الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى
354 -
(172)(95) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُ؛ "أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُويةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ؟ قَالُوا: لا. يَا رَسُولَ اللهِ
ــ
97 -
(56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى
أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث التي تبين كيفية رؤية الله تعالى هل هي على التدريج؟ أم على الدفعة؟ أو هي واضحة أم لا؟
(354)
- (172)(95)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو يوسف المدني ثقة فاضل من التاسعة مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة حجة من الثامنة مات سنة (183) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني ثقة من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عطاء بن يزيد الليثي) من أنفسهم الجندعيِّ أبي يزيد المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة مات سنة (107) روى عنه في (5) أبواب (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (أخبره) أي أخبر لعطاء بن يزيد الليثي، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا زهير بن حرب فإنه نسائي (أن ناسًا) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ترونه سبحانه بلا ضرر ولا تعب و (هل تضارون) وتتعبون وتشكون (في رؤية القمر ليلة البدر) أي في ليلة أربعة عشر حين استكمل جرمه ونوره (قالوا) في جواب استفهامه (لا) نضار ولا نشك في ذلك (يا رسول الله) قال النواوي: روي (تضارون) بتشديد الراء وبتخفيفها والتاء مضمومة فيهما، ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفف هل
قَال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ،
ــ
يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر، وروي أيضًا تضامون كما في البخاري بتشديد الميم وتخفيفها فمن شددها فتح التاء ومن خففها ضم التاء، ومعنى المشدد من الانضمام هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته، ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم وهو المشقة والتعب، ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضًا في رؤيته تعالى. والله أعلم. اهـ
وقال الأبي: والمعنى في الجميع إنكم ترون الله سبحانه دون أن يضر بعضكم بعضًا بأن يحجبه أو يزاحمه أو يضيمه أو ينازعه أو يضمه إليه كما يفعلون ذلك عند رؤية الهلال بل الحال كالحال عند رؤية الشمس والقمر، والمشبه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي ولذا لم يقل كالقمر، (قال: هل تضارون) وتشكون (في) رؤية (الشمس لبس دونها) أي تحتها (سحاب) أي غيم (قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه) سبحانه رؤية واضحة لا شك فيها (كذلك) أي مثل رؤيتكم ذلك المذكور من القمر والشمس.
وعبارة المفهم هنا: قوله (هل تضارون) يروى بضم التاء وفتحها وتشديد الراء وبتخفيفها وضم التاء، والتشديد أكثر وكلها له معنى صحيح، ووجه الأكثر أنه مضارع مبني لما لم يسم فاعله أصله تضاررون أسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية وأصل ماضيه ضورر، ويجوز أن يكون مبنيًّا للفاعل بمعنى تضاررون بكسر الراء إلَّا أنها سكنت الراء وأدغمت وكله من الضر المشدد، وأما التخفيف فهو من ضاره يضيره ويضوره ضيرًا مخففة فإذا بني لما لم يسم فاعله قلتَ فيه يُضَارُ مخففة، وأما رواية فتح التاء فهي مبنية للفاعل بمعنى تتضارون وحذفت إحدى التاءين استثقالًا لاجتماعهما ومعنى هذا اللفظ أن أهل الجنة إذا امتنَّ الله عليهم برؤيته سبحانه تجلَّى لهم ظاهرًا بحيث لا يحجب بعضهم بعضًا ولا يضره ولا يزاحمه ولا يجادله كما يفعل عند رؤية الأهلة بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة تمامه، وقد حكي ضاررته مضارة إذا خالفته وقد روي (تضامون) بالميم والقول فيه رواية ومعنى كالقول في تضارون غير أن تضامون بالتشديد من المضامة وهي الازدحام أي لا تزدحمون عند رؤيته تعالى كما تزدحمون عند رؤية الأهلة، وأما بالتخفيف فمن الضيم وهو الذُّل أي لا يذل بعضكم بعضًا بالمزاحمة والمنافسة
يَجْمَعَ اللهُ الناسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ،
ــ
والمنازعة، وقوله (فإنكم ترونه كذلك) هذا تشبيه للرؤية ولحالة الرائي لا المرئي ومعناه أنكم تستوون في رؤية الله تعالى من غير مضارة ولا مزاحمة كما تستوون في رؤية الشمس والبدر عيانًا، وقد تأولت المعتزلة الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم فقالوا: إنَّ معنى رؤيته تعالى أنه يعلم في الآخرة ضرورة وهذا خطأ لفظًا ومعنى، وأما اللفظ فهو أن الرؤية بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر وهي قد تعدت هنا إلى مفعول واحد فهي للإبصار، ولا يصح أن يقال إنَّ الرؤية بمعنى المعرفة لأن العرب لم تستعمل رأيت بمعنى عرفت لكن بمعنى علمت أو أبصرت واستعملت علمت بمعنى عرفت لا رأيت بمعنى عرفت، وأما المعنى فمن وجهين:
أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم شبه رؤية الله تعالى بالشمس وذلك التشبيه لا يصح إلَّا بالمعاينة.
وثانيهما أن الكفار يعلمونه تعالى في الآخرة بالضرورة فترفع خصوصية المؤمنين بالكرامة وبلذة النظر وذلك التأويل منهم تحريف حَمَلَهُم عليه ارتكاب الأصول الفاسدة والعقائد الزائغة.
