المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌93 - (52) باب: في ذكر الاختلاف هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌93 - (52) باب: في ذكر الاختلاف هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه

‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

؟

ــ

93 -

(52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟

واختلف قديمًا وحديثًا في جواز رؤية الله تعالى فأكثر المبتدعة على إنكار جوازها في الدنيا والآخرة.

وأهل السلف والسنة على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة، ثم هل رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ربه أم لا؟ اختلف في ذلك السلف والخلف فأنكرته عائشة وأبو هريرة وجماعة من السلف وهو المشهور عن ابن مسعود وإليه ذهب جماعة من المتكلمين والمحدثين، وذهبت طائفة أخرى من السلف إلى وقوعه وأنه رأى ربه بعينيه وإليه ذهب ابن عباس وقال: اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالرؤية. وأبو ذر وكعب والحسن وأحمد بن حنبل وحكي عن ابن مسعود وأبي هريرة في قول لهما آخر ومثل ذلك حكي عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه، وذهبت طائفة من المشايخ إلى الوقف وقالوا: ليس عليه قاطع نفيًا ولا إثباتًا ولكنه جائز عقلًا وهذا هو الصحيح. إذ رؤية الله تعالى جائزة كما دلت عليها الأدلة العقلية والنقلية، فأما العقلية فتعرف في علم الكلام وأما النقلية فمنها سؤال موسى رؤية ربه، ووجه التمسك بذلك علم موسى بجواز ذلك ولو علم استحالة ذلك لما سأله ومحال أن يجهل موسى جواز ذلك إذ يلزم منه أن يكون مع علو منصبه في النبوة وانتهائه إلى أن يصطفيه الله تعالى على الناس وأن يسمعه كلامه بلا واسطة جاهلًا بما يجب له تعالى ويستحيل عليه ويجوز، ومجوز هذا كافر. ومنها قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ووجه التمسك بها امتنانه تعالى على عباده بالنظر إلى وجهه تعالى في الدار الآخرة، وإذا جاز أن يروه فيها جاز أن يروه في الدنيا لتساوي الوقتين بالنظر إلى الأحكام العقلية. ومنها ما تواترت جملته في صحيح الأحاديث من إخباره صلى الله عليه وسلم لوقوع ذلك كرامة للمؤمنين في الدار الآخرة فهذه الأدلة تدل على جواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة والدنيا. ثم هل وقعت رؤية الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أو لم تقع؟ ليس في ذلك دليل قاطع وغاية المستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسك بظواهر

ص: 250

339 -

(166)(89) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال:"رَآهُ بِقَلْبِهِ"

ــ

متعارضة معرضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيكتفى فيها بالظنون وإنما هي من باب المعتقدات ولا مدخل للظنون فيها إذ الظن من باب الشك لأن حقيقته تغليب أحد المجوزين وذلك يناقض العلم والاعتقاد.

واختلفوا أيضًا هل كلم محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا؟ فذهب ابن مسعود وابن عباس وجعفر بن محمد وأبو الحسن الأشعري في طائفة من المتكلميان إلى أنه كلم بغير واسطة، وذهبت جماعة إلى نفي ذلك، والكلام على هذه المسألة كالكلام على مسألة الرؤية سواء. انتهى من المفهم.

أي هذا باب معقود في بيان الاختلاف الواقع من الصحابة ومن بعدهم من السلف والخلف رضوان الله تعالى عليهم في: هل رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء أم لا؟

(339)

- (166)(89)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال أبو بكر (حدثنا حفص) بن غياث بن طلق النخعي أبو عمر الكوفي ثقة فقيه من الثامنة (عن عبد الملك) بن ميسرة الفزاري أبي عبد الله الكوفي صدوق من الخامسة (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم أبي محمد اليماني ثم المكي ثقة فقيه من الثالثة (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي المكي ثم الطائفي مات بالطائف ودفن في مسجد الطائف، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مكيان (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} (رآه) أي رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى (بقلبه) أي رآه بفؤاده مرتين: مرة عند وصوله إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام حين فرض عليه خمسين صلاة، ومرة عند رجوعه لطلب تخفيف أعدادها.

