودي برجل فإنه رواه أولًا عن ابن سفيان عن مسلم عن شيبان بن فروخ ثم رواه هنا عن الماسرجسي عن شيبان بن فروخ، وهذه الزيادة -أعني قوله:(قال الشيخ أبو أحمد) إلى آخره- تقع في بعض المتون في الهامش وفي أكثرها في نفس الكتاب وكلاهما له وجه فمن جعلها في الهامش فهو الظاهر المختار لكونها ليست من كلام مسلم ولا من كتابه فلا تدخل في نفس الكتاب إنما هي فائدة فشأنها أن تكتب في الهامش، ومن أدخلها في الكتاب فلكون الكتاب منقولًا عن عبد الغافر الفارسي عن شيخه الجلودي، وهذه الزيادة من كلام الشيخ الجلودي فنقلها عبد الغافر في نفس الكتاب لكونها من جملة المأخوذ عن الجلودي مع أنه ليس فيه لبس ولا إيهام أنها من أصل مسلم والله أعلم. اهـ نواوي.

ص: 180