وذلك أنه (يجمع الله) سبحانه وتعالى (الناس يوم القيامة) في موقف واحد (فيقول) لهم حين أراد فصل القضاء (من كان يعبد) دون الله (شيئًا) من المعبودات (فليتبعه) إلى النار أي فليلحقه إلى النار أمر من الاتباع بتشديد التاء (فيتبع من كان يعبد الشمس) وقوله (الشمس) ثانيًا مفعول يتبع، والأول مفعول يعبد وكذا يقال في القمر مرتين، والطواغيت كذلك في قوله (ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت) جمع طاغوت، قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى حيًّا كان أو ميتًا جمادًا كان أو حيوانًا إنسًا أو جنًّا أو ملكًا أو شيطانًا أو كاهنًا ولكن المراد به في هذا الحديث الأصنام، قال الواحدي: الطاغوت يكون واحدًا وجمعًا ويؤنث ويذكر قال الله تعالى في الواحد: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} وفي الجمع: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ} وهو نظير فلك جمعًا ومفردًا بلفظ واحد، وقال في المؤنث: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا
وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ، تبارك وتعالى، فِي صُورَةٍ غَيرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللهُ
ــ
الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} قال في المصباح: هو في تقدير فَعْلُوت بفتح العين لكن قدمت اللام موضع العين، واللام واو محركة مفتوح ما قبلها فقلبت ألفًا فبقي في فلعوت وهو من الطغيان الذي هو مصدر طغى قاله الزمخشري، وفي الصحاح: والطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت والرهبوت والرحموت. اهـ
(وتبقى هذه الأمة) المحمدية بعد ذهاب سائر الأمم إلى النار مع معبوداتها حالة كونها متسترون (فيها منافقوها) زاعمين أنهم منهم ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم وينجيهم كما نفعهم في الدنيا جهلًا منهم بأن الله تعالى عالم بهم ومطلع على ضمائرهم وهذا كما قد أقسمت طائفة من المشركين أنهم ما كانوا مشركين توهمًا منهم أن ذلك ينجيهم، ويحتمل أن يكون حشرهم مع المسلمين لما كانوا يظهرونه من الإسلام فحفظ عليهم ذلك حتى يميز الله الخبيث من الطيب، ويحتمل أنه لما قيل لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فاتبع الناس معبوداتهم ولم يكونوا عبدوا شيئًا فبقوا هنالك حتى ميزوا ممن كان يعبد الله (فيأتيهم الله) سبحانه تبارك وتعالى أي يتجلى لهم ويظهر (في صورة) أي بصفة من صفات الحوادث (غير صورته) أي غير صفته (التي) كانوا (يعرفونـ) ـها في الدنيا من كتابه العزيز ومن سنة رسوله الكريم كقوله:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وكلمة (في) في قوله (في صورة) بمعنى الباء فيكون معنى الكلام أن الله تعالى يجيئهم ويظهر لهم بصورة كما قيل في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} أي بظلل ويكون معنى الإتيان هنا يحضر لهم تلك الصورة وهذه الصورة التي لا يعرفونها هي مخلوقة (فيقول) الله سبحانه وتعالى لهم بواسطة تلك الصورة (أنا ربكم) فاتبعوني، وفي الأبي: أي يبعث الله سبحانه وتعالى لهم صورة يمتحنهم بها فتقول تلك الصورة، وقال النواوي: أو يتخرج على حذف مضاف أي فيأتيهم أحد من الملائكة ويقول لهم ذلك الملك أو تلك الصورة أنا ربكم (فيقولون نعوذ بالله منك) أي من اتباعك (هذا) الموقف (مكاننا) أي مستقرنا (حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا) أي تجلى لنا (عرفناه) أي عرفناه بصفته التي بين لنا في كتابه (فيأتيهم الله) سبحانه
تَعَالى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَهُ
ــ
و(تعالى) أي يتجلى ويظهر لهم (في صورنه) أي بصفته (التي يعرفونـ) ـه بها في الدنيا (فيقول) لهم (أنا ربكم) فاتبعوني (فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) إلى موقف الحساب، وهذه الصورة الثانية التي يعرفونها عندما يتجلى لهم الحق بها هي صفته تعالى التي لا يشاركه فيها شيء من الموجودات ولا يشبهه بشبهها شيء من المصورات، وهذا الوصف هو الذي كانوا قد عرفوه في الدنيا وهو المعبر عنه بقوله تعالى:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ولذلك قالوا إذا جاء ربنا عرفناه وفي حديث آخر يقال لهم (وكيف تعرفونه؟ قالوا إنه لا شبيه له ولا نظير) ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة فمن المتداول أن يقال صورة هذا الأمر كذا أي صفته، والإتيان والمجيء المضاف إلى الله تعالى ثانيًا هو عبارة عن تجليه لهم فكأنه كان بعيدًا فقرب أو غائبًا فحضر وكل ذلك خطابات مستعارة جارية على المتعارف من توسعات العرب فإنهم يسمون الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان منه بسبب. اهـ مفهم.