قال النواوي: والراجح عند الأكثر أنه رآه لأن ابن عباس أثبته وليس مما يدرك بالاجتهاد فإنما قاله لأنه سمعه، وعائشة لم تستند في النفي إلى حديث بل استنبطته، واستنباطها مجاب عنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 251

340 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَال الأشَجُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَينِ أَبِي جَهْمَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} . قَال: "رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَينِ"

ــ

(340)

- (00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي أحد الأئمة ثقة من العاشرة مات سنة (257) روى عنه في الإيمان والصلاة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبي سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات سنة (196) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال) أبو سعيد (الأشج، حدثنا وكيع) بتصريح السماع تورعًا من الكذب عليه لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى بالعنعنة كأبي بكر، قال وكيع (حدثنا) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم (الأعمش) أبو محمد الكوفي ثقة حافظ من الخامسة مات سنة (148) روى عنه في (13) بابًا (عن زياد بن الحصين) بن قيس الحنظلي أو الرياحي بكسر الراء المهملة اليربوعي (أبي جهمة) بفتح الجيم البصري، روى عن أبي العالية الرياحي في الإيمان وابن عمر، ويروي عنه (م س ف) والأعمش وعاصم الأحول، وثقه العجلي، قال أبو حاتم: أبو جهمة عن ابن عباس مرسل، وقال في التقريب: ثقة يرسل من الرابعة (عن أبي العالية) رفيع مصغرًا ابن مهران الرياحي بكسر الراء مولاهم مولى أعرابية من رياح بن يربوع البصري ثقة مخضرم إمام كثير الإرسال من الثانية مات سنة (90) تسعين، روى عنه في (4) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي المكي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مكي وفيهم ثلاثة تابعيون: الأعمش وأبو جهمة وأبو العالية، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي العالية لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الأثر عن ابن عباس (قال) ابن عباس في تفسير قوله تعالى في سورة النجم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)}) وقوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} قال) ابن عباس معناه (رآه بفواده) أي رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه بفؤاده وقلبه (مرتين): مرة عند وصوله أولًا إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام حين فرض عليه خمسين صلاة، ومرة عند رجعته إلى المستوى ثانيًا لطلب التخفيف.

ص: 252

341 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأعمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَهْمَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.

342 -

(167)(95) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

(341)

- (00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي من الثامنة (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) أبي محمد الكوفي ثقة من الخامسة، قال (حدثنا أبو جهمة) زياد بن الحصين الرياحي البصري، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا حفص لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع بفتح الباء أي حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس بمثل ما حدث وكيع عن الأعمش يعني: رآه بفؤاده مرتين، وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مكي أو طائفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة حفص لوكيع في رواية هذا الأثر عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع تصريح الأعمش بالسماع في هذا السند لأنه مدلس بقوله حدثنا أبو جهمة، وإنما قدم المؤلف أثر ابن عباس على أثر عائشة الآتي إشارة إلى أنه أصح من أثرها لأن ابن عباس أثبت شيئًا نفته عائشة، والمثبت مقدم على النافي على ما هو القاعدة عندهم، ثم ذكر أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(342)

- (167)(90)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة، قال (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية ثقة من الثامنة (عن داود) بن أبي هند اسمه دينار القشيري مولاهم أبي بكر البصري كان من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات ثقة متقن كان يهم بأَخَرةٍ من الخامسة مات في طريق مكة سنة (140) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) أبي عمرو الكوفي ثقة فقيه مشهور فاضل من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة، روى عنه في (19) بابًا

ص: 253

عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَال: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالتْ: يَا أبَا عَائِشَةَ، ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالتْ: مَنْ زَعَمَ أَن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قَال: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ. فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي وَلا تَعْجَلِينِي. ألَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ

ــ

تقريبًا (عن مسروق) بن عبد الرحمن بن مالك بن أمية الهمداني أبي عائشة الكوفي، ويقال له ابن الأجدع وهو لقب أبيه، قال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله سمي مسروقًا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد، ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) ثلاث وستين روى عنه في (11) بابا، وليس في مسلم مسروق إلا هذا.

