الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ
321 -
(157)(80) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ
ــ
88 -
(47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ
أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي وردت في بيان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء ليلة الإسراء ووصفه كلًّا منهم بأوصاف خاصة به وذكره لصلاتهم.
والإسراء سير الليل يقال سريت مسرى وسرى وأسريت إسراء بمعنى واحد، وبالألف لغة أهل الحجاز، وقيل أسرى سار من أول الليل وسرى سار من آخره، والقول الأول أعرف، واختلف في كيفية هذا الإسراء وفي زمانه، فقيل كان كله منامًا وقيل كان كله يقظة وقيل كان إلى المسجد الأقصى يقظة وإلى ما بعد ذلك منامًا، وكل تلك الأقسام جائز، ولكن الذي عليه معظم السلف والخلف أنه أسري بجسده وحقيقته في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء، وعليه يدل ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار ومبادرة قريش لإنكار ذلك وتكذيبه ولو كان منامًا لما أنكروه ولما افتتن به من افتتن إذ كثيرًا ما يرى في المنام أمور عجيبة وأحوال هائلة فلا يستبعد ذلك في النوم وإنما يستبعد في اليقظة.
(321)
- (157)(80)(حدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا وأتى بقوله (قال ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة ثقة إلا أن فيه غفلة من (9) مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا إشارة إلى أن ابن بشار روى له بالعنعنة، قال ابن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (قال سمعت أبا العالية) رفغ مصغرًا ابن مهران ويقال فيروز الرياحي بكسر الراء مولاهم مولى أعرابية من رياح بن يربوع بطن من تيم أو إلى محلة لهم في مدينة البصرة البصري مخضرم إمام من الأئمة صلى خلف عمر ودخل على أبي بكر ورآه، روى عن ابن عباس
يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم (يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ) قَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُسْرِيَ بِهِ فَقَال: "مُوسَى آدَمُ طُوَال، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ". وَقَال: "عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ. وَذَكَرَ مَالِكًا خَازِنَ جَهَّنَمَ،
ــ
في الإيمان والصلاة وذكر الأنبياء والدعاء ويروي عنه (ع) وقتادة وداود بن أبي هند وثابت وخلق، ثقة كثير الإرسال من الثانية مات سنة تسعين (90) روى عنه في أربعة أبواب (يقول: حدثني ابنُ عم نبيكم صلى الله عليه وسلم قال قتادة (يعني) أبو العالية بابن عم نبيكم (ابن عباس) أي عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي البصري، وأتى بالعناية لغرض الإيضاح والتمييز عن غيره، وهذا الإسناد من سداسياته، قال النواوي: ومن لطائف هذا الإسناد أن رجاله كلهم بصريون وشعبة وإن كان واسطيًّا فقد انتقل إلى البصرة واستوطنها وابن عباس أيضًا سكنها.
(قال) ابن عباس (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة (حين أسري به) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلتئذ (موسى) بن عمران وهو (آدم) أي متصف بلون الأُدْمة وهو يسير سواد يضرب إلى الحمرة وهو غالب ألوان العرب (طوال) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو ومعناه طويل وهما لغتان (كأنه) أي كأن موسى عليه السلام في الطول (من رجال شنوءة) بشين معجمة مفتوحة ثم نون ثم واو ثم همزة ثم هاء قبيلة معروفة باليمن، قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: سموا بذلك من قولهم رجل فيه شنوءة أي تقزز وتنظف، قال الجوهري: الشنوءة التباعد من الأدناس ومنه أزد شنوءة وهم حي من اليمن ينسب إليهم شنئيٌّ، قال: قال ابن السكيت: ربما قالوا أزد شنؤة بالتشديد غير مهموز وينسب إليهم الشَّنَويُّ، وعبارة المفهم هنا وأزد شنوءة حي من اليمن شبه بهم موسى في كيفية خلقتهم وسموا شنوءة لشنوءتهم وهي تباعدهم عن الأنجاس والأقذار، يقال رجل فيه شنوءة أي تقزز وهي المباعدة عن الأقذار حكاه الجوهري، وقال القُتبي: سموا بذلك لأنهم تشانؤوا أي تباغضوا. اهـ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت أيضًا (عيسى) ابن مريم وهو (جعد) قال العلماء: المراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشعر (مربوع) في القامة أي وسط ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الفاحش (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى (مالكًا خازن جهنم) وحافظها
وَذَكَرَ الدَّجَّال".
322 -
(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم (ابْنُ عَبَّاسٍ) قَال؛ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَرَرْتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام
ــ
ورئيسها (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى (الدجال) الكذاب الذي يدعي الألوهية الذي خروجه من أشراط الساعة، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث -أعني حديث ابن عباس رضي الله عنهما أحمد (1/ 215 - 232) وابن ماجه (2891).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
(322)
- (. . .)(. . .)(وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّي نسبة إلى كَسٍّ مدينة فيما وراء النهر ثقة حافظ من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا قال عبد (أخبرنا يونس بن محمد) بن مسلم المؤدب أبو محمد البغدادي ثقة ثبت من (9) مات سنة (207) روى عنه في (5) أبواب، قال يونس بن محمد (حدثنا شيبان بن عبد الرحمن) التميمي مولاهم أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) مات سنة (164) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أبي العالية) رفيع بن مهران البصري قال أبو العالية (حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس) وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد كَسِّي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شيبان بن عبد الرحمن لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه.
(قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت) وجاوزت (ليلة أسري بي) إلى المسجد الأقصى وعرج بي إلى السماوات السبع (على موسى بن عمران عليه السلام) وهو يصلي في قبره كما سيأتي في الرواية الآتية (فإن قلت) رؤيته لموسى وهو يصلي في قبره وصلاته بهم جميعًا في المسجد الأقصى يعارض ما تقدم من أنه وجدهم في السماوات (قلت) يحتمل أنه مر بموسى وهو يصلي في قبره ثم سبقه موسى إلى السماء، وأما صلاته بالأنبياء فيحتمل أنه في أول ما رأوه ثم سألوه ورحبوه، أو
رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ جَعْدٌ. كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. وَرَأَيتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ. إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ. سَبِطَ الرَّأْسِ. وَأُرِيَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ،
ــ
تكون رؤيته لموسى وصلاته بالأنبياء عليهم السلام بعد رجوعه من سدرة المنتهى، وفيه نظر. اهـ من الأبي.
(قلت) والجواب الصحيح أنه مر على موسى وهو يصلي في قبره قبل وصوله إلى بيت المقدس ثم سبقه موسى إلى بيت المقدس وصلى بهم جميعًا ثم سبقه موسى إلى السماء ورحبه في السماء والله سبحانه أعلم. فإذا هو (رجل) بضم الجيم أي ذكر تام الخلق فهو بيان للمعلوم، وبكسر الجيم على وزن فَعِل أي رجل الشعر أي شعره متوسط بين السبوطة وهو استرسال الشعر كشعر الروم والجعودة وهي تكسر الشعر وانقباضه كشعر السودان، فالشعر الرجل ما كان فوق الجعودة ودون السبوطة كشعر العرب (آدم) أي أسمر لونًا أي متصف بالأدمة، وهي يسير سواد يضرب إلى الحمرة كما هي غالب ألوان العرب (طوال) بضم الطاء أي طويل (جعد) أي جعد الجسم أي مجتمعه وشديده وتامه، قال العلماء: والمراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشعر فهو صفة مدح، ويحتمل أن يكون صفة شعر أي شعره جعد أي وسط بين السبط والقطط كما جاء في صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يكون مكررًا مع قوله أولًا (رجل) بكسر الجيم (كأنه) أي كأن موسى عليه السلام في طوله ونظافته (من رجال) قوم (شنوءة) حي معروف باليمن كما مر.
(و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (رأيت عيسى بن مريم) عليه السلام حالة كونه (مربوع الخلق) أي متوسط القد والقامة ليس بالطويل ولا بالقصير، وحالة كونه مائلًا لونه من السواد (إلى الحمرة والبياض) المختلطين ليس لونه بالبياض الناصع ولا بالحمرة القانية بل لونه وسط بين اللونين بعيد عن السواد وحالة كونه (سبط) شعر (الرأس) أي مسترسله ليس فيه تكسر ولا تعقد، والسَّبِطِ بفتح السين وكسر الباء وبفتحهما لغتان مشهورتان فيه ويجوز إسكان الباء مع كسر السين وفتحها على التخفيف، قال أهل اللغة: الشعر السبط هو المسترسل ليس فيه تكسر، ويقال في تصريف فعله سَبِط يسبط سبطًا من باب فرح فرحًا (وأري) على صيغة الماضي المبني للمفعول أي أري رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة (مالكًا خازن النار) هكذا في رواية مسلم بضم همزة
وَالدَّجَّال". فِي آيَاتِ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ. {وَلَقَدْ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23].
