الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ
275 -
(137)(60) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ، قَال ابْنُ عَبَّادِ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ
ــ
74 -
(33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ
أي هذا بابٌ معقود في ذكر الأحاديث الدالة على أن الإسلام كان في أول بدايته وظهوره غريبًا، أي قليل الأهالي والحَمَلة، ثم بعد ظهوره وانتشاره سيعود في آخر الزمان غريبًا، أي قليل الأهالي والحملة، والمراد أن الإسلام نشأ في أول أمره في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر وظهر فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيلحقه من الضعف والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة كابتدائه، وأصل الغربة البعد كما قال الشاعر:
فلا تحرميني نائلًا عن جناية
…
فإني امرؤ وسط العباب غريبُ
وبه سُمي الغريب لبعد داره، وسمي النفي تغريبًا لذلك، وعلى أن الإيمان ليأرز أي لينضم ويجتمع بعضه إلى بعض، ويرجع إلى المدينة كما تنضم الحية إلى جحرها.
(275)
- س (137)(60)(حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان، أبو عبد الله المكي، نزيل بغداد، صدوق يهم من العاشرة، مات ببغداد في آخر ذي الحجة سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا.
(و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني ثم المكي، صدوق كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) روى عنه المؤلف في (11) بابا وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن كِلَا الراويين صدوق، وقوله (جميعًا) حال من الراويين، أي حالة كون كل منهما مجتمعين في الرواية (عن مروان) بن معاوية بن الحارث (الفزاري) أي المنسوب إلى بني فزارة، أبي عبد الله الكوفي، ثقة حافظ من الثامنة، مات فجأة سنة (193) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا.
وأتى بقوله (قال ابن عباد حدثنا مروان) تورعًا من الكذب عليه، لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى عن مروان بالعنعنة، كابن أبي عمر مع أنه صرح بالسماع (عن يزيد) بن كيسان اليشكري، أبي إسماعيل، أو أبي مُنَين - بنونين مصغرًا - الكوفي، روى عن أبي
- يَعْنِي ابْنَ كَيسَانَ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا،
ــ
حازم سلمان الأشجعي في الإيمان والصلاة واللباس والأطعمة والنكاح والفضائل، ومعبد أبي الأزهر، ويروي عنه (م عم) ومروان بن معاوية، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، وغيرهم وثقه ابن معين والنسائي، واعتمده مسلم، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من السادسة، وقال الدارقطني: كوفي ثقة، وقال أحمد: ثقة، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن كيسان) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا.
(عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الغطفاني الكوفي، مولى عزة الأشجعية، ثقة من الثالثة مات على رأس المائة (100)(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني الدوسي، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، وواحد مدني، وواحد مكي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبًا) أي نشأ الإسلام وطرأ ووجد حالة كونه غريبًا، أي قليل الأهالي والحملة (وسيعود) أي سيصير في آخر الزمان بعد ظهوره وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها، وغلبته على سائر الأديان والملل كما بدأ غريبًا) أي سيصير غريبًا قليل الأهل والحفظة، كما كان في بدايته، وأول ظهوره قليل الحملة والأصحاب.
وفي المفهم: قوله: (بدأ الإسلام غريبًا) كذا روايته بهمز وفيه نظر، وذلك أن بدأ مهموزًا متعدٍ إلى مفعول كقوله تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} ويقال: بدأ الله الخلق بدأَ وأبدأهم خلقهم، وبدأ في الحديث لا يقتضي مفعولًا فظهر الإشكال، ويرتفع الإشكال بأن يُحمل بدأ الذي في الحديث على طرأ فيكون لازمًا، كما اتفق للعرب في كثير من الأفعال اللازمة، حملُها على المتعدية فيعدونها وفي كثير من الأفعال المتعدية حملها على اللازمة فتكون لازمة، كما حملوا هنا بدأ المتعدي على طرأ اللازم فيكون لازمًا، كما قالوا رجع زيدٌ ورجعته، وفغر فاه، وفغر فوه، والتضمين في اللسان جائز كثير، وأنكر بعض مشايخنا همزه وقال إنما هو بدا بمعنى ظهر، وفي إنكاره بُعْدٌ من حيث الرواية، ومن جهة المعنى، لأن المراد أن الإسلام نشأ في آحاد وقلة، وسيلحقه النقص حتى يصير في آحاد وقلة، وبدا بمعنى ظهر يبعده عن هذا المعنى، فأما الرواية
فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ".
276 -
(138)(61) وحدَّثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ،
ــ
بالهمز فصحيحة النقل عمن يعتمد على علمه وضبطه، وأما المعنى فبعيد عن مقصود الحديث كما قلنا آنفًا.
ويحتمل أن يراد بالحديث المهاجرون، إذ هم الذين تغربوا عن أوطانهم فرارًا بأديانهم، فيكون معناه أن آخر الزمان تشتد فيه المحن على المسلمين، فيفرون بأديانهم ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون، وقد ورد في الحديث:"قيل: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: هم النُّزَّاعُ من القبائل "إشارة إلى هذا المعنى والله أعلم.
