المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌72 - (31) - باب نزول الأمانة والإيمان في جذر قلوب الرجال، ورفعهما من بعض القلوب، وعرض الفتن عليها - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌72 - (31) - باب نزول الأمانة والإيمان في جذر قلوب الرجال، ورفعهما من بعض القلوب، وعرض الفتن عليها

‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

270 -

(135)(58) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ

ــ

72 -

(31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الأحاديث التي تدل على نزول الإيمان ونزول الأمانة التي هي ثمرة الإيمان في أصل قلوب الرجال وتزايدهما بتعلم القرآن والحديث، وعلى رفعهما شيئًا فشيئًا من بعض القلوب بكثرة المعاصي، واتباع الشهوات، ونزولهما في أصل قلوب الرجال كناية عن خلق الله تعالى في تلك القلوب قابلية التزام حفظهما والقيام بهما.

والمراد بالأمانة على المختار ما يصح به تكليف الإنسان بالإيمان والإيمانيات، وهي الصلاحية الفطرية التي بها يستعد لقبول الطاعات، والاحتراز عن المعاصي، وهذه الأمانة المودعة في قلب بني آدم بالنسبة إلى الإيمان الشرعي بمنزلة تخوم الزروع، وحبوب الأشجار المودعة في بطن الأرض، وأما القرآن والسنة فمثلُهما كمثل الغيث النازل من السماء، فالأرض الطيبة إذا أصابها هذا الغيث يخرج نباتها بإذن ربها، والتي خبثت لا تُخرج إلا نكدًا، بل ربما تضيع التخوم أيضًا، ذكره بشير أحمد قال: وقوله في جذر قلوب الرجال أي أن الأمانة أول ما نزلت في قلوب رجال الله واستولت عليها، فكانت هي الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة.

(270)

- س (135)(58)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين (235) روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا.

قال أبو بكر (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي مولاهم، الضرير الكوفي من التاسعة، مات سنة (195) وله (82) سنة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا.

(ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ من كبار التاسعة، مات في آخر سنة (196) روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه.

ص: 24

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛

ــ

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لبيان أن أبا كريب لم يرو إلا عن أبي معاوية، ولو جمعهما لكان كاذبًا عليه، بنسبة الرواية عن وكيع إليه، مع أنه لم يرو عنه، قال أبو كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم كلاهما أي كل من أبي معاوية ووكيع رويا (عن) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي المعروف بـ (ـالأعمش) ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا (عن زيد بن وهب) الهمداني الجهني من قضاعة، أبي سليمان الكوفي، مخضرم هاجر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، روى عن حذيفة في الإيمان وغيره، وأبي ذر في الصلاة والزكاة، وعلي بن أبي طالب في الزكاة واللباس وعبد الله بن مسعود في الجهاد والقدر، وعبد الرحمن بن عبد رب الكعبة في الجهاد، وجرير بن عبد الله في المناقب، وعمر وعثمان وطائفة، ويروي عنه (ع) والأعمش، ومهاجر أبو الحسن، وعبد العزيز بن رفيع، وسلمة بن كهيل، وعبد الملك بن ميسرة، وإسماعيل بن أبي خالد، وخلائق، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه خلل كثير، وقال في التقريب: ثقة جليل، ولم يُصب من قال في حديثه خلل، مات بعد الثمانين، وقيل: سنة ست وتسعين (96) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا كما مر آنفًا.

(عن حذيفة) بن اليمان العبسي -بموحدة- أبي عبد الله الكوفي، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، وأبوه صحابي أيضًا، استشهد يوم أحد له مائة حديث اتفقا على اثني عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بسبعة عشر، وقد صح في مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة من الفتن والحوادث، مات في أول خلافة علي سنة (36) ست وثلاثين، وقال عمرو بن علي: بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي.