(قال) مسروق (كنت متكئًا) أي جالسًا معتمدًا على نحو وسادة لعله لعذر (عند عائشة) الصديقة بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبته صلى الله عليه وسلم، لها (2210) ألفان ومائتان وعشرة أحاديث اتفقا على (174) وانفرد (خ) في (54) و (م) في (68) حديثًا، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني وواحد نسائي، وفيه رواية تابعي عن تابعي: الشعبي عن مسروق (فقالت) عائشة (يا أبا عائشة) كنية مسروق (ثلاث) خصال (من تكلم بواحدة منهن) واعتقدها (فقد أعظم) أي فقد افترى (على الله) سبحانه (الفرية) العظيمة واختلقها من عند نفسه، والفرية بكسر الفاء وإسكان الراء الكذب، يقال فرى الشيء يفريه فريًا وافتراء وافتراه يفتريه افتراء إذا اختلقه وجمع الفرية فرىً، وفي المفهم الفرية هي الافتراء وهو اختلاق الكذب وما يقبح التحدث به، والمعنى اختلق على الله كذبًا عظيمًا.

قال مسروق (قلت) لها (ما هن؟ ) أي أي شيء تلك الثلاث، فما استفهامية (قالت: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه) والزعم القول بلا دليل (فقد أعظم على الله الفرية، قال) مسروق (وكنت متكئًا) أي جالسًا جلوس المتكئ على شيء لعله لضعف به (فجلست) مستقيمًا بلا اعتماد ولا اتكاء (فقلت) لها (يا أم المومنين أنظريني) أي أمهليني لحظة حتى أتكلم شيئًا، من الإنظار وهو التأخير والإمهال (ولا تعجليني) في الكلام حتى أسألك شيئًا وقلت لها ردًّا لكلامها لأنها إنما قالت باجتهادها لا بدليل قاطع (ألم يقل الله عز وجل والاستفهام فيه للتقرير في كتابه العزيز

ص: 254

وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} فَقَالت: أنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "إِنمَا هُوَ جِبْرِيلُ. لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتهِ التِي خُلِقَ عَلَيهَا غَيرَ هَاتَينِ الْمَرَّتَينِ، رَأَيتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَينَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ" فَقَالتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَن اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ

ــ

({وَلَقَدْ رَآهُ}) أي رأى محمد ربه {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} في سورة التكوير [23]({وَلَقَدْ رَآهُ}) أي رأى محمد ربه ({نَزْلَةً أُخْرَى}) أي مرة أخرى في سورة النجم [53] فكيف تنكري يا أماه رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه مع هاتين الآيتين (فقالت) عائشة مجيبة عن هاتين الآيتين (أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك) المذكور من الآيتين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هو) أي إنما المرئي لي في هاتين الآيتين هو (جبريل) عليه السلام (لم أره) أي لم أر جبريل (على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين) المذكورتين في هاتين الآيتين (رأيته) أي رأيت جبريل في هاتين المرتين حالة كونه (منهبطًا) أي نازلًا (من السماء سادًا) أي مالئًا (عظم خلقه) أي كبر جسمه بضم العين وسكون الظاء وبكسر العين وفتح الظاء أي مالئًا (ما بين السماء) والأرض، وقوله (إلى الأرض) متعلق بقوله منهبطًا (فقالت) عائشة استدلالًا على قولها (أ) تزعم يا مسروق رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه (ولم تسمع أن الله) سبحانه وتعالى (يقول {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}) أي لا تراه سبحانه وتعالى ({الْأَبْصَارُ}) أي أبصار المخلوقات ({وَهُوَ}) سبحانه ({يُدْرِكُ}) ويرى ({الْأَبْصَارَ}) أي جميع المبصرات ({وَهُوَ}) سبحانه ({اللَّطِيفُ}) أي الرفيق على عباده ({الْخَبِيرُ}) أي العليم ببواطنهم كظواهرهم- سورة الأنعام [103](أو لم تسمع) أيضًا (أن الله) سبحانه (يقول) في كتابه العزيز ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ}) أيَّ بشر كان ({أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ}) سبحانه وتعالى ويخاطبه {إلَّا وَحْيًا} أي إلا بوحي وإلهام في قلبه لا بواسطة شخص آخر ولا بسمع عين كلام الله تعالى كما في أم موسى وكما في رؤية إبراهيم عليه السلام في المنام بذبح ولده ({أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}) أي أو إلا بأن يوصل إليه الوحي من وراء حجاب لا بواسطة شخص آخر ولكنه يسمع عين كلام الله تعالى من غير رؤية ذاته تعالى كما وقع لموسى عليه السلام -