قَال: كَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ لَقِيَ مُوسَى عليه السلام
ــ
(أري) ونصب (مالكًا)، وفي رواية البخاري في هذا الحديث (ورأيت مالكًا) وهي المطابقة للسياق ووقع في أكثر الأصول (وأري مالك) بالرفع وقد يقال إنه تصحيف، ولكن له جواب حسن وهو أن يقال إنه منصوب ولكن رسم على لغة ربيعة لأنهم يرسمون المنصوب المنون على صورتي المرفوع والمجرور المنونين ويقرؤونه بالنصب (و) أري أيضًا (الدجال) الكذاب (في آيات) أي مع رؤية آيات وعجائب دالة على قدرته تعالى (أَراهُنَّ الله) سبحانه وتعالى (إياه) صلى الله عليه وسلم وأطلعه عليهن من العجائب الدالة على باهر قدرته تعالى وعظيم سلطانه كالجنة والنار وأهلهما، وقوله (وأري مالكًا) إلى آخر الحديث من كلام الراوي على هذه الرواية حاكيًا عنه صلى الله عليه وسلم وهو ابن عباس، واستدل الراوي على رؤيته صلى الله عليه وسلم لموسى بن عمران عليه السلام بقوله تعالى:({فَلَا تَكُنْ}) يا محمد ({فِي مِرْيَةٍ}) وشك ({مِنْ لِقَائِهِ}) أي من لقائك ورؤيتك موسى تلك الليلة، قال النواوي هذا الاستشهاد بقوله تعالى:{فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} هو استدلال من بعض الرواة، والآية في سورة السجدة في رقم [23] (قال) شيبان بن عبد الرحمن بالسند السابق (كان قتادة) بن دعامة (يفسرها) أي يفسر هذه الآية بـ (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي) ورأى تلك الليلة (موسى) بن عمران عليه السلام وعبارة النووي هنا: وأما تفسير قتادة فقد وافقه عليه جماعة منهم مجاهد والكلبي والسدي، وعلى مذهبهم معناه: فلا تكن في شك من لقائك موسى، وذهب كثيرون من المحققين من المفسرين وأصحاب المعاني إلى أن معناها فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب وهذا مذهب ابن عباس ومقاتل والزجاج وغيرهم والله أعلم، وعبارة القاضي هنا وقول قتادة في آخر الحديث {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} يعني أن محمدًا لقي موسى عليهما السلام يعني ليلة الإسراء فالهاء على هذا عائدة على موسى، وقال غيره من المفسرين: الهاء عائدة على الكتاب أي فلا تكن في مرية من تلقي موسى الكتاب الذي أوتي، وعن الحسن: أن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فأوذي وكذب فلا تكن في مرية أنك ستلقى مثل ما لقيه من الأذى والتكذيب، وقيل في الآية تقديم وتأخير
323 -
(00)(00) حدَّثنا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ،
ــ
يعود إلى الرجوع للآخرة والبعث وما تقدم من قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} إلى قوله: {تُرْجَعُونَ} واعترض قصة موسى بين كلامين، وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} قال من لقاء موسى ربه عز وجل. اهـ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
(323)
- (. . .)(. . .)(حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال بن أسد بن إدريس الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله الإمام الفقيه الحافظ الثقة الحجة أحد الأئمة الأعلام كان حافظًا متقنًا فقيهًا لازمًا للورع الخفي مواظبًا على العبادة الدائمة أغاث الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله تعالى حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله تعالى من الكفر وجعله علمًا يقتدى به وملجأ يلتجأ إليه، روى عن هشيم ومحمد بن جعفر في الإيمان، وعن معتمر بن سليمان ويحيى القطان في الصلاة والأدب، وعبد الله بن كثير ومحمد بن سلمة في الحج، وعبد الرحمن بن مهدي في الحدود، وعبد الرزاق ومعتمر في الجهاد، وأبي داود الطيالسي في الصيد، وابن أبي زائدة وابن علية في اللباس وشرف النبي صلى الله عليه وسلم، وسفيان بن عيينة في الأدب والفضائل، وغيرهم ويروي عنه (ع) وهذا أول موضع روى عنه المؤلف فيه، والشافعي وابن مهدي والأسود بن عامر ويزيد بن عامر من شيوخه وابن معين وخلق، وقال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد من أحمد بن حنبل، وقيل إنه يحفظ ألف ألف حديث وهو رأس الطبقة العاشرة مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين في ربيع الأول وله (77) سبع وسبعون سنة روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (سريج) بالسين المهملة وبالجيم مصغرًا (بن يونس) بن الحارث المروزي أبو الحارث سكن بغداد العابد القدوة ثقة عابد من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين له في (خ) فرد حديث وأكثر منه (م) روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما (قالا: حدثنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي نزيل بغداد ثقة
أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِوَادِي الأزْرَقِ فَقَال: أَيُّ وَادٍ هذَا؟
ــ
ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة مات سنة (183) روى عنه في (18) بابا تقريبًا، قال هشيم (أخبرنا داود بن أبي هند) القشيري مولاهم أبو محمد البصري واسم أبي هند دينار ثقة متقن من الخامسة مات سنة (140) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي العالية) رفع بن مهران البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي هند لشيبان بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي العالية وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة بالزيادة وفي سوق الحديث.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر) في بعض أسفاره إلى مكة (بوادي الأزرق) أي في واد يسمى بالأزرق وهو واد بين مكة والمدينة (فقال) لمن حضره (أي واد هذا؟ ) أي بأي اسم يسمى هذا الوادي والأظهر في سؤاله أنه استفهام وأنه كان لا يعلم أنه وادي الأزرق ويحتمل أنه استنطاق (فإن قلت) عادتهم في الاستنطاق أن يقولوا الله ورسوله أعلم (قلت) إنما ذلك في الأمور العلمية وهذا خبر عن محسوس (فإن قلت) قد قالوا ذلك حين قال: أي بلد هذا؟ أي شهر هذا؟ وهما محسوسان، قلت: ذلك استجلاب لما عسى أن يخبرهم بما لا يعلمون. اهـ أبي، قال السنوسي قلت: هذا جواب بما هو مشترك بين المحلين فيحتاج إلى الفرق وقد يفرق بأن السؤال في حديث: "أي بلد هذا" سؤال عن واضح لكل أحد فتحقق السامعون أن المقصود منه شيء آخر مما جهلوه فحسن جوابهم بما يقتضي الأدب ويستمطر الفائدة وهو قولهم (الله ورسوله أعلم)، وأما وادي الأزرق فلم يتحققوا علمه به فتمسكوا بظاهر السؤال وامتثلوا في الجواب مقتضاه لا يقال فيرجع هذا إلى أنه استفهام حقيقة لا استنطاق لأنا نقول لا يرجع إليه إذ لا منافاة بين كون السؤال استنطاقًا بحسب قصد المتكلم واستفهامًا بحسب حمل المخاطب. اهـ منه.