قال النواوي: وحذيفة مدائني كوفي، وقوله (عن الأعمش عن زيد) فيه أن

ص: 25

قَال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَينِ، قَدْ رَأَيتُ أَحَدَهُمَا وَأَنا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا "أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جِذرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ،

ــ

الأعمش مدلس، وقد قدمنا: أن المدلس لا يحتج بروايته إذا قال عن، وجوابه ما قدمناه مراتٍ في الفصول وغيرها: أنه ثبت سماع الأعمش هذا الحديث من زيد من جهة أخرى، فلم يضره بعد هذا قوله فيه عن.

(قال) حذيفة (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين) يعني في خصوص الأمانة، وإلا فرواية حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وعنى بأحد الحديثين قوله:"حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" وبالثاني قوله: "ثم حدثنا عن رفع الأمانة" إلى آخره، قال الأبي: وكان الشيخ ابن عرفة يقول: هما حديث واحد، ولعل الحديث الثاني حديث عرض الفتن.

قال حذيفة (قد رأيت) أنا (أحدهما) وهو نزول الأمانة في جذر القلوب (وأنا أنتظر) وأرقب (الآخر) أي مجيء الحديث الآخر، وهو حديث رفع الأمانة، الأول منهما ما ذكره بقوله (حدثنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادف المصدوق (أن الأمانة نزلت) وحلت وخُلقت (في جذر) بفتح الجيم وكسرها مع سكون الذال المعجمة، أي في أصل (قلوب الرجال) الكاملين، والنساء الكوامل يعني الصالحين والصالحات، أي وجدت في قلوبهم في أول خلقتها وصارت فطرة وطبيعة فيها حتى يعرض عليها ما يزيلها من الفتن، كما يشهد له حديث:"كل مولود يولد على الفطرة ثم أبواه يهودانه أو ينصرانه".

قال صاحب التحرير: (والأمانة) المذكورة في الحديث هي الأمانة المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا} وهي عين الإيمان ونفسه، فإذا استمكنت الأمانة من قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف، واغتنم ما يرد عليه منها، وجد في إقامتها والله أعلم.

قال الطيبي: لعله إنما حملهم على تفسير الأمانة في قوله: "إن الأمانة نزلت" بالإيمان لقوله آخرًا "وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" وهلَّا حملوها على حقيقتها لقوله "ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة" فيكون وضع الإيمان آخرًا موضعها تفخيمًا لشأنها، وحثًا على أدائها، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا دين لمن لا أمانة له".

ص: 26

ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ قَال: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا

ــ

قال القرطبي: (والأمانة) كل ما يوكل إلى الإنسان حفظه، ويخلى بينه وبينه فتدخل فيها الودائع والتكاليف ومنها سُمي التكليف أمانة في قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} .

و(الجذر) الأصل من كل شيء، ومعنى إنزال الأمانة في القلوب، أن الله تعالى جبل القلوب الكاملة على القيام بحق الأمانة، من حفظها واحترامها وأدائها لمستحقها، وعلى النفرة من الخيانة فيها لتنتظم المصالح بذلك اهـ.

وقال الأبي: ونزولها في أصل قلوب الرجال كناية عن خلق الله تعالى في تلك القلوب قابلية التزام حفظها والقيام بها، فلما نزل القرآن والسنة عمل بمقتضاها من خلقت فيه تلك القابلية اهـ.

(ثم) بعد خلقتها في قلوبهم (نزل القرآن) بلفظه والسنة بمعناها (فعلموا) أي علم أولئك الرجال الذين خُلقت الأمانة في قلوبهم (من القرآن) وجوب القيام بتلك الأمانة، ولزوم حفظها، أي بما ذكر فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب (وعلموا من السنة) والحديث تفاصيلها، وكيفية القيام بها وأدائها فعملوا بها.

وفي فتح الملهم: وقوله (ثم نزل القرآن) يعني كان في طباعهم الأمانة بحسب الفطرة التي فطر الناس عليها ووردت الشريعة بذلك فاجتمع الطبع والشرع في حفظها اهـ منه.