ص: 255

أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} قَالتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيئًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ} قَالتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُوَلُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

ــ

({أَوْ}) إلا بأن ({يُرْسِلَ}) إليه ({رَسُولًا}) أي ملكًا مرسلًا ({فَيُوحِيَ}) أي فيوصل ذلك الرسول إليه ({بِإِذْنِهِ}) تعالى وأمره ({مَا يَشَاءُ}) الله تعالى من الوحي. والمعنى أي وما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله إلا على أحد هذه الثلاثة الأوجه: إما أن يلهمه الله الوحي في قلبه لا بواسطة شخص آخر ولا بسمع عين كلام الله تعالى، أو أن يوصل إليه الوحي بإسماع عين كلامه من غير رؤية، أو يوصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر وهو جبريل وهذا هو الذي يجري بينه وبين الأنبياء في أكثر الأوقات من الكلام وإن أردت الخوض في هذا المقام تفسيرًا وإعرابًا وغيرهما فراجع تفسيرنا حدائق الروح والريحان فإنه بين بما لا مزيد عليه.

({إِنَّهُ}) تعالى ({عَلِيٌّ}) عن صفات المخلوقين ({حَكِيمٌ}) في صنعه يجري أفعاله على موجب الحكمة فيتكلم تارة بغير واسطة على سبيل الإلهام وثانيًا بإسماع الكلام وثالثًا بتوسيط الملائكة الكرام.

(قالت) عائشة أيضًا (ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم) وأخفى (شيئًا من كتاب الله) تعالى وحكمه (فقد أعظم على الله الفرية) أي فقد افترى على الله تعالى فرية عظيمة وبهتانًا عظيمًا (والله) سبحانه وتعالى (يقول) له صلى الله عليه وسلم ({يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}) الكريم ({بَلِّغْ}) أي أوصل إلى عبادي ({مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ}) من الوحي ({وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ}) تبليغ جميع ما أوحي إليك من ربك ({فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ}) فبترك شيء منه تكون كمن لم يبلغ.

و(قالت) عائشة أيضًا (ومن زعم) وقال قولًا بلا دليل (أنه) أي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم (يخبر) ويحدث (بما يكون) ويقع (في غد) أي في زمن مستقبل ولو في نفس اليوم (فقد أعظم على الله الفرية والله) سبحانه وتعالى (يقول) في كتابه العزيز ({قُلْ}) يا محمد لعبادي ({لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}) ولو ملكًا مقربًا ({و}) من في ({الْأَرْضِ}) ولو

ص: 256

الْغَيْبَ إلا اللَّهُ}

ــ

نبيًّا مرسلًا ({الْغَيبَ}) أي ما غاب عن المخلوق ({إلا اللَّهُ}) سبحانه وتعالى.

واعلم أن قول عائشة (والله يقول) وقول مسروق (ألم يقل الله) تصريح منهما بجواز قول المستدل بآية من القرآن إن الله عز وجل يقول: كذا وكذا، وقد كره ذلك فطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور فروى ابن أبي داود بإسناده عنه أنه قال: لا تقولوا إن الله يقول ولكن قولوا إن الله تعالى قال، وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما فعلته الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين، فالصحيح المختار جواز الأمرين كما استعملته عائشة رضي الله تعالى عنها ومن في عصرها وبعدها من السلف والخلف وليس لمن أنكره حجة ومما يدل على جوازه من النصوص قول الله عز وجل {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} وفي "صحيح مسلم" رحمه الله تعالى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} . والله أعلم.

واعلم أنه اختار صاحب التحرير إثبات الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم قال: والحجج في هذه المسألة وإن كانت كثيرة لكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين).

وعن عكرمة سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم.

وقد روي بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه، والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات وقد راجعه ابن عمر رضي الله تعالى عنهم في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه.

ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم أر ربي، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} ولقول الله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} والصحابي إذا قال قولًا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد، وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي هذا كلام صاحب التحرير.

فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما لا ينبغي أن يشكك فيه، ثم إن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها بقولنا:

فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة وأجيب عن الآية بأجوبة أخرى لا حاجة إليها مع ما ذكرناه فإنه في نهاية من الحسن مع اختصاره.

وأما احتجاجها رضي الله تعالى عنها بقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا} الآية، فالجواب عنه من أوجه:

(أحدها) أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.

(الثاني) أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة.

(الثالث) ما قاله بعض العلماء أن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة وهذا الذي قاله هذا القائل وإن كان محتملًا لكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحيًا.

ص: 258

343 -

(00)(00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَزَادَ: قَالتْ: وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ

ــ

وأما قوله تعالى {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قال الواحدي وغيره: معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن هناك حجابًا يفصل موضعًا من موضع ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء الحجاب حيث لم ير المتكلم والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال. اهـ نووي.

وهذا الحديث أعني حديث عائشة شارك المؤلف في روايته البخاري [4855] والترمذي [3075].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(343)

- (00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري مشهور بكنيته ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي أبو محمد البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين من الثامنة مات سنة (194) قال (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري أبو محمد البصري ثقة متقن من الخامسة مات سنة (140) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) السابق متعلق بقوله (حدثنا عبد الوهاب)، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع، وقوله (نحو حديث) إسماعيل (ابن علية) أي إسماعيل بن إبراهيم مفعول ثان لقوله (حدثنا عبد الوهاب)، والمعنى حدثنا عبد الوهاب عن داود بهذا الإسناد أي عن الشعبي عن مسروق عن عائشة نحو حديث ابن علية عن داود، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لإسماعيل ابن علية في رواية هذا الأثر عن داود، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (و) لكن (زاد) عبد الوهاب على إسماعيل قوله (قالت) عائشة (ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتمًا) ومخفيًا (شيئًا مما أنزل عليه لكتم) وأخفى عن الناس (هذه الآية) خوفًا من تعيير الناس له ولكنه لم يخف بل بلغها كما أنزلت وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب [37]({وَإِذْ تَقُولُ}) أي واذكر يا محمد بقلبك

ص: 259

لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}

ــ

قصة وقت قولك ({لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ}) بالإسلام ({وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ}) بالإعتاق وهو زيد بن حارثة ({أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ}) زينب بنت جحش أي أمسكها في عصمتك ولا تطلقها، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أبصرها قائمة في درع وخمار بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر فقال: سبحان الله مقلب القلوب، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أريد أن أفارق صاحبتي فقال: ما لك؟ أرابك منها شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرًا ولكنها تتعاظم علي بشرفها، فقال له: أمسك عليك زوجك أي لا تفارقها ({وَاتَّقِ اللَّهَ}) في أمرها فلا تطلقها تعللًا بتكبرها عليك بسبب النسب وعدم الكفاءة ({وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ}) وقلبك ({مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}) ومظهره للناس أي والحال أنك تخفي في نفسك ما أعلمك الله تعالى أنها ستصير من أزواجك بعد طلاق زيد ({وَتَخْشَى النَّاسَ}) أي تستحي من تعيير الناس إياك بأن يقولوا أخذ محمد زوجة ابنه ({وَاللَّهُ}) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى وحده ({أَحَقُّ}) وأولى ({أَنْ تَخْشَاهُ}) أي أن تستحي منه. اهـ مراح.

هكذا فسر هذه الآية بعض المفسرين وقد اجترأ هذا البعض في تفسير هذه الآية ونسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به ويستحيل عليه إذ قد عصمه الله سبحانه وتعالى منه ونزهه عن مثله فقال ذلك البعض إن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المُجَّانِ لفظَ (عشق) ثم جاء زيد يريد تطليقها، فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله وهو مع ذلك يحب أن يطلقها ليتزوجها. وهذا القول إنما يصدر عن جاهل بعصمته صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بحرمته صلى الله عليه وسلم والذي عليه أهل التحقيق من المفسرين وإلعلماء الراسخين أن ذلك القول الشنيع ليس بصحيح ولا يليق بذوي المروءات فضلًا عن خير البريات، تفسير تلك الآية بما حكي عن علي بن حسين أن الله تعالى أعلم نبيه بكونها زوجة له فلما شكاها زيد له وأراد أن يطلقها، قال له: أمسك عليك زوجك واتق الله، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله تعالى به مما هو مبديه بطلاق زيد لها وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم لها، وروي نحوه عن الزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري وغيرهم. والذي خشيه