وقد يقال إن فائدة ذكر هذا الحديث التعريف بمنزلته صلى الله عليه وسلم من الله تعالى في إعلامه بهذه الأمور المغيبة. اهـ أبي.
فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الأَزْرَقِ. قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عليه السلام هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بالتَّلْبِيَةِ. ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى. فَقَال: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى. قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عليه السلام عَلَى
ــ
(فقالوا) أي فقال الحاضرون (هذا وادي الأزرق) أي هذا واد يسمى بالأزرق ظنًّا منهم أنه لا يعرفه و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني انظر) الآن (إلى موسى عليه السلام) حالة كونه (هابطًا) ونازلًا (من) هذه (الثنية) الطريق بين الجبلين إلى هذا الوادي (وله جؤار) أي والحال أن له جؤارًا ورفع صوت (إلى الله) تعالى (بالتلبية) والإجابة، قال الإمام: الجؤار رفع الصوت وهو مهموز ومنه قوله تعالى: {فَإِلَيهِ تَجْأَرُونَ} أي ترفعون أصواتكم وتستغيثون به، يقال: جأر يجأر من باب فتح، قال عدي بن زيد:
إنني والله فاقبل حلفتي
…
بأبيل كلما صلى جأر
قال السنوسي: وفيه رفع الصوت بالتلبية وهو سنة في شرعنا من غير إسراف إلا في المساجد فيسمع من يليه فقط خوف الرياء إلا في مسجد مكة ومنى فيعلن أي فيرفع صوته فيهما عند مالك رحمه الله تعالى لأن كل من بهما يلبي بلا رياء بخلاف غيرهما من مساجد البلاد التي الحجاج فيها قليل فتشهر فيها ذلك فتحدث فساد عملك، قال القاضي: وفيه من الفقه التلبية ببطن المسيل وأنه من سنن المرسلين وشرائعهم به احتج البخاري في المسألة لقوله إذا انحدر من الوادي، والتلبية هي قول الشخص (لبيك اللهم لبيك) إلى آخره، قال القرطبي:(قوله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى) يحتمل أن يكون هذا النظر في اليقظة على ظاهره وحقيقته ليلة الإسراء وهو ظاهر حديث جابر وأبي هريرة الآتي ويحتمل أن يكون ذلك كله منامًا ورؤيا الأنبياء وحي وهو نص حديث ابن عمر والله أعلم (ثم أتى) ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم (على ثنية هرشى) والثنية الطريق بين الجبلين وهرشى بفتح الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة مقصورة الألف جبل من تهامة على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي ثنية هذه؟ ) الثنية أي بأي اسم تسمى هذه الثنية (قالوا) أي قال الحاضرون معه هي (ثنية هرشى) أي تسمى بهذا الاسم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني انظر) الآن (إلى يونس) بضم الياء والنون بينهما واو ساكنة وفيه لغات أخر (بن متى) بفتح الميم والتاء المشددة المفتوحة (عليه السلام) حالة كونه راكبًا (على
نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيهِ جُبَّةٌ مِنْ صوفٍ. خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ. وَهُوَ يُلَبِّي".
قَال ابْنُ حَنْبَل فِي حَدِيثِهِ: قَال هُشَيمٌ: يَعْنِي لِيفًا.