والثاني من الحديثين وهو الذي ذكر حذيفة أنه ينتظره ما ذكره بقوله (ثم حدثنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن) كيفية (رفع الأمانة) والإيمان عن قلوب الرجال التي خلقت فيها وطبعت عليها، أي حدثنا عن كيفية رفعها شيئًا فشيئًا فـ (ـقال) في بيانها (ينام الرجل) الذي كان ممن نزلت الأمانة في جذر قلبه (النومة) أي المرة من النوم (فتقبض الأمانة) أي تؤخذ الأمانة والإيمان الذي هو بسببها أي يمحى نور الأمانة والإيمان (من قلبه) أي من جذر قلبه، والنوم في قوله (فينام الرجل النومة) كناية عن الغفلة الموجبة لارتكاب السيئة الباعثة على نقص الأمانة ونقص الإيمان فإن قلنا إن النوم على حقيقته فإن المذكور بعده أمر اضطراري فيكون ما قبله هو السبب له قوله (فتقبض الأمانة) يعني قبض بعضها بدليل ما بعده يعني يقبض بعض ثمرة الإيمان (فيظل أثرها) أي فيصير أثر

ص: 27

مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ،

ــ

محو نورهما منه من القلب (مثل الوكت) أي شبه السواد اليسير، والنقطة الصغيرة، قال الهروي: الوكت: بفتح الواو وسكون الكاف والتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير في الشيء، وقال غيره: هو سواد يسير، وقيل هو لون يحدث مخالف للون الذي كان قبله، يقال: وكتت البسرة إذا وقع فيها نكتة إرطاب من جانبها، فإن كانت في طرفها قيل مذنبة، وقال الزبيدي: الوكت نكتة في العين، وعين موكوتة، والوكت سواد العين (ثم ينام) الرجل المذكور ثانيًا (النومة) أي المرة من النوم (فتقبض الأمانة) أي يمحى نور الأمانة والإيمان (من قلبه) أي من جذر قلبه مرة ثانية زيادة على ما طمس في النومة الأولى (فيظل أثرها) أي فيصير أئر محوها، أي يكون المحل الذي محي منه نورهما من جذر قلبه في المرة الثانية (مثل المجل) أي شبه التنفط الذي يكون في اليد بسبب العمل بفاس أو نحوها شبه القبة فيه ماء قليل، وقال القرطبي: والمجل: هو أن يكون بين الجلد واللحم ماء، يقال: مَجِلت يده تمجل مجلًا، من باب علم، ومجلت تمجل من باب ضرب، ومجلت تمجل من باب قتل، إذا تنفطت من العمل، أي انتفخت جلدها وكان فيه ماء من أثر العمل، وفي النهاية: الوكتة: الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه، والجمع وكت، والمجل: تنفط اليد من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة اهـ.

ويقال: نفطت يده نفطًا من باب تعب، ونفيطًا إذا صار بين الجلد واللحم ماء اهـ مصباح.

ومعنى هذا الكلام أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء منها زال نوره وخلفته ظلمة كالوكت وهو الأثر اليسير، فإذا زال شيء آخر منها خلفته ظلمة هي فوق الأولى، وصار كالمجل وهو أثر محكم لا يزول إلا بعد مدة اهـ من الأبي.

وقال أيضًا: رفعها يحتمل أنه حقيقة وهو عدم بقائها، ثم الأظهر أنه يرفع أهلها كحديث رفع العلم، ويحتمل أنه يرفعها في نفسها، وهو الذي يقتضيه لفظ الحديث، ورفعها إنما هو باعتبار الأكثر لقوله الآتي "إلا فلانًا وفلانًا" يعني أفرادًا من الناس.