وقوله (فيتبعونه) أي يتبعون أمره كما يقال اتبعت فلانا على رأيه واتبعت أمره أي انقدت له وامتثلته فيكون من باب الاستعارة أي يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، ويجوز أن يكون من باب حذف المضاف أي يتبعون ملائكته ورسله الذين يسوقونهم إلى الجنة فكأنهم يتقدمون بين أيديهم دلالة وخدمة وتأنيسًا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي المفهم (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون) هذا المقام مقام هائل يمتحن الله تعالى فيه عباده ليتميز المحق من المبطل وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراؤون متلبسين بالمؤمنين والمخلصين زاعمين أنهم منهم وأنهم عملوا مثل أعمالهم وعرفوا الله مثل معرفتهم امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم فأجاب المؤمنون بمنكار ذلك والتعوذ منه لما قد سبق لهم من معرفتهم بالله تعالى وأنه منزه عن صفات هذه الصورة إذ سماتها سمات المحدثات ولذلك قال في حديث أبي سعيد (فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا) مرتين أو ثلاثًا حتى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، وهذا البعض الذي هم بالانقلاب لم يكن لهم رسوخ العلماء ولا ثبوت العارفين، ولعل هذه الطائفة هي التي إعتقدت الحق وجزمت عليه من غير بصيرة ولذلك كان اعتقادهم قابلًا للانقلاب، ثم يقال بعد هذا للمؤمنين هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟
وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَينَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ. فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ،
ــ
فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق ويتجلى لهم فيرونه حقيقة معاينة وعند هذا يسجد الجميع فمن كان مخلصًا في الدنيا صح له سجوده على تمامه وكماله ومن كان منافقًا أو مرائيًا عاد ظهره طبقة واحدة كلما رام السجود خر على قفاه، وعند هذا الامتحان يقع امتياز المحق من المبطل فعلى هذا تكون الصورة التي لا يعرفونها مخلوقة (ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلَّا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم).
(ويضرب الصراط) أي يمد ويبسط (بين ظهري جهنم) أي على ظهر جهنم ومتنها وفي بعض النسخ "ظهراني".
والصراط لغة الطريق وفيه لغات الصاد والسين والزاي، وهو هنا الطريق من أرض المحشر إلى الجنة وهو منصوب على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وهو المسمى بالجسر في الحديث الآخر رواه مسلم عن ثوبان (315).
وفي الأبي: الصراط عرفًا جسر يضرب على ظهر جهنم يمر الناس عليه إلى الجنة فينجو المؤمنون على كيفيات ومنازل تأتي ويسقط المنافقون، قال القاضي: وأجمع السلف على حمل أحاديثه على ظاهرها دون تأويل ويحتمل أن يكون خلق مع جهنم، قال بعضهم: فالضرب على هذا الإذن في المرور ويحتمل أنه خلق الآن والله أعلم بصفته.
وقوله (ظهري جهنم) هو بفتح الظاء وسكون الهاء ومعناه يمد الصراط عليها، قال الخليل: يقال هو بين ظهراني القوم وبين ظهريهم أي بينهم (وجهنم) اسم من أسماء النار التي يعذب بها في الآخرة، قال الجوهري: هو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث منه ولا ينصرف للتعريف والتأنيث وهو فارسي معرب ورَكَيَّةٌ جهنام أي بعيدة القعر. اهـ مفهم.
(فأكون أنا وأمتي) معطوف على الضمير المستتر في أكون بعد تأكيده بالمنفصل (أول من يجيز) ويمر عليه إلى الجنة وهو بضم أوله من أجاز الرباعي أي يمضي عليه ويقطعه، يقال أجزت الوادي وجزته لغتان فصيحتان، وحكي عن الأصمعي أنه قال: أجزته قطعته وجزته مشيت فيه، ويحتمل أن يقال إنَّ الهمزة في أجاز هنا للتعدية من
وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ. وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَال: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ
ــ
قولهم (أجيزي صوفةُ) أي أجزنا وذلك أن صوفة كان رجلًا معظمًا في قريش يقتدى به في مناسك الحج فلا يجوز أحد في شيء من مواقفه حتى يجوز هو فكان الناس يستعجلونه فيقولون: أجز صوفة، أي ابتدئ بالجواز حتى نجوز بعدك فكان يمنعهم بوقوفه ويجيزهم بجوازه ثم بقي ذلك في ولده فقيل للقبيلة (أجيزي صوفة) فكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على الصراط فلا يجوز أحد حتى يجوز هو وأمته فكأنه يجيز الناس.
(ولا يتكلم يومئذ) أي حينئذ أي حين إذ يجوزون على الصراط لشدة الأهوال وإلا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها وتجادل كل نفس عن نفسها ويسأل بعضهم بعضًا ويتلاومون ويخاصم التابعون المتبوعين أي ولا يتكلم حينئذ أحد (إلا الرسل ودعوى الرسل) أي دعاؤهم جاء بالمصدر مؤنثًا (يومئذ) أي يوم إذ يجوزون على الصراط (اللهم سلم سلم) أي سلم المارين من السقوط في جهنم وذلك من كمال شفقتهم ورحمتهم للخلق، وفيه أن الدعوات تكون بحسب المواطن فيدعى في كل موطن بما يليق به والله أعلم.