324 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛
ــ
ناقة) هي الأنثى من الإبل (حمراء) صفة لناقة مؤنث الأحمر (جعدة) بفتح الجيم وسكون العين صفة ثانية لناقة أي مكتنزة اللحم تامة الجسم سمينة لا هزيلة، قال الإمام المازري: الناقة الجعدة هي المجتمعة الخلق الشديدة الأسر، وجملة قوله (عليه) أي على يونس خبر مقدم لقوله (جبة من صوف) في محل النصب حال ثانية من يونس أي حالة كونه لابسًا جبة من صوف، والجبة بضم الجيم وفتح الموحدة المشددة قباء محشو يلبس للبرد والصوف شعر الغنم ضأنًا أو معزًا وجملة قوله:(خطام ناقته) أي مقودها (خُلْبة) أي حبل من ليف حال ثالثة منه ولكنها سببية، وجملة قوله:(وهو) أي والحال أنه (يلبي) بالحج حال رابعة منه، والخطام بكسر الخاء المعجمة هو الحبل الذي يقاد به البعير يجعل على خطمه، والخطم من الدابة مقدم أنفها وفمها. اهـ قاموس، والخلبة بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وضمها الليف كما فسرها به هشيم في قوله (قال) أحمد (ابن حنبل في حديثه) أي في روايته (قال) لنا (هشيم) بن بشير (يعني) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي عنه بالخلبة (ليفًا) أي حبلًا من ليف، وفي القاموس: والخلبة الحبل من الليف الصلب الرقيق والليف غشاء أغصان النخل عند طلوعه وخيوط في ثمر شجر يشبه ثمره ثمر الخيار.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه فقال:
(324)
- (. . .)(. . .)(وحدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من (10) روى عنه في (14) بابا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري ثقة من (9) مات سنة (194) روى عنه في (7) أبواب (عن داود) بن أبي هند القشيري البصري ثقة من (5)(عن أبي العالية) رفيع بن مهران البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي عدي
قَال: "سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَمَرَرْنَا بِوَادٍ، فَقَال: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ. فَقَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عليه السلام (فَذَكَرَ مِنْ لَوْنِهِ وَشَعْرِهِ شَيئًا لَمْ يَحْفَظْهُ دَاوُدُ) وَاضِعًا إِصْبَعَيهِ فِي أُذُنَيهِ، لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ، مَارًّا بِهذَا الْوَادِي قَال: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَينَا عَلَى ثَنِيَّةٍ. فَقَال: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، أَوْ لَفَتٌ
ــ
لهشيم في رواية هذا الحديث عن داود، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال) ابن عباس (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره (بين مكة والمدينة فمررنا بواد) أي في واد يسمى وادي الأزرق، والوادي اسم لمسيل الماء والمكان المنبطح بين الجبلين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي واد هذا؟ ) الوادي الذي نحن فيه أي بأي اسم يسمى (فقالوا) أي فقال الحاضرون عنده هو (وادي الأزرق) وهو واد بين مكة والمدينة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر) الآن (إلى موسى) بن عمران (عليه السلام) قال ابن أبي عدي (فذكر) النبي صلى الله عليه وسلم (من لونه) أي من لون موسى (و) صفة (شعره شيئًا لم يحفظه داود) بن أبي هند، وقوله (واضعًا إصبعيه في أذنيه) حال من موسى أي كأني أنظر إلى موسى حالة كونه مدخلًا أنملتي إصبعيه السبابتين في صماخي أذنيه، قال القاضي: فيه وضع الإصبع في الأذن عند الأذان، وقال أيضًا: وفي الإصبع عشر لغات الهمز بالحركات الثلاث وفي الباء الحركات الثلاث والعاشر أصبوع كعصفور حالة كونه (له جؤار) أي رفع صوت (إلى الله بالتلببة) أي بتلبية الحج حالة كون موسى (مارًا بهذا الوادي) أي بوادي الأزرق (قال) ابن عباس (ثم سرنا حتى أتينا على ثنية) أي على طريق بين الجبلين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي ثنية هذه) الثنية (قالوا: ثنية هرشى أو) قالوا (لفت) بالشك من الراوي بكسر اللام وسكون الفاء آخره مثناة من فوق وفيها وجهان آخران فتح اللام مع سكون الفاء وفتحهما معًا، قال ابن الأثير: ثنية لفت هي ثنية بين مكة والمدينة، قال القرطبي: روي عن أبي بحر أنه قال بفتح اللام وسكون الفاء، وقال ابن السراج: بكسر اللام وسكون الفاء، وأنشد بعضهم:
مررت بلفت والثريا كأنها
…
قلائد در حُلَّ عنها نظامها
بالكسر، وقال القاضي الشهيد: بفتح اللام والفاء.
فَقَال: كَأَني أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ. عَلَيهِ جُبَّةُ صوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا".