ثم مقالة حذيفة هذه إنما كانت والله أعلم وهو بالمدائن لا وهو في المدينة، لكثرة من بها حينئذ من الصحابة والتابعين، وكانوا يتحرون فلا يصح أن يقول حينئذ إلا فلانًا وفلانًا، نعم لم يمت حتى كثُر ما ذكر، لأنه مات في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهم

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن مغيب وقع كما أخبر اهـ منه.

قال السنوسي: قال الطيبي: ثم في قوله "ثم ينام النومة" للتراخي في الرتبة وهي نقيضة ثم في قوله "ثم علموا القرآن ثم علموا من السنة" كما أن علم القرآن والسنة يزيد أصل الأمانة في القلوب ويربيها، كذلك ينقص استمرار رفع الأمانة وقبضها من أثرها، فإن أثر المجل المشبه بالنفاطة التي ليس فيها شيء أبلغ في الخلق من أثر الوكت، وفيه تشبيهان مفردان، شبهت حالهما مجموعة بحالة جمر أثر في عضو ثم نفط وارتفع، وإنما شبه أثر الأمانة أولًا بأثر الوكت ثم ثانيًا بأثر المجل، ثم شبهها بالجمر المدحرجة على الرجل تقبيحًا لحالها وتهجينًا لتستفز عنها النفس وتعافها، فإن الأمانة والخيانة ضدان، فإذا ارتفعت إحداهما تعاقبت الأخرى (قلت) قول الطيبي: وهي نقيضة ثم في قوله "ثم علموا القرآن" يعني في رواية المصابيح، وإلا فالذي في مسلم "ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة" فالعطف بثم إنما وقع عند مسلم في قوله "ثم نزل القرآن" ووقع العطف بالفاء فيما بعده، لكن الذي يجري في رواية "ثم علموا" يجري مثله في رواية ثم نزل.

ومعنى قوله "ينام النومة" والله تعالى أعلم يغفل عن تعظيم أمر الله تعالى بأداء الأمانة وشدة عقوبة المخالفة، وتراكم أهوال الآخرة التي تذوب لمجرد سماع أدنى شيء منها القلوب، فكيف يكون الحال في مشاهدتها وانتشاب القلب والجوارح في مخالب دواهيها غفلة، حق لها أن تسمى لثقلها وتمكنها من العقل حتى غاب عن مراشده، وعما تفاقم أمره النومة المعروفة بالثقل وتغييب العقل والحواس، وليس هو من أهل التقوى الدائمي الانتباه والتيقظ في أمر دينهم، وقصارى الأمر أن يصيبهم من الغفلة ما هو في عدم استيلائه على العقل شِبْهُ السنة فيطرودنه على الفور بنور عقولهم ولا يتركونه للتمكن منهم حتى تصيبهم بسببه آفة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} ثم إن ذلك العاقل مع معرفته بما أفسد بتلك الغفلة العظيمة، لم يحمله ذلك على دوام التيقظ وكمال التحرز والتترس بل التوبة النصوح حتى لا يقع في مثل تلك الغفلة بل عاد هو إلى مثل تلك الغفلة وأشد منها، والمؤمن لا يلدغ في دينه من جحر مرتين، وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اغفر لنا ما مضى، وأصلحنا بما بقي، حتى نلقاك على أحسن حال، بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين اهـ سنوسي.

ص: 29

كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ. فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيسَ فِيهِ شَيءٌ (ثُمَّ أَخَذَ حَصَى