(وفي) قعر (جهنم كلاليب) شكلها (مثل) شكل (شوك السعدان) تطلع من جانب الصراط، والكلاليب بزنة المفاعيل جمع كَلُّوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهي حديدة معوجة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور ليقلى اللحم ومثل ما يوجد في دكاكين المقادى، قال صاحب المطالع: هي خشبة في رأسها عقاقة حديد وقد تكون حديدًا كلها، ويقال لها أيضًا كلاب، والسعدان بفتح السين وإسكان العين المهملتين نبت له شوكة عظيمة من كل الجوانب مثل الحسك؛ والحسك بفتحتين جمع حسكة والحسكة كل شجر شائك، وفي المفهم: والسعدان نبت كثير الشوك شوكه كالخطاطيف والمحاجن في الأرمية "قجما".
قال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا للحاضرين (هل رأيتم السعدان) أي شجره (قالوا نعم) رأيناه (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنها) أي فإن الكلاليب شكلها (مثل) شكل (شوك السعدان غير أنه) أي غير أن الشأن (لا يعلم ما قدر
عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ
الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى،
ــ
عظمها) أي عظم تلك الشوكة وكبرها (إلا الله) سبحانه وتعالى، وفي المفهم: قيدناه عن بعض شيوخنا برفع الراء على أن تكون (ما) استفهامًا خبرًا مقدمًا و (قدر) مبتدأ مؤخرًا أو بنصبها على أن تكون (ما) زائدة و (قدر) مفعول يعلم (تخطف) وتأخذ تلك الكلاليب (الناس) المارين على الصراط بسرعة وتسقطهم في قعر جهنم (بـ) سبب (أعمالهم) السيئة (فمنهم) أي فمن الناس المارين على الصراط (المؤمن) بالميم والنون أي كامل الإيمان (بقي) بالباء الموحدة وبالقاف على الصراط بلا خطف ولا سقوط في جهنم (بعمله) أي الصالح أو بقي وحبس على الصراط بعمله السيئ، وفي نسخة (يقي) بالياء التحتانية وبالقاف أي يقيه الله تعالى ويحفظه من السقوط في جهنم بعمله الصالح لأنه من الوقاية بمعنى الحفظ والمعنى يجعل بعمله وقاية لجهنم وسترًا عنه وهذا الوجه للسمرقندي، قال النواوي: وهذا هو الموجود في معظم أصول بلادنا، والوجه الثاني (الموثق) بالثاء المثلثة (بعمله) من الوثاق أي المربوط المحبوس بسبب عمله السيئ على الصراط وهذا الوجه للطبري، والوجه الثالث (الموبق) بالموحدة المفتوحة أي المهلك (بعمله) السيئ في جهنم حتى لا يخرج لكونه منافقًا في الدنيا وهذا الوجه للعذري، قال القاضي: وهذا الوجه أصحها، بل قال صاحب المطالع: بل هذا الثالث هو الصواب، وعبارة المفهم هنا قوله (فمنهم الموبق بعمله) بالباء الموحدة كذا للعذري ومعناه المهلك بعمله السيئ، وللطبري (الموثق بعمله) بالثاء المثلثة من الوثاق، وللسمرقندي (المؤمن بقي بعمله) وكلها صحيح والأول أوضحها (ومنهم المجازى) بفتح الزاي على صيغة اسم المفعول من المجازاة أي ومنهم المجازى أي المعاقب بعمله على الصراط (حتى ينجى) بفتح الجيم المشددة على صيغة المبني للمجهول أي ومنهم المعاقب على الصراط مجازاة له على عمله السيئ حتى ينجيه الله سبحانه وتعالى بمروره على الصراط، أو المعنى ومنهم المجزي بعمله السيئ بعد سقوطه في جهنم حتى يحصل له النجاة بخروجه منها. اهـ من بعض الهوامش.
وفي المفهم: وروى العذري وغيره (ومنهم المخردل) مكان المجازى ومعناه الذي تقطع الكلاليب لحمه وجسمه، يقال خردلت اللحم خراديل أي قطعته قطعًا وهو بالدال المهملة، وحكى يعقوب أنه يقال بالذال المعجمة وهو أيضًا بالخاء المعجمة، وقد قاله
حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَينَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا، مِمَّن أَرَادَ اللهُ تَعَالى أنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، حَزمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ. فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا،
ــ
بعضهم بالجيم والجردلة الإشراف على الهلاك والسقوط فيه.