325 (00)(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَن ابْنِ عَنْ مُجَاهِدٍ؛
ــ
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر) الآن (إلى يونس) بن متى حالة كونه راكبًا (على ناقة حمراء عليه) أي على يونس (جبة صوف) أي جبة منسوجة من شعر غنم، والجبة قباء محشو يلبس للبرد (خطام ناقته) أي زمام ناقته (ليف) أي حبل من ليف، وقوله (خلبة) بالرفع بدل أو عطف بيان من ليف وروي بالجر بإضافة ليف إليه، والخلبة بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وضمها قد فسرها في الحديث السابق بالليف حالة كون يونس (مارًا بهذا الوادي) أي وادي هرشى حالة كونه (ملبيًا) أي ذاكرًا بالتلبية.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
(325)
- (. . .)(. . .)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من العاشرة، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم بن (أبي عدي) السلميُّ البصريُّ ثقة من التاسعة (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المزني أبي عون البصري ثقة ثبت فاضل من السادسة مات سنة (150) روى عنه في أحد عشر بابا (عن مجاهد) بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ الإمام المفسر روى عن ابن عباس في الإيمان والصلاة والحج، وطاووس في الصوم والحج والجهاد، وأبي معمر عبد الله بن سخبرة في الصلاة والجهاد وغيرهما، وابن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الصلاة والحج والأطعمة والدعاء، وأبي هريرة في الزكاة، وعائشة في الحج، وجابر في الحج، وقزعة في النكاح، وأبي عياض في الأشربة، ويروي عنه (ع) وابن عون والأعمش وسيف بن أبي سليمان في الصلاة والحج، وعمرو بن دينار والحكم بن عتيبة في الصلاة وغيرها، ومنصور في الصلاة، وبكير بن الأخنس ومزاحم بن زفر ومسلم البطين في الصوم، وسلمة بن كهيل، وطلحة بن يحيى بن طلحة، وأيوب السختياني وخلق لا يحصون، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة إمام في التفسير وفي العلم، وكان مولده سنة إحدى
قَال: "كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَذَكَرُوا الدَّجَّال. فَقَال: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ. قَال: فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَال ذَاكَ. وَلكِنَّهُ قَال: أَمَّا إِبْرَاهِيمُ، فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ. وَأمَّا مُوسَى، فَرَجُل آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةِ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي
ــ
وعشرين في خلافة عمر، وكان يقص مات بمكة وهو ساجد سنة (104) أربع ومائة وله (86) ست وثمانون سنة روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا.
(قال) مجاهد (كنا عند) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فذكروا) أي فذكر الناس الحاضرون عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (الدجال) أي شأن الدجال الكذاب (فقال) قائل من الحاضرين، قال النواوي: وذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين من رواية مسلم (فذكروا الدجال فقالوا) بلفظ الجمع (إنه) أي إن الشأن أو إن الدجال (مكتوب بين عينيه كافر قال) مجاهد (فقال ابن عباس لم أسمعه) أي لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال ذلك) الذي قلتموه من قولكم إنه مكتوب بين عينيه كافر (ولكنه) صلى الله عليه وسلم (قال أما إبراهيم) الخليل إن أردتم معرفة صفته (فانظروا إلى صاحبكم) يعني صلى الله عليه وسلم بصاحبكم نفسه الشريفة (وأما موسى) بن عمران فإن أردتم صفته (فـ) هو (رجل) أي شخص (آدم) أي ذو أدمة وسمرة لونًا (جعد) أي مكتنز الجسم تامه قويه خلقًا.
قال القاضي عياض: الوصف بجعد جاء من طريق شعبة عن قتادة في صفة عيسى عليه السلام، ومن رواية شيبان عن قتادة في صفة موسى عليه السلام، وفي سائر الأحاديث إنما جاء في صفة الدجال قال المازري: قال الهروي: الجعد يكون صفة ذم كما في الدجال وصفة مدح كما في صفة موسى وعيسى عليهما السلام، وهو صفة ذم بمعنى البخل وبمعنى القصر وصفة مدح بمعنى الشديد الخلق وبمعنى غير سبط الشعر لأن السبوطة أكثر ما هي في شعر العجم فتحمل في صفتهما عليهما السلام على جعودة الجسم كما قال في موسى (ضرب من الرجال) أي وسط في اللحم، وفي عيسى (رجل بين رجلين في اللحم) ويصح حمله على جعودة الشعر فيكون بمعنى الرجل أي ليس بالقطط ولا بالسبط كما جاء في صفة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ من الأبي، راكب (على جمل) الذكر من الإبل (أحمر مخطوم) أي مربوط (بـ) خطام (خلبة) أي ليف (كأني أنظر إليه) أي إلى موسى الآن (إذا انحدر) وانهبط (في) بطن (الوادي)
يُلَبِّي".
326 -
(158)(81) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "عُرِضَ عَلَى الأنْبِيَاءُ. فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ،
ــ
حالة كونه (يلبي) بالحج، قال النواوي:(قوله إذا انحدر) هكذا هو في الأصول كلها (إذا) بالألف بعد الذال وهو صحيح إذ لا فرق بين (إذا) و (إذ) هنا لأنه وصف حاله حين انحداره فيما مضى. اهـ بتصرف، فيقال: عبر هنا بإذا التي للاستقبال على قصد حكاية الحال الماضية وفي الحديث التلبية ببطن الوادي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث جابر رضي الله تعالى عنهم فقال:
(326)
- (158)(81)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة من العاشرة، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة من السابعة (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة من العاشرة، قال محمد بن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه لأن قتيبة قال: حدثنا، ومحمد بن رمح قال: أخبرنا (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي الأسدي مولاهم صدوق من الرابعة (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان أو بغلاني ومصري وواحد مدني وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي الأنبياء) صلوات الله وسلامه عليهم ليلة أسري بي أي أريتهم قال الأبي: ويحتمل أنه من عرض الجيش على الأمير وعلى كل تقدير ففيه من رفع منزلته ما لا يخفى لا سيما إن كان من عرض الجيش. اهـ منه.