ــ

وقوله (كجمر) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الوكت والمجل ولكنه على تقدير مضاف أي حالة كون أثر الوكت والمجل مثل أثر جمر، وشعلة نار أو أثر حصى (دحرجته) أي دحرجت ذلك الحجر وأسقطته (على رجلك) أي على عضو رجلك (فنفط) عضو الرجل، أي تنفط وانتفخ عضو الرجل، أي الموضع الذي وقع عليه الجمر والحصى من الرجل (فتراه) أي فترى ذلك الموضع الذي وقع عليه الجمر (منتبرًا) أي مرتفعًا منتفخًا (وليس فيه) أي في ذلك الموضع المنتفخ (شيء) من ماء ولا لحم ولا دم، أو المعنى أي تأثير ما بقي من الأمانة عنده كتأثير جمر، فيخيل للرائي أن الرجل ذو أمانة، وهو في ذلك بمثابة نقطة تراها متنفطة مرتفعة كبيرة لا طائل تحتها، وليس فيها شيء صالح، بل ماء فاسد، وعلى هذا المعنى يكون الجار والمجرور في قوله "كجمر" خبرًا لمبتدأ محذوف كما قدرنا.

وقوله (كجمر) في القاموس الجمرة: النار المتقدة، تُجمع على جمر، كثمرة وثمر، والحصاة وهو المراد هنا بدليل ما بعده من قوله: ثم أخذ حصاة إلخ، وقوله (دحرجته) يقال دحرجه دحرجة ودحراجًا فتدحرج أي تتابع في حدورٍ وهبوطٍ من علو إلى سُفلٍ، والمُدَحْرَجُ المُدور، والدحروجة ما يدحرجه الجعل من بنادق الروث أو الغائط اهـ والمعنى كحصى دحرجته وأسقطته على ظهر قدمك فأثر فيه فترى أثره منتفخًا مرتفعًا ليس فيه شيء من ماء ولا لحم، وقوله (فنفط فتراه منتبًا) تذكير الفعل المسند إلى الرِّجْل، وكذا تذكير الضمير في قوله (فتراه منتبرًا) مع أن الرجل مؤنثة بالنظر إلى كونها بمعنى العضو كما في النواوي، والانتبار هو التورم والانتفاخ، وكل مرتفع منتبر، ومنه اشتق المنبر.

وعبارة المفهم هنا قوله (منتبرًا) أي منتفخًا من الانتبار وهو الارتفاع ومنه انتبر الأمير إذا صعد على المنبر، وبه سمي المنبر لارتفاعه، ونبر الجرح أي ورم، والنبر نوع من الذباب يلسع الإبل فيرم مكان لسعه، وكل شيء ارتفع فقد نبر، وقال أبو عبيد: منتبرًا أي متنفطًا.

وقوله (ثم أخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حصىً) من الحصيات أي حصاة، ووقع في بعض الأصول "ثم أخذ حصاة فدحرجه" بإفراد لفظ الحصاة وهو صحيح

ص: 30

فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ) فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لَا يَكَادُ أَحَدْ يُؤَدِّي الأمَانَةَ حَتى يُقَال: إِنَّ في بَنِي فُلانِ رَجُلًا أَمِينًا. حَتَّى يُقَال لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ، مَا أَظْرَفَهُ، مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ"