وقوله (حتى إذا فرغ الله) غاية لمحذوف معلوم من جملة إذا تقديره وهم معذبون في جهنم إلى وقت أمر الله سبحانه الملائكة بإخراجهم من جهنم وقت فراغه من القضاء الفاصل بين العباد أي حتى إذا فرغ الله سبحانه (من القضاء) الفاصل (بين العباد) وتمم عليهم حسابهم وكمله وفصل بينهم واستقر كل في محله، لا أن الله سبحانه يشغله شأن عن شأن (وأراد) سبحانه (أن يخرج برحمته) وفضله من النار (من أراد) إخراجه (من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله) سبحانه وتعالى في عبادته مثلًا (شيئًا) من المخلوق حالة كونه (ممن أراد الله) سبحانه و (تعالى أن يرحمه) بإخراجه من النار حالة كونه (ممن يقول لا إله إلَّا الله) مع عديلتها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وشفع كل من له شفاعة، ألا ترى قوله وأراد أن يخرج برحمته لا بشفاعة أحد من أراد إخراجه من أهل النار، واقتصاره على (لا إله إلَّا الله) ولم يذكر معها الشهادة بالرسالة إما لأنهما لما تلازمتا في النطق اكتفى بذكر إحداهما عن الأخرى، وإما لأنه لما كانت الرسل كثيرين ويجب على كل أحد أن يعرف برسالة رسوله كان ذكر جميعهم يستدعي تطويلًا فسكت عن ذكرهم علمًا بهم واختصارًا لذكرهم والله أعلم. اهـ من المفهم (فيعرفونهم) أي فتعرف الملائكة من لا يشرك بالله شيئًا (في النار) بسيماهم لأنهم (يعرفونهم بأثر السجود) وموضعه وهو الجبهة أو جميع أعضاء السجود السبعة لأنه (تأكل النار) وتحرق (من) جسم (ابن آدم إلَّا أثر السجود) وموضعه لأنه (حرم الله) سبحانه وتعالى (على النار أن تأكل) من ابن آدم (أثر السجود) وموضعه (فيخرجون) على صيغة المجهول أي فيخرج أهل لا إله إلَّا الله (من النار) بإخراج الملائكة (وقد امتحشوا) أي احترقوا وصاروا كالحمم جمع حممة وهي الفحم، وفي المفهم وقوله (قد امتحشوا) صوابه بفتح التاء والحاء ومعناه احترقوا
فَيُصَبُّ عَلَيهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ
ــ
يقال امتحش الخبز أي احترق ويقال محشته النار وأمحشته والمعروف أمحشته، والمحش لهب النار يحرق الجلد حتى يبدو العظم، قال صاحب العين: يقال محشته النار وأمحشته والمعروف الرباعي والثلاثي لغة، وقد رواه بعضهم (امتحشوا) مبنيًّا لما لم يسم فاعله أي أحرقوا، والصواب الأول (فيصب عليهم) أي يهراق ويرش على المخرجين من النار (ماء الحياة) أي ماء يحيى به الجسم وهو الماء الذي من شربه أو اغتسل به لم يمت أبدًا. وفي الأبي: هؤلاء الذين أخرجوا من النار برحمة الله سبحانه وتعالى من ليس عندهم إلَّا مجرد الإيمان وإنما يخرجون بشفاعة أرحم الراحمين كما أشرنا إليه آنفًا، وقوله (إلَّا أثر السجود) قال القاضي عياض: قيل يعني السبعة الأعضاء، ويرده قوله في الحديث الآخر (إلَّا دارات وجوههم) فإنه يدل على أنه إنما بقي الوجوه إكرامًا لموضع السجود ومكانه من الإيمان وإكرامًا للصورة التي خلق آدم عليها وفضل بها الإنسان على غيره، قال النواوي: لا يرده لأن ذلك في قوم خاصين لا يسلم منهم إلَّا دارات الوجوه وغيرهم تسلم منهم السبعة الأعضاء، قال الأبي: وعلى أنها السبعة فلا يعارض ما يأتي من أن منهم من تأكله النار إلى ركبتيه لأنها قد تأخذهما فتغيرهما ولا تأكلهما (فينبتون منه) أي ينبتون أي فتنبت أجسامهم بسبب ذلك الماء الذي صب عليهم، فمن بمعنى الباء المسببية، ولفظة ما في قوله (كما تنبت الحبة في حميل السيل) مصدرية والكاف صفة لمصدر محذوف والتقدير فينبتون منه نباتًا سريعًا سرعة كسرعة نبات الحبة في حميل السيل والحبة بكسر الحاء هي بذر البقول والعشب تنتشر بالريح فإذا أمطرت السماء من قابل تنبت في البراري وجوابي السيول، وجمعها حبب بكسر أوله وفتح ثانيه نظير قرب وقربة، وأما الحبة بفتحها فهي بذر ما يزرع ويقتات كالحنطة والشعير مثلًا، وقال أبو عمرو: هي اسم لنبت صغار تنبت في الحشيش، وقال الكسائي: هي حب الرياحين، وقال الأصمعي: هي اسم لحب كل نبت له حب قال: وهي بضم الحاء وتخفيف الباء القضيب من الكرم يغرس، والحبة من العنب الواحدة حبة، وأما الحنطة وغيرها فهو الحب لا غير وحميل السيل محموله من طين أو غثاء فإذا اتفق أن يكون فيه حبة فإنها تنبت في يوم وليلة وهي أسرع نابتة نباتًا، شبه صلى الله عليه وسلم سرعة نباتهم بسرعة نبات تلك الحبة، وبقي عليه من التشبيه المقصود بالحديث نوع آخر دل عليه ما في حديث أبي سعيد الخدري حيث قال: ألا ترونها تكون إلى الحجر
ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ تَعَالى مِنَ الْقَضَاءِ بَينَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ ألنَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللهَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: هَلْ عَسَيتَ
ــ
ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض وهو تنبيه إلى ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة منهم يسبق إليه البياض المستحسن وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر ذلك النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوي الحسن والنور ونضارة النعمة عليهم، ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن ما يباشر الماء تشتد سرعة نصوعه وأن ما فوق ذلك يتأخر عنه البياض لكنه يسري إليه سريعًا - (ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد) ثانيًا يعني يكمل خروج الموحدين من النار (ويبقى) بين النار والجنة (رجل مقبل) أي مستقبل (بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولًا الجنة فيقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (اصرف وجهي عن النار) أي حول وجهي من جهة النار إلى جهة الجنة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (قد قشبني ريحها) أي قد ملأ خياشيمي ريحها وسمني وأهلكني وغير صورتي وجلدي (وأحرقني ذكاؤها) أي لهبها واشتعالها وشدة وهجها وحرها، قال الليث: القشب بالفتح السم وبالكسر خلط السم بالطعام فالقشب والمقشوب المسموم، وقال عمر لبعض بنيه: قشبك المال أي أذهب عقلك، وقال الخطابي: يقال قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ بكِظَمِه وهذا أبين وأوضح في معنى الحديث، وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي وأحرقني، وقال الجوهري: قشبني يقشبني. أي أذابني كأنه قال سمني ريحه، قال: والقشب السم والجمع أقشاب، وعن أبي عمرو: وذكاء بفتح الذال مقصورًا وممدودًا وقد روي هنا بالوجهين شدة حرها ولهبها (فيدعو الله) سبحانه وتعالى ذلك الرجل، و (ما) في قوله (ما شاء الله) مصدرية ظرفية ويحتمل كونها موصولة، وجملة (أن يدعوه) مفعول المشيئة أي فيدعو الله سبحانه ذلك الرجل مدة مشيئة الله دعاءه إياه (ثم) بعد فراغه من دعائه (يقول الله تبارك وتعالى لذلك الرجل (هل عسيت) بفتح التاء على الخطاب ويقرأ بفتح السين وكسرها لغتان وقرئ بهما في السبع قرأ نافع بالكسر والباقون بالفتح وهو الأفصح والأشهر في اللغة، قال ابن السكيت: هو فعل جامد لا يتصرف منه مضارع ولا أمر ولا غيرهما أي
إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ غَيرَهُ. ويعْطِي للهِ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللهُ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَي رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَاب الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيسَ قَدْ أَعْطَيتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لا تَسْأَلُنِي غَيرَ الَّذِي أَعْطَيتُكَ، ويلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ، وَيَدْعُو اللهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيتَ إِنْ أَعْطَيتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا، وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا
ــ
هل رجوت وظننت (إن فعلت ذلك) المسؤول لك من صرف وجهك عن النار (بك) وأجبته لك (أن تسأل غيره) أي غير ذلك الصرف (فيقول) ذلك الرجل (لا أسالك غيره) أي غير ذلك الصرت (ويعطي) ذلك الرجل (لله) سبحانه، وقوله (من عهود) جمع عهد (ومواثيق) جمع ميثاق وهو العهد المؤكد باليمين بيان مقدم لقوله (ما شاء الله) سبحانه وتعالى أي عاهد لله سبحانه على أن لا يسأل غيره وألزم نفسه ذلك وأقسم عليه ما شاءه الله سبحانه وأراد منه من العهود والمواثيق (فـ) بعد ما عاهد على عدم سؤال غيره وأقسم عليه (يصرف الله) سبحانه ويحول (وجهه) أي وجه ذلك الرجل (عن النار) إلى الجنة (فإذا أقبل) ذلك الرجل بوجهه إلى الجنة واطلع (على) ما في (الجنة ورآها) أي ورأى وأبصر ما فيها من النعيم والنضارة (سكت ما شاء الله أن يسكت) أي أمسك عن الكلام وسكت مدة مشيئة الله سبحانه سكوته (ثم) بعد سكوته مدة (يقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (قدمني) أي قربني (إلى باب الجنة، فيقول الله) سبحانه (له) أي لذلك الرجل (أليس) بهمزة الاستفهام التقريري أي أليس الشأن والحال (قد أعطيت) لي أولًا (عهودك ومواثيقك) على أن (لا تسألني غير الذي أعطيتك) من صرف وجهك عن النار (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك (يا ابن آم ما أغدرك) أي أي شيء جعلك غادرًا ناقضًا لعهدك خائنًا فيما عاهدت لي أو شيء عجيب جعلك غادرًا ناقضًا للعهد (فيقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (ويدعو الله) تعالى أن يقربه إلى باب الجنة (حتى يقول) الله سبحانه (له) أي لذلك الرجل (فهل عسيت) ورجوت (إن أعطيتك ذلك) التقديم (أن تسأل غيره) أي غير ذلك التقديم (فيقول) الرجل في جواب الرب سبحانه (لا) أسألك غير ذلك التقديم (وعزتك) أي أقسمت لك بعزتك، قال القاضي: فيه جواز الحلف بالصفات، والعزة صفة أثرها اتصافه تعالى بجميع الكمالات (فيعطي) ذلك الرجل (ربه) سبحانه (ما
شَاءَ اللهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيرِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَي رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى لَهُ: أَلَيسَ قَدْ أَعْطَيتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيرَ مَا أُعْطِيتَ، ويلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أي رَبِّ، لا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ تبارك وتعالى مِنْهُ. فَإِذَا ضَحِكَ اللهُ مِنْهُ، قَال: ادْخُلِ الْجَّنَةَ،