ص: 260

344 -

(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ:

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو إرجاف المنافقين وأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء، وتزوج بزوجة ابنه، ومساق الآية يدل على صحة هذا الوجه بقوله تعالى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} ولو كان ما ذكر أولئك لكان فيه أعظم الحرج، ولقوله تعالى:{لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} وبالله التوفيق. اهـ من المفهم.

وعبارة القاضي (قوله لكتم هذه الآية) لما تضمنت من عتبه على إخفائه أمرًا أعلمه الله تعالى أنه يقع، قال علي بن الحسين: أعلم الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيدًا سيطلق زينب ويزوجها منه، فلما شكا زيد حِدَّتها وأراد أن يطلقها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى في نفسه ما أعلمه الله سبحانه وتعالى به من أنه يطلقها، والذي خشي صلى الله عليه وسلم إرجاف المنافقين، وهذا هو الذي عليه المحققون في تفسير الآية لا ما قاله من لا تحقيق عنده من المفسرين أنه كان يحب أن يطلقها ليتزوجها فلما جاء ليطلقها قال له: أمسك عليك زوجك وأخفى في نفسه أنه كان يحب أن يطلقها، وهذا لا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد نهي عن مد عينيه إلى ما متع به غيره من زهرة الدنيا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(344)

- (00)(00)(حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي ثقة من التاسعة، قال (حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الأحمسي الكوفي ثقة ثبت من الرابعة (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة فقيه من الثالثة (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم من الثانية (قال) مسروق (سألت عائئة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها مدنية، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لداود بن أبي هند في رواية هذا الأثر عن الشعبي، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان

ص: 261

هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَقَالت: سُبْحَانَ اللهِ، لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي لِمَا قُلْتَ

وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَحَدِيثُ دَاوُدَ أَتَمُّ وَأَطوَلُ

ــ

بعض الزيادة في هذه الرواية، أي قال مسروق سألت عائشة (هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه) ليلة الإسراء (فقالت) عائشة تعجبًا من جهلي وسؤالي (سبحان الله) أي تنزيهًا له تعالى عما لا يليق به، والله (لقد قَفَّ) وقام (شعري) فزعًا (لما قلت).

وعبارة النووي هنا: قولها (سبحان الله) معناه التعجب من جهل مثل هذا وكأنها تقول: كيف يخفى عليك مثل هذا؟ ولفظة (سبحان الله) لإرادة التعجب كثيرة في الحديث وكلام العرب كقوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله تطهري بها" و"سبحان الله المؤمن لا ينجس"، وقول الصحابة: سبحان الله يا رسول الله، وممن ذكر من النحويين أنها من ألفاظ التعجب أبو بكر بن السراج وغيره، وكذلك يقولون في التعجب لا إله إلا الله، وأما قولها (لقد قف شعري) فمعناه قام شعري من الفزع لكوني سمعت ما لا ينبغي أن يقال، قال ابن الأعرابي: تقول العرب عند إنكار الشيء قف شعري واقشعر جلدي واشمأزت نفسي، وقال النضر بن شميل: القفة كهيئة القشعريرة، وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع والاستهوال فيقوم الشعر لذلك وبذلك سميت القفة التي هي الزنبيل لاجتماعها ولما يجتمع فيها.

وقال القاضي: قال أبو زيد: قف الرجل من البرد وعَلَتْهُ قفة أي رعدة والقفوف أيضًا القشعريرة من الحمى، وقال الخليل: والقفقفة الرعدة، وأصله من الانقباض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع والبرد فيقوم الشعر، لذلك سميت القفة قفة لضم بعضها إلى بعض أو لضمها ما فيها. اهـ

(وساق) أي ذكر إسماعيل بن أبي خالد (الحديث) السابق (بقصته) أي بوجهه وطِبْقِه، وفي القاموس قص الحديث إذا رواه على وجهه وشبهه من غير تغيير (و) لكن (حديث داود) بن أبي هند (أتم) معنى (وأطول) لفظًا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