ولذلك قال الهروي: أراد بذلك المهاجرين لأنهم تغربوا عن أهليهم لله ورسوله، والنزاع: جمع نزيع أو نازع، وهو الذي نُزع عن أهله وعشيرته وبعد عن ذلك، ولكن ظاهر الحديث العموم، والأولى حمله عليه، وعدم القصر على المهاجرين.
(فطوبى) أي فطيب العيش، أو الجنة (للغرباء) أي لمن تغرب بدينه طلبًا لسلامته من الفتن فيه، وقد مر تفسير الغرباء في الحديث، ومن حيث اللغة آنفًا فهو جمع غريب، وهو من بَعُدَ عن أهله وعشيرته وماله، وأما طوبى فاصله طُيبَى بوزن فُعلى -بضم الطاء وسكون الياء- فقلبت فيها الياء واوًا لانضمام ما قبلها، واختلف المفسرون في معناها في قوله تعالى:{طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معناه فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نِعْمَ مالهم، وقال الضحاكْ غبطة لهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وعن قتادة أيضًا معناه: أصابوا خيرًا، وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة،
وقال ابن عجلان: دوام الخير، وقيل: الجنة، وقيل: شجرة في الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث والله أعلم اهـ نواوي.
وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة في غُربة الإسلام شارك المؤلف في روايته ابن ماجه (3986) فقط.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال:
(276)
- ش (138)(61)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم، أبو عبد الله
وَالْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأعرَجُ قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا عَاصمٌ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
ــ
النيسابوري، الحافظ الزاهد ثقة عابد، من الحادية عشرة مات سنة (245) روى عنه المؤلف في (11) بابًا تقريبًا.
(و) حدثنا أيضًا (الفضل بن سهل) بن إبراهيم (الأعرج) أبو العباس البغدادي، روى عن شبابة بن سوار في الإيمان، ويزيد بن هارون في الحج، ويحيى بن غيلان في الحدود، وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن مخلد، والمحاملي، وكان ذكيًّا يحفظ، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات ببغداد يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من صفر سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وله (73) نيف وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.
(قالا) أي قال كل من محمد والفضل (حدثنا شبابة بن سوار) الفزاري مولاهم، أبو عمرو المدائني، أصله من خراسان، قيل: اسمه مروان، وشبابة لقبه، روى عن عاصم بن محمد في الإيمان، والليث بن سعد في الوضوء والصلاة، وورقاء في الصلاة وغيرها، وشعبة في البيوع وغيرها، وشيبان بن عبد الرحمن في الزكاة، وسليمان بن المغيرة في النكاح والأطعمة، وابن أبي ذئب في الطب، ومحمد بن طلحة بن مصرف في البر، وعبد العزيز بين الماجشون في الظلم، وغيرهم، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، ويروي عنه (ع) ومحمد بن رافع، والفضل بن سهل، ومحمد بن حاتم في الزكاة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وإسحاق الحنظلي وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ رُمي بالإرجاء من التاسعة مات سنة (206) ست ومائتين، وليس في مسلم شبابة إلا هذا الثقة، قال شبابة (حدثنا عاصم) بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وأتى بهو في قوله (وهو ابن محمد) القرشي العدوي (العمري) المدني، إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته على الشيخ، ثقة من السابعة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا.
(عن أبيه) محمد بن زيد القرشي العدوي المدني، ثقة من الثالثة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا.
(عن) جده عبد الله (بن عمر) بن الخطاب المكي، وهذا السند من خماسياته،
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِن الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الْحَيَّةُ في جُحْرِهَا"
ــ
رجاله اثنان منهم مدنيان، وواحد مكي، وواحد مدائني وواحد نيسابوري أو بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن الإسلام بدأ) ونشأ وظهر حالة كونه (غريبًا) أي قليل الأهل والأصحاب (وسيعود) أي وسيكون (غريبًا) أي قليل الأهل والأصحاب في آخر الزمان (كما بدأ) غريبًا، أي سيكون غريبًا غربة كغربته في بدايته، فطوبى لمن تغرب بسببه (وهو) أي دين الإسلام (يأرز) أي ينضم ويجتمع في آخر الزمان (بين المسجدين) المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن السراج: ليأرز بضم الراء، وحكى القابسي: فتح الراء، قال ابن دريد: أرز الشيء يأرز من باب نصر وفتح وضرب، وقال ابن التين: والصواب الكسر، وكلها بمعنى واحد.
وفي السنوسي: قوله: ليأرز إلى المدينة بكسر الراء بعدها زاي معجمة، ويُروى ضمها وفتحها، والأول المشهور أي إذا ثبتت في الأرض، وشجرة أرزة أي ثابتة مجتمعة لا تتحرك، أي يجتمع الإسلام ويقوى أهله بين مسجدي مكة والمدينة لا تحركهم البدع والخرافات عن قدم النبي صلى الله عليه وسلم وإن انتشرت في سائر الأمصار والمدن، وحركت أهلها عن قدم النبي صلى الله عليه وسلم (كما تأرز) أي تلتف (الحية) وتجتمع برمتها (في جحرها) لا تخرج منه وقت خوفها على نفسها أو من البرودة.
وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وغرضه بذكره الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الذي ذكره استدلالًا به على الترجمة.
* * *