ــ
شاء الله) سبحانه (من عهود ومواثيق فيقدمه) الله سبحانه (إلى باب الجنة فإذا قام) ذلك الرجل (على باب الجنة انفهقت) أي انفتحت واتسعت (له الجنة فرأى) أي فيرى (ما فيها من الخير) والنعيم (والسرور) أي والبشارة لأهلها، وقوله (من الخير) هكذا هو بالخاء المعجمة المفتوحة والياء المثناة من تحت الساكنة على الرواية المشهورة فيه، وقد روي (الحبر) بالحاء المهملة المفتوحة والباء الموحدة الساكنة ومعناه السرور المفرط وإفراط التنعم ومنه قوله تعالى:{فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي ينعمون ويسرون والحبر بكسر الحاء الذي يكتب به والعالم والجمال ومنه (ذهب حبره وسبره) أي جماله وبهاؤه ويقال في العالم بفتح الحاء (فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب) أي يا رب (أدخلني الجنة) وفي سؤاله بعد أن أعطى عهده جواز حل اليمين بفعل المحلوف عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إلا أتيت الذي هو خير وكفرت"، ولا حجة فيه لأن الله سبحانه قد عذره حين رأى ما لا صبر له بعد أن عاتبه (فيقول الله) سبحانه تبارك وتعالى له) أي لذلك الرجل (أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك) على (أن لا تسألـ) ـني (غير ما أعطيت) بفتح التاء على الخطاب وبالبناء للمجهول (ويلك يا ابن آدم ما أغدرك) أي أي شيء جعلك غادرًا (فيقول) الرجل (أي رب لا أكون أشقى خلقك) من رحمتك أي سألتك لئلا أكون من أشقى وأخيب وأحرم خلقك من رحمتك (فلا يزال) أي لا يبرح (يدعو الله) سبحانه وتعالى (حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه) أي من دعاء ذلك الرجل ويظهر أثر رضاه ورحمته له (فإذا ضحك الله) سبحانه (منه) أي من ذلك الرجل أي إذا أراد أن يظهر له أثر رحمته (قال) الله سبحانه وتعالى (ادخل الجنة) دار كرامتي ومقر أوليائي، قال القرطبي: والضحك من خواص البشر، وهو تغير أوجبه سرور القلب بحصول كمال لم يكن حاصلًا قبلُ فتثور من القلب حرارة ينبسط لها الوجه ويضيق عنها
فَإِذَا دَخَلَهَا قَال اللهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى، حَئئتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ
ــ
الفم فينفتح وهو التبسم فإذا زاد ولم يضبط الإنسان نفسه قهقهه وذلك كله على الله تعالى محال لكن لما كان دلالة عندنا على الرضا ومظهرًا له غالبًا عبر عن سببه به، وقد قالوا تضحك الأرض من بكاء السماء أي يظهر خيرها، وفي بعض الحديث "فيبعث الله سحابًا يضحك أحسن الضحك" يعني السحاب رواه أحمد ومنه قول دعبل بن علي الخزاعي:
لا تعجبي يا سلم من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى
ومنه قول الآخر:
في طعنة تضحك عن نجيع
فالضحك في هذه المواضع بمعنى الظهور فيكون معناه في هذا الحديث أن الله تعالى رضي عن هذا العبد وأظهر عليه رحمته وفضله ونعمته ولهذا حمله قوم هنا على أنه تجلى لهذا العبد وظهر له. اهـ منه (قلت) مذهب السلف إثبات الضحك لله تعالى من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه وهو الأسلم فإذًا نقول فالضحك صفة ثابتة لله تعالى نثبته ونعتقده ولا نكيفه ولا نمثله {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب جل وعلا وكذا يقال في آيات الصفات وأحاديثها كلها.
(فإذا دخلها قال الله) سبحانه (له) أي لذلك الرجل (تمنه) بهاء السكت فليست هاء الضمير لعدم المرجع أي اطلب ما ظهر لك من الرغائب واسأله مني، والتمني طلب ما لا طمع فيه أو طلب ما فيه عسر كما هو مقرر في محله (فيسأل) ذلك الرجل (ربه) سبحانه ما يطمعه من المطالب (ويتمنى) أي ويسأله ما لا يطمعه من الرغائب (حتى) انتهت به المطامع والأماني ثم (إن الله) سبحانه (ليذكره) أي ليذكر ذلك الرجل من أنواع الرغائب والأمنيات ليسأله فيقول له سل واطلب (منـ) ـي (كذا وكذا) كناية عن صنوف الرغائب أي يقول له تمن من الشيء الفلاني ومن الشيء الآخر يسمي له ويعدد أجناس ما يتمنى فيسأله جميع ما ذكره الله تعالى (حتى) حصلت له جميع المطامع والرغائب وانزاح عن قلبه ما يتمناه وانقطع تصوره فيه فـ (إذا انقطعت به) وانزاحت عن قلبه (الأماني) أي
قَال اللهُ تَعَالى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَال عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ لا يَرُدُّ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيئًا، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيرَةَ، أَن اللهَ قَال لِذَلِكَ الرَّجُلِ: وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَال أَبُو سَعِيدِ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ، يَا أَبَا هُرَيرَةَ. قَال أَبُو هُرَيرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَال أبُو سَعِيدِ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ".