ــ

(فدحرجه) أي أسقط ذلك الحصى (على رجله) أي على ظهر قدمه، تمثيلًا وتصويرًا لتدحرج الجمر والحصى على الرجل المذكور في قوله: كجمر دحرجته على رجلك كلام مدرج في الحديث، أدرجه حذيفة رضي الله عنه لزيادة البيان والإيضاح قوله (فيصبح الناس) إلخ خبر معطوف على قوله فتقبض الأمانة، أي فيكون الناس الذين قبضت الأمانة من جذر قلوبهم (يتبايعون) في الصباح أي يتعاقدون عقد البيع والشراء في الصباح بعدما قبضت الأمانة من قلوبهم في نومة الليل يعني في الغفلة الواقعة منهم قبل ذلك حالة كونهم (لا يكاد) أي لا يقارب (أحدٌ) منهم (يؤدي الأمانة) الموضوعة عنده إلى مستحقها فيقل الأمناء فيهم (حتى يقال) من غاية قلة الأمانة في الناس (إن في بني فلان رجلًا أمينًا) أي شخصًا واحدًا يُؤْمن ويؤدي الأمانة لا غير، وتقل فيهم الأمانة التي هي ثمرة الإيمان، وتكثر فيهم الخيانة التي هي ثمرة النفاق ويتمرنون عليها (حتى يقال للرجل) المنافق الخائن منهم، أي حتى يقولوا للمنافق الخائن منهم من أرباب الدنيا، ممن له عقل في تحصيل المال والجاه، وطبع في الشعر والنثر، وفصاحة وبلاغة، وقوة بدنية، وشجاعة وشوكة، تعجبًا منه ومدحًا له (ما أجلده) أي ما أقواه في بدنه و (ما أظرفه) أي ما أحسنه في لسانه وأدبه، والظرف عند العرب في اللسان، والحلاوة في الفم، والملاحة في العين، وقال المبرد: الظريف مأخوذ من الظرف وهو الوعاء كأنه جعل وعاء للآداب، وقال غيره: يقال منه ظرف يظرف ظرفًا فهو ظريف وهم ظرفاء، وإنما يقال في الفتيان والفتيات أهل الخفة و (ما أعقله) أي وما أكمله في عقله، وحاصل قولهم ذلك أنهم يمدحونه بكثرة الجلادة والظرافة والعقل، ويتعجبون منه ولا يمدحون أحدًا بكثرة العلم النافع والعمل الصالح، وقوله (وما في قلبه) أي في قلب ذلك الرجل الممدوح حالٌ من الرجل، أي يمدحونه والحال أنه ما في قلبه (مثقال حبة) أي وزن حبة - واحد الحبوب - (من خردل) حب معروف من الأبازير، و (من) بيانية، أي مثقال حبة هي خردل، وقوله (من إيمان) تمييز لمثقال.

قال العيني: وخلاصة ما ذكرناه أن القلب يخلو عن الأمانة، بأن تزول عنه شيئًا فشيئًا، فإذا زال جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال شيء آخر منها

ص: 31

وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ

ــ

صار كالمجل وهو أثر كبير محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه، واعتقاب الظلمة إياها بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى التنفط اهـ عمدة القاري.

فيصبح الناس بعد رفعها خونة فسقة حتى لا يوجد فيهم رجل أمين، ويمدحون الرجل منهم بالشجاعة والفصاحة ورصانة العقل، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.

قال الأبي: وبالجملة فالمقصود من الحديث الإخبار عن تغير الحال برفع الأمانة من تلك القلوب التي جبلت على حفظها وعدم الخون فيها حتى لا يبقى فيها إلا مثل الوكت، ثم مثل المجل على ما تقدم.

قال حذيفة (و) الله الذي نفسي بيده (لقد أتى) ومر (علي زمان وما أبالي) أي والحال أني ما أبالي، ولا أكترث في ذلك الزمان (أيكم بايعت) أي الذي عاقدت معه عقد البيع والشراء منكم، فأي موصولة، والله (لئن كان) الذي عاقدت معه (مسلمًا ليردنه علي) بحقي (دينه) أي حكم دينه، وخوفه من الله تعالى، أي يقضي لي ديني الذي عليه بعقد البيع والشراء.

وفي المفهم وقوله (لا أبالي أيكم بايعت) من البيع لا من المبايعة، لأن اليهودي والنصراني لا يبايع بيعة الإسلام، ولا بيعة الإمامة، وإنما يعني أن الأمانة قد رفعت من الناس فقل من يؤمن على البيع والشراء اهـ.

ومعنى قوله "وما أبالي أيكم بايعت" أي إنه لوثوقه سلفًا بوجود الأمانة في الناس كان يُقْدِمُ على مبايعة من اتفق له من غير بحث عن حاله فلما بدا التغير في الناس وظهرت الخيانة صار لا يبايع إلا من يعرف حاله من الناس، وأي هنا موصولة بمعنى الذي في محل النصب مفعول به لأبالي، وجملة بايعت صلتها والعائد محذوف والتقدير لا أبالي الذي بايعته منكم.