ص: 262

345 -

(00)(00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: فَأَينَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ

ــ

(345)

- (00))

) (وحدثنا) محمد (بن) عبد الله بن (نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (201) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة بن ميمون بن فيروز، واسم أبي زائدة خالد وقيل اسمه كنيته أبو يحيى الهمداني الأعمى الوادعي الكوفي، روى عن سعيد بن أشوع ومصعب بن شيبة والشعبي وخالد بن مسلمة وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وعبد الرحمن الأصبهاني وأبي إسحاق السبيعي وسعيد بن أبي بردة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو أسامة ووكيع وابنه يحيى وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر وخلق، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في ثلاثة مواضع والصلاة في موضعين والحج والغراس والجهاد والأضاحي والفضائل في موضعين وفي خلق النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء ومثلٍ المؤمنين واللباس والبيوع فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة وكان يدلس من السادسة مات سنة (149) تسع وأربعين ومائة (عن) سعيد بن عمرو (بن أشوع) بوزن أحمد الهمداني الكوفي قاضيها، روى عن الشعبي في الإيمان والأحكام، وأبي سلمة وأبي بردة ويروي عنه (خ م ت) وزكرياء بن أبي زائدة وخالد الحذاء وأبو إسحاق السبيعي والثوري وثقه ابن حبان، وقال ابن معين: مشهور، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: رمي بالتشيع من السادسة، وقال العجلي: ثقة، وقال الحاكم: هو شيخ من ثقات الكوفيين يجمع حديثه، وقال البخاري: رأيت إسحاق بن راهويه يحتج بحديثه مات في حدود العشرين ومائة (120)(عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي الإمام العلم ثقة فقيه مشهور فاضل من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة وله (80) سنة روى عنه في (19) بابا (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (قال: قلت لعائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة فإنها مدنية، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن الأشوع لداود بن أبي هند في رواية هذا الحديث عن الشعبي، أي قال مسروق قلت لعائشة حين أنكرت رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه (فأين) منك (قوله) تعالى {ثُمَّ

ص: 263

دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} قَالتْ: إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ عليه السلام، كَانَ يَأتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ وَإنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ

ــ

دَنَا فَتَدَلَّى (8)}

) إلخ، هل نسيت ذلك أم غاب معناه عن قلبك الدال على رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى، وفي قوله (ثم دنا فتدلى) تقديم وتأخير ومعناه على تفسير مسروق فتدلى الرب سبحانه ونزل إلى الأفق ثم دنا وتقرب إلى محمد ({فَكَانَ}) قدر مسافة ما بينهما ({قَابَ قَوْسَينِ}) أي قدر ما بين قابي قوس في القرب وشدة الاتصال ({أَوْ أَدْنَى}) أي بل كان ما بينهما أدنى وأقرب مما بين قابي قوس ({فَأَوْحَى}) الرب جل جلاله ({إِلَى عَبْدِهِ}) محمد صلى الله عليه وسلم ({مَا أَوْحَى}) من صنوف الوحي (قالت) عائشة لمسروق ليس معنى الآية كما زعمت يا مسروق (إنما ذاك) الذي تدلى ونزل إلى الأفق فسده ثم دنا وتقرب إلى محمد فأوحى إليه ما أوحى هو (جبريل عليه السلام) فليس ربنا سبحانه (كان) جبريل عليه السلام (يأتيه) صلى الله عليه وسلم قبل ذلك (في صورة الرجال) من بني آدم فكان يأتيه غالبًا في صورة دحية بن خليفة (وإنه) أي وإن جبريل عليه السلام (أتاه) صلى الله عليه وسلم (في هذه المرة في صورته) أي في صورة جبريل (التي هي صورته) الأصلية له ستمائة جناح (فسد) أي ملأ (أفق السماء) ونواحيها، فليس المعنى على ما زعمت يا مسروق من أن الذي أتى محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرب سبحانه جل وعلا.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث ابن عباس فذكره للاستدلال به على رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة وذكره للاستدلال على عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه وذكر فيه ثلاث متابعات، وقد تقدم أن الأصح عند الجماهير حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

***

ص: 264