قَال أَبُو هُرَيرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ
ــ
الأمنيات والرغائب جمع أمنية وهو كل ما يتمناه القلب ولم يتصور في قلبه (قال الله) سبحانه و (تعالى) لذلك الرجل الذي انقطعت عنه الأماني (ذلك) الذي سألتنيه حاصل (لك ومثله معه) أي والحال أن مثله وقدره مصحوب معه ومنضم إليه لك (قال عطاء بن يزيد) الليثي الراوي عن أبي هريرة بالسند السابق (وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة) رضي الله تعالى عنهما أي قال عطاء: روى لنا هذا الحديث أبو هريرة، والحال أن أبا سعيد الخدري جالس معه في حلقته حالة كون أبي سعيد (لا يرد عليه) أي على أبي هريرة ولا ينكر عليه (من حديثه) أي من حديث أبي هريرة الذي حدثه لنا عنده (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا أي أصغى إليه أبو سعيد الخدري وسكت (حتى إذا حدث) لنا (أبو هريرة) وأكمل حديثه ووصل إلى قوله (أن الله) سبحانه وتعالى (قال لذلك الرجل) ذلك لك (ومثله معه، قال أبو سعيد) لأبي هريرة: قل يا أبا هريرة ذلك لك (وعشرة أمثاله معه) فإن الحديث كذلك (يا أبا هريرة، قال أبو هريرة) لأبي سعيد هكذا سمعت الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا (ما حفظت) ولا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا قوله) صلى الله عليه وسلم (ذلك لك ومثله معه) وما سمعت منه وعشرة أمثاله معه (قال أبو سعيد) الخدري لأبي هريرة: أما أنا فـ (أشهد) على نفسي (أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله) صلى الله عليه وسلم (ذلك لك وعشرة أمثاله) معه، قال القاضي عياض: ويقال في الجمع بين الحديثين بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بما في حديث أبي هريرة أولًا فحدث به فسمعه أبو هريرة ثم أوحي إليه بما في حديث أبي سعيد فسمعه أبو سعيد ولم يسمعه أبو هريرة، والأظهر في عشرة أمثاله أنها زيادة على مسمى ذلك اهـ (قال أبو هريرة) بالسند السابق (وذلك الرجل) الذي يقول الله له ذلك، وهو مبتدأ خبره قوله (آخر أهل الجنة دخولًا الجنة) كما مر في أول الحديث.
355 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ، أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِيُّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل نَرَى رَبُّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟
…
وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 368] والبخاري [7437] والترمذي [2557].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(355)
- (00)(00)(حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة فاضل متقن من الحادية عشرة مات بسمرقند يوم عرفة سنة (255) وله (74) سنة روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي البهراني مولاهم الحمصي مشهور بكنيته ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين بحمص، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما، قال (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة القرشي الأموي مولاهم واسم أبيه دينار أبو بشر الحمصي أحد الأثبات المشاهير ثقة عابد من السابعة مات سنة (162) روى عن الزهري في الإيمان والصلاة وغيرهما (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (الزهري) المدني ثقة حافظ متقن من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (قال) الزهري (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبو محمد المدني أحد العلماء الأثبات والفقهاء السبعة بالمدينة من كبار الثانية مات بعد التسعين (90) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (وعطاء بن يزيد الليثي) المدني ثقة من الثالثة كلاهما رويا (أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى) ونبصر (ربنا يوم القيامة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه (وساق) أي ذكر شعيب بن أبي حمزة (الحديث) السابق (بمثل معنى حديث إبراهيم بن سعد) أي بمثله في
356 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ
ــ
المعنى دون اللفظ وهو بمعنى قوله في موضع آخر (بمعناه) ولكن الفرق بينهما أن قوله بمعناه يدل على أن معنى الحديثين متحد بعينه، وأن قوله بمثل معناه يدل على أن معنى الحديثين متماثلان متقاربان لا متحدان.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(356)
- (00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة عابد من الحادية عشرة مات سنة (245) روى عنه في (11) بابًا، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت فاضل من السابعة مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من الرابعة مات سنة (132) روى عنه في أبواب كثيرة (قال) همام (هذا) الحديث الذي حدثتكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أن أبا هريرة قال (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لسعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إن أدنى) أي إنَّ أقل وأنقص وأنزل (مقعد أحدكم من الجنة) مقعد يعطى لأحدكم بعد (أن يقول له) الرب جل جلاله وتبارك اسمه (تمن) أيها المؤمن ما شئت من الرغائب (فيتمنى) ويسأل ذلك العبد ما شاء منها (ويتمنى) مرة ثانية وثالثة وما فوقها (فيقول له) الرب تكاثر إحسانه (هل تمنيت) أيها العبد ما ظهر لك من الرغائب (فيقول) العبد (نعم) يا رب
فَيَقُولُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ"
ــ
تمنيت وتمنيت فأعطيتني عطاء لم يعط أحد غيري مثله (فيقول له) الرب (فإن لك) يا عبدي جميع (ما تمنيت) وسألت (ومثله معه) أي والحال أن مثله معه.
***