و(إذا) في قوله (فإذا موسى) بن عمران فجائية (ضرب من الرجال) أي وسط في اللحم لا بالضخم ولا بالضئيل، وفي النهاية الضرب من الرجال الخفيف اللحم الممشوق المشدق، قال طرفة:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه
…
خشاش كرأس الحية المتوقد
كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيتُ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأْيتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) وَرَأَيتُ جِبْرِيلَ عليه السلام، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ". (وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ):"دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ"
ــ
في خاء خشاش الحركات الثلاث وهو اللطيف الرأس قاله ابن السكيت، وقال أبو عبيد: هو الرجل الخفيف، وأيضًا الحية، وأيضًا ما يخش به وهو العود يدخل في أنف البعير عرضًا ويخرج طرفاه من الجهتين وفيهما حبل يقاد به فإذا استصعب جذب به فيؤلمه فينقاد، ومنه الحديث الآتي في آخر الكتاب في خبر الشجرة فانقادت عليه كالبعير المخشوش، وقال القاضي: وأما الخَشاش بالفتح فشرار الطير، وقيل صغارها وصغار دواب الأرض، وقال الأصمعي: هو النَّذل من كل شيء كالرخم وما لا يصيد من الطير، وأما الخِشاش الذي هو الشجاع فبالكسر، والخشاش من دواب الأرض والطير ما لا دماغ له، وقال غيره الخشاش بفتح الخاء الصغير الرأس اللطيف من الدواب، قال أبو حاتم هذا بالعكس (كأنه) أي كأن موسى (من رجال شنوءة) في الطول والنظافة والشنوءة حي باليمن طوال الأجسام (ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت) والضمير في قوله (به) عائد إلى عيسى وهو متعلق بقوله (شبهًا) أي أقرب من رأيته مشبهًا بعيسى عليه السلام (عروة بن مسعود) بن معتب بالمهملة والمثناة المشددة ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي الصحابي الجليل الطائفي رضي الله تعالى عنه وهو عم والد المغيرة بن شعبة وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف أخت آمنة كان أحد الأكابر من قومه، قيل إنه المراد بقوله تعالى {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ} والمراد بالقريتين مكة والطائف وأرادوا الوليد بن المغيرة من أهل مكة وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف وهو المراد في حديث "ورأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود" اهـ من الإصابة بتصرف (ورأيت إبراهيم) الخليل (صلوات الله) تعالى وسلامه (عليه فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم) وجليسكم (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بصاحبكم (نفسه) الشريفة، والعناية من كلام جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (ورأيت جبريل) الأمين (عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا دحية) بن خليفة الكلبي (وفي رواية ابن رمح دحية بن خليفة) بزيادة النسبة، وأما
327 -
(159)(82) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ، قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
ــ
دحية بفتح الدال وكسرها لغتان مشهورتان فيه، فهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بفتح المعجمة وسكون الزاي ثم جيم ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي صحابي مشهور أول مشاهده الخندق، وقيل أحد ولم يشهد بدرًا، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السلام ينزل على صورته جاء ذلك من حديث أم سلمة من حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما له ستة أحاديث، وقد نزل دمشق وسكن المزة إلى خلافة معاوية. اهـ من الإصابة بتصرف.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [3651].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال:
(327)
- (159)(82)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من الحادية عشرة روى عنه في (11) بابًا تقريبًا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة حافظ من الحادية عشرة روى عنه في (12) بابا (وتقاربا في اللفظ) أي في لفظ ما روياه واتحدا في المعنى واختلفا في كيفية سماعهما فإنه (قال ابن رافع: حدثنا، وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة ثبت من السابعة مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (الزهري) المدني ثقة ثبت متقن من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (قال) الزهري (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن بوزن سهل القرشي المخزومي أبو محمد المدني تابعي ثقة ثبت من الثانية مات بعد (90) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني الدوسي أحد المكثرين من الصحابة، وهذا السند من سداسياته ورجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري (قال) أبو هريرة (قال النبي صلى الله عليه وسلم
"حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى عليه السلام (فَنَعَتَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَجُلٌ (حَسِبْتُهُ قَال) مُضْطَرِبٌ. رَجِلُ الرَّأْسِ. كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. قَال: وَلَقِيتُ عِيسَى (فَنَعَتَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ (يَعْنِي حَمَّامًا)
ــ
حين أسري) وعرج (بي) بصيغة المبني للمفعول والظرف متعلق بقوله (لقيت) ورأيت (موسى) بن عمران (عليه السلام فنعته) أي فنعت موسى عليه السلام (النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه، وقال في وصفه (فإذا) هو (رجل) أي شخص قال أبو هريرة أو من دونه (حسبته) أي حسبت النبي صلى الله عليه وسلم أر أبا هريرة مثلًا (قال) في حال تحديثه لنا وصف موسى هو رجل (مضطرب) بوزن مفتعل من الضرب أي متوسط بين السمين والضئيل، قال (ع) المضطرب الطويل غير الشديد ضد الجعد الجسيم المكتنز، ورواية (ضرب) في الأول أصح لما دخل في هذه من الشك بقوله (حسبته) وأما رواية جسيم سبط فهي ترجع إلى الطول كما قال الشاعر:
وجاءت به سبط البنان كأنما
…
عمامته بين الرجال لواء
ولا يتأول جسيم بسمين لأنه ضد ضرب وهو أيضًا إنما جاء في الدجال (رجل) بكسر الجيم شعرِ (الرأس) أي مسترسله (كأنه) أي كأن موسى في طوله ونظافته (من رجال شنوءة) حي في اليمن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولقيت) أي رأيت تلك الليلة (عيسى) بن مريم عليه السلام (فنعته) أي وصفه (النبي صلى الله عليه وسلم فقال في نعته (فإذا) هو أي عيسى (ربعة) أي وسط بين الطويل والقصير، ويقال رجل ربعة ومربوع أي ليس بطويل ولا قصير بل وسط في قده (أحمر) أي متصف بالحمرة وهي لون بين البياض والسواد، قال القاضي: وفي البخاري أن ابن عمر أنكر ذلك وأقسم أنه لم يقله صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: يريد وإنما هو آدم كما وصفه بعد هذا، والآدم الأسمر (كأنما خرج) عيسى (من ديماس) أي من حمام يعني في نضارته وكثرة ماء وجهه، وفسر الراوي الديماس بقوله (يعني) أي يقصد النبي صلى الله عليه وسلم بالديماس (حمامًا) أي مكان اغتسال، وهو كلام مدرج من الزهري لأنه قال في وصفه كأن رأسه يقطر ماء، وذكر صاحب المطالع في الديماس ثلاثة أقوال: قيل هو السِّرب وقيل الكِن وقيل الحمَّام، فمعنى كأنما خرج من ديماس على أنه الكن كأنه لم تمسه
قَال: وَرَأَيتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ. وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ. قَال: فَأُتِيتُ بِإِنَاءَينِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ. فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ. فَقَال: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ"
ــ
شمس وعلى أنه الحمام يعني نضرته وكثرة ماء وجهه.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورأيت إبراهيم صلوات الله) وسلامه (عليه) وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (وأنا أشبه ولده) أي أولاد إبراهيم (به) أي بإبراهيم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأتيت) أي فأتاني جبريل عليه السلام (بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقيل لي) أي فقال لي جبريل (خذ) يا محمد (أيهما) أي أي الإناءين (شئت فأخذت) أي فاخترت إناء (اللبن فـ) أخذته و (شربته، فقال) لي جبريل عليه السلام (هديت) يا محمد أي وفقت (الفطرة) الإسلامية والملة الحنيفية (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل (أصبت) أي وافقت (الفطرة) والملة الحنيفية، والشك من أبي هريرة أو ممن دونه، و (أما) في قوله (أما إنك) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه يا محمد واستمع ما أقول لك إنك يا محمد (لو أخذت الخمر) وشربتها لـ (غوت) وضلت (أمتك) عن الفطرة لأنها أم الخبائث فهي علامة على غواية أمتك ولكن وفقك الله سبحانه بعلامة هداية أمتك، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3394] والترمذي [3829] بنحوه.
"تتمة": قال القاضي عياض: أكثر الروايات أنه رآهم كذلك ليلة الإسراء (فإن قيل) كيف يحجون وهم في الآخرة وليست دار عمل (قيل) للعلماء عن ذلك أجوبة:
(الأول) أنه إذا كان الشهداء أحياء فهؤلاء أولى، وإذا كانوا أحياء صح أن يحجوا ويتقربوا إلى الله تعالى وهم وإن كانوا في الآخرة فالدنيا لم تنقطع بعد فإذا فنيت وعقبتها الآخرة دار الجزاء انقطع العمل.
(الثاني) الحج والصلاة ذكر ودعاء والآخرة دار الذكر والدعاء، قال تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا} الآية.
(الثالث) أن يكون رآهم كذلك في المنام لقوله (بينا أنا نائم رأيتني أطوف).
(الرابع) أن تكون مثلت له حالة حجهم في حياتهم ولذلك قال كأني أنظر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(الخامس) أنه لاستيقانه صحة ما أوحي به إليه من صفة حجهم أخبر عنهم كأنه يشاهدهم ولذا قال كأني أنظر.
(قلت) وكان ابن عرفة يجيب بأن الموت إنما يمنع التكليف لا العمل. اهـ أبي.
***