وقوله "لئن كان مسلمًا" جواب عن سؤال مقدر كأن قائلًا قال له: لم تزل الخيانة موجودة، فأجاب بأنه وإن كان الأمر كذلك لكنه كان يثق بالمؤمن لذاته، وبالكافر لوجود ساعيه، وهو الذي يحكم عليه، وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل إلا

ص: 32

وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَوْ يَهُودِيًّا، لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ .. فَمَا كُنْتُ لِأبَايعَ مِنْكُمْ إِلا فُلانًا وَفُلانًا

ــ

المسلم، فكان واثقًا بإنصافه وتخليص حقه من الكافر إن خانه بخلاف العصر الأخير الذي أشار إليه، فإنه صار لا يبايع إلا أفرادًا من الناس يثق بهم اهـ فتح الملهم (1/ 178).

(ولئن كان) الذي أبايعه (نصرانيًّا أو يهوديًّا ليردنه عليَّ) في أداء حقي (ساعيه) أي كفيله وضمينه (وأما اليوم) الحاضر (فما كنت) مريدًا (لأبايع) بكسر اللام ونصب الفعل لأنها لام الجحود لوقوعها بعد كان المنفية بما، أي ما كنت مريدًا البيع مع أحد (منكم إلا فلانًا وفلانًا) أي إلا أفرادًا قلائل من الناس، لرفع الأمانة، وقلة الأمناء.

وقد تقدم آنفًا أن معنى المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان، ومراده أني كنت أعلم أن الأمانة لم ترتفع وأن في الناس وفاءً للعهود فكنت أقدم على مبايعة من اتفق لي من غير بحث عن حاله، وثوقًا بالناس وأمانتهم فإنه إن كان مسلمًا فدينه وأمانته تمنعه من الخيانة، وتحمله على أداء الأمانة، وإن كان كافرًا فساعيه وهو الوالي عليه كان يقوم أيضًا بالأمانة في ولايته فيستخرج حقي منه، وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فما بقي لي وثوق بمن أبايعه ولا بالساعي في أداء الأمانة فما أبايع إلا فلانًا وفلانًا، يعني أفرادًا من الناس أعرفهم وأثق بهم، والحاصل أنه أشار بقوله (إلا فلانًا وفلانًا) إلى العصر الأخير الذي أدركه، والأمانة فيهم بالنسبة إلى العصر الأول أقل، وأما الذي ينتظره فإنه حيث تفقد الأمانة من الجميع إلا النادر، وحاصل هذا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم أنذر برفع الأمانة، وأن الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائنًا بعد أن كان أمينًا، وهذا إنما يقع على ما هو مشاهد لمن خالط أهل الخيانة، فإنه يصير خائنًا، لأن القرين يقتدي بقرينه السابق.

وهذا الحديث أعني حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أحمد (5/ 383) والبخاري (6497) والترمذي (2180) وابن ماجه (4053).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه هذا فقال:

ص: 33

271 -

(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. جَمِيعًا عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

ــ

(271)

- متا (00)(00)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) مصغرًا الهمداني، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا قال محمد (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني، أبو هشام الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (199) روى عنه المؤلف في (17) بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه.

(ح) حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، ثقة مأمون من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في (21) بابًا تقريبًا.

وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، قال إسحاق (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعى، أبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون من الثامنة، مات سنة (191) روى عنه المؤلف في (17) بابًا تقريبًا وقوله (جميعًا) حال من عبد الله بن نمير ووكيع وعيسى بن يونس أي حالة كون كلِّ من الثلاثة مجتمعين في الرواية (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا.

(بهذا الإسناد) أي كلهم رووا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة بن اليمان (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش، وهذان السندان من خماسياته، الأول منهما رجاله كلهم كوفيون، والثاني منهما أيضًا رجاله كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد الله بن نمير ووكيع وعيسى بن يونس لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش.

* * *

ص: 34